استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام13%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227074 / تحميل: 8323
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

يقف على حقيقته، أو أنه عرف نفس الأمر فنسيها عند الكتابة، أو أغضى عنها لأمرٍ دبّر بليل، أو أنّه ما يبالي بما يقول.

أوليس المسعودي المتوفى ٣٤٦هـ يقول في التنبيه والأشراف ص٢٢١: وولد علي رضي الله عنه وشيعته يعظّمون هذا اليوم؟!

أوليس الكليني الراوي لحديث عيد الغدير في الكافي توفي سنة ٣٢٩هـ؟ وقبله فرات بن ابراهيم الكوفي المفسّر الراوي لحديثه الآخر...

فالكتب هذه الفت قبل ما ذكراه - النويري والمقريزي - من التأريخ (٣٥٢).

أوليس الفيّاض بن محمد بن عمر الطوسي قد أخبر به سنة ٢٥٩هـ وذكر أنه شاهد الامام الرضا سلام الله عليه - المتوفى سنة ٢٠٣ - يتعيد في هذا اليوم ويذكر فضله وقدمه؟! ويروي ذلك عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام.

والامام الصادق المتوفى سنة ١٤٨هـ قد علّم أصحابه بذلك كلّه وأخبرهم بما جرت عليه سنن الأنبياء من اتخاذ يوم نصبوا فيه خلفاءهم عيداً...

هذه عقيدة عيد الغدير، لكن الرجلين أرادا طعنا بالشيعة، فأنكرا ذلك السلف الصالح وصوّراه بدعة مغزوّة إلى معزّ الدولة، وهما يحسبان أنه لا يقف على كلامهما من يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب.

الغدير: ١/٢٨٧ - ٢٨٩، نهاية الأرب: ١/١٧٧، الخطط: ٢/٢٢٢.

ولزيادة الإطلاع عن هذه المسألة راجع: كشف المهم في خبر غدير خم للسيّد هاشم البحراني، عبقات الانوار للعلامة مير حامد حسين، الغدير للعلامة الأميني، منهج في الانتماء المذهبي: ٩٠ - ١٥٦، الغدير في التراث لاسلامي للعلامة السيد عبدالعزيز الطباطبائي، حديث الغدير رواته كثيرون للغاية قليلون للغاية للسيد عبدالعزيز الطباطبائي، الغدير في حديث العترة الطاهرة للسيّد محمد جواد الشبيري، ومصادر أخرى كثيرة.

٤١

ذكر الاحداث حسب تسلسل السنين: ٣٣٦هـ - ٤١٣هـ

٤٢

سنة ٣٣٦هـ:

فيها: في الحادي عشر من ذي القعدة ولد محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبدالسلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهيب بن هلال بن أوس بن سعيد ابن سنان بن عبدالدار بن الريّان بن قطر بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عكة بن خلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

وقيل: مولده سنة ٣٣٨هـ.

قال الخطيب البغدادي: شيخ الرافضة، والمتعلم على مذاهبهم، صنّف كتباً كثيرة في ضلالاتهم والذبّ عن اعتقاداتهم ومقالاتهم والطعن على السلف الماضين من الصحابة والتابعين وعامّ الفقهاء والمجتهدين، وكان أحد أئمة الضلال، هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه.

وما ذكره الخطيب ليس هو إلاّ فرداً من افراد التعصّب الّذي جرى لكثير من المؤرّخين قبال علماء الشيعة، فعلماء الشيعة مهما ارتقت درجتهم العلميّة وازدادوا تقىً كثر تعصّب علماء السنّة تجاههم، وشرعوا بإلقاء التهم عليهم، واستعملوا أسوء الألفاظ في حقّهم، وهذا هو التعصّب بعينه وخروج عن انصافٍ وسوء أدبٍ.

ومعلوم أن سلاح العلماء الأتقياء الّذين هدفهم إصابة الحق لا غير هو البرهان والمجادلة بالّتي هي أحسن واستعمال اللين ومقابلة الآخرين بأحسن الأخلاق وألطف تعبير.

وأمّا الّذين يقابلون الدليل بالسياط والتبعيد والقتل والسب واستعمال الألفاظ الرديئة، فهذا سلاح العاجزين عن الدليل، وهو أقوى حجّة لمعرفة الحقّ في أيّ

٤٣

طرف من كفّتي الميزان.

وهذا ما جرى على شيخنا المفيد، فإنه رضوان الله عليه بأسلوبه البديع واخلاقه العظيمة ودليله القاطع بيّن معتقده خدمةً للحق، فوقف أمامه العامّة، وأبدوا تعصّباً ملحوظاً تجاهه، وبدل ردّهم عليه بالمثل والدليل استعملوا أسوء الألفاظ في حقّه وأغلظوا معه في القول، حتّى بعّد عن وطنه عدّة مرّات.

قال معاصره الأكبر منه سنّاً ابن النديم: ابن المعلم أبو عبدالله، في عصرنا انتهت إليه رئاسة متكلّمي الشيعة، مقدّم في صناعة الكلام، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعاً.

قال ابن أبي طيّ: هو شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهيّة، وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

قال الشيخ ابو العباس النجاشي: شيخنا، وأستاذنا رضي الله عنه، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم.

قال ابن الجوزي: شيخ الإمامية وعالمها، صنّف على مذهبهم، ومن أصحابه المرتضى، وكان لابن المعلّم مجلس نظر بداره - بدرب رياح - يحضره كافّة العلماء، وكانت له منزلة عند أمراء الأطراف يميلهم إلى مذهبه.

فهرست ابن النديم: ١٧٨، رجال النجاشي: ٣٩٩ - ٤٠٣ ترجمة رقم ١٠٦٧، تاريخ بغداد: ٣/٢٣١، المنتظم: ٨/١١ - ١٢، العبر: ٣/١١٤ - ١٥٥، مرآة الجنان: ٣/٢٨.

سنة ٣٣٨هـ:

فيها: في آخر ربيع الأول وقعت فتنة بين الشيعة والسنّة، ونهبت الكرخ.

٤٤

المنتظم: ٦/٣٦٣ - ٣٦٤، البداية والنهاية: ١١/٢٢١، شذرات الذهب: ٢/٣٤٥.

الكرخ يسكنها الشيعة الإمامية، بين شرقها والقبلة محلّة باب البصرة وأهلها سنة، وفي جنوبها المحلّة المعروفة بنهر القلاّئين وأهلها سنة، وعن يسار قبلتها محلّة تعرف بباب المحوّل وأهلها سنة، وتقع الكرخ غربي مدينة بغداد.

معجم البلدان: ٤/٤٤٨، المنجد: ٨٥٦.

وعند ملاحظة الكرخ من الناحية الجغرافيّة نشاهد بوضوح أنها محصارة بين عدّة مدن يقطنها العامة المتعصّبون ضدّ الشيعة، فالكرخ دائمة هي الضحيّة عند وقوع أيّ اختلاف، فكأنّ السّنة على أهبة الاستعداد يتوقّعون الفرص للهجوم على الشيعة في الكرخ وإيقاع المجازر فيها والنهب والحرق!!

سنة ٣٤٠هـ:

فيها: في شهر رمضان وقعت فتنه عظيمة بسبب المذهب.

البداية والنهاية: ١١/٢٢٤.

سنة ٣٤٥هـ:

فيها: وقعت فتنة عظيمة بأصبهان بين أهل اصبهان وأهل قم بسبب المذاهب، وكان سببها أنّه قيل: عن رجلٍ قمي أنه سبّ بعض الصحابة، وكان من أصحاب شحنه أصفهان، فثار أهلها واستغاثوا بأهل السواد، فاجتمعوا في خلق لا يحصون كثرة، وحضروا دار الشحنة، وقتلوا من الشيعة خلقاً كثيراً، ونهب أهل أصفهان أموال التجار من أهل قم، فبلغ الخبر ركن الدولة، فغضب لذلك، فصادر أهل

٤٥

أصفهان بأموال كثيرة كما نقل ابن كثير، ونقل بن الاثير أنّ ركن الدولة غضب لذلك وأرسل اليها فطرح على أهلها مالاً كيراً.

الكامل في التاريخ: ٨/٥١٧، البداية والنهاية: ١١/٢٣٠.

وركن الدولة هو: الحسن بن بويه أخو معزّ الدولة، ملك اصفهان سنة ٣٢٨هـ، وملك طبرستان سنة ٣٣٦هـ، وسار منها إلى جرجان فملكها، كان حليماً كريماً، كان يقصد المساجد الجامعة في أشهر الصيام للصلاة وينصب لردّ المظالم ويتعهد العلويّين بالأموال، توفي بالري ليلة السبت لاثني عشر ليلة بقيت من المحرم سنة ٣٣٦، وقد زاد على سبعين سنة، وكانت مدّة امارته أربعاً وأربعين سنة.

نهاية الأرب: ٢٦/١٧٥ - ١٧٩.

ولا أعلم على أيّ قانون كانوا يسيرون وعلى أيّ أسسٍ اعتمدوا، فهل سبّ واحدٍ من الشيعة لبعض الصحابة يوجب كلّ هذا؟!! قتل! ونهب! وما ذنب الآخرين؟!

وهذا مبنيّ على أنّ الصحابة كلّهم عدول، وأيّ دليل ينهض على هذا؟ وهل الصحبة لوحدها كافية ليكون المرء عادلاً؟ والقرآن صريح بخلاف هذا، راجع ما ذكرناه في المقدّمة مفصّلاً حول الصحابة.

سنة ٣٤٦هـ:

فيها: في آخر المحرّم كانت فتنة للعامة بالكرخ، كذا قال ابن الجوزي، وقال ابن كثير: في سنة ٣٤٦هـ وقعت فتنة بين أهل الكرخ وأهل السنة بسبب السب، فقتل من الفريقين خلق كثير، ولم يعيّن أيّ شهرٍ وقعت الفتنة، فيحتمل أن تكون فتنة واحدة حدثت في هذه السنة، ويحتمل تكرر الفتنة.

المنتظم ٦/٣٨٤، البداية والنهاية: ١١/٢٣٢.

٤٦

سنة ٣٤٨ هـ:

فيها: في جمادى الأولى اتصلت الفتن بين الشيعة والسنة قتل بينهم خلق ووقع حريق كثير في باب الطاق، ولم يذكر لنا التاريخ السبب.

المنتظم: ٦/٣٩٠، الكامل في التاريخ: ٨/٥٢٧، البداية والنهاية: ١١/٢٣٤، شذرات الذهب: ٢/٣٧٦.

وباب الطاق: محلّه كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي تعرف بطاق اسماء.

معجم البلدان: ٥/٣٠٨.

سنة ٣٤٩هـ:

فيها: في يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان على حدّ تعبير ابن الجوزي، وخامس شعبان على قول ابن الأثير، وقعت فتنة عظيمة بين السنّة والشيعة في القنطرة الجديدة، قتل فيها خلق كثير، وتعطّلت الجمعة من الغد في جميع المساجد من الجانبين سوى مسجد براثا فإنّ الصلاة تمّت فيه، ولم ينقل لنا المؤرّخون سبب الفتنة، بل ذكروا: وكان جماعة من بني هاشم قد أثاروا الفتنة فاعتقلهم معزّ الدولة ابن بويه فسكنت الفتنة، ونقل بعضهم: ثمّ قبض معزّ الدولة على جماعة من أهل السيف للمصلحة فسكتوا، ونقل آخر: ثمّ رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميّين فسكنت الفتنة.

المنتظم: ٦/٣٩٤ - ٣٩٥، الكامل في التاريخ: ٨/٥٣٣، دول الاسلام: ١٩٣، البداية والنهاية: ١١/٢٣٦، النجوم الزاهرة: ٣/٣٢٣، العبر: ٢/٢٨٠، مرآة الجنان: ٢/٣٤٢ - ٣٤٣، تاريخ الاسلام: ٢٣١ حوادث ووفيات ٣٤١هـ - ٣٥٠هـ، شذرات الذهب

٤٧

٢/٣٧٩.

والقنطرة الجديدة أول من بناها المنصور، وكانت تلي دور الصحابة وطاق الحرّاني، جدّدت عدة مرات.

معجم البلدان: ٤/٤٠٦.

ومسجد براثا واقع في محلّة براثا طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محوّل، وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية، مرّ بها علي بن ابي طالب عليه السلام لقتال الحروريّة الخوارج بالنهروان وصلّى في موضع من الجانب المذكور، وتعرّض هذا المسجد عدّة مرّات للهدم، لاجتماع قوم من الشيعة فيه، هدمه الراضي بالله حتّى سوّى به الارض، ثمّ أمر بجكم الماكاني أمير الأمراء ببغداد بإعادة بنائه.

معجم البلدان: ١/٣٦٢ - ٣٦٣.

ومعزّ الدولة هو: أحمد بن بويه، مرّشيء من أخباره في المقدّمة في أحوال بني بويه، استولى على بغداد سنة ٣٣٤هـ في خلافة المستكفي بالله، كان بواسط وقد جهّز الجيوش لمحاربة عمران بن شاهين الخارج عليه، فازداد عليه المرض، فرجع إلى بغداد، وعهد إلى ابنه بختيار، وتوفي لأربع ساعات مضين من ليلة الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر سنة ٣٥٦هـ، وكانت امارته إحدى وعشرين سنة واحد عشر شهراً، وعمره ثلاث وخمسون سنة، ودفن بداره، ثمّ نقل إلى مشهد بني له في مقابر قريش.

المنتظم: ٧/٣٨ - ٣٩، نهاية الأرب: ٢٦/١٨٢ - ١٩٢.

وأمّا سبب الفتنة فغير معلوم، والنقل مضطرب كما ذكرنا، وحبس معزّ الدولة بعض الهاشميّين كان لإقناع السنة الّذين يشكّلون الأكثرية في بغداد، وهذا لا يدّل على حقّانيّتهم، ومعزّ الدولة كان شيعيّاً ومع ذلك يريد الحفاظ على مملكته، فإذا

٤٨

اقتضت المصلحة حبس بعض الشيعة للحفاظ على ملكه فعل، راجع ما كتبناه في المقدّمة في أحوال بني بويه وعقيدتهم.

سنة ٢٥٣هـ:

فيها: في جمادى الأولى كانت فتنة عظيمة في البصرة وبهمذان بين العامة بسبب المذاهب على حدّ تعبير ابن الاثير، وبسبب السب على حدّ تعبير ابن كثير، قتل فيها خلق كثير وجمّ غفير.

الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٤، البداية والنهاية: ١١/٢٤١.

وسبب الفتنة أيضاً غير واضح، والسبّ لوحده غير مبرّر لهجوم السنّة على الشيعة وإيقاع القتل العام والنهب وإشعال الفتنة.

سنة ٣٥٢هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم غلقت الأسواق ببغداد، وعطّل البيع، ولم يذبح القصّابون، ولا طبخ الهرّاسون، ولا ترك الناس أن يستقوا الماء، ونصبت القباب في الأسواق، وعلّقت عليها المسوح، وخرج النساء يلطمن وجوههنّ على الحسين، وأقيمت النائحة على الحسين سلام الله عليه.

وذكر بعض المؤرّخين أنّ هذا كان بأمر معزّ الدولة، وبعضهم نقله من دون أن يذكر أنه بأمر أحدٍ.

وذكر ابن الأثير وابن كثير: ولم يكن للسنة قدرة على المنع منه، لكثرة الشيعة، ولأنّ السلطان معهم.

ولا أعلم لماذا يحاول أهل السنة منع هذا الشعار ومحاربته، وقد عقد مأتم

٤٩

الحسين قبل استشهاده من قبل خاتم الرسل، وإقامة هذا المأتم في السماء من قبل الملائكة، حتّى الجنّ أقامت المأتم وناحت على الحسين سلام الله عليه، راجع المقدّمة عن هذا الموضوع.

وقال الحافظ الذهبي بعد نقله لما حدث في يوم العاشر: وهذا اول ما نيح عليه، اللهمّ ثبّت علينا عقولنا.

وما هو مقصوده من: اللهمّ ثبّت علينا عقولنا؟ وهل ما علمته الشيعة من إقامة العزاء على سيّد الشهداء مخالف للعقول السليمة، وقد بكى عليه خير الخلق رسول الله وأقام المأتم عليه وأقامت الملائكة في السماء العزاء عليه وناحت عليه الجنّ؟!! راجع المقدمة حول هذا الموضوع.

وقال الأتابكي: قلت: وهذا أول يوم وقع فيه هذه العادة القبيحة الشيعية ببغداد، وكان ذلك في صحيفة معزّ الدولة بن بويه، ثمّ اقتدى به من جاء بعده من بني بويه وكلّ منهم رافضي!! خبيث!!

أقول: الم يخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله بما يجري على الحسين عليه السلام بعد ولادة الحسين، وبكاء النبي ومن في البيت على هذا المصاب، وهو اول عزاء يعقد على الحسين الشهيد، كما ذكرناه في المقدّمة، فمتى صار احياء ذكرى الحسين عليه السلام عادة قبيحة؟!! وتشاهد بوضوح عزيزي القارىء محاولة بعض المؤرّخين بجعل اقامة المأتم على الحسين انما كان ابتداؤه زمن معزّ الدولة!! وهذا جهل وتعصّب منهم، راجع المقدّمة الرابعة حول قضيذة الحسين كي يتبّين لك الأمر.

المنتظم: ٧/١٥، الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٩، مرآة الجنان: ٢/٣٤٧، تاريخ الاسلام: ١١ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، العبر: ٢/٢٩٤، دول الاسلام: ١٩٥،

٥٠

البداية والنهاية: ١١/٢٤٣، تكملة تاريخ الطبري: ٣٩٧، شذرات الذهب: ٣/٩، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٤.

وفيها: في ليلة الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة - وهويوم عيد غدير خم - أشعلت النيران، وضربت الدبادب والبوقات، وبكر الناس الى مقابر قريش، وأظهرت الزينة في البلد، وفتحت الأسواق بالليل كما يفعل في ليالي الأعياد، وكان يوماً مشهوداً.

وقال الحافظ الذهبي بعد ذكر الحادث: فنعوذ بالله من الضلال!!

وقال ابن كثير: فكان وقتاً عجيباً وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة!!

ولا أعلم أين البدعة الشنيعة؟! والظاهرة المنكرة؟! كي يتعوّذ بالله منها، ألم ينصب رسول الله عليّاً في هذا اليوم خليفة، وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ وال من ولاه وعادي من عاداه؟! ألم ينزل جبرئيل باكمال الدين بعد هذا؟! ألم يبايع المسلمون عليّاً يوم الغدير واحداً بعد الآخر... وقال له عمر: هنيئاً لك يا ابن ابي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة؟! ألا يحقّ للمسلمين أن يتخذوه عيدا ويفرحوا به... وقد وردت روايات كثيرة من طرق الخاصّة عن الأئمة عليهم السلام باتخاذ هذا اليوم عيداً، والتفصيل راجع المقدمة الخامسة حول هذا الموضوع.

المنتظم: ٧/١٦، الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٩ - ٥٥٠، مرآة الجنان: ٢/٣٤٧، شذرات الذهب: ٣/٩، البداية والنهاية: ١١/٢٤٣، تكملة تاريخ الطبري: ٤٠٠، تاريخ الاسلام: ١٢ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، دول الاسلام: ١٩٥ - ١٩٦.

٥١

سنة ٣٥٣هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم عملت الشيعة المأتم على سيّد الشهداء الحسين عليه السلام، وعطّلت الأسواق وأقامت النوح، فلمّا أضحى النهار يومئذٍ وقعت فتنة عظيمة في قطيعة أم جعفر وطريق مقابر قريش بين السنّة والشيعة، واقتتلا قتالا شديداً، ونهبت الأموال، ووقعت بينهم جراحات.

المنتظم: ٧/١٩، الكامل في التاريخ: ٨/٥٥٨، تاريخ الاسلام: ١٣ حوادث ووفيات ٣٥١ - ٣٨٠، البداية والنهاية: ١١/٢٥٣، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٦.

وقطيعة أم جعفر: محلّة ببغداد عند باب التين، وهو الموضع الّذي فيه مشهد موسى بن جعفر قرب الحريم بين دار الرقيق وباب خراسان، وقيل: قطيعة ام جعفر بنهر القلاّئين، ولعلّها اثنتان، وام جعفر هي: زبيدة بنت جعفر بن المنصور أم محمد الامين.

معجم البلدان: ٤/٣٧٦.

وهذه هي التعصّبات الجاهليّة ضدّ الشيعة لا غير، ففرقة لها مبانيها ورسومها تسير عليها، وتقيم مأتماً على امامها وتنصب له العزاء في كلّ سنة، فأيّ دخلٍ لفرقةٍ أخرى حتّى تمنعها، وأيّ قانونٍ يجيز لها قتل ونهب الفرقة الأخرى، وهل اقامة العزاء على ابن بنت رسول الله حكمة القتل والنهب والإباحة؟! أيّ انسانٍ حرّ الضمير يقبل هذا؟!

سنة ٣٥٤هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم أقامت الشيعة العزاء على الحسين سيّد الشهداء والنوح واللطم وعطّلت الاسواق.

٥٢

وقال الأتابكي: ولم يتحرّك لهم السنّية خوفاً من معزّ الدولة ابن بويه.

وكأنّ المؤرّخين يتعجبّون كيف تنقضي المراسم من دون تعرّض السنة لهم، فصار المنع جارياً والقتل والنهب عادة، حتّى أن المراسم لمّا تمّت بسلام، تذكره ابناء العامة بإعجاب، وكيف لم يحملوا على الشيعة ويقتلوهم؟! لتفرح قلوبهم بسماع سفك دماء الشيعة!!!

وقال ابن كثير: ثمّ تسلّطت أهل السنّة على الروافض، فكبسوا مسجدهم مسجد براثا الذي هو عشّ الروافض!! وقتلوا بعض من كان فيه من القومة!!

والظاهر من عبارة ابن كثير بل صريحها ان هذه السنة ايضاً لم تنقض المراسم بدون قتلٍ ونهبٍ.

المنتظم: ٧/٢٣، تاريخ الاسلام: ١٧ حوادث ووفيات ٣٥١ - ٣٨٠، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٩، البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

وقال ابن كثير بعد نقل ما تعمله الشيعة يوم العاشر: وهذا تكلّف لا حاجة إليه في الاسلام، ولو كان هذا أمراً محموداً لفعله خير القرون وصدر هذه الأمّة وخيرتها، وهم أولى به، لو كان خيراً ما سبقونا اليه، وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون.

البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

ونحن نقول لابن كثير: لو سلّمنا لك أنّ هذا تكلّف لا حاجة إليه في الإسلام، فهل فعله يوجب القتل والنهب والإباحة؟!.

وأمّا قوله: لو كان هذا أمراً محدوداً لفعله خير القرون، فهو مردود، بأن خير القرون فعلوه، لكن بشكل آخر، فرسول الله صلّى الله عليه وآله اقام المأتم على الحسين قبل استشهاده وكذلك علي بن ابي طالب عليه السلام، وذلك بعد إخبار جبرئيل، ولكن بنحو آخر، وكذا أقام العزاء على الحسين أئمّة اهل البيت في اليوم

٥٣

العاشر، وجلسوا للعزاء والبكاء، راجع ما كتبناه حول هذا الموضوع في المقدّمة.

وأمّا قوله: وأهل السنّة يقتدون ولا يبتدعون!! فهل هذا مبّرر لقتلهم الشيعة ونهبهم أمولاهم وحرق بيوتهم؟!

وهل كانت صلاة التراويح في زمن النبيّ، أو صلاّها؟!

ومن اسقط القول بحيّ على خير العمل من الآذان، ألم يكن في زمن رسول اله وأسقط بعده؟!

ألم يعترفوا بانّ السنّة التختم باليمين، لكن بما أن الشيعة تتختّم باليمين جعلوا السنّة التختم باليسار.

ومن نهى عن متعة الحج وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

ومن منع من متعة النساء وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ومن زاد في الآذان الصلاة خير من النوم ولم تكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ومن منع المغالات في صداق النساء؟!

ومن أتمّ الصلاة بمنى أربعاً؟!.

واسأل من ابن كثير: من جعل في مقابل عيد الغدير يوماً باسم يوم الغار وفي مقابل يوم عاشوراء يوم مقتل مصعب وعملوا فيهما من الفرح والحزن كما تعمله الشيعة؟! ومن...؟! ومن...؟! وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون!

وفيها: في الثامن عشر من ذي الحجّة أقامت الشيعة مراسم عيدالغدير، ولم يتحدّث التاريخ لنا بشيء حدث فيه.

وقال ابن كثير: وفي ثاني عشر ذي الحجة منها علمت الروافض عيد غدير خم...

وهو غلط واضح لعلّه من النسّاخ، اذ أن يوم عيد الغدير هو اليوم الثامن عشر.

٥٤

المنتظم: ٧/٢٤، البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

سنة ٣٥٥هـ:

فيها: في العاشر من محرّم أقامت الشيعة عزاءها على الحسين الشهيد عليه السلام والنوح والبكاء، ولم يحدث شيء والحمد لله.

وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الروافض بدعتهم الشنعاء!! وضلالتهم الصلعاء!! على عادتهم ببغداد.

وهنا ابن كثير يتألّم كيف انتهت المراسم بسلامةٍ، ولم يقتل السنة الشيعة ولم يهجموا عليهم، فأبدى حقده هذا بهذه العبارات السقيمة وسوء الأدب، يريد جرح عواطف الشيعة الّذين يحترمون هذا اليوم ويعظموه، فإنّا لله وإنّا اليه راجعون.

المنتظم: ٧/٣٣، البداية والنهاية: ١١/٢٦٠، النجوم الزاهرة: ٤/١١.

سنة ٣٥٦هـ:

فيها: عملت الشيعة المراسم في اليوم العاشر من المحرّم، ولم ينقل لنا التاريخ وقوع حرب أو فتنة، وله الحمد.

المنتظم: ٧/٤٨، مرآة الجنان: ٢/٣٥٨، العبر: ٢/٢٠٣، تاريخ الاسلام: ٣٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، شذرات الذهب: ٣/١٨، البداية والنهاية: ١١/٢٦٢، النجوم الزاهرة: ٤/١٤.

سنة ٣٥٧هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء بسلامٍ، والحمد لله.

٥٥

المنتظم: ٧/٤٣، البداية والنهاية: ١١/٢٦٥، النجوم الزاهرة: ٤/١٨، الكامل في التاريخ: ٨/٥٨٩، تاريخ الاسلام: ٣٩ حوادث ووفيات ٣٥١هـ ٣٨٠هـ.

وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة عملت الشيعة مراسم الفرح والسرور لعيد الغدير، ولم ينقل حدوث فتنةٍ، والحمد للّه.

المنتظم: ٧/٤٣، الكامل في التاريخ: ٨/٥٨٩، تاريخ الاسلام: ٣٩ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٥.

سنة ٣٥٨هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة في بغداد العزاء على الحسين بن علي وإغلاق الأسواق وتعطيل المعاش وإظهار النوح، ولم يحدث في المراسم قتال ولافتنة، والحمد لله.

وقال الذهبي: وأقامت الرافضة الشعار الجاهلي يوم عاشوراء...

الشعار الجاهلي!! وهل بلغت الوقاحة إلىهذه الدرجة كي يعبّر عن إقامة المراسم على الحسين سيد الشهداء بالشعار الجاهلي؟ ألم يك على الحسين كلّ موجود من السماء والأرض والحيوانات والملائكة والجن واقاموا المأتم على الحسين، كلّ هذا ورسول الله وعلي هما أقاما مأتماً على الحسين، فيا عجباً من أمّة تقتل ابن بنت رسولها وتسمّي من يجلس له مأتماً ويبكي عليه: شعاراً جاهلياً!

المنتظم: ٧/٤٧، الكامل في التاريخ: ٨/٦٠٠، تاريخ الاسلام: ٤٣ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٦، النجوم الزاهرة: ٤/٢٥.

وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، أقام الشيعة مراسمهم من إظهار الفرح بيوم عيدالغدير الأغرّ، ولم يتعرّض لهم أحد ولا منعهم، وله الحمد.

٥٦

المنتظم: ٧/٤٧، البداية والنهاية: ١١/٢٦٦، النجوم الزاهرة: ٤/٢٥، تاريخ الاسلام: ٤٣ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ.

سنة ٣٥٩هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء من دون منعٍ وتعرّضٍ، والحمد لله.

وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الرافضة بدعتهم الشنعاء....

وقال الأتابكي: اقامت الرافضة المأتم... على عادتهم وفعلهم القبيح....

وهنا أيضاً لم يسلم المأتم من الهجوم والتعرّض، نعم سلم في وقت إقامته، ولم يسلم من المؤرّخين!

المنتظم: ٧/٥١، تاريخ الاسلام: ٤٥ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٧، النجوم الزاهرة: ٤/٥٦.

سنة ٣٦٠هـ:

فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقام الشيعة المأتم على الحسين الشهيد، ولم ينقل التاريخ حدوث فتنة أو تعرّضٍ، والحمد لله.

قال ابن كثير: في عاشر محرّمها عملت الرافضة بدعتهم المحرّمة....

ولا جواب على قوله: بعدتهم المحرّمة غير قوله تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً).

المنتظم: ٧/٥٣، النجوم الزاهرة: ٤/٥٧، تاريخ الاسلام: ٤٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ.

٥٧

وفيها: في ثامن عشر ذي الحجّة، أقامت الشيعة مراسم العيد والسرور بمناسبة عيدالغدير الأغرّ، ولم يحدث شيء من القتل والنهب، والحمد لله.

تاريخ الاسلام: ٤٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ ٣٨٠هـ، النجوم الزاهرة: ٤/٥٧.

سنة ٣٦١هـ:

فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة مراسم العزاء على الحسين سيد الشهداء، ولم يحدث شيء، وله الحمد والمنّة.

قال ابن كثير: في عاشر المحرم عملت الروافض بدعتهم....

وقال الحافظ الذهبي: أقامت الشيعة بدعة عاشوراء.

ومرّة أخرى سلمت المآتم من القتل والنهب، ولم تسلم من أقلام المؤرّخين الجارحة!.

المنتظم: ٧/٧٥، النجوم الزاهرة: ٤/٦٢، تاريخ الاسلام: ٢٤٥ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٧١.

وفيها: وقعت فتنة عظيمة ببغداد وظهرت العصبية الزائدة، وظهر العيّارون وأظهروا الفساد وأخذوا أموال الناس، وكان سبب ذلك أنّ العامة لمّا تجهّزت للغزاة وقعت بينهم فتنة شديدة بين الشيعة والسنة، وأحرق اهل السنّة دور الشيعة في الكرخ وكانت معدن التجار الشيعة ونهبت الأموال وقتل جميع غفيرٍ، وجرى بسبب ذلك فتنة بين النقيب أبي أحمد الموسوي والوزير أبي الفضل الشيرازي وعداوة.

الكامل في التاريخ: ٨/٦١٩، البداية والنهاية: ١١/٢٧١.

والنقيب ابو أحمد الموسوي هو الحسين بن موسى بن محمد بن ابراهيم بن موسى بن جعفر، ولد سنة ٣٠٤هـ، وكان يلقب بالطاهر وبذي المناقب والأوحد،

٥٨

ولاّه بهاء الدولة قضاء القضاة فلم يمكّنه القادر بالله، ولي النقابة عدّة مرّات، توفي سنة ٤٠٠هـ عن سبع وتسعين سنة، وصلّى عليه ابنه المرتضى، ودفن في داره ثمّ نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام.

المنتظم ٧/٢٤٧، الكامل في التاريخ: ٩/١٨٢.

والوزير ابو الفضل الشيرازي هو عباس بن الحسين، وكان وزيراً لعزّ الدولة، وكان ظالما، فقبض عليه وقتل في ربيع الآخر من سنة ٣٦٣هـ وعمره تسع وخمسون سنة.

وهنا تلاحظ بوضوح أنّ السنّة تحرّكت ضدّ الشيعة لمّا تجهّزت للغزاة، فلمّا احسّت السنّة بالقوّة وكثرة الجمع والتجهّز بالسلاح، جملوا على الشيعة، وأحرقوا دورهم بالكرخ، فهم على استعدادٍ كاملٍ للهجوم على الشيعة وإبادتهم، فمتى حصلوا على فرصة مناسبة جعلوا كلّ ما لديهم من قوّة ضدّ الشيعة، وكأنهم يهود أو نصارى، كلاّ حتّى معاملتهم مع اليهود والنصارى والزنادقة كانت أفضل بكثير من معاملتهم مع الشيعة!.

سنة ٣٦٢هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم، اختلف النقل عن وقوع مراسم المأتم أم لا:

فقال ابن كثير: في عاشر محرمها عملت الروافض من النياحة وتعليق المسوح وغلق الأسواق كما تقدّم قبلها.

وقال الأتابكي: فيها لم تعمل الرافضة المأتم ببغداد بسبب ما جرى على المسلمين من الروم، وكان عزّ الدولة بختيار بن بويه بواسط، والحاجب سبكتكين ببغداد، وكان سبكتكين المذكور يميل إلى السنّة، فمنهم من ذلك.

٥٩

البداية والنهاية: ١١/٢٧٣، النجوم الزاهرة: ٤/٦٥.

وماذنب الشيعة فيما جرى على المسلمين من الروم؟! أوليست الحرب كرّ وفرّ؟! ولكن التعصّب ضدّ الشيعة والأحقاد الدفينة في القلوب، جعلت أهل السنّة يتربصون بالشيعة لقتلهم ونهبهم فالشيعة على ممرّ العصور مظلومون من قبل الحكام والناس، وإذا ما جاءت حكومة أعطت للشيعة فرصة قليلة، فالسنّة تتضاعف أحقادهم ويشرعون بقتل الشيعة وإباحتهم، وعزّ الدولة كان قد اعطى للشيعة نوعاً من الحريّة، ففي غيابه أبدت السنّة أحقادها ومنعت الشيعة من إقامة العزاء! وعلّلوه بما جرى على المسلمين من الروم!!!.

وعزّ الدولة هو ابو منصور بختيار بن معزّ الدولة بن بويه، عقد له الأمر والده من بعده يوم الجمعة لثمان خلون من المحرّم سنة ٣٤٤هـ، وبايع له الأجناد، جلس في السلطنة بعد وفاة أبيه يوم الثلاثاء عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ٣٥٦هـ، قتل في الثامن عشر من شوّال سنة ٣٦٧هـ بعد أن اسرّه عضد الدولة ابن محمد وأمر بقتله.

نهاية الأرب ٢٦/١٩٤ - ٢١٠.

وسبكتكين هو حاجب معزّ الدولة، كان الطائع لله قد خلع عليه خلعة الملوك وطوّقه ولقّبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، توفي في المحرم.

شذرات الذهب: ٣/٤٨.

وفيها: ضرب صاحب المعونة رجلاً من العامة فمات، فثارت عليه العامة وجماعة من الأتراك، فهرب منهم، فدخل داراً فأخرجوه مسجوناً وقتلوه وحرقوه، فركب الوزير ابو الفضل الشيرازي - وكان شديد التعصّب للسنّة - وبعث حاجبه إلى أهل الكرخ، فألقى في دورهم النار، فاحترقت طائفة كثيرة من الدور والأموال، من

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

أنس بن مالك

أمّا أنَس بن مالك ، فهذه عدّةٌ من مطاعنه المُسقطة له عن العدالة ، والمُوجبة له العار والخسران وعذاب النيران :

كتمانه الشهادة

فمنها : كتمانه الشهادة بحديث الغدير ، مع أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ناشده به ، وطلب منه الشهادة ، ودعا عليه لمّا كتم ، فقد ذكر السيّد جمال الدين المحدّث الشيرازي في كتاب( الأربعين في فضائل أمير المؤمنين ) في بيان تواتر حديث الغدير :

( ورواه زر بن حبيش فقال : خرج عليّعليه‌السلام من القصر ، فاستقبله ركبان متقلّدي السيف ، عليهم العمائم ، حديثي عهد بسفر فقالوا : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا مولانا .

فقال عليّعليه‌السلام بعدما ردّ السلام :( مَن هاهنا مِن أصحاب رسول الله ) ؟

فقام اثنا عشر رجلاً منهم : خلد بن زيد أبو أيّوب الأنصاري ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وثابت بن قيس بن شماس ، وعمّار بن ياسر ، وأبو الهيثم بن التّيهان ، وهاشم بن عتبة بن أبي وقّاص ، وحبيب بن بديل بن ورقاء ، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم يقول :( مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه ) الحديث .

فقال عليّ لأنَس بن مالك والبرّاء بن عازب :( ما منعكما أنْ تقوما فتشهدا ، فقد سمِعتُما كما سمع القوم ) ؟

فقال :( اللّهمّ إنْ كانا كتماها معاندةً فأبلهما ) ؛ فأمّا البرّاء فعمي ، فكان يُسأل عن منزله فيقول : كيف يرشد مَن أدركته الدعوة ، وأمّا أنس فقد برصَت قدماه ، وقيل : لمّا استشهده عليّعليه‌السلام على قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه ) واعتذر بالنسيان فقال :( اللّهمّ إنْ كان كاذباً فأبلهِ ببياضٍ لا تواريه العمامة ) ، فبرص وجهه ، فسدل بعد ذلك برقعاً على وجهه ) .

١٦١

تحريف الحديث

وقد حرّف بعض علمائهم هذا الحديث ، فوضع بدل الاسم الصريح كلمة ( رجل ) تستّراً على أنَس بن مالك ، وخَجَلاً ممّا كان منه... فقد روى أبو نعيم الحافظ في( حلية الأولياء ) :

( حدّثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن إبراهيم بن كيسان ، ثنا إسماعيل ابن عمرو البجلي ، ثنا مسعر بن كدام ، عن طلحة بن مصرف ، عن عُميرة بن سعد قال : شهِدْت عليّاً على المنبر ناشداً أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيهم أبو سعيد وأبو هريرة وأنَس بن مالك ، وهم حول المنبر وعليّ على المنبر ، وحول المنبر اثنا عشر رجلاً هؤلاء منهم ، فقال عليّ : نشدتّكم بالله ، هل سمعتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه ) ؟

فقاموا كلّهم فقالوا : اللّهمّ نعم ، وقعد رجل ، فقال :( ما منعك أنْ تقوم ) ؟

قال : يا أمير المؤمنين ، كبرت ونسيت .

فقال :( اللّهمّ إنْ كان كاذباً فاضربه ببلاءٍ حسن ) .

قال : فما مات حتّى رأينا بين عينيه نكتةً بيضاء لا تواريها العمامة .

غريبٌ مِن حديث طلحة ، تفرّد به مسعر عنه مطوّلاً ، ورواه ابن عائشة عن إسماعيل مثله ، ورواه الأجلح وهاني بن أيّوب عن طلحة مختصراً) (١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء ٥ : ٢٧/ ٢٩٣ .

١٦٢

الكذب

ومنها : أنّه قد كذَب في قضيّة الطائر المشويّ المشهورة ، وفي بعض الروايات : إنّه قد تكرّر ذلك منه :

قال الحاكم في( المستدرك ) في الحديث :

( فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أنَس ، اُنظر من على الباب ؟ فقلت : اللّهمّ اجعله رجلاً مِن الأنصار ، فذهب فإذا عليٌّ بالباب ، فقلت : إنّ رسول الله على حاجة ) )(١) .

وفي( كنز العمّال ) :

( عن عمرو بن دينار ، عن أنَس قال : كنت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بستان ، فأُهدي لنا طائر مشويّ ، فقال : اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك ، فجاء عليّ بن أبي طالب ، فقلت : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغول ، فرجع ، ثمّ جاء بعد ساعة ودقّ الباب ، ورددته مثل ذلك ، ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أنَس ، افتح له ، فطالما رددته ) .

فقلت : يا رسول الله ، كنت أطمع أنْ يكون رجلاً مِن الأنصار فدخل عليّ بن أبي طالب فأكل معه من الطير ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المرء يحبّ قومه ) . كر وابن النجار )(٢) .

حضوره عند ابن زياد وهو ينكت ثنايا أبي عبد الله

ومنها : إنّه كان حاضراً عند عًُبيد الله بن زياد لمّا أُتي برأس الإمام أبي عبد الله الحسين الشهيد ، فجعل ينكت ثناياه ويقرعها بالقضيب ، قال

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ : ١٣٢ كتاب معرفة الصحابة .

(٢) كنز العمّال ١٣ : ١٦٧/ ٣٦٥٠

١٦٣

البخاري :

( عن أنَس بن مالك قال : أُتي عُبيد الله بن زياد برأس الحسينعليه‌السلام ، فجُعل في طست ، فجَعل يَنكت وقال في حسنه شيئاً ، فقال أنَس : كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان مخضوباً بالوسمة )(١) .

فقال العيني في ( عمدة القاري ) :

( قال سبط ابن الجوزي : أما كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنَس من الحقوق أنْ ينكر على ابن زياد فعله ويقبّح له ما وقع منه ، مِن قَرع ثنايا الحسين بالقضيب ، كما فعل زيد بن أرقم )(٢) .

طعن أبي حنيفة فيه

وأنَس بن مالك كان مطعوناً عند إمامهم الأعظم أبي حنيفة ، ذكر ذلك الزندويستي الحنفي ـ ومِن أكابر علماء القوم ، وصفه الكفوي في( كتائبه ) بأنّه : ( كان إماماً فقيهاً ورعاً )(٣) وترجم له عبد القادر في( طبقاته ) (٤) ـ حيث قال :

( رُوي عن أبي حنيفةرضي‌الله‌عنه أنّه سُئل فقيل له : إذا قلت قولاً ، وكان كتاب الله تعالى يُخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بكتاب الله تعالى ، فقيل : إذا كان خبر الرسول يُخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بخبر الرسول ، فقيل : إذا كان قول الصحابة يُخالف قولك ؟ فقال : أترك قولي بقول الصحابي ، فقيل له : إذا كان قول التابعين يُخالف قولك ؟ قال : إذا كان التابعي رجلاً فأنا رجل .

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٥ : ٣٢ ـ ٣٣ كتاب المناقب ـ باب مناقب الحسن والحسين ( رضي الله عنهما ) .

(٢) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ١٦ : ٢٤١ وفيه : لكن الفحل ، بدل : كما فعل .

(٣) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط .

(٤) وذكره صاحب هديّة العارفين ١ : ٣٠٧ وأرّخ وفاته بحدود سنة ٤٠٠ .

١٦٤

ثمّ قال : أترك قولي بجميع قول الصحابة إلاّ ثلاثة منهم : أبو هريرة ، وأنَس ابن مالك ، وسمرة بن جندب .

قال الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله : إنّما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنّهم مطعونون )(١) .

( وقد روى محمّد بن سليمان الكفوي في( كتائب الأعلام ) كلام أبي حنيفة حيث قال ـ بعد نقل كلام الصدر الشهيد في بيان وجه ترك أبي حنيفة أنَس بن مالك وأبا هريرة وعدم تقليدهما ـ : وأمّا سمرة فما وجدت في نسختي ثمّ ظفرت في روضة الزندويستي في الباب السابع والتسعين في فضل الصحابة قال فيه :

وتقليد الصحابة يجوز أم لا ؟ قال علماؤنا : في ظاهر الأُصول يجوز ، وأقاويل جميع الصحابة حجّة نعمل بها ، حتّى روي عن أبي حنيفة أنّه سُئل فقيل له : إذا قلت قولاً وكتاب الله يُخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بكتاب الله ، وقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقيل : إذا كان قول الصّحابة يُخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بقول الصحابة ، فقيل : إذا كان قول التابعين يُخالف قولك ؟ قال : هُم رجال ونحن رجال .

ثمّ قال أبو حنيفة رحمه الله : أترك قولي بقول الصحابة ، إلاّ بقول ثلاثة منهم : أبو هُريرة ، وأنَس بن مالك ، وسمرة بن جندب .

قال الفقيه أبو جعفر الهندواني: وإنّما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة، لأنّهم مطعونون )(٢) .

وأيضاً : قال الكفوي في ( كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب نعمان المختار ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) روضة العلماء ، ذكره له صاحب كشف الظنون ١ : ٩٢٨ .

(٢) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط .

١٦٥

 ( قال الصدر الشهيد أيضاً : عن أبي حنيفة روايتان :

الأوّل : أنّه قال أُقلّد مَن كان مِن القضاة المفتين مِن الصحابة ؛ لقوله : اقتدوا باللذين مِن بعدي أبي بكر وعمر ، وقد اجتمع في حقّهما القضاء والفتوى ، فمن كان بمثابتهما مثل : عثمان وعليّ والعبادلة الثلاثة وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل ، وغيرهم ممّن كان في معناهم ، فأُقلدهم ولا أستجيز خلافهم برأيي ، وخرج عن هذا جماعة منهم : أبو أمامه وسهل بن سعد الساعدي ، وأبو حميد الساعدي ، والبرّاء ابن عازب وغيرهم .

والثاني : قال : أُقلّد جميع الحصابة ، ولا أستجيز خلافهم برأيي إلاّ ثلاثة نفر : أنَس بن مالك ، وأبو هريرة ، وسمرة بن جندب .

فقيل له في ذلك .

فقال : أمّا أنَس فقد بلغني أنّه اختلط عقله في آخر عمره ، وكان يستفتي من علقمة ، وأنا لا أُقلّد علقمة ، فكيف أُقلّد من يستفتي من علقمة ؟ )(١) .

كان يلبس الحرير

ومنها : إنّه كان يلبس الحرير كما في( الطبقات ) :

( عن عبد السلام بن شداد قال : رأيت على أنَس عمامةً حرير وجُبّة خزّ ومطرف خزّ .

فقالوا : مالك تنهانا عن الحرير وتلبسه أنت ؟

فقال : إنّ أُمراءنا يكسوناها ، فنحبّ أنْ يروه علينا )(٢) .

هذا ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في ( صحيح البخاري ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) كتائب أعلام الأخبار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط .

(٢) الطبقات الكبرى ٧ : ٢٣ ـ ٢٤ ، وفي نسخة ( الخز ) بدل ( الحرير ) .

١٦٦

 ( عن أبي ذبيان خليفة بن كعب قال : سمعت ابن الزبير يقول : سمعت عمر يقول : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة )(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قال : إنّما يلبس الحرير في الدنيا مَن لا خلاق له في الآخرة )(٢) .

تقصيره الصّلاة وتركه الصّيام مدّة سنتين

ومنها : أنّه لمّا ولّي سابور من قِبل الحجّاج ، بقي مدّة سنتين يقصّر الصلاة ، ولا يصوم شهر رمضان ، معتذراً بأنّه لا يدري مدّة بقائه هناك ، ومتى يعزل ؟

روى ذلك أبو هلال العسكري في كتاب( الأوائل ) الذي ترجم له العلماء وأثنوا عليه واعتمدوا على إخباراته... قال السيوطي في( بغية الوعاة ) :

( الحسن بن عبد الله بن سهل... كان موصوفاً بالعلم والفقه ، والغالب عليه الأدب والشعر ، وكان يتبزّز احترازاً من الطمع والدناءة ، روى عنه أبو سعد السمّان وغيره... له من التصانيف : كتاب صناعتي النظم والنثر ، مفيد جداً ، والتلخيص في اللغة ، جمهرة الأمثال ، شرح الحماسة ، مَن احتكم من الخلفاء إلى القضاء ، لحن الخاصّة ، الأوائل... قال ياقوت : لم يبلغني شيء في وفاته ، إلاّ أنّه فرغ مِن إملاء الأوائل يوم الأربعاء لعشرٍ خَلَت مِن شعبان سنة ٣٩٥)(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٧ : ١٩٤ كتاب اللباس ـ باب لبس الحرير...

(٢) صحيح البخاري ٧ : ١٩٤ كتاب اللباس ـ باب لبس الحرير...

(٣) بغية الوعاة في طبقات اللغويّين والنحاة ١ : ٥٠٦/ ١٠٤٦ .

١٦٧

أبو هريرة

وأمّا أبو هريرة ، فقوادحه ومطاعنه الشنيعة كثيرة ، فمنها :

مولاته عدوّ عليّ

إنّه كان من المنحرفين عن أمير المؤمنين ، ومن المؤيّدين لمعاوية رئيس الفئة الباغية ، حتّى لقد ذكّره الأصبع بن نباتة بذلك ، فلم يقل إلاّ : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فقد روى سبط ابن الجوزي في( تذكرته ) أنّه :

( قال أصبغ : فقلت له : يا معاوية ، لا تعتل بقتلة عثمان ، فإنّك لا تطلب إلاّ المُلك والسلطان ، ولو أردت نصرته [حيّاً] لفعلت ، ولكنّك تربّصت به وتقاعدت عنه لتجعل ذلك سبباً إلى الدنيا ، فغضب ، فأردت أزيده فقلت : يا أبا هريرة ، أنت صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اُقسم عليك بالله الذي لا إله إلاّ هو وبحقّ رسوله ، هل سمعت رسول الله يقول يوم غدير خم في حقّ أمير المؤمنين :( من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ) ؟

فقال : إي والله لقد سمعته يقول ذلك .

قال : فقلت : فإذن أنت يا أبا هريرة ، واليت عدوّه وعاديت وليّه ، فتنفّس أبو هريرة وقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون .

فتغيّر وجه معاوية وقال : يا هذا ، كفّ عن كلامك ، فلا تستطيع أنْ تخدع أهل الشام عن الطلب بدم عثمان ، فإنّه قُتل مظلوماً...)(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تذكرة الخواص من الأُمّة : ٨٣ ـ ٨٤ .

١٦٨

لعب القمار والشطرنج

وذكروا أنّه كان يلعب بالشطرنج ، وكان يُقامر... ففي( حياة الحيوان ) ـ في كلام له عن الشطرنج ـ :

( ورَوى الصعلوكي تجويزه عن عمر بن الخطّاب وأبي هريرة... والمروي عن أبي هريرة مِن أنّ اللعب به مشهورٌ في كتب الفقه )(١) .

وقال ابن الأثير :

( وفي حديث بعضهم قال : رأيت أبا هريرة يلعب السّدر ـ السدر لعبة يُقامر بها ـ وتُكسر سينها وتضم ، وهي فارسية معربة [عن ( سه در )] ، يعني ثلاثة أبواب )(٢) .

وفي( مجمع البحار ) : ( وحديث : رأيت أبا هريرة يلعب السّدر...)(٣) .

وقد نصَّ علماء القوم على حرمة اللعب بالشطرنج ، ونسب ابن تيميّة القول بالحرمة إلى جمهور العلماء ، قال :

( مذهب جمهور العلماء أنّ الشطرنج حرام ، وقد ثبت عن عليّ بن أبي طالب مرّ بقومٍ يلعبون الشطرنج فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ، وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عبّاس وابن عمر وغيرهم من الصحابة وتنازعوا في أنّ أيّهما أشدّ تحريماً : الشطرنج أو النرد ؟ فقال مالك : الشطرنج أشدّ من النرد ، وهذا منقول عن ابن عمر ؛ وهذا لأنّها

ـــــــــــــــــــ

(١) حياة الحيوان ( العقرب ) ٢ : ٦٢ .

(٢) النهاية في غريب الحديث ٢ : ٣٥٤ ( سدر ) .

(٣) مجمع البحار ( سدر ) .

١٦٩

تشغل القلب بالفكر الذي يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر من النرد وقال أبو حنيفة وأحمد : النرد أشد )(١) .

أبو هريرة في نظر الصحابة

وقد كان أبو هريرة متّهماً بالكذب والاختلاق على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الصحابة ، وعلى رأسهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان عمر وعثمان وعائشة أيضاً مِن الطاعنين عليه ، قال ابن قتيبة ـ في بحثٍ له مع بعضهم :

( فأمّا طعنه على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعليّ وعائشة له ، فإنّ أبا هريرة صحب رسول الله نحواً من ثلاثِ سنينٍ ، وأكثر الرواية عنه ، وعمَّر بعده نحواً مِن خمسين سنة ، وكانت وفاته سنة تسعٍ وخمسين... فلمّا أتى من الرواية عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما لم يأتِ بمثله من صحبه من أجلّة أصحابه والسابقين الأوّلين إليه ، اتّهموه وأنكروا عليه وقالوا : كيف سمعت هذا وحدك ؟ ومن سمعه معك ؟ وكانت عائشة أشدّهم إنكاراً عليه لتطاول الأيّام بها وبه ، وكان عُمر أيضاً شديداً على مَن أكثر الرواية )(٢) .

والمؤيّدات لما أفاده ابن قتيبة في كُتب القوم كثيرة ، ومن ذلك : قولالشمس الخلخالي بشرح الحديث عن أبي هريرة :

( قوله : إنّكم تقولون ـ الخطاب للصحابة ـ : أكثر أبو هريرة عن النبيّ .

أي : أكثر الرواية عنهعليه‌السلام ، والله الموعد ، أي : لقاء الله موعدنا يعني مرجعنا .

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٣ : ٤٣٧ ـ ٤٣٨ .

(٢) تأويل مختلف الحديث : ٤١ .

١٧٠

يعني به يوم القيامة ، فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب لا محالة ؛ لأنّ الأسرار تنكشف هنالك )(١) .

فالقائلون والمتكلّمون في إكثار أبي هريرة هم ( الصحابة ) وقد كانوا يتّهمونه بالكذب ، وفي يوم القيامة يظهر الصادق والكاذب !

وقول القاري في( المرقاة ) بشرحه كذلك :

( وعنه ـ أي عن أبي هريرة ـ قال : إنّكم ، أي معشر التابعين ، وقيل : الخطاب مع الصحابة المتأخّرين ، تقولون : أكثر أبو هريرة ، أي الرواية عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله الموعد ، أي موعدنا ، فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب ؛ لأنّ الأسرار تنكشف هنالك .

وقال الطّيبي : أي : لقاء الله الموعد ، أي موعدنا يوم القيامة ، فهو يُحاسبني على ما أزيد أو أنقص ، لا سيّما على رسول الله ، وقد قال :( مَن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّء مقعده من النّار ) )(٢) .

والحاصل : إنّ الصّحابة والتابعين كانوا يكذّبون أبا هريرة ، ولا يصدّقونه في روايته ، ولا يعتمدون عليه ولا يأخذون بها ، كما سيأتي عن عائشة .

وفي( الجمع بين الصحيحين ) عن أبي رزين قال :

( خرج إلينا أبو هريرة ، فضرب بيده على جبهته فقال : ألا إنّكم تحدّثون أنّي أكذب على رسول الله...)(٣) .

وفي هذا دليلٌ واضح على أنّه كان في نظر القوم مفترياً على رسول الله...

ـــــــــــــــــــ

(١) المفاتيح في شرح المصابيح ـ مخطوط .

(٢) المرقاة في شرح المشكاة ٥ : ٤٥٨ .

(٣) الجمع بين الصحيحين ٣ : ١٢٣ / ٢٣٣٣ .

١٧١

وأمّا ما أشار إليه ابن قتيبة مِن ردود عائشة عليه ، وأنّه قد طال ذلك بينهما ، فإنّ موارد ردّها عليه كثيرة، يجدها المتتبّع في كتب القوم .

تكذيب عائشة أبا هريرة

من ذلك : حديثه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قال : مَن لَم يوتر فلا صلاة له ، فبلغ ذلك عائشة فقالت : [و] مَن سمع هذا من أبي القاسم ؟ [والله] ما بعُد العهد وما نسيت ،...)(١) .

ومن ذلك : حديثه في شرّ الثلاثة :

( ولمّا سمعَتْ أبا هريرة يروي أنّ ولد الزنا شرّ الثلاثة قالت : كيف يصحّ هذا ؟ وقد قال الله تعالى :( ... وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى... ) (٢) .

( وروي أنّ عائشة قالت لابن أُختها : ألا تعجب مِن كثرة رواية هذا الرجل ، ورسول الله حدّث بأحاديث لو عدّها عادٌّ لأحصاها )(٣) .

وهذا الحديث أبطله ابن عمر أيضاً ، والغالب على الظنّ أنّهم يُريدون بذلك الحماية عن أسلافهم وأكابرهم... فلا تغفل!! ففي( كنز العمّال ) :

( عن ميمون بن مهران : إنّه شهد ابن عمر صلّى على ولد الزنا ، فقيل له : إنّ أبا هريرة لم يصلّ عليه وقال : هو شرّ الثلاثة ، فقال ابن عمر : هو خير الثلاثة )(٤) .

ومن ذلك : حديثه إذ استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمسنّ يده في

ـــــــــــــــــــ

(١) المعجم الأوسط ٤ : ٣٩٣/ ٤٠١٢ .

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٢٤ .

(٣) الأُصول لشمس الأئمّة السرخسي ١ : ٣٤٠ ـ ٣٤١ .

(٤) كنز العمّال ٥ : ٤٦١/ ١٣٦١٧ و١١ : ٨٥/ ٣٠٧١٦ .

١٧٢

الإناء ، فقد أبطلته عائشة ووافقها ابن عبّاس(١) .

ومن ذلك : حديثه في المشي في خفٍّ واحد ، فقد روى ابن أبي شيبة ، عن ابن عيينة ، عن عبد الرحمان بن القاسم ، عن أبيه : ( إنّ عائشة كانت تمشي في خفٍّ واحدٍ وتقول : لأُخيفنَّ أبا هريرة )(٢) .

فإنّ هذا تكذيب منها لأبي هريرة ، ولا معنى له سوى ذلك ؛ لأنّه قد ادّعى سماع النهي عن المشي في خفٍّ واحدٍ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد جاء في( الجمع بين ا لصحيحين ) :

( عن أبي هريرة : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا يمشي أحدكم في نعلٍ واحدٍ ، لينعلهما أو ليخلعهما جميعاً ) . وفي رواية القعنبي : ليحفهما جميعاً أو لينعلهما جميعاً .

وأخرجه مسلم من حديث الأعمش عن أبي رزين قال : خرج إلينا أبو هريرة ، فضرب بيده إلى جبهته فقال : ألا إنّكم تحدّثون ، أنّي أكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتهتدوا وأضل ، ألا وإنّي أشهد لسمعت رسول الله يقول : إذا انقطع شِسْع أحدكم فلا يمشي في الأُخرى حتّى يصلحها )(٣) .

فهو يؤكّد على أنّه قد سمع من رسول الله ذلك... وقد كذّبته عائشة ؛ لأنّ من قال سمعته يقول كذا وكذا لا يتطرَّق إليه إلاّ التكذيب ، وهذا ما نصّ عليه ابن القيّم حيث قال : ( ومعلومٌ قطعاً ، أنّ تطرّق التكذيب إلى مَن قال سمعته يقول كذا أو أنّه لم يسمعه ، فإنّ هذا لا يتطرّق إليه إلاّ التكذيب ، بخلاف

ـــــــــــــــــــ

(١) شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب ١ : ١٨٤ .

(٢) المصنّف لابن أبي شيبة ٨ : ٢٢٩/ ٤٩٨٢ الباب ٨٤٦ .

(٣) الجمع بين الصحيحين ٣ : ١٢٣/ ٢٣٣٣ .

١٧٣

خبر مَن أخبر عمّا ظنّه من فعله وكان واهماً ، فإنّه لا يُنسب إلى الكذب ، وقد نزّه الله عليّاً وأنَساً والبَراء وحفصة عن أنْ يقول : سمعناه يقول كذا ولم يسمعوه )(١) .

ولتكنْ هذه الإفادة من ابن القيّم منك على ذكر ، فإنّها تفيد فائدةً عظيمةً في مواقع شتّى ، ثبت فيها ردّ بعض الصحابة على بعض فيما رووه من الأحاديث ، وادّعوا سماعه من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن ذلك : حديثه : الشؤم في ثلاثة... إذ كذّبته عائشة وغضبت على أبي هريرة بشدّة ، قال أبو زرعة ولي الدين العراقي في( شرح الأحكام ) :

( الثالثة : اختلف النّاس في هذا الحديث على أقوال ، أحدها : إنكاره ، وإنّه عليه الصّلاة والسّلام إنّما حكاه عن معتقد أهل الجاهليّة رواه ابن عبد البر في التمهيد عن عائشة رضي الله عنها ، أنّها أخبرت أنّ أبا هريرةرضي‌الله‌عنه يحدّث بذلك عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فطارت شقّة منها في السماء وشقّه في الأرض ، ثمّ قالت :كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم ، من حدّث عنه بهذا ؟ ولكنْ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول :( كان أهل الجاهليّة يقولون : الطيرة في المرأة والدّار والدّابّة ) ، ثمّ قرأت عائشة :( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) .

فانظروا معاشر المتسنّنين ـ صانكم الله من التعصّب المُهين ـ إلى أمّكم الصدّيقة ، التي ترون أنّ خاتم النبيّين صلوات الله وسلامه عليه وأله أجمعين ،

ـــــــــــــــــــ

(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ١ : ١٨٥ ما جاء عنه في الحج والعمرة ، فصلٌ في أعذار الذين وهموا في صفة حجّته .

١٧٤

قد أمر صحابته ـ فضلاً عن غيرهم ـ بأنْ يأخذوا عنها شطر الدين ، وتزعمون أنّ الفاسق عنها والمُعرّض بها والطاعن عليها من الهالكين المعاندين والخاسرين الجاحدين ، كيف ألقت جلباب الاستتار والخفاء عن انهماك أبي هريرة في الكذِب والافتراء ، حيث أبانت أنّه قد افترى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث أهل الجاهليّة الفجّار، وعزى إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هو من مقولات الكفّار وترّهات الأشرار، وصرّحت رافعةً عقيرتها بأنّه كذَب ، وهل بعد ذلك التصريح الصريح مجالٌ لريبةِ مرتاب ، أو فسحة لتأويل معاند كّذاب ؟ لا ، بل لو طاروا إلى السماء وغاروا في الغبراء ، وقاموا وقعدوا ، وتفيّروا وتربّدوا ، لما وجدوا حيل ، ولما ألفوا إلى الخلاص وسيلة ، وما زادهم التعمّق والتفكّر إلاّ انزعاجاً ، وما أورثهم الجدّ والجهد في التبرئة إلاّ اختلاجاً .

وهذا الحديث رواه ابن قتيبة أيضاً ، قال :

( حدّثني محمّد بن يحيى القطيعي قال : حدّثنا عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أبي حسّان الأعرج : إنّ رجلين دخلا على عائشة رضي الله عنها فقالا : إنّ أبا هريرة يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : إنّما الطيرة في المرأة والدابّة والدار ، فطارت شققاً ثمّ قالت : كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ، من حدّث بهذا عن رسول الله ؟ إنّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( كان أهل الجاهليّة يقولون : إنّ الطيرة في الدابّة والمرأة والدار ) ، ثمّ قرأت( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا... ) (١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تأويل مختلف الحديث : ٩٨ .

١٧٥

تحريف معنى الحديث

ومنهم مَن تأوّل هذا الحديث تأويلاً عجيباً ، وحرّفه تحريفاً معنويّاً ، إذ حمل ( الكذب ) على ( الغلط ) ، فقد قال أبو زرعة بعد العبارة السابقة : ( قال ابن عبد البر : و( كذب ) في كلامها بمعنى ( غلط ) وهو مردود بوجوه :

الأوّل : إنّه لم يأت له بشاهدٍ من الكتاب والسنّة ، وكلمات الفصحاء ، وأئمّة اللغة الثقات .

والثاني : إنّه خلاف المتبادر من لفظ ( الكَذِب ) ، فلو ثبت استعماله بمعنى ( الغلط ) فهو مجاز .

والثالث : إنّه خلاف السّياق ؛ لأنّ ( الغلط ) من المجتهد مأجور عليه ، فضلاً عن أنْ يستوجب الغضب والسّخط ، لكنّ عائشة لمّا سمعت هذا عن أبي هريرة طارت شقّة منها في السماء وشقّة في الأرض ، وهذا لا يتناسب مع ( الخطأ ) و( الغلط ) الذي لم تخلُ منه عائشة أيضاً .

وفي( فتح الباري ) :

( روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان : إنّ رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا : إنّ أبا هريرة قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :الطيرة في الفرَس والمرأة والدار ، فغضبت غضباً شديداً وقالت : ما قاله ، وإنّما قال :( إنّ أهل الجاهليّة كانوا يتطيّرون من ذلك ) (١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٦: ٤٧.

١٧٦

تكذيب عمر أبا هريرة

وعمر بن الخطّاب أيضاً ممّن كذّب أبا هريرة ، بل أوعده وهدّده ، قال السرخسي في كتاب( الأُصول ) :

( ولمّا بلغ عمر أنّ أبا هريرة يروي ما لا يعرف قال : لتكفّنّ عن هذا أو لألحقنّك بجبال دوس )(١) .

وفي( كنز العمّال ) :

( عن السائب بن يزيد قال : سمعت عمر بن الخطّاب يقول لأبي هريرة : لتتركنّ الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لألحقنّك بأرض دوس .

وقال لكعب : لتتركنّ الحديث أو لألحقنّك بأرض القردة كر )(٢) .

فلو لم يكن أبو هريرة يستحقُّ هذا التهديد والتحقير لكان عمر ظالماً جائراً ، ولو كان أبو هريرة صادقاً في إخباراته ورواياته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكان عمر مانعاً من إشاعة أقوال النبيّ وإرشاداته وأحكام الشّريعة وآدابها... وهذا ما لا تحتمله نفوس القوم .

عزله عن البحرين وهتكه

وأيضاً ، فقد عزله عن البحرين ، ونسبه إلى السرقة ، وهتك ناموسه وفضحه على رؤوس الأشهاد... قال الزمخشري في( الفائق ) :

( أبو هريرة : استعمله عمر على البحرين ، فلمّا قدم عليه قال له : يا عدوّ

ـــــــــــــــــــ

(١) الأُصول للسرخي ١ : ٣٤١ .

(٢) كنز العمّال ١٠ : ٢٩١/ ٢٩٤٧٢ .

١٧٧

الله وعدوّ رسوله ، سرقت من مال الله ؟! فقال : لست بعدوّ الله ولا عدوّ رسوله ، ولكنّي عدوّ من عاداهما ، وما سرقت ولكنّها سهام اجتمعت ونتاج خيل. فأخذ منه عشرة آلاف درهم ، فألقاها في بيت المال ، ثمّ دعاه إلى العمل فأبى ، فقال عمر : فإنّ يوسف قد سأل العمل ، فقال : إنّ يوسف منّي بريء وأنا منه براء ، وأخاف ثلاثاً واثنتين .

قال : أفلا تقول خمساً ؟ قال : أخاف أنْ أقول بغير حكم ، وأقضي بغير علم ، وأخاف أنْ يضرب ظهري ، ويشتم عرضي ، وأنْ يؤخذ مالي )(١) .

فكان أبو هريرة ـ في رأي عمر ـ يستحقّ العزل والإهانة والهتك ومصادرة الأموال ، حتّى خاطبه بـ( عدوّ الله وعدوّ رسوله ) ، ومن كان هذا حاله في نظر خليفتهم ، يكون أهلاً لأنْ يؤخذ منه معالم الدين من التفسير وغيره ؟

أبو هريرة عند أبي حنيفة

وكان أبو هريرة مطعوناً عند أبي حنيفة أيضاً ، كما جاء في( روضة العلماء ) في بيان وجه ترك أبي حنيفة روايات أبي هريرة وسمرة وأنَس ، حيث قال نقلاً عن أبي جعفر الهندواني :

( أمّا أبو هريرة ، فإنّه روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : مَن أصبح جنباً فلا صوم له ، قالت عائشة رضي الله عنها : أخطأ أبو هريرة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام، ثمّ يتمّ صومه وذلك في رمضان ، قال أبو هريرة : هي أعلم ، كنت سمعته من الفضل بن

ـــــــــــــــــــ

(١) الفائق في غريب الحديث ١ : ١٠٢ .

١٧٨

عبّاس ، والفضل كان يومئذٍ ميّتاً، فقد أحال خبره إلى الميّت، فصار مطعوناً )(١) .

وأورده الكفوي في( كتائب الأعلام ) كذلك...

وفيه ـ نقلاً عن الصدر الشهيد ـ في وجه عدم تقليد أبي حنيفة أبا هريرة :

( وأمّا أبو هريرة ، كان يروي كلّ ما بلغه وسمع ، من غير تأمّل في المعنى )(٢) .

أبو هريرة عند عيسى بن أبان

وفي( روضة العلماء ) أيضاً :

( وقال عيسى بن أبان : أُقلّد أقاويل جميع الصحابة إلاّ ثلاثة منه : أبو هريرة ووابصة بن معبد وأبو سنابل بن بعل )(٣) .

فلماذا يخالف الحنفيّة اليوم إمامهم في آرائه وفتاواه(٤) ؟ مع أنّ المستفاد مِن الكتب اتّباع السابقين منهم له في الطعن في أبي هريرة، ففي( المحلّى ) في مسألة الخيار :

( وأمّا احتجاج أبي حنيفة بحديث المصراة ، فطامّة من طوامّ الدهر ، وهو أوّل مُخالف له وزارٍ عليه وطاعن فيه ، ومخالف كلّ ما فيه ، فمرّةً يجعله ذو التورّع منهم منسوخاً بتحريم الربا ، وكذبوا في ذلك ، ما للربا هاهنا مدخل ، ومرّةً يجعلونه كذباً ويعرّضون بأبي هريرة ، والله تعالى يخزيهم [يجزيهم] بذلك في الدنيا والأُخرى ، وهم أهل الكذب لا الفاضل البرّ أبو هريرة رضي الله

ـــــــــــــــــــ

(١) روضة العلماء ـ مخطوط .

(٢) كتائب أعلام الأخيار ـ مخطوط .

(٣) روضة العلماء ـ مخطوط .

(٤) وهو : فقيه العراق ، تلميذ محمد بن الحسن ، وقاضي البصرة ، توفي سنة ٢٢١ كذا في سير أعلام النبلاء ١٠ : ٤٤٠ ، وتوجد ترجمته في تاريخ بغداد ١١ : ١٥٧ والجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة ١ : ٤٠١ وغيرهما .

١٧٩

عنه وعن جميع الصحابة ، وكبّ الطاعن على أحدٍ منهم لوجهه ومنخريه )(١) .

فإنّ ظاهر هذا الكلام متابعة الحنفيّة لإمامهم في رأيه حول أبي هريرة ، حتّى دعا عليهم ابن حزم وتكلّم فيهم...

ويُستفاد ذلك أيضاً مِن كلام الفخر الرازي في رسالته في( مناقب الشافعي ) إذ قال :

( وأمّا أصحاب الرأي ، فإنّ أمرهم في باب الخبر والقياس عجيب ، فتارةً يرجّحون القياس على الخبر ، وتارةً بالعكس ، أمّا الأوّل فهو إنّ مذهبنا أنّ التصرية سبب مثبت للردّ ، وعندهم ليس كذلك ودليلنا : ما اُخرج في الصحيحين عن أبي هريرة...

واعلم أنّ الخصوم لمّا لم يجدوا لهذا الخبر تأويلاً البتّة ـ بسبب أنّه مفسّر في محل ّالخلاف ـ اضطرّوا إلى أن يطعنوا في أبي هريرة وقالوا: إنّه كان متساهلاً في الرواية، وما كان فقيهاً...)) .

فإنّ المراد من أصحاب الرأي هم الحنفيّة كما هو واضح .

ويُستفاد أيضاً من كلام ابن حجر في( فتح الباري ) :

( قال الحنابلة : واعتذر الحنفيّة عن الأخذ بحديث المصراة بأعذار شتّى ، فمنهم من طعن في الحديث ، لكونه من رواية أبي هريرة، ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصّحابة، فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس الجلي، وهو كلام آذى قائله به نفسه، وفي حكايته غنىً عن تكلّف الردّ عليه... وقال ابن السمعاني في الإصطلام : التعرّض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان

ـــــــــــــــــــ

(١) المحلّى في الفقه ٨ : ٣٧٢ .

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456