استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٣

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 478

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 478
المشاهدات: 243727
تحميل: 6837


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 478 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243727 / تحميل: 6837
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال القاضي : وهذا فيه نظر ، إذ ما مِن واحد إلاّ وشبّب عمر فيه بشيء لمّا أن عُرض عليه ؛ فقال في طلحة : صاحب ختر وأَنْهٍ واستكبارٍ ، وفي الزبير : إنّه صاحب المُدّ والصاع ، وفي سعدٍ : إنّه صاحب مقنب ، وفي عليّ : إنّ فيه دعابة ، وفي عثمان : إنّه كلف بأقاربه .

فلا يتلقّى حكم اجتهادهم مِن هذا المأخذ .

وأبو هريرة لم يكن مفتياً فيما قاله القاضي ، وكان مِن الرواة .

والضابط عندنا فيه أنّ كلّ مَن عَلِمْنا قطعاً أنّه يتصدّى للفتوى في أعصارهم ولم يمنع عنه ، فهو مِن المجتهدين ، ولمَن لم يتصدّ له قطعاً فلا ، ومَن تردّدنا في ذلك في حقّه تردّدنا في صفته ، وقد انقسمت الصحابة إلى متنسّكين لا يعتنون بالعلم وإلى معتنين به ، وأصحاب العمل مِنهم لم يكن لهم مرتبة الفتوى ، والذين يعلمون وأفتوا فهم المُفْتون ، ولا مطمع في عدّ آحادهم بعد ذكر الضابط ، وهو الضابط أيضاً في التابعين ، وللشافعي في الحسن البصري كلام .

وأمّا مالك ، فكان مِن المجتهدين ، نعم له زلل في الاسترسال على المصالح ، وتقديم عمل علماء المدينة ، وله وجه كما ذكرناه مِن قبل .

وأمّا أبو حنيفة ، فلم يكن مجتهداً ، لأنّه كان لا يعرف اللغة ، وعليه يدلّ قوله : لو رماه بأبو قبيس ، وكان لا يعرف الأحاديث ؛ ولهذا عزي بقبول الأحاديث الضعيفة وردّ الصحيح مِنها ، ولم يكن فقيه النفس بل كان يتكايس لا في محلّه على مناقضة مآخذ الأُصول )(١) .

وذكر في ( المنخول ) في كتاب الترجيح :

_______________________

(١) المنخول في علم الأصول : ٤٦٩ ـ ٤٧١ .

٢٢١

( الباب الثاني : في ترجيح بعض الأقيسة المتعارضة على البعض ، وممّا لابدّ مِن تقديمه على الخوض في ترجيح المقاييس، فصل ذكره القاضي في ترتيب النظر في قواعد الأقيسة ، فقال : النظر فيها ينقسم إلى ما لا يتفاوت في نفسه وإلى المتفاوت في نفسه وإلى المتفاوت ؛ وعنى بالمتفاوت ما يتفاوت فيه نظر النظّار ويتعارض فيه الخواطر .

قال : والنظر الذي لا يتفاوت ينقسم إلى ما يقع في مرتبة البديهي ، كعلمِنا أنّ المخنق والقتال بالمثقل عامد للقتل ، ومَن أضمر خلافه يُسَفَّهُ في عقله ، وإلى ما يقع في مرتبة النظري ، كعلمِنا بوجوب القصاص عليه ، فإنّ مَن عَلِم مقصود الشارع مِن القصاص في الحقن والعصمة استبان بأدنى نظر على القطع إيجاب القصاص ، ولا ينبغي أن يتمارى فيه .

وكذلك علمنا بأنّ العقوبات الرادعة عن الفواحش شُرِّعت زجراً عنها ، وإذا تجمّعت أسبابها مِن ارتكاب الفاحشة مع تمحّض التحريم ومسيس الحاجة إلى الزجر فلا بدّ مِنه ، كعلمِنا بأنّ العدول إذا شهدوا على الزنا فلا يسقط الحدّ بقول المشهود عليه : صدقوا ، كما قاله أبو حنيفة ، وكعلمِنا بأنّ الحدّ لا يتعلّق إلاّ بفاحشة ، ولكن الشرع تولّى بيانه فإنّا لا ندركه بأفهامنا ، وقد خصّصها بتغييب الحشفة واستثنى مقدّماته مِن معانقة وتقبيل ومماسّة مِنها ، وعلمنا بأنّ أقلّ مراتب موجب العقوبة أن يتمحّض تحريمه ، فالوطئ بالشبهة لا يوجب الحدّ ، وإشارته إلى الذي صادف امرأة على فراشه ظنّها حليلته القديمة .

قال : فهذه جهة لا يتفاوت فيها نظر العقلاء ، ولا اكتراث بمخالفة أبي حنيفة ، فإنّي أقطع بخطائه في تسعة أعشار مذاهبه التي خالف فيها خصومه ، فإنّه أتى فيها بالزلل في قواعد أُصوليّة يترقّى القول فيها عن مظانّ الظنون ، كتقديمه القياس على الخبر ورجوعه إلى الاستحسان الذي لا مستند له،

٢٢٢

وزعمه أنّ الزيادة على النصّ نسخ في مسائل ذكرناه ، وتمسّكه بمسائل شاذّه في خَرْم القواعد ، فليس الكلام معه فيها مظنّة النظر في المظنونات ، والعشر الباقي يستوي فيه قدمه وقدم خصومه ولعلّهم يرجّحون عليه )(١) .

وفي ( المنخول ) أيضاً :

( قال الشافعي : مَن استحسن فقد شرّع ، ولابدّ أوّلاً مِن بيان حقيقة الاستحسان ، وقد قال قائلون مِن أصحاب أبي حنيفة : الاستحسان مذهب لا دليل عليه .

وهذا كفر مِن قائله وممّن يجوّز التمسّك به بلا حاجة فيه إلى دليل )(٢) .

وفيه :

( قال أبو حنيفة : لا يجري القياس في الحدود و...... والمقدّرات والرخص ، ثمّ أفحش القياس في درء الحدود في السرقة والقصاص حتّى أبطل قاعدة الشرع ، وفي إثباتها حتّى أوجب الحدّ في شهود الزوايا ، وأوجب قطع السرقة بشهادة شاهدين يشهد أحدهما على أنّه سرق بقرة بيضاء ويشهد الآخر على بقرة سوداء ، لاحتمال أنّ البقرة كانت ملمعة .

وقاس غير الجماع على الجماع في الصوم في إيجاب الكفّارة .

والخطاء في قتل الصيد على العمد في إيجاب الجزاء مع اختصاص النصّ بالعمد .

وقدّر نزح ماء البئر عند نجاسته بثلاثين دلواً قياساً .

ولا ينفعهم قولهم إنّا قلّدنا الأوزاعي ، فإنّهم أبَوْا عن تقليد الصحابة في مسائل فكيف قلّدوه ؟ وقدّروا العفو عن النجاسة بربع الثوب ، والمسح على الرأس بربعه ، وقاسوا في الرخص سائر النجاسات على

_______________________

(١) المنخول مِن علم الأصول : ٤٣٨ ـ ٤٣٩ .

(٢) المنخول : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ .

٢٢٣

مقدار ما عُفيَ عنه على محلّ النَّجْو رخصة ، فقد خبطوا هذه الأُصول )(١) .

وجاء في آخر كتاب ( المنخول ) :

( إنّ أبا حنيفة نزق حمام ذهنه في تصوير المسائل وتقرير المذاهب ، فكثر خبطه لذلك ؛ ولهذا استنكف أبو يوسف ومحمّد عن اتّباعه في ثلثي مذهبه ، لِما رَأَيا فيه مِن كثرة الخبط والخلط والتورّط في المتناقضات ، وصرف الشافعي ذهنه إلى انتخاب المذاهب وتقديم الأظهر فالأظهر ، وأقدم عليه بقريحة وقّادة وفطنة منقادة وعقل ثاقب ورأي صائب ، بعد الاستظهار بعلم الأُصول والاستمداد مِن جملة أركان النظر في المعقول والمنقول ، فيُستبان على القطع أنّه أبعد عن الزلل والخطأ ممّن اشتغل بالتمهيد ، وتشوّش الأمر عليه في روم التأسيس والتقعيد .

وعلى الجملة ، إذا قُدّم مذهب أبي حنيفة على مذهب أبي بكر لتأخّره وشدّة اعتنائه بالنخل ، فاعتبار التأخّر في نسبة الشافعي إلى أبي حنيفة ومَن قبله أبْيَن وأوضح )(٢) .

ثمّ قال :

( المسلك الثالث أن نستقري مذاهب الأئمّة ، ليتبيّن تقديم الشافعي على القطع :

فأمّا مالك ، فقد استرسل على المصالح استرسالاً جرّه ذلك إلى قَتْل ثلث الأمّة لاستصلاح ثلثيها ، وإلى القتل في التعزير والضرب بمجرّد التّهم ، إلى غيره ممّا أومأنا إليه في أثناء الكتاب...

_______________________

(١) المنخول : ٣٨٥ ـ ٣٨٦ .

(٢) المنخول : ٤٩٦ .

٢٢٤

وأمّا أبو حنيفة ، فقد قلّب الشريعة ظهراً لبطن وشوّش مسلكها وغيّر نظامها )(١) .

إلى أن قال :

( ولا يخفى فساد مذهبه في تفاصيل الصلاة ، والقول في تفاصيلها يطول ، وثمرة خبطه بيّن فيما عاد إليه أقلّ الصلاة عنده، وإذا عرض أقلّ صلاته على كلّ عاميّ جلف كاعٍّ امتنع عن اتّباعه ، فإنّ مَن انغمس في مستنقع نبيذ ، وخرج في جلد كلب مدبوغ ، ولم ينْوِ ، وأحرم للصلاة مبدّلاً صيغة التكبير بترجمته تركيّاً كان أو هنديّاً ، ويقتصر في قراءة القرآن ، على ترجمة قوله( مُدْهَامَّتَانِ ) ثم يترك الركوع وينقر نقرتين لا قعود بينهما ، ولا يقرأ التشهّد ، ثمّ يُحدث عمداً في آخر صلاته بدلاً عن التسليم ، ولو انفلت مِنه أو سبقت له حَدَث يعيد الوضوء في أثناء صلاته ، ويُحْدِث بعده عمداً فإنّه لم يكن قاصداً في حَدَثه الأوّل، تحلّل عن صلاته على الصحّة .

والذي ينبغي أن يقطع به كلّ ذي دين : أنّ مثل هذه الصلاة لا يبعث الله بها نبيّاً ، وما بعث محمّد بن عبد الله ( صلوات الله عليه ) بدعاء الناس إليه ، وهي قطب الإسلام وعماد الدين ، وقد زعم أنّ هذا القدَر أقلّ الواجب فهي الصلاة التي بعث بها النبيّ وما عداها آداب وسُنن .

وأمّا الصوم ، فقد استأصل ركنه وردّه إلى نصفه ، حيث لم يشترط تقديم النيّة .

وأمّا الزكاة ، فقد قضى أنّها على التراخي ، فيجوز تأخيرها وإن كانت الحاجة ماسّة ،وأَعْيُن المساكين إليها ممتدّة ، ثمّ زعم أنّها تسقط بموته قبل

_______________________

(١) المنخول : ٤٩٩ ـ ٥٠٠ .

٢٢٥

أدائها ، وكان قد جاز له التأخير ، وهل هذا إلاّ إبطال غرض الشارع مِن مراعاة حقّ المساكين .

ثمّ عكس هذا في الحجّ الذي لا ترتبط به حاجة مسلم ، وزعم أنّه على الفور .

فهذا صنيعه في العبادات .

وأمّا العقوبات ، فقد أبطل مقاصدها وخرم أصولها وقواعدها ، فإنّ ممّا رام الشرع عصمة الدماء والفروج والأموال ، وقد هدم قاعدة القصاص بالقتل بالمثقل ، فمهّد التخنيق والتغريق والقتل بأنواع المثقلات ذريعة إلى درء القصاص ، ثمّ زاد عليه حتّى ناكر الحسّ والبديهة وقال : لم يقصد قتله وهو شبه عمد .

وليت شعري كيف يجد العاقل مِن نفسه أن يعتقد مثل ذلك تقليداً ، لولا فرط الغباوة وشدّة الخذلان ؟!

وأمّا الفروج ، فإنّه مهّد ذرائع أسقط الحدّ بها ، مثل الإجارة ونكاح الأُمّهات ، وزعم أنّها دارئة للحدّ ، ومَن يبغ البغاء بمؤمِنة كيف يعجز عن استيجارها ، ومَن عذيرنا مِن ذلك ؟

ثمّ دقّق نظره منعكساً في إيجاب الحدّ في مسألة شهود الزوايا ، زاعماً أنّي تفطّنت لدقيقة وهي انزحافهم في زنية واحدة على الزوايا ، ثمّ قال : لو شهد عليه أربعة عدول بالزنا فأقرّ مرّة واحدة سقط الحدّ عنه ، ثمّ أوجب الحدّ في الوطي بالشبهة إذا صادف أجنبيّة على فراشه فظنّ أنّها حليلته القديمة ، وأقلّ موجبات العقوبات ما تمحّض تحريمه ، والذاهل المخطي لا يوصف فعْلُه بالتحريم .

وأمّا الأموال ، فإنّه زعم أنّ الغصب فيها مع أدنى تغيير مزيل مِلك المالك عنها ، كطحن الحنطة وشيّ الشاة )(١) .

_______________________

(١) المنخول : ٥٠٠ ـ ٥٠٢ .

٢٢٦

إلى أن قال :

( ثمّ أردف جميع قواعد الشريعة بأصل هَدَم به شرع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطعاً حيث قال : شهود الزور إذا شهدوا كاذبين على نكاح زوجة الغير وقضى به القاضي بخطأ ، حلّت الزوجة للمشهود له وإن كان عالماً بالتزوير ، وحرمت على الأوّل بينه وبين الله تعالى )(١) .

قال :

( ولولا شدّة الغباوة وقلّة الدراية وتدرّب القلوب على اتّباع التقليد والمألوف ، لما اتّبع مثل هذا المتصرّف في الشرع مَن سلم حسّه فضلاً عمّن يشتدّ نظره ، ولهذا اشتدّ المطعن والملعن مِن سلف الأئمّة فيه ، إلى أن اتّهموه برومه خرم الشرع ، وهو الذي قطع به القاضي أبو بكر في قوله في مسألة المثقل قال : مَن زعم أنّ القاتل لم يتعمّد القتل به إن لم يعلم نقيضه فليس مِن العقلاء وإن علمه فقد رام خرم الدين )(٢) .

أقول :

هكذا يتكلّم الغزالي في أبي حنيفة ، ثمّ بالتالي يلعنه بصراحةٍ ، وإذا علِمنا أنّ الغزالي يمنع مِن لعْن المسلم ، بل لا يجوّز لعن يزيد بن معاوية ، عرفنا حال أبي حنيفة عنده ! وهذه عباراته على ما في ( تاريخ ابن خلّكان ) وغيره مِن كتب أكابرهم الأعيان :

( لا يجوز لَعْن المسلم أصلاً ، ومَن لَعَن مسلماً فهو الملعون ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المسلم ليس بلعّان ، وكيف يجوز لَعْن المسلم

_______________________

(١) المنخول : ٥٠٣ .

(٢) المنخول : ٥٠٣ ـ ٥٠٤ .

٢٢٧

ولا يجوز لعن البهائم وقد ورد النهي عن ذلك ؟ وحرمة المسلم أعظم مِن حرمة الكعبة بنصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويزيد صحّ إسلامه وما صحّ قتله الحسينرضي‌الله‌عنه ولا أمره ولا رضاه بذلك ، ومهما لم يصحّ ذلك مِنه لا يجوز أن يظنّ ذلك به ، فإنّ إساءة الظنّ أيضاً بالمسلم حرام وقد قال الله تعالى :( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِن الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله تعالى حرّم مِن المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظنّ به ظنّ السوء .

ومَن زعم أنّ يزيد أمر بقتل الحسين أو رضي به فينبغي أن يعلم به غاية حماقته ، فإنّ مَن قُتِلَ مِن الأكابر والوزراء والسلاطين في عصره لو أراد أن يعلم حقيقة مَن الذي أمر بقتله ومَن الذي رضي به ومَن الذي كرهه ، لم يقدر على ذلك وإن كان قد قُتِل في جواره وزمانه وهو يشاهده ، فكيف لو كان في بلد بعيد وفي زمن بعيد وقد انقضى عليه قريب مِن أربع مائة سنة في مكان بعيد ، وقد تطرّق التقصير في الواقعة فكثرت فيها الأحاديث مِن الجوانب ؟ فهذا أمر لا يعرف حقيقته أصلاً ، وإذا لم يعرف ؛ وجب إحسان الظنّ بكلّ مسلم .

ومع هذا ، فلو ثبت على مسلم أنّه قتل مسلماً فمذهب أهل الحقّ أنّه ليس بكافر ، والقتل ليس بكفر ، بل هو معصية ، وربّما مات بعد التوبة ، والكافر لو تاب مِن كفره لم يجز لعنته فكيف مَن تاب عن قتل ، وبم يعرف أنّ قاتل الحسينرضي‌الله‌عنه مات قبل التوبة( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ) .

فإذاً لا يجوز لعن أحد ممّن مات مِن المسلمين ، ومَن لعنه كان فاسقاً عاصياً لله تعالى ، ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصياً بالإجماع ، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة لِمَ لم تلعن إبليس ويقال للاّعن : لمَن لعنت ؟ ومِن أين عرفت أنّه مطرود ملعون ؟ والملعون هو المُبعَد مِن الله

٢٢٨

تعالى ، وذلك غيب لا يُعرف إلاّ في مَن مات كافراً ، فإنّ ذلك عُلِم بالشرع ، وأمّا الترحّم عليه فهو جائز ، بل مستحب ، بل هو داخل في قولنا في كلّ صلاة : اللّهمّ اغفر للمؤمِنين والمؤمِنات فإنّه مؤمِناً والله أعلم )(١) .

كتاب المنخول للغزالي

ثم إنّ بعضهم لمّا رأى هذا الطعن والذمّ الشديد مِن إمامهم الغزالي في أبي حنيفة في كتاب المنخول ، ولم يتمكّن مِن تكذيب الغزالي ، اضطرّ إلى نفي نسبة الكتاب المذكور إليه ، فقال بأنّه ليس مِن تصانيف الغزالي صاحب إحياء العلوم ، بل هو تأليف محمود الغزالي المعتزلي .

ولكنّ هذه المحاولة أيضاً للدفاع والحماية عن أبي حنيفة لا تجدي نفعاً ، فالكتاب للغزالي قطعاً... وقد ذكره له كبار العلماء والمؤرّخين المشاهير ، كابن خلّكان ، واليافعي ، بترجمة الغزالي في عداد مصنّفاته(٢) .

كما اعترف الملاّ عليّ القاري بذلك في كتابه المؤلَّف ردّاً على إمام الحرمين فقال :

( ثم رأيت الإمام الكردري صنّف تصنيفاً في الردّ على الغزالي فيما نقل عنه أنّه ذكر في كتابه المنخول طعناً في أبي حنيفة وأصحابه الفحول ، ولعلّه كان في أيّام جهالته وزمان حيرته ومبدأ ضلالته ، قبل أن يدخل في طريق الأولياء وتصنيفه الإحياء ، على ما تدلّ عليه ترجمته للإمام الأعظم مع سائر العلماء ) .

_______________________

(١) وفيات الأعيان ٣ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ .

(٢) وفيات الأعيان ٤ : ٢١٨ ، مرآة الجنان ٣ : ١٣٧ .

٢٢٩

وقال الحافظ الزين العراقي في ( شرح ألفيّة الحديث ) :

( اختلف في التعديل والجرح هل يقبلان أو أحدهما مِن غير ذكر أسبابهما أم لا يقبلان إلاّ مفسَّراً ، على أربعة أقوال ؟ ) ثمّ قال :

( القول الثاني عكس القول الأوّل : إنّه يجب بيان سبب العدالة ولا يجب بيان سبب الجرح ؛ لأنّ أسباب العدالة يكثر التصنّع فيها ، فيبني المعدّلون على الظاهر حكاه صاحب المحصول وغيره ، ونقله إمام الحرمين في البرهان والغزالي في المنخول تبعاً له عن القاضي أبي بكر ) ثمّ قال بعد ذكر القول الثالث :

( والقول الرابع عكسه ، إنّه لا يجب ذكر سبب واحدٍ مِنهما ، إذا كان الجارح أو المعدّل عالماً بصيراً ، وهو اختيار القاضي أبي بكر ونقله عن الجمهور فقال : قال الجمهور مِن أهل العلم : إذا جرح مَن لا يعرف الجرح ، يجب الكشف عن ذلك، ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن .

قال : والذي يقوى عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالماً ، كما لا يجب استفسار المعدّل عمّا به صار عنده المزكّى عدلاً إلى آخر كلامه .

وممّن حكاه عن القاضي أبي بكر الغزالي في المستصفى خلاف ما حكاه عنه في المنخول )(١) .

وذكر ابن جماعة كتاب المنخول بترجمة الغزالي في عداد مصنّفاته(٢) ، وحكى بترجمة القاضي الحسين بن الحسن السعدي المقدسي الأصل

_______________________

(١) شرح ألفيّة الحديث .

(٢) طبقات الشافعية لابن جماعة ـ ترجمة الغزالي .

٢٣٠

الدمياطي ، عن الحافظ الدمياطي أنّه قرأ عليه المنخول للغزالي(١) .

ونقل الحافظ السيوطي في رسالته في الاجتهاد ـ ( جزيل المواهب ) ـ كلاماً عن الغزالي في المنخول قائلاً : ( قال الغزالي في المنخول: الاجتهاد ركن عظيم في الشريعة... ) .

هذا ، وإنّ عدّةً مِن الأعلام يروون بالأسانيد كتاب ( المنخول ) للغزالي ، فقد قال الشيخ تاج الدين الدهان المكّي الحنفي في كتاب ( كفاية المتطلع لِما ظهر وخفي مِن غالب مرويّات شيخنا العلاّمة الحسن بن عليّ العجيمي ) ما نصّه :

( كتاب المستصفى والمنخول ، للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمّد بن محمّد بن محمّد الغزالي الشافعي : أخبر بهما عن الشيخ صفيّ الدين أحمد بن محمّد القشاشي والشهاب أحمد بن محمّد الخفاجي ، عن العلاّمة شمس الدين محمّد بن أحمد الرملي ، عن أبي الفضائل عبد الحق بن محمّد السنباطي ، عن الشيخ الزاهد شرف الدين أبي الفتح محمّد بن الزين أبي بكر ابن الحسين المراغي قال : أخبرنا بهما جماعة أعلاهم الحافظ بهاء الدين عبد الله بن محمّد بن خليل العثماني المكّي إذناً ، عن الرضيّ إبراهيم بن محمّد الطبري المكّي قال : أخبرنا أبو الحسن عليّ ابن المقيّر البغدادي إذناً قال : أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن طاهر الميهني قالا : أخبرنا بهما مؤلّفهما الإمام حجّة الإسلام أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي الطوسي فذكرهم )(٢) .

ثمّ إنّه ممّا يبطل دعوى كون ( المنخول ) لمحمود المعتزلي وجود الردود

_______________________

(١) طبقات الشافعية لابن جماعة ـ ترجمة القاضي حسين بن الحسن الدمياطي ـ .

(٢) كفاية المتطّلع ـ مخطوط ـ .

٢٣١

الكثيرة على المعتزلة فيه :

فقد جاء في ( المنخول ) :

( مسألة : لايُستدرك حُسن الأفعال وقبحها بمسالك العقول ، بل يتوقف دركها على الشرع المنقول ، إذ الحسن عندنا ما حسّنه الشرع بالحثّ عليه ، والقبيح ما قبّح بالزجر عنه والذمّ عليه ، وقد خالف في ذلك المعتزلة والكراميّة والرافضة... )(١) .

وفيه :

( مسألة : صيغة النفي إذا اتّصل بالجنس لم يقتض الإجمال كقوله : لا عمل إلاّ بالنيّة ولا صيام ولا صلاة ، وزعمت المعتزلة أنّها مجملة مِن حيث أنّه يتردّد بين نفي العمل حسّاً وبين نفيه حُكماً وهذه جهالة... )(٢) .

وفيه :

( الأمر قسم مِن أقسام الكلام ، وأصل الكلام ممّا أنكره المعتزلة ، فلا بدّ مِن تقديمه ، والكلام فيه في ثلاثة فصول : الفصل الأوّل في إثباته عليهم ، فالكلام عندنا معنى قائم بالنفس على حقيقة وخاصيّة يتميّز بها عمّا عداها ، وأمّا العبارات فإنّها تسمّى كلاماً مجازاً أو حقيقة ؟ تردّد فيه شيخنا أبو الحسن وهو متلقّى مِن اللغة ، وأنكرت المعتزلة جنس الكلام وزعمت أنّه فعل حركات مخصوصة وأصوات مقطوعة ، وزعموا أنّ الباري سبحانه متكلّم بمعنى أنّه فاعل للكلام ، والدليل على إثباته ثلاثة مسالك... )(٣) .

_______________________

(١) المنخول : ٨ .

(٢) المنخول : ٧٧ .

(٣) المنخول : ٩٨ ـ ٩٩ .

٢٣٢

وفيه:

( مسألة : عند المعتزلة المأمور يخرج عن كونه مأموراً حالة الامتثال وحدوث الفعل المطلوب ؛ لأنّ الأمر طلب والكائن لا يطلب ، كما قالوا يخرج عن كونه مقدوراً ، لأنّ القدرة لا تتعلّق بالموجود ، وخالفهم أصحابنا في مسألتين وبنوا الأمر على القدرة )(١) .

وفيه :

( قال شيخنا أبو الحسن : المعدوم مأمور على تقدير الوجود ، إذ عنده ثبت الكلام القديم وثبت كون الباري آمراً أزلاً ، وأبى المعتزلة وقالوا : الأمر طلب فكيف يتوجه على المعدوم ...)(٢) .

وفيه :

( قالت المعتزلة : لا يخصّص عموم القرآن بأخبار الآحاد ، فإنّ الخبر لا يقطع بأصله بخلاف القرآن وقال الفقهاء : يخصّص به ـ إلى أن قال ـ والمختار أنّه يخصّص ، لعلمِنا أنّ الصحابة كانوا يقبلون حديثاً نصّاً ينقل لهم الصدّيق في تخصيص عموم القرآن... )(٣) .

وفيه:

( القول في أفعال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يتوصّل إلى ذلك إلاّ بذكر مقدّمة في عصمة الأنبياء عن المعاصي ، وهي منقسمة إلى الصغائر والكبائر ، وقد تقرّر بمسلك النقل كونهم معصومين عن الكبائر ، وأمّا الصغائر ،

_______________________

(١) المنخول : ١٢٢ ـ ١٢٣ .

(٢) المنخول : ١٢٤ .

(٣) المنخول : ١٧٤ .

٢٣٣

ففيه تردّد العلماء ، والغالب على الظنّ وقوعه ، وإليه يشير بعض الآثار والحكايات ، هذا كلام في وقوعه ، أمّا جوازه فقد أطبقت المعتزلة على وجوب عصمتهعليه‌السلام عقلاً عن الكبائر ، تعويلاً على أنّه يورث التنفير وهو مناقض لغرض النبوّة ، وهذا يبطل بكون الحرب سجالاً بينه وبين الكفّار ، وبه اعتصم بعض اليهود في تكذيبه .

والمختار ما ذكره القاضي وهو أنّه لا يجب عقلاً عصمتهم ، إذ لا يستبان استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا بنظر ، وليس مناقضاً لمدلول المعجزة ، فإنّ مدلوله صدق اللهجة فيما يخبر عن الله تعالى ، فلا جرم لا يجوز وقوع الكذب فيما يخبر به عن الله تعالى ؛ لا عمداً ولا سهواً ، ومعنى التنفير باطل ، فإنّا نجوّز أن ينبّئ الله تعالى كافراً ويؤيّده بالمعجزة ، والمعتزلة يأبون ذلك أيضاً )(١) .

أقول :

وإذ وقفْتَ على كلمات الشّافعي وغيره في أبي حنيفة ، فهلمّ لننظر إلى كلمات سائر الأئمّة فيه ، وقد أوردها الحافظ الخطيب البغدادي بترجمته مِن ( تاريخ بغداد )(٢) .

أبو حنيفة في تاريخ الخطيب

وقد قال الخطيب بعد أن أورد عن جماعةٍ مِن الأئمّة المدح لأبي حنيفة :

( والمحفوظ عند نقلة الحديث مِن الأئمّة المتقدمين ـ وهؤلاء المذكورون مِنهم ـ في أبي حنيفة خلاف ذلك ، وكلامهم فيه كثير ؛ لأُمور شنيعةٍ

_______________________

(١) المنخول : ١٢٣ ـ ١٢٤ .

(٢) ترجمة أبي حنيفة في تاريخ بغداد ١٣ : ٣٢٣ ـ ٤٥٤ .

٢٣٤

حفظت عليه ، متعلّق بعضها بأُصول الديانات وبعضها بالفروع ، ونحن ذاكروها بمشية الله عزّ وجل ، ومعتذرون إلى مَن وقف عليها وكره سماعها ، بأنّ أبا حنيفة عندنا مع جلالة قدره أُسوة غيره مِن العلماء الذين دوّنّا ذكرهم في هذا الكتاب ، وأوردنا أخبارهم وحكينا أقوال الناس فيهم على تباينها ، والله الموفّق للصواب )(١) .

أقول :

وهذه أسماء الأئمّة الذين ذكر الخطيب آرائهم في أبي حنيفة ، فهم :

ابن عيينة ، وابن المبارك ، وأبو يحيى الحماني ، وابن عيّاش ، وأحمد الخزاعي ، والقاسم بن معن ، ومالك بن أنس ، ومحمّد بن إدريس الشافعي ، والأوزاعي ، ومسعر بن كدام ، وإسرائيل ، ومعمر ، والفضيل بن عياض ، وأبو يوسف ، وأيّوب، وسفيان ، وأبو مطيع الحكم بن عبد الله ، ويزيد بن هارون ، وأبو عاصم النبيل ، وعبد الله بن داود الخريبي ، وعبد الله بن يزيد المقري ، وشداد بن حكيم ، ومكي بن إبراهيم ، ووكيع ، والنضر بن شميل ، ويحيى بن سعيد القطان ، وأبو عبيد ، والحسن بن عثمان العاضي ، ويزيد بن ذريع ، وجعفر بن ربيع ، وإبراهيم بن عكرمة القزويني ، وعلي بن عاصم ، والحكم بن هشام ، وعبد الرزاق ، والحسن بن محمّد الليثي ، ويحيى بن أيّوب ، وحفص بن عبد الرحمن ، وزافر بن سليمان ، وأسد بن عمرو ، والحسن بن عمارة ، ويحيى ابن فضيل ، وأبو الجويرية ، وزائدة ، ويزيد الكميت ، وعلي بن حفص البزاز ، ومليح بن وكيع ، ومحمّد بن عبد الرحمن المسعودي ، ويوسف السمتي ،

_______________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٧٠ .

٢٣٥

وخارجة بن مصعب ، وقيس بن الربيع ، وحجر بن عبد الجبّار ، وحفص بن حمزة القرشي ، والحسن بن زياد ، وجعفر بن عون العمري ، وعبد الله بن رجا الغداني ، ومحمّد بن عبد الله الأنصاري ، وعبد الله بن عباب ، وحجر بن عبد الله الحضرمي ، وابن وهب العابد ، وابن عائشة ).

قال الخطيب :

( ذكر القوم الذين ردّوا على أبي حنيفة : أيّوب السختياني ، وجرير بن حازم ، وهمام بن يحيى ، وفلان وفلان فعدّد خمسة وثلاثين رجلاً ، العجب أنّ فيهم عبد الله بن المبارك وحفص بن غياث ، وهذان مِن أصحاب أبي حنيفة ؛ أمّا عبد الله بن المبارك فأخذ العلم عنه واشتهر بذلك ، وأمّا حفص بن غياث فمِن مشهوري أصحابه والآخذين عن أصحابه )(١) .

ثمّ إنّ الخطيب جعل يروي بالأسانيد كلمات القوم في أبي حنيفة ، كروايته عن الحميدي قال : ( حدّثنا حمزة بن الحارث بن عمير عن أبيه قال : سمعت رجلاً يسأل أبا حنيفة في المسجد الحرام :

عن رجل قال : أشهد أنّ الكعبة حقّ ، ولكن لا أدري هل هي هذه التي بمكّة أم لا ؟ فقال : مؤمِن حقّاً وسأله عن رجل قال : أشهد أنّ محمّد بن عبد الله نبيّ ، ولكن لا أدري هو الذي قبره بالمدينة أم لا ؟ فقال : مؤمِن حقّاً وقال الحميدي : ومَن قال هذا فقد كفر )(٢) .

وروى بإسناده عن يحيى بن حمزة ـ وسعيد يسمع ـ : ( أنّ أبا حنيفة قال : لو أنّ رجلاً عبد هذه النعل يتقرّب بها إلى الله لم أر بذلك بأساً فقال

_______________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٧٠ .

(٢) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٧٢ .

٢٣٦

سعيد : هذا الكفر صراحاً )(١) .

وجاء في ( تاريخ بغداد ) قول الخطيب في أبي حنيفة :

( إنّه كان مذهبه مذهب جهم )(٢) .

وقوله :

( وأمّا القول بخَلْق القرآن فقد قيل : إنّ أبا حنيفة لم يكن يذهب إليه ، المشهور إنّه كان يقوله واستتيب مِنه )(٣) .

وذكر الروايات في مَن حكى عن أبي حنيفة القول بخلق القرآن وأطال ، فروى أشياء مِنها : ( كان أبو حنيفة في مجلس عيسى بن موسى فقال : القرآن مخلوق فقال : أخرجوه فإن تاب وإلاّ فاضربوا عنقه )(٤) .

والقول بخلْق القرآن كفرٌ ، كما هو في أسفارهم مذكور وعلى ألسنتهم مشهور...

وروى بإسناده عن شريك بن عبد الله ـ قاضي الكوفة ـ : ( إنّ أبا حنيفة استتيب مِن الزندقة مرّتين ) .

وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل ـ إجازةً ـ حدّثني أبو معمر قال : قيل لشريك : ( مِمّ استتبتم أبا حنيفة ؟ قال : مِن الكفر) .

وعن معاذ بن معاذ ويحيى بن سعيد : سمعنا سفيان يقول : ( استتيب أبو

_______________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٧٤ .

(٢) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٨١ .

(٣) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٨٣ .

(٤) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٨٦ .

٢٣٧

حنيفة مِن الكفر مرتين وقال يعقوب : مراراً ) .

وعن أبي بكر ابن أبي داود السجستاني أنّه قال يوماً لأصحابه : ( ما تقولون في مسألة اتّفق عليها مالك وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، والأوزاعي وأصحابه ، والحسن بن صالح وأصحابه ، وسفيان الثوري وأصحابه ، وأحمد بن حنبل وأصحابه ؟

فقالوا له : يا أبا بكر ، لا تكن مسألة أصحّ مِن هذه .

فقال : هؤلاء كلّهم اتّفقوا على تضليل أبي حنيفة )(١) .

أقول :

ومِن هنا ترى أنّ عارفهم الرّباني الشيخ عبد القادر الجيلاني يقول في كتابه ( غنية الطالبين ) : إنّ أبا حنيفة مُرْجئ والحنفيّة مُرْجئة ، فيخرجهم عن الإسلام بمقتضى الحديث في صحيح الترمذي ، وهذا كلامه :

( عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة كلّها في النّار إلاّ فرقة واحدة ، وستفترق أُمّتي على ثلاثة وسبعين فرقة كلّها في النّار إلاّ واحدة قالوا : يا رسول الله ! وما تلك الواحدة ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مَن كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ) .

فقال :

( فأصل ثلاث وسبعين فرقة ؛ عشر : أهل السنّة والخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة والمشبّهة والجهميّة والضراريّة والجاريّة والكلابيّة ، فأهل

_______________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٩٤ .

٢٣٨

السنّة طائفة واحدة ) .

ثمّ قال :

( أمّا المرجئة ، ففرقها اثنا عشر فرقة : الجهمية والصالحيّة والشمريّة واليونسيّة واليونانيّة والنجاريّة والغيلانيّة والشبيهيّة والحنفيّة والعاذيّة والمريسيّة والكرامية ) .

ثمّ قال :

( أمّا الحنفيّة ، فهم أصحاب أبي حنيفة نعمان بن ثابت ، زعم أنّ الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله ورسوله ربّما جاء به مِن عنده جملة ، على ما ذكره البرهوقي في كتاب الشجرة ) .

وقد تألّم الشيخ عليّ القاري مِن هذا الكلام بشدّةٍ فقال في ( شرح الفقه الأكبر ) :

( وأمّا ما وقع في الغنية للشيخ عبد القادر الجيلانيرضي‌الله‌عنه ، عند ذكر الفِرق الغير الناجية حيث قال : ومِنهم القدريّة، وذكر أصنافاً مِنهم ثمّ قال : ومِنهم الحنفيّة وهم أصحاب أبي حنيفة نعمان بن ثابت ، زعم أنّ الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله ورسوله وبما جاء مِن عنده جملة على ما ذكره البرهوقي في كتاب الشجرة ، فهو اعتقاد فاسد وقول كاسد ، مخالف لاعتقاده في الفقه الأكبر... )(١) .

أما ابن قتيبة ، فقد ذكر في عداد المرجئة القاضي أبا يوسف وأستاذه أبا حنيفة وأستاذ أستاذه أعني حماداً ، وكذا رفيقه أعني محمّداً ، وذلك في ( كتاب المعارف ) حيث قال :

_______________________

(١) شرح الفقه الأكبر للقاري : ١١٩ .

٢٣٩

( أسماء المرجئة : إبراهيم التيمي ، عمرو بن مرّة ، أبو ذر الهمداني ، طلق بن حبيب ، حمّاد بن أبي سليمان ، أبو حنيفة الفقيه ، عبد العزيز بن أبي رواد ، ابنه عبد الحميد ، خارجة بن مصعب ، عمر بن قيس الماصر ، أبو معاوية الضرير ، يحيى بن زكريا ، ابن أبي زائدة ، أبو يوسف صاحب الرأي ، محمّد بن الحسن ، محمّد بن السائب ، مسعر بن كدام )(١) .

وعن السليماني القول بكون أبي حنيفة مِن المرجئة كما في كتاب ( ميزان الاعتدال ) :

( أمّا مسعر بن كدام فحجّة إمام ، ولا عبرة بقول السليماني : كان مِن المرجئة مسعر وحمّاد بن أبي سليمان والنعمان وعمرو بن مرّة وعبد العزيز بن أبي رواد وأبو معاوية وعمر بن ذر ، وسرد جماعة قلت : الإرجاء مذهب لعدّة مِن جلّة مِن العلماء لا ينبغي التحامل على قائله )(٢) .

وقال ابن الجوزي في ( تلبيس إبليس ) عن المرجئة :

( قالت المرجئة : إنّ مَن أقرّ بالشهادتين وأتى بكلّ المعاصي لم يدخل النّار أصلاً ، وخالفوا الأحاديث الصحاح في إخراج الموحّدين مِن النّار .

قال ابن عقيل : ما أشبه أن يكون واضع الإرجاء زنديقاً ، فإنّ صلاح العالَم بإثبات الوعيد واعتقاد الجزاء ، والمرجئة لمّا لم يمكنهم جحد الصانع ـ لما فيه مِن نفور الناس ومخالفتهم ـ أسقطوا فائدة الإثبات وهي الحسبة والمراقبة ، وهدموا سياسة الشرع ، فهم شرّ طائفة على الإسلام )(٣) .

_______________________

(١) المعارف لابن قتيبة : ٦٢٥ .

(٢) ميزان الاعتدال ٦ : ٤٠٩ / ٨٤٧٦ .

(٣) تلبيس إبليس : ٩٧ .

٢٤٠