استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام13%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227179 / تحميل: 8334
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وكيعٌ خيرٌ منك قال : منّي ؟ قلت : نعم ، فما قال لي شيئاً ، ولو قال شيئاً لوثب عليه أصحاب الحديث ، فبلغ ذلك وكيعاً فقال : يحيى صاحبنا )(١) .

وإنّما نُسِب إلى الرفض ؛ لأنّه كان يتكلّم في عثمان ولا يترحّم عليه ، ففي ترجمة الحسن بن صالح من(ميزان الاعتدال) وغيره :

( قال وكيع : هو عندي إمام ، فقيل : إنّه لا يترحّم على عثمان فقال : أفتترحّم أنت على الحجّاج )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ٣٣٦/ ٩٣٥٦ .

(٢) ميزان الاعتدال ـ ترجمة الحسن بن صالح ١ : ٤٩٩/ ١٨٦٩ .

٢٤١

عبد الرزّاق بن همّام

وأمّا عبد الرزّاق بن همّام... فقد ذكرت له المناقب العظيمة والفضائل الجليلة في مختلف الكتب ، نكتفي منها بما جاء في( مرآة الجنان ) حيث قال اليافعي في حوادث السنة ٢١١ :

( وفي السنة المذكورة : توفي الحافظ العلاّمة المرتحل إليه من الآفاق ، الشيخ الإمام عبد الرزّاق بن همّام ، اليمني الصنعاني الحميري ، صاحب المصنّفات ، عن ستٍّ وثمانين سنة روى عنك مَعْمَر وابن جريج والأوزاعي وطبقتهم ، ورحل إليه الأئمّة إلى اليمين قيل : ما رحل النّاس إلى أحدٍ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ما رحلوا إليه ، وروى عنه خلائق من أئمّة الإسلام ، منهم : الإمام سفيان بن عيينة ، والإمام يحيى بن معين ، وإسحاق بن راهويه ، وعليّ بن المديني ، ومحمود بن غيلان )(١) .

وفي( ميزان الاعتدال ) :

( [ع] عبد الرزّاق بن همّام بن نافع ، الإمام ، أبو بكر ، الحميري مولاهم ، الصنعاني ، أحد الأعلام الثقات ولد سنة ١٢٦ ، وطلب العلم وهو ابن عشرين سنة فقال : جالست مَعمَر بن راشد سبع سنين ، وقدِم الشام بتجارةٍ فحجّ ، وسمِع من ابن جريج ، وعبيد الله بن عُمر ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند ، وثور بن يزيد ، والأوزاعي وخلق ، وكَتب شيئاً كثيراً ، وصنّف الجامع الكبير ، وهو خزانة

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ٢ : ٤٠ .

٢٤٢

علم ، ورحل النّاس إليه : أحمد ، وإسحاق ، ويحيى ، والذهلي ، والرمادي وعبد )(١) .

ومع هذا كلّه ، فقد تكلّم فيه بعض الأئمّة واتّهمه غيره بالكذب !

قال الذهبي :

( أبو زرعة عبيد الله : حدّثنا عبد الله المسندي قال : ودّعت ابن عيينة فقلت : أُريد عبد الرزّاق ، قال : أخاف أنْ يكون من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا .

العقيلي : حدّثني أحمد بن دكين [زُكير] الحضرمي ، ثنا محمّد بن إسحاق بن يزيد البصري ، سمعت مخلّد الشعيري يقول : نت عند عبد الرزاق، فذكر رجل معاوية، فقال : لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان .

محمّد بن عثمان الثقفي الصري قال : لمّا قدم العبّاس بن عبد العظيم من صنعاء ، من عند عبد الرزّاق ، أتيناه فقال لنا ونحن جماعة : ألست قد تجشّمت الخروج إلى عبد الرزّاق ورحلت إليه وأقمت عنده ؟ والذي لا إله إلاّ هو : إنّ عبد الرزّاق كذّاب...)(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٦٠٩/ ٥٠٤٤ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٦١٠ ـ ٦١١ / ٥٠٤٤ .

٢٤٣

إسحاق بن راهويه

وأمّا إسحاق بن راهويه... فإنّه وإنْ كان من الأئمّة الأعلام والمحدّثين العظام ، لكنّه تغيّر في آخر عمره واختلط قال في( الميزان ) :

( قال أبو عبيد الله الآجري : سمعت أبا داود يقول : إسحاق بن راهويه تغيّر قبل أنْ يموت بخمسة أشهر ، وسمعت منه في تلك الأيّام فرُميت به ) .

قال :

( وذكر لشيخنا أبي الحجّاج حديث فقال : قيل : إسحاق اختلط في آخر عمره )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ١٨٣/ ٧٣٣ .

٢٤٤

روح بن عبادة

وأمّا روح بن عبادة ، وقد أثنى عليه جماعة من الأكابر كما في( تذهيب التهذيب ) حيث قال :

( روح بن عبادة بن العلاء بن حسّان القيسي أبو محمّد البصري ، أحد الحفّاظ والرؤساء ، عن حسين المعلّم وابن عون ووَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وحاتم بن أبي صغيرة وزكريّا بن إسحاق وابن جريج وعوف الأعرابي وخلقٌ كثير ، وعنه : أحمد وابن راهويه وإسحاق الكوسج وإبراهيم الجوزجاني وعدب بن حميد وأبو بكر الصاغاني ويحيى بن أبي طالب ، وخلائق مِن آخرهم الكديمي .

قال الكديمي : سمعت عليّ بن المديني يقول : نظرت لروح بن عبادة في أكثر من مئة ألف حديث ، كتبت منها عشرة آلاف .

قال يعقوب بن شيبة : كان روح أحد مَن تحمّل الحمالات ، وكان سريّاً مريّاً كثير الحديث جدّاً ، صدوقاً ، سمعت عليّ بن عبد الله يقول : مِن المحدّثين قومٌ لا يزالوا في الحديث... فطلبوا ثمّ صنّفوا ثمّ حدّثوا ، منهم روح بن عبادة .

وقال ابن معين : صدوق )(١) .

وقال ابن حجر :

( ثقةٌ فاضل ، له تصانيف )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تذهيب التهذيب وانظر تهذيب التهذيب ٣ : ٢٥٣/ ٥٤٩ .

(٢) تقريب التهذيب ١ : ٢٤٩/ ٢١٤٣ .

٢٤٥

فإنّ القواريري تكلّم فيه وأنكر عليه جملةً مِن أحاديثه .

وقال أبو حاتم : لا يحتجّ به .

وقال النسائي : ليس بقويّ .

وطعن فيه جماعة من الأئمّة قال الذهبي في( الميزان ) :

( روح بن عبادة بن العلاء بن حسّان البصري ، القيسي ، ثقةٌ مشهور، حافظ ، من علماء أهل البصرة عن حسين المعلّم وابن عون وخلقٌ ، وعنه : أحمد وعبد بن حميد وأبو بكر الصاغاني وخلق.

وروى الكديمي عن ابن المديني قال : نظرت لروح في أكثر من مئة ألف حديث ، كتبت منها عشرةَ آلاف .

وقال ابن معين وغيره : صدوق ، وتكلّم فيه القواريري بلا حجّة .

وقال ابن المديني : ذكر عبد الرحمان روح بن عبادة فقلت : لا تفعل ، فإنّ هاهنا قوماً يحملون كلامك ، فقال : أستغفر الله ، ثمّ دخل فتوضّأ ، يذهب إلى أنّ الغيبة تنقض الوضوء .

وقيل : إنّ عبد الرحمان تكلّم فيه ، لكونه وهم في إسناد ، فلا ضير ، وقال يعقوب بن شيبة : قال محمّد بن عمر : قال يحيى بن معين : هذا القواريري يحدّث عن عشرين شيخاً من الكذّابين ، ثمّ يقول : لا اُحدّث عن روح ، ثمّ قال يعقوب : وسمعتُ عفّان لا يرضى أمر روح بن عبادة ، ثمّ بلغني عنه أنّه قوّاه ، وقال أحمد بن الفرات : طعن على روح اثنا عشر رجلاً ، فلم ينفذ قولهم فيه .

وروى الكتاني عن أبي حاتم قال : لا يحتجّ به .

وقالس في العلل وفي الكنى : روح ليس بالقوي .

قلت : نعم ، عبد الرحمان بن مهدي أقوى منه ، وأمّا هو فصدوقٌ صاحب حديث ، وقال يعقوب بن شيبة : كان روح أحد مَن يتحمّل الحمالات ، وكان سرياً مريّاً ، صدوقاً ، كثير الحديث جدّاً ، وقال ابن المديني : لم يزل روح في الحديث منذ نشأ .

قال عليّ : وكان ابن مهدي يطعن على روح وينكر عليه أحاديث ابن أبي ذئب عن الزهري مسائل ، فلمّا قدمت على معن أخرجها لي وقال : هي عند بصري لكم ، سمعها معنا ، فأتيت عبد الرحمان فأخبرته فأحسبه قال : استحلّه لي .

٢٤٦

قال يعقوب بن شيبة : سمعت [عن] عفّان [أنّه] لا يرضى أمر روح بن عبادة ، وقال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود يقول : أكثر ما أنكر القواريري على روح تسعمئة حديث ، حدّث بها عن مالك سماعاً ، مات روح سنة خمس ومئتين )(١) .

عبد بن حميد

وأمّا عبد بن حُميد ، فإنّ فضائله ومكارمه مذكورة في( تذكرة الحفّاظ ) وغيره من الكتب(٢) .

لكنّ ابن تيميّة وأتباعه لا يرتضونه، لأنّه روى نزول قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ... ) الآية ، في أمير المؤمنين ( عليه الصّلاة والسّلام ) ، كما في( الدرّ المنثور ) بتفسيرها :

( أخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) الآية قال : نزلت في عليّ ابن أبي طالب )(٣) .

فقال ابن تيميّة :

( أجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في عليّ بخصوصه ) ، ثمّ قال :

( وأمّا أهل العلم الكبار أصحاب التفسير ، كمحمّد بن جرير الطبري ، وبقيّ بن مخلد ، وابن أبي حاتم ، وأبي بكر ابن المنذر ، وعبد الرحمان بن إبراهيم وأمثالهم ، فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات ، دع من هو أعلم منهم مثل : أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، بل لا يذكر مثل هذا عبد بن حميد ولا

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٥٨ ـ ٦٠/ ٢٨٠٢ .

(٢) تذكرة الحفّاظ ٢ : ٨٩/ ٥٥١ .

(٣) الدر المنثور ٣ : ١٠٥ .

٢٤٧

عبد الرزّاق ، مع أنّ عبد الرزّاق كان يميل إلى التشيّع ، ويروي كثيراً من فضائل عليّ ، وإنْ كانت ضعيفة ، لكنّه أجلّ قدراً من أنْ يروي مثل هذا الكذب الظاهر )(١) .

ومفهوم هذا الكلام أنّ ( عبد بن حميد ) ليس من أهل العلم الكبار أصحاب التفسير ، بل ليس من صغارهم ؛ لأنّ إخراج مثل هذا الحديث ليس مِن شأن العلماء... لكن ابن تيميّة في هذا الكلام ينكر أنْ يكون ابن جرير مثلاً من رواة هذا الحديث ، سبحانك اللّهم هذا بهتانٌ عظيم... فقد عرفت من كلام السيوطي روايته ، وكذا رواية ابن أبي حاتم...

سُنيد بن داود

وأمّا سُنيد ، فإنّه وإنْ ذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال ابن أبي حاتم : صدوق ، لكنْ تكلّم فيه غير واحدٍ من الأئمّة الأعلام .

قال الذهبي في( الميزان ) :

( سنيد بن داود المصيصي المحتسب ، واسمه الحسين ، عن حمّاد بن زيد وهشيم والطبقة ، حافظٌ له تفسير ، وله مَا ينكر .

أنبأنا ابن علان ، أنا الكندي ، عن القزّاز ، أنا الخطيب ، أنا ابن شاذان ، ثنا أبو سهل القطّان ، ثنا عبد الكريم بن الهيثم ، ثنا سُنيد ، نا فرج بن فضالة عن، معاوية بن صالح ، عن نافع قال : سرت مع ابن عمر فقال : طلعت الحمراء ؟ قلت : لا ، ثمّ قلت : قد طلعت ، فقال : لا مرحباً بها ولا أهلاً ، قلت : سبحان الله نجم سامع مطيع ، قال : ما قلت إلاّ ما سمعت من رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنّ الملائكة قالت : يا ربّ ! كيف صبرك على بني آدم ؟ قال : إنّي ابتليتهم وعافيتكم قالوا : لو كنّا مكانهم ما عصيناك قال : فاختاروا ملكين منكم ، فاختاروا هاروت وماروت ، فنزلا ، فألقى الله عليهما الشهوة ، فجاءت امرأة يُقال لها الزهرة..... ) ، وذكر الحديث بطوله .

روى عنه أبو زرعة والأثرم وجماعة صدّقه أبو حاتم .

وقال أبو داود : ولم يكن بذاك .

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥ ـ ٦ ، باختلافٍ يسير في بعض الألفاظ .

٢٤٨

وقال النسائي : الحسين بن داود ليس بثقة .

توفّي سُنيد سنة ستٍّ وعشرين ومئتين )(١) .

وقال ابن حجر :

( ضعيف ، مع إمامته ومعرفته ، لكونه كان يلقين حجّاج بن محمّد شيخه )(٢) .

بل إنّ السيوطي ذكر في( اللآلي المصنوعة ) تضعيف أبي داود والنسائي له ، نقلاً عن كتاب الموضوعات لابن الجوزي .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٢٣٦/ ٣٥٦٧ .

(٢) تقريب التهذيب ١ : ٣٢٣/ ٢٩٢٥ .

٢٤٩

ابن أبي شيبة

وأمّا أبو بكر ابن أبي شيبة ، فمناقبه وفضائله أشهر من أنْ تُذكر ، وأكثر من أنْ تُحصر ، قال المناوي في(فيض القدير) :

( ابن أبي شيبة ، الحافظ الثبت العديم النظير ، عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة العبْسي الكوفي ، صاحب المسند والأحكام والتفسير وغيرها... وعنه : الشيخان وأبو داود وابن ماجة وخلقٌ )(١) .

لكنّه لمّا روى تهديد عُمر بن الخطّاب فاطمة الزهراء بنت رسول الله وبضعته ، الصدّيقة الطاهرة ، بإحراق بتيها بمن فيه ، فقد قدح فيه وجرحه ابن روزبهان وبعض المتعصّبين من أمثاله .

أقول :

هذا بعض الكلام على أئمّة التفسير الذين ذكرهم السيوطي .

وقد رأينا من اللازم التعرّض لحالِ جمعٍ آخر من أئمّة التفسير من الطبقة الثانية والطبقة الثالثة ، الذين لم يذكرهم السيوطي ، تتميماً للبحث وتكميلاً للمرام...

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ : ٢٧ .

٢٥٠

ابن شهاب الزّهري

فمنهم: الزّهري... وصفه الشيخ عبد الحقّ الدهلوي في كتاب( تحصيل الكمال في أسماء الرجال ) بـ ( الإمام ، أحد الفقهاء والمحدّثين ، والعلماء الأعلام من التابعين بالمدينة ، المُشار إليه في فنون الشريعة )(١) وإليه نَسب الأعور الواسطي تفسير أهل السنّة ، نافياً رجوعهم في تفسير القرآن إلى أمير المؤمنين(٢) ...

إلاّ أنْ الدهلوي قال بعد ذلك بترجمته :

( ويُقال : إنّه قد ابتلي بصحبة الأُمراء بقلّة الديانة ، لضرورات عرضت له ، وكان أقرانه من العلماء والزهّاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه ، وكان يقول : أنا شريكٌ في خيرهم دون شرّهم ، فيقولون : ألا ترى ما هم فيه وتسكت ؟ ) .

وهنا يُناسب أنْ نورد كلام ابن الجوزي في ذمّ صحبة الأُمراء والسّلاطين ، فإنّه قال في( تلبيس إبليس ) :

( ومن تلبيس إبليس على الفقهاء : مخالطتهم للأُمراء والسلاطين ، ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم ، مع القدرة على ذلك ، وربّما رخّصوا لهم ما لا رخصة فيه ، لنالوا من دنياهم ، فيقع بذلك الفساد لثلاثة : الأوّل : الأمير ، فيقول : لولا أنّي على صوابٍ لأنكر عليَّ الفيه ، وكيف لا أكون مصيباً وهو يأكل من

ـــــــــــــــــــ

(١) تحصيل الكمال = رجال المشكاة .

(٢) رسالة الأعور الواسطين ـ مخطوط .

٢٥١

مالي ؟ والثاني : العامّي ، فإنّه يقول : لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله ، فإنّ فلاناً الفقيه لا يزال عنده والثالث: الفقيه ، يفسد دينه بذلك )(١) .

وقال الغزالي في( إحياء العلوم ) في علامات علماء الآخرة :

( ومنها : أنْ يكون منقبضاً عن السلاطين ، فلا يدخل عليهم البتّة ، ما دام يجد إلى الفرار عنهم سبيلاً ، بل ينبغي أنْ يحترز من مخالطتهم وإنْ جاؤوا إليه ، فإنّ الدنيا حلوةٌ خضرة وزمامها بأيدي السلاطين ، والمُخالط لهم لا يخلو عن تكلّف في طلب مرضاتهم واستمالة قلوبهم ، مع أنّهم ظَلَمة ، ويجب على كلّ متديّن الإنكار عليهم وتضييق صدورهم بإظهار ظلمهم وتقبيح فعلهم ، فالداخل عليهم إمّا أنْ يلتفت إلى تجهلهم ، فيزدري نعمة الله عليه ، أو يسكت عن الإنكار عليهم فيكون مداهناً لهم ، أو يتكلّف في كلامه كلاماً لمرضاتهم وتحسين أحوالهم ، وذلك هو البهت الصريح ، أو يطمع في أنْ ينال من دنياهم ، وذلك هو السحت ، وسيأتي في كتاب الحلال والحرام ما يجوز أنْ يُؤخذ من أموال السلاطين وما لا يجوز من الإدرار والجوائز وغيرها .

وعلى الجملة ، فمخالطتهم مفتاح الشرّ ، وعلماء الآخرة طريقتهم الاحتياط ، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من بدى جفا ، يعني من سكن البادية جفا ، ومن اتّبع الصيد غفل ، ومن أتى السلطان افتتن ) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( سيكون عليهم أُمراء تعرفون منه وتنكرون ، فمن أنكر فقد برئ ، ومن كره فقد سلِم ، ولكن من رضي وتابع أبعده الله تعالى ) . قيل : أفلا نقاتلهم ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا ، ما صلّوا ) .

وقال سفيان : في جهنّم وادٌ لا يسكنه إلاّ القرّاء الزائرون للملوك .

ـــــــــــــــــــ

(١) تلبيس إبليس : ١٤٠ ، مع بعض الاختلاف في الألفاظ .

٢٥٢

وقال حذيفةرضي‌الله‌عنه : إيّاكم ومواقف الفتن. قيل: وما هي ؟ قال : أبواب الأُمراء ، يدخل أحدكم على الأمير ، فيصدّقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( العلماء أُمناء الرسل على عباد الله تعالى ، ما لم يُخالطوا السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرُسُل ، فاحذروهم واعتزلوهم ) .

وقيل للأعمش : قد أحيَيت العلم لكثرة مَن يأخذه عنك ، فقال : لا تعجلوا ، ثلثٌ يموتون قبل الإدراك ، وثلثٌ يلزمون أبواب السلاطين فهم شرّ الخلق ، والثلث الباقي لا يفلح منهم إلاّ القليل .

ولذلك قال سعيد بن المسيّب : إذا رأيتم العالم يغشى الأُمراء فاحترزوا منه ، فإنّه لصّ .

وقال الأوزاعي : ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من عالم يزور عاملاً ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( شرار العلماء الذين يأتون الأُمراء ، وخيار الأُمراء الذين يأتون العلماء ) ، وقال مكحول الدمشقي : من تعلّم القرآن وتفقّه في الدين ثمّ أصحب السلطان تملّقاً إليه وطمعاً في يديه ، خاض في بحرٍ من نارِ جهنّم بعدد خُطاه .

وقال سحنون : ما أقبح بالعالم أنْ يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيُسئل عنه فيقال : إنّه عند الأمير .

قال : وكنت أسمع أنّه يُقال : إذا رأيتم العالم يحبّ الدنيا فاتّهموه على دينكم ، حتّى جرّبت ذلك ، إذ ما دخلت قطّ على السلطان إلاّ ما رأيت نفسي بعد الخروج ، وأنتم تعلمون وترون ما ألقاه به من الغلظة والفظاظة وكثرة المخالفة لهواه ، ولوددت أنْ أنجو من الدخول كفافاً ، مع أنّي لا آخذ منه شيئاً ولا أشرب لهم شربة ماء .

قال : وزماننا هذا شرٌّ من علماء بني إسرائيل ، يخبرون السلطان بالرّخص وبما يُوافق هواه ، ولو أخبروه بالذي عليه وفيه نجاته لاستثقلهم ، فكره دخولهم عليه ، وكان ذلك نجاةً لهم عند ربّهم .

٢٥٣

وقال الحسن : كان فيمن كان قبلكم رجلٌ له قِدمٌ في الإسلام وصحبةً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال عبد الله بن المبارك : عنى به سعد بن أبي وقّاصرضي‌الله‌عنه ـ وكان يغشى السلاطين ، فقعد عنهم ، فقال له بنوه : يأتي هؤلاء مَن ليس هو مثلك في الصحبة والقِدم في الإسلام ، فلو أتيتهم فقال : بني ! إنّ الدنيا جيفة وقد أحاط بها قومٌ ، والله لئن استطعت لا أُشاركهم فيها قالوا : يا أبانا ! إذاً تهلك هزلاً ، قال : يا بني ! لأنْ أموت مؤمناً مهزولاً ، أحبّ إليّ من أنْ أموت منافقاً سميناً .

قال الحسن رحمه الله تعالى : خصمهم والله ، إذ علِم أنّ التراب يأكل اللّحم والسمن دون الإيمان ، وفي هذا إشارة إلى أنّ الدخول على السلطان لا يَسلم فيه أحدٌ من النفاق البتّة ، وهو مضادٌّ للإيمان.

وقال أبو ذر لسلمة : يا سلمة ، لا تغشَ أبواب السلاطين ، فإنّك لا تصيب مِن دنياهم شيئاً ، إلاّ أصابوا مِن دينك أفضل منه .

وهذه فتنةٌ عظيمة للعلماء وذريعةٌ صعبة للشيطان عليهم ، لا سيّما مَن له لهجة مقبولة وكلامٌ حلو ، إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أنّ في وعظك لهم ودخولك عليهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم شعائر الشرع ، إلى أنْ يُخيّل إليه أنّ الدخول عليهم مِن الدين ، ثمّ إذا دخل لم يلبث أنْ يتلطّف في الكلام ويداهن ، ويخوض في الثناء والإطراء ، وفيه هلاك الدين .

وكان يُقال : العلماء إذا علموا عملوا ، فإذا عملوا شغلوا ، فإذا شغلوا فقدوا ، فإذا فقدوا طلبوا ، فإذا طلبوا هربوا .

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن رحمهما الله تعالى : أمّا بعد ؛ فأشر علَيّ بأقوامٍ أستعين بهم على أمر الله تعالى فكتب إليه : أمّا أهل الدين فلن يُريدوك ، وأمّا أهل الدنيا فلنْ تريدهم ، ولكن عليك بالأشراف ، فإنّهم يصونون شرفهم أنْ يدنّسوه بالخيانة .

٢٥٤

هذا في عمر بن عبد العزيز ، وكان أزهد أهل زمانه ، فإذا كان شرط أهل الدين الهرب منه ، فكيف يَستتب طلب غيره ومخالطته ، ولم يزل السلف العلماء مثل الحسن ، والثوري ، وابن المبارك ، والفضيل ، وإبراهيم بن أدهم ، ويوسف بن أسباط يتكلّمون في علماء الدنيا من أهل مكّة والشام ، إمّا لميلهم إلى الدّنيا أو لمخالطتهم السلاطين ، حتّى قال بعضهم لو قيل : مَن أحمق الناس ، لأخذت بيد القاضي وقلت : هذا )(١) .

جُويبِر بن سعيد

ومنهم : جُوبير بن سعيد ، وهو من رجال ابن ماجة ، ومن أئمّة التفسيري عندهم .

قال الذهبي بترجمته من( ميزان الاعتدال ) :

( جُويبِر بن سعيد ، أبو القاسم الأزدي البلخي ، المفسّر ، صاحب الضحّاك : قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال الجوزجاني : لا يشتغل به ، وقال النسائي والدارقطني وغيرهما : متروك الحديث .

قلت : له عن أنَس شيء ، وروى عنه حمّاد بن زيد بن أسلم وابن المبارك ويزيد بن هارون وطائفة .

أبو مالك : عن جُويبر ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس مرفوعاً قال : تجب الصّلاة على الغلام إذا عقل والصّوم إذا أطاق .

ويُروى عن جُويبِر عن الضحّاك عن ابن عبّاس حديث : من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يَرمد أبداً .

قال أبو قدامة السرخسي : قال يحيى القطّان : تساهلوا في أخذ التفسير عن قومٍ لا يثقونهم في الحديث ، ثمّ ذكر ليث بن أبي سليم وجُويبراً والضحّاك ومحمّد بن السائب وقال : هؤلاء لا يحمد حديثهم ، ويكتب التفسير عنهم )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) إحياء علوم الدين ١ : ٦٨ ـ ٦٩ .

(٢) ميزان الاعتدال ١ : ٤٢٧/ ١٥٩٣ .

٢٥٥

وفي( تقريب التهذيب ) :

( ضعيف جدّاً )(١) .

أبو صالح باذام

ومنهم : أبو صالح باذام ، وهو من رجال السنن الأربعة ، وذكروا له فضائل .

ولكن أورده الذهبي في( ميزان الإعتدال ) ونقل الكلمات في قدحه وجرحه فقال ما نصّه :

( باذام أبو صالح ، تابعي ، ضعّفه البخاري ، وقال النسائي : باذام ليس بثقة ، وقال ابن معين : ليس به بأس ، وقال ابن عدي : عامّة ما يرويه تفسير .

قلت : روى عن مولاته أُم هاني وأخيها عليّ وأبي هريرة وعنه : مالك بن مغول وسفيان الثوري وابن أُخته عمّار بن محمّد ، وقال يحيى القطّان : لم أر أحداً مِن أصحابنا ترك أبا صالح مولى أُم هاني ، وقال محمّد بن قيس عن حبيب بن أبي ثابت : كنّا نسمّي أبا صالح باذام مولى أُم هاني دروغزن ، وقال زكريّا بن أبي زائدة : كان الشعبي يمرّ بأبي صالح فيأخذ بأُذنه فيهزّها ويقول : ويلك ، تفسّر القرآن وأنت لا تحفظ القرآن ؟ !

وقال إسماعيل بن أبي خالد : كان أبو صالح يكذب ، فما سألته عن شيء إلاّ فسّره لي ، وروى ابن إدريس عن الأعمش قال : كنّا نأتي مجاهداً فنمرّ على أبي صالح وعنده بضعَةَ عشر غلاماً ما نرى أنّ عنده شيئاً .

ابن المديني : سمعت يحيى بن سعيد يذكر عن سفيان قال : قال الكلبي قال لي أبو صالح : كلّ ما حدّثتك كذب .

ـــــــــــــــــــ

(١) تقريب التهذيب ١ : ١٣٩/ ١٠٨٩ .

٢٥٦

وروى مفضّل بن مهلهل عن مغيرة قال : إنّما كان أبو صالح صاحب الكلبي يعلّم الصبيان ، وضعّف تفسيره ، وقال ابن معين : إذ روى عنه الكلبي فليس بشيء وقال عبد الحق في أحكامه : ضعيف جدّاً ، فأنكر هذه العبارة عليه أبو الحسن ابن القطّان )(١) .

وفي( الميزان ) أيضاً :

( أبو صالح مولى أُمّ هاني ، اسمه باذام ، تركه ابن مهدي وقوّاه غيره ، وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقويّ عندهم ، وانتصر له يحيى القطّان وقال : لم أرَ أحداً من أصحابنا تركه ، وما سمعنا أحداً يقول فيه شيئاً )(٢) .

ليث بن أبي سليم

ومنهم : ليث بن أبي سليم ، وقد وصفه بعضُهم بمحامدٍ كثيرة ومناقبٍ غزيرة ، لكنَّ غير واحدٍ مِن أعلامهم تكلّم فيه وجرحه ، فقد قال الذهبي في( ميزان الإعتدال ) :

( ليث بن أبي سليم الكوفي الليثي ، أحد العلماء .

قال أحمد : مضطربُ الحديث لكن حدّث عنه الناس ، وقال يحيى والنسائي : ضعيف ، وقال ابن معين أيضاً : لا بأس به ، وقال ابن حبّان : اختلط في آخر عمره ، وقال الدارقطني : كان صاحب سنّة ، إنّما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب ، وقال عبد الوارث : كان من أوعية العلم ، وقال أبو بكر ابن عيّاش : كان ليث مِن أكثر النّاس صلاةً وصياماً .

قلت : حدّث عنه شعبة وابن عليّة وأبو معاوية والنّاس ، وقال ابن إدريس : ما جلست إلى ليث إلاّ سمعت منه ما لم أسمع منه ، وقال عبد الله بن أحمد : حدّثنا أبي قال : ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأياً في أحد منه في ليث ومحمّد بن إسحاق وهمام ، لا يستطيع أحدٌ أنْ يراجعه فيهم .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٢٩٦/ ١١٢١ .

(٢) ميزان الاعتدال ٤ : ٥٣٨/ ١٠٣٠٢ .

٢٥٧

وقال ابن معين : ليث أضعف من عطاء بن السائب )(١) .

وفي( تذهيب التهذيب ) :

( قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث ، ولكن حدّث عنه النّاس ، وقال أيضاً : سمعت أبي يقول : ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأياً في أحدٍ في ليث ومحمّد بن إسحاق وهمام ، لا يستطيع أحد أنْ يراجعه فيهم ، وقال أيضاً : سمعت عثمان بن أبي شيبة قال : سألت جريراً عن ليث ، وعن عطاء بن السائب ، وعن يزيد بن أبي زياد فقال : كان يزيد أحسنهم استقامةً في الحديث ، ثمّ عطاء وكان ليث أكثر تخليطاً .

قال عبد الله : وسألت أبي عن هذا فقال : أقول كما قال جرير ، وقال أيضاً : قلت ليحيى بن معين : ليث بن أبي سليب أضعف مِن يزيد ابن أبي زياد وعطاء بن السائب ؟ قال : نعم ، وقال لي يحيى مرّة أُخرى : ليث أضعف مِن يزيد بن أبي زياد ، ويزيد فوقه في الحديث .

وقال معاوية بن صالح : عن يحيى بن معين : ليث بن أبي سليم ضعيف إلاّ أنّه يكتب حديثه ، وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري : حدّثنا يحيى بن معين ، عن يحيى بن سعيد القطّان أنّه كان لا يُحدّث عن ليث بن أبي سليم ، وقال عليّ بن المديني : سمعت يحيى يقول : مجالد أحبّ إليّ من ليث وحجّاج بن أرطاة .

وقال أيضاً : قلت لسفيان : إنّ ليث روى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جدّه رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضّأ ، فأنكر ذلك سفيان ، وعجب منه أنْ يكون جدّه طلحة لقي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال أبو معمر القطيعي : كان ابن عيينة يضعّف ليث بن أبي سليم .

وقال عليّ بن محمّد الطنافسي : سألت وكيعاً عن حديث من حديث ليث بن أبي سليم ، فقال : ليث كان سيفاً لا يسعى ليثاً .

وقال محمّد بن خلف التيمي عن قبيصة قال شعبة لليث بن أبي سليم : أنّى اجتمع لك عطاء وطاوس ومجاهد ؟ فقال : إذ أبوك يضرب بالخف ليلة عرسه .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٤٢٠ ـ ٤٢١/ ٦٩٩٧ .

٢٥٨

قال قبيصة : فقال رجل كان جالساً لسفيان : فما زال شعبة بغضاً لليث منذ يومئذ ، وقال ـ أي عبد الرحمان بن أبي حاتم ـ : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان : ليث لا يشتغل به ، هو مضطرب الحديث ، وقال أيضاً : سمعت أبا زرعة يقول : ليث بن أبي سليم ليّن الحديث ، لا يقوم به الحجّة عند أهل العلم بالحديث )(١) .

عبد الله بن أبي نجيح

ومنهم : عبد الله بن أبي نجيح ، وقد قال الذهبي بأنّه من الأئمّة الثقات ، وعن ابن المديني كونه من المحدّثين الأثبات... لكن البخاري نسب إليه القول بالقدَر ، وعن ابن المديني الجزم بكونه مِن القدريّة ، قال الذهبي :

( عبد الله بن أبي نجيح المكّي صاحب التفسير ، أخذ عن مجاهد وعطاء ، وهو من الأئمّة الثقات ، وقال يحيى القطّان : لم يسمع التفسير كلّه من مجاهد ، بل كلّه عن القاسم بن أبي بزّة ، وقال العقيلي : ثنا آدم بن موسى : سمعت البخاري قال : عبد الله بن أبي نجيح كان يُتّهم بالاعتزال والقدَر .

وقال ابن المديني : كان يرى الاعتزال ، وقال أحمد : أفسدوه بآخره وكان جالس عمرو بن عبيد ، وقال عليّ : سمعت القطّان يقول : ابن أبي نجيح من رؤوس الدعاة ، وقال ابن المديني أيضاً : أمّا الحديث فهو فيه ثقة ، وأمّا الرأي ، فكان قدريّاً معتزليّاً ، وقد ذكره الجوزجاني فيمن رمي بالقدر هو وزكريّا بن إسحاق وشبل بن عباد وابن أبي ذئب وسيف بن سليمان )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تذهيب التهذيب. تهذيب التهذيب ٨ : ٤١٨ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٥١٥/ ٤٦٥١ .

٢٥٩

هذا، وقد ذكر في( الميزان ) نقلاً عن النسائي أنّه كان يدلّس .

وكذا في( تقريب التهذيب ) (١) .

وقد تقدّم بعض الكلام في ذمّ القدريّة وذمّ التدليس ، ولا نعيد .

عيسى بن ميمون

ومنهم : عيسى بن ميمون ، الذي وثّقوه ، ولكنْ قالوا : إلاّ أنّه يرى القدر .

ففي( ميزان الإعتدال ) :

( عيسى بن ميمون ، أبو موسى المكّي ، الجرشي المعروف بابن دايه ، له تفسير صغير ، أخذ عن مجاهد وقيس بن سعد وابن أبي نجيح روى عنه ابن عيينة وأبو عاصم ، وقرأ القرآن عن ابن كثير وثّقه أبو حاتم وأبو داود وزاد : إلاّ أنّه يرى القدر ، وقال ابن معين : ليس به بأس )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) انظر تقريب التهذيب ١ : ٤٢٧/ ٤٠٦١ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٢٧/ ٦٦١٩ .

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الأدب خير مِن الذهب

يقول علي الإسكافي:

كنت حاجب أمير بغداد، وكنت أؤدِّي وظائف الحجابة وقد ساءت أوضاعي وأخذ الأمير يشكُّ بي، فأصدر أمراً بسجني ومُصادرة أموالي كلِّها، وسُجنت فترةً مِن الزمن وعانيت الذِّلَّ واليأس والألم.

في أحد الأيَّام أخبرني شرطة السجن بمجيء إسحاق بن إبراهيم الطاهري، رئيس شرطة بغداد وذلك لإحضاري، فانتابني القلق كثيراً، وخفت على حياتي فيئستُ مِن الحياة، ثمَّ اقتادوني إليه فسلَّمت عليه باحترام.

ضحك إسحاق وقال: إنَّ أخي عبد الله بن طاهر بعث لي برسالة مِن خراسان يتشفع لك، وقد وافق أمير بغداد على شفاعتي.

أصدر الأمير أمراً بإطلاق سراحي مِن السجن وأرجع جميع أموالي، ثمَّ قال لي: الآن يُمكنك الذهاب إلى بيتك فشكرت الله، ومِن شِدَّة الفرح انهمرت دموعي.

في اليوم الثاني ذهبت لزيارة الأمير إسحاق الطاهري، وشكرته على صنيعه الحسن، ودعوت الله له بالخير وقلت له: إنِّي لم أحضر لزيارة عبد الله وهولا يعرفني، فما هو السبب في عَطفه عليَّ وعنايته بيَّ.

فقال: قبل عِدَّة أيَّام وصلت رسالة مِن أخي وكتب فيها ما يلي: كانت مكاتيب أمير بغداد قبل الآن تُشعر باللُّطف والمُودَّة والمحبَّة، وكان حاجب الأمير يكتب عبارات رائقة، وكانت تلك الرسائل السبب في استحكام العَلاقات الحَسنة وتقوية العواطف والأُلفة فيما بيننا، وبعد مُدَّة تغيَّرت لهجة الرسائل، وبدت فيها الخشونة والسماجة.

ويقول: إنَّ هذه التغيُّرات كانت مِن قِبَل الأمير، حيث عزل الحاجب وسجنه

٣٠١

واستبدل بغيره، ولكن الحاجب السابق كان شخصاً عارفاً بوظيفته، وله أُسلوب خاصٌّ بكتابة الرسائل، وكان يُراعي مراتب الأدب والاحترام؛ فتجب مُساعدته ومعرفة معصيته، فإذا كانت قبالة للعفو فأنا أعفو عنه، وإذا كانت لمال فيُسدَّد مِن حسابي. اطُلب مِن الأمير العفو عنه وإرجاعه إلى عمله السابق.

وأنا قد أدَّيت رسالة أخي إلى الأمير، ولحُسن الحظِّ فقد قُبلت شفاعته عند الأمير.

بعد هذا التفصيل مِن قبل إسحاق الطاهري، أعطاني عشرة آلاف درهم، وقال: هذه هديَّة الأمير لحُبِّه لك، وبعد عِدَّة أيَّام رجعت إلى عملي السابق حاجباً للأمير، ورجعت عِزَّتي مَرَّة أُخرى، وحُلَّت مشاكلي واحدة تلو الأُخرى (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٢

.. والعافين عن الناس

والله يُحبُّ المُحسنين

أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد، قال: حدَّثني جَدَّي، قال: حدَّثني محمد بن جعفر وغيره، قالوا: وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل مِن أهل بيته، فأسمعه وشتمه، فلم يُكلِّمه. فلمَّا انصرف قال لجُلسائه: (قد سمعتم ما قال الرجل، وأنا أُحبُّ أنْ تبلغوا معي إليه حتَّى تسمعوا مِنِّي رَدِّي عليه).

قال: فقالوا له: نفعل، وقد كنَّا نُحبُّ أنْ تقول له وتقول، قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: ( ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .

فعلمنا أنَّه لا يقول له شيئاً.

قال: فخرج حتَّى أتى منزل الرجل، فنادى عليه، قال: (قولوا له: هذا علي بن الحسين).

قال: فخرج إلينا مُتوثِّباً للشَّرِّ، وهو لا يشكُّ أنَّه إنَّما جاء مُكافئاً له على ما كان منه: فقال له علي بن الحسين (عليه السلام):

(يا أخي، إنَّك كنت وقفت عليَّ آنفاً وقلت، فإنْ كنتَ قد قلتَ ما فيَّ، فأنا أستغفر الله منه، وإنْ كنتَ قلتَ ما ليس فيَّ، غَفر الله لك).

قال: فقبَّل الرجل ما بين عينيه وقال: بلى، قلت ما ليس فيك، وأنا أحقُّ به.

كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) قادراً على التحدُّث مع ذلك الرجل بخشونة، وعلى معُاقبته بموجب الموازين الشرعيَّة، ولكنَّه - فَضلاً عن كونه لم يشتدَّ في الكلام معه ولم يُعاقبه، فإنَّه - واجهه بكلِّ نُبل وأدب، وقابل عمله السيِّئ بالإحسان، فناداه أوَّلاً بـ: (يا أخي)، فأوجد بذلك جوَّاً مِن المَحبَّة والتفاهُم، ومِن ثمَّ أشار إلى أقواله. وعلى الرغم مِن وضوح الحقيقة، ومِن معرفة كليهما بمَن هو المُذنب، فإنَّ الإمام السّجاد (عليه السلام) لم يتَّهمه بالذنب، بلْ طلب مِن الله المغفرة للمُذنب الحقيقيِّ، بادئاً بنفسه (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٣

ما دخلت المسجد إلاَّ لأستغفرنَّ لك

حُكي أنَّ مالكاً الأشتر كان يجتاز سوق الكوفة، وعليه قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض السَّوقة فازدرى زيَّه، فرماه ببندقة تهاوناً به.

فمضى ولم يلتفت. فقيل له: ويلك! أتدري مَن رميت؟!

فقال: لا.

قيل له: هذا مالك، صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام) فارتعد الرجل ومضى إليه ليعتذر منه، فرآه وقد دخل مسجداً وهو قائم يُصلِّي فلمَّا انفتل، أكبَّ الرجل على قدميه يُقبِّلهما، فقال: ما الأمر؟

قال: أعتذر إليك مِمَّا صنعت.

فقال: لا بأس عليك؛ فوالله، ما دخلت المسجد إلاَّ لأستغفرنَّ لك (1).

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٤

مَن أنصف مِن نفسه لم يزده الله إلاَّ عِزَّاً

عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال:

(كان علي (عليه السلام) إذا صلَّى الفجر لم يزل مُعقبِّاً إلى أنْ تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفُقراء والمساكين وغيرهم مِن الناس فيُعلِّمهم الفقه والقرآن، وكان له وقت يقوم فيه مِن مجلسه ذلك، فقام يوماً فمَرَّ برجل فرماه بكلمةِ هجوٍ - قال: ولم يُسمِّه محمد بن علي (عليه السلام) - فرجع عَوده على بدئه، حتَّى صعد المنبر وأمر فنودي: الصلاة جامعة.

فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال:

أيُّها الناس، إنَّه ليس شيء أحبُّ إلى الله، ولا أعمَّ نفعاً مِن حِلم إمام وفقهه.

ولا شيء أبغض إلى الله ولا أعمَّ ضرراً مِن جهل إمام وخرقِهِ.

ألاْ وإنَّه مَن لم يكن له في نفسه واعظ لم يكن له مِن الله حافظ.

ألاْ وإنَّه مَن أنصف مِن نفسه لم يزده الله إلاَّ عِزَّاً.

ألا وإنَّ الذِّلَّ في طاعة الله أقرب إلى الله مِن التعزُّز في معصيته.

أما إنِّي لو أشاء لقلت..

فقال رجل: أو تعفو وتصفح فأنت أهلٌ لذلك.

فقال: عفوت وصفحت).

كثيراً ما اتَّفق في حياة الإمام علي (عليه السلام) أنْ تَجرَّأ عليه بعض الجَهلة، وافتروا عليه بعض الأقاويل، فعفا عنهم الإمام وقابل إساءتهم بالإحسان؛ إذ إنَّ العفو عنهم

٣٠٥

والتغاضي عن إساءاتهم لم يكن ليَنتج عنهما أيُّ ضررٍ، بلْ كانا أحياناً يُعتبران نوعاً مِن العقاب لهم على ترك هذه الرذيلة. ولكنْ في مثل هذه الحالات كان العفو مع السكوت يُسبب أضراراً، لأنَّ العفو مِن دون قيد ولا شرط كان كفيلاً بأنْ يُحمل على ضعف الإمام، وربَّما حمل المُسيء على المضيِّ في إساءاته أكثر؛ ولهذا عزم الإمام على تعنيف المُسيء وإخراج فِكرة الأعمال العدوانيَّة مِن رأسه (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٦

الإيمان عمل كلُّه والقول بعضه

عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: قلت له:

أيُّها العالِم، أخبرني أيُّ الأعمال أفضل عند الله؟

قال: (ما لا يقبل الله شيئاً إلاَّ به).

قلت: وما هو؟

قال: (الإيمان بالله الذي لا إله إلاّ هو أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حَظَّاً).

قال: قلت: ألا تُخبرني عن الإيمان، أهو قول وعمل، أم قول بلا عمل؟

فقال: (الإيمان عمل كلُّه، والقول بعض ذلك العمل، بغرض مِن الله بُيِّن في كتابه، واضح نوره، ثابتة حُجَّته، يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه).

قال: قلت: صِفه لي، جُعلت فداك! حتَّى أفهمه.

قال: (الإيمان حالات ودرجات وطبقات منازل، فمنه التامُّ المُنتهي تمامه، ومنه الناقص البيِّن نُقصانه، ومنه الراجح الزائد رُجحانه).

قلت: إنَّ الإيمان ليتمُّ وينقص ويزيد؟

قال: (نعم).

قلت: كيف ذلك؟

قال: (لأنَّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح (1) ابن آدم وقسَّمه عليها

____________________

(1) الجوارح في اللُّغة: هي الأعضاء التي بها يقوم الجسم بفعاليَّاته الإراديَّة، والتي يكسب بها الخير والشَّرَّ.

٣٠٧

وفرَّقه فيه، فليس مِن جوارحه حاجةً إلاَّ وقد وكِّلت مِن الإيمان بغير ما وكِّلت به أُختها، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم، وهو أمير بدنه الذي لا تَرِد الجوارح ولا تصدر إلاَّ عن رأيه وأمره...) (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٨

مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله

إنَّ أعرابيَّاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال:

يا رسول الله، الرجل يُقاتل للمَغنم، والرجل يُقاتل ليُذكر، والرجل يُقاتل ليُرى مكانه، فمَن في سبيل الله؟

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله) (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٩

الأمر إلى الله يضعه حيثُ يَشاء

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قبل الهِجرة، يغتنم فرصة تجمع القبائل والعشائر العربيَّة، التي كانت تَفِد على مَكَّة مِن كلِّ حَدبٍ وصوبٍ ليزورهم في مضاربهم يدعوهم إلى عبادة الأحد، وإلى التحرُّر مِن عبوديَّة الأصنام، ويُعلن لهم رسالة نبوَّته.

وذات مَرَّة، عندما كان التجمُّع قد اشتدَّ في مِنى، بدأ بإعلان دعوته، مُتَّجهاً أوَّلاً إلى مضارب بني كلب، ومِن ثمَّ إلى مضارب بني حنيفة، عارضاً على هاتين القبيلتين الدخول في الإسلام، ولكنَّهما رفضتا دعوته وردَّتاه، فاتَّجه إلى بني عامر وعرض عليهم الإسلام.

وكان رجل مِن رؤسائهم اسمه (بحيرة) قد جذبه مظهر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولهجته الرصينة النافذة، فقال: لو أُتيح لي أنْ أستميل هذا الرجل عن قريش إليَّ، لاستطعت وبقُدرته أُسيطر على العرب جميعاً وأستحوذ على طاعتهم.

ثمَّ التفت إلى رسول الله وقال: أرأيت إنْ نحن بايعناك على أمرك، ثمَّ أظهرك الله على مَن خالفك، أيكون لنا الأمر مِن بعدك؟

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (الأمر إلى الله يضعه حيثُ يَشاء).

فقال له: أفتُهدَفُ نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه.

لم يكن بنو عامر يُدركون ما في قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يفهموا معنى أنْ يكون الأمر لله يضعه حيثُ يشاء. ولو أنَّ نبيَّ الإسلام قَبِلَ - يومذاك - ما طلبه (بحيرة) لكان يَعد بني عامر مِن بعده، ويُحيي آمالهم بالمُستقبل، ولالتفَّ حوله أبناء تلك

٣١٠

القبيلة، يضعون تحت أمره كلَّ ما كان فيهم مِن قوَّة وسلاح، ولكنَّ الإسلام ينتشر بسُرعة، وكان هذا بذاته يُعدُّ نجاحاً كبيراً، وفائدة عُظمى. وكان قائد الإسلام، المبعوث مِن الله لتربية الإنسان، والقدوة في مكارم الأخلاق، ما كان ليخطو خُطوة لا تَّتفق وشرف الإنسانيَّة، ولا يَعِدُ بما لا حقيقة له (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣١١

الماء لا يُمنَع عن أحد

صِفِّين أرض تقع غرب نهر الفرات بين (الرقة) و(بالس)، حيث دارت رحى حربٍ ضَروسٍ بين جيش الإمام علي (عليه السلام) وجيش مُعاوية، أصابت كلا الطرفين بخسائر كبيرة، فقد جاء في بعض الروايات أنَّ جيش علي (عليه السلام) ضَمَّ تسعين ألف جنديٍّ، بينما بلغ جيش مُعاوية مِئة وعشرون ألفاً.

كانت أرض صِفِّين مُرتفعة عن نهر الفرات، فكانوا يستخدمون الدلاء للاستقاء. ولكنْ في المناطق المزدحمة بالقوافل وبالأنعام والأغنام التي ترد الماء، لم يكن للدلاء نفع كبير، فكان الناس قد شقُّوا طريقاً في المناطق المُنخفضة للوصول إلى شريعة الماء بحيواناتهم وإبلهم فيَردِونها ويحملون مِن الماء ما يحتاجونه في رحلتهم.

في صِفِّين كانت الشريعة عريضة تَفي لسقي كلا الجيشين دون عناء، ولوصول الفُرسان إلى الماء، هُمْ وخيولهم، لحمل ما يحتاجون مِن الماء. وقبل اندلاع حرب صِفِّين، عزم مُعاوية بن أبي سفيان على الاستيلاء على شريعة الفرات، ومنع جيش علي (عليه السلام) مِن الوصول إلى الماء، للتضييق عليهم، والانتصار في الحرب. ونفَّذ معاوية عزمه، فوَكَل لحراسة الشريعة جيشاً قوامه أربعون ألف جنديٍّ بإمرة أبي الأعور؛ ليمنعوا جيش علي (عليه السلام) عن الماء.

وإذ حاول نفر مِن جنود الإمام الوصول إلى الماء، منعهم جنود مُعاوية، وتجالدوا ساعة، ثمَّ عاد جنود الإمام إلى مُعسكرهم دون ماء. وانتشر خبر ضرب الحصار على شريعة الفرات، فغضب جنود الإمام، وأرادوا أنْ يبدأوا الهجوم بأسرع ما يُمكن لطرد جيش مُعاوية عن شريعة الماء، ولكنَّ الإمام علي (عليه السلام) لم يكن يُريد أنْ يكون هو البادئ بالحرب، فيحتكم إلى السيف قبل إتمام الحُجَّة على مُعاوية وجيشه.

٣١٢

ولكي يُبيِّن الموقف، استدعى عبد الله بن بديل، وصعصعة بن صوحان وشبث بن ربعي، وطلب إليهم الذهاب إلى مُعاوية ليقولوا له: إنَّه لم يأت بجيشه ليُحارب على الماء، فليأمر مُعاوية جنوده بإخلاء طريقهم إلى الماء.

انطلق أعضاء الوفد إلى مُعاوية وأبلغوه رسالة الإمام (عليه السلام)، وتحدَّثوا بأنفسهم عن الأمر أيضاً، وراحوا يُحذِّرون مُعاوية مِن إراقة الدماء وإشعال الفتنة. كما أنَّ بعضاً مِن حاشية مُعاوية الذين حضروا المجلس أوردوا بعض الكلام، وكان بعضهم شديد المُعارضة لاحتكار الماء، غير أنَّ مُعاوية ظلَّ مُصرَّاً على موقفه وردَّ الوفد خائباً.

رجع أعضاء الوفد وشرحوا للإمام ما جرى في مجلس مُعاوية.

وإذ سمع الجيش بالخبر اشتدَّ به الغضب، وتهيَّأ لخوض معركة دامية. وبعد أنْ أرخى الليل سُدوله وغَطَّى الظلام كلَّ شيء، خرج الإمام علي (عليه السلام) مِن خيمته يتفقَّد العسكر، فسمع الجنود في خيامهم يتحدَّثون عن ظلم مُعاوية، ومُحاصرة شريعة الماء، ومُشكلة العطش. كانوا يترنَّمون بالشعر الحماسيِّ، ويتحاورون في شؤون الحرب وهم ينتظرن صدور الأمر بالحرب.

وعند عودته إلى خيمته، دخل عليه الأشعث بن قيس، ثمَّ مالك الأشتر وأخذا يشرحان ظروف فُقدان الماء واستعداد الجنود للمُباشرة بالحرب، وطلبا مِن الإمام أنْ يُصدِر أمره بالهجوم على جيش مُعاوية لتحرير شريعة الماء، وإنهاء هذه الحالة الشائنة. كان الإمام قد أوفد وفده إلى مُعاوية وأتمَّ الحُجَّة عليه دون أنْ ينصاع مُعاوية للحقِّ، فلم يجد الإمام (عليه السلام) بُدَّاً مِن أنْ يأمر ببدء الحرب، فخاطبهم قائلاً:

(فإن القوم قد بدأوكم بالظلم، وفاتحوكم بالبغي واستقبلوكم بالعُدوان).

عاد مالك والأشعث إلى جنودهما قائلين لهم: مَن لا يخاف الموت فليتهيَّأ لبزوغ الفجر. فتطوَّع لذلك نحو اثني عشر ألف جنديٍّ. وبدأت الحرب عند بزوغ

٣١٣

الشمس. وكانت حرباً شديدة، قُتِل فيها مِن الجانبين خَلق كثير، ولكنَّ قتلى جيش الشام كان أكثر عدداً. وانتصر جيش الإمام (عليه السلام)، ودُحر جيش مُعاوية وانهزم ووقعت شريعة الماء بيد جيش الإمام.

بعد هذه الهزيمة سأل مُعاوية عمرو بن العاص: ما رأيك؟ ألا ترى أنَّ عليَّاً سيمنع الماء عنَّا؟ فردَّ عليه عمرو بن العاص قائلاً: لا أرى عليَّاً يمنع الماء عن مخلوق.

مضى على ذلك يومان مِن دون حادث بشأن الماء. وفي اليوم الثالث أرسل مُعاوية وفداً مؤلَّفاً مِن اثني عشر رجلاً إلى الإمام علي (عليه السلام) يستجيزونه في الاستسقاء، فقال قائلهم في حضرة الإمام (عليه السلام): ملكتَ فامنح، وجُد علينا الماء، وأعفُ عمَّا سلف مِن مُعاوية.

فقال لهم الإمام (عليه السلام): عودوا إلى مُعاوية وأبلغوه أنَّ أحداً لا يمنعهم عن الماء. وأمر أنْ يُنادى بذلك بين الجنود. فاستتبَّ الهدوء على شطِّ الفرات ثلاثة أيَّام، يَرِده كلا الطرفين. ولكنْ عادت إلى مُعاوية فِكرة الاستيلاء على الشطِّ واحتكار الماء، فبادر إلى خدعة يبعد بها جنود الإمام عن مواضعهم عند الشريعة، ليحتلَّ مواضعهم. فأمر أنْ يكتب على شاخص خشبي: يُحذِّركم واحد مِن عباد الله المُحبِّين لأهل العراق مِن أنَّ مُعاوية ينوي كسر سَدِّ الفرات ليَغرق الجنود على الشطَّ، فكونوا على حذر.

وفي الليل وضِع الشاخص في قوس ورُمي به بين جنود العراق. وعند طلوع الفجر لاحظ جنديٌّ الشاخص وقرأ ما عليه، وناوله غيره، حتَّى أوصلوه إلى الإمام (عليه السلام)، فقال: (هذه خدعة مِن مُعاوية، يُريد إرعابكم ليُشتَّتكم).

وعند الصُّبح شاهد العراقيُّون مئتين مِن جنود مُعاوية الأشدَّاء يحملون المعاول والمجارف، يقدمون إلى حيث سدِّ الفرات، وبدأوا التخريب فيه وهُمْ يتصايحون،

٣١٤

فصدَّق العراقيُّون مقولة صاحب الشاخص، وأنَّه قد نصح لهم، فارتأى القادة ورؤساء القبائل أنْ الصلاح في ترك شريعة الماء لينجوا بأنفسهم مِن خطر مُحتمل. ولم يأت المغرب حتَّى كانت الشريعة قد أُخليت مِن الجند ومِمَّا حولها مِن الخيام والمرابض.

وعند مُنتصف الليل أمر مُعاوية جنوده باحتلال الشريعة، وأنْ ينصبوا خيامهم بمكان خيام جند الإمام (عليه السلام). وعند الصُّبح أدرك العراقيُّون أنَّ مُعاوية قد خدعهم، وخجلوا مِن عدم تصديق الإمام، وندموا على ما فرط منهم، وجاء بعض الرؤساء يطلبون العفو مِن الإمام، ووعدوه ببذل كلِّ ما يستطيعون لجبر هذا الكسر الشائن. وتقدَّم مالك والأشعث يخطبان في الجنود، الذين كانوا يشعرون بالخجل وبالغضب، فأثارتهم خُطبهما وأهاجتهم، حتَّى إنَّهم جرَّدوا سيوفهم مِن أغمادها وتعاهدوا على الموت، وانحدروا نحو الميدان كالأسود الهائجة، واشتبكوا مع جُند مُعاوية في حرب ضَروس دمويَّة، فقُتل عدد مِن الجانبين، ولم ينقض النهار حتَّى ضعف جنود مُعاوية على المُقاومة وولُّوا الأدبار حتَّى ثلاثة فراسخ، وانتصر جيش الإمام علي (عليه السلام)، واستعاد سيطرته على شطِّ الفرات.

وتقدَّم الأشعث إلى الإمام علي (عليه السلام) يُهنِّئه بالانتصار ويستأذنه في منع الماء عن جيش مُعاوية، فرفض الإمام ذلك وقال: إنَّ الماء يجب أنْ يكون في مُتناول الجميع. ولكيلا يظنَّ مُعاوية أنَّه ممنوع مِن الماء، لم ينتظر الإمام مجيء وفد مِن مُعاوية، بلْ بادر بإرسال مبعوث يُخبر مُعاوية بأنَّه لا يُقابل عمله القبيح بمثله، وله أنْ يستقي لجنوده كالسابق.

٣١٥

هي حُرَّة لِمَمْشاك

عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: (جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد بلي ثوبه، فحمل إليه اثني عشر درهماً فقال: يا علي خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً ألبسه.

قال علي (عليه السلام): فجئت إلى السوق، فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً، وجئت به إلى رسول الله، فنظر إليه، فقال:

يا عليُّ غَيْرُ هذا أحبُّ إليَّ؛ أترى صاحبه يُقيلنا؟

فقلت: لا أدري.

فقال: انظُر.

فجئت إلى صاحبه، فقلت: إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كره هذا، يُريد ثوباً دونه؛ فأقلنا فيه، فردَّ عليَّ الدراهم وجئت بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصاً، فنظر فإذا جارية تبكي، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما شأنك؟

قالت: يا رسول الله، إنَّ أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة فضاعت، فلا أجسر أنْ أرجع إليهم.

أعطاها رسول الله أربعة دراهم وقال لها: إرجعي إلى أهلك.

ومضى رسول الله إلى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم ولبسه وحمد الله. وخرج فرأى رجلاً عُرياناً يقول: مَن كساني كساه الله مِن ثياب الجَنَّة، فخلع رسول الله قميصه الذي اشتراه وكسا السائل، ثمَّ رجع إلى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت قميصاً آخر فلبسه وحمد الله.

ورجع إلى منزله فإذا الجارية قاعدة على الطريق.

فقال لها رسول الله: ما لك لا تأتين أهلك؟

٣١٦

قالت: يا رسول الله، إنِّي قد أبطأت عليهم وأخاف أنْ يضربوني.

فقال لها رسول الله: مُرِّي بين يديَّ ودُلِّيني على أهلك.

فجاء رسول الله حتَّى وقف بباب دارهم، ثمَّ قال:السلام عليكم يا أهل الدار. فلم يُجيبوه، فأعاد السلام فلم يُجيبوه، فأعاد السلام، فقالوا: عليك السلام يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، فقال لهم: ما لكم تركتم إجابتي في أوَّل السلام والثاني.

قالوا: يا رسول الله، سمعنا سلامك فأحببنا أنْ نستكثر منه.

فقال رسول الله: إنَّ هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها.

فقالوا: يا رسول الله، هي حُرَّة لممشاك) (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣١٧

الآن يدخل كلامي في أُذنك

في القَرن السادس الهِجري وصل (ابن سلاَّر) - وكان ضابطاً في الجيش المصري - إلى مقام الوزارة، وراح يحكم الناس بكلِّ اقتدار.

كان هذا مِن جِهة شجاعاً نشيطاً ذكيَّاً، وكان مِن جِهة أُخرى أنانيَّاً فظَّاً ظالماً، وقد خدم أثناء حُكمه كثيراً، كما ظلم كثيراً.

عندما كان (ابن سلار) ضابطاً في الجيش، حكم عليه بدفع غرامة، فشكا الأمر إلى (أبي الكرم) مُحاسب الديوان وأوضح له الأمر. غير أنَّ أبا الكرم أهمل كلامه بحَقٍّ أو بدون حَقٍّ، وقال له: إنَّ كلامك لا يدخل في أُذني. فغضب ابن سلار منه وحقد عليه، وما أنْ تسلَّم مقام الوزارة حتَّى انتهز الفرصة للانتقام، فألقى القبض عليه، وأمر أنْ يدقَّ في أُذنه مسمار طويلاً، فدقَّ حتَّى خرج مِن أُذنه الأُخرى. ومع كلِّ صرخة مِن صرخات أبي الكرم عند طَرق المسمار في أُذنه، كان ابن سلار يقول له: الآن يدخل كلامي في أُذنك. ثمَّ أمر بشنق جُثَّته الهامدة بتعليقه مِن المسمار الداخل في رأسه.

لقد جرح أبو الكرم خاطر ابن سلار وأصاب قلبه بكلامه. ولو كان ابن سلار مِن ذوي السجايا الإنسانيَّة، سليم الفكر، لبرئ جُرح قلبه بعد بضعة أسابيع أو شهور، ولنَسي تلك الحادثة المُرَّة، ولكنَّه كان مُصاباً في فكره بفساد الأخلاق، فلم يلتئم جُرحه بسبب أنانيَّته وحِقده وحُبِّه للانتقام.

ولهذا، وبعد مرور عِدَّة سنوات ووصوله إلى الوزارة، ونيله فرصة للانتقام، انتقم مِن ذلك الكلام الجارح، وشفى غليله، ولكنَّه في سبيل ذلك ارتكب عملاً وحشيَّاً بعيداً عن الإنسانيَّة، فقتل رجلاً شَرَّ قتلة بسبب ما تفوَّه به (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣١٨

لم يُعطَ أحدٌ شيئاً أضرَّ له في آخرته

مِن طلاقة لسانه

أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعرابيٌّ وقال له:

ألستَ خيرنا أباً وأُمَّاً، وأكرمنا عقباً، ورئيسنا في الجاهليَّة والإسلام؟

فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: (يا أعرابيُّ، كمْ دون لسانك مِن حجاب؟).

قال: اثنان، شَفتان وأسنان.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (فما كان في واحد مِن هذين ما يردُّ عنَّا غرب لسانك هذا؟ أما إنَّه لم يُعطَ أحد في دنياه شيئاً هو أضرُّ له في آخرته مِن طلاقة لسانه. يا عليُّ، قُمْ فاقطع لسانه).

فظنَّ النّاس أنَّه يقطع لسانه، فأعطاه دراهم.

لقد كان كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بحيث إنَّ الحاضرين حسبوا أنَّ عليَّاً (عليه السلام) سوف يقطع لسانه فعلاً، ولكنَّ قائد الإسلام أعرب بكلماته الشديدة عن عدم استحسانه لما تفوَّه به الأعرابي مِن جِهة، وأفهم الحُضَّار، مِن جِهة أُخرى، أنَّ التملُّق والمُداجاة مِن العيوب الخلقية الكبيرة وأنَّ على المسلمين أنْ يحذروا التخلُّق بمثل هذا الخُلق المُذلِّ الشائن (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣١٩

المجالس بالأمانة

قيل لعلي بن الحسين (عليه السلام): إنَّ فلاناً ينسبك إلى أنَّك ضالٌّ مُبتدعٌ.

فقال للقائل: (ما رعيت حَقَّ مُجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أدَّيت حَقِّي حيث أبلغتني عن أخي ما لستُ أعلمه).

عندما يسمع البعض أحداً يغتاب صاحباً له ينقلون إليه الغيبة، بدلاً مِن أنْ يدافعوا عنه، ظانِّين أنَّهم بهذا يُقدِّمون خِدمة لصاحبهم مِن جِهة بإطلاعه على ما يُقال عنه، ويكشفون له، مِن جِهة أُخرى، مقدار ما يُكنُّونه له مِن حُبٍّ وصداقة، ولكنَّ الإمام السجاد (عليه السلام) اعتبر هذا العمل مُثيراً للفتنة ومِن العيوب المعنويَّة والسيِّئات الأخلاقيَّة، فقبَّح فعل النمَّام وانتقد عمله مِن جِهتين.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456