الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ27%

الشيعة في التاريخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 216

الشيعة في التاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66565 / تحميل: 7933
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

[١١٣٥٧] ٦ - الصدوق في الفقيه والمقنع والهداية: فإذا أتيت عرفات فاضرب خباءك بنمرة قريبا من المسجد، فإن ثم ضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خباءه وقبته، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية، واغتسل، وصل بها الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وإنما تتعجل في الصلاة، وتجمع بينهما لتفرغ للدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة.

[١١٣٥٨] ٧ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه غدا من منى من حين أصبح بعد صلاة الصبح يوم عرفة فنزل بنمرة، وهي منزل الإمام بعرفة، وراح مهجرا، وجمع بين الظهر والعصر، ثم خطب الناس، ثم راح فوقف الموقف بعرفة.

١٠ -( باب حدود عرفة التي يجب الوقوف بها يوم عرفة)

[١١٣٥٩] ١ - دعائم الاسلام: عن محمد بن عليعليهما‌السلام ، أنه قال: « حد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف ».

وعنهعليه‌السلام : أنه نهى عن النزول والوقوف بالأراك.

[١١٣٦٠] ٢ - بعض نسخ الرضوي: « فإن عرفات كلها موقف إلى بطن عرنة.

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: اجتنبوا الأراك »(١) .

__________________

٦ - الفقيه ج ٢ ص ٣٢٢، المقنع ص ٨٦، الهداية ص ٦٠.

٧ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٦٤ ح ١٦٧.

الباب ١٠

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٢.

٢ - عنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٤٨.

(١) بعض نسخ الرضوي ص ٧٥، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٦١ ح ٣٢.

٢١

١١ -( باب استحباب الوقوف في مسيرة الجبل بعرفة، وإجزاء الوقوف بأي موضع كان منها، وجواز الارتفاع إلى الجبل مع الزحام)

[١١٣٦١] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « عرفة كلها موقوف، وأفضل ذلك سفح الجبل ( ونهى عن النزول والوقوف بالأراك )(١) وقالعليه‌السلام : الجبال أفضل ».

وعنهعليه‌السلام قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّ عرفة موقف ».

[١١٣٦٢] ٢ - السيد علي بن طاووس في مصباح الزائر: عن بشر، وبشير ابني غالب الأسديين قالا: وقفنا مع أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام بعرفة، فخرج عشية عرفة من فسطاطه في جماعة من أهل بيته وولده وشيعته ومواليه، متذللا خاشعا فجعل يمشي هونا حتى وقف في مسيرة الجبل، فاستقبل البيت ورفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين » الخبر.

[١١٣٦٣] ٣ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن وادي عرنة ».

__________________

الباب ١١

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

٢ - مصباح الزائر، وعنه في البحار ج ٩٨ ص ٢١٤.

٣ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٢١٤.

٢٢

١٢ -( باب جواز الوقوف راكبا)

[١١٣٦٤] ١ - عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد: عن محمد بن عيسى، عن حفص بن عمر مؤذن علي بن يقطين - في حديث يأتي - أنه قال: فإذا أبو عبد اللهعليه‌السلام واقف على بغل، أو بغلة له، الخبر.

١٣ -( باب استحباب سد الخلل في عرفات بنفسه، وأهله ورحله)

[١١٣٦٥] ١ - السيد علي بن طاووس في كتاب عمل شهر رمضان: بإسناده إلى الشيخ أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، بإسناده إلى محمد بن عجلان قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: « كان علي بن الحسينعليهما‌السلام إذا دخل شهر رمضان - إلى أن قال - ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم حاجة، يأتي بهم عرفات فيسد بهم تلك الفرج والخلال، فإذا أفاض أمر بعتقهم وجوائز لهم من المال ».

١٤ -( باب استحباب الوقوف بعرفات على سكينة ووقار،والاكثار من ذكر الله، والاجتهاد في الدعاء بالمأثور وغيره، وجملة مما يستحب فيه)

[١١٣٦٦] ١ - السيد علي بن طاووس في كتاب الاقبال: بإسناده إلى محمد بن الحسن بن الوليد، بإسناده إلى القاسم بن الحسين النيسابوري قال: رأيت

__________________

الباب ١٢

١ - قرب الإسناد ص ٧٥.

الباب ١٣

١ - الاقبال ص ٢٦٠.

الباب ١٤

١ - إقبال الاعمال ص ٣٣٩.

٢٣

أبا جعفرعليه‌السلام عندما وقف بالموقف، مد يديه جميعا فما زالتا ممدودتين إلى أن أفاض، فما رأيت أحدا أقدر على ذلك منه.

[١١٣٦٧] ٢ - وبإسناده إلى محمد بن الحسن الصفار، بإسناده إلي علي بن داود قال: رأيت أبا عبد اللهعليه‌السلام بالموقف آخذا بلحيته، ومجامع ثوبه، وهو يقول بإصبعه اليمنى منكس الرأس: « هذه رمتي(١) بما جنيت ».

[١١٢٦٨] ٣ - وبإسناده إلى أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري بإسناده إلى أياس بن سلمة بن(١) الأكوع، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام قال: سمعته يدعو يوم غرفة في الموقف بهذا الدعاء فنسخته:

« تقول إذا زالت الشمس من يوم عرفة، وأنت بها تصلي الظهر والعصر، ثم ائت الموقف وكبر الله مائة مرة، واحمده مائة مرة، وسبحه مائة مرة ( وهلله مائة مرة )(٢) واقرأ قل هو الله أحد مائة مرة، وإن أحببت أن تزيد على ذلك فزد، واقرأ سورة القدر مائة مرة، ثم قل: لا إله إلا الله الحليم الكريم. الدعاء، وهو طويل.

__________________

٢ - إقبال الاعمال ص ٣٣٩.

(١) الرمة بالضم والتشديد: قطعة من الجبل. ومنه قولهم: ( دفع الشئ برمته ) أي بجملته. ومنه: القاتل نفسا خطا يتل برمته ( مجمع البحرين ج ٦ ص ٧٦ ).

٣ - إقبال الاعمال ص ٣٣٧ و ٣٦٩.

(١) في المخطوط. عن. وما أثبتناه من المصدر. راجع تقريب التهذيب ج ١ ص ٨٧.

(٢) أثبتناه من المصدر.

٢٤

قال ( رحمه الله )(٣) : ومن الدعوات يوم عرفة المرويات عن الصادقعليه‌السلام ، فقال:. تكبر الله مائة مرة، تهلله مائة مرة، وتسبحه مائة مرة، وتقدسه مائة مرة، وتقرأ آية الكرسي مائة مرة، وتصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مائة مرة، ثم تبدأ بالدعاء فتقول: إلهي وسيدي. الدعاء ذكره بطوله.

[١١٣٦٩] ٤ - وعن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام من أدعيته في يوم عرفة: « اللهم كما سترت علي ما لم أعلم فاغفر لي ما تعلم، وكما وسعني علمك فليسعني عفوك، وكما بدأتني بالاحسان فأتم نعمتك بالغفران.

وكما أكرمتني بمعرفتك فاشفعها بمغفرتك، وكما عرفتني وحدانيتك فأكرمني بطاعتك، وكما عصمتني مما لم أكن أعتصم منه إلا بعصمتك فاغفر لي ما لو شئت عصمتني منه، يا جواد ويا كريم، يا ذا الجلال والاكرام ».

[١١٣٧٠] ٥ - وفي مصباح الزائر: عن بشر وبشير - في المتقدم - قالا: ثم دعاعليه‌السلام فقال: « الحمد الله الذي ليس لقضائه دافع » - إلى أن قالا - ثم إنهعليه‌السلام اندفع في المسألة، واجتهد في الدعاء وعيناه تقطران دموعا ثم قال: « اللهم اجعلني أخشاك » - إلى أن قالا - ثم رفععليه‌السلام صوته وبصره إلى السماء، وعيناه قاطرتان كأنهما مزادتان(١) ، وقالعليه‌السلام بأعلى صوته: « يا أسمع السامعين - الدعاء إلى قوله - على كلّ شئ قدير، يا رب يا رب ».

ورواه الشيخ إبراهيم الكفعمي في البلد الأمين، مثله، وزاد: قال

__________________

(٣) الاقبال ص ٣٨٥.

٤ - إقبال الاعمال ص ٣٣٩، وعنه في البحار ج ٩٨ ص ٢١٦.

٥ - مصباح الزائر، وعنه في البحار ج ٩٨ ص ٢١٤ ح ٢.

(١) المزادة: الرواية ( مجمع البحرين ج ٣ ص ٥٩ ).

٢٥

بشر وبشير: فلم يكن له جهد إلا جهد إلا قوله: يا رب يا رب بعد هذا الدعاء، وشغل من حضر ممن كان حوله، وشهد ذلك المحضر عن الدعاء لأنفسهم، واقبلوا على الاستماع له، والتأمين على دعائه قد اقتصروا على ذلك لأنفسهم، ثم علت أصواتهم بالبكاء معه، وغربت الشمس، وأفاضعليه‌السلام وأفاض الناس معه(٢) .

[١١٣٧١] ٦ - عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن الرضاعليه‌السلام قال: « كان أبو جعفرعليه‌السلام يقول: ما من بر ولا فاجر يقف بجبال عرفات فيدعو الله إلا استجاب الله له، أما البر ففي حوائج الدنيا والآخرة، وأما الفاجر ففي أمر الدنيا ».

[١١٣٧٢] ٧ - الصدوق في العلل: عن حمزة بن محمد(١) العلوي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن عرفات، لم سميت عرفات؟ فقال: « إن جبرئيلعليه‌السلام خرج بإبراهيمعليه‌السلام يوم عرفة، فلما زالت الشمس قاله جبرئيل: يا إبراهيم اعترف بذنبك، واعرف مناسكك، فسميت عرفات لقول جبرئيل اعترف، فاعترف ».

ووراه البرقي في المحاسن، عن أبيه، عن ثعلبة بن ميمون، عن معاوية: مثله(٢) .

__________________

(٢) البلد الأمين ص ٢٥٣ و ٢٥٨.

٦ - قرب الإسناد ص ١٦٦.

٧ - علل الشرايع ص ٤٣٦.

(١) في المخطوط الحسن وما أثبتناه من المصدر ومعاجم الرجال راجع معجم رجال الحديث ج ٦ ص ٢٨١.

(٢) المحاسن ص ٣٣٥ ح ١٠٩.

٢٦

٨ - فقه الرضاعليه‌السلام :. ثم أئت الموقف فادع بدعاء الموقف، واجتهد في الدعاء والتضرع، وألح قائما وقاعدا إلى أن تغرب الشمس ».

[١١٣٧٤] ٩ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « يقف الناس بعرفة يدعون، ويرغبون ويسألون الله من كلّ فضله، وبما قدروا عليه حتى تغرب الشمس » الخبر.

[١١٣٧٥] ١٠ - ابن شهرآشوب في المناقب: عن عبد الرحمن العنبري قال: خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عرفة وحث على الصدقة، فقال رجل: يا رسول الله ان إبلي هذه للفقراء، فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إليها، فقال: « اشتروها ( لي )(١) » فاشتريت الخبر.

١٥ -( باب أن الدعاء بعرفة مستحب مؤكد، وليس بواجب)

[١١٣٧٦] ١ - الصدوق في الهداية: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « سبعة مواطن ليس فيها دعاء مؤقت - إلى أن قال - والوقوف بعرفات، وركعتي الطواف ».

__________________

٨ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٨.

٩ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

١٠ - المناقب ج ص ٩٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

الباب ١٥

١ - الهداية ص ٤٠.

٢٧

١٦ -( باب استحباب كثرة دعاء الانسان بعرفة وغيرها لإخوانه واختياره على الدعاء لنفسه)

[١١٣٧٧] ١ - زيد النرسي في أصله قال: رأيت معاوية بن وهب البجلي في الموقف وهو قائم يدعو، فتفقدت دعاءه فما رأيته يدعو لنفسه بحرف واحد، وسمعته يعد رجلا رجلا من الآفاق يسميهم ويدعو لهم حتى نفر الناس، فقلت له: يا أبا القاسم أصلحك الله لقد رأيت منك عجبا، فقال: يا أبن أخي فما الذي أعجبك مما رأيت مني؟ فقال: رأيت لا تدعو لنفسك وأنا أرمقك حتى الساعة فلا أدري أي الامرين أعجب، ما أخطأت من حظك في الدعاء لنفسك في مثل هذا الموقف، أو عنايتك وإيثار إخوانك على نفسك حتى تدعو لهم في الآفاق؟

فقال: يا أبن أخي فلا تكثرن تعجبك من ذلك، إني سمعت مولاي ومولاك ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، وكان والله في زمانه سيد أهل السماء، وسيد أهل الأرض، وسيد من مضى منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة بعد آبائه رسول الله، وأمير المؤمنين، والأئمة من آبائه ( صلى الله عليهم ) يقول - وإلا صمت أذنا معاوية، وعميت عيناه، ولا نالته شفاعة محمد، وأمير المؤمنين ( صلوات الله عليهما ) -: من دعا لأخيه المؤمن بظهر الغيب، ناداه ملك من السماء الدنيا: يا عبد الله لك مائة ألف مثل ما سألت، وناداه ملك من السماء الثانية: يا عبد الله لك مائة ألف مثل الذي دعوت، وكذلك ينادي من كلّ سماء تضاعف حتى ينتهي إلى السماء السابعة، فيناديه ملك: يا عبد الله لك سبعمائة ألف مثل الذي دعوت، فعند ذلك يناديه الله:

__________________

الباب ١٦

١ - أصل زيد النرسي ص ٤٤.

٢٨

عبدي أنا الله الواسع الكريم الذي لا ينفد خزائني، ولا ينقص رحمتي شئ، بل وسعت رحمتي كلّ شئ، لك ألف ألف مثل الذي دعوت » فأي حظ أكثر يا أبن أخي من الذي اخترته أنا لنفسي الخبر.

[١١٣٧٨] ٢ - السيد علي بن طاووس في فلاح السائل: بإسناده إلى الشيخ الصدوق أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا أبي.

قال: رأيت عبد الله بن جندب بالموقف، فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه، ما زال مادا يده إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى بلغت(١) الأرض، فلما انصرف الناس قلت له: يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك، قال: والله ما دعوت فيه إلا لإخواني، وذلك أن أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام أخبرني أنه. من دعا لأخيه بظهر الغيب، نودي من العرش ولك مائة(٢) ضعف مثله » فكرهت أن أدع مائة(٣) ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا.

١٧ -( باب في وجوب حسن الظن بالله في المغفرة بعرفات، والمشعر، ومنى)

[١١٣٧٩] ١ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « أعظم أهل عرفات جرما من انصرف وهو يظن أنه لم يغفر له ».

[١١٣٨٠] ٢ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن إدريس بن

__________________

٢ - فلاح السائل ص ٤٤.

(١) في المخطوط والمصدر: بلغ، وما أثبتناه هو الصواب.

(٢)، (٣) - في المصدر: مائة ألف.

الباب ١٧

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

٢ - الغايات ص ٨٤.

٢٩

يوسف، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت: أي أهل عرفات أعظم جرما؟ قال: « المنصرف من عرفات وهو يظن أن الله لم يغفر له ».

[١١٣٨١] ٣ - الجعفريات: أخبرنا محمد، حدثني موسى، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه عن عليعليهم‌السلام قال: « قيل: يا رسول الله أي أهل عرفات أعظم جرما؟ قال: الذي ينصرف من عرفات وهو يظن أنه لم يغفر له، قال جعفر بن محمدعليهما‌السلام : يعنى الذي يقنط من رحمة الله عز وجل ».

[١١٣٨٢] ٤ - وبهذا الاسناد قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من الذنوب ذنوب لا تغفر إلا بعرفات ».

[١١٣٨٣] ٥ - زيد النرسي في أصله: قال سمعت علي بن مزيد قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: « ما أحد ينقلب من الموقف من بر الناس، وفاجرهم، ومؤمنهم وكافرهم إلا برحمة ومغفرة، يغفر للكافر ما عمل في سنته، ولا يغفر له ما قبله، ولا ما يفعل بعد ذلك، ويغفر للمؤمن من شيعتنا جميع ما عمل في عمره، وجميع ما يعمله في سنته بعد ما ينصرف إلى أهله من يوم يدخل إلى أهله سنة(١) ، ويقال له بعد ذلك: قد غفر لك، وطهرت من الدنس، فاستقبل، واستأنف العمل، وحاج غفر له ما عمل في عمره، ولا يكتب عليه سيئة فيما يستأنف، وذلك

__________________

٣ - الجعفريات ص ٦٥.

٤ - الجعفريات ص ٦٥.

٥ - أصل زيد النرسي ص ٤٩.

(١) في المصدر: سنته.

٣٠

أن تدركه العصمة من الله فلا يأتي بكبيرة أبدا، فما دون الكبائر(٢) مغفور له ».

[١١٣٨٤] ٦ - علي بن إبراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « سأل رجل ( من )(١) أبي ( عبد الله )عليه‌السلام )(٢) بعد منصرفه من الموقف، فقال: أترى يخيب(٤) الله هذا الخلق كله؟! فقال أبو ( عبد اللهعليه‌السلام (٥) : « ما وقف بهذا الموقف أحد من الناس، مؤمن ولا كافر إلا غفر الله له، إلا أنهم في مغفرتهم على ثلاث منازل: مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأعتقه من النار، وذلك قوله تعالى:( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (٦) .

ومؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وقيل له: أحسن فيما بقي، وذلك قوله:( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ ) (٧) الكبائر.

وأما العامة فإنهم يقولون:( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الصيد) ، افترى ان الله تعالى حرم الصيد

__________________

(٢) في نسخه ذلك، ( منه قده ).

٦ - تفسير القمي ج ١ ص ٧٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) في النسخة: « عند »، ( منه قده ).

(٤) في المصدر: يجيب.

(٥) أثبتناه من المصدر.

(٦) البقرة ٢: ٢٠١.

(٧) البقرة ٢: ٢٠٣.

٣١

بعد ما أحله لقوله:( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) (٨) وفي تفسير العامة يقول: إذا حللتم فاتقوا الصيد، وكافر وقف هذا الموقف ( يريد )(٩) زينة الحياة الدنيا، غفر الله له ما تقدم من ذنبه إن تاب من الشرك، وإن لم يتب وفاه الله أجره في الدنيا، ولم يحرمه ثواب هذا الموقف، وهو قوله:( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١٠) .

[١١٣٨٥] ٧ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « إذا كانت عشية عرفة يقول الله لملائكته: انظروا إلى عبادي وإمائي شعثا غبرا، جاؤوني من كلّ فج عميق، لم يروا رحمتي، ولا عذابي - يعني الجنة والنار - أشهدكم ملائكتي إني قد غفرت لهم الحاج وغير الحاج، فلم ير يوما أكثر عتقاء من النار من يوم عرفة وليلتها ».

١٨ -( باب وجوب الوقوف بعرفات، وأن من تركه عمدا بطل حجه، وحكم من نسيه أو لم يدركه)

[١١٣٨٦] ١ - الشيخ المفيد في الإختصاص: عن عبد الرحمن بن إبراهيم، عن الحسين بن مهران، عن الحسين بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن

__________________

(٨) المائدة ٥: ٢.

(٩) أثبتاه من المصدر.

(١٠) هود ١١: ١٥ و ١٦.

٧ - لب الباب: مخطوط.

الباب ١٨

١ - الاختصاص ص ٣٣ و ٣٩، ورواه الصدوق في الخصال ص ٣٥٥ ح ٣٦، وفي الأمالي ص ١٥٧ ح ١ وعنه في البحار ج ٩ ص ٢٩٤ ح ٥.

٣٢

جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « جاء رجل من اليهود إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا محمد - إلى أن قال - إني أسألك عن عشر كلمات أعطاها الله تعالى موسى في البقعة المباركة حيث ناجاه إلى أن قال - يا محمد فأخبرني عن التاسع لأي شئ أمر الله الوقوف بعرفات بعد العصر؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لان بعد العصر ساعة عصى آدمعليه‌السلام ربه: فافترض الله على أمتي الوقوف والتضرع والدعاء في أحب المواضع إلى الله، وهو موضع عرفات، وتكفل بالإجابة، والساعة التي ينصرف هي الساعة التي تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم، قال: صدقت يا محمد، فما ثواب من قام بها ودعا وتضرع إليه؟

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا، إن لله تبارك وتعالى في السماء سبعة أبواب: باب التوبة، وباب الرحمة، وباب التفضل، وباب الاحسان، وباب الجود، وباب الكرم، وباب العفو، لا يجتمع ( بعرفات )(١) أحد إلا تساهل من هذه الأبواب، وأخذ من الله هذه الخصال، فإن لله تبارك وتعالى مائة ألف ملك مع كلّ ملك مائة وعشرون ألف ملك، ولله مائة رحمة ينزلها على أهل عرفات، فإذا انصرفوا أشهد الله تلك الملائكة بعتق رقاب أهل عرفات، فإذا انصرفوا أشهد الله تلك الملائكة بأنه أوجب لهم الجنة، وينادي مناد: انصرفوا مغفورا لكم فقد أرضيتموني، ورضيت لكم، قال: صدقت يا محمد » الخبر.

[١١٣٨٧] ٢ - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ،

__________________

(١) أثبتناه من الخصال والأمالي والبحار.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

٣٣

أنه قال في قول الله عز وجل:( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) (١) قال: « كانت قريش تفيض من المزدلفة في الجاهلية، ويقولون: نحن أولى بالبيت من الناس، فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات ».

[١١٣٨٨] ٣ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « الحج عرفة ».

[١١٣٨٩] ٤ - أبو عبد الله محمد بن إبراهيم النعماني في تفسيره: عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، عن جعفر بن أحمد بن يوسف الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله تعالى:( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) (١) ، وإنما أراد سبحانه بعض الناس، وذلك أن قريشا كانت في الجاهلية تفيض من المشعر الحرام، ولا يخرجون إلى عرفات كسائر العرب، فأمرهم سبحانه أن يفيضوا من حيث أفاض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه، وهم في هذا الموضع الناس على الخصوص ورجعوا عن سنتهم » الخبر.

__________________

(١) البقرة ٢: ١٩٩.

٣ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ٢٣٦ ح ٩٣.

٤ - تفسير النعماني ص ١٦ أ، وعنه في البحار ج ٩٣ ص ٢٤.

(١) البقرة ٢: ١٩٩.

٣٤

١٩ -( باب استحباب الوقوف بعرفه على طهارة)

[١١٣٩٠] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال:. لا يصلح الوقوف بعرفة على غير طهارة.

٢٠ -( باب كراهة سؤال الناس في الحرم، ويوم عرفة، وكراهة رد السائل فيها)

[١١٣٩١] ١ - الصدوق في الخصال: عن المظفر العلوي، عن جعفر بن محمد بن مسعود العياشي، عن أبيه، عن عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي، عن أبيه، عن محمد بن زياد الأزدي، عن حمزة بن حمران، عن أبيه عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: « نظر علي بن الحسينعليهما‌السلام ، يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس، فقال: ويحكم أغير الله تسألون في مثل هذا اليوم، إنه ليرجى في مثل هذا اليوم لما في بطون الحبالى أن ( يكون سعيدا )(١) ! ».

[١١٣٩٢] ٢ - نوادر علي بن أسباط: عن رجل من أصحابنا يكنى بأبي إسحاق، عن بعض أصحابنا، أنه قال: كان علي بن الحسينعليهما‌السلام ، يقول: « يوم عرفة يوم لا يسأل فيه أحد أحدا إلا الله ».

__________________

الباب ١٩

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

الباب ٢٠

١ - الخصال ص ٥١٧.

(١) في المصدر: يكونوا سعداء.

٢ - نوادر علي بن أسباط ص ١٢٣.

٣٥

٢١ -( باب عدم جواز الإفاضة من عرفات قبل الغروب، ويعلم بذهاب الحمرة المشرقية)

[١١٣٩٣] ١ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، دفع من عرفة حين غربته الشمس.

[١١٣٩٤] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ثم ائت الموقف - إلى أن قال - إلى أن تغرب الشمس، ثم أفض منها بعد المغيب ».

[١١٣٩٥] ٣ - عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد: عن محمد بن عيسى، عن حفص بن عمر مؤذن علي بن يقطين، قال: كنا نروي أنه يقف للناس في سنة أربعين ومائة خير الناس فحججت في تلك السنة فإذا إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس واقف، قال: فدخلنا من ذلك غم شديد لما كنا نرويه فلم نلبث إذا أبو عبد اللهعليه‌السلام واقف على بغل أو بغلة له، فرجعت أبشر أصحابنا، ورجعت، فقلت: هذا خير الناس الذي كنا نرويه، فلما أمسينا قال(١) إسماعيل لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما تقول يا أبا عبد الله سقط القرص؟ فدفع أبو عبد اللهعليه‌السلام بغلته، وقال له: « نعم » ودفع(٢) إسماعيل بن علي دابته على أثره، فسارا غير بعيد حتى سقط أبو عبد اللهعليه‌السلام عن بغله أو بغلته، فوقف إسماعيل عليه حتى ركب، فقال له أبو عبد الله

__________________

الباب ٢١

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٨، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٢٥٥ ح ٢٧.

٣ - قرب الإسناد ص ٧٥.

(١) في المصدر زيادة: قال.

(٢) دفع: أي شرع في السير، ( منه قده ).

٣٦

عليه‌السلام ، ورفع رأسه إليه فقال:. إن الامام إذا دفع لم يكن له أن يقف إلا بالمزدلفة. فلم يزل إسماعيل يتقصد حتى ركب أبو عبد اللهعليه‌السلام ، ولحق به.

٢٢ -( باب أن من أفاض من عرفات قبل الغروب جاهلا لميلزمه شئ وإن كان متعمدا لزمه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن عجز لزمه صوم ثمانية عشر يوما بمكة، أو في الطريق، أو في أهله)

[١١٣٩٦] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه سئل عن وقت الإفاضة من عرفات، فقال: « إذا وجبت الشمس، فمن أفاض قبل غروب الشمس فعليه بدنة ينحرها ».

[١١٣٩٧] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وإياك أن تفيض قبل الغروب فيلزمك دم ».

[١١٣٩٨] ٣ - الصدوق في المقنع: إياك أن تفيض منها قبل غروب الشمس فيلزمك دم شاة، فإذا غربت الشمس فأفض.

٢٣ -( باب استحباب الدعاء عند غروب الشمس يوم عرفة بالمأثور)

[١١٣٩٩] ١ - السيد علي بن طاووس في الاقبال: بإسناده عن محمد بن الحسن

__________________

الباب ٢٢

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢١.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٨.

٣ - المقنع ص ٨٦.

الباب ٢٣

١ - إقبال الاعمال ص ٣٣٩.

٣٧

ابن الوليد، بإسناده إلى حماد بن عبد الله، قال كنت قريبا من أبي الحسن موسىعليه‌السلام بالموقف، فلما همت الشمس ( للغروب )(١) أخذ بيده اليسرى بمجامع ثوبه، ثم قال:. اللهم إني عبدك وابن عبدك، إن تعذبني فبأمور قد سلفت مني، وأنا بين يديك وإن تعف عني فأهل العفو أنت ( يا )(٢) أهل العفو، يا أحق من عفا، اغفر لي ولأصحابي حرك دابته.

[١١٤٠٠] ٢ - وفيه دعاء آخر في عشية عرفة: يا رب إن ذنوبي لا تضرك، وإن مغفرتك لي لا تنقصك، ( فأعطني ما لا ينقصك )(١) واغفر لي ما لا يضرك.

[١١٤٠١] ٣ - وفيه دعاء آخر في عشية عرفة: اللهم لا تحرمني خير ما عندك بشر ما عندي، فإن أنت لم ترحمني وتعبي(١) ونصبي، فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته.

[١١٤٠٢] ٤ - بعض نسخ الرضوي: « أبي العالمعليه‌السلام أنا سمعته يقول عند غروب الشمس: اللهم أعتق رقبتي من النار، يكررها حتى أفاض(١) الناس ».

__________________

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

٢ - إقبال الاعمال ص ٤٢٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

٣ - إقبال الاعمال ص ٤٢٠.

(١) في المصدر: بتعبي.

٤ - بعض نسخ الفقه الرضوي ص ٧٤ ضمن كتاب نوادر أحمد بن محمد بن عيسى.

(١) في المخطوط والمصدر. أقام.، وما أثبتناه استظهار المصنف ( قده ).

٣٨

[١١٤٠٣] ٥ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ثم أفض منها بعد المغيب، وتقول: لا إله إلا الله ».

٢٤ -( باب نوادر ما يتعلق بإحرام الحج، والوقوف بعرفة)

[١١٤٠٤] ١ - بعض نسخ الرضوي في سياق إحرام الحج: « ويدخل البيت، ويحرم منه، أو من الحجر إلى أن قال ثم تطوف بالبيت سبعا لوداعك البيت عند خروجك إلى منى لا رمل عليك فيها، وتصلي وافرا » الخ.

[١١٤٠٥] ٢ - تفسير الإمامعليه‌السلام قال: « قال علي بن الحسينعليهما‌السلام وهو واقف بعرفات للزهري: كم تقدر هاهنا من الناس؟ قال: أقدر أربعة آلاف ألف وخمسمائة ألف كلهم حجاج قصدوا الله بآمالهم ويدعونه بضجيج أصواتهم ( فقال له: يا زهري ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج، فقال الزهري: كلهم حجاج، أفهم قليل )(١) فقال له: يا زهري ادن لي وجهك، فأدناه إليه، فمسح بيده وجهه، ثم قال: أنظر فنظر إلى الناس، قال الزهري: فرأيت أولئك الخلق كلهم قردة لا أرى فيهم إنسانا إلا في كلّ عشرة آلاف واحدا من الناس، ثم قال لي: ادن يا زهري فدنوت منه، فمسح بيده وجهي، ثم قال: انظر فنظرت إلى الناس، قال الزهري فرأيت أولئك الخلق(٢) ذئبة إلا تلك

__________________

٥ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٨.

الباب ٢٤

١ - عنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٤٧.

٢ - تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ص ٢٥٦.

(١) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر زيادة:. كلهم خنازير، ثم قال لي: أدن إلي وجهك فأدنيت منه فمسح بيده وجهي فإذا هم كلهم.

٣٩

الخصائص من الناس نفرا يسيرا، فقلت: بأبي وأمي يا أبن رسول الله قد أدهشتني آياتك وحيرتني عجائبك!

قال: يا زهري ما الحجيج من هؤلاء إلا النفر اليسير الذين رأيتهم بين هذا الخلق الجم الغفير، ثم قال لي: إمسح يدك على وجهك، ففعلت فعاد أولئك الخلق في عيني ناسا كما كانوا أولا.

ثم قال: من حج ووالى موالينا، وهجر معادينا، ووطن نفسه على طاعتنا، ثم حضر هذا الموقف مسلما إلى الحجر الأسود ما قلده الله من أماناتنا، ووفيا بما لزمه من عهودنا، فذلك هو الحاج، والباقون هم من قد رأيتهم يا زهري.

يا زهري: حدثني أبي، عن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: ليس الحاج المنافقين المعادين لمحمد وعلي ومحبيهما ( صلوات الله عليهما )، الموالين لشانئهما وإنما الحاج المؤمنون المخلصون الموالون لمحمد وعلي ( صلوات الله عليهما ) ومحبيهما، المعادون لشانئهما، إن هؤلاء المؤمنين الموالين لنا المعادين لأعدائنا لتسطع أنوارهم في عرصات القيامة على قدر موالاتهم لنا، فمنهم من يسطع نوره مسيرة ألف سنة، ومنهم من يسطع نوره مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، وهو جميع مسافة تلك العرصات، ومنهم من يسطع نوره إلى مسافات بين ذلك يزيد بعضها على بعض على قدر مراتبهم في موالاتنا، ومعاداة أعدائنا، يعرفهم أهل العرصات من المسلمين والكافرين بأنهم الموالون المتولون والمتبرئون، يقال لكل واحد منهم: يا ولي الله أنظر في هذه العرصات إلى كلّ من أسدى إليك في الدنيا معروفا، أو نفس عنك كربا، أو أغاثك إذ كنت ملهوفا، أو كف عنك عدوا، أو أحسن إليك في معاملته فأنت شفيعه، فإن كان من المؤمنين المحقين زيد بشفاعته في نعم الله عليه، وإن كان من المقصرين

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وكانت تعتقد أيضاً أنَّه لو تولَّى الخلافة، لقضى على آمالها وشهواتها، ولحملها على مرِّ الحقِّ الذي لم تتذوَّقه.

وكان لديها أمر آخر لا يغيب عن مفكرِّتها - وإِنْ أخفته خوفاً من (الدرَّة) أيَّام الثاني، ولتلهِّيها بالحكم ونيل الآمال أيَّام الثالث - وذلك الأمر هو: ثأر أقربائها عند علي الذي أفنى أكثرهم أيَّام بدر وأُحد وحنين وغيرها، كما هو معروف في التاريخ؛

(جاء الوليد بن عقبة إِلى عليّ(ع)، فقال: يا أبا الحسن، إِنّك قد وترتنا جميعاً. أمَّا أنا، فقد قتلت أبي يوم بدر صبراً، وأمَّا سعيد بن العاص، فقتلت أباه يوم بدر، وأمَّا مروان بن الحكم، فسخَّفت أباه عند عثمان إذ ضمَّه إِليه، ونحن نبايعك على أن تضع عنَّا ما أصبناه من المال أيَّام عثمان ...)(١) .

وعادة الأخذ بالثأر كان لها الأهمية العظمى عند العرب أيَّام الجاهلية، وبقيت عندهم حتّى في أيّام عزِّ الإِسلام وقوَّة الدين الذي حرَّم ذلك أشدَّ تحريم.

وقد حدَّثنا التاريخ عن قتل (جفينة والهرمزان) بمجرَّد اتهامهما بالممالأة على قتل الخليفة الثاني(رض). وزد على ذلك أنّ تلك الفئة لم تكن مخلصة في تديُّنها ولا دخل الدين قلبها تماماً حتّى يُنسيها العادات الجاهلية، وحتّى يحجزها عن الشرِّ وقلب ظهر المجن للمسلمين، وحتّى يمسكها من الانشقاق عن الأمَّة الإسلامية التي اجتمعت حول عليّ(ع) وبايعته.

فلا غرابة إِذن في مناهضتها له وسبِّها إِيَّاه على المنابر؛ رغم قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم):((من سبَّ عليَّاً فقد سبَّني)) (٢) ، ولكن من الغرابة بمكان قيام عمرو بن العاص معها يطالب بدم عثمان وله السهم الأوفى في التحريض عليه حتّى أنَّه اعترف بقتله في قوله لمـّا بلغه قتله: (أنا قتلته وأنا بوادي السباع)(٣) .

____________________

(١) شرح النهج، ج٢، ص١٧٢.

(٢) السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص١٧، والصواعق، ص٧٦.

(٣) تاريخ، ابن الأثير، ج٣، ص١٠٩.

١٤١

ثُمَّ أخذ يتباكى عليه ويناصر مَن اتخذ هذه الواقعة (المدبَّرة) وسيلة إلى مآربه

الشخصية(١) . ولا ريب في أنَّ الدافع لعمرو على ذلك ليس الحبُّ لعثمان ولا لمعاوية، وإنّما الدافع القوي له، هو طعمه في دنيا معاوية وحبَّه التشنيع على أمير المؤمنين(ع)؛ ولذلك (قال لعائشة (رض): لوددت أَنّكِ كنت قُتلت يوم الجمل. فقالت: ولِم لا أباً لك؟ قال: كنت تموتين وتدخلين الجنة، ونجعلك أكبر التشنيع على عليّ)(٢) .

وعمرو هو الذي أشار على معاوية بنشر قميص عثمان على منبر الشام ليثير حنق أهلها على مَن (كان من أكبر المساعدين لعثمان والذَّابِّين عنه. وما زال عثمان يلجأ إِليه في دفع الناس عنه، فيقوم في دفعهم القيام المحمود)(٣) .

كلُّ هذا فعله عليّ(ع) في سبيل عثمان وهم كانوا بين محرِّض عليه وخاذل له(٤) . وقد ذكرنا سابقاً كتاب عثمان إِلى معاوية يستنصره فيه على الصحابة، وذكرنا إِخفاء معاوية الكتاب عن أهل الشام؛ لئلا يعلموا تخاذله عن نصرته فلا يتمكَّن بعدئذ من سوقهم لحرب عليّ واتهامه وحده بدم عثمان والممالأة عليه.

وإنَّ معاوية وزملاءه كانوا يعلمون أنّ الذين قتلوا عثمان كانوا اثنين أو ثلاثة من أهل مصر، وأنَّ اثنين منهم قُتلا في دار عثمان فوراً ( كما في شرح النهج/ ج١/

____________________

(١) يدلُّنا على ذلك أنّ معاوية لم يطالب أحداً بدم عثمان بعد نيل مراده، ولم يتعرَّض لمـَن أطاعه من المولِّبين عليه، بل قرَّب أكثرهم وأكرمهم، ولمَّا (دخل دار عثمان بعد عام الجماعة، صاحت عائشة ابنة عثمان وبكت ونادت أباها، فقال لها معاوية: لئن تكوني ابنة عمِّ أمير المؤمنين خير من أن تكوني من عرض الناس) (العقد الفريد، ج٣، ص١٢٦). نعم لم يتعرَّض لأعداء أبيها، ولا وعدها بشيء من ذلك، بل أراد إقناعها بأنّه صار أمير المؤمنين!

(٢) المبرَّد، تهذيب الكامل، ج١، ص٢٩٧.

(٣) الفخري في الآداب السلطانية، ص٧٧.

(٤) يشهد الشهرستاني (المِلل، ج١، ص١١) أنّه كان أمراء جنود عثمان: (معاوية عامل الشام، وسعد بن أبي وقَّاص عامل الكوفة، وبعده الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وعبد الله بن عامر عامل البصرة، وعبد الله بن أبي سرح عامل مصر، وكلُّهم خذلوه ورفضوه حتّى أتى قدره عليه).

١٤٢

ص١٦٨)، وأنّ الثالث قُتل في مصر مع ابن أبي حذيفة قبل واقعة صِفِّين (كما في المقريزي، الخطط، ج٤، ص١٤٩). ويعلمون أيضاً براءة عليّ من دم عثمان، ولكن الإِمرة والملك العضوض وضعف التديُّن هي وحدها - لا دم عثمان - التي دعتهم وحفَّزتم لحرب مَن كان (مع الحق في جميع أحواله، يدور الحق معه حيث دار)(١) .

ولولا الاستعانة على حرب عليّ(ع)، لمـَا سخى معاوية بمصر(٢) وجعلها طعمة لابن العاص، كما أنّ ابن العاص - لولا ولاية مصر - لم يُعن معاوية تلك الإِعانة المخزية في صِفِّين حتّى أبدى سوأته(٣) لينجو من (ذي الفقار)

____________________

(١) ملل الشهرستاني ج١ ص٥٨

(٢) يقول في العقد الفريد (ج٣، ص١١٣): (علم معاوية - والله - إِنْ لم يبايعه عمرو بن العاص، لم يتم له أمر. فقال له: يا عمرو، اتبعني فيها، قال: لماذا؟ للآخرة؟ فوالله، ما معك آخرة، أم للدنيا؟ فو الله، لا كان حتّى أكون شريكك فيها، قال معاوية: أنت شريكي، قال عمرو: فاكتب لي مصر وكورها، فكتبها له. وكتب في آخر الكتاب( وعلى عمرو الطاعة والسمع). قال عمرو: واكتب أنّهما لا ينقصان من شرطه شيئاً، قال معاوية: لا ينظر الناس إلى هذا، قال عمرو: حتّى تكتب، فكتب معاوية. ووالله لا يجد بداً من كتابتها. ودخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية وهو يكلِّم عمراً في مصر، وعمرو يقول له: إِنَّما أبايعك بها ديني. وإلى ذلك يشير عمرو في قوله:

معاوي لا أُعطيك ديني ولم أنل

به منك ديناً فانظرن كيف تصنع

(٣) ذكر المؤرِّخون مبارزة عمرو بن العاص لأمير المؤمنين(ع) وأنَّه لمـّا همَّ أن يعلو عمراً بالسيف، كشف عمرو عن سوأته، فتنحى عنه أمير المؤمنين ومال بطرفه؛ تكرماً وحياءً من هذا المنظر المعيب المخجل. وكذلك فعل بسرُ بن أَرطاة لمـّا صرعه أمير المؤمنين. وقد ضرب بهذه المكرمة العلوية المثل، وُعدَّ عفوه عنهما من المكارم والسؤدد. وللشعراء فيهما أبيات شهيرة؛ منها قول أبي فراس الحمداني:

وَلا خَيرَ في دَفعِ الرَدى بِمَذَلَّةٍ

كَما رَدَّها يَوماً بِسَوءَتِهِ عَمروُ

وقول ابن منير الطرابلسي في وصف عمرو:

بَطلٌ بسَوْأتِه يُقا

بَطلٌ بسَوْأتِه يُقا

وقول الحرث الخثمعي يخاطب معاوية:

أفي كلِّ يومٍ فارسٌ لك ينتهي

وعورتُه وسطَ العجاجةِ بادية؟

=

١٤٣

الذي سلَّ عليه، وليرى ولاية مصر التي كانت تعدل - بنظره - الخلافة.

يقول المقريزي: (وكان يقول عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة)(١) .

هذه بعض أعمالهم في سبيل المـُلك وهذه أنانيَّتهم الذميمة في الإِمرة.

وفي سبيل الملك استلحق معاويةُ زيادَ بن عبيد الرومي، وقَتل صبراً حجر بن عدي الكندي الصحابي الجليل؛ (وهو أوّل من قتل صبراً في الإِسلام)(٢) . وقد نقم جماعة من المسلمين على معاوية هذه الأحداث العظيمة في الإِسلام، كان أشدَّهم الحسن البصري، القائل: (أربع خصال كنَّ في معاوية لو لم تكن فيه إِلاّ واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأُمّة بالسيف، واستخلافه بعده ابنه يزيد سكِّيراً خمِّيراً، يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زياداً؛ وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):((الولد للفراش، وللعاهر الحجر)) ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه. فيا ويلاً له من حجر وأصحاب حجر(٣) .

وما لنا نسهب في الكلام ونذهب بعيداً في الاستدلال ولدينا إِيواء معاوية لابن العاص الذي يعلم بتحريضه الشديد على عثمان، فإِنّه أكبر دليل على أنّه ما أراد بخروجه على الإِمام دم عثمان؛ وإِنّما أراد المـُلك العضوض الذي حرص عليه وبذل جهده في سبيل احتكاره لولده يزيد، غير مكترث بما ينال الإِسلام والمسلمين من هذا الاحتكار البغيض، وبما ينجم عنه من الفتن التي تُودِي بالملك وتزعزعه من أساسه، وتوجب قتل الأخ لأخيه في سبيله.

____________________

=

يكف لها عنه عليُ سنانَه

ويضحك منها في الخلاء معاوية

فقولا لعمرو ثُمَّ بسر ألا انظرا

لنفسكما لا تلقيا الليث ثانية

ولا تحمدا إلاَّ الحيا وخصاكما

هما كانتا والله للنفس واقيه

(١) الخطط، ج١، ص٢٧١.

(٢) مروج الذهب، ج١، ص٥٤.

(٣) تاريخ إِبن الأثير، ج٣، ص١٩٣، ومحاضرات الراغب الأصبهاني، ج٢، ص٢١٣.

١٤٤

٥ - مناهضة المسلمين لبني أميّة والسرُّ في ذلك؟

تذكر الآن ما قدَّمناه قبل صفحات من سيرة النبيّ العظيم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقوانينه العادلة التي سار على ضوئها الوهَّاج خلفاؤه الراشدون(رض) وتذكر أيضاً سيرة ابن أبي سفيان وابنه يزيد وأمثال يزيد من آل مروان (أولئك الذين استبدوا بالسلطة، وجعلوا الرعيَّة وأموالها مُلكاً لهم يتوارثونها ويتصرَّفون فيها بما شاءوا حتّى إِذا ظهر فيهم عادل يحاول وضع الحقِّ موضعه، كمعاوية الأصغر وعمر بن عبد العزيز(١) ، ألزموه بقوَّة العصبية على أن يجري في طريقهم أو يُخلع من المـُلك(٢) .

أضف إِلى ذلك، امتهانهم لأئمّة الحديث والفقه وبيعهم لأحرار العرب(٣) الذين خدموهم أكبر خدمة وأيَّدوا ملكهم ونصبوا لأجلهم العداء لأهل البيت(ع).

____________________

(١) (كان عمر هذا مِن أعدل بني مروان؛ ولذا أحبَّه الناس وجنحوا في أيَّامه إلى السكينة. وكان يرأف بشيعة الكوفة، ويكتب إلى عامله بالعراق: (أمّا بعد، فإِنّ أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدَّة وجور في أحكام الله وسنة خبيثة سنها عليهم عمَّال السوء). تاريخ ابن الأثير، ج٥، ص٢٣. (وتوفّي عمر سنة ١٠١هـ بالسمِّ عند أكثر أهل النقل. فإِنَّ بني أميّة علموا إِنْ امتدَّت أيَّامه، أخرج الأمر من أيديهم، ولا يعهده بعده إِلاّ لمـَن يصلح للأمر، فعاجلوه وما أمهلوه). انظر: تاريخ أبي الفداء، ج١، ص٢٠١. وأمَّا ابن الأثير، فيجزم (بأن بني أميّة خافوا أن يخرج ما بأيديهم من أموال، وأن يخلع يزيد من ولاية العهد، فوضعوا على عمر مَن سقاه سمَّاً، فلم يلبث حتَّى مرض ومات). الكامل في التاريخ، ج٥، ص١٨.

(٢) من مقال لصاحب المنار، ج٦، ص٢٤.

(٣) يحدِّثنا الطبري وابن الأثير: (أنَّ الوليد بن يزيد جلس للناس ويوسف بن عمر عنده، فأرسل الوليد إِلى خالد بن عبد الله القسري: أنّ يوسف يشتريك بخمسين ألف ألف، فإِنْ كنت تضمنها وإِلاَّ دفعتك إِليه، فقال خالد: ما عهدتُ العرب تُباع. فدفعه إِلى يوسف، فنزعه يوسف ثيابه ودرَّعه عباءة ولحَّفه بأخرى، وحمله في محمل بغير وطاء، ثُم ارتحل به نحو الحيرة، فلمَّا وصل أتى بخالد، فدعا بعود، فوضع على قدمي خالد، ثُمَّ قامت عليه الرجال تضربه حتّى تكسَّرت قدماه، ثُمَّ على ساقيه حتّى كسَّرتا، ثُمَّ على حقويه، ثُمَّ على صدره حتّى مات ودفن بعباءته بناحية الحيرة سنة ١٢٦ هـ. تاريخ الطبري، مجلّد ٥، ص١٠٣، والكامل في التاريخ، ج٩، ص٢١.

١٤٥

نعم، تذكر كلتا السيرتين وقارن بينهما ليتضح لديك السرُّ في مناهضة الأمّة الإِسلامية جمعاء لبني أميّة، لا خصوص الشيعة كما يلوح من كلام الرحَّالة ثابت.

يدلُّك على ذلك التعميم نهضةُ المدينة المنوَّرة بعد نهضة الحسين المباركة، ولمـّا خمدت نهضة المدنية (أباحها قائد يزيد بن معاوية ثلاثة أيّام لأهل الشام؛ يفسقون بالنساء، ويقتلون فيها الناس حتّى قتل من وجوه المهاجرين والأنصار سبعمائة ومن وجوه الموالي عشرة آلاف. ثُمَّ إن قائد يزيد بايع مَن بقي من الناس على أنّهم خول وعبيد ليزيد بن معاوية)(١) .

ويقول إِبن قتيبة: (قُتل في المدينة مِن النساء والصبيان عدد كثير. وكان الجند يأخذ برِجل الرضيع فيجذبه من أمِّه ويضرب به الحائط فينتشر دماغه على الأرض وأمُّه

تنظر إِليه(٢) . ويقول الفخري: (إِنّ الرجل من أهل المدينة كان إذا زوَّج ابنته، لا يضمن بكارتها؛ لعلها قد افتضت في وقعة الحرَّة)(٣) حيث (افتُض فيها ألف عذراء من بنات المهاجرين والأنصار)(٤) .

فاهتاجت لذلك ولغيره مكَّة المكرَّمة، وتحصَّن أهلها في البيت الحرام؛ آملين أن يراعي الأمويُّون حرمة هذا البيت، المقدَّس حتّى عند الجاهلية الأولى، ولكنَّ الحصين بن نمير؛ قائد الجيش الأموي، قد خيَّب أمل المكِّيِّين؛ وراح يقذف الكعبة المشرَّفة التي التجأوا إِليها بالمنجنيق والنار.

وأهل المدينة ومكَّة كان أكثرهم يومئذ - إِنْ لم نقل كلَّهم - مِن غير الشيعة، بل كان الرئيس في مكّة عبد الله بن الزبير، وميله عن عليّ وشيعته مشهور معروف(٥) .

____________________

(١) تاريخ أبو الفداء، مجلَّد ١، ص١٩٢.

(٢) الإمامة والسياسة، ص٢٠٠.

(٣) الإمامة والسياسة، ص١٠٥.

(٤) السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص٩٩.

(٥) انظر: العقد الفريد، مجلّد ٣، ص١٥٧؛ تجد إِسقاطه اسم النبيِّ(ص) من الخطبة أربعين جمعة؛ لئلا يفتخر بذكره قومه. وانظر: المبرَّد، تهذيب الكامل، مجلّد ١، ص١٤٩؛ تجد بغض ابن الزبير للعلويِّين وسجنه لهم في سجن عارم وعزمه على حرقهم فيه.

١٤٦

ومثله محمد بن الأشعث الذي نهض في مرج راهط ضد عبد الملك بن مروان.

٦ - نهضة الشيعة ضد بني أمية وأسبابها:

كانت باكورة النهضات ضدَّ الأمويِّين (بعد معاوية) نهضة الشيعة كما علمت. نهضوا مع سيِّد الأباة وسبط الرسالة إِمامهم الحسين بن علي (عليهما السلام)، وردّدوا قوله:((لا أرى الموت إِلا سعادة والحياة مع الظالمين إِلاَّ برما)) .

وقد أجملنا أسباب هذه النهضة الشريفة في ضمن الكلام عن مقتل الحسين وأصحابه فلا حاجة إِلى الإِعادة. وإنَّما نحن بحاجة إِلى التنبيه على أنّ هذه النهضة الحسينية هي التي نبَّهت الأفكار، وحفَّزت الهمم الخامدة، وجرَّأت الأمَّة الإسلامية على الجهر بإِنكار ما رأته من أعمال الأمويّين المنافية لقوانين الدين الحنيف، وعلى إِباء الذل والخنوع والضغط والاضطهاد؛ ولذلك نرى تتابع النهضات الإسلامية على أثر النهضة الحسينية الواحدة تِلو الأخرى، ونرى بعض الزعماء يفتخرون بالتأسِّي بسنة الحسين(ع) حتّى أنّ مصعب بن الزبير كان يُثبّت نفسه على حرب عبد الملك بقوله:

وإنّ الألى بالطف من آل هاشم

تأسُّوا فسنوا للكرام التأسِّيا

وكانت أوَّل نهضة شيعية بعد الحسين(ع) هي نهضة التوَّابين، ثُمَّ نهضة شيعة الكوفة مع المختار. وكان السبب لهاتين النهضتين مزدوجاً؛ من الأخذ بالثأر ومن كراهيّة الحياة بالذل واحتمال الضغط والاضطهاد.

وبعدهما نهض زيد بن عليّ بن الحسين (عليهم السلام)، وكانت نهضته كنهضة جدِّه في أيّام قوَّة الدولة الأمويَّة وميعة صباها، وسعة سلطانها، فقول الرحَّالة المصري: (لكن لمـَّا قويت الدولة الأموية اختفت الشيعة) بعيد عن الصواب.

وسبب نهضة زيد - على ما أرى - هو ما رآه من ظلم هشام بن عبد الملك وخالد القسري ويوسف بن عمر وعبثهم بحقوق الأمَّة وهتكهم نواميس الشرع، واحتقار هشام بالخصوص لزيد وأخيه الإِمام الباقر (عليهما السلام)

١٤٧

حتّى أنَّه (لمَّا دخل زيد على هشام، قال له: ما فعل أخوك البقرة؟ فغضب زيد حتّى كاد يخرج من إِهابه، ثُمَّ قال لهشام: سمَّاه رسول الله باقراً وتسمِّيه أنت البقرة! لشدَّ ما اختلفتما. لتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا. فقال هشام: خذوا بيد هذا الأحمق المائق)(١) .

(فخرج زيد من عند هشام، وهو يقول: ما كره قوم قط جرَّ السيوف إِلاَّ ذلُّو)(٢) ويؤيِّد كون السبب في نهضة زيد ما رآه مِن ظلم القوم وفسقهم ما رواه المقريزي؛ قال: (سئل جعفر بن محمد الصادق عن خروج زيد، قال:((خرج على ما خرج عليه آباؤه)) (٣) .

ويرى الخضري المصري: (أنّ سبب خروج زيد بن عليّ؛ هو ظلم يوسف بن عمر وسوء

تدبيره)(٤) ، والأقرب ما تقدَّم. وما ذكره الخضري من جملة الأسباب الأولى لا أنَّه سبب وحده.

ثُمَّ إنَّا لا ننكر أنَّ الشيعة كما ناهضوا الدولة الأموية أيّام قوَّتها ناهضوها أيضاً أيّام ضعفها وبدء اضمحلالها؛ فهذا يحيى بن زيد المتقدِّم ذكره قد نهض أيّام ضعف الدولة والدين أيضاً، وناهض في سنة ١٢٥ هـ الوليد بن يزيد بن عبد الملك المخاطب لكتاب الله العزيز بعد أن ألقاه (ورماه بالسهام:

تُهدِّدني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبارٌ عنيد

إِذا ما جئت ربَّك يوم حشر

فقلْ: يا ربِّ مزَّقني الوليد)(٥)

ومع هذا القول يعدُّونه - وياللأسف - من خلفاء الإِسلام، ويعدُّون الخروج عليه جريمة لا تغتفر وخطأً عظيماً كما عدَّ بعضهم خروج الحسين على يزيد سلف الوليد من هذا القبيل.

____________________

(١) عيون الأخبار، مجلّد ١، ص٢١٢، وشرح النهج، مجلّد ١، ص٣١٥؛ (بتلخيص).

(٢) المقريزي، الخطط، مجلّد ٤، ص٣٠٩.

(٣) الخطط، مجلّد ٤، ص٣٠٧.

(٤) المحاضرات، ص٦١٠.

(٥) تاريخ ابن الأثير، مجلّد ٥، ص١٠٧. ويقول السيوطي(تاريخ الخلفاء، ص٩٧): (إنَّ الوليد هذا كان فاسقاً خِمِّيراً لوَّاطاً؛ راود أخاه سليمان عن نفسه، ونكح زوجات أبيه).

١٤٨

وأمَّا خروج معاوية على أبي الحسين، فهو بنظر البعض لمصلحة الأمَّة. وهذا، بلا ريب، تعصبٌ ذميم، وخروج عن جادَّة الإِنصاف.

وأيُّ مصلحة رأت الأمَّة في خروج معاوية وفي سبِّه أهل البيت على منبر جدِّهم(ص) حتّى أوغر بذلك صدور الشيعة وجعلهم يترَّبصون الفرص للنهضة ضدَّ الدولة الأموية، بل أيُّ مصلحة للإسلام في أنْ (يقول جماعة معاوية لحجر بن عدي وأصحابه: إِنّا أُمرنا أنْ نعرض عليكم البراءة من عليٍّ واللعن له. فإِن فعلتم، تركناكم، وإِن أبيتم، قتلناكم. فقالوا: لسنا فاعلي ذلك(...) فحُفرت لهم القبور، وأُحضرت الأكفان، وقام حجر وأصحابه يصلَّون عامَّة الليل، فلما كان الغد قدموا (...) فقتلوا)(١) .

حكى ذلك ابن الاثير، ثُمَّ شفع هذه الحكاية الفظيعة بأفظع منها؛ قال: (قال معاوية لكريم الخثعمي: ما تقول في عليّ؟ قال: أقول فيه قولك. قال معاوية: أتبرأ من دين عليٍّ الذي يدين الله به؟ فسكت الخثعمي)(٢) .

وحقَّ له السكوت؛ لانَّ عليَّاً لم يدن بغير دين الإسلام في حياته كلِّها، بل (والله، لولا سيفه، لمـَا قام عمود الإسلام، وهو بعد أقضى الأمَّة وذو سابقتها وذو شرفها)(٣) بل

(ولولا أبو طالب وأبنه

لمَا مَثُل الدين شخصاً فقاما

فذاك بمكة آوى وحامى

وهذا بيثرب جسَّ الحساما)(٤)

وعلى الإِجمال، فإِنَّ هذه السُّنَّة السيئة؛ سُنَّة السبِّ، كانت متَّبعة عند الأمويِّين، وهي السبب الرئيسي لأكثر نهضات الشيعة الذين كانوا يسمعون سبَّ أئمَّتهم جهاراً من بني أميَّة وعمَّالهم، أمثال، زياد وأبنه، وخالد القسري، ويوسف بن عمر، والحجَّاج بن يوسف الذي قال عنه عمر بن عبد العزيز: (لو جاءت كلُّ

____________________

(١) تاريخ ابن الأثير، مجلّد ٣، ص١٩٢، والأغاني، ج١٦، ص٩.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) قال ذلك عمر بن الخطاب(رض) في جواب مَن نسب عليَّاً أمامَه إِلى التيه، فقال له: حقٌّ لمثله أن يتيه...إلخ. انظر: شرح النهج، مجلّد ٣، ص١١٥.

(٤) من أبيات لابن أبي الحديد في مدح أبي طالب ذكرها في: شرح النهج، مجلَّد ٣، ص٣١٧.

١٤٩

اُمَّة بخبيثها، وجئنا بالحجَّاج، لغلبناهم)(١) وقال عنه الإمام الأوزاعي: (كان الحجَّاج بن يوسف ينقض عرى الإسلام عروة عروة)(٢) .

ولا تستغرب هذين القولين فإنَّ الحجَّاج (كان يُفضِّل عبد الملك بن مروان على الملائكة المقرَّبين والأنبياء المرسلين، ويقول: ويحكم، أخليفة أحدكم في أهله أَكرم عليه أم رسوله إِليهم؟)(٣) ومع هذا القول كان عبد الملك (يقول: الحجَّاج جلدة ما بين عيني وأنفي)(٤) .

٧ - عدم تشيُّع الفُرس أيَّام الدعوة العبَّاسيَّة:

عرفت الأسباب التي سبّبت مناهضة الشيعة للدولة الأموية في حالتي القوّة والضعف معاً، والتي أَوجبت مقت الشيعة للحكم الأمويِّ الجائر، ودفعت بعضهم إِلى الاشتراك مع العبَّاسيِّين في العراق على العمل ضدَّ الأمويِّين، لا (في خراسان تحت راية أَبي مسلم الخراساني) كما زعمه الرحَّالة المصري؛ لانَّ أهل خراسان لم يكونوا يومئذ من شيعة العلويِّين، وإِنَّما كانوا من شيعة العبَّاسيِّين ودعاتهم، وهكذا كان أبو مسلم الخراساني.

يقول الطبري: (وفي هذه السنة؛ سنة ١٢٠ هـ، وجَّهت شيعة بني العبَّاس في خراسان إِلى محمدِ بن علي بن عبد الله بن عبَّاس، سليمانَ بن كثير؛ ليعلمه أمرهم وما

هم عليه(...) وفيها وجَّه محمد هذا بكيرَ بن ماهان إِلى شيعته بخراسان، وكتب معه كتاباً يعلمهم به: أنّ خداشاً حمل شيعته على غير منهاجه)(٥) .

ويقول ابن خلدون: (وأمَّا الكيسانية، فساقوا الإِمامة من ابن الحنفية إِلى ابنه أبي هاشم) إِلى أن انتهى إلى المنصور، ثُمَّ قال: (وانتقلت في ولده بالنصِّ والعهد (...) وهذا مذهب الهاشمية القائمين بدولة بني العباس. وكان منهم: أبو مسلم (الخراساني)،

____________________

(١) تاريخ ابن الأثير، مجلَّد ٣، ص٣٢٣، والعقد الفريد، مجلَّد ٣، ص٢٥٣.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) العقد الفريد، مجلَّد ٣، ص٢٥٥.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) تاريخ ابن خلدون، مجلَّد ٨، ص٢٤٩.

١٥٠

وسليمان بن كثير، وأبو سلمة، وغيرهم، من شيعة العبَّاسية)(١)

ويقول الخضري المصري: (كلُّ هذه المشاغل شغلت مروان بن محمد عن خراسان، فكان ذلك أكبر مساعد لشيعة بني العبَّاس ورئيسهم المقدام أبي مسلم الخراساني في التغلُّب على خراسان ومبايعة أهلها على الرضا من بني العبَّاس)(٢) . فأنت ترى أنَّ الطبريَّ وابن خلدون والخضري لم يجعلوا الخراسانيِّين، ولا أبا مسلم الخراساني وزملاءه في الدعوة العبَّاسية، من الشيعة العلويّة، وإِنّما جعلوهم من أشياع العبَّاسيين والقائمين بدولتهم.

ولقد أخرج الصادق جعفر بن محمد أهل خراسان من الشيعة (يوم جاء عبد الله المحض وقال للصادق(ع): هذا كتاب أبي سلمة يدعوني فيه إِلى الخلافة قد وصل على يد بعض شيعتنا مِن أَهل خراسان، فقال الصادق:((ومتى صار أهل خراسان من شيعتك وهم يدعون إِلى غيرك؟)) فقال عبد الله: كأنَّ هذا الكلام لشيء؟ فقال الصادق(ع):((قد علم الله أنِّي أُوجب النصح على نفسي لكلِّ مسلم، فكيف أدَّخره عنك؟ وقد جاءني مثل هذا الكتاب الذي جاءك فأحرقته)) )(٣) .

وأخرجهم أيضاً من التشيُّع محمد بن علي بن عبد الله بن عبّاس في كلمته التي قالها لرجال الدعوة حينما أراد بثَّهم في البلدان؛ قال: (أمَّا الكوفة وسوادها، فهناك شيعة عليِّ بن أبي طالب. وأمَّا البصرة، فعثمانية تدين بالكف. وأما الجزيرة، فحرورية مارقة. وأَمّا أهل الشام، فليس يعرفون إِلاَّ آل أبي سفيان وطاعة بني مروان(...). وأمَّا أهل مكَّة والمدينة، فقد غلب عليهما أَبو بكر وعمر. ولكن عليكم بخراسان، فإِنَّ هناك العدد الكثير، والجلد الظاهر، وصدور سليمة، وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء، ولم تتوزَّعها النحل، ولم تشغلها ديانة... إِلخ)(٤) .

____________________

(١) المقدِّمة، ص١٤٠. ولكن المقريزي قد خالفه في تسمية هؤلاء؛ فأسماهم باسم الرزامية، لا الهاشمية، وإنْ وافقه على غير ذلك. انظر: الخطط، مجلَّد ٤، ص١٧٧.

(٢) المحاضرات، ص٢٢٩.

(٣) الفخري في الآداب السلطانية، ص١٣٧.

(٤) ابن قتيبة، عيون الأخبار، مجلَّد ١، ص٢٠٤.

١٥١

وإِنّ هذه هذه الكلمة الصادرة من هذا الرجل الكبير الخبير بتلك البلدان، والعليم بمذاهب أهلها ونزعاتهم، لأصرح دليل على عدم تشيُّع الخراسانيِّين في ذلك العهد، بل يظهر منها انحصار التشيّع، أو كثرته، في الكوفة وسوادها، لكن حملها على الكثرة أولى؛ لانَّ وجود الشيعة يومئذ في جبال عاملة وقم ونيسابور، ممَّا لا ريب فيه على الظاهر، وخصوصاً في قم. يخبرنا ياقوت الحموي: (أنَّ قم مُصِّرت سنة ٨٣ هـ على يد بني سعد بن مالك بن عامر الأشعري، وكان متقدِّم هؤلاء البنين، عبد الله بن سعد، وكان له ولَد قد ربِّي بالكوفة، فانتقل منها إِلى قم وكان إِماميَّاً، وهو الذي نقل التشيُّع إِلى أهلها، فلا يوجد بها سنيٌّ قط)(١) .

والذي يدلُّ أيضاً على براءة التشيُّع من أبي مسلم وإِخوانه الخراسانيِّين، قول الشهرستاني عن إِبراهيم الإمام العبَّاسي: (وهو صاحب أبي مسلم الذي دعاه إليه وقال بإِمامته، وتبعه قوم من خراسان ساقوا الإمامة إِليه. وقالوا له: حظ فيها، ثُمَّ ادعوا حلول روح الإله فيه؛ ولهذا أيَّدوه على بني أُميَّة حتّى قتلهم عن بكرة أبيهم)(٢) .

وإِليك - زيادة عمَّا تقدَّم من الأدلَّة على عدم تشيُّع الخراسانيِّين أيَّام الدعوة وما قبلها - ما يدلُّك على بقائهم على ذلك إِلى القرن الرابع والخامس، ويدلُّك على عدم تشيُّع غيرهم من بلاد فارس أيضاً.

يقول أبو بكر الخوارزمي (المتوفَّى سنة ٣٨٣ هـ) في رسالته إِلى جماعة الشيعة بنيسابور بعد أن عدَّد أعمال الأمويِّين، قال: (فبعث عليهم أبا مجرم لا أبا مسلم، فنظرَ - لا نظر الله إِليه - إِلى صلابة العلوية ولين العبَّاسية، فترك تقاه، واتبع هواه، وباع آخرته بدنياه، وسلط طواغيت خراسان، وخوارج سجستان، وأكراد أصفهان على آل أبي طالب، يقتلهم تحت كلَّ حجر ومدر، حتّى سلَّط الله عليه أحبَّ الناس إِليه(٣) ، فقتله كما قتل الناس في طاعته، وأخذه بما أخذ

____________________

(١) معجم البلدان، مجلَّد ٧، ص١٦٠.

(٢) الملل، ج١، ص٨٧.

(٣) يُشير بذلك إِلى المنصور العبَّاسي الذي قتل أبا مسلم الخراساني سنة ١٣٧ هـ بعد أن وطَّد الملك للعباسيِّين وبناه لهم على الجماجم الفارسيَّة، فكان جزاؤه منهم جزاء سِنِّمار.

١٥٢

الناس في بيعته)(١) .

وهذه الكلمة تفهمنا - زيادة على كره أبي مسلم للشيعة، وكونه غير شيعي - أنَّ التشيُّع لم يكن إِلاَّ نادراً في البلاد الفارسيَّة أيَّام أبي مسلم والدعوة العبَّاسية، بل ولا كان فاشياً حتّى في خراسان؛ بلد أبي مسلم، وحتّى في بلد كبير كأصفهان وسجستان.

ويؤكِّد ذلك في ختام هذه الرسالة بقوله: (فإِنْ كان التشيُّع قد كسد في خراسان، فقد نفق في الحجاز والحرمين، والشام والعراقين. ونسأله تعالى أن لا يكلنا إِلى أنفسنا، وأن يعيذنا من روايات الكيسانية، وكذب الغلاة الخطَّابية، وأن لا يحشرنا على نصب أصفهاني، ولا على بغض لأهل البيت طوسي أو شاشي).

وهذا ابن الأثير يخبرنا بما يوافق الخوارزمي على كون أهل طوس كانوا من مبغضي أهل البيت في أواخر عصر الخوارزمي؛ قال: (إنّ محمود بن سبكتكين جدَّد عمارة المشهد بطوس الذي فيه قبر عليّ بن موسى الرضا وأحسن عمارته. وكان أبوه سبكتكين أخربه، وكان أهل طوس يؤذون من يزوره، فمنعهم ابنه عن ذلك. وكان سبب فعله ذلك؛ أنَّه رأى في المنام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو يقول له: إِلى متى هذا؟ فعلم أنَّه يريد أمر المشهد، فأمر بعمارته)(٢) .

وإِليك أيضاً ما يدلُّ على عدم تشيُّع الخراسانيِّين في أواخر القرن الثاني ما رواه البيهقي من: (أنّ المأمون العبَّاسي همَّ بأن يكتب كتاباً في الطعن على معاوية. فقال له يحيى بن أكثم: يا أمير المؤمنين، العامَّة لا تتحمَّل هذا؛ ولا سيما أهل خراسان. ولا تأمن أن يكون لهم

نفرة )(٣) .

____________________

(١) رسائل الخوارزمي، ص١٢٨.

(٢) تاريخ ابن الأثير،ج ٥، ص١٣٩.

(٣) والبيهقي، المحاسن والمساوئ، ج١، ص١٠٨.

١٥٣

الاستنتاج:

فإِذا علمت أنَّ خراسان وسجستان وأصفهان كانت غير شيعية أيّام أبي مسلم الخراساني والدعوة العباسيّة، وأنّ أصفهان وشاش وطوس - وهي مدفن الإِمام الثامن للشيعة - كانت ناصبة العداء لآل البيت العلوي أيّام الخوارزمي وابن سبكتكين المتوفَّى سنة ٤٢١ هـ، وأنَّ خراسان كانت تُوالي معاوية أيّام المأمون - إِذا علمت ذلك كلِّه، فاسأل معنا الرحَّالة المصري عن القرن الذي قصده في قوله: (رأت فارس في الشيعة خير هادم للإِسلام ولملك بني العباس) هل هو القرن الثاني أو الثالث أو الرابع أو القرن العاشر؟ الذي ظهرت فيه الدولة الصفوية العلوية، وجعلت التشيُّع مذهباً رسمياً في فارس، وبثَّته في البلاد حتّى صار جلُّ السكان إِمامية اثني عشرية، ولم يزالوا كذلك إلى اليوم.

وأظنُّه يقصد القرن الثاني؛ لانَّ فيه تولَّدت الدولة العبَّاسية التي (قضت (بزعمه) على استقلال فارس وقوميَّتها).

وبما أنّك علمت ممَّا تقدَّم أنّ الشيعة في هذا القرن لم يكونوا في فارس غير أفراد

قلائل في (قم)، متستِّرين لا يستطيعون التظاهر بمذهبهم ولا الدعوة له، فلا أظنَّك إِلاَّ حاكماً بأنَّ هدم الإسلام الذي زعم الرحَّالة حصوله يومئذ من الفُرس إِنَّما كان على يد غير الشيعة، لانَّ أكثرية السكَّان الساحقة كانت وقتئذ في جانب غير الشيعة، وكان السلطان لتلك الأكثرية، والقوّة معها، وكان منها العلماء الذين ترأسوا وُقِلّدوا في الأقوال والأعمال، ومنها الدهاة المحنَّكون في الدعاية والتلبيس.

ومن البديهي أنَّ هدم العقيدة، وكذا المذهب والملك، إِنَّما هي من الأمور التي لا يتمكَّن منها غالباً غير أولى السلطان والقوَّة العلمية والمادية، وهي بأجمعها لم تكن متوفِّرة لدى أفراد الشيعة القليلين في فارس يومئذ؛ ولذلك لمـَّا توفَّرت لديهم - أيَّام الشاه عبَّاس الصفوي - تغلَّب المذهب الشيعي

١٥٤

على غيره هناك ونال الأكثرية. وإِليك مثلاً من تأثير السلطان والقوَّة في هدم العقيدة وبناء غيرها في القلوب؛ ما فعله السلطان السفياني، ثُمَّ المرواني، فإِنّه بعد أن هدم - بقوَّته الغاشمة - عقيدة التمسُّك بالعترة النبوية، بنى عقيدة النصب لهم والتقرُّب إلى الله تعالى عقيب كلِّ فريضة بسبهم. وتمكنت هذه العقيدة من قلوب جماعات كثيرة حتّى جهرت بها في أغلب البلاد الإِسلامية وحتّى (كان أهل حرَّان حين أزيل لعن أمير المؤمنين عن المنابر في أيّام الجُمع امتنعوا من إِزالته، وقالوا: لا صلاة إِلاّ بلعن أبي تراب)(١) .

وهكذا فعل السلطان الأيُّوبي في مصر؛ فإِنّه بعد أن (تقوَّى على العاضد الفاطمي وألغى الخطبة له بتحريض من أمير فارسي يُدعى أمير عالم( وهذا الأمير هو الذي أخذ على عاتقه أن يباشر العمل بنفسه). ففي أوَّل جمعة من محرَّم سنة ٥٦٧ هـ توجَّه أمير عالم الفارسي إِلى أكبر جوامع القاهرة، وصعد المنبر وخطب باسم المستضيء العباسي. فلمّا علم صلاح الدين الأيوبي بذلك، أمر أن تعاد الخطبة للمستضيء في جميع جوامع القاهرة والفسطاط)(٢) .

بعد ذلك كله (اتخذ الملوك من بني أيُّوب يوم عاشوراء يوم سرور، يُوسِّعون فيه على عيالهم، ويتبسَّطون في المطاعم، ويصنعون الحلاوات، ويتَّخذون الأواني الجديدة، ويكتحلون ويدخلون الحمام، جرياً على عادة أهل الشام التي سنَّها لهم الحجَّاج في أيَّام عبد الملك.. وقد أدركنا بقايا ممَّا عمله بنو أيُّوب؛ من اتخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسط)(٣) . ونحن أدركنا تلك البقايا ليلة ١١ محرَّم سنة ١٣٣٨ هـ في دير الشعار في طريقنا إِلى العراق لطلب العلم الديني في النجف الأشرف، وقلنا: أبمثل هذا تتقرَّب الأمَّة إِلى نبيِّها في الليالي التي قتل فيها سبطه وريحانته؟!

____________________

(١) شرح النهج، ج٢، ص٢٠٢.

(٢) جورج زيدان، تاريخ مصر، ج١، ص٣٣٥.

(٣) خطط المقريزي، ج٢، ص٣٨٥.

١٥٥

وهذا العمل وإِن كان بظاهره عادة، إِلاّ أنّه أثرٌ كبير يدلُّ على عقيدة النصب البالغة إِلى أعماق القلوب والمؤثِرة لهذا العمل الفظيع المبعد عن الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويحدِّثنا المقريزي أيضاً: (أنَّ السلطان صلاح الدين الأيُّوبي حمل الكافَّة على عقيدة الشيخ أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري(١) ، وشرط ذلك في أوقافه فاستمرَّ الحال على عقيدة الأشعري بديار مصر والشام والحجاز واليمن والمغرب حتّى صار هذا الاعتقاد بسائر هذه البلاد؛ بحيث إنَّ مَن خالفه ضُرِب عنقه. والأمر على ذلك إِلى اليوم)(٢) .

ويخبرنا: (أنَّ المعزَّ ابن باديس حمل جميع أهل إِفريقية على التمسُّك بمذهب مالك وترك ما عداه من المذاهب، فرجع أهل إفريقية وأهل الأندلس كلُّهم إلى مذهب مالك إِلى اليوم؛ رغبةً فيما عند السلطان وحرصاً على طلب الدنيا)(٣) .

ويحكي الشهرستاني: (أنَّ محمود بن سبكتكين السلطان قد نصر مذهب الكرَّامية(٤) ، وصبَّ البلاء على أهل الحديث والشيعة )(٥) .

ولدينا غير هذه من الشواهد والأمثلة الكثيرة، أعرضنا عنها حذراً من

____________________

(١) تولَّد الأشعري بالبصرة سنة ٢٦٠ هـ وتوفِّي سنة ٣٢٤ هـ، وكان من العلماء الأفذاذ (وكان على عقيدة المعتزلة، ثُمَّ رجع وتاب مِن القول بخلق القرآن، ومن القول بأنَّ الله لا يرى بالأبصار، ومن القول بنسبة فعل الشرِّ إِلى المخلوقين). المقريزي، الخطط، ج٤، ص١٨٦.

(٢) الخطط، ج٤، ص١٦١.

(٣) الخطط، ج٤، ص١٤٤.

(٤) الكرَّامية كانوا من المجسِّمة والمشبِّهة، ويثبتون القدر، خيره وشرُّه، من الله تعالى، وأن الله أراد الكائنات كلَّها خيرها وشرَّها. وقالوا: الإِمامة تثبت بالإجماع دون النصِّ والتعيين. وقالوا: يجوز عقد البيعة لإِمامين في قطرين؛ وغرضهم إِثبات إِمامة معاوية بالشام وأمير المؤمنين في المدينة والعراق. ورأوا تصويب معاوية فيما استبد به من الأحكام

الشرعية. الشهرستاني، المِلل، ج١، ص٦١. ويقول المقريزي (الخطط، ج٤، ص١٧٣): (حدث مذهب التجسيم على يد محمد بن كرَّام بن عراق السجستاني زعيم الكرامية بعد المائتين من سني الهجرة، وأثبت الصفات حتّى انتهى إلى التجسيم والتشبيه. مات بزغرة سنة ٢٥٦ هـ ودفن بالقدس)

(٥) المِلل ، ج١، ص١٥.

١٥٦

التطويل المؤدي إِلى المـَلل، وحذراً من الابتعاد كثيراً عن موضوع بحثنا الذي كان القصد منه إِثبات عدم تشيُّع الخراسانيِّين أيَّام دعوتهم ونصرتهم لبني العبَّاس، وعدم شيوع التشيُّع في فارس إِلى أوائل القرن العاشر، بل كان جُلُّ القصد والغرض تخطئة أُولئكم الذين يتسرَّعون كثيراً في الحكم بتشيُّع الفُرس ونسبتهم إِلى الشيعة في العهد العبَّاسي، ثُمَّ ينسبون إِليهم كلَّ البدع والخرافات التي أُلصقت بالإِسلام، وكلَّ الرزايا التي نزلت بالمسلمين. وهذا، بلا شك، حكم جائر ورأي فائل، لا يستند إِلى دليل، ولا يتَّفق بوجه مع قيام

الفُرس، وخصوصاً الخراسانيِّين، بتأسيس الدولة العبَّاسية ومساعدة آل العبَّاس على تقتيل العلويِّين الذين نهضوا في الحجاز والعراق وفارس. وكان عمدة أنصارهم على نهضتهم هذه علماء العرب وأبطالهم، وما سمعنا عرقاً فارسيَّاً نبض في نصرة هذه النهضات

العلوية(١) ، أو رفع صوته - على الأقل - منكراً على العبَّاسيِّين أعمالهم المنكرة الفظيعة مع بني عمومتهم، بل سمعنا بالعكس؛ سمعنا أنَّ يحيى البرمكي تعهَّد للرشيد بقتل الإِمام الكاظم ووفى بتعهُّده (كما تقدَّم في الفصل الثاني)، وسمعنا الحسن بن سهل يعاكس في عهد المأمون للإِمام الرضا (كما في: المفيد/ الإرشاد/ ص٣٣٢)، ويسعى بالإِمام عند

المأمون (كما في كتاب: أَخبار الحكماء. فراجع).

وعلى كلٍّ... فإِذا وُجد مع (الرحَّالة) مَن يتوهَّم تشيُّع الفُرس في تلك العصور (وهدمهم الإِسلام)، فلا يُوجد (على ما أظنُّ) مَن يتوهَّم معه (أنَّ الدولة العبَّاسية قضت على استقلال فارس، وحاولت القضاء على قوميَّتها)؛ لأنَّ من البديهي أنَّ فتح فارس كان أيَّام الخليفة الثاني والثالث (رض)، ولم يبق سوى

____________________

(١) نعم، كان الإمام أبي حنيفة الفارسي يحضُّ الناس على الخروج مع إبراهيم الحسيني بالبصرة، كما قدَّمنا في بحث الزيدية، وذكرنا أنَّه كان على بيعة محمد بن عبد الله الحسني ومن جملة شيعته).

١٥٧

بلاد قليلة خارجة على يد المسلمين يومئذ، ثُمَّ استولوا عليها أيّام بني أميَّة.

وهذا لا يجهله حتّى صغار الطلبة، كما لا يجهلون أنَّ العبَّاسيِّين - بلا مبالغة - هم الذين أحيوا قومية الفُرس وسلَّموا زمام الدولة لرجالات فارس حتّى كانت دولتهم وقتئذ شبه فارسيَّة، ثُمَّ صارت أيَّام المتعصم ومن بعده شبه تركية.

٨ - نهضة الشيعة ضدَّ العبَّاسيِّين وسرُّ مطاردة العبَّاسيِّين لهم:

... كان بنو أميّة يمقتون جميع الهاشميِّين - إِلاّ القليل - أشدَّ المقت أيَّام الجاهلية، وداموا على ذلك حتّى في أيَّام نبي الإسلام الهاشمي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن قد كمن مقتهم هذا لمـَّا ظهرت معجزات النبوة وآياتها الباهرة، واشتدَّ عضد الإسلام بالمهاجرين والأنصار. وبقي ذلك المقت كامنا إِلى أواخر أيّام عثمان (رض)؛ حيث ظهر على يد بطانته الأموية، وبلغ أشدَّه يوم تولَّى الخلافة العامَّة أميرُ المؤمنين وسيِّد الهاشميِّين بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فنال من مقتهم ومناوأتهم له ما غصَّت به بطون الكتب.

ولمَّا استشهد(ع) وبويع شبله الحسن، قاموا يناهضونه بكلِّ ما لديهم من قوَّة، حتّى إذا ما تمَّت لهم الغلبة الدنيوية (كتب معاوية نسخة واحدة إِلى جميع عمَّاله بعد عام الجماعة: أنْ برأت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب علي(ع) وأهل بيته. فقامت الخطباء في كلِّ كورة وعلى كلِّ منبر يلعنون عليَّاً ويبرأون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته)(١) .

وقد علمت ممَّا تقدَّم أنَّ لعن عليٍّ والبراءة منه كانا سنَّة متَّبعة في الدولة الأموية إِلى عهد عمر بن عبد العزيز(رض)، ولكن يظهر من المقريزي (أنّ سنَّة اللعن دامت في مصر من حين فتحها مروان إلى سنة ١٣٣ هـ)(٢) .

وقد بلغ اضطهاد الأمويِّين وعمَّالهم إلى بني هاشم إِلى حدٍّ كانت تُعدُّ صلة الهاشمي جريمة كبرى في نظر بعض العمَّال، يتَّخذونها طريقاً للوشاية بخصومهم والوقيعة بهم.

يحدثنا الطبري: (أنَّ يوسف بن عمر كتب إِلى هشام: إنَّ أهل البيت من بني هاشم

____________________

(١) المعتزلي، شرح النهج، ج٣، ص١٥.

(٢) الخطط، ج٤، ص١٥٢.

١٥٨

قد كانوا هلكوا جوعاً؛ حتّى كانت همَّة أحدهم، قوت عياله. فلمَّا ولي خالد العراق، أعطاهم الأموال، فقووا بها حتّى تاقت أنفسهم إلى الخلافة)(١) .

وكان هذا الاضطهاد الأموي متَّجهاً نحو الهاشميَّين أجمع؛ لا فرق لديه بين العلوي والعبَّاسي، كما يظهر من ابن أبي الحديد الذي حكى لنا (قصَّة اجتماع معاوية ومروان وزياد ويزيد وعتبة، وسبِّهم لحبر الأمَّة عبد الله بن عبَّاس، وتحقيرهم إيَّاه في مجلس معاوية(٢) ، وحكى قول معاوية لابن عبَّاس: (إنَّ في نفسي منكم لحزازات يا بني هاشم، وإِنّي لخليق أنْ أدرك بكم الثأر)(٣) .

وذكر أيضاً: (أنَّ الوليد بن عبد الملك ضرب علي بن عبد الله بن عبَّاس بالسياط، وشهره بين الناس، يُدار به على بعير ووجهه ممَّا يلي ذنب البعير وصائح يصيح عليه: هذا علي بن عبد الله بن عبَّاس الكذَّاب(٤) . وروى في مكان آخر (كيفيَّة خنق الأمويِّين لإبراهيم العبَّاسي في جراب من نورة بالحبس).

لذلك كان من الطبيعي أن يترقَّب العبَّاسيُّون الفرصة للوثبة على الأمويِّين، وأن يبايعوا بعض العلويِّين وينهضوا معاً ضدَّ الدولة الأموية؛ لِمَا رأوا تفكُّك الأمويِّين وثورة بعضهم على بعض، وخروج البلاد عليهم ومَللها منهم ومِن حكمهم.

لمَّا رأى الهاشميَّون ذلك كلَّه، قاموا يُنظِّمون الدعوة ويبثون الدعاة، ويجعلون في رأس الدعوة وعنوانها: البيعة لرجل من آل هاشم، من غير ذكرٍ لأحد الفريقين المتَّحدين. وأرى أنَّه لولا ذكر الآل في مواد الدعوة، لمـَا نالت ذلك الظفر الباهر، ولأسرت بسرعة البرق إِلى القلوب، خصوصاً قلوب أهل الكوفة وسوادها؛ لتشيُّع أهلها تشيُّعاً علويِّاً، ولعلمهم بانحصار الآل وغلبة إِطلاقه على أبناء فاطمة بضعة المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولأنَّ ظلم الأمويِّين كان أثره في العلويِّين أظهر منه في

____________________

(١) تاريخ الطبري، ج٢، ص١٨.

(٢) المعتزلي، شرح النهج، ج٢، ص١٥.

(٣) شرح النهج، ج٢، ص١٠٥.

(٤) شرح النهج، ج٢، ص٢١٠، والمبَّرد، تهذيب الكامل، ج١، ص٢٩٢ الذي ذكر فيه(ص٣٩٢): أنَّ الوليد هذا ضرب عليَّاً هذا بالسياط مرَّتين. وكذلك ذكر ابن خلِّكان في : الوفيَّات، مجلَّد١، ص٣٢٣.

١٥٩

العبَّاسيِّين. ومعلوم أنّ النفوس البشرية ميَّالة بالطبع إِلى نصرة مَن ظهرت ظُلامته. زد على ذلك أنَّ آل العبَّاس كانوا - قبل نيل المـُلك - يُظهرون محبَّة عليّ وينتصرون له ولآله (عليهم السلام)، ويُصرِّحون كثيراً بأنَّ غايتهم الأولى الأخذ بثأر الحسين بن عليّ وأحفاده (وكان عبد الله بن علي بن عبد الله بن عبَّاس ينشد حينما قُتل الأمويِّين في الشام، ويترنَّم بقوله:

حسبت أميَّة أنْ سترضى هاشم

عنها ويذهب زيدها وحسينها(١)

وعلى كلٍّ... فقد لبَّس العبَّاسيُّون على الشيعة في هذه الدعوة(٢) حتّى قام بعض الكوفيِّين يعاضدها في العراق مع شيعة بني العبَّاس الخراسانيِّين، ولكن لمـَّا تمَّ النجاح وظهرت الغلبة، وانكشفت أستار تلك الرواية الخداعية، ورأى الشيعة العلوية تربَّع السفَّاح العبَّاسي على سرير الخلافة أو الملك (على الأصح)، قاموا يطالبون بحقوق العلويِّين ونصيبهم من تلك الدعوة المشتركة، فما كان جوابهم - بالطبع - إِلاَّ السيف تارة، والخداع والمواعيد تارة أخرى، على طبق ما يصنعه

____________________

(١) ابن قتيبة، عيون الأخبار، مجلّد ١، ص٢٠٨.

(٢) كما لبَّس الأمويُّون على أهل الشام أنَّ بني أميَّة هم أهل بيت رسول الله (ص) والوارثون له. حكى المسعودي (مروج الذهب، مجلّد ٢، ص٧٣): (أن عبد الله بن علي وجَّه إِلى أبي العبَّاس السفَّاح أشياخاً من أهل الشام من أرباب النعم والرئاسة، فحلفوا له أنَّهم ما علموا لرسول الله (ص) قرابة ولا أهل بيت يرثونه غير بني أميَّة حتّى وليتم الخلافة). وذكر هذا الحلف الريائي صاحب عصر المأمون (مجلّد ١، ص١٩٠). وإِنَّا - مع اعتقادنا بحصول التلبيس على الشام - لنشكُّ في صدق هؤلاء الأشياخ بحلفهم هذا، لأنَّه من البعيد جداً أن يجهل مثلهم؛ من المسنِّين المتَّصلين برجال بقية الأقطار، قرابة الرسول القريبة الذي أذهب الله عنها الرجس وطهَّرها تطهيراً. نعم، كان التلبيس من بني أميَّة على العامَّة الجاهلة، وخصوصاً الأحداث، وكذلك من بني مروان الذين بالغوا في التلبيس واللعن لعلي وإِخفاء فضله. (قال عمر بن عبد العزيز لأبيه يوماً: يا أبت، أنت أفصح الناس، فما بالي أراك إذا مررت بلعن هذا الرجل( يعني: عليَّاً) صرت ألكن عيباً ؟ فقال عبد العزيز: يا بني، إِنَّ مَن ترى من أهل الشام وغيرهم تحت منبرنا، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك، لم يتبعنا منهم أحد ). انظر: شرح النهج، مجلَّد ١، ص٣٥٦.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216