استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام13%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227649 / تحميل: 8350
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

عطاء بن أبي سلمة الخراساني

وأمّا عطاء بن أبي سلمة الخراساني ، الذي ذكره السيوطي ـ بعد عطاء بن أبي رباح ـ ، فلم أجده في الكتب الرجاليّة ، نعم ، لا يبعد أنْ يكون مراده عطاء ابن أبي مسلم الخراساني ، فإنّه على ما في( فتح الباري ) وغيره كان له مصنَّف في التفسير ، وقد وثّقه غير واحدٍ من الأعلام .

لكنْ في( ميزان الاعتدال ) في ترجمته :

( وذكره العُقيلي في الضعفاء ، متشبّثاً بهذه الحكاية التي رواها حمّاد بن زيد عن أيّوب ، حدّثني القاسم بن عاصم ، قلت لسعيد بن المسيّب : إنّ عطاء الخراساني حدّثني عنك أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الذي واقع أهله في رمضان بكفّارة الظهار فقال : كذب ، ما حدّثته ، إنّما بلغني أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : تصدّق تصدّق .

وقد ذكر البخاري عطاء الخراساني في الضعفاء ، فروى له هذا عن سليمان بن حرب عن حمّاد .

أحمد بن حنبل : ثنا عفّان ، ثنا همام ، أنا قتادة : أنّ محمّداً وعوناً حدّثاه أنّهما قالا لسعيد : إنّ عطاء الخراساني حدّثنا عنك في الذي وقع بأهله في رمضان ، فأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ يعتق رقبة ، فقال : كذب عطاء ، إنّما قال له : تصدّق تصدّق .

وقال ابن حبّان في الضعفاء : أصله من بلخ ، وعداده في البصريّين ، وإنّما قيل له الخراساني ؛ لأنّه دخل خراسان وأقام بها مدّة طويلة ثمّ رجع إلى العراق ، فنسب إلى خراسان ، وكان من خيار عباد الله ، غير أنّه كان رديّ الحفظ ، كثير الوهم ، يخطئ ولا يعلم ، فيحمل عنه ، فلمّا كثُر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به ) .

٢٢١

( قال الترمذي في كتاب العلل : قال محمّد يعني البخاري : ما أعرف لمالك رجلاً يروي عنه يستحقّ أن يترك حديثه، غير عطاء الخراساني قلت : ما شأنه ؟ قال : عامّة أحاديثه مقلوبة )(١) .

وهذا أيضاً رأي السمعاني فيه ، حيث قال :

( وكان من خيار عباد الله ، غير أنّه كان رديّ الحفظ ، كثير الوهم ، يخطئ ولا يعلم فحمل عنه ، فلمّا كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٧٤ ـ ٧٥/ ٥٦٤٢ .

(٢) الأنساب ٢ : ٣٣٧ ( الخراساني ) .

٢٢٢

أبو العالية

وأمّا أبو العالية ، الذي جاء بترجمته من ( رجال المشكاة ) للدهلوي :

( قالت حفصة بنت سيرين : سمعته يقول : قرأت القرآن على عمر ثلاث مرّات ، وزهد في الدنيا ، وحجَّ خمساً وستّين حجّة )(١) .

وفي( مرآة الجنان ) :

( أبو العالية ، رفيع بن مهران الرياحي ، مولاهم ، البصري ، المقرئ المفسّر ، وقد دخل على أبي بكر ، وقرأ القرآن على أُبي قال أبو العالية : كان ابن عبّاس يرفعني على السرير وقريش أسفل ، وقال أبو بكر ابن أبي داود : ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن مِن أبي العالية ، وبعده سعيد بن جُبير )(٢) .

وكذا في( تدريب الراوي ) (٣) ، فقد أورده في( الميزان ) وقال :

( قال ابن عدي : تُكلّم فيه من أجل حديث الضحك في الصّلاة )(٤) ، بل عن الشافعي أنّه تكلّم في حديثه كلّه وقال :

( حديث أبي العالية الرياحي رياح )(٥) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تحصيل الكمال في أسماء الرجال رجال المشكاة ، للشيخ عبد الحق الدهلوي .

(٢) مرآة الجنان ١ : ١٤٧ السنة ٩٣ .

(٣) انظر تدريب الراوي ٢ : ٤٠٠ .

(٤) ميزان الاعتدال ٤ : ٥٤٣/ ١٠٣٤٤ .

(٥) ميزان الاعتدال ٢ : ٥٤/ ٢٧٩٠ .

٢٢٣

وهذا الكلام ـ وإنْ حاول الذهبي تأويله ـ يدلُّ على سقوط كافّة روايات الرجل وعدم اعتباره عند الشافعي ، ولذا قال السمعاني : ( كان الشافعي سيّئ الرأي فيه وفي رواياته )(١) .

وفي( رسالة ترجيح مذهب الشافعي ) للفخر الرازي :

( استدلّوا على ضعف حرام بن عثمان بقول الشافعي : حديثُ حرامٍ كاسمهِ حرامٌ ، وحديث الرياحي رياح ، ومَن رَوى عن أبي جابر البياضي بيّض الله عينيه ، ولمّا ثبت أنّ العلماء رجعوا إلى فتواه في الجرح والتعديل ، علمنا أنّ تقدّمه في علم الحديث كان معروفاً مسلّماً فيما بين النّاس ) .

وتكلّم ابن سيرين أيضاً في أبي العالية ، بما لا يقبل الحمل والتأويل ، فقد جاء في( العناية ) بعد ما يرونه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحديث :( لا وضوء على من نام قائماً أو قاعداً ) :

( فإنْ قيل : هذا الحديث غير صحيح ؛ لأنّ مداره على أبي العالية ، وهو ضعيف عند النقَلَة ، رُوي عن ابن سيرين أنّه قال : حدّث عمّن شئت إلاّ عن أبي العالية ، فإنّه لا يُبالي عمّن أخذ ، أي : لا يُبالي أنْ يروي عن كلّ أحد...)(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الأنساب ٣ : ١١١ الرياحي .

(٢) العناية في شرح الهداية ١ : ٤٤ ط هامش فتح القدير .

٢٢٤

الضحّاك بن مزاحم

وأمّا الضحاك بن مزاحم ، فإنّهم وإنْ وثّقوه ، وذكروا له مناقب كما في( مرآة الجنان ) و( ميزان الاعتدال ) وغيرهما من كتب الرجال(١) .

لكنْ عن يحيى بن سعيد القطّان ـ الذي كان رأساً في الجرح والتعديل ـ أنّه ضعّفه .

قال في( الميزان ) :

( قال يحيى بن سعيد : الضحاك ضعيفٌ عندنا... وكذا ابن عدي فإنّه قال : الضحّاك بن مزاحم إنّما عُرف بالتفسير ، وأمّا رواياته عن ابن عبّاس وأبي هريرة وجميع من روى عنه ، ففي ذلك كلّه نظر )(٢) .

وكذا شعبة ، ففي( الكاشف ) :

( وقال شعبة : كان عندنا ضعيفاً )(٣) .

بل السيوطي نفسه نقل عن ابن الجوزي تضعيفه وأقرّه على ذلك ، كما في( اللآلي المصنوعة ) في نزول قوله تعالى :( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً... ) الآية : ( الضحاك ضعيف ، ولم يَسمع مِن ابن عبّاس ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ١ : ١٦٩ السنة ١٠٢ ، ميزان الاعتدال ٢ : ٣٢٥/ ٣٩٤٢ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٣٩٧/ ٧٩٤ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٣٢٦/ ٣٩٤٢ .

(٣) الكاشف ٢ : ٣٦/ ٢٤٥٨ .

٢٢٥

عطيّة بن سعد العوفي

وأمّا عطيّة ، فإنّه وإنْ ذكره السيوطي في عداد قدماء المفسّرين ، إلاّ أنّ نَقَدَة الحديث والرجال قد تكلّموا فيه ، ويكفي إيراد كلام الذهبي بترجمته من( ميزان الاعتدال ) فإنّه قال :

( عطيّة بن سعد العوفي الكوفي ، تابعي شهير ، ضعيف ، عن ابن عبّاس وأبي سعيد وابن عمر ، وعنه : مسعر وحجاج بن أرطاة وطائفة وابنه الحسن .

قال أبو حاتم : يكتب حديثه ، ضعيف ، وقال سالم المرادي : كان عطيّة يتشيّع ، وقال ابن معين : صالح ، وقال أحمد : ضعيف الحديث ، وكان هُشيم يتكلّم في عطيّة .

وروى ابن المديني عن يحيى قال : عطيّة وأبو هارون وبشر بن حرب عندي سواء ، وقال أحمد : بلغني أنّ عطيّة كان يأتي الكلبي فيأخذ منه التفسير ، وكان يكنّيه بأبي سعيد فيقول : قال أبو سعيد ، قلت : يعني يُوهم أنّه الخدري .

وقال النسائي وجماعة : ضعيف )(١) .

بل ادّعى ابن الجوزي الإجماع على تضعيفه في كتاب( الموضوعات ) (٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٧٩ ـ ٨٠/ ٥٦٦٧.

(٢) الموضوعات ١ : ١١٤ باب عظمة الله عزّ وجل .

٢٢٦

قتادة

وأمّا قتادة ، فإنّه وإنْ وُصف بـ ( الحافظ أحد الأئمّة الأعلام )(١) وأنّه ( ثقةٌ ثَبتٌ )(٢) وذُكر بتراجمه مناقبٌ كثيرة(٣) بل قيل أنّهم أجمعوا على جلالته وتوثيقه وحفظه وإتقانه وفضله(٤) ...

كان يتّهم بالقدر

لكنّ المحقّقين النقَدَة منهم لم يستحيوا مِن قول الحق وإظهار الحقيقة ، فقالوا : كان يتّهم بالقدر ، وقد عرفت أنّه الكفر والضلال عندهم ، وأضاف بعضهم أنّه كان حاطب ليلٍ ، وهو من عبائر التضعيف والقدح... قال الذهبي :

( كان قتادة يتّهم بالقدر .

وقال ابن المديني : قلت ليحيى بن سعيد : إنّ عبد الرحمان يقول : أترك [كلّ] من كان رأساً في بدعة يدعو إليها .

قال: كيف يصنع بقتادة وابن أبي رواد وعمر بن ذر، وذكر قوماً ، ثمّ قال يحيى : إنْ ترك هذا الضرب ترك ناساً كثيراً .

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير ١ : ١٥٦.

(٢) تقريب التهذيب ٢ : ١٣٠/ ٦١٩٩ .

(٣) تهذيب الكمال ٢٣ : ٤٩٨/ ٤٨٤٨ ، مرآة الجنان ١ : ١٩٧ السنة ١١٧ تهذيب التهذيب ٨ : ٣١٥/ ٦٣٧ .

(٤) تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٥٧/ ٦٦ .

٢٢٧

كان كحاطب ليل

وقال جرير بن عبد الحميد عن مغيرة عن الشعبي قيل له : هل رأيت قتادة ؟ قال : نعم رأيته كحاطب ليل .

وقال سفيان بن عيينة : قال الشعبي لقتادة : حاطب ليل قال سفيان : قال لي عبد الكريم الجزري : ما حاطب ليل ؟ قلت : إلاّ أنْ ، تخبرني قال : هو الرجل يخرج في الليل يحتطب ، فتقع يده على أفعى فتقتله هذا مثل ضرب لطالب العلم ، إنّ طالب العلم إذا حمل من العلم ما لا يطيقه قتله علمه، كما قتل الأفعى حاطب ليل )(١) .

كان يدلّس

والذهبي نسب إليه التدليس أيضاً حيث قال في( الميزان ) :

( قتادة بن دعامة السدوسي ، حافظٌ ثقةٌ ثبتٌ ، لكنّه مدلّس ورُمي بالقدر ، قاله يحيى بن معين ، ومع هذا فاحتجّ به أصحاب الصحاح ، لا سيّما إذا قال حدّثنا. مات كهلاً )(٢) .

وقال ابن خلكان :

( قال معمر : سألت أبا عمرو بن العلاء عن قوله تعالى :( وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) فلم يجبني ، فقلت : إنّي سمعت قتادة يقول : مُطيقين ، فسكت ، فقلت له : ما تقول يا أبا عمرو ؟ فقال : حسبك قتادة ، فلولا كلامه في القدر ـ وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا ذكر القدر فأمسكوا ـ لما عدلت به أحداً من أهل

ـــــــــــــــــــ

(١) انظر سير أعلام النبلاء ٥ : ٢٧٨ و٢٧٢/ ١٣٢ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٨٥/ ٦٨٦٤ .

٢٢٨

دهره )(١) .

قصّة أبي حنيفة معه

هذا، وقد جاء في( تاريخ بغداد ) ما نصّه :

( ودخل قتادة الكوفة ونزل في دار أبي بردة ، فخرج يوماً ـ وقد اجتمع إليه خلق كثير ـ فقال قتادة : والله الذي لا إله إلاّ هو ، ما سألني اليوم أحد عن الحلال والحرام إلاّ أجبته .

فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطّاب ! ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواماً ، فظنّت امرأته أنّ زوجها مات ، فتزوّجت ، ثمّ رجع زوجها الأوّل ، ما تقول في صداقها ؟ وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه : لئن حدّث بحديث ليكذبّن ، ولئن قال برأيه ليخطئنّ .

فقال قتادة : ويحك ! أوقعت هذه المسألة ؟

قال : لا.

قال : فلم تسألني عمّا لم يقع ؟

قال أبو حنيفة : إنّا نستعدّ للبلاء قبل نزوله ، فإذا وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه .

[فقال] قتادة : والله لا أُحدّثكم بشيء من الحلال والحرام ، سلوني عن التفسير .

فقام إليه أبو حنيفة فقال له : يا أبا الخطّاب ! ما تقول في قوله تعالى:( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) ؟

ـــــــــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ٤ : ٨٥/ ٥٤١ .

٢٢٩

قال : نعم ، هذا آصف بن برخيا بن سمعيا كاتب سليمان بن داود ، كان يعرف اسم الله الأعظم .

فقال أبو حنيفة : وهل كان يعرف الاسم سليمان ؟

قال : لا .

قال : فيجوز أنْ يكون في زمن نبيّ مَن هو أعلم من النبيّ ؟

قال قتادة : والله لا أُحدّثكم بشيء مِن التفسير ، سلوني عمّا اختلف فيه العلماء .

قال : فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطّاب ! أمؤمنٌ أنت ؟

قال : أرجو .

قال : ولِمَ ؟

قال : يقول إبراهيمعليه‌السلام :( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) .

فقال أبو حنيفة : هلاّ قلت كما قال إبراهيمعليه‌السلام :( قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى ) فهلاّ قلت : بلى ؟

قال : فقام قتادة مغضباً ودخل الدّار ، وحلف أنْ لا يُحدّثهم )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩/ ٧٢٩٧.

٢٣٠

زيد بن أسلم

وأمّا زيد بن أسلم ، فيكفي عن ذكر مناقبه كما في( تهذيب الأسماء ) (١) كونه مولى عمر بن الخطّاب ؛ لأنّ هذه العلقة ـ كما ذكر الدهلوي في( التحفة ) ـ توجب الاتّحاد بين المالك والمولى في العقيدة والطريقة .

والأهم مِن ذلك دعواهم حضور الإمام عليّ بن الحسين السجّادعليه‌السلام عنده للاستفادة ، حتّى قيل له : ( غفر الله لك ، أنت سيّد النّاس وأفضلهمْ ، تذهب إلى زيد بن أسلم وهو مولى فتجلس معه ؟ ) فقال : ( ينبغي للعلم أنْ يبتغى حيث هو ) !! قالوا: ( وكان يتخطّى حلق قومه حتّى يأتي زيد بن أسلم فيجلس عنده ويقول : إنّما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه ) .

هكذا في( تحصيل الكمال في أسماء الرجال ) (٢) .

وأعوذ بالله من هذا البهتان الذي افتراه أهل الضّلال ، تنقيصاً من شأن الإمامعليه‌السلام .

كما لا يخفى على أولي الأبصار والأفهام...

لكن ابن عدي أدرج زيداً في كتاب( الكامل ) (٣) الذي صنّفه في أسماء الضعفاء ، وهو كما قال المناوي في( فيض القدير ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٢٠٠/ ١٨٥ .

(٢) تحصيل الكمال في أسماء رجال المشكاة للشيخ عبد الحق الدهلوي ـ ترجمة زيد بن أسلم .

(٣) الكامل في ضعفاء الرجال ٤ : ١٦٣/ ٧٠٤ .

٢٣١

 ( أصلٌ مِن الأُصول المعوّل عليها المرجوع إليها ، طابق اسمه معناه ، ووافَق لفظه فحواه ، مِن عينه انتجع المنتجعون ، وبشهادته حكم الحاكمون ، وإلى ما قاله رَجَع المتقدّمون والمتأخّرون )(١) .

وهذا ما أزعج الذهبي فقال :

( زيد بن أسلم مولى عُمر ، تناكد ابن عدي بذكره في الكامل ، فإنّه ثقةٌ حجّة ، فروى عن حمّاد بن زيد قال : قدمت المدينة وهم يتكلّمون في زيد بن أسلم ، فقال لي عبيد الله بن عمر : ما نعلم به بأساً إلاّ أنّه يُفسّر القرآن برأيه )(٢) .

فقد اعترض الذهبي على ابن عدي ذكره في الضعفاء ، إلاّ أنّه أضاف إلى ذلك ( تكلّم أهل المدينة في زيد بن أسلم ) ، وروى عن عبيد الله بن عمر أنّه ( كان يفسّر القرآن برأيه ) ، وهذا يكفي لسقوط تفسيره عن الاعتبار ، وقد أخرج الترمذي .

( عن سعيد بن جُبير عن ابن عبّاس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( اتّقوا الحديث عنّي إلاّ ما علمتم ، فمن كذب علَيّ متعمّداً فليتبوّء مقعدهُ من النّار ، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوّء مقعده من النّار ) هذا حديث حسن)(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ : ٢٨ ـ ٢٩ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٩٨/ ٢٩٨٩ .

(٣) صحيح الترمذي ٥ : ١٩٩/ ٢٩٥١ كتاب تفسير القرآن الباب ١ .

٢٣٢

مُرّة بن شراحيل

وأمّا مرّة بن شراحيل ، فلا يجوز الاعتماد عليه والأخذ بتفسيره ؛ لأنّه كان مِن المعاندين ، لأمير المؤمنينعليه‌السلام في حربه ضدّ الناكثين... قال أبو نعيم :

( حدّثنا عبد الله بن محمّد قال : ثنا أحمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن إبراهيم الدروقي قال : حدّثني عبد الرحمان بن غزوان قال : ثنا محمّد بن طلحة ابن مصرف عن زبيد الأيامي قال : قيل لمُرّة بن شراحيل : ألا تلحق بعليّ بصفّين ؟ قال : إنّ عليّاً سبقني بخير أعماله ، بدرٍ وذواتها ، وأنا أكره أنْ أشركه فيما هان فيه )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء ٤ : ١٦٣/ ٢٦٩ .

٢٣٣

عبد الرحمان بن زيد بن أسلم

وأمّا عبد الرحمان بن زيد بن أسلم ، فقد أورده الذهبي في( الميزان ) فقال :

( عبد الرحمان بن زيد بن أسلم العمري مولاهم المدني ، أخو عبد الله وأُسامة .

قال أبو يعلى الموصلي : سمعت يحيى بن معين يقول : بنو زيد بن أسلم ليسوا بشيء ، وروى عثمان الدارمي عن يحيى : ضعيف ، وقال أحمد : عبد الله ثقةٌ ، والآخران ضعيفان )(١) .

وفي( الكاشف ) : ( ضعفّوه له تفسير )(٢) .

وفي( حاشية الكاشف ) :

( قال البخاري وأبو حاتم : ضعّفه ابن المديني جدّاً وقال : أولاد زيد بن أسلم كلّهم ضعيف وأمثلهم عبد الله ، وقال النسائي : ضعيفٌ ، وقال يحيى : ليس بشيء ، وقال أحمد : ضعيف )(٣) .

وقال ابن حجر: ( ضعيف )(٤) .

وقال ابن القيّم في( زاد المعاد ) : ( قال الترمذي : ليس في ولد زيد بن أسلم ثقة ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٥٦٤/ ٤٨٦٨ .

(٢) الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستّة ٢ : ١٦٠/ ٣٢٢٨ .

(٣) حاشية الكاشف ـ مخطوط .

(٤) تقريب التهذيب ١ : ٤٤٨/ ٤٣١٢

٢٣٤

الطبقة الثالثة

قال السيوطي :

ثمّ بعد هذه الطبقة ، اُلّفت تفاسير تجمع أقوال الصحابة والتابعين ، كتفسير سفيا بن عيينة ، ووكيع بن الجرّاح ، وشعبة بن الحجّاج ، ويزيد بن هارون ، وعبد الرزّاق ، وآدم بن أبي أياس ، وإسحاق بن راهويه ، وروح بن عبادة ، وعدب بن حميد ، وسُنيد ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وآخرين(١)

أقول :

وتفاسير هذه الطبقة أيضاً مقدوحةٌ مطعونٌ فيها ، وكتب الرجال بجوارح أصحابها مشحونة ، وإليك أحوال بعضهم :

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٤٢ .

٢٣٥

سفيان بن عيينة

أمّا سفيان بن عيينة ، فقد ذكروا :

كان يدلّس

إنّه كان يدلّس... قال القاري في( شرح شرح نخبة الفكر ) :

( قال الشيخ شمس الدين محمّد الجزري : التدليس قسمان : تدليس الإسناد ، وتدليس الشيوخ أمّا تدليس الإسناد ، فهو أنْ يروي عمّن لَقِيه أو عاصره ما لم يسمعه منه ، موهماً أنّه سمعه منه ، ولا يقول : أخبرنا وما في معناه ، بل يقول : قال فلان ، أو عن فلان ، أو إنّ فلاناً قال ، وما أشبه ذلك ، ثمّ قد يكون بينهما واحد ، وقد يكون أكثر ، وربّما وربّما لم يسقط المدلّس شيخه ، لكن يسقط من بعده رجلاً ضعيفاً أو صغير السنّ ، يحسّن الحديث بذلك وكان الأعمش والثوري وابن عيينة وابن إسحاق وغيرهم يفعلون هذا النوع ، ومن ذلك ما حكى ابن خشرم : كنّا يوماً عند سفيان بن عيينة فقال : عن الزهري ،... فقيل له : حدّثك الزهري ؟ فسكت ، ثمّ قال : قال الزهري ، فقيل له : سمعته من الزهري ؟ فقال : حدّثني عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن الزهري )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) شرح شرح نخبة الفكر : ٤٢٠ .

٢٣٦

من كلماتهم في ذمّ التدليس

هذا ، وقد نقلنا سابقاً كلمات بعض أعلام القوم في ذمّ التدليس وتقبيحه وتحريمه ، وعن شعبة : أنّه أشدّ من الزنا وأخو الكذب ، قال السيوطي في أقسام التدليس :

( وأمّا القسم الأوّل فمكروه جدّاً ، ذمّه أكثر العلماء ، وبالغ شعبة في ذمّه فقال : لأنْ أزني أحبُّ إليَّ من أنْ أُدلّس وقال : التدليس أخو الكذب )(١) .

وأمّا قول ابن الصلاح من أنّ هذا إفراط ، محمولٌ على الزجر والتنفير مِن التدليس ، كما نقله السيوطي ، ففيه : إنّه إنْ أراد صرف كلام شعبة عن ظهوره في حرمة التدليس ، فلا سبيل إليه أصلاً ، وقد تقدّم تصريح النووي بحرمته ، وتقدّم أنّه من تلبيس إبليس كما نصّ عليه ابن الجوزي ، على أنّ جماعةً من المحدّثين ذهبوا إلى أنّ ارتكاب التدليس ـ ولو كان مرّةً واحدة ـ يوجب الجرح وتُردّ به الرواية ، كما في( تدريب الراوي ) حيث قال :

( ثمّ قال فريقُ منهم ، من أهل الحديث والفقهاء : مَن عرف به صار مجروحاً مردود الرواية مطلقاً وإنْ بيّن السماع )(٢) .

ومراده من ( مطلقاً ) هو عدم الفرق بين التدليس مرّةً أو أكثر ، وهذا ما نصَّ عليه شرّاح( نخبة الفكر ) .

وقال ابن جماعة الكناني في( المنهل الروي ) :

( النوع الرابع : التدليس ، وهو قسمان : تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ .

ـــــــــــــــــــ

(١) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي ١ : ٢٢٨ .

(٢) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي ١ : ٢٢٩ .

٢٣٧

الأوّل : تدليس الإسناد ، وهو أنْ يروي عمّن لَقِيه أو عاصره ما لم يسمعه منه ، مُوهماً أنّه سمعه منه ، ولا يقول أخبرنا وما في معناه ونحوه ، بل يقول : قال فلان أو عن فلان أو إنّ فلاناً قال ، وشبه ذلك ، ثمّ قد يكون بينهما واحد ، وقد يكون أكثر .

وهذا القسم من التدليس مكروهٌ جدّاً ، وفاعله مذموم عند أكثر العلماء ، ومَن عرف به مجروح عند قومٍ لا تُقبل روايته ، بيّن السماع أو لم يُبيّنه )(١) .

وتلخّص : إنّ سفيان بن عيينة عند هذا الفريق من الفقهاء والمحدّثين مجروحٌ مردودُ الرواية ، وعند الأكثر مذمومٌ مطعونٌ فيه .

اختلط في آخر عمره

ثمّ إنّه قد اختلط في أواخر حياته ، كما نصّ عليه علماء الرجال ، قال الذهبي :

( روى محمّد بن عبد الله بن عمّار الموصلي ، عن يحيى بن سعيد القطّان قال : أشهد أنّ سفيان بن عيينة اختلط سنة ١٩٧ ، فمن سمع منه فيها فسماعه لا شيء ) .

ثمّ انبرى الذهبي للدفاع عن روايات القوم عن سفيان ، مستبعداً كلام القطّان ، ومغلّطاً الموصلي في نقله ـ وقد قال الزهري في حقّه : صدوقٌ ثقة صاحب حديث(٢) ـ فقال :

ـــــــــــــــــــ

(١) المنهل الروي في علم أُصول حديث النبيّ : ٧٢ .

(٢) ميزان الاعتدال ـ ترجمة محمّد بن عبد الله بن عمّار ٣ : ٥٩٦/ ٧٧٥٣ وفيه : قال النسائي : ثقةٌ صاحب حديث .

٢٣٨

 ( قلت : سمع منه فيها محمّد بن عاصم صاحب ذاك الجزء العالي ، ويغلب على ظنّي أنّ سائر شيوخ الأئمّة الستّة سمعوا منه قبل سنة سبع ، فأمّا سنة ثمانٍ وتسعين ففيها مات ولم يلقه أحد فيها ؛ لأنّه توفّي [بمكّة] قبل قدوم الحاجّ بأربعة أشهر ، وأنا أستبعد هذا الكلام من القطّان وأعدّه غلطاً من ابن عمّار ، فإنّ القطّان مات في صفَر مِن سنة ثمانٍ وتسعين وقت قدوم الحاج ، ووقت تحدّثهم عن أخبار الحجاز ، فمتى تمكّن يحيى بن سعيد أنْ يسمع اختلاط سفيان ثمّ يشهد عليه بذلك ، والموت قد نزل به ، فلعلّه بلغه ذلك في أثناء سنة سبع ، مع أنّ يحيى متعنّت جدّاً في الرجال ، وسفيان ثقة مطلقاً ، والله أعلم )(١) .

لكنْ كيف يجتمع هذا التهجّم على يحيى بن سعيد القطّان مع تلك المناقب الجليلة ، والدرجات الرفيعة التي يذكرونها له في العلم والورع والإتقان ، حتّى قال أحمد بن حنبل : ( ما رأيت مثله في كلّ أحواله ) ؟

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ـ ترجمة سفيان بن عيينة ٢ : ١٧٠ ـ ١٧١/ ٣٣٢٧ .

٢٣٩

وكيع بن الجرّاح

وأمّا وكيع بن الجرّاح... والذي قال اليافعي في حوادث سنة ١٩٧ :

( وفيها توفّي الإمام العالم أبو سفيان وكيع بن الجراح روى عن الأعمش ، قال أحمد : ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع... وقال يحيى ابن أكثم : صحبت وكيعاً ، وكان يصوم الدهر ، ويختم القرآن كلّ ليلة ، وقال أحمد : ما رأت عيني مثل وكيع )(١) .

له قوادح

وقد ذكرت له قوادح ، وتكلّم فيه بعض الأكابر منهم ، ومن هنا ، فقد أورده الذهبي في( الميزان ) فقال :

( قال ابن المديني : كان وكيع يلحن ، ولو حدّثت بألفاظه لكانت عجباً ، كان يقول : ثنا شعبي عن عيشة ، وسُئل أحمد بن حنبل : إذا اختلف وكيع وعبد الرحمان ابن مهدي بقولِ مَن نأخذ ؟ فقال : عبد الرحمان يُوافق أكثر وخاصّةً في سفيان ، وعبد الرحمان يَسلم منه السلف ويجتنب شرب المُسكر ، وكان لا يرى أنْ تُزرع أرضُ الفرات قال ابن المديني فيالتهذيب : وكيع كان فيه تشيّعٌ قليل قال ابن حنبل : سمعت يحيى بن معين يقول : رأيت عند مروان بن معاوية لوحاً فيه فلان كذا وفلان رافضي ، ووكيع رافضي ، فقلت له :

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ١ : ٣٥٠ ـ ٣٥١ .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الأستاذ سلمان الربيعي

قصيدة الربيعي مثبّتة في المتن الشعري كنصٍّ يستحضر بإخلاص وجهد تجربة تدّعي التجارب الشعرية الجديدة أنها قد طواها الزمن لكن الربيعي يراها لا تزال حيّة ونابضة وله الحقُّ في ذلك طالما أن هناك فئات كثيرة من القرّاء لا زالت تستحسن ذلك وتعدّه صحيحاً وتجد في الربيعي من الشعراء مَنْ يُرسّخ ويثبّت هذا الإستصحاب لِما كان في نتاجه الغزير لإثراء هذا التوجه كمّاً ونوعاً.

وللإنصاف فالربيعي من الشعراء المعدودين الذين يواصلون سدّ إحتياجات المنبر الحسيني إلى الجديد من النصوص خطباء ومنشدي عزاء وهو شاعر على أهبة الإستعداد لتلبية نداءات الولاء والقضية الحسينية.

والقصيدة عند الربيعي تعبويّة التوجّه مخطّطٌ لها بإحكام يركن بجدّ إلى معطيات علوم العربية في كلّ تشعّباتها من نحوٍ وصرف وبلاغة وبيان ومعان وعروض ، وأغلب شعره يُرى فيه قابليته لأن يكون شاهداً من شواهد العلوم.

فالربيعي يستعرض ما تعلّمه من فنون وعلوم في شعره وخصوصاً في تفريعات العلوم اللغوية ويرى فيه نوعاً من الإنتماء إلى الأصيل والثابت الذي يشكّل هويته الشعرية والذي يُخلص في الالتحام به على الرغم من كون هذه النظرة نظرة تراثية إلى التراث نفسه ، لكن الربيعي يحتمي تحت سقفها وله فيها كل الحق.

ولا زلت أرى في خروجه على طوق النظم في بحر الكامل ـ الأثير لديه ـ وتثبيت هذا الخروج إنفتاحاً على إمكانات بنائية تمنحها الأبحر الأخرى للربيعي الذي بدأ ذلك في مجموعته الشعرية الثالثة ـ طيف الوطن ـ ولكن بحذرٍ شديد وتوجس.

٢٦١

12 ـ للشاعر الأستاذ شفيق العبادي(1)

إلى سيدتي الذكري

أطلّي ...

فقد أينع الشوقُ وانداحَ عطرُ الحنين

وجئنا على الوعد يا امرأةً زادُها الحزنُ والذكرياتْ

لأبنائها الراحلينْ

مع الشمس كي يُشعلوا ظُلمات المساءْ

لنقطف من شجر القلب أشهى القصائدْ

وننثُرها بين كفّيك يُنبوع ماءْ

قرابينَ

لكنها ...

ـ يالفرط البلاهة ـ

من أحرف مطفآت

لكيما ...

__________________

(1) هو : الشاعر الأستاذ شفيق معتوق العبادي ، ولد سنة 1385 ه‍ فى تاروت ـ القطيف اكمل الثانوية العامة ، يعمل حاليا موظّفا فى كلية الطب بجامعة الملك فيصل بالدمام ، يكتب الشعر والمقالة والقصة وينشر نتاجه الأدبي في الصحف المحلية وبعض الصحف العربية ، كتب عنه في عدد من الكتب التي تناولت ادب المنطقة وفي الدوريات الأدبية وله مشاركات بارزة على الصعيد الادبي والثقافي.

٢٦٢

تُضمّد أحزانها وتطيرْ

وتبقين وحدك في وحشة الدرب

ترعين غرس الدماءْ

* * *

ولكنه العشق سيّدتي فاعذريني

إذا ما خدشتُ حياء القصيدةْ

فجاءتْك ترقص في موكب الحزن مأنوسة بالجراحْ

وقد راح غيري يروّيك بالأدمع الخاثراتْ

ففي حضرة الوجد مَنْ ذا يُطيق إغتصاب الحروفْ ؟

* * *

إذا ما انتحيت عن السرب حلّقتُ وحدي

أُعير جناحيَّ للريح كيما تحلّقَ بي للفضاءْ

فلا أُفق غير العيون المليحات يستوطن الشعرَ

لا شيء يُطرب هذا اليراع المعنّى

سوى لغةٍ منكِ تُذكي لظاهْ

ليرحلَ نحو النجومِ البعيدةْ

٢٦٣

ويبحثَ عن لغةٍ طعمُها العشقُ

عن لغةٍ لونُها العشقُ

كي يستعير القوافي

ليستلهم الذكريات العذارى

ويروي الحروف الظماءْ

ويعزف من وجع القلب ذكرى هواهْ

وذكرى صباهْ

وذكرى الليالي الجميلةْ

فأنت العيون التي ألهمت ريشتي كلّ هذا الغناءْ

* * *

وأنت العيون التي شاغلتني خطاها طويلاً

وأوسعتها غزلاً

ذبتُ فيها جوى

سرتُ من أجلها في دروب المنافي

تأرجحت فوق حبال المشانقِ

خالفت في شرعة الحب كلّ القوانينِ

عارضت كلّ رجالِ القبيلةْ

فلولاكِ ..

٢٦٤

لولاكِ ..

يا حلوتي ما تجشّمتُ هذا العناءْ

* * *

وسافرتُ بين سواحلها الزرق

أبحث عن نورس أنكرتْه الشواطئُ

ضاقت بعينيه كلّ الدروبْ

وقصَّ جناحيه بردُ المدينةْ

جزيرتُه في أقاصي البحار

وأعراقُها في حنايا السماءْ

يجيء على فرس الريح في كلّ عامٍ اليها

ليُسمِعها الأغنيات الحزينةْ

ويحمل ما بين عينيه ذكرى جديدةْ

لملحمة الكبرياء

ليغرس

أعشاشها في الذرى

ويرحل عنها لُقىً في العراءْ

شفيق العبادي

20 / 2 / 1417 ه‍ تاروت

٢٦٥

الأستاذ شفيق العبّادي

شفيق العبّادي حسٌّ نابض بحيوية العاطفة وصدقها ، بجرأة المواجهة يُغنّي موّالاً مفرداً بأسى عميق لكن بلا دموع ، فهو يحتفل بحزنه الخاص على طريقته الخاصة أيضاً ، لذا فهو يعزف تحت شرفة الذكرى ، يعزف على أوتار الشوق اليانع والحنين المعطّر لكي تُطلّ عليه الليلة بحزنها وذكرياتها ليتمّ لقاؤه بها ، فينثر بين كفيها قصائده النابعة من القلب بأحرفها المطفآت ليعبّر لها عن الخيبة والمرارة لأنه صادق العواطف لكنّه يصاب بالبله أمام جلالها الآسر فلا يمنحها إلاّ خواء قصائده التي تضمّد أحزانها بعد اللقاء وتطير في سماواتها لتبقى الذكرى وحدها في عمليةٍ مستحيلة لغرس الدماء.

ويرجع العبّادي ثانية ليعزف على وتر آخر هو وتر العشق ليرقّص قصيدته المخدوشة في حيائها في الموكب العام للحزن ، في الإحتفالية الجماعية بقدوم الذكرى.

يحس العبّادي بتفرده فيسلك سلوكاً مغايراً للسائد والمتعارف وكل ذلك بسبب من علاقة حضور صوفيّة أسماها ( الوجد ) تضيع فيها اللغة وتعود للحروف بكارتها الاولى فلا يستطيع الواجد الصوفي أن يرى إغتصاب الحروف فيلجأ إلى نوع من الصمت الناطق بالحيرة والذهول والتفرّد والإنتحاء عن السرب والتحليق المنفرد التائه لأنه يعير أجنحته للريح لضياع أمكنته فلا أفق له ، لكن عيون الذكرى تستوطن الشعر وتشعل إنطفاءاته ليبتدئ البحث عن لغةٍ حسيّة بطعم العشق ولونه

٢٦٦

فتكتمل أدوات الشاعر ليعزف على وتر الوجع ، تكتمل أدوات الفن كلّها ، ريشة ملهمة تغنّي ووتر يعزف ، ويبدأ عزف آخر على وتر الغزل لتنكشف تضحيات الشاعر وعناؤه وذوبانه ثمّ نفيه ثم بحثه عن قناع يندرج تحت ظلاله فيجده في نورسٍ منفيّ تنكره بيئته البحرية وتمنعه المدن بظواهرها غير الطبيعية من الطيران فيعاني غيبة وانقطاعاً عن المكان ، لكنه يتواصل مع الذكرى تواصلاً حياً دفّاقاً ، له موعدٌ محدّد يجدّد الذكرى التي يحملها ما بين عينيه ويغرس حنوّه والتحامه معها ثم يرحل أيضاً.

والعبّادي يحاصر تجربته بجوّ محزنٍ حادّ ويمسحها بجناح رومانسي محلّق ويطوّع نَفَساً ونبرة إيقاعيتين متبادلتين ومتعامدتين في تتابع مقاطع القصيدة ، فمع أفقية النَفَس ( الذي لا يفارق القافية بيسرٍ بل يختم مقاطع القصيدة بقافيةٍ همزيةٍ متكرّرة ـ الدماء ، الفناء ، العناء ، العراء ـ وهذه الظاهرة فيها بصمات الإكثار من النظم على طريقة العمود ) تقفز تلك النبرة المتخفية لتلملم شتات التداعيات ليسلم تأمله الشارد من أضطرابات اللاشعور الذي يكشف رغبات وأماني الشاعر المكبوتة في تجاوز الألم التقليدي وإكتشاف شعائر أخرى للتعامل مع المتخيَّل عند الجماعة ، فهو تجنّب السطحية والتقريرية والمباشرة لصالح الغموض وعَمَه الرموز الذي قد يؤدي إلى العجز عن تصوّر أو تشكيل رموزه عند المتلقّين مما يحقّق فجوة عريضة على مستوى التوصيل.

٢٦٧

13 ـ للسيد ضياء الخباز(1)

(1)

صفحات من مسرح الدم

حرّكَ الليل سيفَهُ الأمويّا

يَرسمُ الصبحَ مسرحاً دمويّا

يطعنُ النجمَ والدراري اغتيالاً

غاضَهُ الأفقُ مُذ بدا قمريا

فتلقتُه أنجمٌ زاهراتٌ

سكبت فيه نورَها العلويا

نحتتهُ النجومُ ليلاً منيراً

تحسدُ الشمسُ نورَه السرمديا

ثم غنّتهُ للّيالي نشيداً

ملأ الأفقَ صرخةً ودويا

إنَّ لحناً به الحسينُ تغنّى

سوفَ يبقى على المدى أبديّا

* * *

خيّمَ الصمتُ والحسينُ هديرٌ

أرهبَ الصحبَ منه ذاكَ المُحيّا

واستدارت حروفُه في شِفاهٍ

تصهرُ الروحَ عزمةً ومضيّا

__________________

(1) هو : الخطيب الفاضل السيد ضياء السيد عدنان الخباز ، ولد سنة 1396 ه‍ في القطيف ، وفيها درس المقدمات الحوزوية والتحق بحوزة قم المقدسة سنة 1415 ه‍ ولا يزال يواصل دراسته العلمية ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والدينية ومن تأليفه 1 ـ كتاب صفحات مشرقة من حياة الإمام السبزواري 2 ـ مجموعة شعرية في المناسبات وغيرها 3 ـ كتابات أُخرى.

٢٦٨

قال « اُفٍّ » وليته لم يقلْها

فبها ظلّ دهرُنا أمويا

ويدُ الموتِ خلفَهُ تنسجُ الموتَ

طريقاً إلى العُلى دمويا

قبّلتْها أنصارُه في هيامٍ

وجدوا الموتَ في الحسينِ هنيّا

قرأوا في الدماءِ جناتِ عدنٍ

صاغها اللهُ مرفأً أزليا

فمضَوا للخلودِ في زورق الطفّ

وخاضوا نهر الدماءِ الزكيا

ما ألذّ الدماء في نُصرةِ الله

إذا كان نبعُها حيدريّا

* * *

وتلاقتْ على الهدى بسماتٌ

لم يرعْها موتٌ يلوحُ جليّا

ضحكوا يهزؤون بالموتِ شوقاً

للقاءٍ يحوي الإمامَ عليّا

وانبروا للّقاء في سكرةِ الحُبّ

الإلهيِّ بالصلاة سويّا

وانقضى الليلُ وهو يرسمُ صبحاً

نحتَ اللهُ شمسَهُ في الثريّا

أطفأتْ وهجَهُ السيوفُ فما

زالت رماداً ولم يزل هو حيّا

ضياء الخباز

19 / شوال / 1416 ه‍

٢٦٩

(2)

فصول من قصة الحسينعليه‌السلام

وغفا الليل في عيون الصحارىٰ

يتخفّىٰ في جفنها إعصارا

والعيونُ السمراءُ كانتْ رماداً

وهو تحت الجفون كان جِمارا

وإذا أقبلَ الصباحُ سيمت‍

‍دُّ ضباباً يخفىٰ لهيباً ونارا

فأعدَّ الحسينُ سيفاً من النور

ونحراً وثلةً أقمارا

هاتفاً يا ظلامُ ( أُفٍ ) فكم أطفأ

تَ فجراً وكم نحرتَ نهارا

ولقد آنَ أن تموت لتحيا

فوقَ أشلائِكَ الشموسُ العذارى

* * *

قصةُ الليل والحسين حَكاياتُ

جراحٍ تفجّرتْ أنهارا

قصةٌ لم تزل تتوّجُ عرشَ الفجر

نوراً وللشموس مدارا

فبها ينفخ الحسينُ فتسري

في شرايينها الحروفُ سكارى

قصةٌ صاغها الحسينُ ولولا

زينبٌ ما تمخّضتْ إعصارا

* * *

ورنت زينبُ البطولة في كفّ

أخيها سيفاً ونوراً ونارا

٢٧٠

يوقد النارَ للألى طعنوا الشمس

ونوراً للتائهين الحيارىٰ

يعزفُ الموتَ للحياةِ وكان

السيفُ في وحي صمته قيثارا

قرأت في عينيه من لغة الدمّ

حروفاً قد عاهدتُه انتصارا

ورأته يبني الشموخَ على أطلالِ

جُرحٍ لم يعرف الإنكسارا

ويريقُ الشريانَ شلالَ هديٍ

كانَ ينسابُ من يديه بحارا

فانبرت والرمالُ تسبقُها خَطواً

إلى الشمس قبل أن تتوارىٰ

إيهِ يا شمسُ لا تموتي فإنّا

ما ألفنا من غير شمسٍ نهارا

إن عزمتِ على الغروب فردينا إلى

موطن إشراقك لنحياكِ ثارا

وهنا المسرحُ الحسينيُّ قد

أسدل ستراً وأطفا الأنوارا

ضياء الخباز

25 / 10 / 1417 ه‍

٢٧١

السيد ضياء الخباز

إعلان الشاعرية أمام ساحة التلقي شيءُ ، ومواجهتها للجهد النقدي فحصاً وإختباراً شيءٌ آخر ، بمشاركتين يثبت السيد ضياء الخباز بدايته كسائر في طريق الإبداع الشعري الطويل ، زوّادته الولاء والحب والعشق الإلهي ، وأدواته الألفاظ الرقيقة والتراكيب الرشيقة والصور الخلاّبة المشرقة ولعلّ في قصيدتيه أصداء من الآخرين نجح في إخفائها بتفوّقٍ ظاهر مما يحقق لديه نتائج قراءاته وإصغائه في شكلٍ يتداخل فيه نصّه الشعري مع نصوص الآخرين الشعرية في عملية تلاقحٍ منتج تفيد تجربته الواعدة وتغنيها فنرجو منه أن لا يستسلم لعوامل الإحباط والخيبة ، فالعملية الشعرية عسرة المخاض والولادة ولاتتأتّى لصاحبها بالهيّن من الجهد بل بالمثابرة والتواصل والمتابعة المستمرة.

ونحن نترك للقرّاء إكتشاف هذه الموهبة الواعدة من خلال نصّيه المدرجين.

٢٧٢

14 ـ الشيخ عبدالحسين الديراوي(1)

ليلة الحداد

يا ليلَ عَشرِ محرمٍ ألبستنا

ثوبَ الحدادِ فكلُّنا مثكولُ

وافيتنا بالنائباتِ وإنَّها

أمرٌ على كلِّ النفوس ثقيلُ

فجَّرْتها يومَ الطفوفِ عظيمةً

منها ربوعٌ قد بكت وطلولُ

حاربتَ مَنْ في فضلهم دون الورى

نطق الكتابُ ونوّهَ الانجيلُ

لما رأيتَ ابن النبي ونورَه

( عُرضُ الدُنى فيه زها والطولُ )

أمَّ العراقَ بِفتيةٍ من أهله

ليُقيمَ أمراً قد عراه خمولُ

أثقلتَ كاهلَه بها وأعَقْتَه

من أن يحقّقَ ما هو المأمولُ

ورميتَه بسهام غدرٍ ما ابتلى

فيها وصيٌ قبلَه ورسولُ

خَذَلَتْه أقوامٌ تسابقَ رُسْلُهم

منهم مُريحٌ عنده وعجولُ

برسائلٍ مضمونُها وحديثُها

أن ليس غيرُك للنجاةِ سبيلُ

إنّا لأمرك طائعون فقم بنا

فإلامَ يحكم في البلاد جهولُ

عجِّل فدتك نفوسُنا فكبيرُنا

وصغيرُنا لك ناصحٌ ووصولُ

__________________

(1) هو : الخطيب المعاصر الشيخ عبد الحسين عبد السادة الديراوي ولد في خوزستان وسلك في عداد خدّام المنبر الحسيني كما درس في الحوزة العلمية في قم المقدسة والأهواز ، وله ديوان شعر شعبي ( مطبوع ) أغلبه في واقعة الطف وله مشاركاتٌ في المناسبات الدينية وغيرها.

٢٧٣

تالله إن لم تستجب لندائنا

فالدينُ دين أميّةٍ سيؤولُ

ومن المدينة حين راح يحفّه

مَنْ مالَهم في العالمين مثيلُ

قد نُزِّهوا عن كل ما من شأنهِ

يُوري فهم لذوي العُلا إكليلُ

نزلوا بأرض الغاضرية فازدهتْ

من نورهم ليت المقام يطولُ

باتوا وبات ابن النبي كأنَّه

بدرُ السماء وذالكمْ تأويلُ

أحيىٰ وأحيوا ليلَهم بتضرّعٍ

وتبتُّل وعلا لهم تهليل

وغدا يودّعُ بعضُهم بعضاً فما

أحرى بأن يبكي الخليلَ خليلُ

حتى إذا ولَّى الظلامُ وأصبحوا

أُسداً تجول على العدى وتصولُ

شهدت ببأسهم الفيالقُ إذ رأتْ

موتَ الزؤام له بهم تعجيلُ

فكأنَّ يومَ النفخ آن أوانُه

وبه الموكّل أُعطيَ التخويلُ(1)

منهم تهيَّب جيشُ آل أميةٍ

وعرا الجميعَ تخاذلٌ وذهولُ

وَعَلَيهِمُ حام القضا فدعاهُم

داعي المنونِ وإنَّه لعجولُ

فهووا على حرِّ الصعيدِ وبعدَهم

نُكِبَ الهدى إذ ربُّه المثكولُ

أمَّ الخيام إلى النساء معزِّياً

ومودِّعاً فبدا لهنَّ عويلُ

وغدا يُسَلِّي الثاكلاتِ وهكذا

حتى هَدَأنَ فقام وهو يقولُ

(مَنْ ذا يُقدّمُ لي الجوادَ ولامتي

والصحبُ صرعى والنصيرُ قليلُ)

__________________

(1) في القيامة اقواءٌ واضح.

٢٧٤

15 ـ للشاعر الشيخ عبد الله آل عمران(1)

الليلة الخالدة

خَيَّمَ الليل والذوي صقيعُ

وسجودٌ وشاحُهُ وركوعُ

وجه السبطُ محورَ القلب يدعو

بالعباداتِ قدرَ ما يستطيعُ

ودعا اللهَ سيدُ الكون يرنو

أن يطيل الظلامَ ربٌّ سميعُ

خَيَّم الليلُ فالعبادة وهجّ

يتمنى أن لا يضيء الصديعُ

لا لأن الرحيل صعبٌ ولكن

عشق النسك فالفراق مروعُ

حيث لو خيَّروه بين جنان

أو رجوع لها لقال : الرجوعُ

* * *

قال يا صاحب إننا سوف نمضي

للمنايا وليس منها منيعُ

فانظروا كيف تصنعون فكلٌ

في اختيار إذا عصى أو يطيعُ

فتلقوه بالصمود ونادوا

يا ابن بنت النبي نحن الدروع

__________________

(1) هو : الشاعر الشيخ عبد الله بن أحمد بن مهدي آل عمران ، ولد سنة 1390 ه‍ في جزيرة تاروت ـ القطيف ، أكمل دراسته الأكاديمة ، وحاز على شهادة البكالوريوس في العلوم الادارية من جامعة الرياض ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية الدينية.

٢٧٥

فامض : فينا فان أرواحنا تف‍

ديك حتى يسيلَ النجيعُ

قال : قد هوَّم الظلامُ فهبّوا

نحو إحيائه فلبى الجميعُ

فَهُمُ بين قارئٍ ومصلي

في اشتياقٍ وقد براهمْ خضوعُ

هكذا كان ليلُهم في وداعٍ

ولذا ما غشي العيونَ هجوعُ

* * *

ها هنا فرقتان فالسبط والآ

لُ وسربالُها التقى والخشوعُ

وبنو الحقد والنفاق وتبدو

في نفوس وقد غشاها الخنوعُ

هذه أنفسٌ من القدس صيغتْ

ونفوسُ الأعدادِ بناها وضيعُ

وهنا العزُ والبسالةُ روحاً

وهمُ ساقهم جبانٌ جزوعُ

وهنا عفةٌ وصدقٌ وحلمٌ

وهناكَ الدها وغدرٌ فظيعُ

وهنا للفداء عنوانُ حقٍ

وهناك فنُ القذارات ريعُ

وهنا العطف والحنان تسامى

وهم ما نجى ـ لديهم ـ رضيعُ

وهنا تزدهي الصراحةُ شمساً

وهم خادع له مخدوعُ

هذه صفحةٌ من الطُهر صيغت

وعلى تلكم الهوى والميوعُ

واشترى الله أنفساً طاهراتٍ

لا تحابي بمبدأ أو تبيعُ

ها هم الصحبُ بالوفاءِ تسمّوا

فمجال الوفاء قطعاً وسيعُ

* * *

٢٧٦

قد بدا الحقدُ في ابن سعدٍ فجرماً

قد أتاه فساء منه صنيعُ

أسخطوا الوحي والسماءَ عليهمْ

إن حرب الحسين جرمٌ شنيعُ

ليس حرباً لشخصه بل لروحٍ

هي للدين أصله والفروعُ

فغذاً هذه الشموعُ ستدوّي

ذاك فوق الصعيد مرمى صريعُ

وعزيزٌ بكت عليه الثكالى

خضّبوهُ فسال منه النجيعُ

ونساءٌ يصحن إنا عطاشى

وأبو الفضل لليدين قطيعُ

وغداً تندب اليتامى لقتلي

صحْنَ قد ( قوض العماد الرفيعُ )

إنما هذه الضحايا ستبقى

وستهدي الأنام هذي الشموعُ

وسيبقى الحسينُ يجري بدمٍ

في عروقي فبالعبير يضوعُ

ويهيم الفؤاد في تلبياتٍ

كُلّما مرّ ذكرُهُ ويميعُ

ليلة السبطِ خلَّدت دينَ طه

حيث لولاه دينُ طه يضيعُ

عبد الله أحمد آل عمران

20 / 11 / 1416 ه‍

٢٧٧

الشيخ عبد الله آل عمران

القصيدة محاولة جادة بالأدوات الشعرية التوصيل رؤى الشاعر وتصوراته الخاصة عن ليلة عاشوراء ، وبطريقة تجريبية اختار الشاعر مساحة عريضة للتعبير ليفحص طول نَفَسه الشعري مع بحر مركّب التفعيلات متداخل الإيقاع هو بحر الخفيف وكذلك مع قافية صعبة المنال وعسرة الرويّ هي قافية حرف العين.

إن على الشاعر المتصدّي لإحياء أمر أهل البيتعليهم‌السلام أن ينتبه إلى أنه يطرح شعره أمام متلقين منصهرين النصوص ، فهم يتلون آيات القرآن الكريم في الصلاة وغيرها ، ويزورون الأئمةعليهم‌السلام بنص ، ويقرأون أدعيتهم بنصٍ أيضاً ، مما يجعل مساحة تعاملهم مع النصوص مساحة عريضة ، ودرجة تلقّيهم عالية التوتر ، فيجب الإلتفات إلى القابلية المتحصّلة لديهم لغرض تحقيق التوصيل الحامل للمتطلبات الفنية والأدبية والجمالية.

ونخلص إلى أن آل عمران مع حمله للبذرة الساحرة المسحورة التي تمكنه من الثبات والتفوق في الساحة الشعرية فقد حاول التعبير عن أحداث الليلة لاجئاً إلى التطابق الواقعي مع التفاصيل دون التطابق الفني فامتدّ نصه حين شرح التقابل بين المعسكرين لينتهي بعلاقته الشخصية بالإمام الحسينعليه‌السلام ويُقرر في النهاية قراراً نهائياً عن ليلة عاشوراء قائلاً :

ليلةُ السبطِ خلّدت دينَ طه

حيث لولاه دين طه يضيعُ

٢٧٨

16 ـ للشيخ عبد الله العوى القطيفي(1)

منازل كربلاء

فمضى يخبّر صحبه عما جرى

ويُبين للأمر المهول الأكبرِ

هذي الطفوف وذي منازل كربلا

أفما ترون لسابقي لم يجسر

قد قال جدي إنها أوطاننا

وبها تسيل دماؤنا كالأبحر

وبها تسام الخسف نسوة أحمد

وبها تصيب الدين طعنة أكفر

لكنّكم في الحلّ مني فارحلوا

من قبل ابلاج الصباح المسفر

قالوا له انت الصباح وسيره

فيه الصلاحُ لعاقلٍ مستبصر

ماذا نقول إذا أتينا أحمداً

وأباك والزهراء عند الكوثر

تفديك يا نفس الرسول نفُوسنا

وأقل شيءٍ أن تُراق بمحضر

فاصدع بأمرك تحظ قصدك عاجلاً

وترَ الصحيح من القتال الأكبر

لله در نفوسهم لمّا علوا

فوق السوابق والخيول الضمَّر

فكأنَّهم فوق الخيول كواكبٌ

تسمو على مرّيخها والمشتري

وكأنَّ خيلهمُ نجومٌ قد هوت

رجماً لشيطانٍ وكلّ مكفّر

لم يحسبوا رشق النبال أذَّيةً

كلا ولا طعن الرماح بمُذعر

ولكم أبادوا من عُصاةٍ ذادةٍ

لبسوا الدروعَ واقبلوا كالأنسُر

حتى قضوا ما بين مشتبك القنا

وبقي حسينٌ مفرداً لم يُنصر(2)

__________________

(1) هو المرحوم الشيخ عبد الله بن الشيخ علي بن محمد بن علي بن درويش القطيفي المشهور بالعوى ، أحد أعلام القرن الثالث الهجري توفي سنة 1210 ه‍.

(2) محرك الأشجان : للحاج أحمد العوى : ص 558.

٢٧٩

17 ـ للشيخ عبد الكريم آل زرع(1)

العبق الفواح

أليلة عاشوراء يا حلكاً شَبَّا

حنينك أدرى من نهارك ما خبّا

وما خبّأ الآتي صهاريج أدهُرٍ

بساعَاتِه قد صبّ صاليَها صبّا

بساعات ليلٍ صرَّم الوجدُ حينها

يُناغي بها الولهان معشوقه حُبّا

يُقضِّي بها صحبُ الحسين دجاهُمُ

دَويّاً كمن يُحصي بجارحةٍ تعبى

لقد بيّتوا في خاطر الخلدِ نيةً

أضاءت دُجى التاريخ نافثةً شُهبا

وقد قايضوا الأرواح بالخلد والظما

برشف فرنْدٍ يحتسون به الصَّهبا

فواعظمهم أنصار حَقٍّ توغّلوا

إلى حِمِم الهيجاءِ واستنزفوا الصعبا

فأكبْر بهم عزّاً وأكرمْ بهم تُقىً

وأعظمْ بهم شُوساً وأنعمْ بهم صحبا

بهم ظمأٌ لو بالجبال لهدَّها

ولو بالصّخور الصُمِّ فتّتهّا تُربا

عزائمُهمْ لو رامت الشمسَ بُلِّغت

ولو رامت الأفلاك كانت لها تربا

وأعيُنُهمْ لا يَسبر الفكرُ غورَها

شُرودٌ بها قد حَيَّر الفِكرَ واللبّا

__________________

(1) هو : الشاعر الشيخ عبد الكريم بن مبارك آل زرع ، ولد في تاروت ـ القطيف سنة 1381 ه‍ ، يعمل حالياً في شركة ارامكو ، ولا يزال أيضاً يواصل دراسته الحوزوية في القطيف ، ومن نتاجه الأدبي القيّم ديوان شعر ( مخطوط ) أكثره في أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو أحد النشطين بالمشاركة في النوداي الأدبية والدينية.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456