حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف0%

حوار في التسامح والعنف مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 136

حوار في التسامح والعنف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم )
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
تصنيف: الصفحات: 136
المشاهدات: 55456
تحميل: 6955

توضيحات:

حوار في التسامح والعنف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55456 / تحميل: 6955
الحجم الحجم الحجم
حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف

مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حوار في

التسامح والعنف

سلسلة تهتمُّ بمعالجة قضايا فكرية مُعاصرة

تصدر عن معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

العالي للشريعة والدراسات الإسلامية. بيروت

١

هذا الكتاب

طبع ونشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

كتاب الحياة الطيِّبة

سلسلة تهتمُّ بمعالجة قضايا فكرية مُعاصرة

تصدر عن معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

العالي للشريعة والدراسات الإسلامية. بيروت

المُشرف العام

محمد رضا نور اللهيان المهاجر

رئيس التحرير

نجف علي الميرزائي

مُستشار التحرير

محمد مصطفوي

مدير التحرير المسؤول

محمد حسن زراقط

حوار مع الشيخ محمد مهدي الآصفي

تنضيد وإخراج

أحمد حسين المقداد

عبد الرحمن جاسم

غلاف

حسين موسى

٣

مراكز التوزيع

* لبنان - معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العالي للشريعة والدراسات

الإسلامية - هاتف : ٤٥٠٢٦٣ - ١ - ٩٦١

ص. ب : ٣٠٢ / ٢٥

* المغرب - الشركة الشريفية للتوزيع والصحف

سوش برس - هاتف : ٤٠٠٢٢٣

ص. ب : ٦٨٣ / ١٣

* مصر - القاهرة - مؤسسة الأهرام - شارع الجلاء

هاتف : ٥٧٨٦١٠٠

*إيران - قم - دورشهر - كوجه ١٤ بلاك ١٣٠

تلفاكس : ٧٧٤٦٥٤٤ - ٢٥١ - ٠٠٩٨

المراسلات توجَّه باسم رئيس التحرير على العنوان الآتي :

لبنان - بيروت - معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العالي للشريعة

والدراسات الإسلامية

e-mail :alhayat ٢ @arrasoul .org

٤

حوار في التسامح والعنف

نظرة إسلامية

٥

جميع الحقوق محفوظة

لمجلَّة( الحياة الطيِّبة )

بيروت - لبنان - ص. ب : ٣٠٢ / ٢٥-

هاتف : ٤٥٠٢٦٢ / ١ ( ٩٦١+ )

الموقع على الانترنت : www .arrasoul. org

الكتاب : حوار في التسامح والعنف نظرة إسلامية

الناشر : مجلَّة( الحياة الطيِّبة ) معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العالي للشريعة والدراسات الإسلامية

التاريخ : الطبعة الأُولى ١٤٢٤ ه- / ٢٠٠٣م

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة على محمد وآله الطاهرين، وبعد

يتعرّض الفكر الإسلامي بين فينة وأخرى لمحاولات تشويه لكثير من مفاهيمه، وضرب لكثير من قيمه التي ينادي بها في محاولة التغيير الاجتماعي، وتتمُّ هذه المحاولات عبر التركيز على قيمة في مقابل قيمة، ومفهوم في مقابل مفهوم، فتُطلق قيمة التسامح في مقابل تشدُّد إسلامي مدَّعى، والرفق في مقابل عنف يُلحَقُ بالإسلام، وكذلك تجري محاولات حثيثة للربط بين مفهوم الجهاد ومنظومة أخرى، من المفاهيم السلبية أو التي تُروَّج بطريقة تشي بسلبيتها، من قبيل : الإرهاب، العنف، الإكراه وسلب الحرِّية، انتشار الإسلام بالسيف إلى ما هنالك ممَّا يحفل به قاموس هذا النوع من الدراسات.

وهذا الأمر يوجِب على المثقَّف المسؤول والملتزم، أن يسعى لتظهير هذه المحاولات جميعاً، واستكشاف مراميها وأبعادها؛ لتحديد الموقف الإسلامي منها لقبولها أو رفضها، أو فكِّ هذا الارتباط إن كان مصطنعاً أو الإصرار عليه إن كان حقَّاً صريحاً.

وهذا هو ما تُحاول مجلَّة ( الحياة الطيِّبة ) القيام به، من خلال معالجة كثير من الإشكاليات التي يُثار غبارها ليحجب شمس الحق الإسلامي أو يكدِّر صفاء ضوئها.

وفي هذا الكتاب من سلسلة كتاب ( الحياة الطيبة ) اخترنا حواراً مطوَّلاً أجريناه مع سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي، الذي يمثّل واحداً من

٧

الشخصيات العلمية المرموقة في الحوزة العلمية، وجمع إلى عمله العلمي المتمثِّل بمجموعةٍ من المؤلَّفات في مجالاتٍ متعدِّدة، كالفقه والتاريخ وغيرها، عملاً اجتماعياً في مجالاتٍ عدّة. وهو يقوم الآن بأعباء الأمانة العامة للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام . وكنَّا قد نشرنا جزءاً من هذا الحوار في العدد العاشر من المجلَّة، وها نحن نعاود نشره في هذا الكتاب كاملاً؛ ليعمَّ نفعه وتنتشر فائدته.

ويُحاول الشيخ الآصفي- في حواره - تحليل النظرية الإسلامية حول الجهاد والعنف والتسامح؛ ليحدِّد موقفه الاجتهادي من هذه المفاهيم، وأبرز ما يقدِّمه هذا الحوار للقارئ، هو أنَّ الرحمة ليست قيمة مطلقة، وكذلك العنف وسائر المفاهيم المشابهة، فقد تكون الرحمة تساهلاً مذموماً إذا طبِّقت مع المجرم، وكذلك الشدَّة أو العنف فمَن يعنف ظالماً لا يستحقُّ إلاَّ العنف إذا عدمنا وسيلة أُخرى لردعه عن ظلمه.

ثمَّ يقف الشيخ الآصفيوقفة اجتهادية مطوَّلة، ليستعرض الموقف الإسلامي من الخروج على الحاكم والخضوع له، ويقارن بين مواقف الفقهاء على اختلاف مدارسهم الفقهية ومشاربهم في البحث الفقهي؛ فيتوصل إلى إمكانية تبرير الخروج والثورة، ضمن مجموعة من الضوابط والقوانين، التي تحول دون الوقوع في الفتنة أو الفوضى.

الحياة الطيِّبة

٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحياة الطيِّبة : رغم أنّ التأريخ للفكر الإنساني - وبالذات تلك الحقبة المتزامنة مع الفكر الإسلامي - شهد كمَّاً كبيراً من الإشكاليات والقضايا حول محور جدليّة العنف والتسامح، وما ينجم عن إحلال التوازن أو الإخلال به بينهما، غير أنّ العالم اليوم وإثر الأحداث الناجمة عن عدّة تفجيرات ضخمة في الولايات المتّحدة الأمريكية، قد أقبل على عهد جديد، ولعب الوضع الجديد دوراً كبيراً في إرساء قواعد حديثة في العلاقات الدوليّة من جهة، ومن جهة أُخرى أنَّ المحاولة غير الصائبة لإيجاد مناخ فكري، يجد الإنسان المعاصر ما يوحي أو يصرِّح بأنّ الفكر الإسلامي وعقيدته، يحتضنان كثيراً من مواقع العنف ومقوّمات التهديد ضدّ الآخر غير المسلم. ومفهوم الجهاد من بين العناصر التي تحوّلت لدى الإعلام الغربي - والأمريكي بالخصوص - إلى حجَّة للنيل من الإسلام؛ حيث إنّه يشكِّل العنصر الأكبر في تحريض الأمّة لتنطلق

٩

نحو إزالة الآخر المعارض، حسب ما يحاولون تكريسه في عقليّة الرأي العام العالمي اليوم.

وامتداداً للحركة الفكرية الفقهية الإسلامية، الهادفة إلى استنباط الحكم الشرعي من مصادره، ومحاولة منَّا لتحييد العقيدة الإسلامية وتبرئتها من الاعتماد على العنف والإرهاب، رغم الحفاظ على كلّ عناصر القوّة، وإمكانيات الدفاع عن الذات الإسلامية مقابل التحدّيات والتهديدات، قد رغبنا لهذا الحوار أن يكون منطلقاً لدراسة هذه المقولات على ضوء أصول الشريعة الإسلامية.

بصفتكم من ذوي الخبرة والاختصاص في مجال الفقه والشريعة، وخاصة بالنظر إلى تصدِّيكم لتقديم دراسات عالية حول فكرة الجهاد وفروعه الفقهيّة، يُسعدنا أن نستضيفكم لنبدأ من سؤال قديم، لا يزال يطرح نفسه، وهو : هل يمثِّل الجهاد في القرآن الكريم ذلك الوجه العنيف ؟ وهل يتحقّق عَبر المناهج العسكرية والكفاح أو الغزو المسلّح ؟ وبالأحرى : نريد أن نكون على علم بدقائق المدلول القرآني للفظة الجهاد ومصطلحه المؤسَّس عَبر الوحي.

الشيخ الآصفي : شكراً لكم على إتاحة هذه الفرصة لي، لأتحدَّث إلى قُرَّاء مجلَّة ( الحياة الطيِّبة) عن الجهاد.

الحياة الطيِّبة والجهاد :

وليس من عجب أن تبحث ( الحياة الطيِّبة) عن الجهاد؛ فإنَّ الحياة الطيِّبةالكريمة في الجهاد، والله تعالى يدعو المؤمنين لما يُحييهِم في سياق آيات الجهاد.

١٠

يقول تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (١) . وهذه الآية نزلت في سياق آيات القتال من سورة الأنفال، والحياة التي يَدعو إليها الله هي الحياة الكريمة الطيِّبة، وهي لا تستقيم إلاَّ بالجهاد.

ولولا أنّ الله تعالى يدفع بالصالحين الفاسدين من مواقع القوّة، والمال والسلطة، لفسدت الأرض والحياة :( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ ) (٢) ،( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ ) (٣) .

وكلمة الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام معبِّرة ودقيقة في تبيان هذه الحقيقة، يقولعليه‌السلام : ( فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين )(٤) . ويقدِّم الإمام هنا تعريفاً جديداً للموت والحياة، غير ما يعرفه الناس. فالإمامعليه‌السلام يريد أن يقول : إنّكم إذا عشتم مقهورين لأعدائكم، فهذا هو الموت بعينه، ولو تراءى لكم أنّه الحياة، وإذا متُّم في ظلال سيوفكم تُطْعِمون أعداءكم القهر والموت، فهذا هو الحياة، وإن تصوّرَه الناس موتاً. إنّ الجهاد يصنع الحياة العزيزة الكريمة للأمّة ويورث الأجيال الكرامة والعزَّة. عن رسول

____________________

(١) سورة الأنفال : الآية ٢٤.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٥١.

(٣) سورة الحج : الآية ٤٠.

(٤) نهج البلاغة، شرح محمد عبده، بيروت، دار المعرفة، ص١٠٠، خطبة رقم ١٥.

١١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنَّ الله أعَزَّ أمّتي بسنابك خيلِه )(١) ، وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اغزوا تورِّثوا أبناءكم مَجداً )(٢) .

فليس من عجب - إذن - أن تهتمَّ مجلَّة ( الحياة الطيِّبة) بالجهاد، فإنَّ الحياة لا تطيب ولا تعزُّ بغير الجهاد.

الجهاد والعُنف :

والآن أعود إلى سؤالكم الأوّل : ( هل يمثِّل الجهاد في القرآن الكريم وجه العنف الذي يتحقَّق عَبر المناهج العسكرية والكفاح المسلح أم لا ؟ ).

أقول : فماذا يمكن أن يكون معنى الجهاد، إذا كان لا يعني القوّة والعنف ؟!

لقد وردت كلمة ( الجهاد ) ومشتقّاتها في القرآن ثلاثاً وثلاثين مرَّة، ووردت كلمة ( القتال ) ومشتقّاتها إحدى وثلاثين مرَّة، وواضح أنّهما وجهان لحقيقة واحدة.

ومهما يكن تفسيرنا للجهاد من ( الجُهدْ ) بمعنى الوسع والطاقة، أو من ( الجَهدْ ) بمعنى الشدَّة والتعب، فإنّ النتيجة واحدة لا تختلف، فإنّ ( الجهاد ) بمعنى بذل الوسع في إقامة كلمة التوحيد على وجه الأرض وإزالة الشرك والظلم، أو بمعنى تحمّل الشدّة والمشقّة في سبيل إعلاء كلمة الله وإزالة الشرك

____________________

(١) محمد بن الحسن العاملي، وسائل الشيعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج١١، ص٥.

(٢) المصدر نفسه، ج١١، ص٩.

١٢

والظلم. فإنَّ تقرير أُلوهيَّة الله - وحده - وإزالة أنواع الشرك والظلم من وجه الأرض، لا يمكن أن يتمَّ من غير القتال.

وقد ورد الأمر بالقتال كراراً وبصيغ مختلفة في القرآن.

يقول تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) (١) .

والكتابة : هي الفريضة، نحو قوله تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) .

ويقول تعالى :( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) (٢) .

ويقول تعالى :( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ ) (٣) . وهو يحرِّض بالقتال :( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) (٤) .

وآيات القرآن في هذا المعنى عديدة، بصيغ التحريض، والفرض، والإذن، والتحبيب وغيره، وهو الوجه الآخر للجهاد، الذي لا يمكن فصله عنه.

والمعنى الواضح لهذه الكلمة : هو القتل والعنف والغزو المسلَّح، وما شئت من أمثال هذه الكلمات والمفاهيم.

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢١٦.

(٢) سورة الصف : الآية ٤.

(٣) سورة النساء : الآية ٧٤.

(٤) سورة البقرة : الآية ١٩٠.

١٣

الرحمة والعُنف وجهان لقضيّة واحدة :

ونحن لا نتوقَّف عند كلمة ( العنف )، ولا نشكّ في أنّ الإسلام، يتبنَّى ( العنف ) إلى جانب ( الرحمة ) في منهاجه التشريعي التكاملي. ولا نشكّ في أنَّ ( الرحمة ) و( العنف ) هما وجها هذا الدين، ومن دون هذا وذاك لا يمكن أن نفهمه.

تفسير العُنف :

ولكن نتساءل لماذا العنف ؟ وما هو ؟ إنَّ العقلية الغربية تفسِّر ( العنف ) باستخدام القوّة للتوسّع العسكري، والاستبداد السياسي والديني.

وللقرآن تفسير آخر للعنف، لا علاقة له بالتفسير الأوّل إطلاقاً، فهو يذكر للقتال أربعة أهداف هي :

أوّلاً وثانياً : تقرير أُلوهيّة الله ودينه على وجه الأرض، وإزالة الفتنة من حياة الناس.

يقول تعالى :( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (١) .

وهذه الآية تقرِّر هاتَيْن الحقيقتَيْن بوضوحٍ ما بعده وضوح، تقرير أُلوهية الله، وتحكيم شريعة الله على وجه الأرض( وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ) ، وهذا هو أحد الهدفين، وللوصول إلى هذه الغاية لا بدّ من إزالة عوامل الفتنة التي تُعيق حركة

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٩٣.

١٤

الدعوة إلى هذه الغاية( حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ) ، ولا تزول الفتنة ما دام أئمّة الظلم يحكمون الناس، ويحتلون مواقع القوّة في المجتمع.

وثالثاً : تحرير المستضعفين والمعذَّبين في الأرض، والدفاع وإزالة الظلم عنهم.

يقول تعالى :( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً ) (١) .

رابعاً : الدفاع عن قواعد التوحيد والعبودية، ولولا القتال لهُدِّمت هذه القواعد، ولم يُعبَد الله على وجه الأرض :( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذاً، العنف بغاياته، فإن كانت غاية العنف هي التوسّع العسكري، والتعسّف، وإذلال الناس وتطويعهم، وسلب كرامتهم وإرادتهم، فهو أمر سيِّئ ومرفوض، وإن كانت غاية العنف إقامة الحقّ والعدل، وتحرير الإنسان، وإقامة دين الله في حياة الإنسان، والدفاع عن القيم، وعن المستضعفين، فهو الوجه الآخر للرَّحمة، ولن تكتمل الرحمة إلاَّ به.

____________________

(١) سورة النساء : الآية ٧٥.

(٢) سورة الحج : الآية ٤٠.

١٥

الحياة الطيِّبة : من طيَّات ردِّكم وإبدائكم لهذه الملاحظات القيّمة، نجد وكأنّ الجهاد حتّى لو كان في شكل مسلّح وعبر وسائل حربيّة، لا يمثِّل عائقاً ومانعاً أمام مبدأ الحرِّية في اختيار المعتقد، غير أنَّ بعض المحاولات الفكرية، ترمي إلى الإيماء إلى أنَّ بعض القضايا الشرعية والمعتقدات الدينيّة، مثل الجهاد والحدود تكوِّن عنصراً من عناصر الإكراه والإرغام لإخضاع غير المسلمين للشريعة الإسلامية، الأمر الذي لا يتجاوز تمنِّياً وأملاً لن يتحقَّقا؛ لأنّ العقيدة لا تكون إلاّ عبر القناعة والإيمان، والسيوف غير قادرة على صنعها. هل تعزو هذا الموقف إلى نمط اجتهادي حديث ؟ أم ترغب في أن تصحِّح الانطباع الراهن عن مقولة الجهاد والحدود اللتين توحيان بالعنف والتوسُّع بالسيف لدى بعض المفكِّرين وكثير من الناس ؟

الشيخ الآصفي : أنا أفهم الآية الكريمة من سورة البقرة :( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ) (١) على غير ما يفهمها بعض المفسِّرين.

إنَّ هذه الآية ليست بصدد بيان حكم تشريعي، وإنَّما هي بصدد بيان قضية واقعية، لا علاقة لها بالتشريع، وهي أنّ أمر الدين من الوضوح؛ بحيث لا يحتاج الإنسان إلى الإكراه في قبول الدين، كما نقول : إنَّ الأمر في أهميّة المراجعة الطبّية للمريض من الوضوح؛ بحيث لا يحتاج المريض الراشد إلى الإكراه ليُراجع الطبيب لدى الحاجة، بخلاف الطفل المريض غير الراشد، فإنَّه يكرَه على مراجعة الطبيب عند الحاجة، وهذه قضية واقعية، وليست بصدد

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٥٦.

١٦

بيان حكم تشريعي في نفي الإكراه عن الإنسان لقبول الدين؛ والقرينة الواضحة على ما أقول هو تعقيب هذه القضية بقوله تعالى :( قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ) ؛ فإنَّ دلالة هذه الكلمة واضحة في ما قلناه، ومعنى هذه الكلمة : أن لا حاجة إذاً إلى الإكراه؛ لوضوح الفارق بين الرُّشد والغيّ.

وهذا التعقيب يناسب أن تكون هذه الفقرة من آية سورة البقرة تقريراً لقضيةٍ واقعيّة، لا لحكم شرعي؛ فإنّ وضوح التميّيز بين الرّشد والغيّ أدعى إلى الإكراه والإلزام الشرعي من حالة عدم الوضوح، فإنّ للإنسان عُذراً في حالة اللبس وعدم الوضوح، بخلاف حالة الوضوح، فإنَّ القانون يُلزمه ويتشدَّد في إلزامه.

رأي العلاَّمة الطباطبائي في الميزان :

ويذهب العلاَّمة الطباطبائيرحمه‌الله في تفسيره القيّم ( الميزان في تفسير القرآن )(١) إلى أنّ هذه الآية الكريمة بصدد تقرير حكم شرعي، سواء كانت القضية إخبارية حاكية عن حالة تكوينيّة، أم حكماً إنشائياً تشريعيّاً، ويفصِّلرحمه‌الله الكلام في ذلك، بما لا مجال لنقله بتفصيله، ويرى أنَّ الأمور الاعتقادية لا يمكن فيها الإكراه، وإنَّما يختص الإكراه بالأفعال، والحركات المادّية فقط، وإذا كان الدين ممّا لا يمكن الإكراه فيه، فكيف يمكن الإلزام به ؟

____________________

(١) الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ج٣، ص٢٤٢ - ٣٤٣.

١٧

المناقشة :

وهذا الكلام لا يخلو من مناقشة؛ فإنّ الإلزام بالشهادتَيْن، والدخول في ما يدخل فيه المسلمون أمر ممكن بلا إشكال، وهو يؤدِّي لا محالة إلى الإيمان والعقيدة الراسخة، كما حصل ذلك في الفتوحات الإسلامية، فإنَّ الناس لم يدخلوا الإسلام ابتداءً عن طواعية، ولكنَّهم أقرّوا بالإسلام، وهذا هو الحدّ الذي يقتصر عليه الحكم الشرعي بالإلزام بالإسلام، إلاّ أنّهم عندما يتذوَّقون حلاوة التوحيد، يُقْبلون على الإيمان، ويحسن إسلامهم، ويكون منهم الصالحون والأبرار والعلماء، كما حصل ذلك فعلاً في التاريخ الإسلامي، وبشكل واسع جدَّاً.

إذاً؛ ليست الآية الكريمة بصدد بيان حكم شرعي في هذا الأمر، ولا بصدد تقرير أنّ الإكراه في الدين غير ممكن، كما يقول العلاّمة الطباطبائيرحمه‌الله ، وإنّما هي بصدد تقرير حقيقة واقعيّة لا علاقة لها بالحكم الشرعي، وهي : أنَّ أمر الدين من الوضوح؛ بحيث لا يحتاج الإنسان فيه إلى الإكراه، ولو أرسل فطرته وعقله إرسالاً لقَبِل الدين من غير إكراه.

والدليل على ما أقول، هو وجوب جهاد الكفّار والمشركين في الجملة، وباتفاق فقهاء المسلمين، من عامة المذاهب. يقول صاحب ( الجواهر ) في موسوعته الفقهية القيّمة : ( فكيف كان، فلا خلاف بين المسلمين في وجوبه في الجملة، بل هو كالضروري، خصوصاً بعد الأمر به في الكتاب العزيز، في

١٨

آيات كثيرة، كقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) ، وقوله تعالى :( حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) إلى غير ذلك )(١) .

ولا معنى لوجوب جهاد الكفّار مع الحكم بنفي الإكراه في الدين، ولم يرد استثناء لهذا الحكم التشريعي الثابت في كتاب الله، إلاّ بخصوص أهل الكتاب، الذين يدخلون في ذمّة الإسلام، ويقبلون الجزية، وهو دليل آخر على ما قلنا.

يقول تعالى :( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) (٢) .

وقد صحّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أُمرت أن أقاتل الناس، حتّى يقولوا : لا إله إلاّ الله. فمَن قال : لا إله إلاّ الله. عصم منِّي ماله ونفسه إلاّ بحقّه، وحسابه على الله )(٣) ، هذا أوّلاً.

____________________

(١) محمد بن الحسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، دار الكتب الإسلامية، طهران، ج١٢، ص٨٠.

(٢) سورة التوبة : الآية ٢٩.

(٣) سنن البيهقي، ج٩، ص٢٨١، وبمضمونه صحيح مسلم، ج١، ص٩٣.

١٩

( الإكراه في النظام لا ينافي نفي الإكراه في الدين )

وثانياً : لو فرضنا أنّ الآية الكريمة بصدد بيان حكم شرعي - كما يقول العلاّمة الطباطبائيرحمه‌الله وطائفة واسعة من المفسّرين - فإنّ الإكراه لا يصحّ في الأمور العقائدية؛ لأنَّها مسألة مرتبطة بالقناعة النفسية والعقلية، والقناعة لا تتمُّ بالإكراه والإلزام، كما يقول هؤلاء الأعلام.

وأمّا النظام الاجتماعي، فله شأن آخر، ويصحّ فيه الإلزام في السلم والحرب، وإذا تركنا أمر النظام الاجتماعي لقناعات الناس، لم يقم نظام في حياة الناس، ولم تستقم الحياة الاجتماعية، فلا بدّ للناس من نظام اجتماعي، وسياسي، واقتصادي، ونظام قضائي، ونظام للعقوبات؛ حتى تستقيم حياتهم، الإلزام والإكراه من بديهيَّات النظام، ولولا ذلك لم يبقَ نظام ولا حياة اجتماعية.

الحياة الطيِّبة : إلى أيِّ مدى يمكن أن يكون الحديث عن رفض تواجد الأدلّة الشرعية الكافية لإثبات الجهاد الابتدائي ( دون وجود الدوافع الدفاعية والوقائية ) ملامساً للحقيقة ؟ وهل بالإمكان أن نتبنَّى ما يؤمن به بعض المفكِّرين المعاصرين، وهو : أنَّ الممارسات الجهادية في عصر الحاكم المعصوم تمثّل دون استثناء تدابير غير هجومية وابتدائية بالأساس ؟

الشيخ الآصفي : لست أشكُّ في أنّ مهمَّة هذا الدين هي تطهير الأرض من الشرك والظلم، وإقامة التوحيد والعدل على وجهها، وهو لا يتأتّى - بالتأكيد -

٢٠