استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 384

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 384
المشاهدات: 156879
تحميل: 7229


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 384 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156879 / تحميل: 7229
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ربّك ، ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحداً )(١) .

وفي (الإتقان ) :

( أخرج سعيد بن منصور من طريق سعيد بن جُبير عن ابن عبّاس أنّه كان يقول في قوله :( وَقَضَى‏ رَبّكَ ) إنّما هي : ووصّى ربّك ، التزقت الواو بالصاد .

وأخرجه ابن أشتة بلفظ : استمدّ الكاتب مداداً كثيراً فالتزقت الواو بالصاد .

وأخرج هو من طريق الضحّاك عن ابن عبّاس أنّه كان يقرأ : ووصّى ربّك ، ويقول : أمر ربّك ، إنّهما واوان التصقت إحداهما بالصاد .

وأخرج من طريق أُخرى عن الضحّاك أنّه قال : كيف تقرأ هذا الحرف ؟

قال: وقضى ربّك ، قال : ليس كذلك نقرؤها نحن ولا ابن عبّاس ، إنّما هي : ووصّى ربّك ، كذلك كانت تُقرأ وتُكتب ، فاستمدّ كاتبكم فاحتمل القلم مداداً كثيراً فالتزقت الواو بالصاد ، ثمّ قرأ :( وَصّيْنَا الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) ولو كانت قضاء من الربّ لم يستطع أحد ردّ قضاء الربّ ، ولكنّه وصيّة أوصى بها العباد )(٢) .

وروى السيوطي في (الإتقان ) :

( وما أخرجه سعيد بن منصور وغيره من طريق عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عبّاس إنّه كان يقرأ : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء ، ويقول : خذوا هذه الواو واجعلوها هاهنا : ( الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ) الآية .

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٥ : ٢٥٧ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ مع اختلاف .

١٤١

وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الزّبير بن خرّيت ، عن عكرمة عن ابن عبّاس ، قال : إنزعوا هذه الواو فاجعلوها في :

( الّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ) (١) .

وفي (الدر المنثور ) :

( أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عبّاس ( رضي الله عنهما ) أنّه كان يقرأ : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء ، ويقول : خذوا هذه الواو واجعلوها هاهنا في :( الّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ) (٢) .

وروى في (الإتقان ) :

( وما أخرجه ابن أشتة وابن أبي حاتم من طريق عطاء ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى :( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ) قال : هي خطأ من الكاتب ، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة ، إنّما هي :مثل نور المؤمن كمشكاة )(٣) .

وفي (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله تعالى :( مَثَلُ نُورِهِ ) قال : هي خطأ من الكاتب ، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة ، قال :مثل نور المؤمن كمشكاة )(٤) .

ثمّ حاول السيوطي تأويل هذه الروايات والدفاع عن رواتها :

( وقد أجاب ابن أشتة عن هذه الآثار كلّها : بأنّ المراد أخطأوا في الاختيار

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٨ .

(٢) الدر المنثور ٥ : ٦٣٤ .

(٣) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٨ .

(٤) الدر المنثور ٦ : ١٩٧ .

١٤٢

وما هو الأولى بجمع الناس عليه من الأحرف السبعة ، لا أنّ الذي كُتب خطأ خارج عن القرآن .

قال : فمعنى قول عائشة (حرّف الهجاء ) أُلقي إلى الكاتب هجاء غير ما كان بالأولى أن يُلقى إليه من الأحرف السبعة .

قال : وكذا معنى قول ابن عبّاس : كتبها وهو ناعس ، يعنى فلم يتدبّر الوجه الذي هو أولى من الآخر ، وكذا سائرها )(١) .

وذكر مثل ذلك في رسالته (جزيل المواهب ) :

( ونظير ما قلناه من أنّ المذاهب كلّها صواب ، وأنّها من باب جائز وأفضل لا من باب صواب وخطأ : ما ورد عن جماعة من الصحابة في قراءات مشهورة أنّهم أنكروها على عثمان وقرؤوا غيرها

وأجاب العلماء عن إنكارهم بأنّهم أرادوا أنّ الأولى اختيار غيرها ، ولم يريدوا إنكار القراءة بها البتّة ، وقد عقدتُ لذلك فصلاً في الإتقان ) .

وقال في (الإتقان ) بعد العبارة السابقة :

( وأمّا قول ابن الأنباري ، فإنّه جنح إلى تضعيف الروايات ومعارضتها بروايات أُخر ، عن ابن عبّاس وغيره ، بثبوت هذه الأحرف في القرآن ، والجواب الأوّل أولى وأقعد )(٢) .

هذا ، وقد كان الأولى بالسّيوطي أن يترك التعرّض لمثل هذه الخرافات ، كما تركها ابن حجر ...

ثمّ جاء في (الإتقان ) ما هو الأعجب من ذلك ، حيث قال :

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٩ .

١٤٣

 ( قد حكى أبو عمر الزاهد في كتاب اليواقيت عن ثعلب إنّه قال : إذا اختلف الإعرابان في القرآن ، لم أُفضّل إعراباً على إعراب ، فإذا خرجتُ إلى كلام النّاس فضّلتُ الأقوى .

وقال أبو جعفر النحّاس : السلامة عند أهل الدّين إذا صحّت القرائتان أن لا يقال لإحداهما أجود ؛ لأنّهما جميعاً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيأثم من قال ذلك ، وكان رؤساء الصحابة ( رضوان الله عليهم ) ينكرون مثل هذا .

وقال أبو شامة : أكثر المصنّفون من الترجيح بين قراءة مالك وملك ، حتّى أنّ بعضهم بالغ إلى حدٍّ يكاد يُسقط وجه القراءة الأُخرى ، وليس هذا بمحمودٍ بعد ثبوت القرائتين )(١) .

فإذا كان الترجيح إثماً فكيف بالتخطئة ، وقد عرفنا أنّ ابن عبّاس وعائشة وغيرهما قد خطّأوا آيات عديدة ؟

بل جاء في بعض الآثار الصحيحة أن ترجيح قراءةٍ على قراءةٍ يكاد يكون كفراً !

قال ابن حجر في كلامٍ له في جمع المصاحف :

( وقد جاء عن عثمان أنّه إنّما فعل ذلك بعد أن استشار الصّحابة ، فأخرج ابن أبي داود بإسنادٍ صحيح من طريق سويد بن غفلة قال : قال عليّ : لا تقولوا في عثمان إلاّ خيراً ، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملإٍ منّا

قال : ما تقولون في هذه القراءة ، فقد بلغني أنّ بعضهم يقول إنّ قرائتي خير من قرائتك ، وهذا يكاد يكون كفراً

قلنا : فما ترى ؟

قال : أرى أن يجمع النّاس على مصحف واحد فلا يكون فرقة ولا اختلاف

قلنا : فنعم ما رأيت )(٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٨١ .

(٢) فتح الباري ٩ : ١٥ .

١٤٤

هذا ، وفي (تفسير الثعلبي ) في قوله تعالى :( وَالْمُقِيمِينَ الصّلاَةَ ) :

( اختلفوا في وجه انتصابه ؛ فقالت عائشة وأبان بن عثمان : هو غلط من الكاتب ، ونظيره قوله :

( الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ وَالنّصَارَى)

وقوله :( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (١) .

مجاهد والضحّاك وسعيد بن جُبير ...

وفي (الدر المنثور ) :

( أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله تعالى :

( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ)

قال : هي خطأ من الكتّاب ، وهي في قراءة ابن مسعود : ميثاق الذين أُوتوا الكتاب .

وأخرج ابن جرير عن الربيع أنّه قرأ : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أُوتوا الكتاب قال : وكذلك كان يقرؤها أُبيّ بن كعب

قال الربيع : ألا ترى إنّه يقول :

( ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنصُرُنّهُ ) لتؤمننّ بمحمّد ولتنصرنّه ، قال : هم أهل الكتاب )(٢) .

وفي (تفسير الثعلبي ) بتفسير الآية المتقدّمة :

( قال عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : ( لم يبعث الله نبيّاً ، آدم ومن بعده ، إلاّ أخذ عليه العهد في محمّد ، وأمره بأخذ العهد على قومه ليؤمننّ به ، ولئن بعث وهم أحياء لينصرنّه )

وقال آخرون : إنّما أخذ الميثاق على أهل الكتاب الذين أرسل منهم النبيّون ؛ وهو قول مجاهد والربيع

قال مجاهد : هذا غلط من الكاتب ، وهي في قراءة ابن مسعود واُبيّ بن كعب : وإذ أخذ الله ميثاق الذين

ـــــــــــــــــ

(١) تفسير الثعلبي ٣ : ٤١٤ .

(٢) الدر المنثور ٢ : ٢٥٢ .

١٤٥

قالوا ، ألا ترى إلى قوله : ثمّ جاءكم )(١) .

وفي (الإتقان ) :

( وأخرج ـ أي ابن أشتة ـ من طريق أبي بشر عن سعيد بن جُبير أنّه كان يقرأ : والمقيمين الصّلاة ، ويقول : هو لحن من الكاتب )(٢) .

ثمّ نقل السيوطي عن ابن أشتة تأويلاً غريباً ، فقال :

( أمّا قول سعيد بن جُبير : لحن من الكاتب ، فعنى باللّحن القراءة واللّغة ، يعني : إنّها لغة الذي كتبها وقراءته ، وفيها قراءة أُخرى )(٣) .

واتّبع الضحاك ـ أيضاً ـ ابن عبّاس ، فقد جاء في (الدر المنثور ) :

( أخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن الضحّاك بن مزاحمرضي‌الله‌عنه أنّه قرأها (ووصّى ربّك ) قال : إنّهم ألصقوا إحدى الواوين بالصاد فصارت قافاً )(٤) .

والأقبح الأشنع من ذلك كلّه : قول بعضهم بأنّ في القرآن أغلاطاً لم يتنبّه إليها الرسول الكريم ولا جبريل الأمين فاستمع لما جاء في كتاب (اليواقيت والجواهر ) :

( كان حمزة الزيّات يقول : قرأ سورة يس على الحقّ تعالى حين رأيته ، فلمّا قرأت :( تَنزِيلَ الْعَزِيْزِ الرّحِيمِ ) بضمّ اللاّم فردّ عليّ الحقّ تعالى تنزيل بفتح اللام وقال : إنّي نزّلته تنزيلاً

وقال : قرأت عليه جلّ وعلا أيضاً سورة طه ، فلمّا بلغت إلى قوله تعالى :( وَأَنَا اخْتَرْتُكَ ) فقال تعالى : وإنّا

ـــــــــــــــــ

(١) تفسير الثعلبي ٣ : ١٠٥ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢١ .

(٣) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٤ .

(٤) الدر المنثور ٥ : ٢٥٨ .

١٤٦

اخترناك )(١) .

ونعوذ بالله من هذه الاعتقادات الفاسدة ، في حق كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !

موقف ابن مسعود

ومن العجائب : ما يروونه عن عبد الله بن مسعود ـ هذا الصحابي الجليل ـ بالنسبة إلى هذا القرآن الموجود ، فقد جاء في (جامع الأُصول ) :

( وزاد الترمذي : قال الزهري : فأخبرني عبيد الله بن عبد الله بن مسعود أنّه ـ أي ابن مسعود ـ كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف ، وقال : يا معشر المسلمين أُعزل عن نسخ المصاحف ويتولاّها رجل ـ والله ـ لقد أسلمتُ وإنّه لفي صلب رجل كافر ـ يريد زيد بن ثابت ـ ولذلك قال عبد الله بن مسعود : يا أهل العراق اكتموا المصاحف التي عندكم وغلّوها فإنّ الله يقول :( وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) فالقوا الله بالمصاحف )(٢) .

وفي (فتح الباري ) :

( وفي رواية النسائي وأبي عوانة وابن أبي داود من طريق ابن شهاب ، عن الأعمش عن أبي وائل ، قال : خطبنا عبد الله بن مسعود على المنبر فقال :( وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) غلّوا مصاحفكم ، وكيف تأمرونني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت مِن في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي رواية خمير بن مالك : بيان السبب في قول ابن مسعود هذا ، ولفظه : لمّا أمر بالمصاحف أن تُغَيَّر ، ساء ذلك عبد الله بن مسعود ، فقال : من استطاع ...

ـــــــــــــــــ

(١) اليواقيت والجواهر للشيخ عبد الوهاب الشعراني ١ : ١٦٢ .

(٢) جامع الأُصول ٢ : ٥٠٦/٩٧٥ ـ وانظر الترمذي ٥ : ٢٨٥/٣١٠٤ .

١٤٧

وقال في آخره : أفأترك ما أخذت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي رواية له : فقال : إنّي غال مصحفي فمن استطاع أن يغلّ مصحفه فليفعل .

وعند الحاكم من طريق أبي ميسرة قال : زحتُ فإذا أنا بالأشعري وحذيفة وابن مسعود ، فقال ابن مسعود : والله لا أدفعه ـ يعني مصحفه ـ أقرأني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكره )(١) .

وفي (مجمع البحار ) بتفسير قول ابن مسعود : (ومن يغلل ) :

( يعني : إنّ مصحفه ومصحف أصحابه كان مخالفاً لمصحف الجمهور ، فأنكر عليه النّاس وطلبوا إحراق مصحفه كما فعلوا ، فامتنع وقال لأصحابه : غُلّوا مصاحفكم أي اكتموها ، ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ، وكفاكم به شرفاً ، ثمّ قال إنكاراً : ومن هو الذي تأمروني أن آخذ بقراءته وأترك مصحفي الذي أخذته مِن في رسول الله )(٢) .

هذا، وقد كان في مصحف ابن مسعود زيادة ونقصان بالنسبة إلى المصحف الموجود ، جاء ذلك في كلمات غير واحدٍ من أئمّة القوم ، كالقوشجي ؛ حيث قال مدافعاً عن عثمان في (شرح التجريد ) :

( أُجيب : بأن ضرب ابن مسعود إن صحّ فقد قيل : إنّه لمّا أراد عثمان أن يجمع النّاس على مصحفٍ واحد ، ويرفع الاختلاف بينهم في كتاب الله ، طلب مصحفه منه فأبى ذلك ، مع ما كان فيه من الزيادة والنقصان ، ولم يرض أن يجعل موافقاً لما اتّفق به أجلّة الصحابة ، فأدّبه عثمان لينقاد )(٣) .

وأبو الدرداء

وفي مصحف أبي الدرداء الصحابي ـ أيضاً ـ زيادة كما أخرج مسلم في (الصحيح ) : ( حدّثنا أبوبكر ابن أبي شيبة وأبو كُرَيب ـ واللفظ لأبي بكر ـ قال : حدّثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : قَدِمنا الشام فأتانا أبو الدرداء فقال : فيكم أحد يقرأ على قراءة عبد الله ؟

ـــــــــــــــــ

(١) فتح الباري ٩ : ٣٩ .

(٢) مجمع البحار : ( غلّ ) .

(٣) شرح التجريد للقوشجي : ٣٧٥ .

١٤٨

فقلت : نعم أناقال : فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية : ( وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) ؟

قال : سمعته يقرأ : والليل إذا يغشى والذكر والأُنثى

قال : أنا والله هكذا سمعت رسول الله يقرأ ، ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ (ما خلق ) فلا أُتابعهم )(١) .

وفي (صحيح مسلم ) أيضاً : ( وحدّثني علي بن حجر السعدي حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن داود ابن أبي هند ، عن الشعبي ، عن علقمة قال : لقيت أبا الدرداء فقال لي : ممّن أنت ؟

قلت : من أهل العراق

قال : من أيّهم ؟

قلت : من أهل الكوفة

قال : هل تقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود ؟

قال : قلت : نعم

قال : فاقرأ( وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) فقرأت : والليل إذا يغشى والنّهار إذا تجلّى والذكر والأُنثى قال : فضحك ، ثمّ قال : هكذا سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرؤها )(٢) . وفي (صحيح البخاري ) :

( حدّثنا قبيصة بن عقبة قال : حدّثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : دخلت في نفرٍ من أصحاب عبد الله الشام ، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا فقال : أفيكم من يقرأ ؟

فقلنا : نعم

قال : فأيّكم أقرأ ؟

فأشاروا إليّ

فقال : اقرأ ، فقرأت : والليل إذا يغشى والنّهار إذا تجلّى والذكر والأُنثى

فقال : أنت سمعتها من فيّ صاحبك ؟

ـــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ١ : ٥٦٥ ـ ٥٦٦/٨٢٣ كتاب صلاة المسافرين الباب ٥٠ .

(٢) صحيح مسلم ١ : ٥٦٥ .

١٤٩

قلت : نعم

قال : وأنا سمعتها من فيّ النبيّ وهؤلاء يأبون علينا )(١) .

وفي (صحيح البخاري ) أيضاً : ( حدّثنا عمرو بن حفص ، حدّثنا أبي قاص : حدّثنا الأعمش ، عن إبراهيم قال : قَدِم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم ، فقال : أيّكم يقرأ على قرائة عبد الله ؟

قال : كلّنا

قال : فأيّكم أحفظ ؟

فأشاروا إلى علقمة

قال : كيف سمعته يقرأ :( وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) ؟

قال علقمة : والذكر والأُنثى

قال : أشهد أنّي سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ هكذا ، وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ : ما خلق الذكر والأُنثى ، والله لا أُتابعهم )(٢)

وفي (صحيح الترمذي ) :

( حدّثنا هناد ، نا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم، عن علقمة ، قال : قَدِمنا الشام فأتانا أبو الدرداء ، فقال : أفيكم أحد يقرأ على قراءة عبد الله ؟

فأشاروا إليّ ، فقلت : نعم

قال : كيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية :( وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) ؟

قال : قلت : سمعته يقرؤها : والليل إذا يغشى والذكر والأُنثى

فقال أبو الدرداء : وأنا والله هكذا سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقرؤها ، وهؤلاء يريدونني أن أقرأها : [ و ] ما خلق ، فلا أُتابعهم .

هذا حديث حسن صحيح ، وهكذا قراءة عبد الله بن مسعود : والليل إذا

ـــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٦ : ٢١٠ .

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٢١٠ ـ ٢١١ وفيه : عمر بن حفص .

١٥٠

يغشى والنّهار إذا تجلّى والذكر والأُنثى )(١) .

وجاء في كتاب (المحاضرات ) ما يلي :

( وقيل : أحرق عثمانرضي‌الله‌عنه مصحف ابن مسعود ، وإنّ ابن مسعودرضي‌الله‌عنه كان يقول : لو ملكت كما ملكوا لصنعت بمصحفهم مثل الذي صنعوا بمصحفي )(٢) .

أقول:

قد يُحمل بعض ما جاء في هذه الأخبار والآثار على اختلاف القراءة ، وبعضها الآخر على نسخ التلاوة ، ولكنَّ طرفاً كبيراً من ذلك لا يمكن حمله لا على النسخ ولا على القراءة ، كما هو واضحٌ لأهل العلم والتحقيق ، فهل يلتزم القوم بما جاء في هذه النصوص ؟!

ـــــــــــــــــ

(١) صحيح الترمذي ٥ : ١٩١/٢٩٣٩ كتاب القراءات ، الباب ٧ .

(٢) محاضرات الأُدباء ٢ : ٤٣٣ باختلاف يسير .

١٥١

رجال الحديث والعرفان و ولادة الإمام المهدي صاحب الزمان

وأورد السيّد نصوص ما وقف عليه من عبارات أعلام أهل السنّة ، من عرفاء ومحدّثين ومؤرّخين ، في بلاد الهند وخارجها ، يصرّحون فيها بولادة الإمام المهدي ، وأنّه ابن الإمام الحسن العسكري ، من ولد الإمام أبي عبد الله الحسين الشهيد عليهم الصلاة والسلام ونحن ننقل تلك النصوص ، ونترجم لأصحابها ، تنويهاً بمقامهم وشأنهم بين أهل السنّة :

الشيخ عبد الوهاب الشعراني

قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه (لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ) :

( ومنهم : الشيخ الصالح العابد الزاهد ، ذو الكشف الصحيح والحال العظيم ، الشيخ حسن العراقي ، المدفون فوق الكوم المطِل على بركة الرطلي ، كانرضي‌الله‌عنه عمّر نحو مائة سنة وثلاثين سنة ، ودخلت عليه مرّةً أنا وسيّدي أبو العبّاس الحرشي ، فقال : أُحدّثكم بحديثٍ تعرفون به أمري من حيث كنت شابّاً إلى وقتي هذا ؟

فقلنا : نعم .

فقال : كنت شابّاً أمرد ، أنسج العباء في الشام ، وكنت مسرفاً على نفسي ، فدخلت جامع بني أُميّة فوجدت شخصاً على الكرسي يتكلّم في أمر المهدي وخروجه ، فتشرّب حبّه قلبي وصرت أدعو في سجودي بأنّ الله يجمعني عليه ، فمكثت نحو سنة وأنا أدعو ، فبينما أنا بعد المغرب في الجامع إذ دخل عليّ شخص عليه عمامة كعمائم العجم ، وجبّة من وبر الجمال ، فجسّ بيده على كتفي وقال :

مالك بالاجتماع بي ؟

فقلت له : من أنت ؟

فقال : أنا المهدي

فقبّلت يده وقلت : أمض بنا إلى البيت .

فأجاب وقال : أخْلِ لي مكاناً لا يدخل عليّ فيه أحدٌ غيرك ، فأخليت له .

١٥٢

فمكث عندي سبعة أيّام ولقّنني الذكر ، وأمرني بصوم يوم وإفطار يوم ، وبصلاة خمسمائة ركعة في كلّ ليلة ، وأن لا أضع جنبي على الأرض للنوم إلاّ غلبة .

ثمّ طلب الخروج وقال لي : يا حسن ! لا تجتمع بأحد بعدي ويكفيك ما حصل لك منّي ، فما ثَمّ إلاّ دون ما وصل إليك منّي فلا تتحمّل من أحدٍ بلا فائدة .

فقلت : سمعاً وطاعة .

وخرجت أودّعه ، فأوقفني عند عتبة باب الدار وقال : من هنا .

فأقمت على ذلك سنين عديدة ـ إلى أن قال الشعراني بعد ذكر حكاية سياحة حسن العراقي ـ :

وسألت المهدي عن عمره ؟

فقال : يا ولدي ! عمري الآن ستمائة سنة وعشرون سنة ، ولي عنه الآن مائة سنة .

فقلت ذلك لسيّدي علي الخواصّ فوافقه على عمر المهدي ( رضي الله عنهما )(١) .

وقال في كتابه (اليواقيت والجواهر ) :

( المبحث الخامس والستّون : في بيان أنّ جميع أشراط الساعة التي أخبر بها الشارعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقّ لابدّ أن يقع كلّها قبل قيام الساعة ، وذلك كخروج المهدي ، ثمّ الدجّال ، ثمّ نزول عيسى ، وخروج الدابّة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ورفع القرآن ، وفتح سدّ يأجوج ومأجوج ، حتّى لو لم يبق من الدنيا إلاّ

ـــــــــــــــــ

(١) لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ٢ : ١٣٩ ترجمة الشيخ حسن العراقي .

١٥٣

مقدار يومٍ واحدٍ لوقع ذلك كلّه .

قال الشيخ تقي الدين بن أبي منصور في عقيدته : وكلّ هذه الآيات تقع في المائة الأخيرة من اليوم الذي وعد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُمّته بقوله : إن صلحت أُمّتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف يوم ، يعني من أيّام الربّ المشار إليها بقوله :( وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ ) .

وقال بعض العارفين : وأوّل الألف محسوب من وفاة عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه آخر الخلفاء ، فإنّ تلك المدّة كانت من جملة أيّام نبوّة رسول الله ورسالته ، فمهّد الله تعالى بالخلفاء الأربعة البلاد ، ومرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنْ شاء الله بالألف قوّة سلطان شريعته إلى انتهاء الألف ، ثمّ تأخذ في الاضمحلال إلى أن يصير الدين غريباً كما بدأ ، وذلك الاضمحلال يكون بدايته من مُضِىّ ثلاثين سنة من القرن الحادي عشر ، فهناك يُتَرَقَّب خروج المهدي ، وهو من أولاد الإمام حسن العسكري ، ومولدهعليه‌السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريمعليه‌السلام ، فيكون إلى وقتنا هذا ـ وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة ـ سبعمائة سنة وست سنين ؛ هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المُطِلِّ على برْكة الرطلي بمصر المحروسة ، عن الإمام المهدي حين اجتمع به ووافقه على ذلك شيخنا سيّدي علي الخَوّاص ( رحمهما الله ) .

وعبارة الشيخ محي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات هكذا : واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهديرضي‌الله‌عنه ، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً ؛ فيملؤها قسطاً وعدلاً ، ولو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد ، طوّل الله تعالى ذلك اليوم حتّى يلي هذا الخليفة .

وهو من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولد فاطمة ( رضي الله عنها ) ، جدّه الحسين بن علي بن أبي طالب ، ووالده حسن العسكري ابن الإمام عليّ النقي بالنون ابن محمّد التقي بالتاء ابن الإمام عليّ الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام الصادق ابن الإمام محمّد الباقر ابن الإمام زين العابدين عليّ بن الإمام الحسين ابن الإمام عليّ بن أبي طالب .

١٥٤

يواطئ اسمه اسم رسول الله .

يبايعه المسلمون ما بين الركن والمقام .

يشبه رسول الله في الخلق ـ بفتح الخاء ـ .

وينزل عنه في الخق ـ بضمّها ـ إذ لا يكون أحد مثل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخلاقه والله تعالى يقول :

( وَإِنّكَ لَعَلَى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .

هو أجلى الجبهة ، أقنى الأنف .

أسعد الناس به أهل الكوفة .

يقسم المال بالسويّة ، ويعدل في الرعيّة ، يأتيه الرجل ، فيقول : يا مهدي أعطني ، وبين يديه المال ، فيحثي له ما استطاع أن يحمله .

يخرج على فترة من الدين ، يزع الله به ما لا يزع بالقرآن .

يمسي الرجل جاهلاً وجباناً وبخيلاً فيصبح عالماً شجاعاً كريماً .

يمشي النصر بين يديه .

يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً .

يقفو أثر رسول الله ولا يخطي ، له ملك يُسدّده من حيث لا يراه ، يحمل الكل ، ويعين الضعيف ويساعد على نوائب الحقّ ، يفعل ما يقول ، ويقول ما يفعل ، ويعلم ما يشهد ، يصلحه الله في ليلة ، يفتح المدينة الروميّة بالتكبير مع سبعين ألف من المسلمين من ولد إسحاق ، يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكاء ، يبيد الظلم وأهله ، ويقيم الدين ، وينفخ الروح في الإسلام ، يُعِزّ الله به الإسلام بعد ذلّه ، ويحييه بعد موته ، يضع الجزية ، ويدعو إلى الله بالسيف ، فمن أبى قتل ومن نازعه خُذِل ، يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه حتّى لو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّاً لحكم به .

فلا يبقى في زمانه إلاّ الدّين الخالص عن الرأي ، يخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك ، لظنّهم أنّ الله تعالى لا يحدث بعد أئمّتهم مجتهداً .

١٥٥

وأطال في ذلك وفي ذكر وقائعه معهم ، ثمّ قال : واعلم أنّ المهدي إذا خرج يفرح جميع المسلمين خاصّتهم وعامّتهم ، وله رجال إلهيّون يقيمون دعوته وينصرونه ، وهم الوزراء له ، يتحمّلون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلّد الله له.

ينزل عليه عيسى بن مريمعليه‌السلام بالمنارة البيضاء ، شرقيّ دمشق متّكياً على ملكين : ملك عن يمينه وملك عن شماله ، والنّاس في صلاة العصر ، فيتنحّى له الإمام من مكانه فيتقدّم ويصلّي بالنّاس يوم البأس بسنّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكسر الصليب ويقتل الخنزير .

ويقبض المهديّ طاهراً مطهّراً .

وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغُوطة دمشق ، ويخسف بجيشه في البيداء ، فمن كان مجبوراً من ذلك الجيش مكرهاً يحشر على نيّته ، وقد جاءكم زمانه وأظلّكم أوانه .

وقد ظهر في القرن الرابع اللاّحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو قرن الصحابة ، ثمّ الذي يليه ، ثمّ الذي يلي الثاني ، ثمّ جاء بينها فترات وحدثت أُمور ، وانتشرت أهواء ، وسفكت دماء ، فاختفى إلى يجيء الوقت المعلوم ، فشهداؤه خير الشهداء وأُمناءه أفضل الأُمناء .

قال الشيخ محي الدين : وقد استوزر الله تعالى له طائفةً خبّأهم الحقّ له في مكنون غيبه ، أطلعهم كشفاً وشهوداً على الحقائق وما هو أمر الله عليه في عباده ، وهم على أقدام رجال من الصحابة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وهم من الأعاجم ليس فيهم عربيّ ، لكن لا يتكلّمون إلاّ بالعربيّة ، لهم حافظ من غير جنسهم ، ما عصى الله قطّ هو أخصّ الوزراء وأعلم )(١) .

ثمّ قال الشعراني بعد كلامٍ له :

( فإن قلت : فما صورة ما يحكم به المهدي إذا خرج ؟

هل يحكم بالنصوص أو بالإجتهاد أو بهما ؟

ـــــــــــــــــ

(١) اليواقيت والجواهر ٢ : ٤٢٢ ـ ٤٢٣ .

١٥٦

فالجواب كما قاله الشيخ محي الدين : إنّه يحكم بما ألقى إليه ملك الإلهام من الشريعة ، وذلك أن يلهمه الله الشرع المحمّديّ فيحكم به كما أشار إليه حديث المهدي : إنّه يقفو أثري ، فعرّفناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه متّبع لا مبتدع ، وأنّه معصوم في حكمه ، إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلاّ أنّه لا يخطئ ، وحكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخطئ ، فإنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ، وقد أخبر عن المهدي أنّه لا يخطئ وجعله ملحقاً بالأنبياء في ذلك الحكم .

قال الشيخ : فعلم أنّه يحرم على المهدي القياس مع وجود النصوص التي منحه الله إيّاها على لسان ملك الإلهام .

بل حرّم بعض المحقّقين على جميع أهل الله القياس ؛ لكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشهوداً لهم ، فإذا شكّوا في صحّة حديث أو حكم رجعوا إليه في ذلك فأخبرهم بالأمر الحقّ يقظةً ومشافهةً ، وصاحب هذا المشهد لا يحتاج إلى تقليد أحد من الأئمّة غير رسول الله ، قال الله تعالى :( قُلْ هذِهِ سَبِيلي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلَى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتّبَعَنِي ) وأطال في ذلك )(١) .

أقول : وفي النصوص المتقدّمة ، إقرار جماعةٍ من الأعلام بوجود المهديعليه‌السلام ، ولربّما يوجد فيها ما لا تساعد عليه الأدلّة .

ترجمة الشعراني

هو : الشيخ أبو المواهب عبد الوهّاب بن علي الشعراني المتوفّى سنة ٩٧٣ :

قال ابن المعاد ـ في وفيات السنة المذكورة ـ : وفيها : الشيخ عبد الوهّاب ابن أحمد الشعراوي الشافعي

قال الشيخ عبد الرؤف المناوي في طبقاته : هو شيخنا الإمام العامل ، العابد ، الفقيه ، المحدّث ، الأُصولي ، الصوفي المربّي ، المسلك ، من ذريّة محمّد بن الحنفيّة جدّ واجتهد ، فخفظ عدّة متون وعرض ما حفظ على علماء عصره .

ثمّ شرع في القراءة وحبّب إليه الحديث ، فلزم الاشتغال به والأخذ عن أهله ، ومع ذلك ، لم يكن عنده جمود المحدّثين ولا لدونة النقلة ، بل هو

ـــــــــــــــــ

(١) اليواقيت والجواهر ٢ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥ .

١٥٧

فقيه النظر صوفي الخبر ...

ثمّ أقبل على الاشتغال بالطريق فجاهد نفسه مدّةً وقطع العلائق الدنيويّة ، ومكث سنين لا يضطجع على الأرض ليلاً ولا نهاراً ، بل اتّخذ له حبلاً بسقف خلوته يجعله في عنقه ليلاً حتى لا يسقط ، وكان يطوي الأيّام المتوالية ويديم الصوم حتّى قويت روحانيّته ، فصار يطير من صحن الجامع الغمري إلى سطحه ...

ثمّ تصدّى للتصنيف ، فألّف كتباً ...

وحسده طوائف ، فدسّوا عليه كلمات يخالف ظاهرها الشرع ، وعقائد زائفة ومسائل تخالف الإجماع ، وأقاموا عليه القيامة وشنّعوا وسبّوا ورموه بكلّ عظيمة ، فخذلهم الله وأظهره عليهم .

وكان مواظباً على السنّة ، مبالغاً في الورع ، مؤثراً ذوي الفاقة على نفسه ...

ومن كلامه : دوروا مع الشرع كيف كان لا مع الكشف فإنّه قد يخطئ )(١) .

الشيخ المودودي

وتبعهم الشيخ علي أكبر بن أسد الله المودودي وهو من علمائهم المتأخرين ، فإنّه قال في (المكاشفاتِ ـ حاشية النفحات ) بترجمة علي بن سهل بن ألأزهر الأصفهاني :

( ولقد قالوا : إنّ عدم الخطأ في الحكم مخصوص بالأنبياء آكد الخصوصيّة ، والشيخ رضي الله عنه يخالفهم في ذلك ؛ لحديثٍ ورد في شأن

ـــــــــــــــــ

(١) شذرات الذهب في أخبار من ذهب ٨ : ٣٧٢ ـ ٣٧٤ .

١٥٨

الإمام المهدي الموعود على جدّه وعليه الصلاة والسلام ، كما ذكر ذلك صاحب اليواقيت عنه ، حيث قال : صرّح الشيخرضي‌الله‌عنه في الفتوحات : بأنّ الإمام المهدي يحكم بما ألقى إليه ملك الإلهام من الشريعة ؛ وذلك أنّه يلهمه الشرع المحمّدي ، فيحكم به كما أشار إليه حديث المهدي إنّه يقفو أثري لا يخطيء ، فعرّفناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه متّبع لا مبتدع ، وأنّه معصوم في حكمه ، إذ لا معنى للمعصوم في أمرٍ إلاّ أنّه لا يخطي ، وحكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخطيء فإنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يُوحى ، وقد أخبر عن المهدي أنّه لا يخطيء وجعله ملحقاً بالأنبياء في ذلك الحكم ، وأطال صاحب اليواقيت في ذلك نقلاً عن الشيخرضي‌الله‌عنه وعن غيره من العلماء والفضلاء من أهل السنّة والجماعة .

وقال ( رحمة الله عليه ) في المبحث الحادي والثلاثين ، في بيان عصمة الأنبياء من كلّ حركةٍ وسكون وقولٍ وفعلٍ ينقص مقامهم الأكمل ؛ وذلك لدوام عكوفهم في حضرة الله تعالى الخاصّة ؛ فتارة يشهدونه سبحانه وتارة يشهدون أنّه يراهم ولا يرونه ، ولا يخرجون أبداً عن شهود هذين الأمرين ، ومن كان مقامه كذلك ، لا يتصوّر في حقّه مخالفة قطّ ، صوريّة كما سيأتي بيانه ، وتسمّى هذه :حضرة الإحسان ، ومنها عصم الأنبياء وحفظ الأولياء ؛ فالأولياء يخرجون ويدخلون ، والأنبياء مقيمون ، ومن أقام فيها من الأولياء كسهل بن عبد الله التستري وسيّدي إبراهيم المتبولي ، فإنّما ذلك بحكم الإرث والتبعيّة للأنبياء ، استمداداً من مقامهم لا بحكم الاستقلال فافهم .

ثمّ قال في المبحث الخامس والأربعين :

قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذليرضي‌الله‌عنه : إنّ للقطب خمسة عشر علامة : أن يمدّد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش ، ويكشف له عن حقيقة الذات ، وإحاطة الصفات إلى آخره ؛ فبهذا صحّ مذهب من ذهب إلى كون غير النبي معصوماً ، ومن قيّد العصمة في زمرةٍ معدودةٍ ونفاها عن غير تلك الزمرة فقد سلك مسلكاً آخر ، وله أيضاً وجه يعلمه من علمه ، فإنّ الحكم بكون المهدي الموعودرضي‌الله‌عنه موجوداً وهو كان قطباً بعد أبيه الحسن العسكريعليهما‌السلام ، كما

١٥٩

كان هو قطباً بعد أبيه ، إلى الإمام عليّ بن أبي طالب كرّمنا الله بوجوههم ، يشير إلى صحّة حصر تلك الرتبة في وجوداتهم ، من حين كان القطبيّة في وجود جدّه عليّ بن أبي طالب ، إلى أن تتمّ فيه لا قبل ذلك ، فكلّ قطبٍ فرد يكون على تلك الرتبة نيابة عنه لغيبوبته عن أعين العوام والخواصّ لا عن أعين أخصّ الخواص ، وقد ذكر ذلك عن الشيخ صاحب اليواقيت وعن غيره أيضاً ( رضي الله عنه وعنهم ) ، فلابدّ أن يكون لكلّ إمام من الأئمّة الاثنى عشر عصمة ؛ خذ هذه الفائدة .

قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي في المبحث الخامس والستين : قال الشيخ تقي الدين بن أبي المنصور في عقيدته ، بعد ذكر تعيين السنين للقيامة : فهناك يترقّب خروج المهديعليه‌السلام ، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري ، ومولدهعليه‌السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريمعليهما‌السلام ، فيكون عمره إلى وقتنا هذا ـ وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة ـ سبعمائة سنة وست سنين ؛ هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي عن الإمام المهدي حين اجتمع به ، ووافقه على ذلك شيخنا سيّدي علي الخواص ( رحمه الله تعالى ) .

وعبارة الشيخ محي الدين في الباب السادس والسبعين وثلاثمائة من الفتوحات : واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهديعليه‌السلام ، ثمّ قال : وهو من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من ولد فاطمة ( رضي الله عنها ) ، جدّه الحسين بن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، ووالده الحسن العسكري ابن الإمام عليّ النقي بالنون ابن الإمام التقي بالتاء ابن الإمام عليّ الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمّد الباقر ابن الإمام زين العابدين ابن الإمام الحسين ابن الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، يواطئ اسمه اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٦٠