استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٣

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 478

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 478
المشاهدات: 243746
تحميل: 6837


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 478 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243746 / تحميل: 6837
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفي ( كشف الأسرار ) :

( وعن يحيى بن معين أنّه قال : ثلاثة مِن الأخبار لا تصحّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خبر مسّ الذَكَر ، ووقعت هذه المسألة في زمن عبد الملك بن مروان فشاور الصحابة ، فأجمع مَن بقيَ منهم على أنّه لا وضوء فيه وقالوا : ندع كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت ؟ يعنون بسرة بنت صفوان .

ومعنى قولهم كتاب ربّنا : إنّ الله تعالى بيّن الأحداث وما كانت نجسة مِن دم حيض وغايط ومنيّ ، وشرّع الاستنجاء بالماء بقوله( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ) والاستنجاء بالماء لا يتصوّر إلاّ بمسّ الفرجين ، فلمّا ثبت بالنصّ أنّه مِن التطهير لم يجز أنْ يجعل حدثاً بمثل هذا الخبر .

وأمّا السنّة : فما روي عن قيس بن طلق عن أبيه أنّه قال : يا رسول الله ! أفي مسّ الذَكَر وضوء ؟ فقال : لا .

وروت عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سُئل عن مسّ الذَكَر ، فقال : ما أُبالي مسستُه أم مسستُ أنفي .

فنبّه على العلّة وهو أنّه عضو طاهر .

وعن أبي أيّوب الأنصاريرضي‌الله‌عنه : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : مسستُ ذَكَري وأنا في الصلاة، فقال : لا بأس به )(١) .

وقال الشيخ عليّ القاري في ( شرح الوقاية) :

( ولنا : ما رواه الجماعة ـ إلاّ ابن ماجة ـ عن قيس بن طلق عن أبيه عن

_______________________

(١) كشف الأسرار في شرح أصول البزدوي ٢ : ٥٦٩ ـ ٥٧٠ باب تقسيم الراوي الذي جعل خبره حجةً .

٢٨١

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه سُئل عن الرجل يمسّ ذَكَره في الصلاة ، فقال : هل هو إلاّ بضعة منك قال الترمذي : هذا الحديث أحسن شيء يروى في الباب ، وأُجيب : بأنّ المراد به المسّ بحائل ، ورُدَّ : بأنّ تعليله ( عليه الصلاة والسلام ) يأبى ذلك ، والبَضعة بفتح الموحّدة القطعة مِن اللحم ) .

وقال عبد العليّ الأنصاري في ( فواتح الرحموت ) بشرح ( خبر الواحد فيما يتكرّر ويعمّ البلوى كخبر ابن مسعود في مسّ الذَكَر لا يثبت الوجوب... ) قال :

( خبر الواحد فيما يتكرّر وقوعه ويعمّ البلوى ، كخبر ابن مسعود في مسّ الذَكَر أنّه ينقض الوضوء رواه مالك وأحمد ، ورواه بسرة أيضاً بلفظ : إذا مسّ أحدهم ذَكَره فليتوضّأ ، ورواه أبو هريرة أيضاً بلفظ : إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذَكَره ليس بينه وبينها حجاب فليتوضّأ ، رواه الشافعي والدارقطني ، وممّن يرى مِن الصحابة الانتقاض بالمسّ : عبد الله بن عمر وأبو أيّوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبو هريرة وأمير المؤمنين عمر ، على ما هو المشهور ، فعلى هذا في كونه مِن الباب نظر .

فإنْ قلت : فما يصنع الحنفيّة في حكمهم بعدم الانتقاض ؟

قلت : إنّ الرواية عن أبي هريرة لم تصحّ ، فإنّ في سنده يزيد بن عبد الملك ، وهو مُضعّف كذا في فتح القدير .

ولم يصحّ الرواية عن ابن مسعود كما قال الشيخ عبد الحقّ .

وأمّا حديث بسرة ـ مع كونه مضعّفاً أيضاً عند بعض أهل الحديث ـ ففي سنده عن عروة عن بسرة ، ولم يلاقِ عروة بسرة فهو منقطع ، فلا يعارض ما رواه أبو داود والنسائي وابن حبان والترمذي ـ وقال أحسن شيء يروى في

٢٨٢

هذا الباب ـ عن طلق عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه سُئل عن الرجل يمسّ ذَكَره في الصلاة فقال : هل هو إلاّ قطعة منك .

وقد تأيّد قولنا بعدم الانتقاض بما ثبت عن أمير المؤمنين عليّ وعمّار وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقّاص ، فإنّهم لا يَرَون النقض منه كذا في فتح القدير )(١) .

فإنْ لم يَكْفِ ما نقلناه عن هؤلاء الأعلام في الفقه والأُصول مِن الحنفيّة ، ذكرنا كلام إمامهم محمّد بن الحسن الشيباني في كتابه ( الموطّأ ) بشرح الشيخ عليّ القاري ، وهذا نصّه :

( باب الوضوء مِن مسّ الذَكَر، أي باب ما ورد في إثباته ونفيه :

أخبرنا مالك ، حدّثنا إسماعيل بن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص ، عن مصعب بن سعد ، زاد يحيى بن وقّاص ومصعب هذا سمع أباه وعليّاً وابن عمر ، وروى عنه سماك بن حرب وغيره قال : كنت أمسك المصحف ( أي آخذه ) على سعد ( أي لأجل قرائته غيباً أو نظراً ، وهو ابن وقّاص ) فاحتككت ( أي ما تحت إزاري ) فقال : لعلّك مسست ( بكسر السين الأُولى وتفتح أي لمست ) بكفّ يدك ذَكَرك ( أي مِن غير حائل ) ؟ فقلت : نعم ، فقال : قم فتوضّأ قال: فقمت فتوضّأت ثمّ رجعت .

وفيه : أنّه يُحتمل أن يراد به الوضوء اللغوي وهو غسل اليد ، دفعاً لشبهة ملاقاة النجاسة .

أخبرنا مالك ، أخبرني ( أي وحدي ) ابن شهاب ( أي الزهري ) عن سالم ابن عبد الله ( هو القرشي العدوي المدني أحد فقهاء المدينة ، مِن سادات

_______________________

(١) فواتح الرحموت ـ شرح مسلّم الثبوت ـ ط مع المستصفى ٢: ١٢٨

٢٨٣

التابعين وعلمائهم وثقاتهم ، مات بالمدينة سنة ست ومائة ) عن أبيه ( أي عبد الله ابن عمر ابن الخطّاب ، شهد الخندق وما بعدها مِن المشاهد ، وكان مِن أهل العلم والورع والزهد .

قال جابر بن عبد الله : ما مِنّا أحد إلاّ مالت به الدنيا ومال بها إلاّ عمر وابنه عبد الله .

وقال نافع ، ما مات ابن عمر حتّى أعتق ألف إنسان أو زاد ) روى عنه خَلْقٌ كثير أنّه كان يغتسل ثمّ يتوضّأ ، فقال له ( أي قال سالم ابنه ) : أما يجزيك الغُسل ( أي ما يكفيك ) لا سيّما مع سبق الوضوء الذي هو السنّة ، مِن الوضوء ( أي الكائن بعد الغُسل ) فإنّ الجزء يندرج في الكل ؟ قال : بلى ( أي يجزي ) ولكنّي أحياناً أمسّ ذَكَري ونحوه ، فإنّه إذا غسله حال الاستنجاء يجوز به الاكتفاء ) فأتوضّأ ( أي لذلك المسّ ) .

قال محمّد : لا وضوء ( أي لازم ) في مسّ الذَكَر ( أي على أيّ وجه كان ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ( أي خلافاً للشافعي ، فإنّه يقول : ينتقض بالمسّ بباطن كفّه دون ظاهره مِن غير حائل سواء كان بشهوة أم بغيرها ) وهو المشهور ( عن أحمد ) ، والراجح ( مِن مذهب مالك إن مسّه بشهوة انتقض وإلاّ فلا ، وأقوى أدلّتهم ) ما رواه مالك ( وأخذه الأربعة ) والحاكم عن بسرة بنت صفوان مرفوعاً : مَن مسّ ذَكَره فليتوضّأ وفي ذلك ( أي في دفعه ) آثار كثيرة ( أي أخبار شهيرة ) مرفوعة وموقوفة وبها نأخذ لقوّتها وكثرتها فإنّها بلغت ستّة عشر حديثاً :

مِنها : قال محمّد : أخبرنا أيّوب بن عتبة التميمي قاضي اليمامة ( وهو عزيز الحجاز ) ، عن قيس بن طلق ( وهو طلق بن علي يكنى أبا علي الحنفي اليماني ويقال له طلق بن تمامة ) ، روى عنه ابنه قيس أنّ أباه ( وهو مِن الصحابة ) حدّثه أنّ رجلاً سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن رجل مسّ ذَكَره

٢٨٤

أيتوضّأ ؟ قال ( أي له ) : هل هو ( أي ذكرك ) إلاّ بضعة ( بفتح الموحّدة أي قطعة ) مِن جسدك ( أي فحكمه حكم سائر الأعضاء حيث لم ينتقض الوضوء شيء مِن الأجزاء ) .

قال محمّد : أخبرنا طلحة بن عمر والمكّي ، أخبرنا عطاء بن رباح ( بفتح الراء فموحّدة ، مِن أجلّ الفقهاء تابعي مكّي قال الأوزاعي : مات يوم مات وهو أرضى أهل الأرض عند الناس وقال أحمد بن حنبل : العلم خزائن يقسّمه الله لمَن أحبّ لو كان يخصّ بالعلم أحداً لكان بنسب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى ، كان عطاء حبشيّاً ، انتهى وكان جعد الشعر أسود أفطس أشلّ أعور ثمّ عمي ، مات سنة عشرة ومائة وله ثمان وثمانون سنة سمع ابن عبّاس وأبا هريرة وغيرهما مِن الصحابة وروى عنه جماعة ) عن ابن عبّاس قال في مسّ الذَكَر إن كانت ( خطاب عام ) في الصلاة ( والجملة حالية والمعنى ) قال ( في جواب هذا السؤال وأعاد قال لطول المقال ) ما أُبالي مسسته ( في نسخة أمسسته أي ذَكَري ) أو مسست أنفي ( حيث لا تفاوت بينهما لا في الصلاة ولا في غيرها ) .

قال محمّد : أخبرنا إبراهيم بن محمّد المدني ( وفي نسخة : محمّد بن المَدَني وهو بفتحتين منسوب إلى المدينة السكينة ) أخبرنا صالح مولى التَوْئمة ( بفتح فسكون فهمزة ) عن ابن عبّاس قال : قال : ليس في مسّ الذَكَر وضوء واجب أو نقض وضوء.

قال : أخبرنا إبراهيم بن محمّد المَدَني ، أخبرنا الحارث بن أبي ذُباب ( بضمّ الذال المعجمة وبالموحّدتين ) أنّه سمع سعيد بن المسيّب ( بفتح الياء أشهر مِن كسرها ، وهو مِن سادات التابعين ، جمع بين الفقه والحديث والزهد

٢٨٥

والورع والعبادة ) يقول : ليس في مسّ الذَكَر وضوء .

قال : أخبرنا أبو العوّام ( بتشديد الواو ) البصري ( بكسر الباء أفصح مِن فتحها في النسخة عكس العلم ) قال : سأل رجل عطاء بن أبي رباح قال : يابا محمّد ! ( لا تكتب الهمزة وتقرأ ، هذه كنية لعطاء بن أبي رباح ) رجل مسّ فَرْجه ( أي ذَكَره ) أو دُبره بعد ما توضّأ ( وكذا إذا اغتسل ) ؟ قال رجل مِن القوم ( أي قبل جواب عطاء ) : إنّ ابن عبّاس كان يقول : إن كنت تستنجسه ( أي تعتقد نجاسة ذاته ) فاقطعه فإنّه لا يجوز لك الصلاة مع وجوده قال عطاء بن رباح : هذا والله قول ابن عبّاس ( أي بلا شكّ ولا شبهة فهذا مِن باب المطابقة في الجواب إذا كان على وجه الصواب ) .

قال محمّد : أخبرنا أبو حنيفة رحمه الله عن حمّاد ( أي ابن أبي سليمان ، كوفيّ يُعدّ مِن التابعين ، سمع جماعة مِن الصحابة، روى عنه شعبة والثوري وغيرهما ، وكان أعلم الناس برأي إبراهيم النخعي ، مات سنة عشرين ومائة ) عن إبراهيم النَخَعي ( بفتح النون والخاء المعجمة وهو مِن أجلاّء التابعين ) عن عليّ بن أبي طالب في مسّ الذَكَر قال : ما أُبالي مسسته أو طرف أنفي ( أي حيث هما عضوان طاهران وفي حقّ المسّ مستويان ) .

قال محمّد : أخبرنا أبو حنيفة رحمه الله عن حمّاد عن إبراهيم أنّ ابن مسعود سُئل عن الوضوء ( أي عن تجديده ) مِن مسّ الذَكَر ( أي ذَكَره ) ؟ فقال : إن كان ( أي ذَكَرك ) في زعمك نجساً ( بفتح الجيم هو المشهور عند الفقهاء ويراد عين النجاسة بخلاف كسرها فإنّه المتنجّس عندهم وهما مصدران في أصل اللّغة ) فاقطعه ( أي لا تترك له وجوداً ) .

قال محمّد : أخبرنا مِحْلّ (بكسر الميم والحاء المهملة كسحل اسم

٢٨٦

جماعة مِن المحدّثين ) الضبّي ( بتشديد الموحّدة ) عن إبراهيم النخعي في مسّ الذَكَر في الصلاة هل يبطلها بسبب نقض الوضوء مِنه ؟ قال : إنّما هو بضعة مِنك ( أي قطعة مِنك كسائر أعضائك ) .

قال محمّد : أخبرنا سلاّم ( بتشديد اللام ) بن سُلَيْم ( بالتصغير ) الحنفي ( منسوب إلى أبي حنيفة رحمه الله بحذف الزوائد كالفرضي ) عن منصور بن المعتمِر ( بكسر الميم الثانية ) عن أبي قيس عن أرقم بن شُرَحْبيل ( بضمّ ففتح فسكون فكسر موحّدة فسكون تحتيّة ) قال : قلت لعبد الله بن مسعود : إنّي أحكّ جسدي ( أي أحياناً ) وأنا في الصلاة فأمَسّ ( بفتح الميم أي فألمس ) ذَكَري ( أي بعذر بي ) فهل يُنقض وضوئي ؟ فقال : إنّما هو بضعة مِنك ( أي كما سبق في الحديث مرفوعاً ) .

قال محمّد : أخبرنا سلاّم بن سليم عن المنصور بن المعتمر عن السدوسي ( بفتح فضمّ ، نسبة إلى سدوس بن شيبان ، وبضمّتين إلى سدوس بن أصبع بن أبي عبيد بن ربيعة بن نضر بن سعد بن نبهان الطائي ، وليس في العرب سدوس بالضم غيره ، ذكره السيوطي ) عن البراء بن قيس قال : سألت حذيفة بن اليمان ( بكسر النون مِن غير ياء في آخره ، وهو صاحب سرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، روى عنه عمر وعليّرضي‌الله‌عنه وغيرهما مِن الصحابة والتابعين ، مات بالمدائن وبها قبره ، سنة خمس وثلاثين بعد قتل عثمان بأربعين ليلة ) عن الرجل مسّ الذَكَر ؟ فقال : إنّما هو ( أي مسّه ذَكَره ) كمسّه رأسه .

قال محمّد : أخبرنا مِسْعَرْ ( بكسر الميم وفتح العين ) بن كدام ( بكسر الكاف ) عن عمير بن سعد النخعي قال : كنت في مجلس ( أي في أهل

٢٨٧

مجلس ) فيه عمّار بن ياسر ( وهو عنسي مولى بني مخزوم ، وكان مِن المهاجرين الأوّلين وشهد المشاهد كلّها ، قُتل بصفّين وكان مع عليّ سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وتسعين سنة ، روى عنه جماعة مِنهم عليرضي‌الله‌عنه ) فذُكر ( بصيغة المجهول أي فذكر بعض أهل ذلك المجلس ) مسّ الذَكَر ( أي هل ينقض الوضوء أم لا ) فقال ( أي للسائل ) : إنّما هو بضعة مِنك وإنّ لكفّك لموضعاً غيره دلّ على أنّ الاحتياط في عدم مسّه .

قال محمّد : أخبرنا مِسعر بن كدام ، عن إياد ( بكسر الهمزة ) ابن لَقيط ( بفتح فكسر ) عن البراء بن قيس قال : قال حذيفة بن اليمان في مسّ الذَكَر مثل أنفك فعنه روايتان في الحكم يتّفقان .

قال محمّد : أخبرنا مِسعر بن كدام حدّثنا قابوس عن أبي ظبيان ( بفتح الظاء المعجمة ) عن عليّ بن أبي طالب قال : ما أُبالي إيّاه ( أي الذَكَر ) مسستُ أو أنفي أو أذني .

قال محمّد : أخبرنا أبو كُدَينة ( بضمّ الكاف وفتح الدال المهملة ) يحيى ابن المهلّب ( بتشديد اللام المفتوحة ) عن أبي إسحاق الشيباني عن أبي قبيس ابن عبد الرحمن بن ثروان ( بفتح المثلّثة وسكون الراء ) عن علقمة ( وهو ابن أبي علقمة بلال مولى عائشة أُمّ المؤمِنين ، روى عن أنس بن مالك وعن أُمّه وعنه مالك بن أنس وغيره ) عن قيس قال : جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود قال : إنّي مسست ذَكَري وأنا في الصلاة قال عبد الله : أفلا قطعته إن كنت تزعم أنّه نجس العين ؛ فإنّ وجوده مانع لصحّة الصلاة ثمّ قال ( أي عبد الله ) : وهل ذَكَرك إلاّ كسائر جسدك ( أي عضو مِن أعضائك فلا تتفاوت في مسّ أجزائك ) .

٢٨٨

قال محمّد : أخبرنا يحيى بن المهلّب ، عن إسماعيل بن خالد ، عن قيس ابن أبي حازم قال : جاء رجل إلى سعد بن أبي وقّاص ( أحد العشرة المبشّرة ) قال : أيحلّ لي أن أمسّ ذَكَري وأنا في الصلاة ؟ فقال : إن علمت أنّ مِنك ( أي مِن جملة أعضائك ) بضعة نجسة فاقطعها .

قال : أخبرنا إسماعيل بن عياش قال : حدّثني جرير بن عثمان ، عن حبيب ابن عبيد ، عن أبي الدرداء ( أي أحد أكابر الصحابة وزهّادهم ) أنّه سُئل عن مسّ الذَكَر فقال : إنّما هو بضعة مِنك )(١) .

ولايتوهمنَّ أحد الفرق بين ( العبث بالذَكَر في الصّلاة ) الوارد في أخبار القوم و( مسّ الذَكَر في الصلاة ) الوارد في ( الاستبصار ) مِن كتبنا ، فإنّ ( العبث ) هو اللعب والعمل بلا فائدة ، كما في ( المصباح المنير ) وغيره مِن كتب اللغة... بل ليس مراد السائل مِن ( المسّ ) إلاّ ( العبث ) وممّا يشهد بذلك الخبر التالي في ( تهذيب الأحكام ) مِن كتب أصحابنا الإماميّة :

( محمّد بن علي بن محبوب ، عن العبّاس بن معروف ، عن عبد الله بن مغيرة قال : حدّثني أبو القاسم معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يعبث بذَكَره في الصلاة المكتوبة قال : وما له فَعَل ؟ قلت : عبث به حتّى مسّ بيده قال: لا بأس ) (٢) .

_______________________

(١) شرح موطّأ محمّد بن الحسن الشيباني للشيخ علي القاري ـ باب الوضوء مِن مسّ الذَكَر .

(٢) تهذيب الأحكام للشيخ أبي جعفر الطوسي ٢ : ٣٣٣ / ١٣٧٣ ، كتاب الصلاة ، باب كيفيّة الصلاة...

٢٨٩

حُكم الرجل يضمّ الجارية إليه في الصلاة

وشنَّع بعضهم على الإماميّة روايتهم عدم البأس بأنْ يضمّ الرجل الجارية إليه في الصلاة ، وذكر الخبر التالي :

( في الوافي ، نقلاً مِن الأُصول ، عن مسمع قال :سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقلت : أكون أُصلّي فتمرّ بي الجارية ، فربّما ضممتها إليَّ قال : لا بأس... ) (١) .

أقول :

وهذا التشنيع أيضاً في غير محلّه ، وإنّما نشأ مِن الغلط في فهم الرواية ؛ لأنّه قد ظنّ أنّ ( الجارية ) هي المرأة أو خصوص ( الأمة ) الكبيرة ، وأنّ ( الضمّ ) المذكور في الرواية بمعنى ( المعانقة والتقبيل ) وغير ذلك ممّا يفعله الرجل مع حليلته... وليس المقصود ذلك قطعاً...

أمّا ( الجارية ) ففي الصحاح ) و( مجمع البحار ) وغيرهما مِن كتب اللغة : ( الصبيّة ومَن لم تبلغ الحُلُم مِن النساء )(٢) .

وأمّا ( ضمّ الجارية ) فالمراد مِنه حملها في أثناء الصلاة ، وبذلك باب في كتاب البخاري ، حيث قال : ( باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة ) فأخرج فيه الحديث أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله...(٣) .

_______________________

 (١) الوافي للشيخ محمّد محسن الكاشاني ٨ : ٨٩٢ / ٧٣٢٩ ـ ٦ ، كتاب الصلاة ، باب الضحك والعبث .

(٢) صحاح اللغة ٦ : ٢٣٩٨ مادّة صبا .

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٣٧ ، باب ١٠٦ : إذا حمل جارية صغيرة...

٢٩٠

وأخرجه مسلم في كتابه كذلك(١) .

وكذا تجد هذا الحديث وما بمعناه في سائر الكتب ، كمسند أحمد ، وموطّأ مالك ، وفي السُنن لأبي داود والنسائي ، وفي المصابيح والمشكاة وغيرها... وقد رواه صاحب ( جامع الأُصول ) عن أكثرها حيث قال :

( أبو قتادة : إنّ رسول الله كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس ، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها .

وفي رواية : رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤمّ الناس وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه ، فإذا ركع وضعها وإذا رفع مِن السجود أعادها أخرجه البخاري ومسلم .

وأخرج الموطّأ وأبو داود والنسائي الأُولى .

وفي أُخرى لأبي داود ومسلم : بينا نحن جلوس في المسجد إذ خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع ، وأُمّها زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهي صبيّة ـ على عنقه ، فصلّى رسول الله وهي على عاتقه ، يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام حتّى قضى صلاته ، يفعل ذلك بها .

وفي أُخرى له قال : بينا نحن ننتظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الظهر والعصر وقد دعاه بلال إلى الصلاة ، إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت بنته على عنقه ، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مصلاّه وقمنا خلفه ، وهي في مكانها الذي هي فيه قال : فكبّر فكبّرنا ، حتّى إذا أراد رسول

_______________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٣٨٥ / ٥٤٣ ، كتاب المساجد ، الباب ٩ .

٢٩١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يركع أخذها فوضعها ، ثمّ ركع وسجد حتّى إذا فرغ مِن سجوده وقام أخذها فردّها في مكانها، فما زال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصنع بها ذلك في كلّ ركعة حتّى فرغ مِن صلاته .

وأخرج النسائي أيضاً الرواية التي لأبي داود قبل هذه )(١) .

وقد أجاب الحفّاظ عن التوهّمات التي تعترض هذا الحديث والحكم به :

قال النووي بشرحه : ( قوله : رأيت النبيّ...

هذا يدلّ لمذهب الشافعي ومَن وافقه أنه يجوز حمل الصبي والصبيّة وغيرهما مِن الحيوان الطاهر في صلاة الفرض وصلاة النفل ، ويجوز ذلك للإمام والمأموم والمنفرد .

وحمله أصحاب مالك على النافلة ومنعوا جواز ذلك في الفريضة .

وهذا التأويل فاسد ؛ لأنّ قوله يؤمّ الناس صريح أو كالصريح في أنّه كان في الفريضة .

وادّعى بعض المالكيّة أنّه منسوخ ، وبعضهم أنّه خاصّ بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعضهم أنّه كان لضرورة.

وكلّ هذه الدعاوي باطلة مردودة ، فإنّه لادليل عليها و لاضرورة إليها ، بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع ؛ لأنّ الآدمي طاهر وما في جوفه مِن النجاسة معفوّ عنه لكونه في معدته ، وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة ، ودلائل الشرع متظاهرة على هذا ، والأفعال في الصلاة لاتبطلها إذا قلّت أو تفرّقت ، وفِعْل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا بياناً للجواز وتنبيهاً به على هذه القواعد التي ذكرها .

_______________________

(١) جامع الأصول ٥ : ٥٢٤ ـ ٥٢٥ / ٣٧٤٩ ، الفرع الثامن .

٢٩٢

وهذا يرد ماادّعاه الإمام أبو سليمان الخطّابي أنّ هذا الفعل يشبه أن يكون كان بغير تعمّد لحملها في الصلاة ، لكنّها كانت تتعلّق بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يدفعها ، وإذا قام بقيت معه قال : ولا يتوهّم أنّه حملها أو وضعها مرّة بعد أُخرى عمداً ؛ لأنّه عمَلْ كثير وشغل القلب وإذا كان علم الخميصة شغله فكيف لا يشغله ، هذا كلام الخطّابي .

وهو باطل ودعوى مجرّدة ، وممّا يردّه قوله في صحيح مسلم : فإذا قام حملها وقوله : فإذا رفع مِن السجود أعادها وقوله في رواية غير مسلم : خرج علينا حاملاً أمامة فصلّى ، وذكر الحديث .

وأمّا قضيّة الخميصة ؛ فلأنّها تشغل القلب بلا فائدة ، وحمْلُ أمامة لا يسلّم أنّه يشغل القلب ، وإن شغله فتترتّب عليه فوائد وبيان قواعد ممّا ذكرنا وغيره ، فاحتمل ذلك الشغل لهذه الفوائد بخلاف الخميصة .

فالصواب الذي لا مَعْدَل عنه : أنّ الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على هذه القواعد فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين ، والله أعلم )(١) .

وابن حجر العسقلاني اقتفى أثر النووي ، فقال في ( فتح الباري ) :

( قوله : فإذا سجد وضعها كذا لمالك أيضاً ، ورواه مسلم مِن طريق عثمان ابن أبي سليمان ومحمّد بن عجلان ، والنسائي مِن طريق الزبيدي ، وأحمد من طريق ابن جريج ، وابن حبّان من طريق أبي العميس ، كلّهم عن عامر بن عبد الله شيخ مالك فقالوا : إذا ركع وضعها ، ولأبي داود مِن طريق المقبري عن عمرو بن سليم : حتّى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثمّ ركع وسجد ، حتّى إذا فرغ مِن سجوده وقام أخذها فردّها في مكانها .

_______________________

(١) شرح صحيح مسلم ٥ : ٣٢- ٣٣ ، كتاب المساجد ، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة .

٢٩٣

وهذا صريح في أنّ فِعْل الحمل والوضع كان مِنه لا مِنها .

بخلاف ما أوّله الخطّابي حيث قال : يشبه أن تكون الصبيّة كانت قد أَلِفَتْه فإذا سجد تعلّقت بأطرافه والتزمته فينهض مِن سجوده فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها قال : هذا وجهه عندي .

وقال ابن دقيق العيد : مِن المعلوم أنّ لفظ حمل لا يساوي لفظ وضع في اقتضاء فعل الفاعل ؛ لأنّا نقول فلان حَمَل كذا ولو كان غيره حمله بخلاف وضع ، فعلى هذا فالفعل الصادر مِنه هو الوضع لا الرفع فيقلّ العمل قال : وقد كنت أحسب هذا حسناً، إلى أن رأيت في بعض طُرُقه الصحيحة ، فإذا أقام أعادها .

قلت : وهي رواية لمسلم ، ورواية أبي داود التي قدّمناها أصرح في ذلك هي : ثمّ أخذها فردّها في مكانها ولأحمد مِن طريق ابن جريج : وإذا قام حملها فوضعها على رقبته .

قال القرطبي : اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث ، والذي أحوجهم إلى ذلك أنّه عمل كُثر ، فروى ابن القاسم عن مالك أنّه كان في النافلة ، وهو تأويل بعيد ، فإنّ ظاهر الأحاديث أنّه كان في فريضة ، وسبقه إلى استبعاد ذلك المازري وعياض ، لما ثبت في مسلم : رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤمّ الناس وأمامة على عاتقه .

قال المازري : إمامته بالناس في النافلة ليست بمعهودة ) .

ثمّ قال ابن حجر :

( قال القرطبي : وروى عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك أنّ الحديث منسوخ .

قلت : روى ذلك الإسماعيلي عقب روايته للحديث مِن طريقه ، لكنّه غير صريح ولفظه : قال التنيسي : قال مالك ، مِن حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناسخ ومنسوخ وليس العمل على هذا .

٢٩٤

وقال ابن عبد الله : لعلّه نُسخ بتحريم العمل في الصلاة ، وتعقّب بأنّ النسخ لا يثبت بالاحتمال ، وبأنّ هذه القصّة كانت بعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ في الصلاة لشغلاً ؛ لأنّ ذلك كان قبل الهجرة ، وهذه القصّة كانت بعد الهجرة قطعاً بمدّة مديدة .

وذكر عياض عن بعضهم : أنّ ذلك كان مِن خصائصهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لكونه كان معصوماً مِن أن تبول وهو حاملها ، ورُدّ : بأنّ الأصل عدم الاختصاص ، وبأنّه لا يلزم مِن ثبوت الاختصاص في أمر ثبوته في غيره بغير دليل ، ولا مدخل للقياس في مثل ذلك )(١) .

مِن فتاوى القوم في الباب

لكنّ العجيب أنّ للقوم فتاوى بجواز تقبيل المرأة في حال الصلاة وعدم فسادها به ، وكذا النظر إلى فرجها بشهوةٍ... فقد جاء في ( فتح القدير ) :

( ولو قبّلت المصلّي ولم يشتهها لم تفسد ـ أي الصلاة ـ كذا في الخلاصة )(٢) .

وفي ( السراج الوهّاج ) :

( عن أبي يوسف : إذا كانت هي تصلّي فقبّلها رجل لا تفسد صلاتها لعدم الفعل منها ) .

_______________________

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١ : ٤٦٩ ، باب إذا حمل جاريةً صغيرة...

(٢) فتح القدير لابن الهمام ١ : ٣٥١ .

٢٩٥

وفي ( البحر الرائق ) :

( وأمّا قولهم ـ كما في الخانية والخلاصة ـ لو كانت المرأة هي المصلّية دونه ، فقبّلها فسدت بشهوةٍ أو بغير شهوة ولو كان هو المصلّي فقبّلته ولم يشتهها ، فصلاته تامّة فمشكل .

إذ ليس مِن المصلّي فعل في الصورتين ، فمقتضاه عدم الفساد فيهما وإن جعلنا تمكينه مِن الفعل بمِنزلة فعله اقتضى الفساد فيهما ، وهو الظاهر على اعتبار أنّ العمل الكثير ما لو نظر إليه الناظر لتيقّن أنّه ليس في الصّلاة أو ما استفحشه المصلّي )(١)

وفي ( فتح القدير ) :

( ولو رأى فرج المطلّقة رجعياً بشهوةٍ يصير مراجعاً ولا تفسد في رواية ، وهو المختار )(٢) .

بل في ( البحر الرائق ) :

( لو جامعها فيما دون الفَرْج مِن غير إنزال ، بخلاف النظر إلى فرجها بشهوة فإنّه لا يفسد على المختار كما في الخلاصة )(٣) .

وفي ( السراج الوهّاج ) :

( وإنْ قبّلت المصلّي امرأتُه ولم يقبّلها هو فصلاته تامّة ، وإنْ قبّلها هو بشهوةٍ أو بغير شهوةٍ ، فسدت صلاته وفي الفتاوى : لا تفسد إلاّ إذا قبّلها بشهوة ) .

_______________________

(١) البحر الرائق ٢ : ١٢ ـ ١٣ .

(٢) فتح القدير لابن الهمام ١ : ٣٥١ .

(٣) البحر الرائق ٢ : ١٢ .

٢٩٦

٢ القياس

أوّل مَن قاس إبليس

قال الشعراني في كتاب ( لواقح الأنوار ) بترجمة الإمام أبي عبد الله جعفر ابن محمّد الصادقعليه‌السلام :

( ودخل عليه أبو حنيفة فقال له :ياأبا حنيفة ، بلغني أنّك تقيس ، لا تفعل ، فإنّ أوّل مَن قاس إبليس ) (١) .

وقال الفخر الرازي في ( مناقب الشافعي ) :

( والعجب أنّ أبا حنيفة رحمة الله عليه كان تعويله على القياس ، وخصومه كانوا يذمّونه بسبب كثرة القياسات ونقل أنّ جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام أورد عليه الدلائل الكثيرة في إبطال القياس ، ثمّ إنّه رحمه الله مع أنّه أفنى عمره في العمل بالقياس ، وكان ممتحناً فيما بين الناس بهذا السبب ، لم ينقل عنه ولا عن أحدٍ مِن أصحابه أنّه صنّف في إثبات القياس ورقّة ، ولا أنّه ذكر في تقريره شبهة فضلاً عن حجّة ، ولا أنّه أجاب عن دليل لخصومه في إنكار القياس )(٢) .

وقال شاه وليّ الله الدهلوي في ( الإنصاف ) :

( عن ابن سيرين قال : أوّل مَن قاس إبليس ، وما عُبدَتْ الشمس والقمر

_______________________

(١) لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ـ ترجمة الإمام أبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام .

(٢) مناقب الإمام الشافعي : ١٥٨ .

٢٩٧

إلاّ بالمقاييس .

وعن الحسن أنّه تلا هذه الآية :( خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) وقال : قاس إبليس وهو أوّل مَن قاس .

وعن الشعبي قال : والله لئن أخذتم بالمقاييس لتحرِّمنّ الحلال ولتحلنّ الحرام )(١) .

وقال السيوطي في ( الدرّ المنثور ) :

( أخرج أبو نعيم في الحُليّة والديلمي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه ،أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أوّل مَن قاس أمر الدين برأيه إبليس ، قال الله له : أُسجد لآدم ، فقال : ( أَنَا خَيْرٌ مِنهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) قال جعفر : فمَن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس لأنّه تبعه بالقياس ) (٢) .

وفي ( كتاب الوسائل إلى مسامرة الأوائل ) :

( وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال : أوّل مَن قاس إبليس ، وما عُبدَتْ الشمس والقمر إلاّ بالمقاييس )(٣) .

وروى المتّقي في ( كنز العمّال ) :

(مَن قال في الدين برأيه فقد اتّهمني أبو نعيم عن جابر .

لا تقيسوا الدين فإنّ الدين لا يقاس ، وأوّل مَن قاس إبليس الديلمي عن علي )(٤) .

_______________________

(١) حجّة الله البالغة ١ : ١٢١ .

(٢) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ٣ : ٤٢٥ والآية في سورة الأعراف : ١٢ .

(٣) الوسائل إلى مسامرة الأوائل : ١١٦ .

(٤) كنز العمّال ١ : ٢٠٨ / ١٠٤٨ ـ ١٠٤٩ .

٢٩٨

وفيه :

( تعمل هذه الأُمّة برهة بكتاب الله ، ثمّ تعمل برهة بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ تعمل بالرأي ، فإذا عملوا بالرأي فقد ضلّوا وأضلّوا عن أبي هريرة )(١) .

مِن الأخبار والآثار في ذمّ القياس

وأخرج البخاري :

( باب ما يذكر مِن ذمّ الرأي وتكلّف القياس وقول الله( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) .

حدّثنا سعيد بن تليد قال : حدّثني ابن وهب قال : حدّثني عبد الرحمان ابن شريح وغيره عن أبي الأسود عن عروة قال : حجّ علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول : سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعاً ، ولكن ينزعه عنهم مع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى ناس جهّال يُسْتفْتَون فيفتون برأيهم فيضلّون ويضلّون .

فحدّثتُ عائشة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ عبد الله بن عمرو حجّ بعد فقالت : يا ابن أُختي انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي مِنه الذي حدّثتَني عنه ، فجئته فسألته فحدّثني به كنحو ما حدّثني ، فأتيت عائشة فأخبرتها ، فعَجِبَتْ فقالت : والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو )(٢) .

وأخرج ابن ماجة :

_______________________

(١) كنز العمّال ١ : ١٨٠ / ٩١٥ .

(٢) صحيح البخاري ٩ : ١٢٣ ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة...

٢٩٩

 ( حدّثنا سويد بن سعيد ، ثنا ابن أبي الرجال ، عن عبد الرحمان بن عمرو الأوزاعي ، عن عبده ابن أبي لبابة عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً حتّى نشأ فيهم المولودون وأبناء سبايا الأُمم فقالوا بالرأي ، فضلّوا وأضلّو )(١) .

كلام الفخر الرازي في ذمّ القياس

ولقد أطال الفخر الرازي الكلام في ذمّ الرأي والقياس بنقل الروايات ، وحَكَم بكون الحنفية مِن الضالّين والمضلّين ، فقال في ( مناقب الشافعي ) :

( الفصل الرابع : في بيان أنّ تلقيب الإنسان بأنّه مِن أصحاب الرأي ليس مِن ألقاب الشرف والمدح ، ويدلّ عليه القرآن والأخبار والآثار المقبولة :

ـ أمّا القرآن فقوله تعالى :( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِن الْحَقِّ شَيْئاً ) وقوله :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) وقوله :( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) .

الثاني : قوله تعالى :( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ) قدّم السمع على الرأي في كونه سبباً للخلاص عن السعير .

فإن قالوا : هذا معارض بقوله :( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ ) فقدّم القلب الذي هو معدن الفهم والرأي على السمع .

قلنا : المراد هاهنا العقل الذي هو شرط التكليف .

الثالث : قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) أطيعوا الله إشارة للكتاب ، والرسول إشارة للسنّة ، وأُولي

_______________________

(١) سُنن ابن ماجة ١ : ٢١ / ٥٦ المقدّمة باب اجتناب الرأي والقياس .

٣٠٠