استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام13%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 226895 / تحميل: 8308
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

  

المطلب التاسع :

في بعض ما كان منهم مع علي والزهراءعليهما‌السلام

أي في ذكر بعض الضغائن التي بدت ، والقضايا التي وقعت ،  ومن الطبيعي أنْ لا يصلنا كلّ ما وقع ، وأنْ لا تصلنا تفاصيل  الحوادث ، مع الحصار الشديد المضروب علىٰ الروايات  والأحاديث ، ومع ملاحقة المحدثين والرواة ، ومع منعهم من نقل  الأحاديث المهمة ، وحتى مع حرق تلك الكتب التي اشتملت على مثل هذه القضايا أو تمزيقها وإعدامها بأيّ شكل من الأشكال.

فإذن ، من بعد هذه القرون المتطاولة ، ومن بعد هذه الحواجز  والموانع ، لا نتوقّع أنْ يصل إلينا كلّ ما وقع ، وإنّما يمكننا العثور علىقليل من ذلك القليل الذي رواه بعض المحدّثين وبعض  المؤرخين.

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبر أهل بيته بأنّ الأُمّة ستغدر بهم ، وأنّهم

٤١

سيظهرون ضغائنهم من بعده ، وسينتقمون منه أي : سينتقمون من  النبي بانتقامهم من بضعته ، لأنّها بضعته ، والإنتقام من الزهراء انتقام  من النبي ، وإنّما أبقاها هذه البضعة في هذه الأُمّة ليختبر الأُمّة ،  وليظهروا ما في ضمائرهم.

ولم تطل المدة ، فقد وقع الإختبار ، وكانت المدة على الأشهر  أشهُر ، ثمّ عادت البضعة إلىٰ رسول الله واتّصلت اللحمة ببدنه  المبارك وجسده الشريف ، وكلّ ذلك وقع.

ولكنّنا لا نتوقّع أنْ نعثر على كلّ تفاصيل تلك القضايا ، وحتّى  لو عثرنا علىٰ الخمسين بالمائة من القضايا يمكننا فهم الخمسين  البقيّة.

لقد رأيتم كيف يحرّفون الروايات ، حتّى تلك الكلمة القاسية  التي يقولها أبو سفيان في حقّ النبي رأيتم كيف يرفعون اسم أبي  سفيان ويضعون مكان الإسم كلمة قال رجل ، فكيف تتوقّعون أنْ  يروي لنا الرواة كلّ ما حدث بعد رسول الله ، أو يتمكّن الرواة من  نقل كلّ ما حدث ؟

وبالرغم من ذلك الحصار الشديد ، ومن ذلك المنع الأكيد ،  ومن ذلك الإرعاب والتهديد ، مع ذلك ، تبلغنا أطرافٌ من أخبار ما  وقع.

٤٢

ونحن لا ننقل في بحثنا هذا إلاّ من أهم مصادر أهل السنّة ، ولا  نتعرّض لِما ورد في كتبنا أبداً ، وحتّى أنّا ننقلـقدر الإمكانـعن  أسبق المصادر وأقدمها ، فلا ننقل في الأكثر والأغلب عن الكتب المؤلَّفة في القرون المتأخّرة.

فهنا مسائل :

٤٣
٤٤

   

المسألة الاُولىٰ

مصادرة ملك الزهراءعليها‌السلام وتكذيبها

وإنّنا نعتقد بأنّ تكذيب الزهراءعليها‌السلام من أعظم المصائب ، ينقل  عن بعض كبار فقهائنا أنّ أحد الخطباء في أيام مصيبة الحسينعليه‌السلام قرأ جملة : « دخلت زينب على ابن زياد » وأراد أن يشرح ذلك  الموقف ، فأشار إليه الفقيه الكبير الحاضر في المجلس بالصبر  وبالتوقف عن قراءة بقية الرواية ، قال : لأنّا نريد أن نؤدّي حقّ هذه  الجملة : « دخلت زينب على ابن زياد » وهذه مصيبة ، وما  أعظمها !! دخلت زينب علىٰ ابن زياد !!

مجرّد تكذيب الزهراء سلام الله عليها وعدم قبول قولها مصيبة  ما أعظمها ، ليست القضية قضية فدك ، ليست المسألة مسألة أرض  وملك ، إنّما القضية ظلم الزهراء سلام الله عليها وتضييع حقّها ،  وعدم إكرامها ، وإيذائها وإغضابها وتكذيبها ، ولاحظوا خلاصة

٤٥

القضية أنقلها كما في المصادر المهمة المعتبرة :

أوّلاً : لقد كانت فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،  وأنّ رسول الله أعطىٰ فاطمة فدكاً ، فكانت فدك عطية من رسول الله  لفاطمة.

وهذا الأمر موجود في كتب الفريقين.

أمّا من أهل السنة : فقد أخرج البزّار وأبو يعلىٰ وابن أبي حاتم  وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نزلت الآية( وَآتِ ذَا  الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة فأعطاها فدكاً.

وهذا الحديث أيضاً مروي عن ابن عباس.

تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدّثين في  الدر المنثور(1) .

ومن رواته أيضاً : الحاكم ، والطبراني ، وابن النجار ، والهيثمي ،  والذهبي ، والسيوطي ، والمتقي وغيرهم.

ومن رواته : ابن أبي حاتم ، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره ،  ذلك التفسير الذي نصّ ابن تيميّة في منهاج السنة علىٰ أنّه خال من  الموضوعات(2) ، تفسير ابن أبي حاتم في نظر ابن تيميّة خال من

__________________

(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 4 / 177.

(2) منهاج السنّة 7 / 13.

٤٦

الموضوعات ، فهؤلاء عدّة من رواة هذا الخبر.

وقد أقرّ بكون فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول الله ، وأنّ  فدكاً كانت عطيةً منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للزهراء البتول ، غير واحد من أعلام  العلماء ، ونصّوا علىهذا المطلب ، منهم : سعد الدين التفتازاني ،  ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق ، يقول صاحب الصواعق : إنّ  أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً(1) .

فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر.

فلماذا انتزعها ؟ وبأيّ وجه ؟ لنفرض أنّ أبا بكر كان جاهلاً  بأنّ الرسول أعطاها وملّكها ووهبها فدكاً ، فهلاّ كان عليه أن يسألها  قبل الانتزاع منها ؟

وثانياً : لو كان أبو بكر جاهلاً بكون فدك ملكاً لها ، فهل كان  يجوز له أنْ يطالبها بالبيّنة علىٰ كونها مالكة لفدك ؟ إنّ هذا خلاف  القاعدة ، وعلى فرض أنّه كان له الحق في أنْ يطالبها البيّنة على  كونها مالكة لفدك ، فقد شهد أمير المؤمنين سلام الله عليه ، ولماذا لم  تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا : كان من اجتهاده عدم كفاية  الشاهد الواحد وإنْ علم صدقه !

لاحظوا كتبهم ، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر

__________________

(1) الصواعق المحرقة : 31.

٤٧

يقولون : لعلّه كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان  يعلم بصدق هذا الشاهد(1) .

نقول : لكنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل شهادة الواحدـوهو خزيمة  ذو الشهادتينـوخبره موجود في كتب الفريقين ، بل إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضىٰ بشاهد واحد فقط في قضية وكان الشاهد الواحد عبدالله بن عمر ،  وهذا الخبر موجود في صحيح البخاري وإنّه في جامع الاصول  لابن الأثير : قضىٰ بشهادة واحد وهو عبدالله بن عمر(2) .

أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبدالله بن عمر في نظر  النبي ؟

وثالثاً : لو سلّمنا حصول الشك لأبي بكر ، وفرضنا أنّ أبا بكر  كان في شك من شهادة علي ، فهلاّ طلب من فاطمة أن تحلف ؟ فهلاّ  طلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين ؟ وقد قضىٰ رسول  اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشاهدٍ ويمين.

راجعوا صحيح مسلم في كتاب الأقضية(3) ، وراجعوا صحيح  أبي داود(4) بل القضاء بشاهد ويمينٍ هو الذي نزل به جبريل على

__________________

(1) شرح المواقف 8 / 356.

(2) جامع الأصول 10/557.

(3) صحيح مسلم 5 / 128.

(4) صحيح أبي داود 3/419.

٤٨

النبي ، كما في كتاب الخلافة من كنز العمّال.

وهنا يقول صاحب المواقف وشارحها : لعلّه لم ير الحكم  بشاهد ويمين(1) .

نقول : فكان عليه حينئذ أنْ يحلف هو ، ولماذا لم يحلف  والزهراء ما زالت مطالبة بملكها ؟

وهذا كلّه بغضّ النظر عن عصمة الزهراء ، بغضّ النظر عن  عصمة عليعليه‌السلام ، لو أردنا أن ننظر إلى القضيّة كقضيّة حقوقيّة يجب  أن تطبق عليها القواعد المقررة في كتاب الأقضية.

وأيضاً ، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين ، وشهد  للزهراء أيضاً أُم أيمن ، ورسول الله يشهد بأنّها من أهل الجنّة ، كما  في ترجمتها من كتاب الطبقات لابن سعد وفي الإصابة لابن  حجر(2) .

ثمّ نقول : سلّمنا ، إنّ فاطمة وأهل البيت غير معصومين ،  وسلّمنا أنّ فدكاً لم تكن بيد الزهراء سلام الله عليها في حياة النبي ،  فلا ريب أنّ الزهراء من جملة الصحابة الكرام ، أليس كذلك ؟!  تنزّلنا عن كونها بضعة رسول الله ، تنزّلنا عن كونها معصومة ، لا

__________________

(1) شرح المواقف 8 / 356.

(2) الإصابة في معرفة الصحابة 4 / 432.

٤٩

إشكال في أنّها من الصحابة ، وقد كان لأحد الصحابة قضية مشابهة  تماماً لقضيّة الزهراء ، وقد رتّب أبو بكر الأثر على قول ذلك  الصحابي وصدّقه في دعواه.

هذا كلّه بعد التنزّل عن عصمتها ، عن شهادة علي والحسنين  وأُم أيمن ، وبعد التنزّل عن كون فدك ملكاً لها في حياة النبي.

استمعوا إلى القضية أنقلها لكم ، ثمّ لاحظوا تبريرات كبار  العلماء لتلك القضية :

أخرج الشيخان عن جابر بن عبدالله الأنصاري : إنّه لمّا جاء أبا  بكر مال البحرين ، وعنده جابر ، قال جابر لأبي بكر : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لي : إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثمّ حثوت لك ثمّ حثوت  لك ، فقال أبو بكر لجابر : تقدّم فخذ بعددها.

فنقول : رسول الله ليس في هذا العالم ، يدّعي جابر أنّ رسول  الله قد وعده لو أتى مال البحرين لأعطيتك من ذلك المال كذا وكذا ،  وتوفي رسول الله وجاء مال البحرين بعد رسول الله ، وأبو بكر  خليفة رسول الله ، عندما وصل هذا المال أتاه جابر فقال له : إنّ  رسول الله قال لي كذا ، ورتّب أبو بكر الأثر على قوله وصدّقه  وأعطاه من ذلك المال كما أراد.

هذه هي القضية ، وتأمّلوا فيها ، وهي موجودة في الصحيحين.

٥٠

فلاحظوا ما يقوله شرّاح البخاري ، كيف يجوز لأبي بكر أنْ  يصدّق كلام صحابي ودعواه على رسول الله ، وقد رحل رسول الله  عن هذا العالم ، ثمّ أعطاه من مال المسلمين ، من بيت المال ، بقدر ما  ادّعاه ، ولم يطلب منه بيّنة ، ولا يميناً !! لاحظوا ماذا يقولون !!

يقول الكرماني في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح  البخاري وهو من أشهر شروح البخاري يقول : وأمّا تصديق أبي  بكر جابراً في دعواه ، فلقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : « من كذب عَلَيّ متعمداً فليتبوّأ  مقعده من النار » ، فهو وعيد ، ولا يُظنّ بأنّ مثلهـمثل جابرـيقدم على هذا(1) .

فإذا كنتم لا تظنّون بجابر أنْ يقدم على هذا الشيء ، ويكذب علىٰ رسول الله ، بل بالعكس ، تظنّون كونه صادقاً في دعواه ، فهلاّ  ظننتم هذا الظن بحقّ الزهراءـبعد التنزّل عن كلّ ما هنالك كما  كرّرناـ وقد فرضناها مجرّد صحابيّة كسائر الصحابة !

ثمّ لاحظوا قول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري يقول :  وفي هذا الحديث دليل علىٰ قبول خبر الواحد العدل من الصحابة  ولو [ لو هذه وصلية ] جرّ ذلك نفعاً لنفسه(2) .

__________________

(1) الكواكب الدراري في شرح البخاري 10 / 125.

(2) فتح الباري في شرح البخاري 4 / 375.

٥١

فالحديث يدلّ على قبول خبره ، لأن أبا بكر لم يلتمس من  جابر شاهداً على صحة دعواه ، وهلاّ فعل هكذا مع الزهراء التي  أخبرت بأنّ رسول الله نحلني فدكاً ، أعطاني فدكاً ، ملّكني فدكاً !!

ويقول العيني في كتاب عمدة القاري في شرح صحيح  البخاري قلت : إنّما لم يلتمس شاهداً منهـأي من جابرـلأنّه عدل  بالكتاب والسنّة ، أمّا الكتاب فقوله تعالى :( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ  لِلنَّاسِ ) وقوله تعالى :( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) ، فمثل جابر  إنْ لم يكن من خير أُمّة فمن يكون ؟ وأمّا السنّة فلقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : « من  كذب عَلَيّ متعمداً ...

لاحظوا بقية كلامه يقول : ولا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي  أنْ يكذب علىٰ رسول الله متعمّداً(1) .

فكيف نظن بجابر هكذا ؟ فكان يجوز لأبي بكر أنْ يصدّق  جابراً في دعواه ، فلِمَ لم يصدق الزهراء في دعواها ؟ وهل كانت  أقل من جابر ؟ ألم تكن من خير أُمّة أُخرجت للناس ؟ أيظن بها أن  تتعمّد الكذب على رسول الله ؟ وأنت تقول : لا يظن بمسلم فضلاً  عن صحابي أنْ يكذب متعمّداً علىٰ رسول الله ؟

أقول : ما الفرق بين قضية جابر وقضية الصدّيقة الطاهرة سلام

__________________

(1) عمدة القاري في شرح البخاري 12 / 121.

٥٢

الله عليها ، بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك ، وفرضها واحداً أو واحدة  من الصحابة فقط ؟ ما الفرق ؟ لماذا يعطىٰ جابر ؟ ولماذا يكون الخبر  الواحد هناك حجة ؟ ولماذا لا يكذَّب جابر بل يصدّق ويترتّب الأثر على قوله بلا بيّنة ولا يمين ولا ولا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟

إذن ، هناك شيء آخر ...

إذن ، من وراء القضيّة ـ قضيّة الزهراء ـ شيء آخر ...

فرجعت فاطمة خائبة إلىبيتها ...

ثمّ جاءت مرّةً أُخرىٰ لتطالب بفدك وغير فدك من باب الإرث  من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّفدكاً أرض لم يوجف عليها بخيل ولا  ركاب بالإجماع ، وكلّ ما يكون كذا فهو ملك لرسول الله بالإجماع ،  وكلّ ما يتركه المسلم من ملك أو من حق فإنّه لوارثه من بعده  بالاجماع ، والزهراء أقرب الناس إلىرسول الله في الإرث  بالإجماع.

هذه مقدمات أربع ، وكلّها مترتبة متسلسلة.

أخرج البخاري ومسلم عن عائشةـواللفظ للأوّلـإنّ  فاطمةعليها‌السلام بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول  اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي عن خمس خيبر ،  فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : « لا نورّث ما تركنا صدقة » ، إنّما

٥٣

يأكل آل محمّد في هذا المال ، وإنّي والله لا أُغيّر شيئاً من صدقة  رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولأعملنّ  فيها بما عمل به رسول الله. فأبىٰ أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها  شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته ، فلم تكلّمه حتّىٰ توفّيت ، وعاشت بعد النبي ستّة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها  علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّىٰ عليها ، وكان لعلي من الناس  وجه حياة فاطمة(1) .

وقضية مطالبة الزهراء بفدك وغير فدك من باب الإرث قضية  كتبت فيها الكتب الكثيرة منذ قديم الأيّام ، وخطبتها سلام الله عليها  في هذه القضية خطبة خالدة تذكر على مدىٰ الأيّام ، وهنا أيضاً  نسأل ونتسائل فنقول :

كيف يكون إخبار أبي سعيد وابن عباس وشهادة علي  والحسنين وغيرهم في أن رسول الله أعطىٰ فدكاً للزهراء ، هذه  الإخبارات والشهادات كلها غير مقبولة ، ويكون خبر أبي بكر  وحده في أنّ الأنبياء لا يورّثون مقبولاً ؟ لاحظوا آراء العلماء في  هذه القضيّة ، فلقد اختلفت آراؤهم واضطربت كلماتهم اضطراباً  فاحشاً ، وكان أوجه حلّ للقضيّة أنْ يقال بأنّ الخبر متواتر ، ولم

__________________

(1) صحيح البخاري باب غزوة خيبر ، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير.

٥٤

يكن أبو بكر لوحده الراوي لهذا الخبر ، وإنّما أبو بكر أحد الرواة من  الصحابة ، وهنا نقاط :

النقطة الاُولى ٰ: كيف لم يسمع هذا الحديث أحد من رسول الله ؟  ولم ينقله أحد ؟ وحتّى أبو بكر لم يُسمع منه هذا الخبر والإخبار به  عن رسول الله إلىٰ تلك الساعة ؟

النقطة الثانية : كيف لم يسمع أهل بيته هذا الحديث ؟ وحتّى  ورثته لم يسمعوا هذا الحديث ؟ ولذا أرسلت زوجاته عثمان إلى  أبي بكر يطالبن بسهمهنّ من الإرث ! هلاّ قال لهنّ عثمانـفي الأقل  ـإنّ رسول الله قال كذا ؟ ولماذا مشىٰ إلى أبي بكر وبلّغه طلب  الزوجات ؟

وهنا كلمة لطيفة للفخر الرازي سجّلتها ، هذه الكلمة في  تفسيره يقول : إنّ المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلاّ فاطمة  وعلي والعباس ، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل  الدين ، وأمّا أبو بكر فإنّه ما كان محتاجاً إلى معرفة هذه المسألة ، لأنّه ما كان ممّن يخطر بباله أنّه يورّث من الرسول ، فكيف يليق  بالرسول أن يبلّغ هذه المسألة إلى من لا حاجة له إليها ، ولا يبلّغها إلى من له إلى معرفتها أشدّ الحاجة ؟(1) .

__________________

(1) التفسير الكبير 9 / 210.

٥٥

النقطة الثالثة : إنّه لو تنزّلنا عن كلّ ذلك ، فإنّ دعوى تواتر  الخبر كاذبة ، لأنّهم ينصّون على انفراد أبي بكر بهذا الخبر ، وقد  ذكروا ذلك في مباحث حجّية خبر الواحد ، ومثّلوا بهذا الخبر من  جملة ما مثّلوا ، وإن كنتم في شكٍ من ذلك فارجعوا إلى : مختصر  ابن الحاجب(1) ، والمحصول في علم الأصول(2) للفخر الرازي ،  والمستصفىٰ في علم الأصول(3) للغزّالي ، والإحكام في أصول  الأحكام(4) للآمدي ، وكشف الأسرار في شرح اصول البزدوي(5) للبخاري ، وغير هذه الكتب.

مضافاً إلىهذا ، هناك في الأحاديث أيضاً شواهد على انفراد  أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا مثلاً : كتاب كنز العمال(6) .

وحتّى المتكلّمون أيضاً يقرّون بانفراد أبي بكر بهذا الحديث ،  فراجعوا : شرح المواقف ،(7) وشرح المقاصد(8) ، بل أقول في :

__________________

(1) المختصر في علم الأصول 2 / 59 بشرح العضد.

(2) المحصول في علم الأصول 2 / 85.

(3) المستصفى في علم الأصول 2 / 121.

(4)الإحكام في أصول الأحكام 2 / 75 و 348.

(5) كشف الأسرار 2 / 688.

(6) كنز العمال 12 / 605 ح 14071.

(7) شرح المواقف 8 / 355.

(8) شرح المقاصد 5 / 278.

٥٦

النقطة الرابعة : إنّ أبا بكر أيضاً ليس من رواة هذا الحديث ، لا  أنّه منفرد به ، بل إنّ هذا الحديث موضوع ، وضعه بعض الناس دفاعاً  عن أبي بكر ، وأبو بكر في تلك القضيّة لم يكن عنده جواب ، حتّى  بهذا الحديث لم يستدل ، وهذا ما يقوله الحافظ عبدالرحمن بن  يوسف ابن خراش ، إنّه يقول : هذا الحديث باطل ، وضعه مالك بن  أوس بن الحدثان ».

وهو الراوي للقصّة ، فلقد ذكر الحافظ ابن عدي بترجمة  الحافظ ابن خراش المتوفىٰ سنة 283 ه‍ الذي ألّف جزئين في  مثالب الشيخين قال : سمعت عبدان يقول : قلت لابن خراش :  حديث ما تركنا صدقة ؟ قال : باطل ، أتّهم مالك بن أوس بالكذب(3) .

فكيف يريدون رفع اليد عن محكمات القرآن الحكيم بخبر  موضوع يحكم ببطلانه هذا الحافظ الكبير ، الذي لأجل هذا الحكم  بالنسبة إلى هذا الحديث ، ولأجل تأليفه جزئين في مثالب  الشيخين ، رموه بالرفض ، ومع ذلك كلّ كتبهم مملوءة بأقواله  وآرائه في الحديث والرجال.

لاحظوا كيف يتهجّم عليه الذهبي يقول : هذا والله الشيخ المعثّر  الذي ضلّ سعيه ، فإنّه كان حافظ زمانه ، وله الرحلة الواسعة

__________________

(1) الكامل في الضعفاء 5 / 518.

٥٧

والإطلاع الكثير والإحاطة ، وبعد هذا فما انتفع بعلمه [ وكأنّ  الإنتفاع بالعلم يكون فيما إذا كان ما يقوله في صالح القوم !! ] فلا  عتب على حمير الرافضة وحوافر جزّين ومشغرىٰ »(1) .

هذه بلاد في جبل عامل في جنوب لبنان من المناطق الشيعية  البحتة ، فلا عتب على حمير الرفضة أو الرافضة وحوافر جزّين  ومشغرىٰ !!

فظهر أن هذه القضيةـقضية غصب فدك وتكذيب الزهراء  وأهل البيتـمن جملة القضايا التي أخبر عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،  وإنّ الفؤاد ليقطر دماً عندما يكتب الإنسان الحرّ الأبي مثل هذه  القضايا أو يقرؤها أو يرويها ، ولكن أُريد أنْ اُسيطر على أعصابي ،  وأقرأ لكم القضايا بقدر ما توصّلت إليه ، لتكونوا على بصيرةٍ أو  لتزدادوا بصيرة.

    

__________________

(1) تذكرة الحفّاظ 2 / 684 ، وانظر : سير أعلام النبلاء 13 / 509 ، ميزان الاعتدال  2/600.

٥٨

  

المسألة الثانية

إحراق بيتهاعليها‌السلام

وقد ذكرنا أنّ القوم قد منعوا من نقل القضايا والحوادث ،  وجزئيّات الأمور ، وتفاصيل الوقائع ، أتتوقّعون أن ينقل لكم  البخاري أنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً أحرقوا دار الزهراء بأيديهما ؟! بهذا  اللفظ تريدون ؟! لقد وجدتم البخاري ومسلماً وغيرهما يحرّفون  الأحاديث التي ليس لها من الحسّاسيّة والأهميّة ولا عشر معشار ما  لهذه المسألة.

إنّ إحراق بيت الزهراء من الأُمور المسلّمة القطعيّة في  أحاديثنا وكتبنا ، وعليه إجماع علمائنا ورواتنا ومؤلّفينا ، ومن أنكر  هذا أو شكّ فيه أو شكّك فيه فسيخرج عن دائرة علمائنا ، وسيخرج  عن دائرة أبناء طائفتنا كائناً من كان.

أمّا في كتب أهل السنّة ، فقد جاءت القضيّة على أشكال ، وأنا

٥٩

قد رتّبت القضايا والروايات والاخبار في المسألة ترتيباً ، حتّىٰ لا  يضيع عليكم الأمر ولا يختلط ، وحتّىٰ تكونوا على يقظة ممّا  يفعلون في نقل مثل هذه القضايا والحوادث فإنّ القدر الذي ينقلونه  أيضاً يتلاعبون به ، أمّا الذي لم ينقلوه ، أمّا الذي منعوا عنه ، أمّا  الذي تركوه عمداً ، فذاك أمر آخر ، فالذي نقلوه كيف نقلوه ؟  وسأذكر لكم ما يتعلّق بهذه المسألة تحت عناوين :

1 ـ التهديد بالإحراق :

بعض الأخبار والروايات تقول بأنّ عمر بن الخطّاب قد هدّد  بالإحراق ، فكان العنوان الأول التهديد ، وهذا ما تجدونه في كتاب  المصنّف لابن أبي شيبة ، من مشايخ البخاري المتوفىٰ سنة  235 ه‍ ، يروي هذه القضيّة بسنده عن زيد بن أسلم ، وزيد عن  أبيه أسلم وهو مولىٰ عمر ، يقول :

حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله ، كان علي والزبير يدخلان علىٰ فاطمة بنت رسول الله ، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ،  فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب ، خرج حتّى دخل علىٰ فاطمة فقال :  يا بنت رسول الله ، والله ما أحد أحبّ إلينا من أبيك ، وما من أحد  أحبّ إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وكيعٌ خيرٌ منك قال : منّي ؟ قلت : نعم ، فما قال لي شيئاً ، ولو قال شيئاً لوثب عليه أصحاب الحديث ، فبلغ ذلك وكيعاً فقال : يحيى صاحبنا )(١) .

وإنّما نُسِب إلى الرفض ؛ لأنّه كان يتكلّم في عثمان ولا يترحّم عليه ، ففي ترجمة الحسن بن صالح من(ميزان الاعتدال) وغيره :

( قال وكيع : هو عندي إمام ، فقيل : إنّه لا يترحّم على عثمان فقال : أفتترحّم أنت على الحجّاج )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ٣٣٦/ ٩٣٥٦ .

(٢) ميزان الاعتدال ـ ترجمة الحسن بن صالح ١ : ٤٩٩/ ١٨٦٩ .

٢٤١

عبد الرزّاق بن همّام

وأمّا عبد الرزّاق بن همّام... فقد ذكرت له المناقب العظيمة والفضائل الجليلة في مختلف الكتب ، نكتفي منها بما جاء في( مرآة الجنان ) حيث قال اليافعي في حوادث السنة ٢١١ :

( وفي السنة المذكورة : توفي الحافظ العلاّمة المرتحل إليه من الآفاق ، الشيخ الإمام عبد الرزّاق بن همّام ، اليمني الصنعاني الحميري ، صاحب المصنّفات ، عن ستٍّ وثمانين سنة روى عنك مَعْمَر وابن جريج والأوزاعي وطبقتهم ، ورحل إليه الأئمّة إلى اليمين قيل : ما رحل النّاس إلى أحدٍ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ما رحلوا إليه ، وروى عنه خلائق من أئمّة الإسلام ، منهم : الإمام سفيان بن عيينة ، والإمام يحيى بن معين ، وإسحاق بن راهويه ، وعليّ بن المديني ، ومحمود بن غيلان )(١) .

وفي( ميزان الاعتدال ) :

( [ع] عبد الرزّاق بن همّام بن نافع ، الإمام ، أبو بكر ، الحميري مولاهم ، الصنعاني ، أحد الأعلام الثقات ولد سنة ١٢٦ ، وطلب العلم وهو ابن عشرين سنة فقال : جالست مَعمَر بن راشد سبع سنين ، وقدِم الشام بتجارةٍ فحجّ ، وسمِع من ابن جريج ، وعبيد الله بن عُمر ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند ، وثور بن يزيد ، والأوزاعي وخلق ، وكَتب شيئاً كثيراً ، وصنّف الجامع الكبير ، وهو خزانة

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ٢ : ٤٠ .

٢٤٢

علم ، ورحل النّاس إليه : أحمد ، وإسحاق ، ويحيى ، والذهلي ، والرمادي وعبد )(١) .

ومع هذا كلّه ، فقد تكلّم فيه بعض الأئمّة واتّهمه غيره بالكذب !

قال الذهبي :

( أبو زرعة عبيد الله : حدّثنا عبد الله المسندي قال : ودّعت ابن عيينة فقلت : أُريد عبد الرزّاق ، قال : أخاف أنْ يكون من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا .

العقيلي : حدّثني أحمد بن دكين [زُكير] الحضرمي ، ثنا محمّد بن إسحاق بن يزيد البصري ، سمعت مخلّد الشعيري يقول : نت عند عبد الرزاق، فذكر رجل معاوية، فقال : لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان .

محمّد بن عثمان الثقفي الصري قال : لمّا قدم العبّاس بن عبد العظيم من صنعاء ، من عند عبد الرزّاق ، أتيناه فقال لنا ونحن جماعة : ألست قد تجشّمت الخروج إلى عبد الرزّاق ورحلت إليه وأقمت عنده ؟ والذي لا إله إلاّ هو : إنّ عبد الرزّاق كذّاب...)(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٦٠٩/ ٥٠٤٤ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٦١٠ ـ ٦١١ / ٥٠٤٤ .

٢٤٣

إسحاق بن راهويه

وأمّا إسحاق بن راهويه... فإنّه وإنْ كان من الأئمّة الأعلام والمحدّثين العظام ، لكنّه تغيّر في آخر عمره واختلط قال في( الميزان ) :

( قال أبو عبيد الله الآجري : سمعت أبا داود يقول : إسحاق بن راهويه تغيّر قبل أنْ يموت بخمسة أشهر ، وسمعت منه في تلك الأيّام فرُميت به ) .

قال :

( وذكر لشيخنا أبي الحجّاج حديث فقال : قيل : إسحاق اختلط في آخر عمره )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ١٨٣/ ٧٣٣ .

٢٤٤

روح بن عبادة

وأمّا روح بن عبادة ، وقد أثنى عليه جماعة من الأكابر كما في( تذهيب التهذيب ) حيث قال :

( روح بن عبادة بن العلاء بن حسّان القيسي أبو محمّد البصري ، أحد الحفّاظ والرؤساء ، عن حسين المعلّم وابن عون ووَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وحاتم بن أبي صغيرة وزكريّا بن إسحاق وابن جريج وعوف الأعرابي وخلقٌ كثير ، وعنه : أحمد وابن راهويه وإسحاق الكوسج وإبراهيم الجوزجاني وعدب بن حميد وأبو بكر الصاغاني ويحيى بن أبي طالب ، وخلائق مِن آخرهم الكديمي .

قال الكديمي : سمعت عليّ بن المديني يقول : نظرت لروح بن عبادة في أكثر من مئة ألف حديث ، كتبت منها عشرة آلاف .

قال يعقوب بن شيبة : كان روح أحد مَن تحمّل الحمالات ، وكان سريّاً مريّاً كثير الحديث جدّاً ، صدوقاً ، سمعت عليّ بن عبد الله يقول : مِن المحدّثين قومٌ لا يزالوا في الحديث... فطلبوا ثمّ صنّفوا ثمّ حدّثوا ، منهم روح بن عبادة .

وقال ابن معين : صدوق )(١) .

وقال ابن حجر :

( ثقةٌ فاضل ، له تصانيف )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تذهيب التهذيب وانظر تهذيب التهذيب ٣ : ٢٥٣/ ٥٤٩ .

(٢) تقريب التهذيب ١ : ٢٤٩/ ٢١٤٣ .

٢٤٥

فإنّ القواريري تكلّم فيه وأنكر عليه جملةً مِن أحاديثه .

وقال أبو حاتم : لا يحتجّ به .

وقال النسائي : ليس بقويّ .

وطعن فيه جماعة من الأئمّة قال الذهبي في( الميزان ) :

( روح بن عبادة بن العلاء بن حسّان البصري ، القيسي ، ثقةٌ مشهور، حافظ ، من علماء أهل البصرة عن حسين المعلّم وابن عون وخلقٌ ، وعنه : أحمد وعبد بن حميد وأبو بكر الصاغاني وخلق.

وروى الكديمي عن ابن المديني قال : نظرت لروح في أكثر من مئة ألف حديث ، كتبت منها عشرةَ آلاف .

وقال ابن معين وغيره : صدوق ، وتكلّم فيه القواريري بلا حجّة .

وقال ابن المديني : ذكر عبد الرحمان روح بن عبادة فقلت : لا تفعل ، فإنّ هاهنا قوماً يحملون كلامك ، فقال : أستغفر الله ، ثمّ دخل فتوضّأ ، يذهب إلى أنّ الغيبة تنقض الوضوء .

وقيل : إنّ عبد الرحمان تكلّم فيه ، لكونه وهم في إسناد ، فلا ضير ، وقال يعقوب بن شيبة : قال محمّد بن عمر : قال يحيى بن معين : هذا القواريري يحدّث عن عشرين شيخاً من الكذّابين ، ثمّ يقول : لا اُحدّث عن روح ، ثمّ قال يعقوب : وسمعتُ عفّان لا يرضى أمر روح بن عبادة ، ثمّ بلغني عنه أنّه قوّاه ، وقال أحمد بن الفرات : طعن على روح اثنا عشر رجلاً ، فلم ينفذ قولهم فيه .

وروى الكتاني عن أبي حاتم قال : لا يحتجّ به .

وقالس في العلل وفي الكنى : روح ليس بالقوي .

قلت : نعم ، عبد الرحمان بن مهدي أقوى منه ، وأمّا هو فصدوقٌ صاحب حديث ، وقال يعقوب بن شيبة : كان روح أحد مَن يتحمّل الحمالات ، وكان سرياً مريّاً ، صدوقاً ، كثير الحديث جدّاً ، وقال ابن المديني : لم يزل روح في الحديث منذ نشأ .

قال عليّ : وكان ابن مهدي يطعن على روح وينكر عليه أحاديث ابن أبي ذئب عن الزهري مسائل ، فلمّا قدمت على معن أخرجها لي وقال : هي عند بصري لكم ، سمعها معنا ، فأتيت عبد الرحمان فأخبرته فأحسبه قال : استحلّه لي .

٢٤٦

قال يعقوب بن شيبة : سمعت [عن] عفّان [أنّه] لا يرضى أمر روح بن عبادة ، وقال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود يقول : أكثر ما أنكر القواريري على روح تسعمئة حديث ، حدّث بها عن مالك سماعاً ، مات روح سنة خمس ومئتين )(١) .

عبد بن حميد

وأمّا عبد بن حُميد ، فإنّ فضائله ومكارمه مذكورة في( تذكرة الحفّاظ ) وغيره من الكتب(٢) .

لكنّ ابن تيميّة وأتباعه لا يرتضونه، لأنّه روى نزول قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ... ) الآية ، في أمير المؤمنين ( عليه الصّلاة والسّلام ) ، كما في( الدرّ المنثور ) بتفسيرها :

( أخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) الآية قال : نزلت في عليّ ابن أبي طالب )(٣) .

فقال ابن تيميّة :

( أجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في عليّ بخصوصه ) ، ثمّ قال :

( وأمّا أهل العلم الكبار أصحاب التفسير ، كمحمّد بن جرير الطبري ، وبقيّ بن مخلد ، وابن أبي حاتم ، وأبي بكر ابن المنذر ، وعبد الرحمان بن إبراهيم وأمثالهم ، فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات ، دع من هو أعلم منهم مثل : أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، بل لا يذكر مثل هذا عبد بن حميد ولا

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٥٨ ـ ٦٠/ ٢٨٠٢ .

(٢) تذكرة الحفّاظ ٢ : ٨٩/ ٥٥١ .

(٣) الدر المنثور ٣ : ١٠٥ .

٢٤٧

عبد الرزّاق ، مع أنّ عبد الرزّاق كان يميل إلى التشيّع ، ويروي كثيراً من فضائل عليّ ، وإنْ كانت ضعيفة ، لكنّه أجلّ قدراً من أنْ يروي مثل هذا الكذب الظاهر )(١) .

ومفهوم هذا الكلام أنّ ( عبد بن حميد ) ليس من أهل العلم الكبار أصحاب التفسير ، بل ليس من صغارهم ؛ لأنّ إخراج مثل هذا الحديث ليس مِن شأن العلماء... لكن ابن تيميّة في هذا الكلام ينكر أنْ يكون ابن جرير مثلاً من رواة هذا الحديث ، سبحانك اللّهم هذا بهتانٌ عظيم... فقد عرفت من كلام السيوطي روايته ، وكذا رواية ابن أبي حاتم...

سُنيد بن داود

وأمّا سُنيد ، فإنّه وإنْ ذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال ابن أبي حاتم : صدوق ، لكنْ تكلّم فيه غير واحدٍ من الأئمّة الأعلام .

قال الذهبي في( الميزان ) :

( سنيد بن داود المصيصي المحتسب ، واسمه الحسين ، عن حمّاد بن زيد وهشيم والطبقة ، حافظٌ له تفسير ، وله مَا ينكر .

أنبأنا ابن علان ، أنا الكندي ، عن القزّاز ، أنا الخطيب ، أنا ابن شاذان ، ثنا أبو سهل القطّان ، ثنا عبد الكريم بن الهيثم ، ثنا سُنيد ، نا فرج بن فضالة عن، معاوية بن صالح ، عن نافع قال : سرت مع ابن عمر فقال : طلعت الحمراء ؟ قلت : لا ، ثمّ قلت : قد طلعت ، فقال : لا مرحباً بها ولا أهلاً ، قلت : سبحان الله نجم سامع مطيع ، قال : ما قلت إلاّ ما سمعت من رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنّ الملائكة قالت : يا ربّ ! كيف صبرك على بني آدم ؟ قال : إنّي ابتليتهم وعافيتكم قالوا : لو كنّا مكانهم ما عصيناك قال : فاختاروا ملكين منكم ، فاختاروا هاروت وماروت ، فنزلا ، فألقى الله عليهما الشهوة ، فجاءت امرأة يُقال لها الزهرة..... ) ، وذكر الحديث بطوله .

روى عنه أبو زرعة والأثرم وجماعة صدّقه أبو حاتم .

وقال أبو داود : ولم يكن بذاك .

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥ ـ ٦ ، باختلافٍ يسير في بعض الألفاظ .

٢٤٨

وقال النسائي : الحسين بن داود ليس بثقة .

توفّي سُنيد سنة ستٍّ وعشرين ومئتين )(١) .

وقال ابن حجر :

( ضعيف ، مع إمامته ومعرفته ، لكونه كان يلقين حجّاج بن محمّد شيخه )(٢) .

بل إنّ السيوطي ذكر في( اللآلي المصنوعة ) تضعيف أبي داود والنسائي له ، نقلاً عن كتاب الموضوعات لابن الجوزي .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٢٣٦/ ٣٥٦٧ .

(٢) تقريب التهذيب ١ : ٣٢٣/ ٢٩٢٥ .

٢٤٩

ابن أبي شيبة

وأمّا أبو بكر ابن أبي شيبة ، فمناقبه وفضائله أشهر من أنْ تُذكر ، وأكثر من أنْ تُحصر ، قال المناوي في(فيض القدير) :

( ابن أبي شيبة ، الحافظ الثبت العديم النظير ، عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة العبْسي الكوفي ، صاحب المسند والأحكام والتفسير وغيرها... وعنه : الشيخان وأبو داود وابن ماجة وخلقٌ )(١) .

لكنّه لمّا روى تهديد عُمر بن الخطّاب فاطمة الزهراء بنت رسول الله وبضعته ، الصدّيقة الطاهرة ، بإحراق بتيها بمن فيه ، فقد قدح فيه وجرحه ابن روزبهان وبعض المتعصّبين من أمثاله .

أقول :

هذا بعض الكلام على أئمّة التفسير الذين ذكرهم السيوطي .

وقد رأينا من اللازم التعرّض لحالِ جمعٍ آخر من أئمّة التفسير من الطبقة الثانية والطبقة الثالثة ، الذين لم يذكرهم السيوطي ، تتميماً للبحث وتكميلاً للمرام...

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ : ٢٧ .

٢٥٠

ابن شهاب الزّهري

فمنهم: الزّهري... وصفه الشيخ عبد الحقّ الدهلوي في كتاب( تحصيل الكمال في أسماء الرجال ) بـ ( الإمام ، أحد الفقهاء والمحدّثين ، والعلماء الأعلام من التابعين بالمدينة ، المُشار إليه في فنون الشريعة )(١) وإليه نَسب الأعور الواسطي تفسير أهل السنّة ، نافياً رجوعهم في تفسير القرآن إلى أمير المؤمنين(٢) ...

إلاّ أنْ الدهلوي قال بعد ذلك بترجمته :

( ويُقال : إنّه قد ابتلي بصحبة الأُمراء بقلّة الديانة ، لضرورات عرضت له ، وكان أقرانه من العلماء والزهّاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه ، وكان يقول : أنا شريكٌ في خيرهم دون شرّهم ، فيقولون : ألا ترى ما هم فيه وتسكت ؟ ) .

وهنا يُناسب أنْ نورد كلام ابن الجوزي في ذمّ صحبة الأُمراء والسّلاطين ، فإنّه قال في( تلبيس إبليس ) :

( ومن تلبيس إبليس على الفقهاء : مخالطتهم للأُمراء والسلاطين ، ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم ، مع القدرة على ذلك ، وربّما رخّصوا لهم ما لا رخصة فيه ، لنالوا من دنياهم ، فيقع بذلك الفساد لثلاثة : الأوّل : الأمير ، فيقول : لولا أنّي على صوابٍ لأنكر عليَّ الفيه ، وكيف لا أكون مصيباً وهو يأكل من

ـــــــــــــــــــ

(١) تحصيل الكمال = رجال المشكاة .

(٢) رسالة الأعور الواسطين ـ مخطوط .

٢٥١

مالي ؟ والثاني : العامّي ، فإنّه يقول : لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله ، فإنّ فلاناً الفقيه لا يزال عنده والثالث: الفقيه ، يفسد دينه بذلك )(١) .

وقال الغزالي في( إحياء العلوم ) في علامات علماء الآخرة :

( ومنها : أنْ يكون منقبضاً عن السلاطين ، فلا يدخل عليهم البتّة ، ما دام يجد إلى الفرار عنهم سبيلاً ، بل ينبغي أنْ يحترز من مخالطتهم وإنْ جاؤوا إليه ، فإنّ الدنيا حلوةٌ خضرة وزمامها بأيدي السلاطين ، والمُخالط لهم لا يخلو عن تكلّف في طلب مرضاتهم واستمالة قلوبهم ، مع أنّهم ظَلَمة ، ويجب على كلّ متديّن الإنكار عليهم وتضييق صدورهم بإظهار ظلمهم وتقبيح فعلهم ، فالداخل عليهم إمّا أنْ يلتفت إلى تجهلهم ، فيزدري نعمة الله عليه ، أو يسكت عن الإنكار عليهم فيكون مداهناً لهم ، أو يتكلّف في كلامه كلاماً لمرضاتهم وتحسين أحوالهم ، وذلك هو البهت الصريح ، أو يطمع في أنْ ينال من دنياهم ، وذلك هو السحت ، وسيأتي في كتاب الحلال والحرام ما يجوز أنْ يُؤخذ من أموال السلاطين وما لا يجوز من الإدرار والجوائز وغيرها .

وعلى الجملة ، فمخالطتهم مفتاح الشرّ ، وعلماء الآخرة طريقتهم الاحتياط ، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من بدى جفا ، يعني من سكن البادية جفا ، ومن اتّبع الصيد غفل ، ومن أتى السلطان افتتن ) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( سيكون عليهم أُمراء تعرفون منه وتنكرون ، فمن أنكر فقد برئ ، ومن كره فقد سلِم ، ولكن من رضي وتابع أبعده الله تعالى ) . قيل : أفلا نقاتلهم ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا ، ما صلّوا ) .

وقال سفيان : في جهنّم وادٌ لا يسكنه إلاّ القرّاء الزائرون للملوك .

ـــــــــــــــــــ

(١) تلبيس إبليس : ١٤٠ ، مع بعض الاختلاف في الألفاظ .

٢٥٢

وقال حذيفةرضي‌الله‌عنه : إيّاكم ومواقف الفتن. قيل: وما هي ؟ قال : أبواب الأُمراء ، يدخل أحدكم على الأمير ، فيصدّقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( العلماء أُمناء الرسل على عباد الله تعالى ، ما لم يُخالطوا السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرُسُل ، فاحذروهم واعتزلوهم ) .

وقيل للأعمش : قد أحيَيت العلم لكثرة مَن يأخذه عنك ، فقال : لا تعجلوا ، ثلثٌ يموتون قبل الإدراك ، وثلثٌ يلزمون أبواب السلاطين فهم شرّ الخلق ، والثلث الباقي لا يفلح منهم إلاّ القليل .

ولذلك قال سعيد بن المسيّب : إذا رأيتم العالم يغشى الأُمراء فاحترزوا منه ، فإنّه لصّ .

وقال الأوزاعي : ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من عالم يزور عاملاً ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( شرار العلماء الذين يأتون الأُمراء ، وخيار الأُمراء الذين يأتون العلماء ) ، وقال مكحول الدمشقي : من تعلّم القرآن وتفقّه في الدين ثمّ أصحب السلطان تملّقاً إليه وطمعاً في يديه ، خاض في بحرٍ من نارِ جهنّم بعدد خُطاه .

وقال سحنون : ما أقبح بالعالم أنْ يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيُسئل عنه فيقال : إنّه عند الأمير .

قال : وكنت أسمع أنّه يُقال : إذا رأيتم العالم يحبّ الدنيا فاتّهموه على دينكم ، حتّى جرّبت ذلك ، إذ ما دخلت قطّ على السلطان إلاّ ما رأيت نفسي بعد الخروج ، وأنتم تعلمون وترون ما ألقاه به من الغلظة والفظاظة وكثرة المخالفة لهواه ، ولوددت أنْ أنجو من الدخول كفافاً ، مع أنّي لا آخذ منه شيئاً ولا أشرب لهم شربة ماء .

قال : وزماننا هذا شرٌّ من علماء بني إسرائيل ، يخبرون السلطان بالرّخص وبما يُوافق هواه ، ولو أخبروه بالذي عليه وفيه نجاته لاستثقلهم ، فكره دخولهم عليه ، وكان ذلك نجاةً لهم عند ربّهم .

٢٥٣

وقال الحسن : كان فيمن كان قبلكم رجلٌ له قِدمٌ في الإسلام وصحبةً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال عبد الله بن المبارك : عنى به سعد بن أبي وقّاصرضي‌الله‌عنه ـ وكان يغشى السلاطين ، فقعد عنهم ، فقال له بنوه : يأتي هؤلاء مَن ليس هو مثلك في الصحبة والقِدم في الإسلام ، فلو أتيتهم فقال : بني ! إنّ الدنيا جيفة وقد أحاط بها قومٌ ، والله لئن استطعت لا أُشاركهم فيها قالوا : يا أبانا ! إذاً تهلك هزلاً ، قال : يا بني ! لأنْ أموت مؤمناً مهزولاً ، أحبّ إليّ من أنْ أموت منافقاً سميناً .

قال الحسن رحمه الله تعالى : خصمهم والله ، إذ علِم أنّ التراب يأكل اللّحم والسمن دون الإيمان ، وفي هذا إشارة إلى أنّ الدخول على السلطان لا يَسلم فيه أحدٌ من النفاق البتّة ، وهو مضادٌّ للإيمان.

وقال أبو ذر لسلمة : يا سلمة ، لا تغشَ أبواب السلاطين ، فإنّك لا تصيب مِن دنياهم شيئاً ، إلاّ أصابوا مِن دينك أفضل منه .

وهذه فتنةٌ عظيمة للعلماء وذريعةٌ صعبة للشيطان عليهم ، لا سيّما مَن له لهجة مقبولة وكلامٌ حلو ، إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أنّ في وعظك لهم ودخولك عليهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم شعائر الشرع ، إلى أنْ يُخيّل إليه أنّ الدخول عليهم مِن الدين ، ثمّ إذا دخل لم يلبث أنْ يتلطّف في الكلام ويداهن ، ويخوض في الثناء والإطراء ، وفيه هلاك الدين .

وكان يُقال : العلماء إذا علموا عملوا ، فإذا عملوا شغلوا ، فإذا شغلوا فقدوا ، فإذا فقدوا طلبوا ، فإذا طلبوا هربوا .

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن رحمهما الله تعالى : أمّا بعد ؛ فأشر علَيّ بأقوامٍ أستعين بهم على أمر الله تعالى فكتب إليه : أمّا أهل الدين فلن يُريدوك ، وأمّا أهل الدنيا فلنْ تريدهم ، ولكن عليك بالأشراف ، فإنّهم يصونون شرفهم أنْ يدنّسوه بالخيانة .

٢٥٤

هذا في عمر بن عبد العزيز ، وكان أزهد أهل زمانه ، فإذا كان شرط أهل الدين الهرب منه ، فكيف يَستتب طلب غيره ومخالطته ، ولم يزل السلف العلماء مثل الحسن ، والثوري ، وابن المبارك ، والفضيل ، وإبراهيم بن أدهم ، ويوسف بن أسباط يتكلّمون في علماء الدنيا من أهل مكّة والشام ، إمّا لميلهم إلى الدّنيا أو لمخالطتهم السلاطين ، حتّى قال بعضهم لو قيل : مَن أحمق الناس ، لأخذت بيد القاضي وقلت : هذا )(١) .

جُويبِر بن سعيد

ومنهم : جُوبير بن سعيد ، وهو من رجال ابن ماجة ، ومن أئمّة التفسيري عندهم .

قال الذهبي بترجمته من( ميزان الاعتدال ) :

( جُويبِر بن سعيد ، أبو القاسم الأزدي البلخي ، المفسّر ، صاحب الضحّاك : قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال الجوزجاني : لا يشتغل به ، وقال النسائي والدارقطني وغيرهما : متروك الحديث .

قلت : له عن أنَس شيء ، وروى عنه حمّاد بن زيد بن أسلم وابن المبارك ويزيد بن هارون وطائفة .

أبو مالك : عن جُويبر ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس مرفوعاً قال : تجب الصّلاة على الغلام إذا عقل والصّوم إذا أطاق .

ويُروى عن جُويبِر عن الضحّاك عن ابن عبّاس حديث : من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يَرمد أبداً .

قال أبو قدامة السرخسي : قال يحيى القطّان : تساهلوا في أخذ التفسير عن قومٍ لا يثقونهم في الحديث ، ثمّ ذكر ليث بن أبي سليم وجُويبراً والضحّاك ومحمّد بن السائب وقال : هؤلاء لا يحمد حديثهم ، ويكتب التفسير عنهم )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) إحياء علوم الدين ١ : ٦٨ ـ ٦٩ .

(٢) ميزان الاعتدال ١ : ٤٢٧/ ١٥٩٣ .

٢٥٥

وفي( تقريب التهذيب ) :

( ضعيف جدّاً )(١) .

أبو صالح باذام

ومنهم : أبو صالح باذام ، وهو من رجال السنن الأربعة ، وذكروا له فضائل .

ولكن أورده الذهبي في( ميزان الإعتدال ) ونقل الكلمات في قدحه وجرحه فقال ما نصّه :

( باذام أبو صالح ، تابعي ، ضعّفه البخاري ، وقال النسائي : باذام ليس بثقة ، وقال ابن معين : ليس به بأس ، وقال ابن عدي : عامّة ما يرويه تفسير .

قلت : روى عن مولاته أُم هاني وأخيها عليّ وأبي هريرة وعنه : مالك بن مغول وسفيان الثوري وابن أُخته عمّار بن محمّد ، وقال يحيى القطّان : لم أر أحداً مِن أصحابنا ترك أبا صالح مولى أُم هاني ، وقال محمّد بن قيس عن حبيب بن أبي ثابت : كنّا نسمّي أبا صالح باذام مولى أُم هاني دروغزن ، وقال زكريّا بن أبي زائدة : كان الشعبي يمرّ بأبي صالح فيأخذ بأُذنه فيهزّها ويقول : ويلك ، تفسّر القرآن وأنت لا تحفظ القرآن ؟ !

وقال إسماعيل بن أبي خالد : كان أبو صالح يكذب ، فما سألته عن شيء إلاّ فسّره لي ، وروى ابن إدريس عن الأعمش قال : كنّا نأتي مجاهداً فنمرّ على أبي صالح وعنده بضعَةَ عشر غلاماً ما نرى أنّ عنده شيئاً .

ابن المديني : سمعت يحيى بن سعيد يذكر عن سفيان قال : قال الكلبي قال لي أبو صالح : كلّ ما حدّثتك كذب .

ـــــــــــــــــــ

(١) تقريب التهذيب ١ : ١٣٩/ ١٠٨٩ .

٢٥٦

وروى مفضّل بن مهلهل عن مغيرة قال : إنّما كان أبو صالح صاحب الكلبي يعلّم الصبيان ، وضعّف تفسيره ، وقال ابن معين : إذ روى عنه الكلبي فليس بشيء وقال عبد الحق في أحكامه : ضعيف جدّاً ، فأنكر هذه العبارة عليه أبو الحسن ابن القطّان )(١) .

وفي( الميزان ) أيضاً :

( أبو صالح مولى أُمّ هاني ، اسمه باذام ، تركه ابن مهدي وقوّاه غيره ، وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقويّ عندهم ، وانتصر له يحيى القطّان وقال : لم أرَ أحداً من أصحابنا تركه ، وما سمعنا أحداً يقول فيه شيئاً )(٢) .

ليث بن أبي سليم

ومنهم : ليث بن أبي سليم ، وقد وصفه بعضُهم بمحامدٍ كثيرة ومناقبٍ غزيرة ، لكنَّ غير واحدٍ مِن أعلامهم تكلّم فيه وجرحه ، فقد قال الذهبي في( ميزان الإعتدال ) :

( ليث بن أبي سليم الكوفي الليثي ، أحد العلماء .

قال أحمد : مضطربُ الحديث لكن حدّث عنه الناس ، وقال يحيى والنسائي : ضعيف ، وقال ابن معين أيضاً : لا بأس به ، وقال ابن حبّان : اختلط في آخر عمره ، وقال الدارقطني : كان صاحب سنّة ، إنّما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب ، وقال عبد الوارث : كان من أوعية العلم ، وقال أبو بكر ابن عيّاش : كان ليث مِن أكثر النّاس صلاةً وصياماً .

قلت : حدّث عنه شعبة وابن عليّة وأبو معاوية والنّاس ، وقال ابن إدريس : ما جلست إلى ليث إلاّ سمعت منه ما لم أسمع منه ، وقال عبد الله بن أحمد : حدّثنا أبي قال : ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأياً في أحد منه في ليث ومحمّد بن إسحاق وهمام ، لا يستطيع أحدٌ أنْ يراجعه فيهم .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٢٩٦/ ١١٢١ .

(٢) ميزان الاعتدال ٤ : ٥٣٨/ ١٠٣٠٢ .

٢٥٧

وقال ابن معين : ليث أضعف من عطاء بن السائب )(١) .

وفي( تذهيب التهذيب ) :

( قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث ، ولكن حدّث عنه النّاس ، وقال أيضاً : سمعت أبي يقول : ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأياً في أحدٍ في ليث ومحمّد بن إسحاق وهمام ، لا يستطيع أحد أنْ يراجعه فيهم ، وقال أيضاً : سمعت عثمان بن أبي شيبة قال : سألت جريراً عن ليث ، وعن عطاء بن السائب ، وعن يزيد بن أبي زياد فقال : كان يزيد أحسنهم استقامةً في الحديث ، ثمّ عطاء وكان ليث أكثر تخليطاً .

قال عبد الله : وسألت أبي عن هذا فقال : أقول كما قال جرير ، وقال أيضاً : قلت ليحيى بن معين : ليث بن أبي سليب أضعف مِن يزيد ابن أبي زياد وعطاء بن السائب ؟ قال : نعم ، وقال لي يحيى مرّة أُخرى : ليث أضعف مِن يزيد بن أبي زياد ، ويزيد فوقه في الحديث .

وقال معاوية بن صالح : عن يحيى بن معين : ليث بن أبي سليم ضعيف إلاّ أنّه يكتب حديثه ، وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري : حدّثنا يحيى بن معين ، عن يحيى بن سعيد القطّان أنّه كان لا يُحدّث عن ليث بن أبي سليم ، وقال عليّ بن المديني : سمعت يحيى يقول : مجالد أحبّ إليّ من ليث وحجّاج بن أرطاة .

وقال أيضاً : قلت لسفيان : إنّ ليث روى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جدّه رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضّأ ، فأنكر ذلك سفيان ، وعجب منه أنْ يكون جدّه طلحة لقي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال أبو معمر القطيعي : كان ابن عيينة يضعّف ليث بن أبي سليم .

وقال عليّ بن محمّد الطنافسي : سألت وكيعاً عن حديث من حديث ليث بن أبي سليم ، فقال : ليث كان سيفاً لا يسعى ليثاً .

وقال محمّد بن خلف التيمي عن قبيصة قال شعبة لليث بن أبي سليم : أنّى اجتمع لك عطاء وطاوس ومجاهد ؟ فقال : إذ أبوك يضرب بالخف ليلة عرسه .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٤٢٠ ـ ٤٢١/ ٦٩٩٧ .

٢٥٨

قال قبيصة : فقال رجل كان جالساً لسفيان : فما زال شعبة بغضاً لليث منذ يومئذ ، وقال ـ أي عبد الرحمان بن أبي حاتم ـ : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان : ليث لا يشتغل به ، هو مضطرب الحديث ، وقال أيضاً : سمعت أبا زرعة يقول : ليث بن أبي سليم ليّن الحديث ، لا يقوم به الحجّة عند أهل العلم بالحديث )(١) .

عبد الله بن أبي نجيح

ومنهم : عبد الله بن أبي نجيح ، وقد قال الذهبي بأنّه من الأئمّة الثقات ، وعن ابن المديني كونه من المحدّثين الأثبات... لكن البخاري نسب إليه القول بالقدَر ، وعن ابن المديني الجزم بكونه مِن القدريّة ، قال الذهبي :

( عبد الله بن أبي نجيح المكّي صاحب التفسير ، أخذ عن مجاهد وعطاء ، وهو من الأئمّة الثقات ، وقال يحيى القطّان : لم يسمع التفسير كلّه من مجاهد ، بل كلّه عن القاسم بن أبي بزّة ، وقال العقيلي : ثنا آدم بن موسى : سمعت البخاري قال : عبد الله بن أبي نجيح كان يُتّهم بالاعتزال والقدَر .

وقال ابن المديني : كان يرى الاعتزال ، وقال أحمد : أفسدوه بآخره وكان جالس عمرو بن عبيد ، وقال عليّ : سمعت القطّان يقول : ابن أبي نجيح من رؤوس الدعاة ، وقال ابن المديني أيضاً : أمّا الحديث فهو فيه ثقة ، وأمّا الرأي ، فكان قدريّاً معتزليّاً ، وقد ذكره الجوزجاني فيمن رمي بالقدر هو وزكريّا بن إسحاق وشبل بن عباد وابن أبي ذئب وسيف بن سليمان )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تذهيب التهذيب. تهذيب التهذيب ٨ : ٤١٨ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٥١٥/ ٤٦٥١ .

٢٥٩

هذا، وقد ذكر في( الميزان ) نقلاً عن النسائي أنّه كان يدلّس .

وكذا في( تقريب التهذيب ) (١) .

وقد تقدّم بعض الكلام في ذمّ القدريّة وذمّ التدليس ، ولا نعيد .

عيسى بن ميمون

ومنهم : عيسى بن ميمون ، الذي وثّقوه ، ولكنْ قالوا : إلاّ أنّه يرى القدر .

ففي( ميزان الإعتدال ) :

( عيسى بن ميمون ، أبو موسى المكّي ، الجرشي المعروف بابن دايه ، له تفسير صغير ، أخذ عن مجاهد وقيس بن سعد وابن أبي نجيح روى عنه ابن عيينة وأبو عاصم ، وقرأ القرآن عن ابن كثير وثّقه أبو حاتم وأبو داود وزاد : إلاّ أنّه يرى القدر ، وقال ابن معين : ليس به بأس )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) انظر تقريب التهذيب ١ : ٤٢٧/ ٤٠٦١ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٢٧/ ٦٦١٩ .

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456