استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام13%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227137 / تحميل: 8331
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وكيعٌ خيرٌ منك قال : منّي ؟ قلت : نعم ، فما قال لي شيئاً ، ولو قال شيئاً لوثب عليه أصحاب الحديث ، فبلغ ذلك وكيعاً فقال : يحيى صاحبنا )(١) .

وإنّما نُسِب إلى الرفض ؛ لأنّه كان يتكلّم في عثمان ولا يترحّم عليه ، ففي ترجمة الحسن بن صالح من(ميزان الاعتدال) وغيره :

( قال وكيع : هو عندي إمام ، فقيل : إنّه لا يترحّم على عثمان فقال : أفتترحّم أنت على الحجّاج )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ٣٣٦/ ٩٣٥٦ .

(٢) ميزان الاعتدال ـ ترجمة الحسن بن صالح ١ : ٤٩٩/ ١٨٦٩ .

٢٤١

عبد الرزّاق بن همّام

وأمّا عبد الرزّاق بن همّام... فقد ذكرت له المناقب العظيمة والفضائل الجليلة في مختلف الكتب ، نكتفي منها بما جاء في( مرآة الجنان ) حيث قال اليافعي في حوادث السنة ٢١١ :

( وفي السنة المذكورة : توفي الحافظ العلاّمة المرتحل إليه من الآفاق ، الشيخ الإمام عبد الرزّاق بن همّام ، اليمني الصنعاني الحميري ، صاحب المصنّفات ، عن ستٍّ وثمانين سنة روى عنك مَعْمَر وابن جريج والأوزاعي وطبقتهم ، ورحل إليه الأئمّة إلى اليمين قيل : ما رحل النّاس إلى أحدٍ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ما رحلوا إليه ، وروى عنه خلائق من أئمّة الإسلام ، منهم : الإمام سفيان بن عيينة ، والإمام يحيى بن معين ، وإسحاق بن راهويه ، وعليّ بن المديني ، ومحمود بن غيلان )(١) .

وفي( ميزان الاعتدال ) :

( [ع] عبد الرزّاق بن همّام بن نافع ، الإمام ، أبو بكر ، الحميري مولاهم ، الصنعاني ، أحد الأعلام الثقات ولد سنة ١٢٦ ، وطلب العلم وهو ابن عشرين سنة فقال : جالست مَعمَر بن راشد سبع سنين ، وقدِم الشام بتجارةٍ فحجّ ، وسمِع من ابن جريج ، وعبيد الله بن عُمر ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند ، وثور بن يزيد ، والأوزاعي وخلق ، وكَتب شيئاً كثيراً ، وصنّف الجامع الكبير ، وهو خزانة

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ٢ : ٤٠ .

٢٤٢

علم ، ورحل النّاس إليه : أحمد ، وإسحاق ، ويحيى ، والذهلي ، والرمادي وعبد )(١) .

ومع هذا كلّه ، فقد تكلّم فيه بعض الأئمّة واتّهمه غيره بالكذب !

قال الذهبي :

( أبو زرعة عبيد الله : حدّثنا عبد الله المسندي قال : ودّعت ابن عيينة فقلت : أُريد عبد الرزّاق ، قال : أخاف أنْ يكون من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا .

العقيلي : حدّثني أحمد بن دكين [زُكير] الحضرمي ، ثنا محمّد بن إسحاق بن يزيد البصري ، سمعت مخلّد الشعيري يقول : نت عند عبد الرزاق، فذكر رجل معاوية، فقال : لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان .

محمّد بن عثمان الثقفي الصري قال : لمّا قدم العبّاس بن عبد العظيم من صنعاء ، من عند عبد الرزّاق ، أتيناه فقال لنا ونحن جماعة : ألست قد تجشّمت الخروج إلى عبد الرزّاق ورحلت إليه وأقمت عنده ؟ والذي لا إله إلاّ هو : إنّ عبد الرزّاق كذّاب...)(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٦٠٩/ ٥٠٤٤ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٦١٠ ـ ٦١١ / ٥٠٤٤ .

٢٤٣

إسحاق بن راهويه

وأمّا إسحاق بن راهويه... فإنّه وإنْ كان من الأئمّة الأعلام والمحدّثين العظام ، لكنّه تغيّر في آخر عمره واختلط قال في( الميزان ) :

( قال أبو عبيد الله الآجري : سمعت أبا داود يقول : إسحاق بن راهويه تغيّر قبل أنْ يموت بخمسة أشهر ، وسمعت منه في تلك الأيّام فرُميت به ) .

قال :

( وذكر لشيخنا أبي الحجّاج حديث فقال : قيل : إسحاق اختلط في آخر عمره )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ١٨٣/ ٧٣٣ .

٢٤٤

روح بن عبادة

وأمّا روح بن عبادة ، وقد أثنى عليه جماعة من الأكابر كما في( تذهيب التهذيب ) حيث قال :

( روح بن عبادة بن العلاء بن حسّان القيسي أبو محمّد البصري ، أحد الحفّاظ والرؤساء ، عن حسين المعلّم وابن عون ووَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وحاتم بن أبي صغيرة وزكريّا بن إسحاق وابن جريج وعوف الأعرابي وخلقٌ كثير ، وعنه : أحمد وابن راهويه وإسحاق الكوسج وإبراهيم الجوزجاني وعدب بن حميد وأبو بكر الصاغاني ويحيى بن أبي طالب ، وخلائق مِن آخرهم الكديمي .

قال الكديمي : سمعت عليّ بن المديني يقول : نظرت لروح بن عبادة في أكثر من مئة ألف حديث ، كتبت منها عشرة آلاف .

قال يعقوب بن شيبة : كان روح أحد مَن تحمّل الحمالات ، وكان سريّاً مريّاً كثير الحديث جدّاً ، صدوقاً ، سمعت عليّ بن عبد الله يقول : مِن المحدّثين قومٌ لا يزالوا في الحديث... فطلبوا ثمّ صنّفوا ثمّ حدّثوا ، منهم روح بن عبادة .

وقال ابن معين : صدوق )(١) .

وقال ابن حجر :

( ثقةٌ فاضل ، له تصانيف )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تذهيب التهذيب وانظر تهذيب التهذيب ٣ : ٢٥٣/ ٥٤٩ .

(٢) تقريب التهذيب ١ : ٢٤٩/ ٢١٤٣ .

٢٤٥

فإنّ القواريري تكلّم فيه وأنكر عليه جملةً مِن أحاديثه .

وقال أبو حاتم : لا يحتجّ به .

وقال النسائي : ليس بقويّ .

وطعن فيه جماعة من الأئمّة قال الذهبي في( الميزان ) :

( روح بن عبادة بن العلاء بن حسّان البصري ، القيسي ، ثقةٌ مشهور، حافظ ، من علماء أهل البصرة عن حسين المعلّم وابن عون وخلقٌ ، وعنه : أحمد وعبد بن حميد وأبو بكر الصاغاني وخلق.

وروى الكديمي عن ابن المديني قال : نظرت لروح في أكثر من مئة ألف حديث ، كتبت منها عشرةَ آلاف .

وقال ابن معين وغيره : صدوق ، وتكلّم فيه القواريري بلا حجّة .

وقال ابن المديني : ذكر عبد الرحمان روح بن عبادة فقلت : لا تفعل ، فإنّ هاهنا قوماً يحملون كلامك ، فقال : أستغفر الله ، ثمّ دخل فتوضّأ ، يذهب إلى أنّ الغيبة تنقض الوضوء .

وقيل : إنّ عبد الرحمان تكلّم فيه ، لكونه وهم في إسناد ، فلا ضير ، وقال يعقوب بن شيبة : قال محمّد بن عمر : قال يحيى بن معين : هذا القواريري يحدّث عن عشرين شيخاً من الكذّابين ، ثمّ يقول : لا اُحدّث عن روح ، ثمّ قال يعقوب : وسمعتُ عفّان لا يرضى أمر روح بن عبادة ، ثمّ بلغني عنه أنّه قوّاه ، وقال أحمد بن الفرات : طعن على روح اثنا عشر رجلاً ، فلم ينفذ قولهم فيه .

وروى الكتاني عن أبي حاتم قال : لا يحتجّ به .

وقالس في العلل وفي الكنى : روح ليس بالقوي .

قلت : نعم ، عبد الرحمان بن مهدي أقوى منه ، وأمّا هو فصدوقٌ صاحب حديث ، وقال يعقوب بن شيبة : كان روح أحد مَن يتحمّل الحمالات ، وكان سرياً مريّاً ، صدوقاً ، كثير الحديث جدّاً ، وقال ابن المديني : لم يزل روح في الحديث منذ نشأ .

قال عليّ : وكان ابن مهدي يطعن على روح وينكر عليه أحاديث ابن أبي ذئب عن الزهري مسائل ، فلمّا قدمت على معن أخرجها لي وقال : هي عند بصري لكم ، سمعها معنا ، فأتيت عبد الرحمان فأخبرته فأحسبه قال : استحلّه لي .

٢٤٦

قال يعقوب بن شيبة : سمعت [عن] عفّان [أنّه] لا يرضى أمر روح بن عبادة ، وقال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود يقول : أكثر ما أنكر القواريري على روح تسعمئة حديث ، حدّث بها عن مالك سماعاً ، مات روح سنة خمس ومئتين )(١) .

عبد بن حميد

وأمّا عبد بن حُميد ، فإنّ فضائله ومكارمه مذكورة في( تذكرة الحفّاظ ) وغيره من الكتب(٢) .

لكنّ ابن تيميّة وأتباعه لا يرتضونه، لأنّه روى نزول قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ... ) الآية ، في أمير المؤمنين ( عليه الصّلاة والسّلام ) ، كما في( الدرّ المنثور ) بتفسيرها :

( أخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) الآية قال : نزلت في عليّ ابن أبي طالب )(٣) .

فقال ابن تيميّة :

( أجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في عليّ بخصوصه ) ، ثمّ قال :

( وأمّا أهل العلم الكبار أصحاب التفسير ، كمحمّد بن جرير الطبري ، وبقيّ بن مخلد ، وابن أبي حاتم ، وأبي بكر ابن المنذر ، وعبد الرحمان بن إبراهيم وأمثالهم ، فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات ، دع من هو أعلم منهم مثل : أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، بل لا يذكر مثل هذا عبد بن حميد ولا

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٥٨ ـ ٦٠/ ٢٨٠٢ .

(٢) تذكرة الحفّاظ ٢ : ٨٩/ ٥٥١ .

(٣) الدر المنثور ٣ : ١٠٥ .

٢٤٧

عبد الرزّاق ، مع أنّ عبد الرزّاق كان يميل إلى التشيّع ، ويروي كثيراً من فضائل عليّ ، وإنْ كانت ضعيفة ، لكنّه أجلّ قدراً من أنْ يروي مثل هذا الكذب الظاهر )(١) .

ومفهوم هذا الكلام أنّ ( عبد بن حميد ) ليس من أهل العلم الكبار أصحاب التفسير ، بل ليس من صغارهم ؛ لأنّ إخراج مثل هذا الحديث ليس مِن شأن العلماء... لكن ابن تيميّة في هذا الكلام ينكر أنْ يكون ابن جرير مثلاً من رواة هذا الحديث ، سبحانك اللّهم هذا بهتانٌ عظيم... فقد عرفت من كلام السيوطي روايته ، وكذا رواية ابن أبي حاتم...

سُنيد بن داود

وأمّا سُنيد ، فإنّه وإنْ ذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال ابن أبي حاتم : صدوق ، لكنْ تكلّم فيه غير واحدٍ من الأئمّة الأعلام .

قال الذهبي في( الميزان ) :

( سنيد بن داود المصيصي المحتسب ، واسمه الحسين ، عن حمّاد بن زيد وهشيم والطبقة ، حافظٌ له تفسير ، وله مَا ينكر .

أنبأنا ابن علان ، أنا الكندي ، عن القزّاز ، أنا الخطيب ، أنا ابن شاذان ، ثنا أبو سهل القطّان ، ثنا عبد الكريم بن الهيثم ، ثنا سُنيد ، نا فرج بن فضالة عن، معاوية بن صالح ، عن نافع قال : سرت مع ابن عمر فقال : طلعت الحمراء ؟ قلت : لا ، ثمّ قلت : قد طلعت ، فقال : لا مرحباً بها ولا أهلاً ، قلت : سبحان الله نجم سامع مطيع ، قال : ما قلت إلاّ ما سمعت من رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنّ الملائكة قالت : يا ربّ ! كيف صبرك على بني آدم ؟ قال : إنّي ابتليتهم وعافيتكم قالوا : لو كنّا مكانهم ما عصيناك قال : فاختاروا ملكين منكم ، فاختاروا هاروت وماروت ، فنزلا ، فألقى الله عليهما الشهوة ، فجاءت امرأة يُقال لها الزهرة..... ) ، وذكر الحديث بطوله .

روى عنه أبو زرعة والأثرم وجماعة صدّقه أبو حاتم .

وقال أبو داود : ولم يكن بذاك .

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥ ـ ٦ ، باختلافٍ يسير في بعض الألفاظ .

٢٤٨

وقال النسائي : الحسين بن داود ليس بثقة .

توفّي سُنيد سنة ستٍّ وعشرين ومئتين )(١) .

وقال ابن حجر :

( ضعيف ، مع إمامته ومعرفته ، لكونه كان يلقين حجّاج بن محمّد شيخه )(٢) .

بل إنّ السيوطي ذكر في( اللآلي المصنوعة ) تضعيف أبي داود والنسائي له ، نقلاً عن كتاب الموضوعات لابن الجوزي .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٢٣٦/ ٣٥٦٧ .

(٢) تقريب التهذيب ١ : ٣٢٣/ ٢٩٢٥ .

٢٤٩

ابن أبي شيبة

وأمّا أبو بكر ابن أبي شيبة ، فمناقبه وفضائله أشهر من أنْ تُذكر ، وأكثر من أنْ تُحصر ، قال المناوي في(فيض القدير) :

( ابن أبي شيبة ، الحافظ الثبت العديم النظير ، عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة العبْسي الكوفي ، صاحب المسند والأحكام والتفسير وغيرها... وعنه : الشيخان وأبو داود وابن ماجة وخلقٌ )(١) .

لكنّه لمّا روى تهديد عُمر بن الخطّاب فاطمة الزهراء بنت رسول الله وبضعته ، الصدّيقة الطاهرة ، بإحراق بتيها بمن فيه ، فقد قدح فيه وجرحه ابن روزبهان وبعض المتعصّبين من أمثاله .

أقول :

هذا بعض الكلام على أئمّة التفسير الذين ذكرهم السيوطي .

وقد رأينا من اللازم التعرّض لحالِ جمعٍ آخر من أئمّة التفسير من الطبقة الثانية والطبقة الثالثة ، الذين لم يذكرهم السيوطي ، تتميماً للبحث وتكميلاً للمرام...

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ : ٢٧ .

٢٥٠

ابن شهاب الزّهري

فمنهم: الزّهري... وصفه الشيخ عبد الحقّ الدهلوي في كتاب( تحصيل الكمال في أسماء الرجال ) بـ ( الإمام ، أحد الفقهاء والمحدّثين ، والعلماء الأعلام من التابعين بالمدينة ، المُشار إليه في فنون الشريعة )(١) وإليه نَسب الأعور الواسطي تفسير أهل السنّة ، نافياً رجوعهم في تفسير القرآن إلى أمير المؤمنين(٢) ...

إلاّ أنْ الدهلوي قال بعد ذلك بترجمته :

( ويُقال : إنّه قد ابتلي بصحبة الأُمراء بقلّة الديانة ، لضرورات عرضت له ، وكان أقرانه من العلماء والزهّاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه ، وكان يقول : أنا شريكٌ في خيرهم دون شرّهم ، فيقولون : ألا ترى ما هم فيه وتسكت ؟ ) .

وهنا يُناسب أنْ نورد كلام ابن الجوزي في ذمّ صحبة الأُمراء والسّلاطين ، فإنّه قال في( تلبيس إبليس ) :

( ومن تلبيس إبليس على الفقهاء : مخالطتهم للأُمراء والسلاطين ، ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم ، مع القدرة على ذلك ، وربّما رخّصوا لهم ما لا رخصة فيه ، لنالوا من دنياهم ، فيقع بذلك الفساد لثلاثة : الأوّل : الأمير ، فيقول : لولا أنّي على صوابٍ لأنكر عليَّ الفيه ، وكيف لا أكون مصيباً وهو يأكل من

ـــــــــــــــــــ

(١) تحصيل الكمال = رجال المشكاة .

(٢) رسالة الأعور الواسطين ـ مخطوط .

٢٥١

مالي ؟ والثاني : العامّي ، فإنّه يقول : لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله ، فإنّ فلاناً الفقيه لا يزال عنده والثالث: الفقيه ، يفسد دينه بذلك )(١) .

وقال الغزالي في( إحياء العلوم ) في علامات علماء الآخرة :

( ومنها : أنْ يكون منقبضاً عن السلاطين ، فلا يدخل عليهم البتّة ، ما دام يجد إلى الفرار عنهم سبيلاً ، بل ينبغي أنْ يحترز من مخالطتهم وإنْ جاؤوا إليه ، فإنّ الدنيا حلوةٌ خضرة وزمامها بأيدي السلاطين ، والمُخالط لهم لا يخلو عن تكلّف في طلب مرضاتهم واستمالة قلوبهم ، مع أنّهم ظَلَمة ، ويجب على كلّ متديّن الإنكار عليهم وتضييق صدورهم بإظهار ظلمهم وتقبيح فعلهم ، فالداخل عليهم إمّا أنْ يلتفت إلى تجهلهم ، فيزدري نعمة الله عليه ، أو يسكت عن الإنكار عليهم فيكون مداهناً لهم ، أو يتكلّف في كلامه كلاماً لمرضاتهم وتحسين أحوالهم ، وذلك هو البهت الصريح ، أو يطمع في أنْ ينال من دنياهم ، وذلك هو السحت ، وسيأتي في كتاب الحلال والحرام ما يجوز أنْ يُؤخذ من أموال السلاطين وما لا يجوز من الإدرار والجوائز وغيرها .

وعلى الجملة ، فمخالطتهم مفتاح الشرّ ، وعلماء الآخرة طريقتهم الاحتياط ، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من بدى جفا ، يعني من سكن البادية جفا ، ومن اتّبع الصيد غفل ، ومن أتى السلطان افتتن ) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( سيكون عليهم أُمراء تعرفون منه وتنكرون ، فمن أنكر فقد برئ ، ومن كره فقد سلِم ، ولكن من رضي وتابع أبعده الله تعالى ) . قيل : أفلا نقاتلهم ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا ، ما صلّوا ) .

وقال سفيان : في جهنّم وادٌ لا يسكنه إلاّ القرّاء الزائرون للملوك .

ـــــــــــــــــــ

(١) تلبيس إبليس : ١٤٠ ، مع بعض الاختلاف في الألفاظ .

٢٥٢

وقال حذيفةرضي‌الله‌عنه : إيّاكم ومواقف الفتن. قيل: وما هي ؟ قال : أبواب الأُمراء ، يدخل أحدكم على الأمير ، فيصدّقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( العلماء أُمناء الرسل على عباد الله تعالى ، ما لم يُخالطوا السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرُسُل ، فاحذروهم واعتزلوهم ) .

وقيل للأعمش : قد أحيَيت العلم لكثرة مَن يأخذه عنك ، فقال : لا تعجلوا ، ثلثٌ يموتون قبل الإدراك ، وثلثٌ يلزمون أبواب السلاطين فهم شرّ الخلق ، والثلث الباقي لا يفلح منهم إلاّ القليل .

ولذلك قال سعيد بن المسيّب : إذا رأيتم العالم يغشى الأُمراء فاحترزوا منه ، فإنّه لصّ .

وقال الأوزاعي : ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من عالم يزور عاملاً ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( شرار العلماء الذين يأتون الأُمراء ، وخيار الأُمراء الذين يأتون العلماء ) ، وقال مكحول الدمشقي : من تعلّم القرآن وتفقّه في الدين ثمّ أصحب السلطان تملّقاً إليه وطمعاً في يديه ، خاض في بحرٍ من نارِ جهنّم بعدد خُطاه .

وقال سحنون : ما أقبح بالعالم أنْ يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيُسئل عنه فيقال : إنّه عند الأمير .

قال : وكنت أسمع أنّه يُقال : إذا رأيتم العالم يحبّ الدنيا فاتّهموه على دينكم ، حتّى جرّبت ذلك ، إذ ما دخلت قطّ على السلطان إلاّ ما رأيت نفسي بعد الخروج ، وأنتم تعلمون وترون ما ألقاه به من الغلظة والفظاظة وكثرة المخالفة لهواه ، ولوددت أنْ أنجو من الدخول كفافاً ، مع أنّي لا آخذ منه شيئاً ولا أشرب لهم شربة ماء .

قال : وزماننا هذا شرٌّ من علماء بني إسرائيل ، يخبرون السلطان بالرّخص وبما يُوافق هواه ، ولو أخبروه بالذي عليه وفيه نجاته لاستثقلهم ، فكره دخولهم عليه ، وكان ذلك نجاةً لهم عند ربّهم .

٢٥٣

وقال الحسن : كان فيمن كان قبلكم رجلٌ له قِدمٌ في الإسلام وصحبةً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال عبد الله بن المبارك : عنى به سعد بن أبي وقّاصرضي‌الله‌عنه ـ وكان يغشى السلاطين ، فقعد عنهم ، فقال له بنوه : يأتي هؤلاء مَن ليس هو مثلك في الصحبة والقِدم في الإسلام ، فلو أتيتهم فقال : بني ! إنّ الدنيا جيفة وقد أحاط بها قومٌ ، والله لئن استطعت لا أُشاركهم فيها قالوا : يا أبانا ! إذاً تهلك هزلاً ، قال : يا بني ! لأنْ أموت مؤمناً مهزولاً ، أحبّ إليّ من أنْ أموت منافقاً سميناً .

قال الحسن رحمه الله تعالى : خصمهم والله ، إذ علِم أنّ التراب يأكل اللّحم والسمن دون الإيمان ، وفي هذا إشارة إلى أنّ الدخول على السلطان لا يَسلم فيه أحدٌ من النفاق البتّة ، وهو مضادٌّ للإيمان.

وقال أبو ذر لسلمة : يا سلمة ، لا تغشَ أبواب السلاطين ، فإنّك لا تصيب مِن دنياهم شيئاً ، إلاّ أصابوا مِن دينك أفضل منه .

وهذه فتنةٌ عظيمة للعلماء وذريعةٌ صعبة للشيطان عليهم ، لا سيّما مَن له لهجة مقبولة وكلامٌ حلو ، إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أنّ في وعظك لهم ودخولك عليهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم شعائر الشرع ، إلى أنْ يُخيّل إليه أنّ الدخول عليهم مِن الدين ، ثمّ إذا دخل لم يلبث أنْ يتلطّف في الكلام ويداهن ، ويخوض في الثناء والإطراء ، وفيه هلاك الدين .

وكان يُقال : العلماء إذا علموا عملوا ، فإذا عملوا شغلوا ، فإذا شغلوا فقدوا ، فإذا فقدوا طلبوا ، فإذا طلبوا هربوا .

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن رحمهما الله تعالى : أمّا بعد ؛ فأشر علَيّ بأقوامٍ أستعين بهم على أمر الله تعالى فكتب إليه : أمّا أهل الدين فلن يُريدوك ، وأمّا أهل الدنيا فلنْ تريدهم ، ولكن عليك بالأشراف ، فإنّهم يصونون شرفهم أنْ يدنّسوه بالخيانة .

٢٥٤

هذا في عمر بن عبد العزيز ، وكان أزهد أهل زمانه ، فإذا كان شرط أهل الدين الهرب منه ، فكيف يَستتب طلب غيره ومخالطته ، ولم يزل السلف العلماء مثل الحسن ، والثوري ، وابن المبارك ، والفضيل ، وإبراهيم بن أدهم ، ويوسف بن أسباط يتكلّمون في علماء الدنيا من أهل مكّة والشام ، إمّا لميلهم إلى الدّنيا أو لمخالطتهم السلاطين ، حتّى قال بعضهم لو قيل : مَن أحمق الناس ، لأخذت بيد القاضي وقلت : هذا )(١) .

جُويبِر بن سعيد

ومنهم : جُوبير بن سعيد ، وهو من رجال ابن ماجة ، ومن أئمّة التفسيري عندهم .

قال الذهبي بترجمته من( ميزان الاعتدال ) :

( جُويبِر بن سعيد ، أبو القاسم الأزدي البلخي ، المفسّر ، صاحب الضحّاك : قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال الجوزجاني : لا يشتغل به ، وقال النسائي والدارقطني وغيرهما : متروك الحديث .

قلت : له عن أنَس شيء ، وروى عنه حمّاد بن زيد بن أسلم وابن المبارك ويزيد بن هارون وطائفة .

أبو مالك : عن جُويبر ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس مرفوعاً قال : تجب الصّلاة على الغلام إذا عقل والصّوم إذا أطاق .

ويُروى عن جُويبِر عن الضحّاك عن ابن عبّاس حديث : من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يَرمد أبداً .

قال أبو قدامة السرخسي : قال يحيى القطّان : تساهلوا في أخذ التفسير عن قومٍ لا يثقونهم في الحديث ، ثمّ ذكر ليث بن أبي سليم وجُويبراً والضحّاك ومحمّد بن السائب وقال : هؤلاء لا يحمد حديثهم ، ويكتب التفسير عنهم )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) إحياء علوم الدين ١ : ٦٨ ـ ٦٩ .

(٢) ميزان الاعتدال ١ : ٤٢٧/ ١٥٩٣ .

٢٥٥

وفي( تقريب التهذيب ) :

( ضعيف جدّاً )(١) .

أبو صالح باذام

ومنهم : أبو صالح باذام ، وهو من رجال السنن الأربعة ، وذكروا له فضائل .

ولكن أورده الذهبي في( ميزان الإعتدال ) ونقل الكلمات في قدحه وجرحه فقال ما نصّه :

( باذام أبو صالح ، تابعي ، ضعّفه البخاري ، وقال النسائي : باذام ليس بثقة ، وقال ابن معين : ليس به بأس ، وقال ابن عدي : عامّة ما يرويه تفسير .

قلت : روى عن مولاته أُم هاني وأخيها عليّ وأبي هريرة وعنه : مالك بن مغول وسفيان الثوري وابن أُخته عمّار بن محمّد ، وقال يحيى القطّان : لم أر أحداً مِن أصحابنا ترك أبا صالح مولى أُم هاني ، وقال محمّد بن قيس عن حبيب بن أبي ثابت : كنّا نسمّي أبا صالح باذام مولى أُم هاني دروغزن ، وقال زكريّا بن أبي زائدة : كان الشعبي يمرّ بأبي صالح فيأخذ بأُذنه فيهزّها ويقول : ويلك ، تفسّر القرآن وأنت لا تحفظ القرآن ؟ !

وقال إسماعيل بن أبي خالد : كان أبو صالح يكذب ، فما سألته عن شيء إلاّ فسّره لي ، وروى ابن إدريس عن الأعمش قال : كنّا نأتي مجاهداً فنمرّ على أبي صالح وعنده بضعَةَ عشر غلاماً ما نرى أنّ عنده شيئاً .

ابن المديني : سمعت يحيى بن سعيد يذكر عن سفيان قال : قال الكلبي قال لي أبو صالح : كلّ ما حدّثتك كذب .

ـــــــــــــــــــ

(١) تقريب التهذيب ١ : ١٣٩/ ١٠٨٩ .

٢٥٦

وروى مفضّل بن مهلهل عن مغيرة قال : إنّما كان أبو صالح صاحب الكلبي يعلّم الصبيان ، وضعّف تفسيره ، وقال ابن معين : إذ روى عنه الكلبي فليس بشيء وقال عبد الحق في أحكامه : ضعيف جدّاً ، فأنكر هذه العبارة عليه أبو الحسن ابن القطّان )(١) .

وفي( الميزان ) أيضاً :

( أبو صالح مولى أُمّ هاني ، اسمه باذام ، تركه ابن مهدي وقوّاه غيره ، وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقويّ عندهم ، وانتصر له يحيى القطّان وقال : لم أرَ أحداً من أصحابنا تركه ، وما سمعنا أحداً يقول فيه شيئاً )(٢) .

ليث بن أبي سليم

ومنهم : ليث بن أبي سليم ، وقد وصفه بعضُهم بمحامدٍ كثيرة ومناقبٍ غزيرة ، لكنَّ غير واحدٍ مِن أعلامهم تكلّم فيه وجرحه ، فقد قال الذهبي في( ميزان الإعتدال ) :

( ليث بن أبي سليم الكوفي الليثي ، أحد العلماء .

قال أحمد : مضطربُ الحديث لكن حدّث عنه الناس ، وقال يحيى والنسائي : ضعيف ، وقال ابن معين أيضاً : لا بأس به ، وقال ابن حبّان : اختلط في آخر عمره ، وقال الدارقطني : كان صاحب سنّة ، إنّما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب ، وقال عبد الوارث : كان من أوعية العلم ، وقال أبو بكر ابن عيّاش : كان ليث مِن أكثر النّاس صلاةً وصياماً .

قلت : حدّث عنه شعبة وابن عليّة وأبو معاوية والنّاس ، وقال ابن إدريس : ما جلست إلى ليث إلاّ سمعت منه ما لم أسمع منه ، وقال عبد الله بن أحمد : حدّثنا أبي قال : ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأياً في أحد منه في ليث ومحمّد بن إسحاق وهمام ، لا يستطيع أحدٌ أنْ يراجعه فيهم .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٢٩٦/ ١١٢١ .

(٢) ميزان الاعتدال ٤ : ٥٣٨/ ١٠٣٠٢ .

٢٥٧

وقال ابن معين : ليث أضعف من عطاء بن السائب )(١) .

وفي( تذهيب التهذيب ) :

( قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث ، ولكن حدّث عنه النّاس ، وقال أيضاً : سمعت أبي يقول : ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأياً في أحدٍ في ليث ومحمّد بن إسحاق وهمام ، لا يستطيع أحد أنْ يراجعه فيهم ، وقال أيضاً : سمعت عثمان بن أبي شيبة قال : سألت جريراً عن ليث ، وعن عطاء بن السائب ، وعن يزيد بن أبي زياد فقال : كان يزيد أحسنهم استقامةً في الحديث ، ثمّ عطاء وكان ليث أكثر تخليطاً .

قال عبد الله : وسألت أبي عن هذا فقال : أقول كما قال جرير ، وقال أيضاً : قلت ليحيى بن معين : ليث بن أبي سليب أضعف مِن يزيد ابن أبي زياد وعطاء بن السائب ؟ قال : نعم ، وقال لي يحيى مرّة أُخرى : ليث أضعف مِن يزيد بن أبي زياد ، ويزيد فوقه في الحديث .

وقال معاوية بن صالح : عن يحيى بن معين : ليث بن أبي سليم ضعيف إلاّ أنّه يكتب حديثه ، وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري : حدّثنا يحيى بن معين ، عن يحيى بن سعيد القطّان أنّه كان لا يُحدّث عن ليث بن أبي سليم ، وقال عليّ بن المديني : سمعت يحيى يقول : مجالد أحبّ إليّ من ليث وحجّاج بن أرطاة .

وقال أيضاً : قلت لسفيان : إنّ ليث روى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جدّه رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضّأ ، فأنكر ذلك سفيان ، وعجب منه أنْ يكون جدّه طلحة لقي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال أبو معمر القطيعي : كان ابن عيينة يضعّف ليث بن أبي سليم .

وقال عليّ بن محمّد الطنافسي : سألت وكيعاً عن حديث من حديث ليث بن أبي سليم ، فقال : ليث كان سيفاً لا يسعى ليثاً .

وقال محمّد بن خلف التيمي عن قبيصة قال شعبة لليث بن أبي سليم : أنّى اجتمع لك عطاء وطاوس ومجاهد ؟ فقال : إذ أبوك يضرب بالخف ليلة عرسه .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٤٢٠ ـ ٤٢١/ ٦٩٩٧ .

٢٥٨

قال قبيصة : فقال رجل كان جالساً لسفيان : فما زال شعبة بغضاً لليث منذ يومئذ ، وقال ـ أي عبد الرحمان بن أبي حاتم ـ : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان : ليث لا يشتغل به ، هو مضطرب الحديث ، وقال أيضاً : سمعت أبا زرعة يقول : ليث بن أبي سليم ليّن الحديث ، لا يقوم به الحجّة عند أهل العلم بالحديث )(١) .

عبد الله بن أبي نجيح

ومنهم : عبد الله بن أبي نجيح ، وقد قال الذهبي بأنّه من الأئمّة الثقات ، وعن ابن المديني كونه من المحدّثين الأثبات... لكن البخاري نسب إليه القول بالقدَر ، وعن ابن المديني الجزم بكونه مِن القدريّة ، قال الذهبي :

( عبد الله بن أبي نجيح المكّي صاحب التفسير ، أخذ عن مجاهد وعطاء ، وهو من الأئمّة الثقات ، وقال يحيى القطّان : لم يسمع التفسير كلّه من مجاهد ، بل كلّه عن القاسم بن أبي بزّة ، وقال العقيلي : ثنا آدم بن موسى : سمعت البخاري قال : عبد الله بن أبي نجيح كان يُتّهم بالاعتزال والقدَر .

وقال ابن المديني : كان يرى الاعتزال ، وقال أحمد : أفسدوه بآخره وكان جالس عمرو بن عبيد ، وقال عليّ : سمعت القطّان يقول : ابن أبي نجيح من رؤوس الدعاة ، وقال ابن المديني أيضاً : أمّا الحديث فهو فيه ثقة ، وأمّا الرأي ، فكان قدريّاً معتزليّاً ، وقد ذكره الجوزجاني فيمن رمي بالقدر هو وزكريّا بن إسحاق وشبل بن عباد وابن أبي ذئب وسيف بن سليمان )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تذهيب التهذيب. تهذيب التهذيب ٨ : ٤١٨ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٥١٥/ ٤٦٥١ .

٢٥٩

هذا، وقد ذكر في( الميزان ) نقلاً عن النسائي أنّه كان يدلّس .

وكذا في( تقريب التهذيب ) (١) .

وقد تقدّم بعض الكلام في ذمّ القدريّة وذمّ التدليس ، ولا نعيد .

عيسى بن ميمون

ومنهم : عيسى بن ميمون ، الذي وثّقوه ، ولكنْ قالوا : إلاّ أنّه يرى القدر .

ففي( ميزان الإعتدال ) :

( عيسى بن ميمون ، أبو موسى المكّي ، الجرشي المعروف بابن دايه ، له تفسير صغير ، أخذ عن مجاهد وقيس بن سعد وابن أبي نجيح روى عنه ابن عيينة وأبو عاصم ، وقرأ القرآن عن ابن كثير وثّقه أبو حاتم وأبو داود وزاد : إلاّ أنّه يرى القدر ، وقال ابن معين : ليس به بأس )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) انظر تقريب التهذيب ١ : ٤٢٧/ ٤٠٦١ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٢٧/ ٦٦١٩ .

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ومن هنا فإنّ خطاب الآية الأولى موجه للناس ، فهي تقول :( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) ، خاصّة وأنّه قد وردت لفظة( مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) بدل منكم ، وهي تشير إلى شدة ارتباط النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس ، حتى كأنّ قطعة من روح الناس والمجتمع قد ظهرت بشكل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولهذا السبب فإنّه يعلم كل آلامهم ، ومطلع على مشاكلهم ، وشريكهم في غمومهم وهمومهم ، وبالتالي لا يمكن أن يتصور صدور كلام منه إلّا في مصلحتهم ، ولا يخطو خطوة إلّا في سبيلهم ، وهذا في الواقع أوّل وصف للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر في هذه الآية.

ومن العجيب أنّ جماعة من المفسّرين الذين وقعوا تحت تأثير العصبية القومية والعربية قالوا : إنّ المخاطب في هذه الآية هم العرب! أي أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جاءكم من هذا الأصل!.

إنّنا نعتقد أن هذا هو أسوأ تفسير ذكر لهذه الآية ، لأنا نعلم أنّ الشيء الذي لم يجر له ذكر في القرآن الكريم هو مسألة الأصل والعرق ، ففي كل مكان تبدأ خطابات القرآن ب( يا أَيُّهَا النَّاسُ ) و( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) وأمثالها ، ولا يوجد في أي مورد «يا أيّها العرب» و «يا قريش» وأمثال ذلك.

إضافة الى أنّ ذيل الآية الذي يقول :( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) ينفي هذا التّفسير بوضوح ، لأنّ الكلام فيه عن كل المؤمنين ، من أي قومية أو عرق كانوا.

وممّا يثير الأسف أنّ بعض العلماء المتعصبين قد حجّموا عالمية القرآن وعموميته لكل البشر ، وحاولوا حصره في حدود القومية والعرق المحدودة.

وعلى كل حال ، فبعد ذكر هذه الصفة( مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) أشارت الآية إلى أربع صفات أخرى من صفات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السامية ، والتي لها الأثر العميق في إثارة عواطف الناس وجلب انتباههم وتحريك أحاسيسهم.

ففي البداية تقول :( عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ) أي أن الأمر لا ينتهي في أنّه لا يفرح لأذاكم ومصاعبكم ، بل إنّه لا يقف موقف المتفرج تجاه هذا الأذى ، فهو يتألم

٢٨١

لألمكم ، وإذا كان يصرّ على هدايتكم ويتحمل الحروب المضنية الرهيبة ، فإنّ ذلك لنجاتكم أيضا ، ولتخليصكم من قبضة الظلم والاستبداد والمعاصي والتعاسة.

ثمّ تضيف أنّه( حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) ويتحمس لهدايتكم.

«الحرص» في اللغة بمعنى قوة وشدة العلاقة بالشيء ، واللطيف هنا أن الآية أطلقت القول وقالت :( حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) فلم يرد حديث عن الهداية ، ولا عن أي شيء آخر ، وهي تشير إلى عشقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكل خير وسعادة ورقي لكم. وكما يقال : إن حذف المتعلق دليل على العموم.

وعلى هذا ، فإنّه إذا دعاكم وسار بكم إلى ساحات الجهاد المريرة ، وإذا شدّد النكير على المنافقين ، فإنّ كل ذلك من أجل عشقه لحريتكم وشرفكم وعزتكم.

وهدايتكم وتطهير مجتمعكم.

ثمّ تشير إلى الصفتين الثّالثة والرّابعة وتقول :( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) وعلى هذا فإنّ كل الأوامر الصعبة التي يصدرها ، (حتى المسير عبر الصحاري المحرقة في فصل الصيف المقرون بالجوع والعطش لمواجهة عدو قوي في غزوة تبوك) فإنّ ذلك نوع من محبته ولطفه.

وهناك بحث بين المفسّرين في الفرق بين «الرؤوف» و «الرحيم» ، إلّا أنّ الذي يبدو أن أفضل تفسير لهما هو أنّ الرؤوف إشارة إلى محبّة خاصّة في حقّ المطيعين ، في حين أنّ الرحيم إشارة إلى الرحمة تجاه العاصين ، إلّا أنّه يجب أن لا يغفل عن أن هاتين الكلمتين عند ما تفصلان يمكن أن تستعملا في معنى واحد ، أمّا إذا اجتمعتا فتعطيان معنى مختلفا أحيانا.

وفي الآية التي تليها ، وهي آخر آية في هذه السورة ، وصف للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه شجاع وصلب في طريق الحق ، ولا ييأس بسبب عصيان الناس وتمردهم ، بل يستمر في دعوتهم إلى دين الحق :( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) فهو حصنه الوحيد أجل لا حصن لي إلّا الله ، فإليه استندت و( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ

٢٨٢

رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) .

إنّ الذي بيده العرش والعالم العلوي وما وراء الطبيعة بكل عظمتها ، وهي تحت حمايته ورعايته ، كيف يتركني وحيدا ولا يعينني على الأعداء؟ فهل توجد قدرة لها قابلية مقاومة قدرته؟ أم يمكن تصور رحمة وعطف أشد من رحمته وعطفه؟

إلهنا ، الآن وقد أنهينا تفسير هذه السورة ، ونحن نكتب هذه الأسطر ، فإن أعداءنا قد أحاطوا بنا ، وقد ثارت أمتنا الرشيدة لقلع جذور الظلم والفساد والاستبداد ، بوحدة لا نظير لها ، واتحاد بين كل الصفوف والطبقات بدون استثناء حتى الأطفال والرضع ساهموا في هذا الجهاد والمقارعة ، ولم يتوان أي فرد عن القيام بأي نوع من التضحية والفداء.

ربّاه ، إنّك تعلم كل ذلك وتراه ، وأنت منبع الرحمة والحنان ، وقد وعدت المجاهدين بالنصر ، فعجل النصر وأنزله علينا ، وارو هؤلاء العطاشى والعشاق من زلال الإيمان والعدل والحرية ، إنّك على كل شيء قدير.

* * *

٢٨٣
٢٨٤

سورة يونس

مكيّة

وعدد آياتها مائة وتسع آيات

٢٨٥
٢٨٦

«سورة يونسعليه‌السلام »

محتوى وفضيلة هذه السورة

هذه السورة من السور المكية ، وعلى قول بعض المفسّرين فإنّها نزلت بعد سورة الإسراء وقبل سورة هود ، وتوكّد ـ ككثير من السور المكية ـ على عدة مسائل أساسية وأصولية ، وأهمها مسألة المبدأ والمعاد.

غاية ما في الأمر أنّها تتحدث أوّلا عن مسألة الوحي ومقام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ تتطرق إلى نماذج وعلامات الخلقة العظيمة التي تدل على عظمة اللهعزوجل ، وبعد ذلك تدعو الناس إلى الالتفات إلى عدم بقاء الحياة المادية في هذه الدنيا ، وحتمية زوالها ، ووجوب التوجه إلى الآخرة والتهيؤ لها عن طريق الإيمان والعمل الصالح.

وقد ذكرت السورة ـ كدلائل وشواهد على هذه المسائل ـ أقساما مختلفة من حياة كبار الأنبياء ، ومن جملتهم نوح وموسى ويونسعليهم‌السلام ولهذا سمّيت بسورة يونس.

وقد ذكرت كذلك ، لتأييد هذه المباحث ، كلاما عن عناد وتصلب عبدة الأوثان ، وترسم وتوضح لهم حضور الله سبحانه في كل مكان وشهادته ، وتستعين لإثبات هذه المسألة بأعماق فطرة هؤلاء التي تتعلق بالواحد الأحد عند ما يقعون في المشاكل والمعضلات ، حيث يتّضح هذا التعلق الفطري بالله سبحانه.

٢٨٧

وأخيرا فإنّها تستغل كل فرصة للبشارة والإنذار ، البشارة بالنعم الإلهية التي لا حدود لها للصالحين ، والإنذار والإرعاب للطاغين والعاصين ، لتكملة البحوث أعلاه.

ولهذا فإنّنا نقرأ في رواية عن الإمام الصّادقعليه‌السلام : «من قرأ سورة يونس في كل شهرين أو ثلاثة مرّة ، لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين ، وكان يوم القيامة من المقربين»(1) ، وذلك لأنّ آيات التحذير والوعيد وآيات التوعية كثيرة في هذه السورة ، وإذا ما قرئت بدقة وتأمل ، فإنّها ستكشف ظلمة الجهل عن روح ابن آدم ، وسيبقى أثرها عدّة أشهر على الأقل ، وإذا ما أدرك الإنسان محتوى السورة وعمل بها ، فإنّه سيكون ـ يقينا ـ يوم القيامة من المقربين.

ربّما لا نحتاج أن نذكّر بأنّ فضائل السور ـ كما قلنا سابقا ـ لا يمكن تحصيله بمجرّد تلاوة الآيات من دون إدراك معناها ، ومن دون العمل بمحتواها ، لأن التلاوة مقدمة للفهم، والفهم مقدمة للعمل!.

* * *

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 2 ، ص 290 ، وتفاسير أخرى.

٢٨٨

الآيتان

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )

( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ(2) )

التّفسير

رسالة النّبي :

في هذه السورة نواجه ـ مرّة أخرى ـ الحروف المقطعة في القرآن ، والتي ذكرت بصورة (ألف ولام وراء) وقد تحدثنا في بداية سورة البقرة وآل عمران والأعراف في تفسير هذه الحروف بالقدر الكافي ، وسنبحثها في المستقبل ـ إن شاء الله تعالى ـ في الموارد المناسبة ، وسنضيف إليها مباحث ومطالب جديدة.

بعد هذه الحروف تشير الآية أوّلا إلى عظمة آيات القرآن وتقول :( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ) .

إنّ التعبير ب (تلك) وهي اسم إشارة للبعيد ، بدل (هذه) التي تشير للقريب،والذي

٢٨٩

جاء نظيره في بداية سورة البقرة ، يعتبر من التعبيرات الجميلة واللطيفة في القرآن ، وهو كناية عن عظمة ورفعة مفاهيم القرآن ، لأنّ المطالب اليسيرة والبسيطة يشار لها غالبا باسم الإشارة القريب ، أمّا المطالب المهمّة العالية المستوى ، والتي تعانق السحاب في علو أفقها ، فإنّها تبيّن باسم الإشارة البعيد.

إنّ توصيف الكتاب السماوي ـ أي القرآن ـ بأنّه (حكيم) هو إشارة إلى أن آيات القرآن محكمة ومنظمة ودقيقة ، بحيث لا يمكن أن يأتيها أو يخالطها أي شكل من أشكال الباطل والخرافة ، فهي لا تقول إلّا الحق ، ولا تدعو إلّا إلى طريق الحق.

أمّا الآية الثّانية فإنّها تبيّن ـ ولمناسبة تلك الإشارة التي مرّت إلى القرآن والوحي الإلهي في الآية السابقة ـ واحدا من إشكالات المشركين على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو نفس الإشكال الذي جاء في القرآن بصورة متكررة. وهذا التكرار يبيّن أن هذا الإشكال من إشكالات المشركين المتكررة ، وهو : لماذا نزل الوحي الإلهي من الله على إنسان مثلهم؟ ولماذا لم تتعهد الملائكة بمسؤولية هذه الرسالة الكبيرة؟ فيجيب القرآن عن هذه الأسئلة فيقول :( أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ ) .

الواقع أنّ كلمة «منهم» تضمنت الجواب على سؤالهم ، أي إنّ القائد والمرشد إذا كان من جنس أتباعه ، ويعلم أمراضهم ، ومطلع على احتياجاتهم ، فلا مجال للتعجب ، بل العجب أن يكون القائد من غير جنسهم ، بحيث يعجز عن قيادتهم نتيجة عدم اطلاعه على وضعهم.

ثمّ تشير إلى محتوى الوحي الإلهي. وتلخصه في أمرين :

الأوّل : إنّ الوحي الذي أرسلناه ، مهمته إنذار الناس وتحذيرهم من عواقب الكفر والمعاصي :( أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ) .

والثّاني : هو( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) .

وفي الوقت الذي يوجد بحث بين المفسّرين في المقصود من «قدم الصدق» ، إلّا

٢٩٠

أنّ أحد التفاسير الثلاثة المذكورة هنا ـ أوكل الثلاثة ـ قابل للقبول بصورة علمية.

فالتّفسير الأوّل : إن «قدم الصدق» هذا إشارة إلى أن الإيمان له بـ «سابقة فطرية» ، وإنّ المؤمنين عند ما يظهرون إيمانهم فهم في الحقيقة يصدقون فطرتهم ـ لأنّ أحد معاني القدم هو السابقة ـ كما يقولون : لفلان قدم في الإسلام ، أو قدم في الحرب ، أي إنّ له سبقا في الإسلام أو الحرب.

والثّاني : إنّه إشارة إلى مسألة المعاد ونعيم الآخرة ، لأنّ أحد معاني القدم هو المقام والمنزلة ، وهو يناسب كون الإنسان يرد إلى منزله ومقامه برجله ، وهذا التّفسير يعني أنّ للمؤمنين مقاما ومنزلة ثابتة وحتمية عند الله سبحانه ، وأن أي قوّة لا تستطيع تغييرها وجعلها في شكل آخر.

أمّا التّفسير الثّالث فهو أن القدم بمعنى القدوة والزعيم والقائد ، أي إننا أرسلنا للمؤمنين قائدا ومرشدا صادقا.

لقد وردت عدّة روايات عن طريق الشيعة والسنة لهذه الآية تفسر قدم الصدق بأنّه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ولاية عليعليه‌السلام وتؤيد هذا المعنى(1) .

وكما قلنا فإنّ من الممكن أن تكون البشارة بكل هذه الأمور هي المرادة من التعبير أعلاه.

وتنهي الآية حديثها بذكر اتهام طالما كرّره المشركون واتهموا به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت :( قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ ) .

إنّ كلمة (إن) و «لام» التأكيد وصفة «المبين» ، كلها دلائل على مدى تأكيد أولئك الكفار على هذه التهمة ، وعبروا ب (هذا) لتصغير مقام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتقليل من أهميته.

أمّا لماذا اتهموا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسحر؟ فجوابه واضح ، ذلك أنّهم لم يكونوا

__________________

(1) تفسير البرهان ، ج 2 ، ص 177 ، وتفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 3145.

٢٩١

يمتلكون الجواب المقنع مقابل إعجاز كلامه وشريعته وقوانينه العادلة الرفيعة. فلم يكن لهم سبيل إلّا أن يفسروا هذه الظواهر الخارقة للعادة بأنّها سحر ، وبهذا فقط يمكنهم إبقاء البسطاء تحت سيطرة الجهل وعدم الاطلاع على الواقع.

إنّ أمثال هذه التعبيرات التي كانت تصدر من ناحية الأعداء ضد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل بنفسها على أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقوم بأعمال خارقة للعادة ، بحيث تجذب القلوب والأفكار نحوها ، خاصّة وأن التأكيد على السحر في شأن القرآن المجيد هو بنفسه دليل قاطع وقوي على الجاذبية الخارقة الموجودة في هذا الكتاب السماوي ، ولأجل خداع الناس فإنّهم كانوا يجعلونه في إطار السحر.

وسنتحدث عن هذا الموضوع في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.

* * *

٢٩٢

الآيتان

( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) )

التّفسير

معرفة الله والمعاد :

بعد أن أشار القرآن الكريم إلى مسألة الوحي والنّبوة في بداية هذه السورة ، انتقل في حديثه إلى أصلين أساسيين في تعليمات وتشريعات جميع الأنبياء ، ألا وهما المبدأ والمعاد ، وبيّن هذين الأصلين ضمن عبارات قصيرة في هاتين الآيتين.

فيقول أوّلا :( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) . وكما أشرنا سابقا ، فإنّ كلمة (يوم) في لغة العرب ، وما يعادلها في سائر اللغات ، تستعمل

٢٩٣

في كثير من الموارد بمعنى المرحلة ، كما نقول : في يوم ما كان الاستبداد يحكم بلادنا ، أمّا اليوم فهي في ظل الثورة الاسلامية تنعم الحرية ، ويعني أن مرحلة الاستبداد قد انتهت وجاءت مرحلة استقلال الشعب وحريته(1) .

وعلى هذا فإنّ مفهوم الجملة أعلاه يكون : إنّ الله سبحانه قد خلق السماء والأرض في ستة مراحل ، ولما كنّا قد تحدثنا عن هذه المراحل الستة سابقا ، فإنّنا لا نكرر الكلام هنا(2) .

ثمّ تضيف الآية :( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) . كلمة «العرش» تأتي أحيانا بمعنى السقف ، وأحيانا بمعنى الشيء الذي له سقف ، وتارة بمعنى الأسرّة المرتفعة ، هذا هو المعنى الأصلي لها ، أمّا معناها المجازي فهو القدرة ، كما نقول : فلان تربع على العرش ، أو تحطمت قوائم عرشه ، أو أنزلوه من العرش ، فكلها كناية عن تسلم القدرة أو فقدانها ، في الوقت الذي يمكن أن لا يكون للعرش أو الكرسي وجود في الواقع أصلا ، ولهذا فإنّ( اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) تعني أنّ الله سبحانه قد أمسك بزمام أمور العالم(3) .

«التدبر» من مادة (التدبير) وفي الأصل من (دبر) بمعنى الخلف وعاقبة الشيء ، وعلى هذا فإنّ معنى التدبير هو التحقق من عواقب الأعمال ، وتقييم المنافع ، ثمّ العمل طبق ذلك التقييم. إذن ، وبعد أن تبيّن أنّ الخالق والموجد هو الله سبحانه ، اتّضح أنّ الأصنام ، ـ هذه الموجودات الميتة والعاجزة ـ لا يمكن أن يكون لها أي تأثير في مصير البشر ، ولهذا قالت الآية في الجملة التالية :( ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ) (4) .

__________________

(1) من أجل مزيد التوضيح ، وذكر الأمثلة في هذا المجال راجع ذيل الآية (54) من سورة الأعراف.

(2) المصدر السّابق.

(3) لمزيد التوضيح والاطلاع على معاني العرش المختلفة ، راجع تفسير الآية (54) من سورة الأعراف و (255) من سورة البقرة.

(4) لقد أوضحنا توضيحا كافيا مسألة الشفاعة المهمّة في المجلد الأوّل في تفسير الآية (47) من سورة البقرة.

٢٩٤

وتتحدث الآية التالية ـ كما أشرنا ـ عن المعاد ، وتبيّن في جمل قصار أصل مسألة المعاد ، والدليل عليها ، والهدف منها!.

فتقول أوّلا :( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ) وبعد الاستناد إلى هذه المسألة المهمّة والتأكيد عليها تضيف :( وَعْدَ اللهِ حَقًّا ) ثمّ تشير إلى الدليل على ذلك بقولها :( إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) أي إنّ هؤلاء الذي يشكّون في المعاد يجب عليهم أن ينظروا إلى بدء الخلق ، فإنّ من أوجد العالم في البداية يستطيع أن يعيده من جديد. وقد مر بيان هذا الاستدلال بصورة أخرى في الآية (29) من سورة الأعراف ضمن جملة قصيرة تقول :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) وقد سبق شرح ذلك في تفسير سورة الأعراف.

إنّ الآيات المرتبطة بالمعاد في القرآن توضح أنّ العلة الأساسية في تشكيك وتردد المشركين والمخالفين ، هي أنّهم كانوا يشكون في إمكان حدوث مثل هذا الشيء ، وكانوا يسألون بتعجب بأنّ هذه العظام النخرة التي تحولت إلى تراب ، كيف يمكن أن تعود لها الحياة وترجع إلى حالتها الأولى؟ ولهذا نرى أنّ القرآن قد وضع إصبعه على مسألة الإمكان هذه ويقول : لا تنسوا أن الذي يبعث الوجود من جديد ، ويحيي الموتى هو نفسه الذي أوجد الخلق في البداية.

ثمّ تبيّن الهدف من المعاد بأنّه لمكافأة المؤمنين على جميع أعمالهم الصالحة حيث لا تخفى على الله سبحانه مهما صغرت :( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ ) أمّا أولئك الذين اختاروا طريق الكفر والإنكار ، ولم تكن لديهم أعمال صالحة ـ لأنّ الإعتقاد الصالح أساس العمل الصالح ـ فإنّ العذاب الأليم وأنواع العقوبات بانتظارهم :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ) .

وهنا نقطتان تسترعيان الانتباه :

1 ـ لما لم يكن لله سبحانه وتعالى مكان خاص ، وخاصّة إذا علمنا أنّه موجود

٢٩٥

في كل مكان في جميع العوالم ، وأنّه أقرب إلينا منّا ، فإنّ هذه الحقيقة قد جعلت المفسّرين يفسرون( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ) في هذه الآية ، والآيات الأخرى في القرآن ، تفاسير مختلفة : فقيل تارة أن المقصود هو أنّكم ترجعون إلى جزاء الله سبحانه.

وربّما اعتبر بعض الجاهلين هذا التعبير دليلا على تجسم الله سبحانه في يوم القيامة ، وبطلان هذه العقيدة أوضح من أن يحتاج إلى بيان وإثبات.

إلّا أنّ الذي يبدو بدقة من خلال آيات القرآن الكريم ، إنّ عالم الحياة كقافلة تحركت من عالم العدم وتستمر في مسيرتها اللانهائية نحو اللانهاية التي هي ذات الله المقدسة ، بالرغم من أنّ المخلوقات محدودة ، والمحدود لا يمكن أن يكون لا نهائيا قط ، غير أنّ سيره إلى التكامل لا يتوقف أيضا ، وحتى بعد قيام القيامة فإنّ السير التكاملي سيستمر ، كما أوضحنا ذلك في بحث المعاد.

يقول القرآن الكريم :( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً ) .

ويقول :( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ ) .

ولما كان بداية الحركة من جهة الخالق ، حيث شعت منه أوّل بارقة للحياة ، وأن هذه الحركة التكاملية ـ أيضا ـ تسير نحوه ، فقد عبّرت الآية بالرجوع. وبعبارة مختصرة فإنّ هذه التعبيرات إضافة إلى أنّها تشير إلى أن بداية حركة عامّة الموجودات من الله سبحانه ، فإنّها تبيّن أيضا أنّ هدف هذه الحركة وغايتها ، هي ذات الله المقدسة. وإذا لا حظنا أن تقديم كلمة «إليه» يدل على الحصر ، سيتّضح أن اي وجود غير ذات الله المقدسة لا يمكن أن يكون هدفا وغاية لهذه الحركة التكاملية لا الأصنام ولا أي مخلوق آخر ، لأنّ كل هذه الوجودات محدودة ، ومسير الإنسان مسير لا نهائي.

2 ـ إنّ كلمة «القسط» تعني في اللغة إعطاء سهم آخر ، ولذلك فقد أخفي فيها

٢٩٦

مفهوم العدل والإنصاف. واللطيف أنّ الآية قد استعملت هذه الكلمة في حق ذوي الأعمال الصالحة فقط ، ولم تذكرها في جزاء الكافرين والسيئي الأعمال ، وذلك لأنّ العذاب ليس على شكل الحصص والأرباح ، وبتعبير أخر فإنّ كلمة القسط تناسب الجزاء الحسن فقط ، لا العقاب.

* * *

٢٩٧

الآيتان

( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) )

التّفسير

جانب من آيات عظمة الله :

لقد مرّت في الآيات السابقة إشارة عابر إلى مسألة المبدأ والمعاد ، إلّا أن هذه الآيات وما بعدها تبحث بصورة مفصلة هذين الأصلين الأساسيين اللذين يمثلان أهم دعامة لدعوة الأنبياء ، وبتعبير آخر فإنّ الآيات اللاحقة بالنسبة للسابقة بمثابة التفصيل للإجمال.

لقد أشارت الآية الأولى التي نبحثها إلى جوانب من آيات عظمة الله سبحانه في عالم الخلقة فقالت :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) .

إنّ الشمس التي تعم العالم بنورها لا تعطي النور الحرارة للموجودات فحسب ، بل هي العامل الأساس في نمو النباتات وتربية الحيوانات ، وإذا دقّقنا النظر رأينا

٢٩٨

أنّ كل حركة على وجه الكرة الأرضية ، حتى حركة الرياح وأمواج البحار وجريان الأنهار والشلالات ، هي من بركات نور الشمس ، وإذا ما انقطعت هذه الأشعة الحياتية عن كرتنا الأرضية يوما فإنّ السكون والظلمة والموت سيخيّم على كل شيء في فاصلة زمنية قصيرة.

والقمر بنوره الجميل هو مصباح ليالينا المظلمة ، ولا تقتصر مهمّته على هداية المسافرين ليلا وإرشادهم إلى مقاصدهم ، بل هو بنوره المناسب يبعث الهدوء والنشاط لكل سكان الأرض.

ثمّ أشارت الآية إلى فائدة أخرى لوجود القمر فقالت :( وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ) أي إنّكم لو نظرتم إلى القمر ، وأنّه في أوّل ليلة هلال رفيع ، ثمّ يكبر حتى يكون بدرا في ليلة النصف من الشهر ، وبعدها يبدأ بالنقصان التدريجي حتى اليوم أو اليومين الأخيرين حيث يغيب في المحاق ، ثمّ يظهر على شكل هلال من جديد ويدور إلى تلك المنازل السابقة ، لعلمتم أن هذا الاختلاف ليس عبثا ، بل إنّه تقويم طبيعي دقيق جدّا يستطيع الجاهل والعالم قراءته ، ويقرأ فيه تاريخ أعماله وأمور حياته(1) .

ثمّ تضيف الآية : إن هذا الخلق والدوران ليس عملا غير هادف ، أو هو من باب اللعب ، بل( ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ ) .

وفي النهاية توكّد الآية :( يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) إلّا أنّ هؤلاء الغافلين وفاقدي البصيرة بالرغم من أنهم يمرون كثيرا على هذه الآيات والدلائل ، إلّا أنّهم لا يدركون أدنى شيء منها.

وتتطرق الآية الثّانية إلى قسم آخر من العلامات والدلائل السماوية والأرضية الدالّة على وجوده سبحانه ، فتقول :( إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي

__________________

(1) لقد بحثنا في المجلد الثاني حول كون القمر تقويما طبيعيا يمكن من خلال حالاته المختلفة تعيين أيام الشهر بدقة (راجع تفسير الآية 189 من سورة البقرة).

٢٩٩

السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ) فليست السماء والأرض بذاتهما من آيات الله وحسب ، بل إن كل واحدة من الموجودات التي توجد فيهما تعتبر آية بحد ذاتها ، إلّا أنّ الذين يدركون تلك الآيات هم الذين سمت أرواحهم وصفت نتيجة لتقواهم وبعدهم عن المعاصي ، وهم الذين يقدرون على رؤية وجه الحقيقة وجمال المعشوق.

* * *

ملاحظات

وهنا ملاحظات ينبغي الانتباه لها :

1 ـ هناك نقاش طويل بين المفسّرين في الفرق بين كلمتي الضياء والنور ، فالبعض منهم اعتبرهما مترادفتين وأن معناهما واحدا ، والبعض الأخر قالوا : إنّ الضياء استعمل في ضوء الشمس فالمراد به النور القوي ، أمّا كلمة النور التي استعملت في ضوء القمر فإنّها تدل على النور الأضعف.

الرأي الثّالث في هذا الموضوع هو أنّ الضياء بمعنى النور الذاتي ، أمّا النور فإنّه أعم من الضياء ويشمل الذاتي والعرضي ، وعلى هذا فإنّ اختلاف تعبير الآية يشير إلى هذه النقطة. وهي أنّ الله سبحانه قد جعل الشمس منبعا فوّارا للنور ، في الوقت الذي جعل للقمر صفة الاكتساب ، فهو يكتسب نوره من الشمس.

والذي يبدو أنّ هذا التفاوت مع ملاحظة آيات القرآن ، هو الأصح ، لأنا نقرا في الآية (16) من سورة نوح :( وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً ) وفي الآية (61) من سورة الفرقان ،( وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً ) فإذا لا حظنا أنّ نور السراج ينبع من ذاته ، وهو منبع وعين للنور ، وأن الشمس قد شبهت في الآيتين بالسراج ، سيتّضح أنّ هذا التفاوت مناسب جدا في الآيات مورد البحث.

2 ـ هناك اختلاف بين أهل الكتاب وكتّاب اللغة في أن (ضياء) جمع أم مفرد ،

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456