استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام13%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 226781 / تحميل: 8298
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

استدرك الحاكم على الشيخين مسلم والبخاريّ من الأحاديث التي توافق شرطيهما ولم يخرّجاها، وقد وافقه الذهبيّ في أكثر الموارد.

وعلى هذا النهج العلميّ، فإنّ ابن عقدة لو كان رافضيّاً - وهو غير رافضيّ كما مرّ بنا - فلا يردّ حديث أسماء الذي في طريقه ابن عقدة، والذي بينه وبين أبي الفرج «265» سنة!

ترجمة ابن عقدة: أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمان بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله بن عجلان؛ يعرف بابن عقدة. وزياد هو مولى عبد الواحد بن عيسى بن موسى الهاشميّ، عَتاقةً، وجدّه عجلان هو مولى عبد الرحمان بن سعيد بن قيس الهمدانيّ.(1)

قدم بغداد فسمع بن: محمّد بن عبيد الله المنادي، وعليّ بن داود القنطريّ، وأحمد بن أبي حيثمة، والحسن بن مُكرِم، وعبد الله بن روح المدائنيّ، ويحيى بن أبي طالب. حدّث عن هؤلاء الشيوخ وعن: إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد المستورد وعبد العزيز بن زبالة المدينيّ، وعبد الله بن أبي ميسرة المكّيّ، والحسن بن عتبة الكنديّ.(2)

ولادته ووفاته: ولد ابن عقدة سنة تسع وأربعين ومائتين ليلة النّصف من

____________________

(1) تاريخ بغداد 5: 14 / 2365، رجال الطوسيّ: 409، الأنساب للسمعانيّ 4: 214، رجال ابن داود: 422 / 38.

(2) تاريخ بغداد 5: 14.

١٦١

المحرّم في الكوفة.(1)

وتوفّي لسبع خلون من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة(2) ، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة(3) ، والأوّل أضبط؛ لأنّه مرويّ عن محمد بن أحمد بن سفيان، وهو أحد تلاميذ ابن عقدة والمُجازين عنه في الرواية، وكذلك مرويّ عن الدار قطنيّ، وهما أقرب زمناً إلى حياة ووفاة ابن عقدة.

عقدة: هو والد أبي العبّاس، وإنّما لقّب بذلك لعلمه بالتصريف والنحو، وكان يورّق بالكوفة، ويعلّم القرآن والأدب. وكان يؤدّب ابن هشام الخزّاز، فلمّا حذق الصبيّ وتعلّم، وجّه إليه ابن هشام دنانير صالحة فردّها، فظنّ ابن هشام أنّ عقدة استقلّها فأضعفها له، فقال عقدة: ما رددتها استقلالاً، ولكن سألني الصبيّ أن أعلّمه القرآن فاختلط تعليم النحو بتعليم القرآن، فلا أستحلّ أن آخذ منه شيئاً ولو دفع إليّ الدنيا.(4)

قال ابن النجّار: وكان عقدة زيديّاً، وكان ورعاً ناسكاً، وإنّما سمّي عقدة لأجل تعقيده في التصريف، وكان ورّاقاً جيّد الخطّ، وكان ابنه أبو العبّاس أحفظَ

____________________

(1) نفسه 5: 22، الأنساب للسمعانيّ 4: 214، تذكرة الحفّاظ 3: 839.

(2) تاريخ بغداد 5: 22، المنتظم 14: 35، تذكرة الحفّاظ 3: 839، الوافي بالوفيات 7: 395، البداية والنهاية 11: 236.

(3) فهرست الطوسيّ: 73، رجال النجاشيّ: 94، رجال ابن داود: 229، خلاصة الأقوال للعلاّمة الحلّيّ: 203.

(4) تاريخ بغداد 4: 15.

١٦٢

مَن كان في عصرنا للحديث.(1)

قال السمعانيّ: العُقَديّ: بضمّ العين المهملة وفتح القاف، هذه النسبة إلى (عقدة)، وهو لقب والد أبي العبّاس بن عقدة الحافظ، وإنّما لُقّب بذلك لعلمه بالتصريف والنّحو...، وهو من العلماء العاملين وكان قبل الثلاثمائة.(2)

الرواة عنه: قال الخطيب: كان حافظاً عالماً مكثراً، جمع التراجم والأبواب والمشيخة، وأكثر الرواية، وانتشر حديثه وروى عنه الحفّاظ والأكابر مثل: أبي بكر الجعابي، وعبد الله بن عديّ الجرجانيّ، وأبي القاسم الطبرانيّ وأبي الحسن الدار قطنيّ، وأبي حفص بن شاهين، وعبد الله بن موسى الهاشميّ، ومحمّد بن المظفّر، وعمر بن إبراهيم الكتّانيّ، ومَن في طبقتهم وبعدهم.(3)

تواضعه للعلماء: مع تقدّم ابن عقدة على أصحابه، فقد عُرف بإجلاله وتواضعه لهم. قال الدار قطنيّ: كنت إذا حضرت أكرمني ورفعني في المجلس.(4)

قال أبوبكر بن أبي دارم الحافظ: ما رأيت ابن عقدة يتواضع لأحدٍ من الحفّاظ كتواضعه لأبي عليّ النّيسابوريّ.(5)

____________________

(1) نفسه: 16.

(2) الأنساب 4: 214.

(3) تاريخ بغداد 5: 16.

(4) نفسه 12: 34.

(5) تذكرة الحفّاظ 3: 902، قال الذهبيّ: أبو عليّ الحافظ، محدّث الإسلام، الحسن بن عليّ بن يزيد النّيسابوريّ، أحد جهابذة الحديث، وقال أبو عبد الله الحاكم: واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف.

١٦٣

حفظه وإتقانه: بلغ ابن عقدة من الحفظ للحديث بمتونه وضبط أسانيده شأواً بعيداً. قال ابن داود: روى جميع كتب أصحابنا وصنّف لهم، وكان حفظة يقول: أحفظُ مائةً وعشرين ألفَ حديث بأسانيدها، وأذاكر بثلاث مائة ألف حديث. وأمره في الجلالة أشهر من أن يذكر.

قال النجاشيّ: هذا رجل جليل القدر في أصحاب الحديث، إلاّ أنّه كان زيديّاً جاروديّاً حتّى مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.(1)

محمّد بن عبد الله بن أحمد النيسابوريّ قال: سمعت أبا عليّ الحافظ يقول: ما رأيت أحداً أحفظ لحديث الكوفيّين ومن أبي العبّاس بن عقدة.(2)

عليّ بن عمر - وهو الدار قطنيّ - قال: أجمع أهل الكوفة أنّه لم يُرَ من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمن أبي العبّاس بن عقدة أحفظَ منه!(3)

قال محمّد بن عمر بن يحيى العلويّ: حضر أبو العبّاس بن عقدة عند أبي في بعض الأيّام، فقال له: يا أبا العبّاس قد أكثر الناس عليّ في حفظك الحديث، فأُحبّ أن تُخبرني بقَدْر ما تحفظ. فامتنع أبو العبّاس أن يخبره وأظهر كراهة ذلك، فأعاد المسألة وقال: عزمت عليك إلاّ أخبرتني.

فقال: أحفظُ مائةَ ألفِ حديث بالإسناد والمتن، وأُذاكر بثلاثمائة ألف

____________________

(1) رجال ابن داود 422: 38. وقد تكلّمنا بشأن مذهب ابن عقدة.

(2) تاريخ بغداد 5: 16.

(3) نفسه.

١٦٤

حديث.(1)

أبو الحسن الدار قطنيّ قال: كان أبو العبّاس بن عقدة يعلم ما عند الناس، ولا يعلم الناس ما عنده.(2)

وروى ابن صاعد حديثاً أخطأ في إسناده، فأنكر عليه ابن عقدة الحافظ، فخرج عليه أصحاب ابن صاعد وارتفعوا إلى الوزير عليّ بن عيسى، وحبس ابن عقدة! فقال الوزير: من يسأل ويرجع إليه؟ فقالوا: ابن أبي حاتِم. فكتب إليه الوزير يسأله عن ذلك، فنظر وتأمّل فإذا الحديث على ما قال ابن عقدة، فكتب إليه بذلك، فأطلق ابن عقدة وارتفع شأنه.(3)

قال محمّد بن عبد الله النيسابوريّ قلت لأبي عليّ الحافظ: إنّ بعض الناس يقولون في أبي العبّاس! قال: في ماذا؟ قلت في تفرّده بهذه المُقحمات عن هؤلاء المجهولين. فقال: لا تشتغل بمثل هذا، أبو العبّاس إمامٌ حافظ، محلّه محلّ مَن يسأل عن التّابعين وأتباعهم.(4)

وقد أطراه ابن عديّ، وذكر ذلك ابن حجر قال: قال ابن عَدِي: صاحب معرفة وحفظ وتقدّم في الصنعة، يسبئون الثناء عليه. ثم قوّى ابن عديّ أمره وقال: لو لا أنّي شرطت أن أذكر كلّ من تكلّم فيه، يعني لا أُحابي، لم أذكره

____________________

(1) نفسه: 17؛ ميزان الاعتدال 1: 136؛ سير أعلام النبلاء 15: 346.

(2) تاريخ بغداد 5: 16.

(3) نفسه: 18.

(4) نفسه: 19.

١٦٥

للفضل الذي كان فيه من الفضل والمعرفة. ثمّ لم يسق له ابن عديّ شيئاً منكراً.(1)

قال ابن حجر: ما علمتُ ابنَ عقدة اتُّهِم بوضع حديث، ولا أظنّه كان يضع في الإسناد.(2)

وقال في تضعيف البيهقيّ لحديث: «من غسل ميّتاً فليغتسل»: وأبو العبّاس الهمدانيّ هو ابن عقدة حافظ كبير، إنّما تكلّموا فيه بسبب المذهب ولأمور أخرى، ولم يضعّفه بسبب المتون أصلاً فالإسناد حسَن.(3)

قال النعمانيّ (المتوفّى سنة 380 هـ): وهذا الرجل ممّن لا يُطعن عليه في الثقة، ولا في العلم بالحديث والرجال الناقلين عنه.(4)

وقال الشيخ الطوسيّ: أمره في الثقة والجلالة وعِظَم الحفظ أشهرُ من أن يُذكر.(5)

وقال ابن شهر آشوب: أحمد بن محمّد بن سعيد، ثقة.(6)

السيّد ابن طاووس، وقد ذكر المصنّفين في حديث الغدير فقال:

ومن ذلك الذي لم يكن مثله في زمانه: أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن

____________________

(1) لسان الميزان 1: 263.

(2) نفسه 1: 264.

(3) تلخيص الحبير لابن حجر 1: 136 / 276.

(4) الغيبة لمحمّد بن إبراهيم النعمانيّ: 25.

(5) الفهرست للشيخ الطوسيّ (المتوفّى سنة 460 هـ): 73.

(6) معالم العلماء لابن شهر آشوب (المتوفّى سنة 588 هـ) 16 / 77.

١٦٦

سعيد بن عقدة الحافظ.(1)

وقال السيّد إبراهيم بن محمّد الوزير الزيديّ (المتوفّى سنة 914 هـ): وأمّا سَلفُنا من التابعين ومَن بعدهم من حفّاظ الآثار، ومعدّلي حمَلة العلم النبويّ الذي يُرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف، والتصحيح والتزييف، منهم خلف من تقدّم من أهل مودّة ذوي القربى التي يرونها أفضل القُرَب وأنفع ذخائر القربى، منهم: أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفيّ المعروف بابن عقدة، الإمام الحافظ العلاّمة المُتقِن البحر.(2)

وفي شأن مكانته العلميّة، ذكر تاج الدين السُّبكيّ (ت 771 هـ) أهميّة الإسناد فقال: فالحقّ قول ابن المبارك: لو لا الإسناد لقال من شاء ما شاء، وطريق حفّاظ هذا الحديث، الذين قال منهم قائل: مثَل الذي يطلب دينه بلا إسناد مثَل الذي يرتقي السطحَ بلا سُلّم، فأنّى يبلغ السماء!

ثمّ عدّد طبقات رجال الإسناد، فذكر ابن عقدة في الطبقة الثامنة. قال: وأبو بكر بن زياد النيسابوريّ، وأبو حامد أحمد بن محمّد بن عمرو العُقَيليّ، وعبد الرحمان بن أبي حاتم، وأبو العبّاس بن عقدة.(3)

____________________

(1) إقبال الأعمال لابن طاووس (ت 664 هـ) 2: 239.

(2) الفلك الدوّار لإبراهيم بن محمّد الوزير 105 / 41.

(3) طبقات الشافعيّة الكبرى لتاج الدين السُّبكيّ 1: 314 - 317.

١٦٧

منزلة في رجال الجرح والتعديل:

عدّ الذهبيّ ابن عقدة في الرجال الذين يُعتمد قولهم في الجرح والتعديل، الذي هو من أهمّ علوم الحديث وأعلاها شأناً.

وقد ذكره الذهبيّ في جملة من يُعتمد قوله في هذا العلم، وذكره في الطبقة الثامنة اعتماداً على طبقات الرجال وأزمانهم، قال: الطبقة الثامنة:

أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الطّحاويّ، محدّث الحنفيّة وعالمهم، وأبو جعفر محمّد بن عمرو العُقيليّ مؤلّف كتاب (الضعفاء)، وعبد الرحمان بن أبي حاتم صاحب التصانيف، وأبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الكوفيّ الشيعيّ.(1)

وعدّه السخاويّ في المتقدّمين في هذا العلم، فعدّد طبقاتهم: ثمّ طبقة أخرى، منهم: ابن أبي حاتم، وعبد الباقي بن قانع، وابن عقدة.(2)

وقد أكثروا من آراء ابن عقدة في الجرح والتعديل، وكانت عباراته تنمّ عن علم ودقّة وورع. وإذا أردت الوقوف على ذلك فانظر: الكامل لابن عديّ بأجزائه، وتهذيب الكمال بمختلف أجزائه، وتاريخ أسماء الثقات لابن شاهين، وتاريخ بغداد بأجزائه، وتذكرة الحفّاظ للذهبيّ بأجزائه، ولسان الميزان بأجزائه ح تجد فيها الكثير الكثير من آرائه في الرجال، وقد تلقّوها منه بالقبول والاعتماد ز ولا يمكن لهذا البحث استيفاء ذلك؛ لأنّه خروج عن المقصود، وإنّما أردنا

____________________

(1) ذِكْرُ مَن يُعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبيّ 171 - 207.

(2) المتكلّمون في الرجال لمحمّد بن عبد الرحمان السخاويّ: 93 - 145.

١٦٨

بالمستطاع النظر في دعوى ابن الجوزيّ في تضعيف ابن عقدة، والتي عوّل عليها ابن تيميه، مرتّباً أثراً في ردّ حديث ردّ الشمس لعليّعليه‌السلام بدعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

رأي النّسائي: لا بأس بالتذكير هنا بقول النّسائي:

لا يترك الرجل عندي حتّى يجتمع الجميع على تركه.(1)

ولم نجد إجماعاً على ترك ابن عقدة، لا من الذين عاصروه ولا من الذين جاؤوا بعده، وإنّما خلاصة الأقوال فيه كانت: أحفظ مَن كان في عصره، وحافظ عالم روى عنه الحفّاظ والأكابر، وأمرُه في الجلالة أشهر من أن، يُذكر، ورجلٌ جليل القدر في أصحاب الحديث، وأنّه لم يُرَ من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمن ابن عقدة أحفظ منه، وأنّه يعلم ما عند الناس ولا يعلم الناس ما عنده، وأنّه إمام حافظ محلّه محلّ من يسأل عن التابعين وأتباعهم، وأنّه ثقة لم يُضعَّف بسبب المتون والإسناد، وعَدُّوه في الطبقة الثامنة من رجال الإسناد، وكذلك في طبقات رجال الجرح والتعديل، وأكثروا في كتبهم ذكره في تعديل الرجال أو جرحهم معتمدين قوله. فهو أولى أن يجري حكمه على من جاء بعده بقرون، وليس العكس!

حكم العلماء على مَن لبّس على ابن عقدة حديث ردّ الشمس

تبيّن لنا علوّ سند حديث ردّ الشمس، فتيسّر البحث في متنه إن لم نجزم بصحّته!

____________________

(1) مقدمة كتاب الضعفاء والمتروكين: 11.

١٦٩

قال سبط ابن الجوزيّ في ردّه على جدّه ابن الجوزيّ: إنّ قول جدّي: «هذا حديث موضوع بلا شكّ» دعوى بلا دليل؛ لأنّ قدحه في رواته الجواب عنه ظاهر؛ لأنّا ما رويناه إلاّ عن العدول الثقات الذين لا مغمز فيهم، وليس في إسناده أحد ممّن ضعّفه.

وكذا قول جدّي: «أنا لا أتّهم به إلاّ ابن عقدة» من باب الظنّ والشكّ لا من باب القطع واليقين، وابن عقدة مشهور بالعدالة، كان يروي فضائل أهل البيت ويقتصر عليها، ولا يتعرّض للصحابة بمدحٍ ولا بذمّ، فنسبوه إلى الرفض.(1)

وقال الإمام محمّد الصالحيّ: فإن كان يتّهمه بأصل الحديث، فالحديث معروف قبل وجود ابن عقدة، وقال الذهبيّ في (مختصر منهاج الاعتدال) لشيخه ابن تيميه: لا ريب أنّ ابن شَريك حدّث به، وجاء من وجهٍ آخر قويّ عنه، انتهى.

أراد الطريق الذي رواه ابن شاهين منه، فابن عقدة لم ينفرد به، بل تابعه غيره.(2)

وقال الحافظ محمّد طاهر الفتنيّ الهنديّ: قولُ ابن الجوزيّ: «وحديث أسماء في ردّ الشمس فيه فُضَيل بن مرزوق ضعيف، وله طريق آخر فيه ابن عقدة رافضيّ رُمِي بالكذب ورافضيّ كاذب».

وفضيل بن مرزوق صدوق احتجّ به مسلم والأربعة، وابن عقدة من كبار الحفّاظ، وثّقه الناس وما ضعّفه إلاّ عصريّ متعصّب، والحديث صرّح جماعة

____________________

(1) تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ: 54.

(2) سبل الهدى والرشاد لمحمّد بن يوسف الصالحيّ 9: 438.

١٧٠

بتصحيحه، منهم القاضي عياض.(1)

وقال القاري: قال ابن الجوزيّ في الموضوعات: «حديث ردّ الشمس في قصّة عليّ، موضوع بلا شكّ... وأنا لا أتّهم به إلاّ ابنَ عقدة، لأنّه كان رافضيّاً يسبّ الصحابة».

ولا يخفى أنّ مجرّد كون راوٍ من الرواة رافضيّاً أو خارجيّاً، لا يوجب الجزم بوضع حديثه إذا كان ثقة من جهة دينه، فالأصل هو العدالة حتّى يثبت الجرح المُبطل للرواية.(2)

وسيأتي ذكر جمع من علماء المسلمين ممّن تكلّم في حديث ردّ الشمس ونالوا من ابن الجوزيّ، وذلك في حديثنا عن متن الحديث وطُرقه.

عبد الرحمان بن شريك: أمّا تضعيفه لعبد الرحمان بن شريك، الذي روى حديثه ابن شاهين من حديث فاطمة بنت عليّ، ومن ثمّ عودته إلى ابن عقدة وأنّه المتّهم الأوّل فيه! ولم يزد في تضعيف الرجل إلاّ قول رجل هو ابن أبي حاتم، وقوله فيه ليس إجماعاً! وكما قلنا في ابن عقدة فكذلك نقول في ابن شريك وغيره، وأنّ للحديث طرقاً أخرى.

جاء فيه: عبد الرحمان بن شريك بن عبد الله النّخعيّ الكوفيّ.

روى عن أبيه شريك بن عبد الله. روى عنه: البخاريّ في كتاب «الأدب» وأبو شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن عثمان بن حكيم الأوديّ،

____________________

(1) تذكرة الموضوعات لمحمّد بن طاهر الهنديّ: 96.

(2) شرح الشّفا لعليّ بن سلطان القاري 1: 590.

١٧١

وأحمد بن يحيى الصوفيّ، ومحمّد بن عبيد بن عتبة. ذكره ابن حبّان في كتاب «الثقات» وقال: ربّما أخطأ.

قال أبو العبّاس بن عقدة: مات سنة سبع وعشرين ومئتين.(1)

ورواية البخاريّ عنه شفيع له عند ابن تيميه، فما باله أعرض عنه وتمسّك بجرح ابن الجوزيّ له؟!

وقد ذكره ابن حبّان في كتابه «الثّقات» وقال: عبد الرحمان بن شريك، من أهل الكوفة، يروي عن أبيه، روى عنه أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة والكوفيّون، ربّما أخطأ.(2)

وقوله: ربّما أخطأ، لا أثر له في جرح الرجل بعد أن أنزله منزلة الثِّقات، إذ سبحان مَن لا يخطأ! وقد استعمل لفظ ربّما التي تفيد التقليل غالباً.

داود بن فراهيج: ذكره ابن حبّان في كتابه «الثّقات» قال: داود بن فراهيج، مولى قيس بن الحارث بن فِهْر، أصله من المدينة، قدم البصرة وحدّثهم بها. يروي عن أبي هريرة، وأبي سعيد؛ روى عنه شعبة والناس.(3)

وكذلك ذكره ابن شاهين في الثّقات، قال: داود بن فراهيج: روى عنه شعبة،

____________________

(1) تهذيب الكمال للمزّيّ 17: 170.

(2) الثّقات لابن حبّان 5: 246 / 1935. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ. تقريب التهذيب 2: 325 / 3893. وينظر في: التاريخ الكبير للبخاريّ 5: 296 / 967.

(3) كتاب الثّقات 2: 127 / 985.

١٧٢

ليس به بأس، قاله يحيى.(1)

وقال ابن أبي حاتم: صدوق.(2)

عمرو بن ثابت: وقد قال ابن تيميه بشأنه: كان معروفاً بالكذب!

قال الفسويّ: أبو عمرو ثابت بن أبي المقدام، روى عنه الحَكم والأعمش وشعبة؛ ثقة كوفيّ.(3)

وذكره في مواضع كثيرة من كتابه ممّا يشير إلى وثاقته عنده.

قال أبو يوسف: سمعت أبا الوليد هشام بن عبد الملك يقول: قد كتبنا عنه نحدّث عنه. فقال له قائل: ابن المبارك تكلّم فيه. قال أبو الوليد: كان يذهب مذهب الزيديّة، ولم يكن به بأس.(4)

ومتى كانت المذاهب مقياساً في وثاقة الرجال وجرحهم؟! وقد روى عنه الحكَم والأعمش وشعبة، ووثّقه الفسويّ.

و وثّقه النجاشيّ، قال: عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هُرمز الحدّاد، مولى بني عجل. روى عن: عليّ بن الحسين - زين العابدين - وأبي جعفر - الباقر - وأبي عبد الله -الصادقعليهم‌السلام -.

له كتاب لطيف. أخبرنا الحسين بن عبيد الله عن أبي الحسين بن تمام، عن

____________________

(1) تاريخ أسماء الثِّقات 123 / 335.

(2) الجرح والتعديل 1: 2 / 422.

(3) المعرفة والتاريخ للفسويّ 3: 180.

(4) المعرفة والتاريخ 3: 23.

١٧٣

محمّد بن القاسم بن زكريّا المحاربيّ، عن عبّاد بن يعقوب، عن عمرو بن ثابت به.(1)

قال ابن داود: عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز الحذّاء، مولى بني عجل، ممدوح. وروي أنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام شهد له بأنّه أمير الحُجّاج.(2)

وذكره في موضع آخر فقال: طعنوا عليه من جهةٍ، وليس عندي كما زعموا، وهو عندي ثقة.(3)

وذكره البرقيّ في أصحاب الإمام الباقر والإمام الصادقعليهما‌السلام .(4)

جُوَيرية بنت مُسْهِر!

قال: وهذا اَلإسناد أضعف ممّا تقدّم... وبمثل هذا الإسناد عن هذه المرأة، ولا يُعرَف حال هذه المرأة!

وإن صدق في شيء ممّا قال؛ فقد صدق في مجهوليّة هذه المرأة! فنحن مثله لا نعلم من حالها شيئاً، ولا ندري خُلِقت أم لم تُخلق بعد؟!

إلاّ أنّنا نعلم ما غاب عنه - في أحسن أحوال الظنّ - وهو أنّ جُوَيرية المذكور في هذا الموضع رجلٌ لا امرأةٌ!

ذكره الشريف الرضيّ فقال: «جويرة - من غير ياء بين الراء والتاء».(1)

____________________

(1) رجال النجاشيّ 206.

(2) رجال ابن داود 256 / 1089.

(3) نفسه 478 / 350. وقوله طعنوا عليه من جهة، إشارة لما قيل أنّه زيديّ.

(4) رجال البرقيّ: 11.

١٧٤

وذكره الكشّيّ في رجاله، قال: حدّثنا جعفر بن معروف، قال: أخبرني الحسن بن عليّ بن النعمان، قال: حدّثني أبي عليّ بن النعمان، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن جويرية بن مسهر العبديّ، قال: سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول: أحِبَّ مُحبَّ آلِ محمّدٍ ما أحبَّهم، فإذا أبغضهم فأبغِضْه؛ وابغَضْ مُبغضَ آل محمّد ما أبغضهم، فإذا أحبّهم فأحِبَّه. وأنا أُبشِّرك، وأنا أبشّرك ثلاث مرّاتٍ.(2)

وذكره الطوسيّ في أصحاب أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام .(3)

وقال البرقيّ: ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من ربيعة جويرية بن مسهر العبديّ، شهد مع أمير المؤمنينعليه‌السلام .(4)

وقال ابن داود: جويرية بن مسهر العبديّ، ممدوح.(5)

وذكره الفضل بن شاذان، في خبر ردّ الشمس ببابل - سنذكره في محلّه - أحمد بن صالح: قال ابن تيميه: وقد حكى أبو جعفر الطحاويّ عن عليّ بن عبد الرحمان عن أحمد بن صالح المصريّ، أنّه كان يقول: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم، التخلّفُ عن حفظ حديث أسماء من ردّ الشمس؛ لأنّه من علامات النبوّة. قلت - أي ابن تيميه -: أحمد بن صالح رواه من الطريق الأوّل، ولم يجمع

____________________

(1) خصائص أميرالمؤمنين للشريف الرضيّ: 24.

(2) اختيار معرفة الرجال 106 / 169.

(3) رجال الطوسيّ 37 / 4.

(4) رجال البرقيّ 37 / 4.

(5) رجال ابن داود 93 / 347.

١٧٥

طرقه وألفاظه التي تدلّ من جوهٍ كثيرة على أنّه كذب، وتلك الطريق راويها مجهول عنده!(1)

وقوله في أحمد بن صالح كان على نحو المداراة، لمنزلته عند العلماء وهو من شيوخ البخاريّ. ومع ذلك فقد غمزه بجهالة طريقه إلى الحديث!

وقوله: لم يجمع طُرقَه وألفاظه؛ فليس من شأنه ذلك، وإنّما شأنه أن يذكر الحديث الذي وقع له وصحّ عنده سندُه، وكفاه عن غيره ممّا هو في معناه.

وقد تكلّمنا على الطريق الأوّل الذي أشار إليه بما فيه كفاية، وهو الطريق الذي أخذ عنه أحمد بن صالح.

ترجمة أحمد بن صالح

نرى من الوفاء للرجل أوّلاً، وللوقوف على دعوى ابن تيميه في عدم تحرّي أحمد للحديث وجهالته بطريقه، أن نتعرّف على شخصه ومنزلته عند علماء الرجال والجرح والحديث:

أبو جعفر أحمد بن صالح المقرئ المصريّ. طبريّ الأصل. وُلِدَ سنة سبعين ومائة، وتوفّي سنة ثمان وأربعين ومائتين للهجرة.

سمع: عبد الله بن وَهْب، وعنسبة بن خالد، وسفيان بن عيينة، وعبد الله ابن نافع، وابن أبي فُدَيك، وعبد الرّزاق الصنعانيّ.

حدّث عنه: سفيان بن عُيينة، ومحمّد بن إسماعيل البخاريّ، ويعقوب بن

____________________

(1) الفضائل لابن شاذان: 88 - 89.

١٧٦

سفيان الفسويّ، وأبو إسماعيل التّرمذيّ، وعثمان الدارميّ، وأبو زرعة الدمشقيّ، وأبو داود السجستانيّ، ومحمّد بن يحيى الذهليّ، وصالح جَزَرة. ومن الشيوخ المتقدّمين: محمّد بن عبد الله بن نُمَير، ومحمّد بن غيلان، وغيرهما.(1)

وكما سلف القول في عبيد الله بن موسى وفضيل بن مرزوق، وأنّ الحكم عليهما إنّما من طبقتهما أو ما كان أقرب إلى عصرهما؛ فكذلك الحال بالنسبة إلى أحمد بن صالح، فالفاصلة الزمنيّة بينه وبين ابن تيميه (460) سنة! ولو لم نعرف من سيرة الرجل والطبقة التي أخذ عنها والطبقة التي أخذت عنه، لسلّمنا وقلنا بالذي قاله ابن تيميه من جهالة أحمد بن صالح فيما رواه، وقد رواه عنه الطحاويّ المتوفّى سنة (321 هـ)، أي بعد وفاة أحمد بـ (73) سنة.

منزلته العلميّة:

قال ابن حبّان: كان أحمد هذا في الحديث وحفظه ومعرفة التاريخ وأسباب المحدّثين عند أهل مصر كأحمد بن حنبل عند أصحابنا بالعراق.

وهو مقارن يحيى بن معين في الحفظ والإتقان، وكان أحفظ من يحيى ابن معين بحديث المصريّين والحجازيّين.(2)

____________________

(1) التاريخ الكبير للبخاريّ 2: 6 / 1510، الثّقات لابن حبّان 5: 17 / 80، مروج الذهب 4: 82، تاريخ الثّقات للعجليّ 48 / 5، الجرح والتعديل 2 / 56 / 73، تاريخ بغداد 4: 195 / 1886، المعرفة والتاريخ 3: 361، تهذيب الكمال 1: 340 / 49، سير أعلام النبلاء 12: 160 / 59، ميزان الاعتدال 1: 103 / 406.

(2) الثّقات لابن حبّان 5: 17.

١٧٧

ومَن هذا شأنه في الحفظ والإتقان، لا يمكن أن تطاله يدُ رجل انبعث بعده بخمسة قرون لتجرحه وتَسِمه بأنّه يأخذ من المجاهيل!

وقال الفسويّ: كتبت عن ألف شيخ وكسر، ما أحدٌ منهم أتّخِذُه عند الله حجّة إلاّ أحمدَ بن حنبل وأحمد بن صالح.(1)

وقال العجليّ: ثقة، صاحب سُنّة.(2)

قال أبوزرعة: سألني أحمد بن حنبل: مَن بمصر؟ قلت: أحمد بن صالح. فسرّ بذلك ودعا له.(3)

وقال الفضل بن دُكَين: ما قَدِم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى - يعني أحمد بن صالح -.(4)

وسُئل عنه أبو حاتم فقال: ثقة، كتبتُ عنه بمصر ودمشق وأنطاكية.(5)

قال البخاريّ صاحب الصحيح: أحمد بن صالح، أبو جعفر المصريّ، ثقة صدوق، ما رأيت أحداً يتكلّم فيه بحجّة، كان أحمد بن حنبل وعليّ - المدينيّ - وابن نمير وغيرهم يُثبِتون أحمد بن صالح، كان يحيى يقول: سَلُوا أحمد، فإنّه أثبت.(6) قال محمّد بن عبد الرحمان الغَزّال: أحمد بن صالح من حُفّاظ الحديث،

____________________

(1) المعرفة والتاريخ للفسويّ 3: 361.

(2) تاريخ الثقات للعجليّ 48.

(3) الكامل لابن عدِيّ 1: 184، تاريخ بغداد 4: 196.

(4) تاريخ بغداد 4: 199، الكامل لابن عدِيّ 1: 184.

(5) الجرح والتعديل 2: 56.

(6) تاريخ بغداد 4: 201.

١٧٨

واعياً، رأساً في علم الحديث وعِلَله، وكان يصلّي بالشافعيّ، ولم يكن في أصحاب ابن وهب أعلمَ منه بالآثار.(1)

خلاصة الأقوال في أحمد

أجمعت كلمة العلماء الذين يأتمّ ابن تيميه بهم ويقتدي: أنّ أحمد بن صالح حافظٌ متقن حجّةٌ ثقة، صدوقٌ صاحب سنّة، واعٍ رأسٌ في علم الحديث وعِلله بصيرٌ باختلافه، يأتمّ الشافعيّ به، وهو وأحمد بن حنبل سواء، مُقارن ليحيى بن معين في الحفظ والإتقان، ومتقدّم عليه في معرفة حديث المصريّين والحجازيّين، عارف بالتاريخ وأسباب المحدّثين؛ وهو شيخ البخاريّ وعلماء السّلف. حكم البخاريّ بثقته وصدقه وأن لا حجّة لِمَن يتكلّم فيه. إذن: بأيّ حجّة تكلّم فيه ابن تيميه، وحكم عليه بأنّه أخذ حديث ردّ الشّمس من مجهول؟!

أبو جعفر الطحاويّ: لم يبق في قائمة مَن نال منهم ابن تيميه في سند حديث أسماء في ردّ الشمس، إلاّ الطحاويّ: أحمد بن محمّد بن سلامة بن سلمة الأزديّ المصريّ الحنفيّ، المتوفّى سنة 321 هـ؛ وكان بين وفاته ووفاة أحمد بن صالح «73» سنة، وليس بينه وبين وفاة ابن تيميه إلاّ «407» سنوات!

قال بشأنه: والطّحاويّ ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم! فإنّه لم تكن معرفته بالإسناد كمعرفة أهل العلم به، وإن كان كثير الحديث فقيهاً عالماً.

ولا نريد أن نقف كثيراً عند دعوى جهل الطحاوي بطريقة نقد أهل العلم

____________________

(1) تهذيب الكمال 1: 345، تاريخ بغداد 4: 199.

١٧٩

للحديث، وعدم معرفته بالإسناد كمعرفة ابن تيميه! ولكن نحيل القارئ الكريم على مؤلّفات الطحاويّ، منها: «مشكل الآثار» بأربعة أجزاء في مجلّدين، ليقف بنفسه على سعة أفق هذا العالم وتضلّعه بما جهّله فيه ابن تيميه!

وكما صنع أبو الفرج وابن تيميه بجعل مدار الحديث على عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق! كذلك نحن نصنع فنقول: ومدار الحديث على الطحاويّ عن أحمد بن صالح، فإن سلم أحمد بن صالح من الجرح وثبت الحديث الذي ألزم العلماء عدم تجاوز حديث أسماء في ردّ الشمس، فليس على الطحاوي شيء؛ لأنّه أخذه عن عالم جهبذ.

ثمّ: ما ذنب العلاّمة الحلّي يُرمى بالكذب! وقد أخذ الحديثَ من رجالٍ ثبتت وثاقتهم وعدالتهم وصدقهم وحُجّيتهم فيما يروون؟!

الكلام في الحديث

ثبتت لنا وثاقة السّند وقوّته؛ فثبتت صحّة الحديث ويحسن أن نتكلّم موجزاً في الحديث ونورد طرقه وقول العلماء فيه، فنقول: من يتوقّف فيه، فإمّا أن يكون توقّفه من حيث الإمكان، أو من حيث الواقع. والأوّل باعتبار أنّه خروج على النظام وسنّة الله تعالى في مخلوقاته؛ وهذا مردود إذ هو جارٍ وفق إرادة الله سبحانه وحكمته، وتحقيقاً للمصالح الواقعة في مشيئته عزّوجلّ. وقد جرت أمور خارقة لطبائع الأشياء لأنبياء وغير أنبياء، تبدو في ظاهرها أنّها خروج عن سنن الله سبحانه، ولكنّها كانت بمشيّته وإرادته، بما في ذلك توقّف الشمس عن سيرها

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

عكرمة مولى ابن عبّاس

وأمّا عكرمة ، فإنّهم وإنْ ذكروا له محامد كثيرة ومناقب عالية ، حتّى نقلوا عن الشعبي : ما بقي أحدٌ أعلم بكتاب الله من عكرمة(١) .

وعن سعيد بن جُبير : أنّ عكرمة أعلم منه(٢) .

وعن البخاري وأبي حاتم وغيرهما : أنّه ثقة .

بل رَوَوا عن يحيى بن معين قوله : ( إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة وفي حمّاد بن سلمة ، فاتّهمه على الإسلام )(٣) .

بل عن شهر بن حوشب : ( عكرمة حَبْرُ هذه الأُمّة )(٤) .

هو من أعلام الخوارج

لكنّ الرجل مِن أعلام الخوارج وكبار النواصب ، وهذا ثابتٌ مشهور عنه وممّا لا ريبَ فيه لأحد ، وقد نصَّ على ذلك من الأئمّة أمثال : يحيى بن بُكير ، ومصعب الزبيري ، وعطاء ، وابن المديني ، وأحمد ، والحاكم ، وأبي بكر الجعابي ، والرياشي ، والذهبي ، وابن خلّكان ، وياقوت ، والكرماني... وغيرهم ممّن

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٤١ .

(٢) رجال المشكاة للشيخ عبد الحق الدهلوي ـ ترجمة عكرمة .

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٤١ : ١٠٣/ ٤٧٤٣ ، تهذيب الكمال ٧ : ٢٦٣/ ١٤٨٢ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ٣١/ ٩ .

(٤) ميزان الاعتدال ٣ : ٩٣/ ٥٧١٦ .

٢٠١

يطول المقام بذكرهم .

قوادحه كما في ميزان الاعتدال

وله قوادح ومعائب كثيرة أيضاً، ونحن نكتفي بإيراد ترجمته في( ميزان الاعتدال ) ، لاشتمالها على طرفٍ من كلمات الأئمّة في ذمّه والطعن فيه :

( عفّان : ثنا وهيب ، قال : شهدت يحيى بن سعيد الأنصاري وأيّوب ، فذكرا عكرمة فقال يحيى : كذّاب ، وقال أيّوب : لم يكن [بكذّاب] .

جرير بن يزيد عن يزيد ، بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحرث قال : دخلت على عليّ بن عبد الله ، فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش ، فقلت له : ألا تتّق الله ؟ فقال : إنّ هذا الخبيث يكذب على أبي .

ويُروى عن ابن المسيّب أنّه كذّب عكرمة .

الخصيب بن ناصح : ثنا خالد بن خداش : شهدت حمّاد بن زيد ـ في آخر يوم مات فيه ـ فقال : أُحدّثكم بحديث لم أُحدّث به قط ؛ لأنّي أكره أنْ ألقى الله ولم اُحدّث به ، سمعت أيّوب يحدّث عن عكرمة قال : إنّما أنزل الله متشابه القرآن ليضلّ به .

قلت : ما أسوءها عبارة بل أخبثها ، بل أنزله ليهدي به ، وليضلّ به الفاسقين .

فطر بن خليفة : قلت لعطاء : إنّ عكرمة يقول : قال ابن عبّاس : سبق الكتاب الخفّين ، فقال : كذب عكرمة ، سمعت ابن عبّاس يقول : لا بأس بمسح الخفّين وإنْ دخلت الغائط قال عطاء : والله إنْ كان بعضهم ليرى أنّ المسح على القدمين يجزي .

إبراهيم بن ميسرة ، عن طاووس قال : لو أنّ مولى عبد الله بن عبّاس اتّقى الله وكفّ مِن حديثه ، لشدّت إليه المطايا .

مسلم بن إبراهيم : ثنا الصلت أبو شعيب قال : سألت محمّد بن سيرين عن عكرمة فقال : ما يسوءني أنْ يكون مِن أهل الجنّة ، ولكنّه كذّاب .

إبراهيم بن المنذر : ثنا هشام بن عبد الله المخزومي ، سمعت ابن أبي ذئب يقول : رأيت عكرمة وكان غير ثقة .

قال محمّد بن سعد : كان عكرمة كثير العلم والحديث ، بحراً من البحور ، وليس يحتجّ بحديثه ، ويتكلّم النّاس فيه .

٢٠٢

وقال مطرف بن عبد الله : سمعت مالكاً يكره أنْ يذكر عكرمة ، ولا يرى أنْ يروى عنه .

قال أحمد بن حنبل : ما علمت أنّ مالكاً حدّث بشيء لعكرمة ، إلاّ في الرجل يطأ امرأته قبل الزيارة ، رواه عن ثور عن عكرمة .

أحمد بن أبي خيثمة قال : رأيت في كتاب علي ابن المديني : سمعت يحيى بن سعيد يقول : حدّثوني ـ والله ـ عن أيّوب أنّه ذكر له أنّ عكرمة لا يُحسن الصلاة ، فقال أيّوب : وكان يصلّي ؟

الفضل السيناني عن رجلٍ قال : رأيت عكرمة قد أقيمُ قائماً في لعب النرد .

يزيد بن هارون : قدم عكرمة البصرة ، فأتاه أيّوب ويونس وسليمان التيمي فسمع صوت غناء فقال : اُسكتوا ، ثمّ قال : قاتله الله ، لقد أجاد فأمّا يونس وسليمان فما عادا إليه .

عمرو بن خالد بمصر : حدّثنا خلاّد بن سليمان الحضرمي ، عن خالد بن أبي عمران قال : كنّا بالمغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم فقال : وددت أنّ بيدي حربة فأعترض بها مَن شهد الموسم يميناً وشمالاً .

ابن المديني : عن يعقوب الحضرمي ، عن جدّه قال : وقف عكرمة على باب المسجد فقال : ما فيه إلاّ كافر قال : وكان يرى رأي الأباضيّة .

يحيى بن بكير ، قال : قدم عكرمة مصر وهو يُريد المغرب ، قال : فالخوارج الذين هم بالمغرب عنه أخذوا .

قال ابن المديني : كان يرى رأي نجدة الحروي .

وقال مصعب الزبيري : كان عكرمة يرى رأي الخوارج ، وادّعى على ابن عبّاس أنّه كان يرى رأي الخوارج .

خالد بن يزيد [نِزَار] ثنا عمر بن قيس ، عن عطاء بن أبي رباح : أنّ عكرمة كان أباضيّاً.

٢٠٣

أبو طالب : سمعت أحمد بن حنبل يقول : كان عكرمة من أعلم النّاس ، ولكنّه كان يرى رأي الصفريّة، ولم يدَع موضعاً إلاّ خرج إليه : خراسان والشام واليمن ومصر وإفريقيّة ، كان يأتي الأُمراء فيطلب جوائزهم ، وأتى الجند إلى طاووس فأعطاه ناقة .

وقال مصعب الزبيري : كان عكرمة يرى رأي الخوارج ، فطلبه مُتَولّي المدينة ، فتغيّب عند داود بن الحصين حتّى مات عنده .

وروى سليمان بن معبد السنجي قال : مات عكرمة وكثير عزّة في يوم ، فشهد النّاس جنازة كثير ، وتركوا جنازة عكرمة .

وقال عبد العزيز الدراوردي : مات عكرمة وكثير عزّة في يوم ، فما شهدهما إلاّ سودان المدينة .

إسماعيل بن أبي أُويس ، عن مالك ، عن أبيه قال: أُتي بجنازة عكرمة مولى ابن عبّاس وكثير عزّة بعد العصر ، فما علمت أنّ أحداً من أهل المسجد حلّ حبوته إليهما .

قال جماعة : مات سنة خمس ومِئة .

وقال الهيثم وغيره : سنة ست .

وقال جماعة : سنة سبع ومِئة .

٢٠٤

عن ابن المسيّب أنّه قال لمولاه برد : لا تكذب علَيّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس )(١) .

قوادحه كما في معجم الأُدباء

وقال ياقوت الحموي بترجمة عكرمة من( معجم الأُدباء ) :

( ومات ـ فيما قرأت بخط الصولي من كتاب البلاذري ـ سنة خمس ومئة ، وقيل ست ومئة ، وهو ابن ثمانين سنة .

قال : وكان موته وموت كثير عزّة في يوم واحد ، فوُضعا جميعاً وصُلّي عليهما ، وكان كثير شيعيّاً وعكرمة يرى رأي الخوارج ، ذكره الحاكم أبو عبدا لله محمّد بن عبد الله البيّع في تاريخ نيسابور .

وذكر القاضي أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي ـ في كتاب الموالي ـ عن ابن الكلبي قال : وعكرمة هلك بالمغرب ، وكان قد دخل في رأي الحروريّة الخوارج ، فخرج يدعو بالمغرب إلى الحروريّة .

أبو علي الأهوازي قال : لمّا توفّي عبد الله بن عبّاس ، كان عكرمة عبداً مملوكاً ، فباعه عليّ بن عبد الله بن عبّاس من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار ، فأتى عكرمة عليّاً فقال له : ما خير لك ، أتبيع علم أبيك ، فاستقال

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٩٤ ـ ٩٧/ ٥٧١٦ .

٢٠٥

خالداً فأقاله وأعتقه ، وكان يرى رأي الخوارج ويميل إلى استماع الغناء ، وقيل عنه : إنّه كان يكذب على مولاه .

وقال عبد الله بن الحارث : دخلت على عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، وعكرمة موثّق على باب الكنيف ، فقلت : أتفعلون هذا بمولاكم ؟ فقال : إنّ هذا يكذب على أبي .

وقد قال ابن المسيّب لمولاه : لا تكذب علَيّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس .

وقال يزيد بن هارون : قدم عكرمة مولى ابن عبّاس البصرة ، فأتاه أيّوب السختياني وسليمان التيمي ويونس بن عبيد ، فينا هو يحدّثهم إذ سمع غناء ، فقال عكرمة : اُسكتوا ، فتسمّع ثمّ قال : قاتله الله فلقد أجاد ، أو قال : ما أجود ما قال ، فأمّا سليمان ويونس فلم يعودا إليه ، وعاد إليه أيّوب ، فقال : يزيد بن هارون : لقد أحسن أيّوب .

الرياشي : عن الأصمعي ، عن نافع المدني قال : مات كثير الشاعر وعكرمة في يوم واحد .

قال الرياشي : فحدّثنا ابن سلام : أنّ النّاس كانوا في جنازة كثير ؛ لأنّ عكرمة كان يرى رأي الخوارج ، وتطلّبه بعض الولاة ، فتغيّب عند داود بن الحصين حتّى مات عنده سنة سبع ومئة في أيّام هشام بن عبد الملك ، وهو يومئذٍ ابن ثمانين سنة .

حمّاد بن زائدة : ثنا عثمان بن مرّة قلت للقاسم : إنّ عكرمة مولى ابن عبّاس قال : ثنا ابن عبّاس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المُزفّت والمُقّيَّر والدِباء والحَنْثَم والجِرَار ، فقال : يا ابن أخي ، إنّ عكرمة كذّاب ، يحدّث غدوةً حديثاً يُخالفه عشيّاً .

يحيى بن بكير : سمعت ابن عم يقول لنافع : اتّق الله ـ ويحك يا نافع ـ ولا تكذب علَيّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس .

يزيد بن أبي زياد [عن عبد الله بن الحارث] قال : دخلت على عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، وعكرمة مقيّدٌ على باب الحش ، قلت : ما لهذا كذا ؟ قال : إنّه يكذب ) انتهى بالاختصار(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) معجم الأُدباء ٢ : ١٨٢ ـ ١٩٠ / ٤٦ .

٢٠٦

الحسنُ البصري

وأمّا الحسن ، فمِن أشهر الأئمّة وكبار الفقهاء والمحدّثين عندهم ، وقد وصَفوه بأعلى المناقب وأجلّ الفضائل ، كما لا يخفى على من راجع( تهذيب الكمال ) و( تهذيب التهذيب ) وغيرهما من كتب التراجم والرجال .

هو مِن القدريّة

لكنّه ـ بناءً على أُصولهم ـ محكومٌ عليه بالكفر ؛ لأنّه كان لا يرى الشرّ بقدرٍ من الله ، ومن قال بهذه المقالة فهو عندهم كافر... قال الذهبي في ( تذهيب التهذيب ) :

( روى معمر عن قتادة عن الحسن قال : الخير بقدر والشرّ ليس بقدر .

قلت : هذه اللّفظة أبلغ ما نقل عن الحسن في القدر )(١) .

ذم القدريّة في روايات القوم

ولا بأس بإيراد طرفٍ من الروايات الواردة في ذمّ القدريّة :

أخرج الترمذي :

( عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( صنفان مِن أُمّتي ليس لهما في الإسلام نصيب : المُرجئة ، والقدريّة ) وفي الباب

ـــــــــــــــــــ

(١) تذهيب التهذيب ـ تهذيب التهذيب ٢ : ٢٣٦ .

٢٠٧

عن عمر وابن عمر ورافع بن خديج هذا حديثٌ حسنٌ غريب )(١) .

وأخرج أبو داود :

( عن ابن عمر ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( القدريّة مجوسُ هذه الأُمّة ؛ إنْ مرضوا فلا تعودوهم ، وإنْ ماتوا فلا تشهدوهم ) (٢) .

وأخرج أيضاً :

( عن حذيفة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لكلّ اُمّة مجوس ، ومجوس هذه الأُمّة الذين يقولون لا قدر ؛ من مات منهم فلا تشهدوا جنازته ، ومَن مرض منهم فلا تعودوهم ، وهُم شيعة الدجّال ، وحقّ على الله أنْ يلحقهم بالدجّال ) (٣) .

وفي( التمهيد في بيان التوحيد ) :

( روي : إنّ رجلاً دخل على عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه وقال : أخبرني عن القدر .

فقال له :( طريقٌ مظلم فلا تسلكه ) ، فسكت ساعة ، ثمّ قال له : أخبرني عن القدر ، فقال :( بحر عميقٌ لا تَلِجْهُ ) .

فسكت ساعة ، ثمّ قال له : أخبرني عن القدر ، فقال :( سرّ الله فلا تُفشِه ) .

فسكت ساعة ، ثمّ قال : أخبرني عن القدر .

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح الترمذي ٤ : ٤٥٤/ ٢١٤٩ كتاب القدر الباب ١٣ .

(٢) سنن أبي داود ٥ : ٤٦/ ٤٦٩١ كتاب السنة الباب ١٧ .

(٣) سنن أبي داود ٥ : ٤٦/ ٤٦٩٢ كتاب السنة الباب ١٧ .

٢٠٨

فبدأ عليّرضي‌الله‌عنه بالسؤال ، فقال له :( أخبرني مشيّتك مع مشيّة الله ، أو دون مشيّة الله ) ؟

فتحيّر الرجل ، فقال لعليّ : قل أنت .

فقال له :( إنْ قلت : بأنّ مشيّتي مع مشيّة الله تعالى ، فقد ادّعيت المشاركة مع الله تعالى ، وإنْ قلت : بأنّ مشيّتي دون مشيّة الله ، فقد ادّعيت الإلوهيّة ، فعلمت أنّ مشيّتك تحت مشيّة الله ) .

فقال الرجل : تبت إلى الله ، وقام

فقال عليّرضي‌الله‌عنه لأصحابه :( قوموا وصافحوه ، فإنّه الآن أسلم ) .

ففي هذا دليلٌ على أنّ مَن أنكر القدر يصير كافراً ؛ ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( القدريّة مجوس هذه الأُمة ؛ إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإنْ ماتوا فلا تشيّعوا جنائزهم ، أولئك هم شيعة الدجّال ، وحقّ على الله أنْ يلحقهم بالدجّال ، ولأنّهم أنكروا النصّ ، لأنّ الله تعالى قال : ( وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ... ) ) .

وجاء فيه أيضاً :

( فإن قال : بأنّ الله تعالى لم يخلُق الشر والكفر وذلك مخلوق غير الله ، فقد أثبت صانعاً وخالقاً غير الله ، فيكون مُشركاً بالله تعالى ويكون كافراً ، وإنْ قال : بأنّ الشرّ مخلوق الله تعالى بدون إرادته ومشيّته ، فقد اعتقد بأنّ الله تعالى مجبورٌ مكرهٌ في تخليقه ، وهذا كفر ؛ فثبت أنّ الكلّ بمشيّة الله وبإرادته وقضاءه وقدره ، ومَن أنكر القدر فهو كافر بالله العظيم )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) التمهيد في بيان التوحيد : ٢٤ .

٢٠٩

وقال النووي في( المنهاج ) :

( قال الإمام ـ يعني إمام الحرمين ـ في كتاب الإرشاد في أُصول الدين : وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( القدريّة مجوس هذه الأُمّة ، شبّههم بهم لتقسيمهم الخير والشرّ في حكم الإدارة كما قسمت المجوس ، فصرفت الخير إلى يَزدَان والشر إلى أهرِمَن ، ولا خفاء باختصاص هذا الحديث بالقدريّة )(١) .

وفي( كنزر العمّال ) :

(( إنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث نبيّاً قبلي ، إلاّ كان في أُمّته مِن بعده مرجئة وقدريّة يشوّشون عليه أمر أُمّته من بعده ، ألا إنّ الله عزّ وجلّ لعن المرجئة والقدريّة على لسان سبعين نبيّاً ، ألا وإنّ أُمّتي لأُمّةٌ مرحومةٌ لا عذاب عليها في الآخرة ، وإنّما عذابها في الدنيا ، ألا إنّ صنفين مِن أُمتي لا يدخلون الجنّة : المرجئة والقدريّة ) . ابن عساكر عن معاذ :

( صنفان من أُمّتي لعنهم الله على لسان سبعين نبيّاً : القدريّة والمرجئة الذين يقولون : الإيمان إقرارٌ ليس فيه عمل ) . الديلمي عن حذيفة )(٢) .

دفاع الذهبي عن الحسن البصري

ومن لطائف الأٌمور : محاولة الذهبي للدفاع عن الحسن ، بدعوى أنّه لمّا حوقق على القول بالقدر تبرّأ من ذلك ، قال الذهبي :

( الحسن بن يسار مولى الأنصار ، سيّد التابعين في زمانه بالبصرة ، كان

ـــــــــــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم ١ : ١٥٤ كتاب الإيمان ـ إثبات القَدر .

(٢) كنز العمّال ١ : ١٣٥/ ٦٣٥ و٦٣٦ .

٢١٠

ثقة في نفسه ، حجّةً ، رأساً في العلم والعمل ، عظيم القدر ، وقد بدت منه هفوة في القدر لم يقصدها لذاتها ، فتكلّموا ، فما ألتفت إلى كلامهم ؛ لأنّه لمّا حوقق عليها تبرّأ منها )(١) .

لكنْ ما معنى ( لم يقصدها لذاتها ) ؟ ألم يكن كلامه ظاهراً في معناه الذي فهمه القوم منه فتكلّموا فيه ؟ إنّ ما يقوله الذهبي دعوى بلا دليل ، بل هو مجرّد تخرّص وتخمين ، بل هو أشبه بهذيان المجانين ، ويكذّبه كلامه هو حيث قال بعد العبارة السابقة :

( قال حمّاد بن زيد عن أيّوب قال : كذب على الحسن ضربان مِن الناس : قومٌ رأيهم القدر لينفقوه في الناس بالحسن ، وقوم في صدورهم بغضٌ له ، وأنا نازلته في القدر غير مرّة حتّى خوّفته بالسلطان ، فقال : لا أعود فيه بعد اليوم .

وقال أيّوب : ولا أعلم أحداً يستطيع أنْ يعيب الحسن إلاّ به ، وأدركت الحسن ـ والله ـ ما يقوله )(٣) .

وإذا كان الحسن يُنازله الرجال في القدر غير مرّة ، ولا يرجع عن القول به إلاّ بعد التخويف بالسلطان ، فما معنى أنّه لم يكن قاصداً لما تفوَّه ؟

وما ذكره الذهبي في الدفاع عنه مِن أنّه قد تاب عن المقالة المذكورة ورجع عنها ، لا يرفع الإشكال ؛ لأنّ الحسن من القائلين بالتقيّة إلى يوم القيامة ، كما رواه البخاري عنه في( الصحيح ) (٣) ، وأهل السنّة يقولون بعدم قبول التوبة ممّن يقول بالتقيّة .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٥٢٧/ ١٩٦٨ .

(٢) تذهيب التهذيب .

(٣) صحيح البخاري ٩ : ٢٥ كتاب الإكراه .

٢١١

كان الحسن مدلّساً

وكان الحسن البصري يكثر التدليس في الحديث ، نصَّ على ذلك الذهبي(١) .

وقال ابن حجر في( التقريب ) :

( وكان يرسل كثيراً ويدلّس قال البزّار : كان يروي عن جماعةٍ لم يسمع منهم ، فيتجوّز ويقول : حدّثنا وخطبنا ، يعني قومه الذين حدّثوا وخطبوا بالبصرة )(٢) .

وفي( تهذيب التهذيب ) :

( قال ابن المديني : سمعت يحيى ـ يعني القطان ـ وقيل له : كان الحسن يقول : سمعت عمران بن حصين قال : أمّا عن نفسه فلا وقال ابن المديني وأبو حاتم : لم يسمع منه ، وليس يصحّ ذلك من وجهٍ مثبت )(٣) .

هذا ، وقد نصّ ابن حجر في( شرح نخبة الفكر ) على أنّ التدليس بصيغةٍ صريحة كذب(٤) ، وقد أوضح القاري في ( شرحه ) المراد من الصيغة الصريحة فقال : ( وهي لفظة أخبرني أو حدّثني أو سمعته )(٥) .

وذكر ابن الجوزي أنّ التدليس في تلبيس إبليس ، حيث قال في كتاب( تلبيس إبليس ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٥٢٧/ ١٠٦٨ .

(٢) تقريب التهذيب ١ : ١٦٦/ ١٣٥٧ .

(٣) تهذيب التهذيب ٢ : ٢٣٤/ ٤٨٨ .

(٤) شرح نخبة الفكر : ٨٢ .

(٥) شرح شرح نخبة الفكر : ٤١٩ .

٢١٢

 ( ومن تلبيس إبليس على علماء المحدّثين : رواية الحديث الموضوع من غير أنْ يبيّنوا أنّه موضوع ، وهذه جناية منهم على الشرع ، ومقصودهم تنفيق أحاديثهم وكثرة رواياتهم ، وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : من روى عنّي حديثاً يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين ، ومن هذا الفن تدليسهم في الرواية ، فتارة يقول أحدهم : فلان عن فلان ، أو قال فلان عن فلان ، يوهم أنّه سمع منه ولم يسمع ، وهذا قبيح ؛ لأنّه يجعل المنقطع في مرتبة المتصّل )(١) .

وقال النووي في( شرح مسلم ) :

( التدليس قسمان : أحدهما : أنْ يروي عمّن عاصره ما لم يسمع منه ، موهماً سماعة قائلاً : قال فلان أو عن أو نحوه وربّما يسقط شيخه أو أسقط غيره لكونه ضعيفاً أو صغيراً ، تحسيناً لصورة الحديث ، وهذا القسم مكروه جدّاً ، ذمّة أكثر العلماء ، وكان شعبة من أشدّهم ذمّاً له ، وظاهر كلامه أنّه حرام وتحريمه ظاهر ، فإنّه يوهم الاحتجاج بما لا يجوز الاحتجاج به ، ويتسبّب أيضاً إلى إسقاط العمل بروايات نفسه ، مع ما فيه من الغرور ، ثمّ إنّ مفسدته دائمة ، وبعض هذا يكفي في التحريم ، فكيف باجتماع هذه الأُمور )(٢) .

لعبه بالشطرنج

وكان الحسن البصري يلعب بالشطرنج(٣) ، وقد ثبت في الأخبار أنّ اللاّعب بالشطرنج ملعون ، إلى غير هذا من الأحاديث الواردة في تحريمه

ـــــــــــــــــــ

(١) تلبيس إبليس : ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٢) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج ١ : ٣٣.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٦٢ ( العقرب ) .

٢١٣

وتحريم اللّعب به والنظر إليه...

نسبته المعصية إلى يوسفعليه‌السلام

وهو ممّن نسب المعصية إلى يوسفعليه‌السلام ، كما عرفت من كلام الرازي ، وعرفت أيضاً ما في هذه النسبة من كلامه .

فساد مذهبه يوجب الحكم بكفره

وعلى الإجمال ، فقد كان هذا الرجل منحرفاً في العقيدة حتّى قالوا بكفره ، وممّن نصَّ على ذلك عبد العزيز البخاري في( كشف الأسرار ) حيث قال :

( كثير مِن أصحاب الحديث قبلوا رواية سلفنا ، كالحسن وقتادة وعمرو بن عبيد ، مع علمهم بمذهبهم وإكفارهم من يقول بقولهم ، وقد نصّوا على ذلك )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) كشف الأسرار ـ شرح أُصول البزودي ٣ : ٢٧ .

٢١٤

عطاء بن أبي رباح

وأمّا عطاء ، فيكفيه فضلاً وفخراً : كونه شيخ الإمام الأعظم وما قاله أبو حنيفة في حقّه .

قال الذهبي في( ميزان الاعتدال ) :

( عطاء بن أبي رباح ، سيّد التابعين علماً وعملاً وإتقاناً في زمانه بمكّة ، روى عن عائشة وأبي هريرة والكبار ، وعاش تسعين سنة أو أزيد ، وكان حجةً ، إماماً ، كبير الشأن ، أخذ عنه أبو حنيفة وقال : ما رأيت مثله )(١) .

لعبه بالشطرنج

لكنّه كان يلعب بالشّطرنج ، كما في( حياة الحيوان ) (٢) . وقبائح الشطرنج كثيرة جدّاً ، ولنذكر بعض ذلك فيما يلي من كتاب( كنز العمّال ) :

( ملعونٌ مَن لعب بالشطرنج ، والناظر إليها كالآكل لحم الخنزير ) عبدان وأبو موسى وابن حزم عن حبة بن مسلم .

( ملعونٌ مَن لعب بالشطرنج ) الديلمي عن أنَس .

( إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام ، والشطرنج ، والنرد وما كان مِن هذه ، فلا تسلّموا عليهم ، وإنْ سلّموا عليكم فلا تردّوا عليهم ) الديلمي عن

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٧٠/ ٥٦٤٠ .

(٢) حياة الحيوان ٢ : ٦٢ .

٢١٥

أبي هريرة .

( ألا إنّ أصحاب الشاه في النار ، الذين يقولون قتلت والله شاهك الديلمي عن ابن عبّاس .

إنّ الله تعالى ينظر في كلّ يوم ثلاثمائة وستّين نظرة، لا ينظر فيها إلى صاحب الشاه ، يعني الشطرنج الديلمي عن واثلة .

( إنّ لله تبارك لوحاً ينظر فيه في كلّ يوم ثلاثمئة وستّين نظرة ، يرحم بها عباده ، ليس لأهل الشاه فيها نصيب الخرائطي في مساوي الأخلاق عن واثلة ) .

( عن عليّ :( النرد والشطرنج من الميسر ) ) ش وابن المنذر وابن أبي حاتم ق .

( من لعب بالميسر ثمّ قام يصلّي ، فمثله مثل الذي يتوضّأ بالقيح ودم الخنزير ، فيقول الله : لا يقبل له صلاة ) طب عن أبي عبد الرحمان الخطمي .

( عن عليّ ، أنّه مرّ على قوم يلعبون بالشطرنج ، فوثب عليهم فقال :( أما والله لغير هذا خُلِقتم ، ولولا أنْ تكون سنّة لضربت بها وجوهكم ) ) ق كر .

( عن عليّ : إنّه مرّ على قومٍ يلعبون الشطرنج فقال :( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ، لأنْ يمسّ أحدكم جمراً حتّى يطفى خيرٌ له من أنْ يمسّها ) ش وعبد ابن حميد وابن أبي الدنيا في ذمّ الملاهي وابن المنذر وابن أبي حاتم ق .

( عن عليّ قال :( لا نسلّم على أصحاب النردشير والشطرنج ) . كر .

٢١٦

( يأتي على الناس زمانٌ يلعبون بها ، ولا يلعب بها إلاّ كلّ جبّار ، والجبّار في النّار ـ يعني الشطرنج ـ ولا يوقّر فيه الكبير ولا يرحم فيه الصغير ، يقتل بعضهم بعضاً على الدنيا ، قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب ، لايعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ، يمشي الصالح فيهم مستخفّاً ، أولئك شرار خلق الله ، لا يَنظر الله إليهم يوم القيامة ) الديلمي عن أنَس (١) .

هذا ، وقد ذهب إلى حرمة الشّطرنج كافّة الأئمّة الأربعة ، كما نصَّ على ذلك صاحب( الصواقع ) في فصل المكائد حيث قال :

( الثلاثون والمئة : طعن أهل السنّة بأنّهم يجوّزون اللّعب بالشطرنج ، فإنّه ينخدع به أمرقعان ، وهو افتراء ، فإنّ اللّعب بالشطرنج حرام عند أبي حنيفة ومالك وأحمد على الصحيح ، وورد في حرمته أحاديث وآثار ، وعند الشافعي في القول الأوّل مكروه ، بشرط عدم إخراج الصّلوات عن وقتها ، وإخلال تحفّظ الواجبات بواسطة الاشتغال به ، وأنْ يخلو عن القمار ، وأنْ لا يصير سبباً للنزاع والكذب ، وأنْ لا يكون أسبابه مصوّرةً بصورة الحيوانات ، فإنْ فقد شيء من هذه الشروط صار حراماً ، وبالإصرار يصير كبيرةً كذا في الإحياء ،. وقد صحّ عن الشافعي أنّه رجع إلى قول الأئمّة الثلاثة ، نصّ عليه الإمام أبو حامد الغزالي ، واللّعب كلّه حرام عند أهل السنّة... )(٢) .

فظهر من هناك أنّ عطاء بن أبي رباح كان بعيداً عن الفضل والصّلاح ، محروماً عن الرشد والفلاح ، منحازاً عن حيازة مغانم الأرباح ، منهمكاً في الضلال والفسق والطلاح ، حيث جوّز ما يلعن على مرتكبه بالغداء والرواح .

تركه النهي عن المنكر

ومن قوادحه : إنّه لم ينكر على خالد بن عبد الله القسري بدعته في مكّة

ـــــــــــــــــــ

(١) كنز العمّال ١٥ : ٢١٥ ـ ٢٢٦ .

(٢) الصواقع الموبقة ـ مخطوط .

٢١٧

المكرّمة ، فقد جاء في كتاب( إتحاف الورى ) ما نصّه :

( وقد فعل خالد بن عبد الله القسري بمكّة المشرّفة أفعالاً من غير معرفةٍ للسنّة التي فعل فيها ، فأحببت ذكر ذلك هنا ، لئلاّ يخلو منه هذا الكتاب .

فمن ذلك : إنّ النّاس كانوا يقومون شهر رمضان في أعلى المسجد ، تركز حربة خلف المقام بربوة ، فيصلّي الإمام خلف الحربة والناس وراءه ، فمن أراد صلّى مع الإمام ، ومن أراد طاف وركع خلف المقام فلمّا ولّي خالد ابن عبد الله القسري بمكّة لعبد الملك بن مروان وحضر شهر رمضان ، أمر خالد الأئمّة أنْ يتقدّموا فيصلّوا خلف المقام ، وأراد الصفوف حول الكعبة ، وذلك أنّ النّاس ضاق عليهم أعلا المسجد ، فأرادهم حول الكعبة ، فقيل له : يمتنع بذلك الناس من الطواف ،

قال : فأنا آمرهم يطوفون بين كلّ ترويحتين بطواف سبعاً ، فأمرهم ففعلوا بين كلّ ترويحتين ، فقيل له : فإنّه يكون في مؤخّر الكعبة وجوانبها من لا يعلم بانقضاء طواف الطائفين من فصل وغيره ، فيتهيّأ للصلاة ، فأمر عبيد الكعبة أنْ يكبّروا حول الكعبة ويرفعوا أصواتهم في الطواف بالتكبير ، فإذا بلغوا الركن الأسود في الطواف السادس سكتوا ، فيكون ذلك إعلاماً للنّاس أنّ الطواف على انقضاء ، فيتهيّأ من الحَجر ومن في جوانب المسجد من مصلٍّ وغيره ، فيخفّف صلاته ، ثمّ يعود الطائفون للتكبير حتّى يفرغوا من السبع ، ثمّ يقوم منادٍ فينادي : الصلاة رحمكم الله ، ولا تنقضي صلاتهم حتّى يطلع الفجر ، وكان على جبل أبي قبيس يرقب طلوع الفجر للمتسحرين ، فإذا بان له نادى : أمسكوا رحمكم الله .

٢١٨

وكان عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار ونظراؤهم من العلماءيحضرون ذلك، فلا ينكرونه ) (١) .

كان يأخذ من كلّ أحدٍ ويروي المرسلات

قالوا : وكان عطاء بن أبي رباح متساهلاً في الرواية ، يأخذ من كلّ أحدٍ ، ويروي المراسيل ، حتّى تكلّم فيه بعض الأئمّة ، ففي( تدريب الراوي ) :

( تكلّم الحاكم على مراسيل سعيد فقط دون سائر مَن ذُكر معه ، ونحن نذكر ذلك ، فمراسيل عطاء قال ابن المديني : كان عطاء يأخذ من كل ّضرب ، مُرسلات مجاهد أحبّ إليّ من مرسلاته بكثير ، وقال أحمد بن حنبل : مرسلات سعيد بن المسيّب أصحّ المُرسلات ، ومرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها ، ولا في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح ؛ فإنّهما كانا يأخذان من كلِّ أحد )(٢) .

وفي( ميزان الاعتدال ) :

( قال يحيى القطان : مرسلات مجاهد أحبّ إلينا من مرسلات عطاء بكثير ، كان عطاء يأخذ من كلّ ضرب وقال أحمد : ليس في المرسل أضعف من مرسل الحسن وعطاء ، كانا يأخذان عن كلّ أحد )(٣) .

بل لقد تركه بعض الأئمّة الكبار ، وإنْ حاول الذهبي حمل الترك على معنىً آخر ، ففي ( ميزان الاعتدال ) :

( روى محمّد بن عبد الرحيم عن عليّ بن المديني قال : كان عطاء بأخرة

ـــــــــــــــــــ

(١) إتحاف الورى بأخبار أُمّ القرى ـ حوادث السنة : ٩٣.

(٢) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي ١ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ .

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ٧٠/ ٥٦٤٠ .

٢١٩

قد تركه ابن جريج وقيس بن سعد .

قلت : لم يَعْنِ الترك الإصلاحي ، بل عنى أنّهما بطّلا الكتابة عنه ، وإلاّ فعطاء ثبت رضي )(١) .

لكنّه حمل بارد جدّاً ؛ لأنّ المتبادر مِن الترك في مثل هذه المواضع هو الترك الإصلاحي ، وهو عدم كونه أهلاً لأنْ يُروى عنه .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٧٠/ ٥٦٤٠ .

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456