حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف0%

حوار في التسامح والعنف مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 136

حوار في التسامح والعنف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم )
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
تصنيف: الصفحات: 136
المشاهدات: 55487
تحميل: 6956

توضيحات:

حوار في التسامح والعنف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55487 / تحميل: 6956
الحجم الحجم الحجم
حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف

مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنَّه ينعزل - وحُكي عن المعتزلة أيضاً - فغلط من قائله مخالف للإجماع(١) .

ونقل ابن حجر في ( الفتح ) عن ابن بطّال أنّه قال : وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلّب والجهاد معه، فإنَّ طاعته خير من الخروج عليه ولم يستثنوا من ذلك إلاَّ إذا وقع من السلطان الكفر الصريح.

المناقشة :

ويكفي في نقض هذا الإجماع خروج سيد شباب أهل الجنّة الإمام الحسينعليه‌السلام علي يزيد بن معاوية، وقتاله لجيش بني أمية وشهادته هو وأهل بيته وأصحابه وأنصاره ( عليه وعليهم‌السلام ) في هذه الوقعة.

وسيرتهعليه‌السلام من الخروج على يزيد حجَّة على المسلمين، فإنّ الحسينعليه‌السلام من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهَّرهم تطهيراً، وعِدل الكتاب العزيز، كما ورد في حديث الثقلين الشهير.

وقد روى الطبري في تاريخه وابن الأثير في ( الكامل ) أنَّ الحسينعليه‌السلام خطب في أصحابه وأصحاب الحرِّ، فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال : ( أيُّها الناس، إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاَّ ً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنَّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يعمل في عباد الله بالإثم

____________________

(١) شرح النووي على صحيح مسلم، ج٨، ص٣٤.

١٠١

والعُدوان، فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يُدخله مُدخله. ألا وإنَّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ مَن غيّر )(١) .

كلمات أعلام وفقهاء أهل السنة في الإشادة بخروج الحسينعليه‌السلام وتفسيق وتكفير يزيد بن معاوية، وجواز الخروج على الحاكم الظالم :

كلمة ابن خلدون في المقدِّمة

يقول ابن خلدون : غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي؛ إذ قال في كتابه ( العواصم والقواصم ) : إنَّ الحسين قتل بسيف جدِّه. وهو غفلة عن اشتراط الإمام العادل في الخلافة الإسلامية، ومَن أعدل من الحسين في زمانه وإمامته وعدالته في قتال أهل الآراء ،

وفي ص٢٥٤ ذكر الإجماع على فسق يزيد، ومعه لا يكون صالحاً للإمامة؛ ومن أجله كان الحسينعليه‌السلام يرى من المتعيِّن الخروج عليه(٢) .

كلمة ابن الجوزي :

ويقول ابن مفلح الحنبلي : جوَّز ابن عقيل وابن الجوزي الخروج على

____________________

(١) ابن جرير الطبري : تاريخ الطبري، ج٧، ص٣٠٠، ابن الأثير : الكامل، ج٤، ص٤٨.

(٢) ابن خلدون : المقدِّمة، ص٢٥٤ و ٢٥٥.

١٠٢

الإمام غير العادل؛ بدليل خروج الحسين على يزيد لإقامة الحق.

وذكر ابن الجوزي في كتابه ( السرُّ المصون ) من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة من المنتسبين إلى السنَّة أنَّهم قالوا : كان يزيد على الصواب والحسين مخطئ في الخروج عليه. ولو نظروا في السير لعلموا كيف عُقدت البيعة له وألزم الناس بها. ولقد فعل مع الناس في ذلك كلَّ قبيح. ثمَّ لو قدَّرنا صحّة خلافته، فقد بدرت منه بوادر، وظهرت منه أمور كلٌّ منها يوجب فسخ ذلك العقد من نهب المدينة، ورمي الكعبة بالمنجنيق، وقتل الحسين وأهل بيته، وضربه على ثناياه بالقضيب، وحمل رأسه على خشبة، وإنَّما يميل إلى هذا جاهل بالسيرة عامي المذهب يظنُّ أنَّه يغيط بذلك الرافضة(١) .

كلمة التفتازاني :

وقال التفتازاني : الحق أنَّ رضى يزيد بقتل الحسين واستبشاره به وإهانته أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممَّا تواتر معناه، وإن كان تفاصيله آحاد، فنحن لا نتوقَّف في شأنه، بلْ في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه(٢) .

____________________

(١) مقل المقرَّم، ص٩.

(٢) شر العقائد النسفية، ص١٨١، طبع الآستانة سنة ١٣١٣، نقلاً عن المصدر السابق.

١٠٣

كلمة ابن حزم والشوكاني :

وقال ابن حزم : قيام يزيد بن معاوية لغرض دنيا فقط، فلا تأويل له وهو بغي مجرد(١) .

ويقول الشوكاني : لقد أفرط بعض أهل العلم، فحكموا بأنَّ الحسين السبط ( رضي الله عنه وأرضاه ) باغٍ على الخمِّير السكِّير، الهاتك لحرمة الشريعة المطهَّرة يزيد بن معاوية لعنهم الله، فيا للعجب ! من مقالات تقشعرُّ منها الجلود ويتصدَّع من سماعها كلُّ جلمود(٢) .

كلمة الجاحظ :

وقال الجاحظ : المنكرات التي اقترفها يزيد، من قتل الحسين، وحمله بنات رسول سبايا، وقرعه ثنايا الحسين بالعود، وإخافته أهل المدينة، وهدم الكعبة، تدلُّ على القسوة والغلظة، والنصب وسوء الرأي، والحقد والبغضاء، والنفاق والخروج عن الإيمان، فالفاسق ملعون ومَن نهى عن شتم الملعون فملعون(٣) .

كلمة الحلبي :

ويحدِّث البرهان الحلبي أنَّ أستاذه الشيخ محمد البكري، تبعاً لوالده، كان

____________________

(١) المحلَّى، ج١١، ص٩٨، نقلاً عن مقل السيد عبد الرزاق المقرَّم، ٩.

(٢) نيل الأوطار، ج٧، ص١٤٧، نقلاً عن مقتل السيد عبد الرزاق المقرَّم ٩ - ١٠.

(٣) الجاحظ : الرسائل، ص٢٩٨، الرسالة الحادية عشر في بني أُمية - المصدر السابق.

١٠٤

يلعن يزيد، ويقول : زاده الله خزياً وضعة، وفي أسفل سجِّين وضعه(١) ، كما لعنه أبو الحسن علي بن محمد الكياهراسي، وقال : لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي الرجل(٢) .

كلمة الذهبي في سير أعلام النبلاء :

ويقول الذهبي : كان ناصبيَّاً، فظَّاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرَّة، فمقته الناس، ولم يُبارك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين، كأهل المدينة، قاموا لله.

وعن نوفل بن أبي الفرات قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز فقال رجل : قال أمير المؤمنين يزيد. فأمر به فضرب عشرين سوطاً(٣) .

كلمة الشيخ الآلوسي ( روح المعاني ) :

يقول الشيخ الآلوسي في تفسيره في هذا الشأن في تفسير قوله تعالى :( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) : نقل البرزنجي في الإشاعة والهيثمي في الصواعق : إنَّ الإمام أحمد لمَّا سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد قال : كيف لا يُلعن مَن لعنه الله تعالى في كتابه ؟ فقال عبد

____________________

(١) المصدر نفسه، السيرة الحلبية، ص١٠.

(٢) ابن خلكان : تاريخ ابن خلكان، ج١، ص٣٥٥ إيران بترجمة الكياهراسي علي بن محمد بن علي.

(٣) الذهبي : سير أعلام النبلاء، ج٥، ص٨٢ - ٨٤.

١٠٥

الله : قد قرأت كتاب الله عز وجل فلم أجد فيه لعن يزيد. فقال الإمام : إنَّ الله تعالى يقول :( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ) , الآية، وأيُّ فساد وقطيعة أشدُّ ممَّا فعله يزيد.

وعلى هذا القول لا توقف في لعن يزيد لكثرة أوصافه الخبيثة، وارتكابه الكبائر في جميع أيَّام تكليفه، ويكفي ما فعله أيَّام استيلائه بأهل المدينة ومكَّة، فقد روى الطبراني بسند حسن ( اللَّهمَّ، مَن ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه صرف ولا عدل )، والطامَّة الكبرى ما فعله بأهل البيت ورضاه بقتل الحسين ( على جدِّه وعليه الصلاة والسلام )، واستبشاره بذلك، وإهانته لأهل بيته، ممَّا تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحاداً، وفي الحديث : ( ستَّة لعنتهم - وفي رواية - لعنهم الله وكلُّ نبي مجاب الدعوة : المحرِّف لكتاب الله - وفي رواية - الزائد في كتاب الله، والمكذِّب بقدر الله، والمتسلِّط بالجبروت ليعزَّ مَن أذل الله، ويذلَّ مَن أعزَّ الله، والمستحلَّ من عترتي، والتارك لسنَّتي ).

وقد جزم بكفره وصرّح بلعنه جماعة من العلماء، منهم الحافظ ناصر السنَّة ابن الجوزي، وسبقه القاضي أبو يعلى.

وقال العلاَّمة التفتازاني : لا نتوقَّف في شأنه، بل في إيمانه لعنة الله تعالى عليه وعلى أنصاره وأعوانه.

وممَّن صرَّح بلعنه الجلال السيوطي ( عليه الرحمة ).

١٠٦

وفي تاريخ ابن الوردي وكتاب الوافي بالوفيات، أنَّ السبي لمَّا ورد من العراق على يزيد خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرَّية علي والحسين ( رضي الله تعالى عنهما ) والرؤوس على أطراف الرماح، وقد أشرفوا على ثنيَّة جيرون، فلمَّا رآهم نعب غراب فأنشأ يقول :

لمَّا بدت تلك الحمول وأشرفت

تلك الرؤوس على شفا جيرون

نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل

فقد اقتضيت من الرسول ديوني

يعني أنَّه قتل بمَن قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر، كجدِّه عتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما، وهذا كفر صريح، فإذا صحَّ عنه فقد كفر، ومثله تمثُّله بقول عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه : ليت أشياخي الأبيات، وأفتى الغزالي ( عفا الله عنه ) بحرمة لعنه، وأفتى أبو بكر بن العربي المالكي عليه من الله تعالى ما يستحقُّ أعظم الفرية، فزعم أنَّ الحسين قُتل بسيف جدِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وله من الجهلة موافقون على ذلك :( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً ) .

قال ابن الجوزي ( عليه الرحمة ) في كتابه السرُّ المصون من الاعتقادات العامية : التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنَّة أن يقولوا : إنَّ يزيد كان على الصواب وأنَّ الحسين ( رضي الله تعالى عنه ) أخطأ في الخروج عليه. ولو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة وألزم الناس بها، ولقد فعل في ذلك

١٠٧

كل قبيح. ثمَّ لو قدَّرنا صحَّة عقد البيعة، فقد بدت منه بوادٍ كلُّها توجب فسخ العقد، ولا يميل إلى ذلك إلاّ كلُّ جاهل عامي المذهب يظنُّ أنَّه يغيظ بذلك الرافضة.

هذا، ويعلم من جميع ما ذكره اختلاف الناس في أمره :

فمنهم مَن يقول : هو مسلم عاص بما صدر منه مع العترة الطاهرة، لكن لا يجوز لعنه.

ومنهم مَن يقول : هو كذلك يجوز لعنه مع الكراهة أو بدونها.

ومنهم مَن يقول : هو كافر ملعون.

ومنهم مَن يقول : إنَّه لم يعص بذلك ولا يجوز لعنه. وقائل هذا ينبغي أن ينظمَّ في سلسلة أنصار يزيد.

وأنا أقول : الذي يغلب على ظنِّي أنَّ الخبيث لم يكن مصدِّقاً برسالة النبي، وأنَّ مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى، وأهل حرم نبيِّهعليه‌السلام ، وعترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه، من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر، ولا أظنُّ أنَّ أمره كان خافياً على أجلَّة المسلمين إذ ذلك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين لم يسعهم إلاّ الصبر ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، ولو سلِّم أنَّ الخبيث كان مسلماً، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يُحيط به نطاق البيان، وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصوَّر أن يكون له مثل من الفاسقين، والظاهر أنَّه لم يتبْ، واحتمال توبته أضعف من إيمانه، ويلحق به ابن زياد، وابن سعد وجماعة، فلعنة الله عز وجل عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومَن مال إليهم إلى يوم الدين، ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسين، ويعجبني قول شاعر

١٠٨

العصر ذو الفضل الجلي، عبد الباقي أفندي العمري الموصلي - وقد سئل عن لعن يزيد اللعين -:

يزيد على لعني عريض جنابه

فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا

ومَن كان يخشى القال والقيل من التصريح بلعن ذلك الضليل فليقل : لعن الله عز وجل مَن رضي بقتل الحسين، ومَن آذى عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير حق، ومَن غصبهم حقَّهم. فإنَّه يكون لاعناً له؛ لدخوله تحت العموم دخولاً أوَّلياً في نفس الأمر، ولا يخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها سوى ( ابن العربي ) المارُّ ذكره وموافقيه، فإنَّهم على ظاهر ما نقل عنهم لا يجوِّزون لعن مَن رضي بقتل الحسين ( رضي الله تعالى عنه )، وذلك - لعمري - هو الضلال البعيد، الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد(١) .

كلمة الشيخ محمد عبده :

يقول الشيخ محمد عبده : وقد اختلف علماء المسلمين في مسألة الخروج على الجور وحكم مَن يخرج؛ لاختلاف ظواهر النصوص التي وردت في الطاعة والجماعة، والصبر وتغيير المنكر، ومقاوم الظلم والبغي. ولم أرَ قولاً لأحد جمع به بين كلِّ ما ورد من الآيات والأحاديث في هذا الباب، ووضع كلاَّ ً منها في الموضع الذي يقتضيه سبب وروده، مراعياً اختلاف الحالات في ذلك، مبيِّناً مفهومات الألفاظ بحسب ما كانت تستعمل به في زمن التنزيل، دون ما بعده.

____________________

(١) تفسير روح المعاني، ج٢٦، ص٧٢ - ٧٤.

١٠٩

مثال هذا لفظ ( الجماعة ) إنَّما كان يراد به جماعة المسلمين التي تُقيم أمر الإسلام بإقامة كتابه وسنَّة نبيِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن صارت كل دولة أو إمارة من دول المسلمين تحمل كلمة الجماعة على نفسها، وإن هدمت السنَّة، وأقامت البدعة، وعطَّلت الحدود، وأباحت الفجور.

ومن المسائل المجمع عليها قولاً واعتقاداً : أنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ( وإنَّما الطاعة في المعروف ) وأنَّ الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتدَّ عن الإسلام واجب، وإن إباحة المجمع على تحريمه، كالزنا والسكر، واستباحة إبطال الحدود وشرَّع ما لم يأذن به الله كفر وردة، وأنَّه إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع، وحكومة جائرة تعطِّله وجب على كلِّ مسلم نصر الأُولى ما استطاع، وإنَّه إذا بغت طائفة من المسلمين على أخرى وجرَّدت عليها السيف وتعذَّر الصلح بينهما، فالواجب على المسلمين قتال الباغية المعتدية حتى تفيء إلى أمر الله، وما ورد في الصبر على أئمة الجور إلاّ إذا كفروا، معارض بنصوص أخرى، والمراد به اتِّقاء الفتنة، وتفريق الكلمة المجتمعة، وأقواها حديث : ( وأن لا تُنازع الأمر أهله، إلاّ أن تروا كفراً بواحاً )، قال النووي : المراد بالكفر هنا المعصية - ومثله كثير - وظاهر الحديث أنَّ منازعة الإمام الحق في إمامته لنزعها منه لا يجب إلاّ إذا كفر كفراً ظاهراً وكذا عمَّاله وولاته. وأمَّا الظلم والمعاصي، فيجب إرجاعه عنها مع بقاء إمامته وطاعته في المعروف دون المنكر، وإلاّ خُلع ونصب غيره.

ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمام الجور والبغي، الذي ولي

١١٠

أمر المسلمين بالقوة والمكر، يزيد بن معاوية، خذله الله وخذل مَن انتصر له من الكرامية والنواصب.

الذين لا يزالون يستحبُّون عبادة الملوك الظالمين على مجاهدتهم لإقامة العدل والدين، وقد صار رأي الأُمم الغالب في هذا العصر، وجوب الخروج على الملوك المستبدِّين والمفسدين، وقد خرجت الأمَّة العثمانية على سلطانها عبد الحميد، فسلبت السلطة منه، فخلعته بفتوى من شيخ الإسلام. وتحرير هذه المسائل لا يمكن إلاّ بمصنَّف خاص(١) .

كلمة سيد قطب عن تفسيره ( الظلال ) :

يقول سيد قطب المفسِّر المعاصر في تفسيره ( في ظلال القرآن ) في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ )، والناس كذلك يقصِّرون عن معنى النصر على صورة معيَّنة معهودة لهم قريبة، ولكنَّ صور النصر شتَّى، وقد يتلبَّس بعضها بصورة الهزيمة عند النظرة القصيرة ثمَّ يقول : والحسين - رضوان الله عليه - وهو يُستشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب، المفجعة من جانب، أكانت هذه نصر أم هزيمة ؟ في الصورة الظاهرة وبالمقياس الصغير كانت هزيمة فأمَّا في الحقيقة الخاصة، وبالمقياس الكبير فقد كانت نصراً. فما من شهيد تهتزُّ له الجوانح بالحبِّ والعطف، وتهفو له القلوب، وتجيش بالعبرة والفداء كالحسين رضوان الله عليه، يستوي في هذا المتشيِّعون وغير المتشيعين من المسلمين، وكثير من

____________________

(١) تفسير المنار، ج٦، ص٢٦٧ - ٢٦٨.

١١١

غير المسلمين.

وكم من شهيد ما كان يملك أن ينصر عقيدته ودعوته ولو عاش بألف عام، كما نصرها باستشهاده. وما كان يملك أن يودع القلوب من العاني الكبيرة، ويُحفِّز الألوف إلى الأعمال الكبيرة بخطبه، مثل خطبته الأخيرة التي كتبها بدمه، فتبقى حافزاً محرِّكاً للأبناء والأحفاد. وربَّما كانت حافزاً محرِّكاً لخُطى التاريخ كلِّه مدى الأجيال(١) .

نماذج أُخر من سيرة المسلمين في الخروج على الحكَّام الظلمة :

وخرج على يزيد في وقعة الحرَّة التي استباح فيها يزيد حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ خرج على يزيد خيار المسلمين والتابعين وأبناء الصحابة، مثل عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، وعبد الله بن عمرو بن حفص، والمنذر بن الزبير، وعبد الله بن مطيع، وكان عبد الله بن حنظلة الغسيل يقول :والله، ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء رجل ينكح البنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة ويقتل أولاد النبيين (٢) .

____________________

(١) في ظلال القرآن، ج٢٤، ٧٩ - ٨٠.

(٢) تذكرة الخواص، ص٢٥٩.

١١٢

مخالفة الفقهاء لدعوى الإجماع :

وخرج عن هذا الإجماع كبار الفقهاء، منهم أبو حنيفة - كما يقول أبو بكر الجصاص ( في أحكام القرآن )، يقول الجصاص - : كان مذهبه مشهوراً في قتال الظلمة وأئمة الجور. ولذلك قال الأوزاعي : احتملنا أبا حنيفة على كلِّ شيء حتى جاءنا بالسيف، يعني قتال الظلمة، فلم نحتمله.

وكان من قوله : وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض بالقول، فإن لم يؤتمر له فبالسيف على ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وسأله إبراهيم الصائغ - وكان من فقهاء أهل خراسان ورواة الأخبار ونسَّاكهم - عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال : هو فرض. وحدّثه بحديث عن عكرمة، عن ابن عباس إنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف، ونهاه عن المنكر فقتل ).

فرجع إبراهيم إلى مرو، وقام إلى أبي مسلم صاحب الدولة فأمره ونهاه، وأنكر عليه ظلمه وسفكه الدماء بغير حقّ، فاحتمله مراراً ثمَّ قتله.

وقضيّته في أمر زيد بن علي مشهور، وفي حمله المال إليه، وفتياه الناس سرَّاً في وجوب نصرته، والقتال معه، وذلك أمره مع محمد وإبراهيم بن عبد الله بن الحسن، وقال لأبي إسحاق الفزاري حين قال له : لم أشرت على أخي بالخروج مع إبراهيم حتّى قُتِل ؟

قال : مخرج أخيك أحبُّ إليَّ من مخرجك، وكان أبو إسحاق قد خرج إلى البصرة. وهذا إنَّما أنكره عليه أغمار

١١٣

أصحاب الحديث، الذين بهم فُقِد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى تغلَّب الظالمون على أمور الإسلام(١) .

ويقول الماوردي في ( الأحكام السلطانية ) : إذا طرأ ( الفسق ) على مَن انعقدت إمامته خرج منها، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة(٢) .

ويقول ابن حزم الأندلسي في ( الفصل في الملل والنحل ) : إن امتنع ( الحاكم ) من إنفاذ شيء من الواجبات عليه، ولم يراجع وجب خلعه، وإقامة غيره ممَّن يقوم بالحق لقوله تعالى :( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ، ولا يجوز تضييع شيء من واجبات الشرائع(٣) .

الحياة الطيِّبة : ولكن بالرجوع إلى التاريخ نجد أنَّ الخروج على الحاكم أدَّى في بعض الأحيان إلى الفتن دون أن يغيِّر الواقع المنحرف، أو أنَّه أتى بحاكم أسوأ من سابقه، فلعلَّ هذه التجارب الفاشلة تدعو بعض الفقهاء إلى تحريم الخروج ؟

الشيخ الآصفي : هذا آخر ما يذكره أصحاب هذا الرأي، من الدليل على رأيهم في الانقياد للحكّام الظالمين وتحريم الخروج عليهم.

يقول النووي في شرحه على صحيح مسلم : قال العلماء : وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج

____________________

(١) الجصاص : أحكام القرآن، ج١، ص٨١.

(٢) الأحكام السلطانية، ص٧.

(٣) الفصل، ج٤، ص١٧٥.

١١٤

عليه ما يترتَّب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه. فلو طرأ على الخليفة فسق، قال بعضهم : يجب خلعه، إلاّ أن يترتَّب عليه فتنة، وحرب.

وقال جماهير أهل السنّة من الفقهاء والمحدِّثين والمتكلِّمين : لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يُخلع، ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك(١) .

ويقول شارح العقيدة الطحاوية : وأمّا لزوم طاعتهم وإن جاروا؛ فلأنَّه يترتَّب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم.

يقول الشيخ محمد بن عبد الله بن سبيل، إمام المسجد الحرام في تحريم الخروج عليهم ونزع الطاعة من أيديهم : سواء كانوا أئمة عدولاً صالحين أم كانوا من أئمة الجور والظلم فإنَّه أخفُّ ضرراً، وأيسر خطراً من ضرر الخروج عليهم(٢) .

ويقول أيضاً في موضع آخر من كتابه : فإنَّ الصبر على جور الأئمة وظلمهم مع كونه هو الواجب شرعاً؛ فإنَّه أخفُّ من ضرر الخروج عليهم ونزع الطاعة من أيديهم؛ لما ينتج عن الخروج عليهم من المفاسد العظيمة. فربَّما كان الخروج سبب حدوث فتنة يدوم أمدها، ويستشري ضررها، ويقع

____________________

(١) النووي، شرح صحيح مسلم، ج٨، ص٣٤، المطبوع بهامش إرشاد الساري.

(٢) الأدلَّة الشرعية في بيان حقّ الراعي عن الرعية، ص٢٧.

١١٥

بسببها سفك للدماء، وانتهاك للأعراض، وسلب للأموال، وغير ذلك من أضرار كثيرة ومصائب جمَّة على العباد والبلاد(١) .

المناقشة :

أقول : أوّلاً إنَّ مآل هذا الاستدلال من ناحية فنِّية إلى تقديم الأهمِّ على المهمِّ في باب ( التزاحم )، ومن دون أن ندخل التفاصيل العلمية الأصولية لباب التزاحم، نقول : إنَّ لدينا هاهنا حكمين وهما :

أوّلاً : وجوب النهي عن المنكر وإزالة المنكر وتغييره ومكافحته، حتى لو تطلَّب ذلك إراقة الدماء وتحمّل المتاعب.

وثانياً : اجتناب الفتن الاجتماعية التي تؤدِّي إلى إراقة الدماء وانتهاك الأعراض والإضرار بالناس.

وكلٌّ من الحكمين في وضعه الأوَّلي مطلق؛ أي أنَّ النهي عن المنكر يجب حتّى لو تطلّب إراقة الدماء، وتجنّب الفتن الاجتماعية يجب حتّى في موضع النهي عن المنكر.

وهذان حكمان مطلقان متخالفان، فإذا اجتمعا في موضع واحد، كما يحصل في الإنكار على الحكّام الظالمين، ومكافحتهم، ونهيهم عن الظلم، وإزالتهم عن موقع السلطان، والنفوذ في المجتمع، فإنَّ هذا الإنكار يؤدّي إلى مقارعة الحكّام الظالمين؛ وبالتالي، إلى سفك الدماء وانتهاك الأعراض والإضرار بالناس بأضرار بليغة، وهو أمر قد حرَّمه الله تعالى.

____________________

(١) المصدر نفسه، ص٦٥ - ٦٦.

١١٦

فيجتمع في هذا الموضع - إذن - حكمان :

-أحدهما : وجوب إنكار المنكر وتغييره وإزالته ومكافحته.

-ثانيهما : وجوب الاجتناب عن الفتن الاجتماعية والسياسية، التي تؤدّي إلى سفك الدماء وانتهاك الأعراض، وبما أنَّ المكلَّف لا يقدر على امتثال الحكمين معاً، كان لا بدَّ - بحكم العقل - من تقديم الأهمِّ على المهمِّ. وبلغة فنِّيّة : لابدَّ من تقييد إطلاق أحد الحكمين، فإذا كان أحدهما أهمَّ من الآخر، فيكون المقيَّد هو الآخر لا محالة؛ فالمدار - إذن - في هذه المسألة على تشخيص الأهم من المهم.

وهذا أمر ( متغيِّر )، يختلف من حال إلى حال، ومن حاكم إلى حاكم، ومن منكر إلى منكر، ومن مجتمع إلى مجتمع، فلا يمكن إعطاء أحكام ثابتة في مثل هذه المسائل، فقد يكون المجتمع صالحاً قويّاً ملتزماً بحدود الله وأحكامه، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحاكم الذي يقترف الظلم حاكم ضعيف، يمكن إزالته من دون مشاكل وأضرار كبيرة، ففي هذه الحالة يقدَّم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأمر بالحفاظ على الأنفس والأموال من الفتن والأضرار والهلكة، وقد يكون الأمر بالعكس، فيقدَّم الحكم بالمحافظة على الأنفس والأموال والأعراض على حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وعلى العموم، الأمر يختلف في تحديد الأهمِّ، وتشخيص الأهمِّ من المهمِّ بين الحكمين من مورد إلى مورد، ولا يمكن إعطاء حكم عام في هذه المسألة بناءً على هذا الدليل.

١١٧

ويتَّفق كثيراً أنَّ الحاكم يمارس أبشع أنواع المنكرات، ويقترفها ويتجاوز حدود الله وأحكامه، وينتهك حرماته سبحانه وتعالى، كما كان الأمر في يزيد بن معاوية، الذي يقول عنه الحسينعليه‌السلام كما في رواية الطبري : ( ألا ترون أنَّ الحق لا يُعمل به، وأنَّ هؤلاء ( يعني بني أميَّة ) قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد، وعطَّلوا الحدود، واستأثروا الفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقُّ مَن غيَّر )(٢) .

في مثل هذه الأحوال يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومكافحة المنكر، والعمل على إزالته، مهما تطلَّب الأمر، من الدماء والمتاعب والأضرار في الأنفس والأموال، وإصدار أحكام ثابتة وقطعيّة في تحريم الخروج على الحكَّام الظالمين، وتحريم إزعاجهم، وإثارة الفتن في وجوههم، وتحريم مقارعتهم ومقاومتهم، يزيد هؤلاء الحكَّام إمعاناً في مقارفة المنكرات والظلم والفساد.

وليس شيء أرضى إلى هؤلاء الحكَّام - الذين يقترفون كبائر الإثم ويمارسون أبشع أنواع الظلم - من أمثال هذه الفتاوى التي نجدها نحن - للأسف - في تاريخ الإسلام كثيراً، هذا أوّلاً؛ وثانياً إنَّ هذا الحكم لو صحَّ في

____________________

(١) تاريخ الطبري، ج٧، ص٣٠١.

(٢) تاريخ الطبري، ج٧، ص٣٠٠.

١١٨

بعض موارد باب التزاحم، عندما يكون اجتناب الفتنة أهمَّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو حكم ثانوي طارئ، والحكم الأوَّلي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل على إزالة المنكر ومكافحته، والنهي عن إطاعة الظالمين والمسرفين، والأمر بالإعراض عنهم ورفضهم، والكفر بهم، وليس من الصحيح الإعراض عن الحكم الأوَّلي الثابت في الشريعة إلى الأحكام الثانوية الطارئة، إلاّ في مواردها المنصوصة في الشريعة. والحكم الأوَّلي الثابت في الشريعة هو قوله تعالى :( وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (١) ، وقوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً ) (٢) ، وقوله تعالى( وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ ) (٣) ، وقوله تعالى :( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ) (٤) .

وما ورد في نصوص الروايات البالغة حدِّ التواتر المعنوي، وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي لإزالة المنكر ومكافحته وتغييره باليد.

____________________

(١) سورة هود : الآية ١١٣.

(٢) سورة النساء : الآية ٦٠.

(٣) سورة الشعراء : الآيات ١٥١ - ١٥٢.

(٤) سورة الإنسان : الآية ٢٤.

١١٩

ففي مسند أحمد بسنده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( إنَّ الله - عزّ وجلّ لا يعذِّب العامّة بعمل الخاصّة، حتّى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن يُنكروه، فلا يُنكروه، فإذا فعلوا ذلك عذَّب الله الخاصّة والعامّة )(١) .

وفي ( نهج البلاغة ) : أنَّ عليّاً خطب الناس في صفِّين فقال : ( أيّها المؤمنون، إنّه مَن رأى عدواناً يُعمل به، ومنكراً يُدعى إليه، فأنكره بقلبه فقد سلم وبرِئ، ومَن أنكره بلسانه فقد أُجر، وهو أفضل من صاحبه. ومَن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العُليا وكلمة الظالمين السُّفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى وقام على الطريق ونوَّر في قلبه اليقين )(٢) .

وفي ( نهج البلاغة ) : ( ولعمري، ما عليَّ من قتال مَن خالف الحق، وخابط الغيَّ من إدهان ولا إيهان، فاتَّقوا الله عباد الله، وامضوا في الذي نهجه لكم، وقوموا بما عصبه بكم، فعليٌّ ضامن لفلجكم آجلاً إن لم تمنحوه عاجلاً )(٣) .

وروى الصدوق بإسناده عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمدعليه‌السلام قال : ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنَّ الله لا يعذِّب العامّة بذنب الخاصّة بالمنكر سرَّاً، من غير أن تعلم العامّة، فإذا عملت الخاصة بالمنكر جهاراً، فلم تُغيِّر ذلك العامّة، استوجب الفريقان العقوبة من الله - عزّ وجل ).

قال : وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنَّ المعصية إذا عمل بها العبد سرَّاً لم يضرَّ إلاّ عاملها، فإذا

____________________

(١) أحمد بن حنبل : المسند، ج٣، ص١٩٢.

(٢) صبحي الصالح : نهج البلاغة، ص٥٤١، الحكم ٣٧٣.

(٣) المصدر نفسه، خطبة ٢٤، ص٦٦.

١٢٠