استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام13%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227618 / تحميل: 8347
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

النوابغ امثال الملك كورش وداريوش والاسكندر المقدوني ، فكما لا تفسير لاعمال لو نسبوها الى الله تعالى والاوامر السماوية الا ما مضى فكذا لا تفسير لاعمال الانبياء الا ما ذكروه.

نحن لا نريد هنا البحث عما يتعلق بما وراء الطبيعة ، كما لا نريد ان نقول لهؤلاء الباحثين : ان لكل علم ان يبحث فيما يدخل في اطاره من مسائله الخاصة ، ولا يحق للعلوم المادية التي تختص بشؤون المادة وخواص آثارها ان تبحث عما يتعلق بما وراء الطبيعة نفيا او اثباتا.

لا نريد هذا ، ولكننا نقول : ان التفسير المذكور للوحي والنبوة يجب أن يعرض على الآيات القرآنية التي هي سند نبوة النبي الكريم ، لنرى هل يلتقيان معا أم لا يلتقيان؟

القرآن الكريم صريح في عكس التفسير السابق للوحي والنبوة ولا يلتقي معه في شيء من آياته. ولا بأس ان نقارن هنا مقاطع ذلك التفسير الموهوم مع ما جاء في القرآن ، فنقول :

١ ـ كلام الله تعالى :

يقول التفسير السابق : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يسمي افكاره الطاهرة التي كانت تنقدح في ذهنه بـ « كلام الله ».

١٠١

ومعنى هذا التفسير ان تلك الافكار كبقية افكار النبي كانت نتيجة لما تدور في خلده ، ولكنها لما كانت طاهرة ومقدسة نسبت الى الله تعالى ، فيه منسوبة الى النبي بالنسبة الطبيعية ومنسوبة الى الله بالنسبة التشريفية.

ولكن القرآن الكريم يصرح في آيات التحدي بنفي كونه من كلام النبي او اي انسان اخر ، فيقول :( ام يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين ) (١) .

ويقول :( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين ) (٢) .

ويقول :( قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) (٣) .

ويقول :( وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا

ــــــــــــــــــ

(١) سورة يونس : ٣٨.

(٢) سورة هود : ١٣.

(٣) سورة الاسراء : ٨٨.

١٠٢

بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين ) (١) .

ويقول :( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً ) (٢) .

من الواضح البديهي ان هذه التصريحات لا تناسب كون القرآن من كلام الرسول وقد نسب الى الله تشريفا ، بل تثبت قطعا انه من كلام الله تعالى لا غير.

وبالاضافة الى هذا يسرد القرآن في مئات من اياته ما ظهر من المعاجز وخوارق العادة على يد الانبياءعليهم‌السلام اثبتوا بواسطتها نبوتهم واستدلوا بها على رسالتهم. فلو كانت النبوة ذلك النداء الوجداني والوحي تلك الافكار الطاهرة ـ كما يقول التفسير المذكور ـ لما احتاج القرآن الى اقامة الحجة تأكيدها على نبوة الانبياء بسرد قصص المعاجز والكرامات.

وقد اوّل بعض الكتاب هذه المعاجز الصريحة بشكل مضحك ، الا ان كل واحد من القراء عندما يراجع ما قالوه في تأويلاتهم يرى ان مدلول الآيات القرآنية لا يتفق مع ما ذهبوا اليه من الآراء الخاطئة.

لا نريد في هذا البحث اثبات امكان تحقق المعجزة

ــــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : ٢٣.

(٢) سورة النساء : ٨٢.

١٠٣

وخوارق العادة ، او التأكيد على صحة القصص القرآنية. بل نحاول القول بأن القرآن اثبت صريحا للانبياء السابقين كصالح وابراهيم وموسى وعيسىعليهم‌السلام معاجز خاصة ، ولا يمكن حمل هذه القصص الا على خوارق للعادة. ولا نحتاج ـ كما قلنا ـ الى المعاجز في اثبات النداء الوجداني والفكر الطاهر.

٢ ـ جبرائيل والروح الامين :

يسمى التفسير السابق روح الرسول الطاهرة التي كان دأبها طلب الخير والاصلاح الاجتماعي بـ « الروح الامين » ، ويسمى ما تلقيه الروح الزكية في روعه المبارك بـ « الوحي ».

ولكن القرآن الكريم لا يؤيد ما ذهب اليه هؤلاء ، لانه يصرح بأن وسيط الوحي يسمى بـ « جبرائيل » ، وعلى التفسير المذكور لا موجب لهذه التسمية بتاتاً. يقول تعالى :( قل من كان عدواً لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله ) (١) .

نزلت هذه الآية في اليهود الذين سألوا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عمن يأتيه بالوحي ، فأجابهم انه جبرائيل الملك ، قالوا : ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لاتبعناك(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : ٩٧.

(٢) الدر المنثور ١ / ٩٠ ، ونور الثقلين ١ / ٨٧ ـ ٨٩ ، وغيرهما.

١٠٤

يرد الله تعالى في هذه الآية على اليهود ، ويؤكد بأن جبرائيل انما جاء بالوحي باذن منه عز شأنه ، فيثبت بأن القرآن من كلام الله تعالى وليس من كلام جبرائيل.

وواضح بأن اليهود كانوا اعداءاً لملك سماوي كان يأتي بالوحي من السماء ، وكان ذلك الملك غير موسى بن عمران ومحمد بن عبد الله صلى الله عليهما ، كما انه لم يكن روحيهما الطاهرة.

والقرآن نفسه الذي صرح في الآية المذكورة ان وسيط الوحي هو جبرائيل ، صرح في آية اخرى انه الروح الامين فقال :( نزل به الروح الامين على قلبك ) (١) .

ويقول تعالى في موضع اخر بصدد التعريف بوسيط الوحي :( انه لقول رسول كريم *ذي قوة عند ذي العرش مكين *مطاع ثم امين *وما صاحبكم بمجنون *ولقد رآه بالافق المبين ) (٢) .

وهذه الآيات تدل دلالة واضحة على ان جبرائيل من الملائكة المقربين عند الله تعالى ، وهو ذو قوة عظيمة ومنزلة رفيعة وهو المطاع الامين.

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الشعراء : ١٩٣.

(٢) سورة التكوير : ١٩ ـ ٢٣.

١٠٥

ويصف الملائكة المقربين في موضع آخر بقوله :( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ) (١) .

تدل الآية على ان الملائكة موجودات لهم ارادتهم ومداركهم واستقلالهم ، لان الاوصاف المذكورة فيها ـ كالايمان بالله والتسبيح له واستغفار للمؤمنين ـ لا تتوفر الا فيمن يتم له الاستقلال الكامل والمدارك التامة والارادة الخاصة.

ويقول تعالى في الملائكة المقربين ايضا :( لن يستنكف المسيح ان يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعاً ) الى ان يقول :( واما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً اليماً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً ) (٢) .

ان المسيح والملائكة المقربين لا يعصون الله طرفة عين ، ولكن مع ذلك هددهم تعالى بالعذاب الاليم لو تلبسوا بالمعصية ، والتهديد من عذاب يوم القيامة المتفرع على ترك نوع من التكليف لا يصح الا بالاستقلال واردة.

ويتضح من الآيات المذكورة ان الروح الامين ـ الذي

ــــــــــــــــــ

(١) سورة المؤمن : ٧.

(٢) سورة النساء : ١٧٣.

١٠٦

يسمى جبرائيل ايضا وهو الذي يأتي بالوحي الالهي ـ له استقلاله وارادته ومداركه ، بل يستفاد من خلال آيات سورة التكوير « مطاع ثم امين » انه يأمر وينهي في الملأ الاعلى وتطيعه الملائكة المقربون ، بل نرى في بعض الاحيان ان الوحي ربما يأتي على يد ملائكة يأتمرون بأوامره ، كما تشير الى ذلك الآيات الواردة في سورة عبس( كلا انها تذكرة *فمن شاء ذكره *في صحف مكرمة *مرفوعة مطهرة *بأيدي سفرة *كرام بررة ) (١) .

٣ ـ الملائكة والشياطين :

يؤكد التفسير السابق ان « الملائكة » اسم للقوى الطبيعية الداعية الى الخير والسعادة ، « والشياطين » اسم للقوى الطبيعية الداعية الى الشر والشقاء.

ولكن المستفاد من القرآن الكريم خلافه ، فانه يعتبر الملائكة والشياطين مخلوقات لا تدرك بالحواس الظاهرية الا ان لها وجودا خارجيا وهي ذات اداراك واردة مستقلة.

اما الملائكة فقد نرى التصريح في الآيات الماضية بأنها موجودات مستقلة مؤمنة تصدر منها اعمال تحتاج الى الارادة والادراك ، وفي القرآن كثير من امثال هذه الآيات لا يسع البحث سردها كلها

ــــــــــــــــــ

(١) سورة عبس : ١١ ـ ١٦.

١٠٧

واما الشياطين فقصة ابليس وعدم سجوده لادمعليه‌السلام والمحاورات التي جرت بينه وبين الله تعالى مذكورة في عدة مواضع من القرآن ، فقد قال بعد ان اخرج من صفوف الملائكة( لاغوينهم اجمعين *الا عبادك منهم المخلصين ) ، فقال تعالى له :( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين ) (١) .

وغير خفي ان الجزاء والعقاب لا يصح الا للمريد الذي يدرك الحسن والقبح ، ومعنى هذا ان الشياطين لها كامل الادراك والارادة.

وفي آية اخرى نرى ان الله تعالى وصف ابليس بالظن الذي هو من مصاديق الادراك ، فقال :( ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين ) (٢) .

ويصرح في آية اخرى بأن ابليس يدفع اللوم عن نفسه ، وهذا لا يكون الا ممن يدرك ، وله الارادة التامة ، فيقول تعالى :( وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ) (٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة ص : ٨٣ ـ ٨٥.

(٢) سورة سبأ : ٢٠.

(٣) سورة ابراهيم : ٢٢.

١٠٨

ان هذه الآيات الكريمة وآيات اخرى بمضمونها تثبت للشيطان صفات لاتتم الا مع الادراك والاستقلال في الارادة ، وهي لا تتفق مع القوى الطبيعية التي لا تتوفر فيها هذه الصفات البتة.

الجن :

وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم حول الجن اكثر مما ورد حول الملائكة والشياطين ، ففي آية يصف الله تعالى فيها اولئك الذين لم يستمعوا الى دعوة آبائهم وامهاتهم ونسبوا الدين الى الاساطير يقول :( اولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والانس انهم كانوا خاسرين ) (١) .

ويقول تعالى في موضع اخر :( واذ صرفنا اليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين *قالوا يا قومنا انا سمعنا كتاباً انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم *يا قومنا اجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم *ومن لا يجب داعي الله

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الاحقاف : ١٨.

١٠٩

فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه اولياء اولئك في ضلال مبين ) (١) .

تدل هذه القصة على ان الجن كالانس لهم وجود مستقل وارادة وتكليف ونجد ايضا في الآيات التي تصف احوال القيامة ما يدل على ما نستفيده من هذه الآيات الكريمة.

٤ ـ صرخة الضمير :

يستفاد من التفسير المذكور سابقا ان النبوة والرسالة هي صرخة الضمير للاصلاح الاجتماعي العام الشامل ، والسعي في رفع المساوىء الاجتماعية وابدالها بما يضمن للمجتمع السعادة والرفاه.

ولكن المستفاد من القرآن الكريم خلاف هذا المعنى ، فانه يقول :( ونفس وما سواها *فألهما فجورها وتقواها ) (٢) .

ومعنى هذا ان كل انسان يعرف اعماله الحسنة والسيئة بما اوتي من صفاء الضمير فيدرك به صرخة الوجدان الاصلاحية ، الا ان هناك من يهتم بهذه الصرخة فيصبح من السعداء ومن لا يعتني بها فيعود من الاشقياء ، كما قال تعالى :

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الاحقاف : ٢٩ ـ ٣٢.

(٢) سورة الشمس : ٧ ـ ٨.

١١٠

( قد افلح من زكاها *وقد خاب من دساها ) (١) .

فلو كانت النبوة والرسالة اثراً من تلك الصرخة لكانت عامة في الناس مودعة في كل الضمائر ، وكان جميع الناس انبياء رسلاً ، مع العلم انا نجد ان الله تعالى يختص بعض عباده بهما فيقول :( واذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله الله اعلم حيث يجعل رسالته ) (٢) .

تدل الآية الكريمة على ان الكفار كانوا يشترطون لايمانهم عمومية الرسالة ليكون لهم حصة منها ، فيرد عز شأنه عليهم مثبتاً ان الرسالة خاصة بفئة مختارة.

٥ ـ حول التفسير الثاني :

لقد كررنا القول اننا لا نحاول في هذه البحوث المختصرة اثبات ان الدين الإسلامي حق ودعاوى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله صدق ، بل نريد ان نذكر ان تفسير اولئك الباحثين الوحي والنبوة والرسالة بما فسروه به خاطىء لا يطابق ما جاء في القرآن العظيم ، فنقول بصدد التفسير الثاني :

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الشمس : ٩ ـ ١٠.

(٢) سورة الانعام : ١٢٤.

١١١

يحاول التفسير الثاني ان يفسر الاصول الاعتقادية التي اتى بها الرسول بأنها مجموعة من العقائد الخرافية التي القيت على الناس بشكل دين سماوي ، ذلك لان الناس كانوا في جهل وامية ولو تتوفر فيهم الثقافة والعلم فلم يمكن اصلاحهم الا من هذا الطريق. كانت هذه التعاليم الخرافية من صالح الناس ، وكان من الضروري ان يلقى عليهم بهذا اللون العقائدي الذي يحفه الخوف من الله ورجاء الجزاء في العالم الاخر ووجود الجنة والنار والحساب والكتاب ، ولولا هذا اللون المزيج بالخرافة لما امكن اصلاحهم بما ينجيهم من واقعهم الاليم.

نقول : اننا لا نعلم الشيء الكثير عن حياة الانبياء الماضينعليهم‌السلام ، الا ان حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مدروسة بصورة واضحة جلية ، ويتبين من خلالها للمراجع الدقيق انه عليه الصلاة والسلام كان شديد الايمان بدعوته وكان يطمئن الى صحتها كامل الاطمئنان. فلو كانت العقائد الإسلامية خرافية ـ كما يزعمون ـ لم يكن هناك حاجة الى مثل هذه الادلة الكثيرة التي يقيمها القرآن الكريم عليها ، كأدلة اثبات الصانع وتوحيده تعالى وبقية الصفات الالهية وسائر العقائد العائدة الى موضوع النبوة والمعاد وغيرهما.

٦ ـ ماذا يقول القرآن في الوحي والنبوة :

ملخص ما نستفيده من الآيات الكريمة انها تعتبر القرآن

١١٢

كتاباً سماوياً ألقي الى الرسول من طريق الوحي ، والوحي هو كلام سماوي ( غير مادي ) ليس للحواس الظاهرية والعقل ان تصل اليه ، بل ربما يوجد في بعض من يختاره الله تعالى ما يدرك بواسطة قوى ربانية الاوامر الالهية والدستور الغيبي ( غير المحسوس بالعقل والحواس الاخرى ) ، وهذه الحالة هي من حالات النبوة وبها يتلقى النبي الشريعة الالهية.

ولزيادة توضيح هذا الموضوع يجب ان ندرس النقاط التالية :

أ ـ الهداية العامة وهداية الإنسان :

لقد ذكرنا في مباحث سابقة بصورة موسعة ان لكل موجود في هذا الكون ـ من الاحياء والجمادات وغيرهما ـ هدفاً يتوجه الى تحقيقه منذ اول خلقته ، وقد اودع فيه ما يناسب تحقيق هدفه من الالات والمعدات ، ولا بد ان يجتهد حتى يصل الى ذلك الهدف ويناله ، قال تعالى :( ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) (١) وقال :( الذي خلق فسوى *والذي قدر فهدى ) (٢) .

وقد ذكرنا ايضاً ان هذا القانون الكلي ( قانون الهداية

ــــــــــــــــــ

(١) سورة طه : ٥٠.

(٢) سورة الاعلى : ٢ ـ ٣.

١١٣

العامة ) يشمل الإنسان كما يشمل غيره ، فله في حياته هدفه الخاص الذي يسعى الى تحقيقه ضمن الاطار العام ، وقد اودع فيه ما يمكّنه من الوصول اليه والحصول عليه ، ونجاحه في مسيرته الطويلة في اطار هذا القانون هو الوصول الى الكمال والسعادة ، كما ان اخفاقه في هذه المسيرة هو الانزلاق في مهوى الشقاء الابدي. وخلقته والاسرار المودعة فيه هي التي تدله على طريق الوصول الى ذلك الهدف السامي ، قال تعالى :( انا خلقنا الإنسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيراً *انا هديناه السبيل اما شاكراً واما كفوراً ) (١) .

وقال عز من قائل :( من نطفة خلقه فقدره *ثم السبيل يسره ) (٢) .

ب ـ ميزة الإنسان في قطع مسالك الحياة :

تمتاز الحيوانات على غيرها من سائر الموجودات ان اعمالها علمية تصدر عن فهم وادراك ، والإنسان مع انه يشارك الحيوانات في هذه الناحية يمتاز عنها بما اوتي من العقل فان الاعمال التي ينجزها تنبع من العقل ، وهو يميز الخير من

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الدهر : ٢ ـ ٣.

(٢) سورة عبس : ١٩ ـ ٢٠.

١١٤

الشر والنافع من الضار ، ويعملها بعد ان يتأكد من رجحان كفة المنافع فيها ، ويتبع فيها ما يدركه عقله ويرى ان فيه مصلحة له ، فما يراه العقل نافعا ليس فيه ما يضر يحكم بلزوم القيام به ، وما يراه ضارا ليس فيه ما ينفع يحكم بوجوب الاجتناب عنه(١) .

ج ـ كيف يكون الإنسان اجتماعياً؟

لا شك ان الإنسان كان ولا يزال يعيش بصورة جماعية ويشكل مع الاخرين مجتمعاً مرتبطاً بعضه ببعض ويقضي حوائجه بالتعاون مع اخيه الإنسان ، ولكن هل هذا التعاون والترابط الاجتماعي هو مقتضى طبيعته الاولية وسجيته الساذجة التي تدفعه الى ان لا يعيش وحده بل يتعاون مع بني نوعه؟

لقد نرى ان للانسان حاجات حسب طبيعته البشرية ، وله عواطف ومدارك خاصة تدفعه الى ان ينجز ما يحتاج اليه

ــــــــــــــــــ

(١) نريد من حكم العقل ادراك ضرورة الفعل او الترك ، اما الدعوة الى فعل ما او تركه انما هو من عمل العاطفة التي يسوقها العقل اليه ، وهو الذي يميز بين النفع والضرر. نعم لما كانت هذه الادراكات اعتبارية فالحكم فيها واحد لا يختلف ـ فليلاحظ ملاحظة دقيقة.

١١٥

بالاجهزة التي جهز بها ، وفي هذه الحاجة لا يشعر بما يحتاج اليه الاخرون ايضا.

يستخدم الإنسان كل شيء للوصول الى مآربه وما يحتاج اليه ، فيستعين بكل بسيط ومركب لقضاء ما لا بد منه ، يستفيد من النباتات والاشجار الصغيرة والكبيرة ، ويسيطر على الحيوانات وما تدره من الخيرات كل ذلك ليرفع بها ما يشعر به من النواقص الحياتية ويسد بها ما يتجدد من الخلل في عيشه.

الإنسان الذي هذا دأبه ويستخدم كل ما يجده لمصالحة هل يستفيد من نتائج وجوده. هذا الإنسان الذي يحترم اخاه الإنسان في الظاهر هل يخلص التعاون معه ويصرف نظره عن مصالحه الشخصية للمصالح الإنسانية العامة؟

لا ، ليس هكذا

بل الإنسان يحس بما تطلبه الحياة منه من الحاجات المعاشية الكثيرة ، ويعلم انه وحده لا يتمكن من انجازها ، بل يعلم انه بحاجة الى من يساعده في قضاء حوائجه من ابناء نوعه

ولكن من جهة اخرى يلاحظ ان الاماني التي تدور في خلده تراود اذهان الاخرين ايضا ، فيسعون في تحقيق مصالحهم كما يسعى هو في تحقيق مصالحه.

١١٦

ههنا وعندما يحس بهذه الحقيقة يرضخ للتعاون الاجتماعي ، فيتنازل عن بعض منافع جهده لرفع ما يحتاج اليه بنو نوعه كما انه يستفيد من جهة اخرى من جهد غيره لمصالحه الخالصة. وفي الحقيقة يدخل في سوق الاخذ والعطاء الاجتماعي القائم في كل الاعصار والادوار ليأخذ منه ما يحتاج اليه في مسيرته الحياتية

ان ما ينتج من الجهد الاجتماعي والعمل المشترك كأنه يختلط بعضه ببعض ، فيأخذ كل واحد من افراد المجتمع حسب وزنه الاجتماعي ، اي بمقدار قيمة العمل الذي يقوم به ، له حصة من تلك النتيجة يصرفها فيما يحتاج اليه من الحاجات المعاشية.

* * *

يتضح مما سبق ان الإنسان بمقتضى طبيعته في طلب مصالحه الشخصية ، يستخدم الاخرين لاستثمارهم فيما يعود اليه بالنفع ، ولا يرضخ للتعاون الاجتماعي الا اذا اضطر اليه اضطراراً.

ان هذه حقيقة تتجلى واضحة في دراسة حياة الاطفال ، فان الطفل يريد الحصول على ما يشتهيه جزافاً وبدون قبول اي توجيه ، ويؤكد طلبه بالبكاء والالحاح لو لم يوفق الى الحصول عليه. وكلما تقدم في السن يقترب الى الحياة

١١٧

الاجتماعية ويتعرف على ما يفرضه عليه الخضم الاجتماعي ، فيبتعد تدريجا عن القول جزافا والطلب غير الوجيه ، وهكذا تتبدل به الاحوال حتى ينسى الى حد ما مطاليبه الجزافية.

وشاهد آخر : اننا نرى ان انسانا ما لو اوتي قدرة فوق قدرة المجتمع المحيط به لم يلتزم بما يتطلبه منه من التعاون الاجتماعي ، بل يحاول بكل امكاناته استخدام الناس ليستثمر جهدهم بدون اي تعويض.

يشير تعالى الى التعاون الاجتماعي المذكور بقوله :( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخرياً ) (١) .

الآية الكريمة تشير الى حقيقة التعاون الاجتماعي ، وان كل واحد من افراد البشر يفوق على غيره في جانب من الجهد المشترك ، فكل فرد من المجتمع له قابلية خاصة يستثمر الاخرين بواسطتها ، فهم وحدة اجتماعية متشابكة كالسدى واللحمة بالنسبة الى الثوب.

ويقول تعالى :( ان الإنسان لظلوم كفار ) (٢) .

ويقول أيضا :( انه كان ظلوماً جهولاً ) (٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الزخرف : ٣٢.

(٢) سورة ابراهيم : ٣٤.

(٣) سورة الاحزاب : ٧٢.

١١٨

الايتان تشيران الى الغريزة الطبيعية المودعة في الإنسان الذي يستخدم بواسطتها اخاه الإنسان ويظلمه ويبتز منه ثمرات جهده واتعابه.

د ـ الاختلافات وضرورة القانون :

اضطر الإنسان ان يتقبل النظام الاجتماعي لاغراضه التي لا يمكن الوصول اليها بدونه ، ولذا ربما يتنازل عن بعض ما له من الحرية لضمان حريات الاخرين. ولكن لا يكفي مجرد وجود التعاون الاجتماعي مع ما نراه من الاختلافات الطبقية وعدم التوازن في الاستغلال والاستثمار وشدة الفروق الكبيرة في القوى الروحية والجسدية. وقد نرى ايضا ان المنافع التي ينتظر ان تكون سببا لاصلاح الفرد والمجتمع ، اصبحت هي بنفسها سببا لظهور انواع الخلافات والمشاجرات.

من هنا يعلم الحاجة الى سلسلة من المقررات المشتركة التي يتفق افراد المجتمع على اقرارها والتسليم لها ، فان من البديهي المسلم ان معاملة ما ـ مهما كانت صغيرة وبسيطة ـ لا بد فيها من مقررات مشتركة بين البائع والمشتري حتى تتحقق المعاملة بالشكل المرضي على ضوء تلك المقررات.

فاذن لا محيص من قوانين خاصة ، يسري مفعولها على

١١٩

كل الافراد ، ليبقى المجتمع متماسكاً لا يتسرب اليه التفكك وليحفظ بها المنافع والمصالح.

ولهذا نجد المشرع الاول الذي يريد هداية الإنسان الى الصراط المستقيم وما فيه الحق ، وضع القوانين التي تضمن للمجتمع الإنساني سعادة الدنيا والاخرة ، ودعا الناس الى اتباعها وتحقيقها في حياتهم اليومية.

قال تعالى :( من نطفة خلقه فقدره *ثم السبيل يسره ) (١) .

هـ ـ لا يكفي العقل في هداية الإنسان الى القانون :

مهما كانت هذه الهداية وكيفما تحققت فهي من الفيض الرباني ، لانه تعالى هو الذي خلق الخلق وجعل له هدفا في مسيرته الحياتية تضمن سعادته ، وهو الذي ارشده الى الهداية العامة التي من ضمنها هدايته.

وواضح انه لا يسري الخطأ والتناقض في افعال الله عز وجل ، فلو لم ينتج سبب الهدف الخاص به او ينحرف عنه فليس ذلك من ذنب السبب ، بل هو مستند الى تأثير السبب او الاسباب الاخرى التي منعت الوصول الى ذلك الهدف او الانحراف عنه ، فان السبب الواحد لا يصدر منه الامور

ــــــــــــــــــ

(١) سورة عبس : ١٩ ـ ٢٠.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

مقاتل بن حيّان

ومنهم : مقاتل بن حيّان ، وقد وثّقه غير واحدٍ مِن الأئمّة ، لكنْ نسَبه بعضهم إلى الكذِب ، وحاول الذهبي تبرئته ، وقال بعضهم : لا أحتجُّ به ، وهذا نصُّ ما جاء في( الميزان ) :

( مقاتل بن حيّان ، أو بسطام البلخي ، الخراساني الخرّاز ، أحد الأعلام روى عن الضحّاك ومجاهد وعكرمة والشعبي وشهر بن حوشب وخلقُ ، وعنه : ابن المبارك وبكير بن معروف وعيسى غنجار وآخرون ، وروى عنه مِن شيوخه علقمة بن مرثد ، وذلك في صحيح مسلم .

وكان عابداً كبير القدر صاحب سنّةٍ وصدق ، هرَب أيّام أبي مسلم الخراساني إلى كابل ، ودعا خلقاً إلى الإسلام فأسلموا .

وثّقه يحيى بن معين وأبو داود وغيرهما ، وقال النسائي : ليس به بأس ، وقال أبو الفتح الأزدي : سكتوا عنه ، ثمّ ذكر أبو الفتح عن وكيع أنّه قال : يُنسب إلى الكذِب ، كذا قال أبو الفتح ، وأحسبه التَبَس عليه مقاتل بن حيّان بمقاتل بن سليمان ، فابن حيّان صدوقٌ قويّ الحديث ، والذي كذّبه وكيع فابن سليمان .

ثمّ قال أبو الفتح : ثنا أبو يعلى الموصلي ، ثنا عثمان بن أبي شيبة ، عن حميد الرؤاسي ، عن الحسن بن صالح ، عن هارون أبي محمّد ، عن مقاتل ، عن قتادة ، عن أنَس مرفوعاً قال : قلب القرآن يس ، فمن قرأها كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرّات .

قلت : الظاهر أنّه مقاتل بن سليمان ، وقد جاء توثيق يحيى بن معين لابن حيّان مِن وجوه عنه .

وقال فيه الدارقطني : صالح الحديث .

نعم ، أمّا ابن خزيمة فقال : لا أحتجّ بمقاتل بن حيّان .

قلت : مات قبل الخمسين ومئة فيما أرى )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ١٧١ ـ ١٧٢/ ٨٧٣٩ .

٢٦١

مقاتل بن سليمان

ومنهم : مقاتل بن سليمان ، الذي قيل : إنّ النّاس كلّهم عيال عليه في التفسير ، ووصَفه الأعلام بالأوصاف الجليلة(١) .

لكنّ تفسيره مشحونٌ بالأخبار المصنوعة والآثار الموضوعة ، بل إنّه مُتّخذ مِن اليهود والنصارى .

وكان هو مِن المشبّهة الذين يُشبّهون الباري تعالى بالمخلوقين ، ومنهم مَن نسبه إلى الكذِب... وقد جاء التصريح بهذهِ الأضاليل في تراجمه على لسان الأكابر ، ففي( ميزان الاعتدال ) ما نصّه :

( قال أبو حنيفة : أفرط جهم في نفي التشبيه حتّى قال إنّه تعالى ليس بشيء ، وأفرط مقاتل ـ يعني في الإثبات ـ حتّى جعله مثل خلقه ، وقال وكيع : كان كذّاباً ، وقال البخاري : قال سفيان بن عيينة : سمعت مقاتلاً يقول : إنْ لم يخرج الدجّال في سنة خمسين ومئة فاعلموا أنّي كذّاب ، وقال الجوزَجاني : كان دجّالاً جسوراً ، وقال ابن حبّان : كان يأخذ عن اليهود والنصارى مِن علم القرآن الذي يُوافق كُتبهم ، وكان يشبّه الربّ بالمخلوق ، وكان يكذِب في الحديث .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ١٧٣/ ٨٧٤١ .

٢٦٢

وقال أبو معاذ الفضل بن خالد المروزي : سمِعت خارجة بن مصعب يقول : لم أستحلّ دمَ يهوديّ ، ولو وجدْتّ مقاتل بن سليمان خلوةً لشقَقَتُ بطنه )(١) .

وفي( تنزيه الشريعة ) :

( مقاتل بن سليمان البلخي المفسّر : كذّاب ، وهو من المعروفين بوضع الحديث )(٢) .

وفي( تاريخ بغداد ) :

( قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : أخرجَت خراسان ثلاثةً لم يكن لهم في الدنيا نظير ـ يعني في البِدعة والكذِب ـ : جهم بن صفوان ، وعمر بن صبيح ، ومقاتل بن سليمان .

وروى أبو يوسف أنّه قال : بخراسان صنفان ، ما على الأرض أبغض إليَّ منهما : المقاتليّة ، والجهميّة )(٣) .

فهذا حال من كلّ النّاس عيال عليه في التفسير ، وهذا حال تفسيره...

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ١٧٣ ـ ١٧٥/ ٨٧٤١ .

(٢) تنزيه الشريعة الغرّاء ١ : ١١٩ .

(٣) تاريخ بغداد ١٣ : ١٦٤/ ٧١٤٣ .

٢٦٣

السدّي الكبير

ومنهم : السدّي الكبير ، أخرج عنه مسلم والأربعة ، وأثنى عليه العلماء وعلى تفسيره :

وقال السيوطي :

( قال أبو بكر ابن أبي إدريس : ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية ، وبعده سعيد بن جُبير ، وبعده السدّي ، وبعده سفيان الثوري )(١) .

وقال اليافعي :

( الإمام السدّي المُفسّر الكوفي المشهور )(٢) ، وقال الذهبي : ( قال ابن عدي : هو عندي مستقيمُ الحديث ، صدوق )(٣) .

وقال السمعاني :

( والمشهور بهذه النسبة : إسماعيل بن عبد الرحمان بن أبي ذئب وقيل : ابن أبي كريمة السدّي الأعور ، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة ، من بني عبد مناف ، حجازي الأصل ، سكن الكوفة ، يروي عن أنَس بن مالكرضي‌الله‌عنه وعبد خير وأبي صالح ، وقد رأى ابن عمر رضي الله عنهما ، وهو السدّيُّ

ـــــــــــــــــــ

(١) تدريب الراوي ٢ : ٤٠٠ .

(٢) مرآة الجنان ١ : ٢١١ السنة ١٢٧ .

(٣) تذهيب التهذيب تهذيب التهذيب ١ : ٢٧٣ .

٢٦٤

الكبير ، ثقةٌ مأمون .

روى عنه : الثوري وشعبة وزائدة وسماك بن حرب وإسماعيل بن أبي خالد وسليمان التيمي .

ومات سنة سبع وعشرين ومئة ، في إمارة ابن هبيرة .

وكان إسماعيل بن أبي خالد يقول : السدّي أعلم بالقرآن من الشعبي .

قال أبو بكر أحمد بن موسى بن مردَويه الحافظ : إسماعيل بن عبد الرحمان السدّي ، يُكنّى أبا محمّد ، صاحب التفسير ، وإنّما سُمّي السدّي لأنّه نزل بالسدّة ، وكان أبوه مِن كِبار أهل أصبهان ، توفّي سنة سبع وعشرين ومئة ، في ولاية بني مروان .

روى عن أنَس بن مالك ، وأدرك جماعة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، منهم : سعد بن أبي وقّاص ، وأبو سعيد الخدري ، وابن عمر ، وأبو هريرة ، وابن عبّاس .

حدّث عنه : الثوري وشعبة وأبو عوانة والحسن بن صالح .

قال ابن أبي حاتم : إسماعيل بن عبد الرحمان السدّي الأعور ، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة ، أصله حجازي ، يُعدّ في الكوفيّين ، وكان شريك يقول : ما ندمت على رجلٍ لقيتَه أنْ لا أكون كتبتُ كلّ شيء لَفظَ به ، إلاّ السدّي .

قال يحيى بن سعيد : ما سمعت أحداً يذكر السدّي إلاّ بخير ، وما تركه أحد )(١) .

وفي( الإتقان ) نقلاً عن الحليمي فيالإرشاد :

ـــــــــــــــــــ

(١) الأنساب ٣ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ .

٢٦٥

 ( وتفسير إسماعيل السدّي يُورده بأسانيد إلى ابن مسعود وابن عبّاس ، وروى عن السدّي الأئمّة مثل : الثوري وشعبة ، لكن التفسير الذي جَمَعه رواه عنه أسباط بن نصر ، وأسباط لم يتّفقوا عليه ، غير أنّ أمثل التفاسير تفسير السدّي )(١) .

ومع ذلك كلّه... فإليك بعض الكلمات في جرحِه والطعن عليه في كُتبهم :

ففي( الميزان ) :

( إسماعيل بن عبد الرحمان بن أبي كريمة ، السدّي ، الكوفي ، عن أنَس وعبد الله البهيّ وجماعة ، وعنه : الثوري وأبو بكر ابن عيّاش وخلق ورأى أبا هريرة .

قال يحيى بن القطّان : لا بأس به ، وقال أحمد : ثقة ، وقال ابن معين : في حديثه ضَعف ، وقال أبو حاتم : لا يُحتجّ به ، وقال ابن عدي : هو عندي صدوق ، وروى شريك عن سَلْم بن عبد الرحمان قال : مرّ إبراهيم النخعي بالسدّي وهو يُفسّر لهم القرآن فقال : أمّا إنّه يُفسّر تفسير القوم .

قال عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت : سمعت الشعبي وقيل له إنّ إسماعيل السدّي قد أُعطيَ حظّاً من علمِ القرآن ، فقال : قد أُعطي حظّاً مِن جهلٍ بالقرآن .

وقال الفلاّس عن ابن مهدي : ضعيف .

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٣٨ .

٢٦٦

وقال الجوجاني عن مُعتمر عن ليث قال : كان بالكوفة كذّابان ، فمات أحدهما : السدّي والكلبي )(١) .

وفي( الكاشف ) :

( قال أبو حاتم : لا يُحتجّ به )(٢) .

وفي هامشه للبدخشي : ( قال السعدي : هو كذّاب شتّام ، وقال أبو زرعة : ليّن )(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الإعتدال ١ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧/ ٩٠٧ .

(٢) الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستّة ١ : ٧٩/ ٣٩٤ .

(٣) الحاشية على الكاشف ـ مخطوط .

٢٦٧

محمّد بن السّائب الكلْبي

ومنهم : محمّد بن السائب الكلبي ( صاحب التفسير وعلم النسب ، كان إماماً في هذين العلمين )(١) .

وأخرج عنه الترمذي وغيره مِن كبار الأعلام(٢) .

وقال ابن عدي :

( وللكلبي غير ما ذكرت أحاديثٌ صالحة ، خاصّة عن أبي صالح ، وهو معروف بالتفسير ، وليس لأحدٍ تفسير أطول منه ولا أشبع منه ، وبعده مقاتل بن سليمان ، إلاّ أنّ الكلبي يُفضِّل على مقاتل بن سليمان ، لما قيل في مقاتل مِن المذاهب الرديّة .

وحدّث عن الكلبي الثوري وشعبة ، وإنْ كانا حدّثنا عنه بالشيء اليسير غير المسند ، وحدّث عنه : ابن عيينة وحمّاد بن سلمة وهشيم وغيرهم من ثقات الناس ، ورضوه في التفسير... )(٣) .

( وقال الحسن بن عثمان القاضي : وجدت العلم بالعراق والحجاز ثلاثة : علم أبي حنيفة وتفسير الكلْبي ومغازي محمّد بن إسحاق )(٤) .

وقال البزدوي :

ـــــــــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ٤ : ٣٠٩/ ٦٣٤ .

(٢) تهذيب التهذيب ٩ : ١٥٧ .

(٣) تهذيب الكمال ٢٥ : ٢٥١ ـ ٢٥٢/ ٥٢٣٤ .

(٤) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٤٧/ ٧٢٩٧ .

٢٦٨

 ( ليس من اتّهم بوجهٍ مّا يسقط به كلّ حديثه ، مثل الكلبي وأمثاله... )(١) .

فقال شارحه بشرح هذه الجملة :

( قوله : مثل الكلبي : هو أبو سعيد محمّد بن السائب الكلبي صاحب التفسير ويُقال له أبو النضر أيضاً ، طعنوا فيه بأنّه يروي تفسير كلّ آية عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتُسمّى زوائد الكلبي ، وبأنّه روى حديثاً عند الحجّاج ، فسأله عمّن يرويه ، فقال : عن الحسن بن عليّ ( رضي الله عنهما ) ، فلمّا خرج قيل له : هل سمعت ذلك من الحسن ؟ فقال : لا ، ولكنّي رويت عن الحسن غيظاً له .

وذَكر في الأنساب أنّ الثوري ومحمّد بن إسحاق يرويان عنه ويقولان : حدّثنا أبو النضر، حتّى لا يعرف .

قال : وكان الكلبي سبائيّاً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، مِن أولئك الّذين يقولون : إنّ عليّاً لم يمت ، وأنّه راجعٌ إلى الدنيا قبل قيام السّاعة ، فيملؤها عدلاً كما مُلِئت جوراً ، وإذا رأوا سحابة قالوا : أمير المؤمنين فيها ، والرعد صوته ، والبرق سوطه ، حتّى تبرّأ واحدٌ منهم وقال :

ومِن قَومٍ إذا ذَكَروا عليّاً

يصلّون الصّلاة على السحابِ

مات الكلبي سنة ستٍّ وأربعين ومئة .

وأمثاله : مثل عطاء بن السائب وربيعة بن عبد الرحمان وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم ، اختلطت عقولهم فلم تُقبل رواياتهم التي بعد الاختلاط ، وقُبلت الروايات التي قبله .

فإنْ قيل : ما نُقل عن الكلبي يوجب الطعن عامّاً ، فينبغي أنْ لا تُقبل

ـــــــــــــــــــ

(١) أُصول الفقه ( متن كشف الأسرار ) ٣ : ٧٢ .

٢٦٩

رواياته جميعاً .

قلنا : إنّما يُوجب ذلك إذا ثبت ما نقلوا عنه بطريقِ القطع ، فأمّا إذا اتّهم به ، فلا يثبت حكمه في غير موضع التهمة ، وينبغي أنْ لا يثبت في موضع التهمة أيضاً ، إلاّ أنّ ذلك يورث شبهةً في الثبوت ، وبالشبهةِ تُرَدُّ الحجّة وينتفي ترجّح الصدق في الخبر ، فلذلك لم يثبت .

أو معناه ليس كلّ مَن اتّهم بوجهٍ ساقطُ الحديث ، مثل الكلبي وعبد الله بن لهيعة والحسن بن عمارة وسفيان الثوري وغيرهم ، فإنّه قد طعن في كلّ واحدٍ منهم بوجه ، ولكن علوّ درجتهم في الدّين وتقدّم رتبتهم في العلم والورع ، منع مِن قبول ذلك الطعن في حقّهم ومِن ردّ حديثهم به ، إذ لو رُدّ حديثُ أمثال هؤلاء بطعنِ كلّ أحد ، انقطع طريق الرواية واندرسَ الإخبار ، إذ لم يُوجد بعد الأنبياءعليهم‌السلام مَن لا يُوجد فيه أدنى شيء ممّا يجرح ، إلاّ مَن شاء الله تعالى ، فلِذلك لم يُلتَفت إلى مثل هذا الطعن ، فيُحمل على أحسن الوجوه ، وهو قصد الصيانة كما ذكر )(١) .

وقال القاضي العامري في كتاب( الناسخ والمنسوخ ) :

( قد خرّجتُ هذا من التفاسير التي سمعتها مِن الأئمّة رحمهم الله ، منها ما سمعت مِن الأستاذ الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الإسفرايني رحمه الله ، مثل تفسير مقاتل بن سليمان والحلَبي والكلْبي... ولم أعتمد إلاّ بما صحّ عندي بتواتر واستفاضة ، أو رُوي في الصحاح بغير طعنِ الطاعنٍ ، والله الموفّق لذلك )(٢) .

لكن العجب ، أنّ أئمّة القوم يطعنون في الكلْبي وتفسيره ، فمنهم مَن

ـــــــــــــــــــ

(١) كشف الأسرار ـ شرح أُصول البزدوي ٣ : ٧٢ ـ ٧٣ .

(٢) الناسخ والمنسوخ للقاضي العامري ـ مقدّمة الكتاب .

٢٧٠

يقول هو كاذب ، ومنهم مَن ينادي بضلالته وإلحاده ، ومنهم مَن يحرّم أنْ يُنظر في تفسيره...

قال الذهبي في( ميزان الإعتدال ) :

( قال أحمد بن زهير لأحمد بن حنبل : يحلّ النظر في تفسر الكلْبي ؟ قال : لا .

عبّاس عن ابن معين قال : الكلْبي ليس بثقة ، وقال الجوزجاني وغيره : كذّاب ، وقال الدارقطني وجماعة : متروك ، وقال ابن حبّان : مذهبه في الدين ووضوح الكذِب فيه ، أظهر مِن أنْ يحتاج إلى الإغراق في وصفه )(١) .

وفي( تذكرة الموضوعات ) :

( قد قال أحمد في تفسير الكلْبي : مِن أوّله إلى آخره كذب ، لا يحلُّ النظر فيه )(٢) .

عليّ بن أبي طلحة

ومنهم : عليّ بن أبي طلحة ، وهو مِن رواة تفسير ابن عبّاس ، ووصَف السيوطي نسخته بالجودة ، وأورد كلاماً لأحمد في الاعتماد عليه .

قال في( الإتقان ) :

( وقد ورد عن ابن عبّاس في التفسير ما لا يُحصى كثرةً ، وفيه رواياتٌ وطرقٌ مختلفة ، فمن جيّدها طريق عليّ بن أبي طلحة الهاشمي عنه .

قال أحمد بن حنبل : بمصر صحيفة في التفسير ، رواها عليّ بن أبي طلحة ، لو رحَل رجلٌ فيها إلى مصر قاصداً ما كان كثيراً أسنده أبو جعفر النحاس في ناسخه.

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٥٥٨ ـ ٥٥٩/ ٧٥٧٤ .

(٢) تذكرة الموضوعات : ٨٢ .

٢٧١

قال ابن حجر : وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث، رواها عن معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عبّاس ، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيراً ، فيما يعلّقه عن ابن عبّاس ، وأخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر كثيراً ، بوسائط بينهم وبين أبي صالح )(١) .

لكنّ المشكلة هي :

أوّلاً : إنّ في إسناد هذه النسخة إرسالاً ؛ لأنّ ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عبّاس ، قال في( الإتقان ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٣٧ .

٢٧٢

 ( وقال قومٌ : لم يسمع ابن أبي طلحة من ابن عبّاس التفسير ، إنّما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جُبير )(١) .

لكنّ ابن حجر يحاول دفع هذا الإشكال ، قال السيوطي :

( قال ابن حجر : بعد أنْ عرفت الواسطة وهو ثقةٌ ، فلا ضير في ذلك )(٢) .

وثانياً : إنّ الرجل مطعون في وثاقته ، ففي( ميزان الإعتدال ) للذهبي :

( عليّ بن أبي طلحة ، عن مجاهد وأبي الوداك وراشد بن سعد ، وأخذ تفسير ابن عبّاس عن مُجاهد ، فلم يذكر مجاهداً ، بل أرسله عن ابن عبّاس .

قال أحمد بن محمّد بن عيسى في تاريخ حمص : اسم أبيه سالم بن مخارق ، فأعتقه العبّاس ، ومات عليّ سنة ثلاث وأربعين ومئة ، وقال أحمد بن حنبل : له أشياء مُنكرات ، وقال أبو داود : كان يرى السيف ، وقال النسائي : ليس به بأس .

قلت : حدّث عنه معاوية بن صالح وسُفيان الثوري ، عداده في أهل حمص ، قال دحيم : لم يَسمع عليّ بن أبي طلحة التفسير من ابن عبّاس .

قلت : روى معاوية بن صالح عنه ، عن ابن عبّاس تفسيراً كبيراً ممتعاً )(٣) .

وفي( حاشية الكاشف ) :

( قال يعوب بن سفيان : ضعيفُ الحديث ، يعني عليّ بن أبي طلحة )(٤) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٣٧ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٣٧ .

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ١٣٤/ ٥٨٧٠ .

(٤) حاشية الكاشف ـ مخطوط .

٢٧٣

وثالثاً : إنّ هذه النسخة يرويها أبو صالح عن معاوية بن صالح ، وهو أيضاً مجروحٌ جدّاً ، قال في( الميزان ) :

( معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي ، قاضي الأندلس ، أبو عمرو ، روى عن مكحول والكبار ، وعنه : ابن وهب وعبد الرحمان بن مهدي وأبو صالح وطائفة وثّقه أحمد وأبو زرعة وغيرهما .

وكان يحيى القطّان يتعنّت ولا يرضاه ، وقال أبو حاتم : لا يُحتجّ به ، ولذا لم يُخرّج له البخاري ، وليّنه ابن معين... )(١) .

ورابعاً : إنّ أبا صالح ـ كاتب الليث ـ أيضاً غير صالح قال في( الميزان ) :

( عبد الله بن صالح بن محمّد بن مسلم الجهني المصري ، أبو صالح ، كاتب الليث بن سعد على أمواله ، هو صاحب حديث وعلم مكثر ، وله مناكير ، حدّث عن معاوية بن صالح والليث وموسى بن عليّ وخلقٌ ، وعنه شيخه الليث وابن وهب وابن معين وأحمد بن الفرات ، والناس .

قال عبد الملك بن شعيب بن الليث : ثقةٌ مأمون ، سمع من جدّي حديثه ، وقال أبو حاتم : سمعت محمّد بن عبد الله بن عبد الحكم وسُئل عن أبي صالح فقال : تسألني عن أقرب رجلٍ إلى الليث ، لزِمه سفَراً وحضَراً ، وكان يخلو معه كثيراً ، لا يُنكر لمثله أنْ يكون قد سمع منه كثرةَ ما أخرج عن الليث .

وقال أبو حاتم : سمعت ابن معين يقول : أقلّ أحواله أنْ يكون قرأ هذهِ الكُتب على الليث وأجازها له ، ويُمكن أنْ يكون ابن أبي ذئب كتب إليه بهذا الدرج .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ١٣٥/ ٨٦٢٤ .

٢٧٤

قال : وسمعت أحمد بن صالح يقول : لا أعلم أحداً روى عن الليث عن ابن أبي ذئب إلاّ أبو صالح.

وقال أحمد بن حنبل : كان أوّل أمره مُتماسكاً ثمّ فسد بآخره ، يَروي عن ليث عن ابن أبي ذئب ، ولم يسمع الليث من ابن أبي ذئب شيئاً .

وقال أبو حاتم : هو صدوقٌ أمينٌ ما علِمته ، وقال أبو زرعة : لم يكن عندي ممّن يتعمّد الكذب ، وكان حسنُ الحديث ، وقال أبو حاتم : أخرج أحاديثَ في آخر عمره أنكروها عليه ، يرى أنّها ممّا افتعل خالد بن نجيح ، وكان أبو صالح يصحبه ، وكان سليم الناحية ، لم يكن وزن أبي صالح الكذب ، كان رجلاً صالحاً ، وقال أحمد بن محمّد [بن] الحجّاج بن رشدين : سمعت أحمد بن صالح يقول : متّهمٌ ليس بشيء ـ يعني الحمراوي عبد الله بن صالح ـ ، وسمعت أحمد بن صالح يقول في عبد الله بن صالح ، فأجروا عليه كلمةً أُخرى .

وقال ابن عبد الحكم : سمعت أبي عبد الله يقول ما لا أُحصي وقد قيل له : إنّ يحيى بن بكير يقول في أبي صالح شيئاً ، فقال : قل له : هل حدّثك الليث قطّ إلاّ وأبو صالح عنده ، وقد كان يخرج معه إلى الأسفار وهو كاتبه ، فتنكر أنْ يكون عنده ما ليس عند غيره .

وقال سعيد بن منصور : كلّمني يحيى بن معين قال : أحبّ أنْ تمسك عن عبد الله بن صالح، فقلت: لا أمسك عنه وأنا أعلم النّاس به ، إنّما كان كاتباً للضِياع .

وقال أحمد : كتب إليّ ـ وأنا بحمص ـ يسألني الزيارة .

قال الفضل بن محمّد الشعراني : إنّي ما رأيت أبا صالح إلاّ وهو يُحدّث أو يُسبّح .

قال صالح جَزَرة : كان ابن معين يوثّقه ، وهو عندي يكذِب في الحديث ، وقال النسائي : ليس بثقةٍ ، يحيى بن بكير أحبّ إلينا منه ، وقال ابن المديني : لا أروي عنه شيئاً ، وقال ابن حبّان : كان في نفسه صدوقاً ، إنّما وقعَت المناكير في حديثه من قِبل جارٍ له ، فسمعتُ ابن خزيمة يقول : كان له جار ، كان بينه وبينه عداوة ، كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخطٍّ يشبه خطَّ عبد الله ويرميه في داره بين كتبه ، فيتوهّم عبد الله أنّه خطّه فيُحدّث به .

وقال ابن عدي : هو عندي مستقيمُ الحديث ، إلاّ أنّه يقع في أسانيده ومتونه غلطٌ ولا يتعمّد .

٢٧٥

قلت : وقد روى عنه البخاري في الصحيح على الصحيح ، ولكنّه يدلّسه فيقول : ثنا عبد الله ولا ينسبه وهو هو، نعم علّق البخاري حديثاً فقال فيه : قال الليث بن سعد : حدّثني جعفر بن ربيعة ، ثمّ قال في آخر الحديث : حدّثني عبد الله بن صالح ، ثنا الليث ، فذكره ، ولكن هذا عند ابن حمويه السرخسي دون صاحبيه .

وفي الجملة ؛ ما هو بدون نعيم بن حمّاد ، ولا إسماعيل بن أبي أُويس ، ولا سويد بن سعيد ، وحديثهم في الصحيحين ، ولكلّ منهم مناكير تغتفر في كثرة ما روى ، وبعضها منكر واهٍ ، وبعضها غريبٌ محتمل .

وقد قامت القيامة على عبد الله بن صالح بهذا الخبر الذي قال : حدّثنانافع بن يزيد ، عن زهرة بن معبد ، عن سعيد بن المسيّب ، عن جابر، مرفوعاً : ( إنّ الله اختار أصحابي على العالمين ، سوى النبيّين والمرسلين ، واختار مِن أصحابي أربعة : أبا بكر ، وعُمر ، وعثمان ، وعليّاً ، فجعلهم خيرَ أصحابي ، وفي أصحابي كلّهم خير ) .

قال سعيد بن عمرو ، عن أبي زرعة : بُلي أبو صالح بخالد بن نجيح ، في حديث زهرة بن معبد عن سعيد ، وليس له أصل .

قلت : قد رواه أبو العبّاس محمّد بن أحمد الأثرم... )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٤٤٠ ـ ٤٤٢/ ٤٣٨٣ .

٢٧٦

سعيد بن بشير

ومنهم : سعيد بن بشير، صاحب قتادة ، من رجال السنن الأربعة ، وهذه ترجمته في( الميزان ) :

( سعيد بن بشير ، صاحب قتادة ، سكن دمشق ، وحدّث عن قتادة والزهري وجماعة ، وعنه : أبو مسهر وأبو الجماهر ويحيى الوحاظي ، قال أبو مسهر : لم يكن في بلدنا أحفظ منه ، وهو مُنكَر الحديث ، وقال أبو حاتم : محلّه الصّدق ، وقال البخاري : يتكلّمون في حفظه ، وقال بقيّة : سألت شعبة عنه فقال : ذاك صدوق اللّسان ، وقال عثمان عن ابن معين : ضعيف .

وقال عبّاس عن ابن معين : ليس بشيء ، وقال الفلاّس : حدّثنا عنه ابن مهدي ثمّ تركه ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال ابن الجوزي : قد وثّقه شعبة ودحيم ، وقال ابن عيينة : حدّثنا سعيد بن بشير وكان حافظاً ، وقال أبو زرعة النصري : قلت لأبي الجماهر : كان سعيد بن بشير قدريّاً ؟ قال : معاذَ الله ، وسمعت أبا مسهر يقول : أتيتُ سعيداً أنا ومحمّد بن شعيب فقال : والله لا أقول إنّ الله يُقدّر الشر ويعذّب عليه ، ثمّ قال : أستغفر الله ، أردتُّ الخير فوقعت في الشرّ ) .

( قال يعقوب الفسوي : سألت أبا مسهر عن سعيد بن بشير فقال : لم يكن في جندنا أحفظ منه ، وهو ضعيفٌ ، مُنكَر الحديث وقال ابن نمير : يروي عن قتادة المُنكرات .

وذكره أبو زرعة في الضعفاء وقال : لا يحتجّ به ، وكذا قال أبو حاتم ) .

( ولسعيد تفسير رواه عنه الوليد .

قال ابن عدي : لا أرى بما يَروي بأساً ، ولعلّه يهم ويغلط .

وله عند أهل دمشق تصانيف ، رأيت له تفسيراً مصنّفاً ، والغالب عليه الصدّق .

قيل : ماتَ سنة ثمانٍ وستّين ومئة )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ١٢٨ ـ ١٣٠/ ٣١٤٣ .

٢٧٧

الفريابي

ومنهم : الفريابي... فإنّه وإنْ مُدِح ووثِّق ، كما في( الوافي بالوفيات ) حيث قال :

( محمّد بن يوسف بن واقد ، أبو عبد الله الفريابي ، ولد سنة ١٢٠ ، كان عالماً زاهداً ورِعاً ، من الطبقة السادسة ، قال : رأيتُ في المنام أنّي دخلت كرْماً فيه عِنب ، فأكلت من عنبه كلّه إلاّ الأبيض ، فقصَصْتُ رؤياي على سُفيان الثوري فقال : تُصيب مِن العلوم كلّها ، إلاّ الفرائض فإنّها جوهر العلم ، كما أنّ العِنب الأبيض جوهر العنب ، وكان كما قال .

روى عن الثوري وغيره وروى عنه الإمام أحمد وغيره قال البخاري : كان الفريابي مِن أفضل أهل زمانه ، وكان ثقة صدوقاً مجاب الدعوة ، توفّي سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومئتين )(١) .

ومع هذا ، فقد أورده الذهبي في( الميزان ) ، وحكى عن يحيى بن معين أنّه حكم على بعض أحاديثه بالبطلان ، وعن العجلي أنّ الفريابي أخطأ في مئةٍ وخمسينَ حديثاً(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الوافي بالوفيات ٥ : ٢٤٣/ ٢٣١٠ .

(٢) ميزان الاعتدال ٤ : ٧١ ـ ٧٢/ ٨٣٤٠ .

٢٧٨

عثمان بن أبي شيبة

ومنهم : عثمان بن أبي شيبة .

قال اليافعي في( تاريخه ) :

( الحافظ عثمان بن أبي شيبة العبْسي الكوفي ، وكان أسنّ مِن أخيه أبي بكر رحل وطوّف ، وصنّف التفسير والمسند ، وحضر مجلسه ثلاثونَ ألفاً )(١) .

وقال الذهبي في( الميزان ) :

( خ م د ق ـ عثمان بن أبي شيبة ، أبو الحسن ، أحد أئمّة الحديث الأعلام ، كأخيه أبي بكر )(٢) .

ومع ذلك ، فقد تُكلّم فيه مِن جهات ، قال في( الميزان ) :

( قال عبد الله : وقلت لأبي : حدّثنا عثمان ، ثنا جرير ، عن شيبة بن نعامة ، عن فاطمة بنت حسين بن عليّ ، عن فاطمة الكبرى ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لكلّ بني أب عُصبةٌ ينتمون إليه ، إلاّ وِلد فاطمة ، أنا عُصبتهم ) .

وقلت له : حدّثنا عثمان ، ثنا أبو خالد الأحمر ، عن ثور بن يزيد ، عن أبي الزبير ، عن جابر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( تسليم الرجل بأصبع واحد ، يشير بها فعل اليهود ) .

فأنكر أبي هذه الأحاديث مع أحاديث من هذا النحو، أنكرها جدّاً، وقال:

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ٢ : ٩٢ السنة ٢٣٩ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٥/ ٥٥١٨ .

٢٧٩

هذه موضوعة أو كأنّها موضوعة .

وقال أبي : أبو بكر أخوه ، أحبّ إليّ مِن عثمان ، فقلت : إنّ يحيى بن معين يقول : إنّ عثمان أحبّ إليّ ، فقال أبي : لا .

ورواها أبو عليّ ابن الصواف ، عن عبد الله ، عن أبيه وزاد فقال : ما كان أخوه أبو بكر يُطَنِّف نفسه لشيء مِن هذه الأحاديث ، نسأل الله السلامة .

وقال : كنّا نراه يتوهّم هذه الأحاديث )(١) .

( قال يحيى : ثقةٌ مأمون قلت : إلاّ أنّ عثمان كان لا يحفظ القرآن فيما قيل ، فقال أحمد بن كامل : ثنا الحسن بن الحباب : أنّ عثمان بن أبي شيبة قرأ عليهم في التفسير :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ) قالها : ألف لام ميم )(٢) .

( قلت : لعلّه سبْق لسان ، وإلاّ فقطعاً كان يحفظ سورة الفيل ، وهذا تفسيره قد حمله النّاس عنه )(٣) .

وقال السيوطي في( تدريب الراوي ) :

( أورد الدارقطني في كتاب التصحيف كلّ تصحيفٍِ وقعَ للعلماء ، حتّى في القرآن ، من ذلك ما رواه أنّ عثمان بن أبي شيبة قرأ على أصحابه في التفسير : (وجعل السفينة في رجل أخيه فقيل له : إنّما هو( جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ) . فقال : أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم قال : وقرأ عليهم في التفسير

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٦/ ٥٥١٨ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٧/ ٥٥١٨ .

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٧/ ٥٥١٨ .

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456