استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام13%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227135 / تحميل: 8330
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

لهو المؤمن في ثلاثة أشياء

٢١٠ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثني حماد بن يعلى بن حماد، عن أبيه، عن حماد بن عيسى الجهني، عن حريز بن عبدالله، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لهو المؤمن في ثلاثة أشياء: التمتع بالنساء ومفاكهة الاخوان والصلاة بالليل.

من اجتمعت له ثلاث خصال فكأنما حيزت له الدنيا

٢١١ - حدثنا أبوالحسن محمد بن أحمد بن علي بن أسد الاسدي قال: حدثنا عبدالله بن سليمان، وعبدالله بن محمد الوهبي، وأحمد بن عمير، ومحمد بن أبي أيوب قالوا: حدثنا محمد بن بشر بن هانئ بن عبد الرحمن(١) قال: حدثنا أبي، عن عمه إبراهيم ابن أبي عبلة(٢) عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من أصبح معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت(٣) له الدنيا. يا ابن خثعم(٤) يكفيك منها ما سد جوعتك ووارى عورتك فإن يكن بيت

______________

(١) السند إلى هنا هكذا في جميع النسخ. وفى الامالى للمصنف « عبدالله بن هانئ » بدل « محمد بن بشر بن هانئ ».

(٢) ابراهيم بن أبى عبلة - بسكون الموحدة - اسمه شمر بن يقظان الشامي يكنى أبا اسماعيل ثقة، وممن يروى عنه هانئ بن عبد الرحمن. وابراهيم ذكر فيمن يروى عن ام الدرداء كما في تهذيب التهذيب للعسقلاني.

(٣) في النهاية: يقال فلان آمن في سربه أي في نفسه وفلان واسع السرب أي رخى البال. ويروى - بالفتح - وهو المسلك والطريق، يقال: خل له سربه أي طريقه. وفى التنزيل « واتخذ سبيله في البحر سربا » أي مسلكا. قوله « حيزت » أي جمعت. وفى بعض النسخ « خيرت » وهو تصحيف.

(٤) كذا وهذا من غريب التصحيف الذى فعله النساخ والصواب « يا ابن آدم جفينة يكفيك - » كما رواه الطبراني في الكبير على ما في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٢٨٩ عن أبى الدرداء وهو هذا الحديث بلفظه. والجفينة تصغير جفنة وهى القصعة والمظنون جدا أنه =

١٦١

يكنك فذاك وإن تكن دابة تركبها فبخ، فلق الخبز وماء الجر(١) وما بعد ذلك حساب عليك أو عذاب.

ضرب النبي صلّى الله عليه وآله في الخندق بالمعول ثلاث مرات

وكبر ثلاث مرات

٢١٢ - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس الليثي(٢) قال: حدثنا أبوعبدالله محمد بن الفرج الشروطي(٣) قال: حدثنا أبوعبدالله محمد بن يزيد بن المهلب قال: حدثنا أبوسفيان(٤) قال: حدثني عوف، عن ميمون قال: أخبرني البراء بن - عازب قال: لما أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله: بحفر الخندق عرضت له صخرة عظيمة شديدة في عرض الخندق لا تأخذ فيها المعاول فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله فلما رآها وضع ثوبه فأخذ المعول، وقال: بسم الله وضرب ضربة فكسر ثلثها، فقال: الله أكبر اعطيت مفاتيح الشام، والله إني لابصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقال: بسم الله، ففلق ثلثا آخر، فقال: الله أكبر اعطيت مفاتيح فارس، والله إني لابصر قصر المدائن الابيض، ثم ضرب الثالثة ففلق بقية الحجر، فقال: الله أكبر اعطيت مفاتيح اليمن، و الله إني لابصر أبواب صنعاء من مكاني هذا.

______________

= جعل الكاتب « جفينة » فوق « آدم » واتصل الهاء بالميم هكذا (جفينة يابن آدم) فقرأه بعضهم « يا ابن خثعم » كما في النسخ، وبعضهم « يا ابن جعشم » كما في الامالى والوسائل.

(١) في النسخ المطبوعة « فبخ بخ والخير وماء الخير » وهو أيضا من تصحيف النساخ، والجر لغة في الجرة - بالفتح - بمعنى الاناء، أو كتمرة وتمر كما في المصباح

(٢) احتمل بعض الافاضل اتحاده مع محمد بن أحمد بن ابراهيم بن أحمد المعاذى.

(٣) كذا، وفى الامالى « محمد بن عبدالله بن الفرج ».

(٤) هو أبوسفيان سعيد بن يحيى الحذاء الواسطي روى عن عوف الاعرابي البصري المترجم في التهذيب تحت رقم ٣٠١ وهو ممن يروى عن ميمون أبى عبدالله البصري الكندى المترجم فيه تحت رقم ٧٠٥ وهو عن البراء. وفى النسخ « حدثنا أبوسنان قال: حدثنى عوف بن ميمون » وهذا أيضا من تصحيف النساخ.

١٦٢

أحب الاعمال إلى الله عزّوجلّ ثلاثة

٢١٣ - أخبرني الخليل بن أحمد السجزي قال: أخبرنا أبوالقاسم البغوي قال: حدثنا علي - يعني ابن الجعد - قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني الوليد بن العيزار ابن حريث(١) قال: سمعت أبا عمرو الشيباني قال: حدثني صاحب هذه الدار وأشار بيده إلى دار عبدالله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله أي الاعمال أحب إلى الله عزّوجلّ؟ قال: الصلاة لوقتها، قلت: ثم أي شئ؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي شئ؟ قال: الجهاد في سبيل الله عزّوجلّ، قال: فحدثني بهذا ولو استزدته لزادني.

أشد ما يتخوف على امتى ثلاثة أشياء

٢١٤ - حدثنا أبوأحمد الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري قال: أخبرنا أبوأسيد أحمد بن محمد بن اسيد الاصبهاني قال: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي قال: حدثنا أبوغسان قال: حدثنا مسعود بن سعد الجعفي - وكان من خيار من أدركنا - عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أشد ما يتخوف على أمتي ثلاثة: زلة عالم، أو جدال منافق بالقرآن أو دنيا تقطع رقابكم، فاتهموها على أنفسكم.

من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يفعل ثلاثة اشياء

٢١٥ - حدثنا الخليل بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن معاذ قال: حدثنا علي بن -

______________

(١) قال العسقلاني: على بن الجعد بن عبيد الجوهرى البغدادي ثقة ثبت رمى بالتشيع مات سنة ثلاثين ومائتين. وذكره فيمن يروى عن شعبة بن الحجاج وهو ممن يروى عن الوليد بن العيزار بن حريث العبدى الكوفى الثقة وهو ممن يروى عن سعد بن اياس أبى عمرو الشيباني وهو مخضرم عاش مائة وعشرين سنة، حضر القادسية ومات بعد ٩٦. وممن يروى عن على بن الجعد أبوالقاسم عبدالله بن محمد بن عبد العزيز البغوي المذكور في صدر السند.

١٦٣

خشرم قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن أبي معمر، عن سعيد المقبري(١) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر(٢) ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع حليلته تخرج إلى الحمام(٣) .

التخوف على الامة من ثلاث خصال

٢١٦ - حدثنا أبوالحسن علي بن عبدالله الاسواري المذكر قال: حدثنا أبويوسف أحمد بن محمد بن قيس السجزي المذكر قال: حدثنا أبويعقوب قال: حدثنا علي بن خشرم قال: أخبرنا عيسى، عن أبي عبيدة(٤) عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنما أتخوف على امتي من بعدي ثلاث خصال: أن يتأولوا القرآن على غير تأويله(٥) أو يتبعوا زلة العالم، أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا ويبطروا، و سانبئكم المخرج من ذلك: أما القرآن فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وأما

______________

(١) سعيد بن أبي سعيد كيسان المقبرى أبوسعد المدنى ثقة. (التقريب).

(٢) وان لم يشرب هو وذلك لوجوب ازالة المنكر وحرمة الكون في مجلس يفعل فيه الحرام لانه تقرير على منكر.

(٣) أي بغير عذر شرعى كلزوم الطهارة أو إذا ما يترتب عليه مفسدة، أو إذا ما خرجت منفردة دون أن يراقبها أحد من محارمه.

(٤) المراد بعيسى عيسى بن يونس بن أبى اسحاق السبيعى كما في الحديث السابق وأبو عبيدة هو ابن عبيد الله بن عبد الرحمن الاشجعى. وما في نسخ الخصال من « ابن عبيدة » مصحف، وفى البحار كما في المتن وهو الصواب.

(٥) التأويل ارجاع الكلام وصرفه عن معناه الظاهرى إلى معنى أخفى منه مأخوذ من آل يؤل إذا رجع وصار إليه. واعلم أن التأويل غير جائز في مذهبنا وبابه مسدود الا عن أهله وهم الراسخون في العلم، والمراد بهم الائمة المعصومون عليهم السلام.

١٦٤

العالم فانتظروا فيئته ولا تتبعوا زلته(١) ، وأما المال فان المخرج منه شكر النعمة و أداء حقه.

حبب إلى النبي صلّى الله عليه وآله من الدنيا ثلاث

٢١٧ - حدثنا أبوأحمد محمد بن جعفر البندار الشافعي بفرغانة قال: حدثنا أبوالعباس الحمادي قال: حدثنا صالح بن محمد البغدادي قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: أخبرنا سلام أبوالمنذر(٢) قال: سمعت ثابت البناني ولم أسمع من غيره يحدث عن أنس بن مالك، عن النبي صلّى الله عليه وآله قال: حبب إلي من الدنيا(٣) النساء. والطيب، وقرة عيني في الصلاة.

٢١٨ - حدثنا أبوعلي الحسن بن علي بن محمد بن [ علي بن ] عمر [ و ] العطار ببلخ قال: حدثنا أبومصعب محمد بن أحمد بن مصعب بن القاسم السلمي بترمذ قال: حدثنا أبومحمد أحمد بن محمد بن إسحاق بن هارون الآملي بآمل قال: حدثنا أحمد بن محمد بن غالب البصري الزاهد ببغداد قال: حدثنا يسار مولى أخا(٤) أنس بن مالك، عن أنس، عن النبي صلّى الله عليه وآله: قال: حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة.

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: إن الملحدين يتعلقون بهذا الخبر ويقولون: إن النبي صلّى الله عليه وآله قال: حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وأراد أن يقول الثالث فندم وقال: « وجعل قرة عيني في الصلاة » وكذبوا لانه صلّى الله عليه وآله لم يكن مراده بهذا الخبر إلا الصلاة وحدها لانه صلّى الله عليه وآله قال: ركعتين يصليهما المتزوج أفضل

______________

(١) أي فانتظروا رجوعه عن الزلة إلى الحق والاستقامة.

(٢) هو سلام سليمان المزني أبوالمنذر القارئ النحوي الكوفى قال ابن أبى حاتم صدوق صالح الحديث. وفى النسخ المطبوعة « سلام بن المنذر ».

(٣) زاد هنا في بعض النسخ « ثلاث » ولا أصل له إذ يغير المعنى لانه انما ذكر اثنين وفصل الاخير بقوله « قرة عينى ». ويأتى بيان الخبر عند قول المصنف.

(٤) كذا.

١٦٥

عند الله من سبعين ركعة يصليها غير متزوج، وإنما حبب الله إليه النساء لاجل الصلاة وهكذا قال: ركعتين يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليها غير متعطر، وإنما حبب الله إليه الطيب أيضا لاجل الصلاة، ثم قال عليه السلام « وجعل قرة عيني في الصلاة » لان الرجل لو تطيب وتزوج، ثم لم يصل لم يكن له في التزويج والطيب فضل و لا ثواب(١) .

______________

(١) ينبغى التأمل في ألفاظ الخبر قبل توضيحه. الاول قوله صلّى الله عليه وآله: « حبب » بصيغة المجهول دون « أحببت » والثانى « من دنياكم » والثالث « قرة عينى في الصلاة ». وأما قوله « حبب » اشارة إلى أن جبلته صلّى الله عليه وآله مجبولة على حب امور الآخرة دون الدنيا. ولكن الله تعالى حببه لهذين الشيئين: حب النساء والطيب من امور الدنيا لكثرة ما يترتب عليهما من المنافع والخيرات. اما النساء فيترتب على حبهن مضافا على كثرة التناسل امور اخر وقد أباح الله تعالى له صلّى الله عليه وآله تزويج تسعة من النساء دون أمته لتلك الامور وهى أن الله تعالى أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها وما يستحيا من ذكره وما لا يستحيا منه وكان صلّى الله عليه وآله أشد الناس حياء، فجعل الله له نسوة ينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله و يسمعنه من أقواله ويذكرنه من سنته في معاشرته معهن التى قد يستحيى من الافصاح بها بحضرة الرجال وذلك ليتكمل نقل الشريعة. فقد نقلن كثيرا من آدابه في تهجده وسواكه ونومه ويقظته وسائر اموره ما لم يكن ينقله غيرهن وما رأينه في منامه وخلواته من الايات الباهرات والحجج البالغات على نبوته، ومن جده واجتهاده في العبادة وخشيته من الله وغيرها مما يشهد كل ذى لب أنها لا تكون الا لنبى وما كان يشاهدها غيرهن، فحصل بذلك خير عظيم. و هذا هو المشاهد لمن سبر كتب الحديث.

وأما الطيب وان كان تنعم في الدنيا الا أنه يقوى القلب والجوارح، مضافا إلى أنه حظ الملائكة ففى الخبر « لا تدع الطيب فان الملائكة تستنشق ريح الطيب من المؤمن ».

وأما قوله صلّى الله عليه وآله « من دنياكم » كما في الخبر الثاني ففيه مالا يخفى من اضافة الدنيا إلى غيره. وأما قوله صلّى الله عليه واله « قرة عينى في الصلاة » اشارة إلى أنه وان كان حبب إليه من الدنيا « النساء والطيب » لكن قرة عينه في الصلاة لا غير، يعنى محبوبه الحقيقي وما يقر عينه و =

١٦٦

كان الصادق (عليه السلام) لا يخلو من احدى ثلاث خصال

٢١٩ - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن - الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه قال: حدثنا أبوأحمد محمد بن زياد الازدي قال: سمعت مالك بن أنس(١) فقيه المدينة يقول: كنت أدخل على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فيقدم لي مخدة ويعرف لي قدرا ويقول: يا مالك إني احبك فكنت أسر بذلك وأحمد الله عليه، وكان عليه السلام لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إما صائما وإما قائما وإما ذاكرا، وكان من عظماء العباد وأكابر الزهاد الذين يخشون الله عزّوجلّ، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد فإذا قال: « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله » اخضر مرة واصفر اخرى حتى ينكره من يعرفه، ولقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الاحرام كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد يخر من راحلته، فقلت: قل يا ابن رسول الله فلابد لك من أن تقول، فقال عليه السلام: يا ابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول: « لبيك اللهم لبيك » وأخشى أن يقول عزّوجلّ [ لي ]: لا لبيك ولا سعديك.(٢)

ينتفع زائر الرضا عليه السلام في ثلاث مواطن

٢٢٠ - حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن أبي -

______________

= يتعلق سويداء قلبه به هو في الصلاة هذا إذا كانت « الصلاة » بفتح الصاد، وأما إذا كان بكسر الصاد كما قد قرء فهو من باب « وصل » واحدها صلة بكسر الصاد فهى العطية والاحسان و الجائزة وما يقال له بالفارسية (چشم روشنى) فلعل المراد اهداء الطيب كما يظهر من بعض الاخبار ففى معاني الاخبار في معنى لا يأبى الكرامة الا الحمار المراد الطيب والتوسعة في المجلس. لكنه بعيد ومخالف لكتابة الصلاة لانها بالتاء المدور لا الممدود.

(١) هو مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر أبوعبدالله المدنى الفقيه.

(٢) لبيك أي مقيم على طاعتك اقامة بعد اقامة. وسعديك أي اسعدك اسعادا بعد اسعاد.

١٦٧

عبدالله الكوفي، عن أحمد بن محمد بن صالح الرازي، عن حمدان الديواني(١) قال: قال الرضا عليه السلام: من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى اخلصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا، وعند الصراط، وعند الميزان.

الاعمال على ثلاثة أحوال

٢٢١ - حدثنا أبوالحسن محمد بن عمرو بن علي البصري قال: حدثنا أبوالحسن علي بن الحسن بن الميثمي قال: حدثنا أبوالحسن علي بن مهرويه القزويني قال: حدثنا أبوأحمد الغازي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا قال: حدثني أبي موسى ابن جعفر قال حدثني أبي جعفر بن محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثنا أبي علي بن الحسين قال: حدثنا أبي الحسين بن علي قال: سمعت أبي علي بن أبي - طالب عليهم السلام يقول: الاعمال على ثلاثة أحوال فرائض، وفضائل، ومعاصي. فأما الفرائض فبأمر الله وبرضى الله وبقضاء الله وتقديره ومشيئته وعلمه عزّوجلّ. وأما الفضائل فليست بأمر الله(٢) ولكن برضى الله وبقضاء الله وبمشيئته الله وبعلم الله عز وجل، وأما المعاصي فليست بأمر الله ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبمشيئته وعلمه ثم يعاقب عليها.

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه - المعاصي بقضاء الله معناه بنهي الله لان حكمه عزّوجلّ فيها على عباده الانتهاء عنها، ومعنى قوله « بقدر الله » أي بعلم الله بمبلغها ومقدارها. ومعنى قوله « وبمشيئته » فانه عزّوجلّ شاء أن لا يمنع العاصي من المعاصي إلا بالزجر والقول والنهي والتحذير، دون الجبر والمنع بالقوة و الدفع بالقدرة.

______________

(١) في بعض النسخ « الديرانى ».

(٢) يعنى الامر الوجوبى. أي لا يأمر بها وجوبا.

١٦٨

أمر الباقر عليه السلام ابنه الصادق عليه السلام

بثلاث ونهاه عن ثلاث

٢٢٢ - حدثنا أبوأحمد القاسم بن محمد السراج الهمذاني بهمذان قال: حدثنا أبوبكر محمد بن أحمد الضبي قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز الدينوري قال: حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي، عن سفيان الثوري قال: لقيت الصادق بن الصادق جعفر بن - محمد عليهما السلام فقلت له: يا ابن رسول الله أوصني فقال لي: يا سفيان لا مروءة لكذوب، ولا أخ لملوك ولا راحة لحسود، ولا سودد لسيئ الخلق، فقلت: يا ابن رسول الله زدني، فقال لي: يا سفيان ثق بالله تكن مؤمنا، وارض بما قسم الله لك تكن غنيا، وأحسن مجاورة من جاورته تكن مسلما، ولا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره، وشاور في أمرك الذين يخشون الله عزّوجلّ، فقلت: يا ابن رسول الله زدني، فقال لي: يا سفيان من أراد عزا بلا عشيرة وغنى بلا مال وهيبة بلا سلطان فلينقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته، فقلت: زدني يا ابن رسول الله، فقال لي: يا سفيان أمرني والدي عليه السلام بثلاث ونهاني عن ثلاث، فكان فيما قال لي: يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم، ومن لا يملك لسانه يندم، ثم أنشدني [ فقال ] عليه السلام:

عود لسانك قول الخير تحظ به

إن اللسان لما عودت يعتاد

موكل بتقاضي ما سننت له

في الخير والشر فانظر كيف تعتاد

إذا قام القائم عليه السلام حكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله

٢٢٣ - حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن عمران البرقي قال: حدثنا محمد بن علي الهمداني، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبدالله وأبي الحسن عليهما السلام قالا: لو قد قام القائم(١) لحكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله: يقتل الشيخ الزاني، ويقتل مانع الزكاة، ويورث الاخ أخاه في الاظلة.(٢)

______________

(١) في بعض النسخ « إذا قام القائم » عليه السلام.

(٢) يعنى عالم الاظلة والاشباح وهو عالم الذر.

١٦٩

قول النبي صلّى الله عليه وآله لسلمان الفارسى (ره)

ان لك في علتك ثلاث خصال

٢٢٤ - حدثنا محمد بن علي بن الشاه قال: حدثنا أبوحامد قال: حدثنا أبويزيد أحمد بن خالد الخالدي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن صالح التميمي، عن أبيه قال: حدثنا محمد بن حاتم القطان، عن حماد بن عمرو، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لسلمان الفارسي رضي الله عنه: يا سلمان إن لك في علتك إذا اعتللت ثلاث خصال أنت من الله تبارك وتعالى بذكر، ودعاؤك فيها مستجاب، ولا تدع العلة عليك ذنبا إلا حطته، متعك الله بالعافية إلى انقضاء أجلك.

قول عمر أتوب إلى الله من ثلاث

٢٢٥ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن علي الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي قال: أخبرني يحيى بن الحسن ابن الفرات القزاز قال: حدثنا هارون بن عبيدة، عن يحيى بن عبدالله بن الحسن بن - الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال: قال عمر حين حضره الموت: أتوب إلى الله من ثلاث: اغتصابي هذا الامر أنا وأبو بكر من دون الناس واستخلافي عليهم، وتفضيلي المسلمين بعضهم على بعض(١) .

______________

(١) اعلم أن السنة النبوية جرت بالاتفاق على القسم بالسوية لان الفئ والغنائم ونحو ذلك هي من حقوق المسلمين يجب صرفها إليهم على الوجه الذى دلت عليه الشريعة المقدسة وتفضيل طائفة في القسمة واعطاءها اكثر مما جرت السنة عليه لا يمكن الا بمنع من استحق بالشرع حقه وهو غصب لمال الغير وصرف له في غير أهله، وأول من فضل السابقين على غيرهم وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين وفضلهم كافة على الانصار جميعا وفضل العرب على العجم وفضل الصريح على المولى عمر وقد كان أشار على ابى بكر أيام خلافته بذلك فلم يقبل وقال ان الله لم يفضل أحدا على أحد، ولكنه قال « انما الصدقات للفقراء والمساكين » =

١٧٠

٢٢٦ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن علي الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثني المسعودي قال: حدثنا الحسن بن حماد الطائي، عن زياد بن المنذر، عن عطية - فيما يظن - عن جابر بن عبدالله قال: شهدت عمر عند موته يقول: أتوب إلى الله من ثلاث من ردي رقيق اليمن، ومن رجوعي عن جيش اسامة بعد أن أمره رسول الله صلّى الله عليه وآله علينا، ومن تعاقدنا على أهل هذا البيت إن قبض الله رسوله لا نولي منهم أحدا.

٢٢٧ - وبهذا الاسناد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثني محمد بن علي قال: حدثنا الحسين بن سفيان، عن أبيه قال: حدثني فضل بن الزبير قال: حدثني أبوعبيدة الحذاء زياد بن عيسى قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لما حضر عمر الموت قال: أتوب إلى الله من رجوعي عن جيش اسامة، وأتوب إلى الله من عتقي سبي اليمن، وأتوب إلى الله من شئ كنا أشعرناه قلوبنا نسئل الله أن يكفينا ضره، وأن بيعة أبي بكر كانت فلتة.

قول أبى بكر لا آسى من الدنيا الا على ثلاث فعلتها وددت أنى تركتها، وثلاث تركتها وددت أنى فعلتها، وثلاث وددت أنى كنت سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وآله

٢٢٨ - حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العياشي، عن أبيه قال: حدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا عبدالله بن حماد، وسليمان بن معبد قالا: حدثنا عبدالله بن صالح قال: حدثني الليث بن سعد، عن علوان بن داود بن صالح، عن صالح بن كيسان، عن عبد الرحمن ابن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه قال: قال أبوبكر في مرضه الذي قبض فيه: أما إني لا آسى من الدنيا إلا على ثلاث فعلتها ووددت أني تركتها، وثلاث تركتها

______________

= ولم يخص قوما دون قوم، فلما أفضت إليه الخلافة عمل بما كان أشار به أولا، وخالفه في ذلك على عليه السلام وقصته عليه السلام مع أخيه عقيل المسماة بالحديدة المحماة مشهورة (كذا في هامش المطبوع الحروفى).

١٧١

ووددت أني فعلتها، وثلاث وددت أني كنت سألت عنهن رسول الله صلّى الله عليه واله أما التي وددت أني تركتها فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وإن كان أعلن(١) علي الحرب. ووددت أني لم أكن أحرقت الفجاءة(٢) وأني قتلته سريحا أو أطلقته نجيحا، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الامر في عنق أحد الرجلين: عمر، أو أبي عبيدة، فكان أميرا وكنت وزيرا. وأما التي تركتها [ فوددت أني فعلتها ] فوددت أني يوم أتيت بالاشعث أسيرا كنت ضربت عنقه فانه يخيل لي(٣) أنه لم ير صاحب شر إلا أعانه، ووددت أني حين سيرت خالدا إلى أهل الردة(٤) كنت قدمت إلى قرية فان

______________

(١) في بعض النسخ المخطوطة « أغلق » وفى النسخ المطبوعة « علق ».

(٢) قوله « لم اكن أحرقت الفجاءة » هو اياس بن عبدالله بن عبد ياليل رجل من بنى سليم قدم على أبى بكر فقال انى مسلم وقد اردت جهاد من ارتد من الكفار، فاحملني وأعنى، فحمله أبوبكر على ظهر وأعطاه سلاحا فخرج يستعرض الناس المسلم والمرتد فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن فأخذ أموالهم ويصيب من امتنع منهم، فلما بلغ أبا بكر خبره ارسل إلى طريفة بن حاجز وكتب إليه: أن عدو الله الفجاءة أتانى يزعم أنه مسلم ويسألني أن أقويه على من ارتد عن الاسلام، فحملته وسلحته، ثم انتهى إلى - من يقين - الخبر أن عدو الله قد استعرض الناس المسلم والمرتد، يأخذ اموالهم، ويقتل من خالفه منهم، فسر إليه بمن معك من المسلمين حتى تقتله أو تأخذه فتأتيني به فسار إليه طريفة فهرب الفجاءة فلحقه فأسره ثم بعث به إلى أبى بكر فلما قدم عليه أمر أبوبكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمى به فيها مكتوفا مقموطا. راجع تاريخ الطبري والكامل لابن الاثير ج ٢ ص ٢٣٧.

(٣) يعنى به الاشعث بن قيس الكندى الزنديق وكان سبب اسارته ومقاتلة قومه امتناعهم عن البيعة وتركهم الصدقة لكن لما قدم على أبى بكر عفى عنه وزوجه اخته أم فروة و قوله « يخيل لى »: على بناء المفعول من التخييل وفى بعض النسخ « إلى » بدل « لى » والمعنى أظن.

(٤) يعنى به مالك بن نويرة وقومه حيث أنكروا خلافته وامتنعوا من اعطاء الصدقات إلى عامله فامر أبوبكر خالد بن وليد بقتله فذهب خالد إليه في جمع وقتله وأسر نساءه و تزوج بزوجته ليلته.

١٧٢

ظفر المسلمون ظفروا وإن هزموا كيدا كنت بصدد لقاء أو مدد، ووددت أني كنت إذ وجهت خالدا إلى الشام قذفت المشرق لعمر بن الخطاب فكنت بسطت يدي يميني وشمالي في سبيل الله، وأما التي وددت أني كنت سألت عنهن رسول الله صلّى الله عليه وآله فوددت أني كنت سألته فيمن هذا الامر فلم ننازعه أهله، ووددت أني كنت سألته هل للانصار في هذا الامر نصيب، ووددت أني كنت سألته عن ميراث الاخ والعم، فان في نفسي منها حاجة(١) .

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن يوم غدير خم لم يدع لاحد عذرا هكذا قالت سيدة النسوان فاطمة عليها السلام لما منعت فدك وخاطبت الانصار، فقالوا: يا بنت محمد لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لابي بكر ما عدلنا بعلي أحدا، فقالت: وهل ترك أبي يوم غدير خم لاحد عذرا.

قول عبدالله بن مسعود علماء الارض ثلاثة

٢٢٩ - حدثنا أبوالقاسم الحسن بن محمد السكوني المزكي(٢) بالكوفة قال: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي قال: حدثنا محمد بن مرزوق قال: حدثنا حسين قال: حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الزعراء قال: قال عبدالله بن مسعود: علماء الارض ثلاثة: عالم بالشام، وعالم بالحجاز، وعالم بالعراق، أما عالم الشام فأبو الدرداء، وأما عالم الحجاز فهو علي عليه السلام، وأما عالم العراق فهو أخ لكم بالكوفة(٣) ، وعالم الشام، وعالم العراق محتاجان إلى عالم الحجاز، وعالم الحجاز

______________

(١) أورد نحوه صاحب الامامة والسياسة في مرض أبى بكر.

(٢) كذا، ولعل الصواب المذكر. وفى بعض النسخ « المولى ».

(٣) قوله فهو أخ لكم بالكوفة: أراد به نفسه ونقل عن الشيرازي في طبقات الفقهاء انه قال مسروق: « انتهى العلم إلى ثلاثة عالم بالمدينة وعالم بالشام وعالم بالعراق، فعالم المدينة على بن أبى طالب وعالم العراق عبدالله بن مسعود وعالم الشام أبوالدرداء، فإذا التقوا سأل عالم العراق وعالم الشام عالم المدينة، ولم يسألهما ».

١٧٣

لا يحتاج إليهما.

ثلاثة لم يكفروا بالوحى طرفة عين

٢٣٠ - حدثنا عبدالله بن محمد بن عبد الوهاب [ الاصبهاني ] قال: حدثنا أحمد ابن الفضل بن المغيرة قال: حدثنا أبونصر منصور بن عبدالله بن إبراهيم الاصبهاني قال: حدثنا علي بن عبدالله قال: حدثنا محمد بن هارون بن حميد قال: حدثنا محمد بن المغيرة الشهرزوري قال: حدثنا يحيى بن الحسين المدايني قال: حدثنا ابن لهيعة(١) ، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين: مؤمن آل يس، وعلي بن أبي طالب عليه السلام، وآسية امرأة فرعون.

ثواب من كن له ثلاث بنات فصبر عليهن

٢٣١ - حدثنا أبومحمد محمد بن أبي عبدالله الشافعي الفرغاني بفرغانة قال: حدثنا أبوجعفر محمد بن جعفر بن الاشعث قال: حدثنا أبوحاتم قال: حدثنا محمد بن - عبدالله الانصاري قال: حدثني ابن جريج، عن أبي الزبير، عن عمر بن نبهان(٢) ، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وآله قال: من كن له ثلاث بنات فصبر على لاوائهن و ضرائهن وسرائهن كن له حجابا يوم القيامة.

ثلاثة يشكون إلى الله عزّوجلّ يوم القيامة

٢٣٢ - حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي المعروف بالجعابي قال: حدثنا

______________

(١) تقدم ضبطه وأنه عبدالله بن لهيعة في ص ١١٣. وهو ممن يروى عن محمد بن مسلم ابن تدرس أبى الزبير المكى.

(٢) ذكره ابن حبان في الثقات. وفى جميع النسخ « عمر بن تيهان » وهو تصحيف راجع التهذيب ج ٧ تحت رقم ٨٣٧.

١٧٤

عبدالله بن بشير(١) قال: حدثنا الحسن بن الزبرقان المرادي قال: حدثنا أبوبكر ابن عياش، عن الاجلح(٢) ، عن أبي الزبير، عن جابر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: يجئ يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عزّوجلّ: المصحف، والمسجد، والعترة. يقول المصحف: يا رب حرقوني ومزقوني، ويقول المسجد: يا رب عطلوني وضيعوني، وتقول العترة: يا رب قتلونا وطردونا وشردونا فأجثوا للركبتين للخصومة، فيقول الله جل جلاله لي: أنا أولى بذلك.

رفع القلم عن ثلاثة

٢٣٣ - حدثنا الحسن بن محمد السكوني المزكي بالكوفة(٣) قال: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي قال: حدثنا إبراهيم بن أبي معاوية قال: حدثني أبي، عن الاعمش، عن أبي ظبيان قال: أتى عمر بامرأة مجنونة قد فجرت فأمر عمر برجمها، فمروا بها على علي عليه السلام فقال: ما هذه؟ فقالوا: مجنونة قد فجرت، فأمر بها عمر أن ترجم، فقال: لا تعجلوا فأتى عمر فقال: أما علمت أن القلم رفع عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ(٤) .

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه جاء هذا الحديث هكذا، والاصل في هذا قول أهل البيت عليهم السلام أن المجنون إذا زنى حد والمجنونة إذا زنت لم تحد لان المجنون يأتي والمجنونة تؤتى.

الشح يولد ثلاث خصال مذمومة

٢٣٤ - حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا ابن صاعد قال: حدثنا الحسن بن -

______________

(١) كذا في الوسائل والموجود في كتب الرجال، وفى النسخ « عبدالله بشر ».

(٢) هو يحيى بن عبدالله. كما في التقريب.

(٣) تقدم الكلام فيه.

(٤) هذا الخبر بهذا السند مع قول المصنف تقدم تحت رقم ٤٠ من هذا الباب والظاهر أن التكرار من المؤلف لوجوده في جميع النسخ في الموضعين.

١٧٥

عرفة قال: حدثنا عمر بن عبد الرحمن أبوحفص الابار، عن محمد بن جحادة(١) عن بكير ابن عبدالله المدني، عن عبدالله بن عمرو، عن النبي صلّى الله عليه وآله قال: إياكم والشح(٢) فانما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالكذب فكذبوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا(٣) .

٢٣٥ - أخبرني الخليل بن أحمد قال: أخبرنا أبوالعباس السراج قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا بكر بن عجلان(٤) عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: إياكم والفحش فان الله عزّوجلّ لا يحب الفاحش المتفحش(٥) وإياكم والظلم فان الظلم عند الله هو الظلمات يوم القيامة، وإياكم والشح فانه دعا الذين من قبلكم حتى سفكوا دماءهم، ودعاهم حتى قطعوا أرحامهم، ودعاهم

______________

(١) محمد بن جحادة - بتقديم المعجمة على المهملة والدال المخففة - ثقة، يروى عنه عمر بن عبد الرحمن أبوحفص الابار - بتشديد الباء - الكوفى الحافظ نزيل بغداد هو أيضا صدوق ثقة مات في ولاية هارون. وروى محمد بن جحادة عن بكير بن عبدالله بن الاشج أبى عبدالله المدنى، نزيل مصر.

(٢) تقدم أن الشح هو البخل مع الحرص.

(٣) المراد بالقطيعة هو قطيعة الرحم فالشح مخالف للايمان ومانع من السعادة والفلاح( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

(٤) بكر بن عجلان غير مذكور في الرجال والصحيح « قتيبة قال حدثنا: بكر، عن ابن عجلان » وهو قتيبة بن سعيد راوي بكر بن مضر راوي محمد بن عجلان راوي سعيد بن أبى سعيد المقبرى كما في التهذيب.

(٥) قوله الفاحش المتفحش: قال في النهاية الفاحش ذو الفحش في كلامه وفعاله والمتفحش الذى يتكلف ذلك ويتعمده انتهى. وقيل ان المراد بالمتفحش الذى يقبل الفحش من غيره فالفاحش المتفحش هو الذى لا يبالى ما قال ولا ما قيل له ويؤيد ذلك ما روى في الكافي عن أبى جعفر عليه السلام قال خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله الناس - إلى قوله - ثم قال صلّى الله عليه وآله: ألا اخبركم بمن هو شر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال: المتفحش اللعان، الذى إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم وإذا ذكروه لعنوه » بناء على كون الجزء الثاني تفسيرا للمتفحش.

١٧٦

حتى انتهكوا واستحلوا محارمهم.(١)

بدء أمر النبي صلّى الله عليه وآله من ثلاثة

٢٣٦ - حدثنا أبوأحمد محمد بن جعفر البندار الفقيه بأخسيكث(٢) قال: حدثنا أبوالعباس محمد بن جمهور(٣) الحمادي قال: حدثني أبوعلي صالح بن محمد البغدادي ببخارا قال: حدثنا سعيد بن سليمان، ومحمد بن بكار، وإسماعيل بن إبراهيم قال(٤) : حدثنا الفرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي امامة قال: قلت: يا رسول الله ما كان بدء أمرك، قال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بن مريم، ورأت أمي أنه خرج منها شئ أضاءت منه قصور الشام(٥) .

ثلاث خصال من فعلهن فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم

٢٣٧ - حدثنا أبوأحمد محمد بن جعفر البندار قال: حدثنا أبوالعباس محمد بن محمد ابن جمهور(٣) الحمادي قال: حدثنا صالح بن محمد البغدادي(٦) قال: حدثنا العباس بن -

______________

(١) انتهك فلان الحرمة: تناولها بما لا يحل. وفلان فلانا نقض عرضه وذهب بحرمته. وفى بعض النسخ « انهتكوا » وهتك الله ستر الفاجر أي فضحه.

(٢) كذا وأخسيكت بالتاء المثناة أو الثاء المثلثة. من بلاد فرغانة وفى اللباب: الاخسيكثى - بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وكسر السين المهملة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفتح الكاف وفى آخرها الثاء المثلثة هذه النسبة إلى اخسيكث.

(٣) كذا.

(٤) كذا أي قال كل واحد منهم: حدثنا.

(٥) قوله « دعوة ابراهيم » اشارة إلى قوله تعالى( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ - الاية) البقرة: ١٢٩. و « بشرى عيسى بن مريم » اشارة إلى قوله تعالى:( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) الصف: ٦. و « رأت أمي » يعنى ما رأته حين ولادته صلّى الله عليه وآله كما في المناقب ج ١ ص ٢٣.

(٦) راجع ترجمته مفصلا تاريخ بغداد ج ٩ ص ٣٢٢.

١٧٧

الوليد النرسي(١) قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا منصور بن سعد، عن ميمون بن سياه، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من استقبل قبلتنا، و صلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا فله مالنا وعليه ما علينا.

ثلاثة أشياء كل واحد منها جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة

٢٣٨ - حدثنا أبوأحمد محمد بن جعفر البندار قال: حدثنا أبوالعباس الحمادي قال: حدثنا صالح بن محمد البغدادي قال: حدثنا محمد بن بكار قال: حدثنا عبيدة ابن حميد قال: حدثنا قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الهدى الصالح، والسمت الصالح(٢) ، والاقتصاد جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة.

الايمان ثلاثة أشياء

٢٣٩ - حدثنا أبوأحمد محمد بن جعفر البندار قال: حدثنا أبوالعباس الحمادي قال: حدثنا محمد بن عمر بن منصور البلخي بمكة قال: حدثنا أبويونس أحمد بن محمد ابن يزيد بن عبدالله الجمحي قال: حدثنا عبد السلام بن صالح، عن علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن - الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الايمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالاركان.

٢٤٠ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بكر بن صالح الرازي، عن أبي الصلت الهروي قال: سألت الرضا عليه السلام عن الايمان فقال: الايمان عقد بالقلب

______________

(١) النرسى بفتح النون وسكون الراء بعدها سين مهملة. وهو عباس بن الوليد بن نصر النرسى ابو الفضل البصري.

(٢) الهدى - بفتح الهاء وسكون الدال -: الطريقة والسيرة. والسمت هيئة أهل الخير.

١٧٨

[ و ] لفظ باللسان [ و ] عمل بالجوارح، لا يكون الايمان إلا هكذا.

٢٤١ - أخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي قال: حدثني علي بن - عبد العزيز، ومعاذ بن المثنى قالا: حدثنا عبد السلام بن صالح الهروي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الايمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالاركان.

٢٤٢ - حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد العلوي رضي الله عنه قال: حدثنا أبوالحسن علي بن محمد البزاز قال: حدثنا أبوأحمد داود بن سليمان الغازي قال: حدثني علي ابن موسى الرضا عليهما السلام قال: حدثني أبي موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر ابن محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي الباقر قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي أميرالمؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الايمان إقرار باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالاركان.

قال حمزة بن محمد رضي الله عنه وسمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: سمعت أبي يقول: وقد روى هذا الحديث عن أبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، عن علي ابن موسى الرضا عليهما السلام باسناد مثله. قال أبوحاتم: لو قرء هذا الاسناد على مجنون لبرأ.

ثلاثة لا يدخلون الجنة

٢٤٣ - حدثنا أبوالعباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: حدثنا أبومحمد يحيى بن محمد بن صاعد بمدينة السلام قال: حدثنا إبراهيم بن - جميل قال: حدثنا معتمر بن سليمان قال: قرأت على فضيل بن ميسرة، عن أبي جرير أن أبا بردة حدثه، عن أبي موسى الاشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر، ومدمن سحر، وقاطع رحم. ومن مات مدمن خمر سقاه الله عزّوجلّ من نهر الغوطة، قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات(١) يؤذي

______________

(١) المومسة: الفاجرة.

١٧٩

أهل النار ريحهن.

٢٤٤ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن - أبي عبدالله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة: السفاك للدم، وشارب الخمر، ومشاء بنميمة.

فيمن مات له ثلاثة أولاد

٢٤٥ - أخبرنا الخليل بن أحمد قال: أخبرنا المخلدي(١) قال: حدثنا يونس ابن عبد الاعلى قال: حدثنا عبدالله بن وهب قال: حدثني عمرو بن الحارث أن أبا عشانة المعافري(٢) حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من ثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله عزّوجلّ وجبت له الجنة.

ثواب ثلاث خصال: اسباغ الوضوء وافشاء السلام وصدقة السر

٢٤٦ - حدثنا أبوالحسن محمد بن عمرو بن علي البصري قال: حدثنا أبوعبدالله عبد السلام بن محمد بن هارون بن الفضل بن العباس بن علي بن عبدالله بن العباس بن - عبدالله المأمون بن هارون الرشيد بن موسى الهادي(٣) بن محمد المهدي بن عبدالله المنصور ابن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس قال: حدثنا محمد بن محمد بن عقبة الشيباني(٤) قال: حدثنا أبوالقاسم الخضر بن أبان، عن أبي هدية إبراهيم بن هدية البصري(٥) عن أنس

______________

(١) الظاهر هو بقى بن المخلد. وفى بعض النسخ « الخلدى ».

(٢) ابو عشانة المعافرى هو حى بن يؤمن بن حجيل بن جريج المصرى ثقة من أحبار اليمن توفى سنة ١١٨.

(٣) كذا. واشتبه على الراوى فان موسى الهادى هو اخو هارون وانما أبوه هو المهدى.

(٤) كذا.

(٥) بالياء المثناة التحتانية على ما في نسخ الخصال، لكن في نسخة الوسائل هدبة بضم الهاء وسكون الدال بعدها باء موحدة وهو والخضر بن أبان عنونهما الخطيب في التاريخ ولم أجد راويه محمد بن محمد بن عقبة. ولعله محمد بن عقبة الشيباني أبوجعفر الطحان.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وكان أبو الخطّاب المذكور مِن أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ، مُتقناً لِعلم الحديث النبويّ وما يتعلّق به ، عارفاً بالنحو واللغة وأيّام العرب وأشعارها ، أكثرَ بطلب الحديث في أكثر بلاد الأندلس الإسلاميّة ، ولَقِي بها علماءها ومشائخها ، ثمّ رحل منها إلى برّ العدوة ، ودخل مراكش واجتمع بفضلائها ، ثمّ ارتحل إلى افريقيّة ومنها إلى الديار المصريّة ، ثمّ إلى الشام والشرق وإلى العراق .

وسمع ببغداد مِن بعض أصحاب ابن الحصين ، وسمع بواسط من أبي الفتح محمّد بن أحمد بن المندائي ، ودخل إلى عراق العجم وخراسان وما والاها ومازندران ، كلّ ذلك في طلب الحديث والاجتماع بأئمّة الحديث ، وأخذ عنهم ، وهو في تلك الحال يُؤخذ عنه ويُستفاد منه ، وسمِع بأصبهان مِن أبي جعفر الصيدلاني ، وبنيسابور مِن منصور ابن عبد المنعم الفراوي )(١) .

وقال السيوطي في( بغية الوعاة ) :

( عمر بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن الجميل بن فرح بن دحية الكلْبي الأندلسي البلنسي الحافظ ، أبو الخطّاب ، كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ، متقناً لِعِلْم الحديث وما يتعلّق به ، عارفاً بالنحو واللغة وأيّام العرب وأشعارها ، سمِع الحديث ورحل ، وله بنى الكامل دار الحديث الكامليّة بالقاهرة ، وجعله شيخاً ، حدّث عنه ابن الصلاح وغيره ، ومات ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ وثلاثينَ وستّمِئة )(٢) .

وقال في كتابه( حسن المحاضرة ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ٣ : ٤٤٨ ـ ٤٥٠ / ٤٩٧ .

(٢) بغية الوعاة في طبقات اللغويّين والنّحاة ٢ : ٢١٨ / ١٨٣٢ .

٣٤١

 ( ابن دحية ، الإمام العلاّمة الحافظ الكبير ، أبو الخطّاب ، عمر بن الحسن الأندلسي البلنسي ، كان بصيراً بالحديث متقناً به ، له حظٌّ وافرٌ مِن اللغة ومشاركة في العربيّة ، له تصانيف ، توطّن مصر وأدّب الملك الكامل ، ودرّس بدار الحديث الكامليّة ، مات أربع عشرة ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ وثلاثينَ وستّمِئة )(١) .

موقف البخاري من حديث الغدير وكلمات الأعلام فيه

ومن غرائب تعصّبات البخاري : طعنه في حديث الغدير المروي عن أكثر من مِئة صحابي ، والبالغ أضعاف شروط التواتر ، والمصرَّح بتواتره مِن قبل الأئمّة الثقات المتبحّرين في الحديث عند أهل السنّة ، كما لا يخفى على مَن اقتطف الأزهار من( الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ) ، واستفاد مِن( الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة ) وكلاهما للحافظ السيوطي ، أو راجع( شرح الجامع الصغير ) لنور الدين العزيزي ، أو (شرح الجامع الصغير ) للمناوي ، أو( المرقاة ) لعليّ القاري ، أو( الأربعين في مناقب أمير المؤمنين ) لجمال الدين المحدّث الشيرازي ، أو( السيف المسلول ) لثناء الله تلميذ وليّ الله والد صاحب التحفة ، أو( أسنى المطالب ) لابن الجزري ، وغيرَ هذهِ الكتب .

قال ابن تيميّة ـ في حديث الغدير ـ: ( وأمّا قوله : مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه ، فليس في الصحاح ، لكنْ ممّا رواه العلماء ، وتنازع الناس في صحّته ، فنُقِل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة مِن أهل العلم أنّهم طعنوا فيه

ـــــــــــــــــــ

(١) حسن المحاضرة بمحاسن مصر والقاهرة ١ : ٢٠١ .

٣٤٢

وضعّفوه )(١) .

اللّهمّ إلاّ أنْ يكون قد طعن في بعض طرقه ، فنسب إليه ابن تيميّة الطعن في أصله...!!

فإنْ كان البخاري قد طعن في أصل حديث الغدير ، فقد نصَّ غيرَ واحدٍ مِن أعلام القوم على عدم الاعتبار بكلام مَن طعن فيه كائناً مَن كان... يقول البدخشي : ( هذا حديثٌ صحيحٌ مشهور ، ولم يتكلَّم في صحّته إلاّ مُتعصِّبٌ جاحدٌ لا اعتبار بقوله ، فإنّ الحديث كثيرُ الطُرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتابٍ مفرد ، وقد نصَّ الذهبي على كثيرٍ مِِِِِِِِِِن طرقه بالصحّة ، ورواه من الصحابة عددٌ كثير )(٢) .

وكذلك نسب الحافظ ابن الجزري مُنكِر حديث الغدير إلى الجهل والعصبيّة(٣) .

ترجمة ابن الجزري

وابن الجزري الشافعي ، حافظٌ شهير ، وله تآليف معتمدة ، وقد أثنى العلماء عليه وعلى كتبه :

فقد ترجم له ابن حجر ووصفه بالحافظ الإمام المُقرئ ، وقال : ( انتهت إليه رئاسة علم القراءات في الممالك ، وكان قديماً صنّف الحصن الحصين في الأدعية ، وله به أهل اليمن واستكثروا منه... وكانت عنايته بالقراءات أكثر ،

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنة ٤ : ١٣٦ .

(٢) نزل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار : ٢١ .

(٣) أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب : ٤٨ .

٣٤٣

فجمع ذيل طبقات القرّاء للذهبي وأجاد فيه ، ونظم قصيدةً في قرائة الثلاثة ، وجمع النشر في القراءات العشر... وكان يلقّب في بلاده : الإمام الأعظم... وبالملة ، فإنّه كان عديم النظير ، طائر الصيت ، انتفع الناس بكُتبه وسارت في الآفاق مسير الشمس )(١) .

وترجم له السخاوي ترجمةً مطوّلة ، فذكر مشايخه في مختلف العلوم ، وأنّه قد أذن له غير واحدٍ بالإفتاء والتدريس والإقراء ، وأنّه ولي مشيخة الإقراء بالعادليّة ثمّ مشيخة دار الحديث الأشرفية... وهكذا ذكر أسفاره إلى البلاد المختلفة ، وأورد طرفاً من أخباره فيها... ثمّ ذكر تصانيفه ووصفها بكونها مفيدةً ، ومنها( أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب ) .

قال : وقد ذكره الطاووسي في مشيخته وقال : إنّه تفرّد بعلوّ الرواية وحفظ الأحاديث والجرح والتعديل ومعرفة الرواة المتقدّمين والمتأخّرين... ثمّ ذكر السخاوي كلام ابن حجر في حقّه... )(٢) .

هذا ، وقد توفي ابن الجزري سنة ٨٣٣ .

استرابة البخاري في بعض حديث الإمام الصادقعليه‌السلام !!

ومِن أمارات بُغض البخاري لأهل بيتِ النبوّة وانحرافه عنهم : عدم إخراجه عن الإمام الصادقعليه‌السلام في كتابه ، بل استرابته في بعض حديثه ، والعياذ بالله !!

قال ابن تيميّة في كلامٍ له عن الإمامعليه‌السلام :

ـــــــــــــــــــ

(١) إنباء الغمر بأبناء العمر ٣ : ٤٦٧ .

(٢) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٩ : ٢٥٥ ـ ٢٦٠ .

٣٤٤

 ( فهؤلاء الأئمّة الأربعة ليس منهم مَن أخذ عن جعفر شيئاً مِن قواعد الفقه ، لكنْ روَوا عنه الأحاديث كما روَوا عن غيره ، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه ، وليس بين حديث الزهري وحديثه نسبة ، لا في القوّة ولا في الكثرة ، وقد استراب البخاري في بعض حديثه لمّا بلغه عن يحيى بن سعيد القطّان فيه كلام ، فلم يخرج له ، ويمتنع أنْ يكون حفظه للحديث كحفظ مَن يحتجّ بهم البخاري )(١) .

فانظر إلى كلام هذا الناصب العنيد ، كيف يطعن في الإمام العظيم استناداً إلى القطّان والبخاري ، مع أنّ علمائهم الكبار ، مِن السّابقين واللاّحقين ، يقولون بضرورة حبّ أهل البيت واحترامهم والإقتداء بهم والأخذ منهم ، وحتّى أنّهم ينزّهون أهل السنّة مِن بغض أهل البيت ، ويبرءون ممّن اعترض علهيم أو تكلّم فيهم أو أعرض عنهم ، ويجعلون نسبة هذه الأُمور إلى أهل السنّة من تعصّبات الإماميّة ضدّهم، يقول الكابلي في تعداد تعصّبات الشيعة :

( التاسع عشر : إنّ أهل السنّة أفرطوا في بُغض أهل البيت ، ذكر ذلك ابن شهر آشوب وكثير مِن علمائهم ، ولقَّبوهم بالنواصب ، وهو كذبٌ صرد وعصبيّةٌ ظاهره ، فإنّهم يقولون إنّ الله تعالى أوجب محبّة أهل بيت نبيّه على جميع بريّته ، ولا يُؤمن أحدٌ حتّى يكون عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليه مِن نفسه ، ويَروُون في ذلك أحاديث منها ، ما رواه البيهقي وأبو الشيخ والديلمي : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا يُؤمن أحدٌ حتّى أكون أحبُّ إليه مِن نفسه ، ويكون عترتي أحبّ إليه من نفسه ) .

وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٧ : ٥٣٣ .

٣٤٥

قال :( أحبّوا أهل بيتي بحبّي ) .

إلى غير ذلك من الأخبار .

ويقولون : مَن ترك المودّة في أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد خانه ، وقد قال الله تعالى : ( لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ... ) ، ومَن كره أهل بيته فقد كرههصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقد أجاد مَن أفاد :

فَلا تَعدِل بأهلِ البَيتِ خَلْقاً

فأهلُ البيتِ هُم أهلُ السعادة

فبُغضُهم مِن الإنسانِ خُسرٌ

حقيقيٌّ وحُبّهُم عبادة

ويوجبون الصّلاة عليهم في الصلوات قال الشيخ الجليل فريد الدين أحمد بن محمّد النيسابوري رحمه الله : مَن آمن بمحمّدٍ ولم يُؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن ، أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد )(١) .

أقـول :

فلو كانوا صادقين في قولهم ( مَن آمن بمحمّدٍ ولم يُؤمن بأهلِ بيته فليس بمؤمن ) ، وأنّه قد ( أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد ) ، فما ظنّهم بالقطّان والبخاري وابن تيميّة وأمثالهم ؟

وقد ذكر الشاه عبد العزيز الدهلوي ـ في الكلام على حديث :مَثُلُ أهل بيتي كسفينة نوح... ـ : إنّ هذا الحديث يفيد بأنّ الفلاح والهداية منوطٌ بحبّ أهل البيت واتّباعهم ، وأنّ التخلّف عن ذلك موجبٌ للهلاك ، ثمّ زعم أنّ هذا المعنى يختصُّ بأهل السنّة(٢) !!

فإنْ كان صادقاً فيما يقول : فما رأيه فيمن تكلّم في الإمام أبي عبد الله الصّادقعليه‌السلام ؟

هذا ، ولا يتوهّمنّ أحدٌ أنّ تكلّم القطّان والبخاري وأتباعهما في الإمام ليس عن بُغض له وعناد ، وإنّما هو تحقيقٌ في العلم واحتياطٌ في الدين ، فإنّه توهّم فاسد جدّاً ، فإنّه لو لم يكن ما ذكره ابن تيميّة انحرافاً وبُغضاً وعناداً ، فأين العِناد والعداوة والبغض ؟ وبماذا يكون ؟ ومَن المنحرف عنهم والمتعصّب ضدّهم والناصب لهم ؟

ـــــــــــــــــــ

(١) الصواقع الموبقة ـ مخطوط .

(٢) التحفة الاثني عشريّة : ٢١٩ .

٣٤٦

وهل شدّة الاحتياط والتورّع أدّت إلى أخذ روايات عكرمة الضالّ المُضلّ والناصب المقيت ، وطرح أخبار الإمام الصادق وغيره من أئمّة أهل البيت ؟

وكيف يُقبل هذا الاعتذار للبخاري ؟! وكيف يُعتذر له بذلك ؟ وقد أخرج عن الذهلي ـ مع ما كان بينهما مِن الطعن المُوجب للفسق ـ ومع التدليس في اسمه ، ولم يخرج عن الإمام الصادق ؟!

ولو كان لمثل هذا الاعتذار مجالٌ لَما قال ابن تيميّة : ( ويمتنع أنْ يكون حفظه للحديث كحفظِ مَن يحتجّ بهم البخاري ) !!

طعن القطّان في الإمام الصادق !!

هذا ، وطعن القطّان في الإمام الصّادقعليه‌السلام مذكورٌ في سائر الكتب الرجاليّة ، وهو في جملتين إحداهما : ( في نفسي منه شيء ) والأُخرى : ( مجالد أحبّ إليّ منه ) !!

قال الذهبي : ( جعفر بن محمّد الصادق أبو عبد الله ، وأُمّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد ، وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمان بن أبي بكر ، فكان يقول :

ولّدني الصديق مرّتين سمع أباه والقاسم وعطاء وعنه : شعبة والقطّان وقال : في نفسي منه شيء... )(١) .

وقال : ( جعفر بن محمّد بن عليّ ، ثقةٌ ، لم يخرج له البخاري ، وقد وثّقه يحيى بن معين وابن عدي ، وأمّا القطّان فقال : مجالد أحبّ إليّ منه )(٢) .

ترجمة مجالد بن سعيد

هذا ، والحال أنّ مجالد بن سعيد قد طَعَن فيه كثيرٌ من أئمّة القوم :

قال الذهبي : ( مجالد بن سعيد بن عُمير الهمداني ، مشهور ، صاحبُ حديثٍ على لينٍ فيه روى عن قيس بن أبي حازم والشعبي وعنه : يحيى القطّان وأبو أُسامة وجماعة .

ـــــــــــــــــــ

(١) الكاشف ١ : ١٣٩ / ٨٠٧ .

(٢) المغني في الضعفاء ١ : ٢١١ / ١١٥٦ .

٣٤٧

قال ابن معين وغيره : لا يحتجّ به ، وقال أحمد : يرفع كثيراً ممّا لا يرفعه الناس ، ليس بشيء وقال النسائي : ليس بالقويّ ، وذكر الأشج : إنّه شيعي ، وقال الدارقطني : ضعيف وقال البخاري : كان يحيى بن سعيد يُضعّفه ، وكان ابن مهدي لا يروي عنه ، وقال الفلاّس : سمعت يحيى بن سعيد يقول : لو شئت أنْ يجعلها لي مجالد كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل وقيل لخاله الطحّان : دخلتَ الكوفة فلم لم تكتب عن مجالد ؟ قال : لأنّه كان طويل اللّحية ، قلت : مَن أنكر ما له عن الشعبي عن مسروق عن عائشة مرفوعاً : لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضّة )(١) .

فانظر مَن هذا الذي قدّمه القطّان على الإمام الصّادقعليه‌السلام ؟ وأحكم على القطّان والبخاري وأضرابهما بما يقتضيه الدين والعدل ؟

موقف الذهبي

والذهبي ، وإنْ وثّق الإمامعليه‌السلام ، لكنّه لم يرد على تعصّبات القطّان والبخاري ضد الإمام ، بل بالعكس ، فقد أورده في كتابه( الميزان ) لتكلّمهما فيه ، حيثُ قال : ( جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين الهاشمي ، أبو عبد الله ، أحد الأئمّة الأعلام ، بَرٌّ، صادقٌ ، كبير الشأن ، لم يحتجّ به البخاري ، قال يحيى بن سعيد : مجالد أحبّ إليّ منه ، في نفسي منه شيء ، وقال مصعب بن عبد الله عن الدراوردي قال : لم يروِ مالك عن جعفر حتّى ظهر أمر بني العبّاس ، قال مصعب بن عبد الله : كان مالك لا يروي عن جعفر حتّى يضمّه إلى أحد وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم : سمعت يحيى يقول : كنت لا أسأل يحيى بن سعيد عن حديث جعفر بن محمّد ، فقال لي : لم لا تسألني عن حديث جعفر ؟ قلت : لا أُريده ، فقال لي : إنْ كان يحفظ فحديث أبيه المسند )(٢) .

هذا ، في الوقت الذي بنى في كتابه هذا على أنْ لا يذكر فيه مَن قدح فيه البخاري وابن عدي ، من الصحابة والأئمّة في الفروع... كما صرّح بذلك في مقدّمة الكتاب حيث قال : ( أمّا بعد ، هدانا الله وسدّدنا ووفّقنا لطاعته ، فهذا كتابٌ جليلٌ مبسوط ، في إيضاح نَقَلة العلم النبويّ وحمَلَة الآثار ، ألّفته بعد كتابي المنعوت بالمُغني ،

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٦ : ٢٣ / ٧٠٧٦ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ١٤٣ / ١٥٢١ .

٣٤٨

وطوّلت فيه العبارة ، وفيه أسماء عدّة مِن الرواة زائداً على من في المغني ، زدت معظمهم من الكتاب الحافل المذيّل عل الكامل لابن عدي .

وقد ألّف الحفّاظ مصنّفات جمّة في الجرح التعديل ما بين اختصار وتطويل ، فأوّل من جمع كلامه في ذلك : الإمام الذي قال فيه أحمد بن حنبل : ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطّان ، وتكلّم في ذلك بعده تلامذته : يحيى بن معين ، وعليّ بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وعمرو بن عليّ الفلاّس ، وأبو خيثمة ، وتلامذتهم : كأبي زرعة ، وأبي حاتم ، والبخاري ، ومسلم ، وأبي إسحاق الجوزجاني السعدي ، وخلق .

ومِن بعدهم مثل : النسائي ، وابن خزيمة ، والترمذي ، والدولابي ، والعقيلي ، وله مصنّفٌ مفيدٌ في معرفة الضعفاء ، ولأبي حاتم ابن حبّان كتابٌ كبيرٌ عندي في ذلك ، ولأبي أحمد ابن عدي كتابُ الكامل هو أكمل الكتب وأجلّها في ذلك ، وكتاب أبي الفتح الأزدي ، وكتاب أبي محمّد ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل والضعفاء ، وللدارقطني في الضعفاء ، وللحاكم وغير ذلك ، وقد ذيّل ابن طاهر المقدسي على الكامل لابن عدي بكتابٍ لم أره ، وصنّف أبو الفرج بان الجوزي كتاباً كبيراً في ذلك ، كنت اختصرته أوّلاً ثمّ ذيّلت عليه ذيلاً بعد ذيل .

والساعة ، فقد استخرت الله عزّ وجلّ في عمل هذا المصنّف ، ورتّبته على حروف المعجم حتّى في الآباء ليقرب تناوله ، ورمزت على اسم الرجل من أخرج له في كتابه مِن الأئمّة الستّة : البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجة ، برموزهم السائرة ، فإن اجتمعوا على إخراج رجل فالرمز (ع) ، وإنْ اتفق عليه أرباب السنن الأربعة فالرمز (غ) .

وفيه من تُكُلّم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لين وبأقلّ تجريح ، فلولا أنّابن عدي أو غيره مِن مؤلّفي كتب الجرح ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته ، ولم أر من الرأي أنْ أحذف اسم أحد ممّن له ذكر بتليينٍ مّا في كتب الأئمّة المذكورين ، خوفاً من أنْ يُتَعَقَّب عليّ ، إلاّ أنّي ذكرته لضعفٍ فيه عندي ، إلاّ ما كان في كتب البخاري وابن عدي وغيرهما من الصّحابة ، فإنّي أسقطتهم لجلالة الصحابة رضي الله عنهم ، ولا أذكرهم في

٣٤٩

هذا المصنّف ، فإنّ الضعف إنّما جاء مِن جهة الرواة إليهم ، وكذا لا أذكر في كتابي مِن الأئمّة المتبوعين في الفروع أحداً ، لجلالتهم في الإسلام وعظمتهم في النفوس ، فإنْ ذكرت أحداً منهم فأذكره على الإنصاف ، وما يضرّه ذلك عند الله ولا عند الناس ، إذ إنّما يضرّ بالإنسان الكذِب ، والإصرار على كثرة الخطأ ، والتجرّي على تدليس الباطل فإنّه خيانة ، والمرءُ المسلم يطبع على كلّ شيء إلاّ الخيانة والكذِب ) (١) .

أفهل كان شأن الإمامعليه‌السلام أقلّ مِن شأن عمرو بن العاص وبسر ابن أرطاة وأمثالهما مِن فَسَقَة الصحابة؟

أفهل كان شأن الشافعي وغيره أجلّ مِن شأن الإمام الصّادق ؟

لكنّه التعصّب والنّصب... والعياذ بالله...

ترجمة القطّان

ثمّ انظر إلى تراجم القطّان وكلماتهم في مدحه والثناء عليه ، والمبالغة في تعظيمه وتبجيله :

قال السمعاني : ( القطّان ـ بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة في آخرها نون ، هذه النسبة إلى بيع القطن ، والمشهور بها هو : أبو سعيد يحيى بن

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ١١٣ .

٣٥٠

سعيد بن فروخ الأحول القطّان ، مولى بني تميم ، مِن أئمّة أهل البصرة ، يروي عن يحي بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة ، روى عنه أهلُ العراق ، ماتَ يوم الأحد سنة ثمانٍ وتسعين ومِئة ، وكان إذا قيل له في علّته يعافيك الله قال : أحبّه إليّ أحبّه إلى الله عزّ وجلّ ، وكان مِن سادات أهل زمانه حفظاً ووَرَعاً وعقلاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً ، وهو الذي مهّد لأهل العراق رسم الحديث ، وأمعن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء ، ومنه تعلّم علمَ الحديث أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعليّ ابن المديني .

ذكر عمرو بن عليّ الفلاّس أنّ يحيى بن سعيد القطّان كان يختم القرآن كلّ يوم وليلة ، ويدعو لألف إنسان ، ثمّ يخرج بعد العصر فيحدّث الناس ، وكان يروي عن سميّه يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهشام بن عروة ، والأعمش ، وابن جريج ، والثوري ، وشعبة ، ومالك ، في آخرين وكان يقول : لزمت شعبة عشرين سنة ، فما كنت أرجع مِن عنده إلاّ بثلاثةِ أحاديث وعشرة أكثرما كنت أسمع منه في كلّ يوم وقال يحيى بن معين : أقام يحيى بن سعيد عشرين سنة يختم القرآن في كلّ ليلة ، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة ، وما رُئي يطلب جماعةً قط )(١) .

وقال النووي :

( يحيى بن سعيد القطّان هو : أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي مولاهم البصري ، القطّان ، الإمام ، من تابعي التابعين ، سمع : يحيى بن سعيد الأنصاري وحنظلة بن أبي سفيان وابن عجلان وسيف بن سليمان وهشام بن حسام ، وابن جري وسعيد بن عروبة وابن أبي ذئب والثوري وابن

ـــــــــــــــــــ

(١) الأنساب ٤ : ٥١٩ .

٣٥١

عيينة ، ومالاً ومسعراً وشعبة وخلائق .

وروى عنه : الثوري ، وابن عيينة ، وشعبة ، وابن مهدي ، وعفّان ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعليّ بن المديني ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلاّم ، وأبو خيثمة ، وأبو بكر ابن أبي شيبة ، ومسدد ، وعبيد الله بن عمر القواريري ، وعمرو بن عليّ ، وابن مثنّى ، وابن بشّار ، وخلائق مِن الأئمّة وغيرهم .

واتفقوا على إمامته وجلالته ، ووفور حفظه وعلمه وصلاحه .

قال أحمد بن حنبل : ما رأيت مثل يحيى القطّان في كلّ أحواله ، وقال يحيى بن معين : أقام يحيى القطّان عشرين سنة يختم القرآن في كلّ يومٍ وليلة ، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة ، وما رُئي يطلب جماعةً قط ، يعني ما فاتته فيحتاج إلى طلبها ـ وقال أحمد بن حنبل : يحيى القطّان إليه المنتهى في التثبّت بالبصرة، وهو أثبت مِن وكيع وابن مهدي وأبي نعيم ويزدي بن هارون ، وقد روى عن خمسين شيخاً ممّن روى عنهم سفيان وقال : لم يكن في زمان يحيى مثله .

وقال أبو زرعة : هو من الثقات الحفّاظ ، وقال يحيى بن معين : قال لي عبد الرحمان بن مهدي : لا ترى بعينك مثل يحيى بن القطّان ، وقال ابن منجويه : كان يحيى القطّان مِن سادات أهل زمانه ورعاً وحفظاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً ، وهو الذي مهّد لأهل العراق رسم الحديث وأمعن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء وقال بندار : كتب عبد الرحمان بن مهدي عن يحيى عن يحيى القطّان ثلاثين ألفاً وحفظها ، قال زهير : رأيت يحيى القطّان بعد وفاته ، عليه قميص ، مكتوب بين كتفيه :بسم الله الرحمن الرحيم ، براءة ليحيى بن سعيد من النار .

٣٥٢

قال ابن سعد : توفّي يحيى القطّان في صفَر سنة ثمانٍ وتسعين ومِئة ، وكان مولده سنة عشرين ومئة )(١) .

وقال الذهبي :

( يحيى بن سعيد بن فروخ ، الحافظ الكبير ، أبو سعيد التميمي مولاهم البصري القطّان ، عن : عروة وحميد والأعمش ، وعنه : أحمد وعليّ ويحيى قال أحمد : ما رأيت مثله وقال بندار : إمام أهل زمانه يحيى القطّان ، واختلفت إليه عشرين سنة فما أظن أنّه عصى الله قط ، ولِد القطّان ١٢٠ ومات ١٩٨ في صفر ، وكان رأساً في العلم والعمل )(٢) .

وقال محمّد بن حبّان :

( يحيى بن سعيد بن فروخ القطّان مولى بني تميم ، كنيته أبو سعيد ، الأحول ، مِن أهل البصرة ، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة ، روى عنه أهل العراق ، ماتَ يوم الأحد يوم الثاني عشر مِن صَفر سنة ثمان وسبعين ومِئة ، وكان إذا قيل له في علّته يعافيك الله قال : أحبّه إليّ أحبّه إلى الله جلّ وعلا ، وصلّى عليه إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، وهو أمير البصرة ، وكان مِن سادات أهل زمانه حفظاً وورعاً وعقلاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً ، وهو الذي مهّد لأهل العراق رسم الحديث وأمعن في البحث عن الثقات ، وترْك الضعفاء ، ومنه تعلّم علْم الحديث أحمد ابن حنبل ويحي بن معين ، وعليّ بن المديني وسائر شيوخنا .

حدّثني محمّد ابن الليث الورّاق قال : سمعت عبد الله بن جعفر بن الزبرقان يقول : سمعت عمرو بن عليّ الفلاّس يقول : كان يحيى بن سعيد القطّان يختم القرآن كلّ يوم

ـــــــــــــــــــ

(١) تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ١٥٤ / ٢٤٣ .

(٢) الكاشف ٣ : ٢٤٣ / ٦٢٥٨ .

٣٥٣

وليلة ، ويدعو لألفِ إنسان ، ثمّ يخرج بعد العصر فيحدّث الناس )(١) .

وقال اليافعي :

( الإمام أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّان البصري الحافظ ، أحد الأعلام قال بندار : اختلفتُ إليه عشرين سنة فما أظنّ أنّه عصى الله قط قال أحمد بن حنبل : ما رأيت مثله وقال ابن معين : أقام يحيى القطّان عشرين سنة يختم في كلّ ليلة ، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة )(٢) .

وقال عبد الحق الدهلوي :

( يحيى بن سعيد القطّان ، بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة ، أبو سعيد ، الأحول التميمي ، مولى بني تميم ، ويُقال ليس لأحدٍ عليه ولاء ، البصري ، إمامٌ كبير ، ثقةٌ حافظٌ عالم ، عارفٌُ بالحديث ، مشهور مكثر ، وكان رأساً في العلم والعمل .

وقال ابن المديني : ما رأيت أعلم بالرجال منه ولا أعلم بصواب الحديث والخطأ من ابن مهدي ، فإذا اجتمعا على ترك حديثِ رجلٍ تُرِك حديثُه ، وإذا حدّث عنه أحدهُما حُدِّث عنه ، وقال مرّة : لم أرَ أحداً أثبت من القطّان .

وقال ابن معين : قال ابن مهدي : لا ترى عينك مثل يحيى القطّان وقال أحمد : ما رأيت مثله وقال بندار : إمامُ أهل زمانه يحيى القطّان ، واختلفت إليه عشرين سنة فما أظنّ أنّه عصى الله قط وقال ابن سعد : كان ثقةً مأموماً رفيعاً حجّة وقال العجلي : بصريٌّ ثقةٌ نقيُّ الحديث ، كان لا يحدّث إلاّ عن ثقة وقال أبو حاتم : ثقةٌ حافظ وقال أبو زرعة : من الثقات الحفّاظ وقال النسائي : ثقة ثبت مرضي وقال أبو بكر ابن منجويه : كان من سادات أهل زمانه حفظاً

ـــــــــــــــــــ

(١) كتاب الثقات ٧ : ٦١١ .

(٢) مرآة الجنان ١ : ٣٥٢ .

٣٥٤

وورعاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً ، وهو الذي مهّد لأهل العراق رَسْم الحديث ، وأمعَن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء ، ولِد سنة عشرين ومِئة ، ومات في صفَر سنة ثمانٍ وتسعين ومِئة روى عن : هشام بن عروة و عبد الله بن عمر العمري ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والأعمش والثوري وشعبة ومالك وغيرهم من الأئمّة .

وروى عنه : عبد الرحمان بن مهدي وأحمد بن حنبل وعليّ ابن المديني ومسدّد ويحيى بن معين ومحمّد بن المثنّى...)(١) .

أقول :

ومن هذه العبارات وأمثالها في مدح القطّان ـ مع علم قائليها بمقالته في الإمام الصادق ( عليه الصلاة والسلام ) ـ تعرف مواقف القوم مِن أئمّة أهل البيت ، فلا يُقبل دفاع بعض الناس عن أهل السنّة ، وأسفهم بأنّهم مُحبّون لأهل البيت ومحترمون لهم ومستمسكون بهم...

قصة كتاب العلل لابن المديني

وممّا يُذكَر في مقام الطعن في البخاري وورعه وأمانته وثقته : قصّته مع كتاب شيخه ابن المديني في العلل :

قال مسلمة بن قاسم في ( تاريخه ) ـ على ما نقل عنه(٢) ـ : ( وسبب تأليف البخاري الكتاب الصحيح ، أنّ عليّ بن المديني ألّف كتاب العلل ، وكان ضنيناً به لا يخرجه إلى أحد ، ولا يحدّث به ، لشرفه وعظم خطره وكثرة فائدته ، فغاب عليّ ابن المديني في بعض حوائجه ، فأتى البخاري إلى بعض بنيه ،

ـــــــــــــــــــ

(١) رجال المشكاة = تحصيل الكمال ـ ترجمة القطّان .

(٢) انظر ترجمته في لسان الميزان ٦ : ٤٣ .

٣٥٥

فبذل له مِئة دينار على أنْ يخرج له كتاب العِلل ، ليراه ويكون عنده ثلاثة أيّام ، ففتنه المال وأخذ منه مِئة دينار ، ثمّ تلطّف مع أُمّه فأخرجت الكتاب ، فدفعه إليه وأخذ عليه العهود والمواثيق أنْ لا يحبسه عنه أكثر مِن الأمد الذي ذكر ، فأخذ البخاري الكتاب ـ وكان مِئة جزء ـ فدفعه إلى مِئة من الورّاقين ، وأعطى كلّ رجلٍ منهم ديناراً على نسخه ومقابلته في يومٍ وليلة ، فكتبوا له الديوان في يومٍ وليلة وقُوبل ، ثمّ صرفه إلى ولد عليّ بن المديني وقال : إنّما نظرت إلى شيء فيه .

وانصرف عليّ بن المديني فلم يعلم بالخبر ، ثمّ ذهب البخاري فعكف على الكتاب شهوراً واستحفظه ، وكان كثير الملازمة لابن المديني ، وكان ابن المديني يعقد يوماً لأصحاب الحديث ، يتكلّم في عِلَله وطرفه ، فلمّا أتاه البخاري بعد مدّة قال له : ما حبسك عنّا ؟ قال : شغلٌ عرض لي ، ثمّ جعل عليٌّ يلقي الأحاديث ويسألهم عن عِلَلها ، فيبادر البخاري بالجواب بنصّ كلام عليٍّ في كتابه ، فعجب لذلك ثمّ قال له : مِن أين علمت هذا ، هذا قولٌ منصوص ، والله ما أعلم أحداً في زماني يعلم هذا العِلم غيري .

فرجع إلى منزله كئيباً حزيناً ، وعَلِم أنّ البخاري خدَع أهله بالمال حتّى أباحوا له الكتاب ، ولم يزَل مغموماً بذلك ، ولم يلبث إلاّ يسيراً حتّى مات ، واستغنى البخاري عن مُجالسة عليّ والتفقّه عنده بذلك الكتاب ، وخرج إلى خراسان ، وتفقّه بالكتاب ، ووضَع الكتاب الصحيح والتواريخ ، فعظم شأنه وعلا ذكره ، وهو أوّل مَن وضع في الإسلام كتاب الصحيح ، فصار الناس له تبعاً ، وبكتابه يقتدي العلماء في تأليف الصحيح ) .

يفيد هذا النص أنّ البخاري كان السبب في موت شيخه عليّ بن المديني ، لتصرّفه في كتاب العِلل الذي وضعه شيخه ، بعد أخذه مِن أهله بالحيلة والخديعة والمكر والكذب...

٣٥٦

طعن مسلم فيمن قال بمقالة البخاري

هذا ، وقد صرّح مسلم بن الحجّاج بالطعن والتشنيع على بعض الأقوال وأصحابها في باب رواية الحديث ونقله ، والحال أنّ البخاري مِن القائلين بذلك القول ، وهذا نصّ كلام مسلم في باب ما تصحّ به رواية الرواة بعضهم عن بعض ، والتنبيه على مَن غلط في ذلك :

( وقد تكلّم بعضٌ منتحلي الحديث مِن أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها ، بقول لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحاً ، لكان رأياً متيناً ومذهباً صحيحاً ، إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله ، وأجدر أنْ لا يكون ذلك تنبيهاً للجهّال عليه ، غير أنّا لمّا تخوّفنا مِن شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات الأُمور ، وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء ، رأينا الكشف عن فساد قوله ورَدّ مقالته بقدر ما يليق بها مِن الردّ ، أجدى على الأنام وأحمد للعاقبة إنْ شاء الله .

وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله والإخبار عن سوء رويّته : أنّ كلّ إسنادٍ لحديثٍ فيه فلان عن فلان ، وقد أحاط العلم بأنّهما قد كانا في عصرٍ واحد ، وجائز أنْ يكون الحديث الذي روى الراوي عمّن روى عنه قد سمِعه منه وشافهه به ، غير أنّه لا نعلم له منه سُماعاً ، ولم نجد في شيء مِن الروايات أنّهما التقيا قط أو تشافها بحديث ، أنّ الحجّة لا تقوم عنده بكلّ خبر جاء هذا المجيء ، حتّى يكون عنده العلم بأنّهما قد اجتمعا من دهرهما مرّة فصاعداً أو تشافها بالحديث بينهما ، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما وتلاقيهما مرّة مِن دهرهما فما فوقها ، فإنْ لم يكن عنده علمُ ذلك ، ولم تأتِ به روايةٌ صحيحةٌ تخبِر أنّ هذا الراوي عن صاحبه قد لقِيه مرّة وسمع منه شيئاً ، لم يكن في نقله الخبر عمّن روى عنه عِلم ذلك والأمر كما وصفنا حجّة ، وكان الخبر عنده موقوفاً ، حتّى يرد عليه سماعه منه لشيءٍ مِن الحديث ، قلّ أو كثُر في رواية مثل ما ورد .

وهذا القول ـ يرحمك الله ـ في الطعن في الأسانيد قولٌ مُخترَع مُستحدَث غير مسبوق صاحبه إليه ، ولا مساعد له من أهل العلم عليه ، وذلك أنّ القول الشائع المتّفق

٣٥٧

عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً : أنّ كلّ رجلٍ ثقة روى عن مثله حديثاً ، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعاً كانا في عصرٍ واحد ـ وإنْ لم يأتِ في خبرٍ قط أنّهما اجتمعا ولا تشافها بكلام ـ فالرواية ثابتة والحجّة بها لازمة ، إلاّ أنْ يكون هناك دلالة بيّنة أنّ هذا الراوي لم يلقَ مَن روى عنه ، أو لم يسمع منه شيئاً ، فأمّا والأمر مبهمٌ على الإمكان الذي فسّرنا ، فالرواية على السماع أبداً حتّى تكون الدلالة التي بيّنّا .

فيُقال لمخترع هذا القول الذي وصفنا مقالته أو للذابّ عنه ، قد أعطيت في جملة قولك أنّ خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجّةٌ يلزم به العمل ، ثمّ أدخلت فيه الشرط بعد ، فقلت حتّى نعلم أنّهما قد كانا التقيا مرّةً فصاعداً أو سمع منه شيئاً ، فهل تجد هذا الشرط الذي اشترطته عن أحدٍ يلزم قوله ، وإلاّ فهلمّ دليلاً على ما زعمت ، فإنْ ادّعى قول أحدٍ من علماء السلَف بما زعم من إدخال الشريطة في تثبيت الخبر طُولب به ، ولنْ يجد هو ولا غيره إلى إيجاده سبيلاً ) .

وأيضاً قال : ( وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهينالحديث بالعلّة التي وصف ، أقلّ مِن أنْ يُعرّج عليه ويُثار ذكره ، إذ كان قولاً مُحدثاً وكلاماً خلفاً ، لم يقُله أحدٌ من أهل العلم سلَف ، ويستنكره من بعدهم خلَف ، فلا حاجة بنا في ردّه بأكثر ممّا شرحنا ، إذا كان قدر المقالة وقائلها القدر الذي وصفناه ، والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء ، وعليه التكلان ) (١) .

وقال النووي في شرح هذا الكلام :

( حاصل هذا الباب أنّ مسلماً ـ رحمه الله ـ ادّعى إجماع العلماء قديماً وحديثاً على أنّ المعنعن ـ وهو الذي فيه عن فلان ـ محمولٌ على الاتّصال والسماع ، إذا أمكن لقاء مَن أُضيفت العنعنة إليهم بعضهم بعضاً ، يعني مع براءتهم من التدليس ، ونقل مسلم عن بعض أهل عصره أنّه قال لا يقوم الحجّة بها ، ولا الحمل على الاتّصال ، حتّى يثبت أنّهما التقيا في عمرهما مرّة فأكثر ، ولا يكفي إمكان تلاقيهما .

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ١ : ٣٥ .

٣٥٨

قال مسلم : وهذا قولٌ ساقطٌ مخترعٌ مستحدث ، لم يسبق قائله إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه ، وأنّ القول به بدعة باطلة ، وأطنب مسلم في الشناعة على قائله ، واحتجّ مسلم بكلام مختصره : إنّ المُعنعن عند أهل العلم محمولٌ على الاتّصال ، إذا ثبت التلاقي مع احتمال الإرسال ، فكذا إذا أمكن التلاقي ، وهذا الذي صار إليه مسلم قد أنكره المحقّقون وقالوا : هذا الذي صار إليه مسلم ضعيف ، والذي ردّه هو المختار الصحيح الذي عليه أئمّة هذا الفن ، مثل عليّ بن المديني ، والبخاري وغيرهما )(١) .

أحاديثٌ باطلة في كتاب البخاري

وكما تكلّمنا باختصارٍ عن البخاري ، فلنتكلّم في كتابه الموصوف بالصحيح ، على ضوء أقوال كبار أئمّة الحديث ، مقتصرين على طعنهم وقدحهم في عدّةٍ من أحاديثه :

حديث خِطبة عائشة

( فمنها ) الحديث في خطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة وقول أبي بكر له : ( إنّما أنا أخوك ) ، وهذا نصّه :

( عن عروة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطَب عائشة ، فقال له أبو بكر : إنّما أنا أخوك ، فقال :( أنت أخي في دين الله وكتابه ، وهي لي حلال ) (٢) .

قال ابن حجَر عن الحافظ مغلطاي : ( في صحّة هذا الحديث نظر ؛ لأنّ الخلّة لأبي بكر إنّما كانت بالمدينة ، وخِطبة عائشة كانت بمكّة ، فكيف يلتئم قوله : إنّما أنا أخوك.

وأيضاً : فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما باشر الخطبة بنفسه ، كما أخرجه ابن أبي عاصم ، مِن طريق يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب ، عن عائشة : إنّ النبيّ أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة ، فقال لها أبو بكر :

ـــــــــــــــــــ

(١) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج ١ : ١٢٧ ـ ١٢٨ .

(٢) صحيح البخاري ٧ : ٨ .

٣٥٩

وهل تصلح له ، إنّما هي بنت أخيه ؟ فرجعَت فذكرت ذلك للنبيّ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارجعي فقولي له : أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي فأتت أبا بكر فذكرت ذلك له ، فقال : ادعي رسول الله ، فجاء فأنكحه )(١) .

حديث شفاعة إبراهيم لآزر

( ومنها ) الحديث في شفاعة سيّدنا إبراهيمعليه‌السلام لآزر في يوم القيامة .

وهذا الافتراء ذكره البخاري على حسب ديدنه في غير موضعٍ من كتابه السقيم ، وفيه غاية الإزراء بشأن إبراهيم على نبيّنا وآله وعليه سلام الرب الرحيم ، كما لا يخفى على مَن له ذهن مستقيم ، حيث أثبتوا له في ذلكأوّلاً : مخالفة أمر الله تعالى وثانياً : إصراره على المخالفة والمجادلة حيث لم ينته ـ بناءً على افتراءهم ـ لمّا نهى الله عن الاستغفار له في دار الدنيا ، وثالثا : مخالفته للدلائل العقليّة الدالّة على المنع مِن الاستغفار للمشركين ،ورابعاً : الخطأ والغفلة في ظنّ أنّ تعذيب الكافر خزيٌ له بل خزيٌ أعظم ، وأيّ خزي أعظم من هذا ؟ فإنّ ذلك ممّا لا يتخيّله مَن له أدنى عقل ودراية ، فضلاً عن النبيّ المعصوم المبعوث للهداية ، وخامساً : للجهل بالمراد مِن وعده تعالى بأن لا يخزيه .

وهذه هي ألفاظ الحديث في كتاب التفسير :

( حدّثا إسماعيل قال : حدّثنا أخي ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هُريرة ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :يلقى إبراهيم أباه فيقول : يا رب ، إنّك وعدتني ألاّ تخزني يوم يُبعثون ، فيقول الله :إنّي حرّمت

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري ٩ : ١٠١ .

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456