استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٣

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 478

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 478
المشاهدات: 243789
تحميل: 6837


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 478 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243789 / تحميل: 6837
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ألفاً ، فما اختلف المسلمون فيه مِن حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فارجعوا إليه ، فإن وجدتموه فيه فذاك وإلاّ فليس بحجّة .

وكان يكره وضع الكتب فقيل له في ذلك ، فقال : قد عملت هذا المسند إماماً إذا اختلف الناس في سنّةٍ مِن سُنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجعوا إليه ) .

وعلى أساس هذه المدائح يتّضح صحّة احتجاج أهل الحقّ بالأحاديث المخرجة في ( مسند أحمد بن حنبل ) وإلزام القوم بها...

القول بأنّ في مسنده موضوعات

لكن بعض العلماء ذهب إلى أنّ في مسند أحمد أحاديث موضوعة ، قال المناوي :

( وقال العراقي : وجود الضعيف في مسند أحمد محقّق ، بل فيه أحاديث موضوعة ، فجمعتُها في جزء )(١) .

فوضع ابن حجر في ردّه كتاب ( القول المسدّد في الذبّ عن المسند ) .

قول أحمد بأنّ قتال صفّين فتنة

وأحمد نفسه عندنا مطعون فيه ؛ لأنّ القول بأنّ قتال أمير المؤمنينعليه‌السلام الفئة الباغية قتال فتنة ، تخطئة للإمامعليه‌السلام في جهاده وردّ عليه ، وهذا نُصْبٌ للعداء وعناد صريح له ، وقد حكى ذلك عنه ابن تيميّة حيث قال :

_______________________

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ : ٢٦ .

٢٦١

 ( ومذهب أكثر العلماء إنّ قتال البغاة لا يجوز ، إلاّ أنْ يبتدؤا الإمام بالقتال ، كما فعلَتْ الخوارج مع عليّ ، فإنّ قتاله الخوارج متّفق عليه بين العلماء ثابت بالأحاديث الصحيحة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلاف قتال صفّين ، فإنّ أولئك لم يبتدؤا بالقتال ، بل امتنعوا عن مبايعته ؛ ولهذا كان أئمّة السنّة كمالك وأحمد وغيرهما يقولون : إنّ قتاله للخوارج مأمور به ، وأمّا قتال الجَمَل وصفّين فهو قتال فتنة .

فلو قال قوم : نحن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ولا ندفع زكاتنا إلى الإمام ونقوم بواجبات الإسلام ، لم يجز للإمام قتالهم عند أكثر العلماء ، كأبي حنيفة وأحمد .

وأبو بكر الصدّيق إنّما قاتل مانعي الزكاة ؛ لأنّهم امتنعوا مِن أدائها مطلقاً ، وإلاّ فلو قالوا : نحن نؤدّيها بأيدينا ولا ندفعها إلى أبي بكر لم يجز قتالهم عند الأكثرين كأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهما ؛ ولهذا كان علماء الأمصار على أنّ القتال كان قتال فتنة ، وكان مَن قعد عنه أفضل ممّن قاتل فيه ، وهذا مذهب مالك وأحمد بن حنبل والأوزاعي بل والثوري... )(١) .

يقول هذا ، والحال أنّ الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب ( التحفة ) ينصّ ـ وتبعاً لغيره مِن أكابر القوم ـ على أنّ مذهب أهل السنّة هو ، أنّ الإمامعليه‌السلام كان في حروبه على الحقّ وكان مصيباً فيها .

وأيضاً ، فقد نصّ غير واحدٍ منهم على وجوب متابعة أهل البيتعليهم‌السلام وإطاعتهم ، وأنّ الفلاح والنجاح في الآخرة منوط بالاهتداء بهدْيِهِم والتمسّك بهم ، وأنّ مَن تخلّف عنهم فهو هالك خاسر... وهذه الكلمات تقتضي الحكم على أحمد بن حنبل بالخروج عن أهل السنّة والوقوع في دركات الهلاك والضلال .

_______________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٤٣٦ ـ ٤٣٧ .

٢٦٢

وأيضاً : فإنّ القول المذكور ردّ على الله والرسول ، للأحاديث المستفيضة الدالّة عل كون الإمامعليه‌السلام مأموراً بتلك الحروب...

وإنّ واحداً مِن هذه الوجوه ليكفي لسقوط آراء أحمد وفتاواه عن الاعتبار ، وبطلان القول بإمامته في الفقه والحديث... نعم ، لقد نصّ أبو جعفر ابن جرير الطبري وصرّح بهذه الحقيقة ، فيما نقل عنه ياقوت الحموي حيث قال :

( فلمّا قدِم ـ يعني الطبري ـ إلى بغداد مِن طبرستان بعد رجوعه إليها ، تعصّب عليه أبو عبد الله ابن الجصّاص وجعفر بن عرفة والبياضي ، وقصده الحنابلة ، فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم الجمعة ، وعن حديث الجلوس على العرش ، فقال أبو جعفر : أمّا أحمد بن حنبل فلا يُعدّ خلافه ، فقالوا له : فقد ذكره العلماء في الاختلاف : فقال : ما رأيته روي عنه ، ولا رأيت له أصحاباً يعوَّل عليهم وأمّا حديث الجلوس على العرش فمحال .

سبحان مَن ليس له أنيس

ولا له في عرشه جليس (١)

وكذا الخطيب البغدادي ، فيما نقل عنه أبو المؤيّد الخوارزمي ، فإنّه بعد أنْ حكى عن أحمد ( إنّه سُئل عن النظر في كتب أبي حنيفة أيجوز ؟ فقال : ل ) جعل يردّ عليه بوجوه ، فقال :

( الثالث : إنّ الخطيب قد طعن في أحمد أكثر مِن هذا فقال : قد وثّق أحمد ابن حنبل حريز بن عثمان فقال : هو ثقة ثقة ، وحريز كان يبغض أمير المؤمنين عليّاً ، ولا فرق بينه وبين مَن يبغض أبا بكر وعمر ثمّ قال الخطيب : وكان حريز كذّاباً فاسقاً ، وروى عنه ابن عيّاش أنّه قال : هذا الذي يروى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

_______________________

(١) معجم الأُدباء ٥ : ٢٥٣ .

٢٦٣

لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : أنت منّي بمنزلة هارون مِن موسى خطأ قال ابن عيّاش : قلت : فما هو ؟ قال : سمعت الوليد بن عبد الملك يرويه على المنبر فيقول : عليّ منّي بمنزلة قارون بن موسى .

ثمّ أكّد الخطيب هذه الشناعة على أحمد فقال : بلغني عن يزيد بن هارون أنّه قال : رأيت ربّ العزّة في النوم فقال : يا يزيد، تكتب عن حريز بن عثمان ؟ فقلت : يا ربّ ما علمت عليه إلاّ خيراً ، فقال : لا تكتب عنه فإنّه يسبّ عليّاً .

وهذه حكايته عن أحمد أنّه طعن في أمير المؤمنين ، وقصد الخطيب به تنفير القلوب عنه ، فلذلك جاز أن يكون مقصوده في حكايته الطعن عليه في أبي حنيفة تنفير قلوب أصحابه عنه )(١) .

وكذا أبو عليّ الكرابيسي ، فقد ذكر السبكي بترجمته : ( الحسين بن عليّ ابن يزيد ، أبوعليّ الكرابيسي ، كان إماماً جليلاً جامعاً بين الفقه والحديث ، تفقّه أوّلاً على مذهب أهل الرأي ، ثمّ تفقّه للشافعي وسمع منه الحديث ومِن يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق ويعقوب بن إبراهيم وغيرهم...

قال الخطيب : حديث الكرابيسي يعزّ جدّاً ، وذلك أنّ أحمد بن حنبل كان يتكلّم فيه بسبب مسألة اللفظ ، وهو أيضاً يتكلّم في أحمد ، فتجنّب الناس الأخذ عنه لهذا السبب .

قلت : كان أبو عليّ الكرابيسي مِن متكلّمي أهل السنّة ، أُستاذاً في علم الكلام ، كما هو أُستاذ في الحديث والفقه وله كتاب المقالات قال ابن الخطيب الإمام فخر الدين في كتاب غاية المرام : على كتابه في المقالات معوّل المتكلّمين في معرفة الخوارج وسائر أهل الأهواء )(٢) .

_______________________

(١) جامع مسانيد أبي حنيفة ١ : ٦٧ ـ ٦٨ .

(٢) طبقات الشافعية ٢ : ١١٧ ـ ١١٨ .

٢٦٤

الملحقات

* مسائل فقهيّة

* القياس

* الاستحسان

* تكفير بعضهم لبعض

١ مسائل فقهيّة

حاول البعض التشنيع على الإماميّة لِما يرْوونه ويذهبون إليه في عدّةٍ مِن الأحكام الشرعيّة ، ونحن نذكر تلك المسائل ونتكلَّم حولها على ضوء روايات الفريقين :

حكم الشطرنج

فمن ذلك : أنّه طعن في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وفقه الإماميّة ، لذهابهم إلى حرمة الشّطرنج ، وكأنّه يزعم أنّ جوازه مِن ضروريّات الإسلام !!

والحال أنّ الأحاديث المرويّة بطرق أهل السنّة في ذمّ الشطرنج ، ولَعْن مَن لعب الشطرنج ، كثيرة:

روى الشيخ عليّ المتقي في ( كنز العمّال ) :

( ملعون مَن لعب الشطرنج ، والناظر إليها كالآكل للحم الخنزير عبدان وأبو موسى وابن حزم ، عن حبة بن مسلم ) .

( ملعون مَن لعب بالشطرنج الديلمي عن أنس ) .

( إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام والشطرنج والنرد وما كان مِن هذه ، فلا تسلّموا عليهم ، وإن سلّموا عليكم فلا تردّوا عليهم الديلمي عن أبي هريرة ) .

( ألا إنّ أصحاب الشاه في النار ، الذين يقولون : قتلت والله شاهك .

٢٦٥

الديلمي عن ابن عبّاس ) .

( إنّ لله تعالى في كلّ يوم ثلاثمائة وستّين نظرة لا ينظر فيها إلى صاحب الشاه يعني الشطرنج الديلمي عن واثلة ) .

( لله تبارك وتعالى لوح ينظر فيه في كلّ يوم ثلاثمائة وستّين نظرة يرحم بها عباده ليس لأهل الشاه فيها نصيب الخرائطي في مساوي الأخلاق ، عن واثلة عن عليّ ) .

( النرد والشطرنج مِن الميسر ش وابن المنذر وابن أبي حاتم ق ) .

( عن عليّ أنّه مرّ على قوم يلعبون الشطرنج فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ، لإن يمسّ أحدكم جمراً حتّى يطفئ خير له مِن أن يمسّها ش وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذمّ الملاهي وابن المنذر وابن أبي حاتم ق ) .

( يأتي على الناس زمان يلعبون بها ، ولا يلعب بها إلاّ كلّ جبّار ، والجبّار في النّار يعني الشطرنج ، ولا يوقّر فيه الكبير ولا يرحم فيه الصغير ، يقتل بعضهم بعضاً على الدنيا ، قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب ، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ، يمشي الصالح فيهم مستخفياً ، أولئك شرار خلق الله ، لا ينظر الله إليهم يوم القيامة الديلمي عن عليّ )(١) .

فمَن قال بجواز الشطرنج مِن أهل السنّة ، فقد خالف الحكم الإلهي وعارض الأحاديث النبويّة المتّفق عليها بين المسلمين...

وهل تظنّ أنّ للشافعي وأتباعه القائلين بجواز الشطرنج حجّة يتمسّكون بها أو دليلاً يتشبّثون به ؟ لا والله ، بل لقد أفْتَوا بذلك بمحض الرأي والتخمين ،

_______________________

(١) كنز العمّال ١٥ : ٢١٥ ـ ٢١٨ / ٤٠٦٣٦ ، ٤٠٦٥٢ ـ ٤٠٦٥٧ .

٢٦٦

تلاعباً بالدين وتخريباً لشريعة سيّد المرسلين...

ومِن العجب أنّهم يَرْوون عن عمر بن الخطّاب الذمّ الشديد لأصحاب الرأي ، فياليتهم ـ إذ خالفوا أهل البيت النبويّ ـ أطاعوا في هذه المسألة خليفتهم ، ففي ( إزالة الخف ) عن سعيد بن المسيّب قال :

( قام عمر بن الخطّاب في الناس فقال : أيّها الناس ، ألا إنّ أصحاب الرأي أعداء السنّة ، أعْيَتْهم الأحاديث أنْ يحفظوها وتفلّتت منهم أن يعوها ، واستحيوا إذا سألهم الناس أنْ يقولوا لا ندري ، فعاندوا السُنن برأيهم ، فضلّوا وأضلّوا كثيراً... ).

حُكم العَبَث في الصلاة

وقالت الإماميّة بجواز العبث في الصلاة ، وأنّ مسّ الذَكَر غير ناقض للوضوء وغير مبطلٍ لها ، وبذلك أخبار عن الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام (١) .

وقد شنّع بعض المخالفين على هذه الفتوى ، وجَعَل يستهزأ بفقهاء الطائفة المُحقّة ويطعن في كتبها وأخبارها ورواتها...

ولم يظهر لتشنيعهم وجه أصلاً ؛ وذلك لأنّه :

إن كان المراد : كون لمس الذَكَر والعبث به في أثناء الصلاة فعلاً مخلاًّ بها ، فبطلان هذا التوهّم وفساده واضح جدّاً ، على أنّ القوم قالوا بعدم منافاة الأكثر مِن ذلك مِن الأفعال للصلاة..

وإن كان المراد : منافاة هذا الفعل للخضوع والخشوع ، فإنّ الخضوع والخشوع ، ليس مِن الواجبات في الصلاة ، وقد نصَّ في ( الأشباه والنظائر )

_______________________

(١) وسائل الشيعة ، كتاب الطهارة ، الباب ٩ مِن أبواب نواقض الوضوء .

٢٦٧

على أنّه ( لا يستحبّ إعادتها ـ أي الصلاة ـ لترك الخشوع )(١) وقال شارحه الحموي : ( إذ لا شكَّ في عدم بطلانها مع عدم الخشوع )(٢) .

وإن كان المراد : أنّ الطهارة تنتقض بمسّ الذَكَر ، فتفسد الصلاة لذلك ، فهذا مندفع : بأنّ المرويّ عندهم عن أمير المؤمنين وجماعة مِن الأصحاب ، وهو قول إمامهم الأعظم وأتباعه وجماعة مِن الفقهاء : عدم انتقاض الوضوء بمسّ الذَكَر .

روى في ( كنز العمّال ) :

( عن قيس بن السكن : أنّ عليّاً وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبا هريرة ، لا يرون مِن مسّ الذَكَر وضوء وقالوا : لا بأس به ( عب )

عن ابن عبّاس : أنّه كان لا يرى في مسّ الذَكَر وضوء ( ص )

عن حذيفة قال : ما أُبالي مسستُ ذَكَري أو طرف أنفي .

عن أبي الدرداء : أنّه سُئل عن مسّ الذَكَر ، فقال : إنّما هو بضعة منك ( ص )

عن إبراهيم : أنّه سُئل عن مسّ الذَكَر ، فقال : كان يكره أن يقال إنّ في المؤمن عضواً نجساً ( ص )

عن ابن مسعود : أنّه سُئل عن مسّ الذَكَر ، فقال : إنّما هو بضعة منك ( ص )

عن ابن مسعود : قال : ما أُبالي أذكري أمسست أو أُذني ( ص )

عن عليّ قال : ما أُبالي أمسستُ ذَكَري أو طرف أُذني ( ص ) )(٣) .

وفي ( مصنّف ابن أبي شيبة ) في مَن كان لا يرى في مسّ الذَكَر وضوء :

_______________________

(١) الأشباه والنظائر لابن نجيم : ١٦٩ .

(٢) شرح الأشباه والنظائر للحموي ٢ : ٣٥ / ٤٨ كتاب الصلاة ، الفنّ الثاني ، في الفوائد .

(٣) كنز العمّال ٩ : ٥٠٠ ـ ٥٠٨ / ٢٧١٤٩ ، ٢٧١٨٠ ، ٢٧١٨١ ، ٢٧١٨٣ ، ٢٧١٨٤ ، ٢٧١٨٥ ، ٢٧١٨٦ .

٢٦٨

 ( ثنا وكيع عن سفيان عن أبي قبيس عن هذيل : أنّ أخاه ابن شرحبيل سأل ابن مسعود فقال : إنّي أحكّ فأُفضي بيدي إلى فرجي فقال ابن مسعود : إن علمت أنّ منك بضعة نجسة فاقطعها .

ثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس قال : سأل رجل سعداً عن مسّ الذَكَر ، فقال : إن علمت أنّ منك بضعة نجسة فاقطعها .

ثنا ابن فضيل عن حسين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن حذيفة بن اليمان أنّه قال : ما أُبالي مسستُ ذَكَري أو أُذني .

ثنا ابن فضيل عن الأعمش عن المنهال عن قيس بن سكن قال : قال عبد الله : ما أُبالي مسست ذكري أو أُذني أو إبهامي أو أنفي .

ثنا ابن الفضيل عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله )(١) .

وفي ( المصنّف ) أيضاً :

( ثنا محمّد بن عدي عن حميد عن الحسن أنّ عمران بن حصين قال : ما أُبالي إيّاه مسست أو بطن فخذي يعني ذَكَره .

ثنا جرير ، عن قابوس ، عن أبيه قال : سُئل عليّ عن الرجل يمسّ ذَكَره قال : لا بأس به )(٢) .

( ثنا ابن عليّة ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم قال : قال حذيفة : ما أُبالي مسسته أو طرف أنفي .

_______________________

(١) المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ١٦٤ مَن كان لا يرى فيه وضوء .

(٢) المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ١٦٤ ـ ١٦٥ .

٢٦٩

وقال عليّ : ما أُبالي مسسته أم طرف أُذني )(١) .

( ثنا وكيع ، عن جعف بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أُمامة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سُئل عن مسّ الذَكَر فقال : هل هو إلاّ خدرة .

ثنا حسين بن عليّ ، ثنا زائدة ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن عبد الرحمن ابن علقمة ، عن عبد الله : أنّه سئل عن مسّ الذَكَر فقال : لا بأس به )(٢) .

بل في ( البحر الرائق ) :

( وفي شح الآثار للطحاوي : لا نعلم أحداً مِن الصحابة أفتى بالوضوء مِن مسّ الذَكَر إلاّ ابن عمر ، وقد خالفه في ذلك أكثرهم ، وأسند عن ابن عيينة أنّه عدّ جماعة لم يكونوا يعرفون الحديث ـ يعني حديث بسرة ـ ومَن رأيناه يحدّث به عنهم سخرنا منه )(٣) .

وفي ( كتاب الآثار ) لمحمّد بن حسن تلميذ أبي حنيفة :

( باب الوضوء مِن مسّ الذَكَر : محمّد قال : أخبرنا أبو حنيفة ، عن حمّاد ، عن إبراهيم ، عن عليّ بن أبي طالب في مسّ الذَكَر أنّه قال : ما أبالي أَمَسستُه أو طرف أنفي .

قال محمّد : وهو قول أبي حنيفة وبه نأخذ .

محمّد قال : أخبرنا أبو حنيفة ، عن حمّاد ، عن إبراهيم أنّ ابن مسعود سُئل عن الوضوء مِن مسّ الذَكَر فقال : إن كان نجساً فاقطعه يعني إنّه لا بأس به )(٤) .

وقال ابن عبد البرّ في ( الاستذكار ) لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمّنه

_______________________

(١) المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ١٦٥ .

(٢) المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ١٦٥ .

(٣) البحر الرائق في شرح كنز الدقائق ١ : ٤٤ .

(٤) كتاب الآثار لمحمّد بن حسن الشيباني ١ : ٣٥ ـ ٣٦ / ٢٢ ـ ٢٣ .

٢٧٠

الموطّأ مِن معاني الرأي والآثار :

( أمّا أهل العراق ، فجمهور علمائهم على أن لا وضوء في مسّ الذَكَر ، وعلى ذلك مضى أسلافهم بالكوفة والبصرة ، روي ذلك عن عليّ بن أبي طالب وعبد الله ابن مسعود وعمّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عبّاس وأبي الدرداء وعمران بن الحصين ، لم يختلف عن هؤلاء في ذلك .

واختلف في ذلك عن أبي هريرة وسعد بن أبي وقّاص ، فروي عنهما القولان جميعاً ، وبإسقاط الوضوء منه قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن وسفيان الثوري وشريك والحسن بن حي وأبو حنيفة وأصحابه وعبد الله بن الحسن .

ذكر عبد الرزاق عن الثوري قال : دعاني وابن جريج بعض أُمرائهم فسأَلَنا عن مسّ الذَكَر ، فقال ابن جريج : يتوضّأ مِن مسّ الذَكَر وقلت أنا : لا وضوء على مَن مسّ ذَكَره ، فلمّا اختلفنا قلت لابن جريج : أرأيت لو أنّ رجلاً وضع يده في منيّ ؟ قال : يغسل يده قلت : فأيّما أنجس المنيّ أم الذَكَر ؟ قال : المنيّ قلت : وكيف هذا ؟ قال : ما ألقاها على لسانك إلاّ شيطان .

قال أبو عمرو : يقول الثوري : إذا لم يجب الوضوء مِن مسّ المنيّ فأحرى أن لا يجب مِن مسّ الذَكَر ، وإذا لم يجب مِن النجس فأحرى أن لا يجب مِن الطاهر .

وإنّما ساغت المناظرة وجازت المعارضة عنده في هذه المسألة ، لاختلاف الأثر فيها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واختلاف الصحابة رحمهم الله ومَن بعدهم في ذلك ، ولو كان فيها أثر لا معارض له ولا مطعن له ، لسلّم الجميع له وقالوا به .

ومن ذهب مذهب العراقيّين في مسّ الذَكَر مِن أهل الحديث ضعّف الأحاديث الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إيجاب

٢٧١

الوضوء منه ، وعلّلها ولم يثبت شيئاً منها .

وقد حكى عن أبي زرعة عن ابن معين أنّه قال : أيّ إسناد رواية مالك في حديث بسرة ، لولا أن قاتل طلحة في الطريق .

قال أبو عمرو : المسقط للوضوء مِن مسّ الذَكَر أحسن أسانيده : ما رواه مسدد وغيره ، عن ملازم بن عمرو ، عن عبد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه طلق بن عليّ قال :

قدمنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء رجل كأنّه بدوي فقال : يا رسول الله ! ما ترى في مسّ الرجل ذَكَره بعد ما يتوضّأ ؟ فقال : وهل هو إلاّ بضعة منك .

ورواه أيّوب بن عتبة قاضي اليمامة ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ورواه هشام بن حسان وشعبة والثوري وابن عيينة وجرير الرازي عن محمّد بن جابر اليماني عن قيس بن طلق عن أبيه مثله )(١) .

وإنْ كان المراد : أنّ العبث بالذَكَر يحرّك الشهوة ويسبّب الإنعاظ في الصلاة ، فهو ممّا يضحك عليه الثكلان ، إذ لا يدلّ على هذا الزعم لفظٌ مِن ألفاظ الحديث ، ومَن ادّعى فعليه البيان ، بل إنّ لفظ ( العبث ) يدلّ على عدم وقوع الفعل لحصول غرضٍ مقصود ؛ لأنّ العبث هو الفعل الذي لا لذّة فيه ، كما نصّ عليه في ( السراج الوهّاج ) حيث قال :

( العبث هو كلّ لعبٍ لا لذّة فيه ، فأمّا الذي فيه لذّة فهو لعب ) .

_______________________

(١) الاستذكار الجامع لمذاهب علماء الأقطار ٣ : ٣٧ ـ ٣٩ / ٢٥٨٠ ـ ٢٥٩١ ، كتاب الطهارة ، باب الوضوء مِن مسّ الفرج .

٢٧٢

هذا ، ولكن الأمر فوق ذلك ، كما نصّ عليه النووي في ( شرح مسلم ) فإنّه قال :

( لو صار المنيّ في وسط الذَكَر وهو في صلاة ، فأمسك بيده على ذَكَره فوق حائل ، فلم يخرج المنيّ حتّى سلّم مِن صلاته ، صحّت صلاته ، فإنّه ما زال متطهّراً حتّى خرج )(١) .

وبعد هذا كلّه فلو كان للتشنيع وجه ، لتوجّه إلى أعاظم أئمّة القوم وأكابر شيوخهم وحفّاظهم ، كعبد الرزاق وابن أبي شيبة ومحمّد بن الحسن الشيباني والدارقطني والنسائي وأبي داود والطحاوي وعليّ بن المديني والفلاّس وأحمد بن حنبل وابن حبان وسعيد بن منصور وابن مندة وأبي نعيم وابن الأثير والسيوطي والمتّقي والقاري وزين الدين الحنفي وغيرهم...

وإلى كبار التابعين : كسعيد بن جبير وإبراهيم...

وإلى أجلّة الصحابة ، كسعد وعمّار .

وإلى شخص رسول الله... والعياذ بالله .

وذلك... لأنّ أكابر المحدّثين يَرْوون بأسانيدهم عن التابعين عن الصحابة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جواز مسّ الذَكَر في الصلاة :

فقد أخرج ابن أبي شيبة :

( ثنا ملازم بن عمرو ، عن عبد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه طلق بن عليّ قال : خرجنا وفداً حتّى قدمنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبايعناه فصلّينا معه ، فجاء رجل فقال : يا رسول الله ! ما ترى في مسّ

_______________________

(١) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج ٣ : ٢٢٠ .

٢٧٣

الذَكَر في الصلاة ؟ فقال : وهل هو إلاّ بضعة ـ أو مضغة ـ منك )(١) .

وأخرج أيضاً :

( ثنا ابن فضيل ووكيع ، عن مسعر ، عن عمير بن سعد : كنت جالساً في مجلس فيه عمّار بن ياسر ، فسُئل عن مسّ الذَكَر في الصلاة فقال : ما هو إلاّ بضعة منك ، وإنّ لِكَفِّك موضعاً غيره )(٢) .

وأخرج :

( ثنا عبد الوهّاب الثقفي ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير قال : سألته عن مسّ الذَكَر في الصلاة ، فقال : ما أُبالي مسسته أو أنفي .

ثنا ابن فضيل ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : لا بأس أن يمسّ الرجل ذَكَره في الصلاة )(٣) .

وأخرج النسائي :

( أخبرنا هناد ، عن ملازم بن عمرو قال : نا عبد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق بن عليّ عن أبيه قال : خرجنا وفداً حتّى قدمنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبايعناه وصلّينا معه ، فلمّا قضى الصلاة جاء رجل كأنّه بدوي فقال : يا رسول الله ! ما ترى في رجل مسّ ذَكَره في الصلاة ؟ قال : وهل هو إلاّ مضغة منك ـ أو بضعة ـ منك )(٤) .

وأخرج الدارقطني :

( حدّثنا عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز قال : نا محمّد بن زياد بن فروة

_______________________

(١) المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ١٦٥ .

(٢) المصدر ١ : ١٦٤ .

(٣) المصنّف ١ : ١٦٥ .

(٤) سُنن النسائي ١ : ١٠١ باب ترك الوضوء مِن ذلك .

٢٧٤

البلدي أبو روح قال : نا ملازم بن عمرو قال : نا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن عليّ قال : خرجنا وفداً إلى نبيّ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى قدمنا عليه فبايعناه وصلّينا معه ، فجاء رجل كأنّه بدويّ قال : فقال : يا رسول الله ! ما ترى في مسّ الرجل ذَكَره في الصلاة ؟ فقال : وهل هي إلاّ بضعة منه أو بعضه. كذا قال أبو روح )(١) .

وأخرج أحمد :

( حدّثنا بشر بن موسى ، ثنا أبو زكريّا السلحيني ، ثنا محمّد بن جابر ، عن قيس بن طلق عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ! إنّي أكون في الصلاة فأمسّ ذَكَري بيدي فقال : إنّما هو بضعة منك .

حدّثنا إبراهيم بن عليّ ، ثنا يحيى بن يحيى ، أنا محمّد بن جابر ، عن قيس ابن طلق عن أبيه قال : كنت قاعداً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله رجل فذكر مثله ) .

وأخرج :

( حدّثنا الحسين بن الكميت ، ثنا معلى بن مهدي ، أنا أيّوب بن جابر ، حدّثني أخي محمّد بن جابر ، عن قيس بن طلق عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ! الرجل يمسّ ذَكَره في الصلاة ؟ قال : لا بأس به إنّما هو بضعة منك ) .

( حدّثنا موسى بن داود قال : ثنا محمّد بن جابر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه قال : كنت جالساً عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله رجل فقال : مسست ذَكَري أو الرجل يمسّ ذَكَره في الصلاة عليه الوضوء ؟ قال : لا ، إنّما

_______________________

(١) سُنن الدارقطني ١ : ١٤٩ / ١٧ كتاب الطهارة ، باب ما روي في لمس القُبُل...

٢٧٥

هو بضعة منك )(١) .

( حدّثنا قران بن تمّام ، عن محمّد بن جابر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه قال : قال رجل : يا رسول الله ! أيتوضّأ أحدنا إذا مسّ ذَكَره في الصلاة ؟ قال : هل هو إلاّ منك أو بضعة منك )(٢) .

وفي ( أُسد الغابة ) :

( جري الحنفي ، روى حديثه حكيم بن سَلَمة فقال : عن رجل مِن بني حنيفة يقال له جري أنّ رجلاً أتى النبيّ فقال : يا رسول الله ! إنّي ربّما أكون في الصلاة فيقع يدي على فَرْجي ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما ربّما كان ذلك ، امض في صلاتك أخرجه ابن مندة وأبو نعيم )(٣) .

وروى في ( كنز العمال ) :

( مسند طلق بن عليّ : خرجنا وفداً حتّى قدمنا على نبيّ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبايعناه فصلّينا معه ، فجاء رجل فقال : يا رسول الله ! ما ترى في مسّ الذَكَر في الصلاة ؟ فقال : وهل هو إلاّ بضعة منك عب ش ) أي رواه عبد الرزاق في الجامع وابن أبي شيبة في المصنّف .

وأيضاً فيه :

( وهل هو إلاّ بضعة منك حب ) أي رواه ابن حبّان في صحيحه .

( عن طلق : إنّ رجلاً قال : يا رسول الله ! إنّ أحدنا يكون في صلاة ، فيحتكّ فتصيب يده ذَكَره قال : فذَكَره لا بأس به إنّه كبعض جسدك حب ) أي

_______________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٦٠٠ / ١٥٨٥٧ .

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٦٠١ / ١٥٨٦٠ .

(٣) أُسد الغابة في معرفة الصحابة ١ : ٣٣٤ / ٧٣٢ .

٢٧٦

رواه ابن حبان في صحيحه عن طلق .

( لا بأس ، إنّما هوجذبة منك عبد الرزاق عن أبي أُمامة ) .

( إنّ رجلاً قال : يا رسول الله ، مسست ذَكَري وأنا أُصلّي ؟ قال : فذكره )(١) .

وفي ( كنز العمال ) أيضاً :

( مسند عليّ بن قيس بن أبي حازم قال : قال رجل لسعد : إنّه مسّ ذَكَره وهو في الصلاة قال : إنّما هو بضعة منك ص ش )(٢) أي رواه سعيد بن منصور في سُننه وابن أبي شيبة في المصنّف .

إزاحة وَهْم

هذا ، ولايتوهمنّ أحد عدم صحّة هذا الحديث ، فقد أخرجه ابن حبّان في ( صحيحه ) وقد ذكر الحافظ السيوطي في أوائل كتابه ( جمع الجوامع ) : ( ورمزت للبخاري خ ولمسلم م ولابن حبّان حب وللحاكم في المستدرك ك وللضياء المقدسي في المختارة ض وجميع ما في هذه الكتب الخمسة صحيح ، فالعزو إليها معلَّم بالصحّة ، سوى ما في المستدرك مِن المتعقّب فأُنبّه عليه )(٣) .

وأيضاً ، فهو مِن أحاديث ( مسند أحمد ) الذي يعدّونه أصلاً مِن أُصول الإسلام ، وقد أخرجه فيه بعدّة طرق كلّها صحيح على أُصولهم يقيناً .

_______________________

(١) كنز العمّال ٩ : ٥٠٧ / ٢٧١٨٢ و ٩ : ٣٣٩ / ٢٦٣٣١ و ٩ : ٤٨٢ / ٢٦٣٣٣ .

(٢) كنز العمّال ٩ : ٥٠٧ / ٢٧١٧٨ .

(٣) جمع الجوامع ـ مقدّمة الكتاب .

٢٧٧

وأيضاً ، فقد أخرجه الترمذي باختصار في ( صحيحه ) وصرّح بأنّه أحسن شيء يروى في هذا الباب ، وهذه عبارته :

( باب تَرْك الوضوء مِن مسّ الذَكَر :

حدّثنا هنّاد ، نا ملازم بن عمرو ، عن عبد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق ابن عليّ الحنفي عن أبيه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وهل هو إلاّ مضغة منه أو بضعة .

وفي الباب عن أبي أمامة .

قال أبو عيسى : وقد روي مِن غير واحدٍ مِن أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعض التابعين أنّهم لم يُروَ الوضوء مِن مسّ الذَكَر ، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب .

وقد روى هذا الحديث أيّوب بن عتبة ومحمّد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه وقد تكلّم بعض أهل الحديث في محمّد بن جابر وأيّوب بن عتبة ، وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر أصح وأحسن )(١) .

ولايتوهمنَّ أحد كذلك : أنّ الحديث غير معمول به ، لأنّ كلّ حديث صحيح فهو ـ باعتراف النووي في ( شرح مسلم ) وابن حجر العسقلاني في ( شرح النخبة ) ـ واجب العمل بالإجماع(٢) .

على أنّ الظاهر مِن ( الصواقع ) و ( التحفة ) هو التشنيع على الإماميّة بمجرَّد روايتهم الخبر في جواز المسّ ونسبتهم ذلك إلى أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ... فيندفع ذلك : بأنّ القوم أنفسهم يَرْوون ذلك في أُمّهات كتبهم

_______________________

(١) صحيح الترمذي ١ : ١٣١ / ٨٥ ، كتاب الطهارة باب ٦٢ .

(٢) شرح نخبة الفكر : ٤٧ ، خبر الواحد في الاصطلاح .

٢٧٨

ويصحّحونه ، سواء عملوا به أو لا .

على أنّ هذا الحديث معمول به ومفتىً به عندهم يقيناً ، كما لا يخفى على مَن راجع كتب الحنفيّة في الفقه والأُصول.. وهذا نصّ كلام زين الدين الحنفي المصري في كتاب ( البحر الرائق ) :

( قوله : ومسُّ ذَكَر بالرفع عطف على المنفي ، أي لا ينقض الوضوء مسّ الذَكَر ، وكذا مسّ الدُبُر والفَرْج مطلقاً ، خلافاً للشافعي ، فإنّ المسّ لواحد مِن الثلاثة ناقض للوضوء إذا كان بباطن الأصابع .

واستدلّ النووي له في شرح المهذّب بما رَوَت بسرة بنت صفوان أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا مسّ أحدكم ذَكَره فليتوضّأ هذا حديث حسن ، رواه مالك في الموطّأ وأبو داود والترمذي وابن ماجة بأسانيد صحيحة .

ولنا : ما رواه الجماعة ، أصحاب السُنن ـ إلاّ ابن ماجة ـ عن ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن عليّ عن أبيه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه سُئل عن الرجل يمسّ ذَكَره في الصلاة ، فقال : هل هو إلاّ بضعة منك .

وقد رواه ابن حبّان في صحيحه .

قال الترمذي : هذا الحديث أحسن شيء يروى في هذا الباب وأصحّ .

ورواه الطحاوي أيضاً وقال : هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ومتنه .

فهذا حديث صحيح معارض لحديث بسرة بنت صفوان .

ويرجّح حديث طلق على حديث بسرة بأنّ حديث الرجال أقوى ؛ لأنّهم أحفظ للعلم وأضبط ، ولهذا جعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل ، وقد

٢٧٩

أسند الطحاوي إلى ابن المديني أنّه قال : حديث ملازم بن عمرو أحسن مِن حديث بسرة ، وعن عمرو بن عليّ الفلاّس أنّه قال : حديث طلق عندنا أثبت مِن حديث بسرة بنت صفوان .

وقول النووي في شرح المهذّب : إنّ حديث طلق اتّفق الحفّاظ على ضعفه ، لا يخفى ما فيه ؛ إذ قد عَلِمتَ ما قاله الترمذي وغيره : إنّ حديث بسرة ضعّفه جماعة حتّى قال يحيى بن معين : ثلاثة أحاديث لم تصحّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها حديث مسّ الذَكَر .

وقول النووي أيضاً ـ ترجيحاً لحديث بسرة ـ بأنّ حديث طلق منسوخ ؛ لأنّ قدومه على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في السنة الأُولى مِن الهجرة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبني مسجده ، وراوي حديث بسرة أبو هريرة ، وإنّما قدم أبو هريرة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة سبع مِن الهجرة ، فغير لازم ؛ لأنّ ورود طلق إذ ذاك ثمّ رجوعه لا ينفي عوده بعد ذلك ، وهم قد رَوَوا عنه حديثاً ضعيفاً : مَن مسّ ذكره فليتوضّأ

وقالوا : سمع مِن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناسخ والمنسوخ ؛ ولأنّ حديث طلق غير قابل للنسخ ؛ لأنّه صدر على سبيل التعليل ، فإنّه ( عليه الصلاة والسلام ) ذكر أنّ الذَكَر قطعة لحم فلا تأثير لمسّه في الانتقاض ، وهذا المعنى لا يقبل النسخ، كذا في معراج الدراية .

وقول النووي أيضاً : إنّ حديث طلق محمول على المسّ فوق حائل ؛ لأنّه قال : سألت عن مسّ الذَكَر في الصلاة ، والظاهر أنّ الإنسان لا يمسّ ذَكَره في الصلاة بلا حائل : مردود ، بأنّ تعليلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله هل هو إلاّ بضعة منك يأبى الحمل ، والبَضعة بفتح الموحّدة القطعة مِن اللّحم )(١) .

_______________________

(١) البحر الرائق في شرح كنز الدقائق ١ : ٤٣ ـ ٤٤ .

٢٨٠