الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ0%

الشيعة في التاريخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 216

الشيعة في التاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد حسين الزين
تصنيف: الصفحات: 216
المشاهدات: 62342
تحميل: 7092

توضيحات:

الشيعة في التاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62342 / تحميل: 7092
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعن سدير قال: قلت لأبي عبد الله(ع): إِنَّ قوماً يزعمون أنَّكم آلهة، فقال(ع) :((يا سدير، سمعي وبصري ولحمي وبشري ودمي من هؤلاء براء. برئ الله منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ودين آبائي)) (١) .

وحسبك من علماء الشيعة أن يقولوا في البراءة من الغلاة: (عبد الله الأصم المسمعي البصري غالٍ ليس بشيء، وعبد الله الحضرمي - المعروف بالبطل - غالٍ يروي عن الغلاة، لا خير فيه ولا يعتدُّ بروايته، ومحمد بن مهران الكرخي من أبناء الأعاجم غالٍ كذَّاب، فاسد المذهب والحديث مشهور بذلك)(٢) وعلى ذلك قس أقوال الشيعة في بقيَّة الغلاة الذين لهم صلة قليلة بسند الأخبار، وقد ألَّف علماء الشيعة كتباً خاصَّة بالردِّ على الغلاة؛ والقرامطة بالخصوص، وفنَّدوا عقائدهما وأقوالهما، وأكثر تلك الكتب لآل نوبخت وللفضل بن شاذان ولسعيد بن عبد الله الأشعري.

فإِذا كان الشيعة وأئمَّتهم الأطهار قد تبرَّأوا - كما رأيت - من الغلاة وعقائدهم وردُّوا عليها في كتب خاصَّة، فلنتساءل إِذن عمَّا هو؛

٤ - السرُّ في عدِّ الفِرق الغالية من الشيعة؟

.. إِنَّ هذا السرَّ وإِنْ كان خفيَّاً في بدء الأمر على كثير من الناس، لجليٌ وظاهر لدى المطَّلعين على تلك الدعايات المتلوِّنة التي كان يستغلُّها خصوم العلويِّين؛ وبالأخصِّ خصوم الأئمَّة الميامين.

وكان الغرض المهمُّ من تلك الدعايات الأثيمة ليس إِلاّ إِضعاف منزلة العلويِّين السامية في الأمَّة الإِسلامية، أو إِزالة تلك الثقة التي كانت لهم في القلوب، فلا تميل إليهم بعدئذٍ ولا تشايعهم أو تبذل جهدها في نصرتهم.

وقد ذكرنا - في مطاوي الفصول السابقة - أنموذجاً مِن اتهامات بني

____________________

(١) المنهج، ص٢٥٨.

(٢) رجال النجاشي، ص١٥١، و١٥٧، و٢٤٧، وهكذا في منهج المقال، وخلاصة العلاّمة.

١٨١

اُميَّة لعليّ وبنيه وأَحفاده(عليهم السلام)، وذكرنا أيضاً بعض الأحاديث التي وضعها الوضَّاعون - بإِيعاز من بعض الأمويِّين - في ذمِّ عليٍّ(ع) خاصَّة وآل أبي طالب عامَّة، فلا حاجة إِلى الإِعادة.

وإِذا أردتَ أن تعرف إِلى أيِّ حدٍّ بلغ تشنيع القوم على الشيعة بنسبة عقائد الغلاة وغيرها من العقائد الفاسدة إِليهم، فأنظر: (العقد الفريد/ج١/ ص٣٥٢) تجد كلاماً طويلاً عريضاً للشعبي؛ (وهو من أخلاّء عبد الملك بن مروان وسمراؤه قد أرسله إِليه الحجَّاج بن يوسف)(١) .

وعلى الرغم من تقدُّيم هذه الدعاية الأمويَّة ضدَّ الشيعة وأئمَّتهم(عليهم السلام) فقد سبقتها الدعاية العبَّاسية بأشواط بعيدة؛ لأنَّ العبَّاسيِّين رأَوا - أيَّام الدولة الأموية كيف أنَّ القهر على البيعة، والضغط على العقيدة، والإسراف في القتل، لم تؤثِّر الأثر المطلوب في العلويِّين؟ ولم تمح اسمهم الكريم من القلوب، وذكرهم الجميل من الألسن، وثقتهم العظمى من النفوس، بل ولم تفتَّ في ساعدهم أَو تفني أنصارهم وأشياعهم؛ وإِنَّما الأمر كان على

عكس المطلوب. لمـَّا رأى العبَّاسيُّون ذلك في الدولة الأموية، ولمَّا كانوا يعلمون يقيناً أنَّ الناس أميل إِلى العلويِّين؛ لتجمُّع الخصال الفاضلة في شخصيَّاتهم الكريمة، وخصوصاً شخصيَّة أبيهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) ذلك الرجل الذي (قلَّ أَنْ وُجد في التاريخ البشري مثله في كمال صفاته، وكثرة فضائله، وُعلُوِّ مزاياه)(٢) ،لمـَّا كانوا يعلمون ذلك، التجأوا - بطبيعة الحال - إِلى الخداع؛ فبايعوا بعض العلويِّين ([نضير:] محمد بن عبد الله الحسني)، وكان الصادق(ع) قد نهاه عن قبول هذه البيعة من آل العبَّاس؛ لعلمه بنواياهم في هذا الأمر، فلم ينته، ولكنَّه ما لبث قليلاً حتّى ظهر لديه نصح الصادق له في نهيه. وتجلَّى له هذا الظهور عندما رأى

____________________

(١) العقد الفريد، ج١، ص١٩٨.

(٢) حاضر العالم الإِسلامي، ج١، ص١٣.

١٨٢

العبَّاسيِّين قد هرولوا نحو الكوفة، وأخذوا - بدافع الأنانيَّة - البيعة لأنفسهم من الناس، ولم يعطوا البيعة التي كانت له في أعناقهم أيَّ التفات، بل تعمَّدوا نكثها وراحوا - بعد أن ثبَّتوا دعائم ملكهم - يتَّبعون خطَّة الأمويِّين في الشيعة، متناسين ما رأوه من عدم النجاح لتلك الخطة الإفنائية النجاحَ المطلوب.

قتل المنصور - كما تقدَّم - جماعة من الحسنيِّين؛ وفيهم محمد وأبوه، وقَتل مَن نهض مع محمد من علماء الإِسلام، وقَتل أيضاً إبراهيم أخا محمد ومَن قام معه من أهل الفقه والحديث، وقتل مَن ناصحهما من العلماء؛ كالإِمام أبي حنيفة، وقَتل الذين قاموا بعده جمعاً غفيراً من آل أبي طالب في الحجاز والعراق ومصر واليمن وإيران، ولكن كان كلَّما ازداد الضغط والتقتيل، ازداد أنصار العلويِّين، وتحمَّسوا كثيراً في التفاني بنصرتهم والجهاد في سبيلهم، وكان الراسخون في العلم من بني الحسين(ع) قد اتجهوا - في هذه الفترة التي ارتبك فيها العبَّاسيُّون بأمر الحسنيِّين - نحو بثِّ العلوم الإِسلامية وتدريسها بأنواعها في الحجاز والعراق أيضاً، وكان مقدَّمهم وأظهرهم فضلاً وعلماً أبو جعفر الصادق(ع)؛ ولذلك التفوا حوله، هُم وغيرهم، فكثر الرواة عنه على اختلاف مذاهبهم حتّى بلغوا

أربعة آلاف، فغاض المنصور ذلك، وأشخص الصادق إليه ووبَّخه وهدَّده واتَّهمه بأنَّه يُلحد في سلطانه. والحقيقة أنَّه رأى مثل هذا الظهور العلمي كحرب سلمي تكون نكايته أشدَّ، ويكون أثره أعظم من المقابلة بالسيف؛ فلذلك عدل قليلاً عن الإِسراف بالقتل والتفت إِلى الدعاية الهادئة ضدَّ العلويِّين، ولم يُهمل هذه الناحية مَن تخلَّف بعده، وخصوصاً الرشيد الذي بذل لأبان عشرين ألف درهم على أبيات قالها في التشنيع على العلويِّين.

وقد ساعدتهم الظروف على هذه الدعاية الفاشلة في تلك الأيام

١٨٣

التي كثر فيها ظهور البدع والغُلو من قوم كانوا يتردَّدون من قبلُ على مجالس الصادق وأبيه الباقر(عليهما السلام) وينسبون أنفسهم إِلى التشيُّع لهما وإِلى غيرهما من العلويِّين.

استغلَّ المنصور الفتَّاك المـُهاب من الرعية هذه الظروف، وأَشار مباشرة، أو غير مباشرة، إِلى حبِّه الدعاية ضدَّ العلويِّين بشتّى الدعايات، فاغتنم المرتزِقون من الكتاب والشعراء هذه الفرصة السانحة لاستدرار الدراهم عن طريق التقرُّب بما يُرضي المنصور؛ من وضع الأحاديث ونسبة الغلو والغلاة وكلِّ سخافة إِلى الشيعة العلوية، وهكذا فعل بعض الوعَّاظ من عبَّاد المال.

وهكذا كان أكثر من تخلَّف بعد المنصور؛ وخصوصاً المتوكِّل الذي كان (يقول يوماً لبعض خاصَّته: ويحكم، قد أعياني أمر ابن الرضا، وجهدت أن يشرب معي وأن ينادمني، فامتنع، وجهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى، فلم أجدها، فقال له بعض مَن حضر: إِنْ لم تجد مِن ابن الرضا ما تريده مِن هذه الحال، فهذا أخوه موسى يشرب ويتخالع فاحضره واشهره، فإنَّ الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك، فلا يُفرَّق بينه وبين أخيه، ومَن عرفه اتهم أخاه بمثل فعاله)(١) .

عرفتَ أكثر فِرق الغلاة، وعرفتَ السرَّ في حشرهم بين الشيعة، ولكن لم تعرف في كتابنا هذا فِرقة القرامطة المعرفة التامَّة، ولا فِرقة الباطنية من الإِسماعيلية، ولا الغاية من الطعن بنسب الفاطميِّين، خلفاء مصر؛ لأنَّا لم نفرد لذلك بحثاً خاصّاً، مع أنَّ بعض الباطنية والقرامطة، بأجمعهم، كانوا أشدَّ غلوَّاً من جميع الغلاة، وأعظم ضرراً على الخلق، وأكثر فساداً في الأرض؛ وهذا ما دعانا إِلى البحث هنا عن؛

٥ - القرامطة وتاريخهم بإيجاز:

(حدث مذهب القرامطة؛ المنسوبين إِلى حمدان الأشعث المعروف بقِرمط

____________________

(١) المفيد، الإرشاد، ص٣٥٧.

١٨٤

لقصر قامته ورجليه وتقارب خطوه، في سنة أربع وستين ومائتين (٢٦٤ هـ)، وكان ظهوره بسواد الكوفة، فاشتهر مذهبه بالعراق، وقام ببلاد الشام صاحب الحال والمدَّثِّر(١) والمطوَّق، وقام أبو سعيد الجنابي(٢) بالبحرين وعظمت

____________________

(١) المدَّثِّر: اسمه عبد الله، ولقَّبه بالمدَّثِّر ابن عمِّه الحسين صاحب الشامة وجعله ولي عهده، وحارب المدَّثِّر مع ابن عمِّه عساكر الأمير طغج في الشام سنة ٢٩٠ هـ حتّى أخذوها صلحاً، ثُمَّ تغلَّبوا على حمص وحماة والمعرَّة وغيرها، وأخذوا سلمية بالأمان، ثُمَّ قتلوا أهلها حتّى صبيان المكتب، فخرج إِليهم المكتفي من بغداد ونزل الرُّقة وأرسل منها الجيوش، ولمَّا قابلت الجيوش جماعة القرامطة في قرية تمنع، انكسر القرامطة وفرَّ صاحب الشامة والمدَّثِّر، فأُمسكا وأرسلا إِلى المكتفي، فسار بهما إِلى بغداد وقتلهما فيها

سنة ٢٩١ هـ. انظر: تاريخ أبي الفداء، مجلَّد ٢.

(٢) كان قيام أبي سعيد الجنابي - واسمه الحسن بن بهرام - في سنة ٢٨٦ هـ استولى على هجر والإحساء والقطيف وسائر بلاد البحرين إِلى أن قُتل سنة ٣٠١ هـ؛ قتله خادم له صقلبي مع أربعة من كبرائهم في الحمام، فقام ابنه أبو طاهر سليمان وتغلَّب على أخيه الأكبر سعيد، وكبس البصرة ليلاً وقتل عاملها وأقام بها ١٧ يوماً يقتل وينهب، وفي سنة ٣١٥ هـ سار إلى الكوفة واستولى عليها وقتل يوسف بن أبي الساج قائد عسكر المقتدر، وفي سنة ٣١٧ هـ غزا مكَّة ونهب الحاج وقتلهم في المسجد وداخل الكعبة، وقتل أمير مكَّة وقلع باب البيت ونقل الحجر إِلى هجر، وطرح القتلى في بئر زمزم. وكان موت طاهر هذا بالجدري سنة ٣٣٢ هـ. وبقي الحجر عند القرامطة حتّى أرجعوه سنة ٣٣٩ هـ، ثُمَّ في سنة ٣٦٠ هـ كبسوا جعفر بن فلاح نائب المعزِّ الفاطمي خارج دمشق وقتلوه وملكوا دمشق، ثُمَّ في سنة ٣٦١ هـ قصدوا مصر، ومعهم خلق من الإِخشيدية، فحاربهم جوهر قائد المعزِّ وانتصر عليهم أخيراً ، فعادوا إِلى الشام، ثُمَّ في سنة ٣٦٣ هـ عادوا إِلى مصر، فخرج إليهم المعزُّ بنفسه وقتل منهم خلقاً كثيراً، فساروا إِلى القطيف، ثُمَّ في سنة ٣٦٥ هـ عادوا فقاتلهم العزيز ابن المعزِّ في الرملة قتالاً شديداً، وكان كبيرهم في هذه الوقائع الحسن المعروف بالأعصم وقد مات في الرملة سنة ٣٦٦ هـ وتولَّى أمرهم بعده ستة نفر منهم شركة، وسمُّوا السادة، فقصدوا في سنة ٣٧٥ الكوفة مع نفرين من الستة، فجهز إِليهم صمصام الدولة البويهي جيشاً هزمهم وأكثر فيهم القتل، فانحرفت من يومئذ هيبتهم، ولم تقم لهم قائمة. وإذا أردت تفاصيل وقائعهم، فعليك بكتب التاريخ المطولة، والمختصرة أيضا؛ نظير: تاريخ أبي الفداء، مجلَّد٢، وتاريخ ابن عساكر، مجلَّد٤.

١٨٥

دولته ودولة بنيه حتّى أوقعوا بعساكر الخلفاء العبَّاسيِّين، وغزوا بغداد والشام ومصر والحجاز، وانتشرت دعاتهم بأقطار الأرض، فدخل جماعة من الناس في دعوتهم، ومالوا إِلى قولهم الذي سمُّوه: علم الباطن؛ وهو تأويل شرائع الإسلام وصرفها عن ظواهرها إِلى أُمور زعموها من عند أنفسهم، فضلُّوا وأضلُّوا عالماً كثيراً(١) . وقيل غير ذلك في تاريخ ظهور حمدان هذا وفي تسميته بقِرمط. يقول الوطواط: (ظهر في أيَّام خلافة المعتمد سنة ٢٧٨ هـ من سواد الكوفة رجل أحمر العينين يسمَّى: كرميته، فاستثقلوا هذه اللفظة فخففوها وقالوا: قرمط، ثُمَّ ذكر أنواع تعاليمه وبدعه الفاسدة، وذكر أنَّ المعزَّ الفاطمي وقائده جوهر قد حاربا القرامطة حروباً دامية سنة ٣٦٢ هـ)(٢) .

ويقول ابن خلِّكان: (والقرامطة نسبتهم إِلى رجل من سواد الكوفة يقال له: قِرمط؛ بكسر القاف، ولهم مذهب مذموم، وكانوا قد ظهروا في سنة ٢٨١ هـ في خلافة المعتضد، وقيل: كان ظهورهم في سنة ٢٧٨هـ)(٣) .

ويرى أبو الفداء: (أنَّ ظهورهم كان في هذه السنة؛ أي سنة ٢٧٨ هـ، في سواد الكوفة، وأنَّ الرجل الذي دعاهم إلى مذهبه كان شيخاً وقد تمرَّض بقرية من سواد الكوفة، فحمله رجل من أهل القرية يقال له: كرميته لحمرة عينيه، وهو بالنبطية اسم لحمرة العين، فلمَّا تعافى الشيخ المذكور سُمّي باسم ذلك الرجل الذي آواه ومرَّضه، ثُمَّ خُفِّف، فقالوا: قِرمط، بكسر القاف، ودعا قوماً من أهل البادية ممَّن ليس لهم دين ولا عقل إلى دينه، فأجابوه)(٤) .

ولا يهمنا أكان الرجل الذي دعا القرامطة هو نفس الرجل المـُسمَّى بقرمط

____________________

(١) خطط المقريزي، ج٤، ص١٨٣.

(٢) الخصائص الواضحة، ص٢١٢، وص٢١٥.

(٣) وفيَّات الأعيان، ج١، ص٥٠٢.

(٤) تاريخ أبي الفداء، ج٢، ص٥٥، وقد روى ابن الجوزي(تلبيس إبليس، ص١١٠) هذا السبب لتسميتهم بالقرامطة والسبب الأوَّل الذي رويناه عن المقريزي ولم يرجِّح أحدهما على الآخر.

١٨٦

أو غيره ولكنّه سُمِّي باسم قرمط؟ وإِنَّما يهمنا أن نعرف تاريخ ظهورهم في أيِّ سنة كان؛ لنعرف أكان في زمن الأئمَّة من أهل البيت أم لا؟ وقد رأيت اختلاف الروايات في تحديد زمان ظهورهم، والأرجح أنَّه كان في سنة ٢٧٨ هـ؛ أي بعد انقضاء زمن الأئمَّة الميامين وفي أثناء الغيبة الصغرى للإِمام الثاني عشر(ع)؛ ولذلك لم نرَ ذكراً

للقرامطة - بالخصوص - في أحاديث البراءة المأثورة عنهم (عليهم السلام)، ولكن الأحاديث التي ذكرناها قريباً في البراءة من الغلاة شاملة للقرامطة بطريق أولى؛ لأنَّهم من أقبح الغلاة، فليس من الحقِّ أن يقال: (ومن الشيعة فِرقة الباطنية، ثُُمَّ القرامطة) في حين أنَّ علماء الشيعة قديماً وحديثاً يبرأون من كلِّ غالٍ، ومن القرامطة بالخصوص، وقد ألَّّفوا كتباً كثيرة في الردِّ عليهم، وذكروهم في كتب اللغة وفي كتب التراجم. وإليك أُنموذجاً صغيراً منها:

قال صاحب مجمع البحرين في اللغة عند مادة قِرمط: (والقرمطي واحد القرامطة ومنه تحوَّل الرجل قرمطياً؛ وهم فِرقة من الخوراج عن الإِسلام، وعن الشيخ البهائي أنَّه دخلت في سنة ٣١٠ القرامطة إِلى مكَّة المكرَّمة في أيَّام الموسم وأخذوا الحجر الأسود وبقي عندهم عشرين سنة وقَتلوا خلقاً كثيراً، وممَّن قتلوا عليَّ بن بابويه؛ كان يطوف فقطعوا طوافه وضربوه بالسيف، فأنشد:

ترى المحبِّين صرعى في ديارهم

كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا)(١)

وقال صاحب روضات الجنَّات: (والقرامطة هم فرقة من الخوارج الكفرة قد كتب بعض أصحابنا الإِمامية في الردِّ عليهم. إِلى أن ذكر دخول أبي ظاهر القرمطي مكَّة المكرَّمة يوم التروية وما فعله في الحاج من النهب والقتل ودفن القتلى في المسجد وفي بئر زمزم. وقلع باب الكعبة وهدم قبَّة زمزم ونقل الحجر الأسود إِلى هجر)(٢) .

____________________

(١) مجمع البحرين، ص٣٣٩.

(٢) روضات الجنَّات، ص٣٧٩.

١٨٧

وقد اختلفت كلمات المؤرِّخين اختلافاً عظيماً في التعاليم القرمطية كما اختلفت أقوالهم في أصل تلك التعاليم وفي مصدرها وفي تاريخ المذهب القرمطي، الأمر الذي دعانا إلى عدم الاطمئنان والجزم بتلك الكلمات والأقوال التي لم توضح تقدُّم المذهب الإسماعيلي على القرمطي، ولكن ممَّا لا نشكُّ فيه أنَّ المذهب الإسماعيلي قد حدث في منتصف القرن الثاني؛ أي بعد وفاة الصادق(ع) بقليل، وفي هذا الوقت لم يكن اسم القرمطي في عالم الوجود، وإِنَّما وجد - كما تقدَّم - في أواخر القرن الثالث. ولا ننكر أنَّ التعاليم القرمطية قد وُجدت في أذهان الغلاة قبل ذلك، وبُثَّت فيما بعد بين القرامطة؛ والذين بثُّوها في أذهانهم هم نفرٌ من الغلاة الباطنية؛ حيث سيَّروا الحسين الأهوازي داعية إِلى العراق، فلقي حمدان القرمطي ودعاه إِلى مذهب الباطنية، فاستجاب له. والأهوازي هذا كان من الباطنية، بل قيل: (أنّه الزعيم الأوَّل لهم والمؤسِّس لمذهبهم) الذي انتشر انتشاراً هائلاً في أواخر القرن الرابع(١) أَي في أيَّام الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي تولَّى الخلافة سنة ٣٨٦ وفتح دار الحكمة في سنة ٣٩٥ هـ وقُتل سنة ٤١١ هـ، فدخل هذه الدار جماعة من فلول القرامطة (الذين هزمهم صمصام الدولة البويهي سنة ٣٧٥) وتولُّوا شؤون دار الحكمة، فدسُّوا في تعاليم الإسماعيلية الأولى ما لا يتَّفق والتعاليم الإِسلامية بوجه؛ ولهذا (يقال: أن أصل دعوة الإِسماعيلية مأخوذة من القرامطة ونسبوا من أجلها إِلى الإلحاد)(٢) .

ولا يبعد أن تكون دعوة الإِسماعيلية التي نظمت في دار الحكمة مأخوذة من

____________________

(١) وكثُر أتباعه أيضاً في أواخر القرن الخامس يوم ترأسهم الحسن بن الصباح بأصبهان وبني لهم القلاع الحصينة وكان يسمَّى بعضها بقلعة الموت، فاستفحل أمرهم حتَّى آل إِلى سرقة الملوك والأمراء وقتلهم، ثُمَّ رميهم في الآبار؛ وحتَّى أنَّ الإنسان كان إذا خرج خارج بيته، أيس منه أهله وظنُّوا أنَّه اغتيل في الطريق؛ وسيأتيك مزيد بيان.

(٢) خطط المقريزي، ج٢، ص٢٢٣، و٢٣٤.

١٨٨

القرامطة الذين أخذوا تعاليمهم الأولى من زعيم الإسماعيلية الأهوازي، فيكون القرامطة قد أخذوا أوَّلاً، ثُمَّ أعطوا ثانياً. وكما علَّمهم بعض الإسماعيلية الغلوَّ علَّموه هم لبعض آخر من الإِسماعيلية الذين كانوا خلواً منه.

وعلى كلٍّ... يهمُّنا أن نعرف الآن هل كان الخلفاء الفاطميُّون من غلاة الإسماعيلية؟ وهل كان الذين كانوا بعد الحاكم يعتقدون بإِلهيَّته كما اعتقدها غيرهم؟ ولمَّا كان الجواب القطعي عسراً للغاية؛ لأنَّ ما كُتب عن القوم كان شديد الغموض فاحش الاضطراب، وخصوصاً ما يتعلَّق بعقائدهم، فإِنَّه - زيادة على ذلك - في غاية المبالغة والتحامل الغريب، الأمر الذي يدع الكاتب يتردَّد كثيراً في الإِقدام على الحكم الجازم، ويشكك في كثير ممَّا نسب إِلى القوم من الخرافات والبدع والكفر والزندقة، فضلاً عن رميهم بكونهم أدعياء في النسب.

لمَّا كان الأمر على هذا الحال المـُريب، التجأنا إِلى الحكم فيما نكتب عنهم على سبيل الظن والاحتمال والترجيح، واقتصرنا على

٦ - كلمة موجزة في الفرقة الباطنية وفي الغاية من الطعن على الفاطميِّين ونسبهم:

عرفت أنَّ الإِسماعيلية اختلفوا بموت إسماعيل في حياة أبيه (فمنهم مَن قال لم يمت إِلاَّ أنَّ أبوه أظهر موته تقيَّة من بني العبَّاس، ومنهم مَن قال: الموت صحيح، والنصُّ لا يرجع قهقري؛ والفائدة في النصِّ بقاء الإِمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيره، فالإِمام بعد إِسماعيل محمد بن إسماعيل؛ وهؤلاء يقال لهم: المباركية، ثُمَّ منهم مَن وقف على محمد بن إِسماعيل وقال برجعته بعد غيبته، ومنهم مَن ساق الإِمامة في المستُورين منهم، ثُمَّ في الظاهرين القائمين من بعدهم؛ وهم الباطنية الذين لهم مقالة مفردة)(١) .

يقول الشهرستاني:

____________________

(١) انظر: مِلل الشهرستاني، ج١، ص٩٦.

١٨٩

(وإنَّما لزمهم هذا اللقب؛ لحكمهم بأنَّ لكلِّ ظاهر باطناً ولكلِّ تنزيل تأويلاً. ولهم ألقاب كثيرة؛ فبالعراق يُسمَّون الباطنية، والقرامطة، والمزدكية، وبخراسان التعليمية والملحدة، ثُمَّ إنَّ الباطنية القديمة قد خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة وصنَّفوا كتبهم على ذلك المنهاج، فقالوا في الباري تعالى: إِنَّا لا نقول هو موجود ولا لا موجود، ولا عالم ولا لا عالم، وكذلك في جميع الصفات) ثُمَّ ذكر تعاليمهم وشبهاتهم وقال بعدها: (ثُمَّ إِنَّ أصحاب الدعوة الجديدة تنكَّبوا هذه الطريقة حين أظهر الحسن بن الصباح دعوته وقصر عن الإلزامات كلمته، واستظهر بالرجال وتحصَّن بالقلاع، وكان بدء صعوده إِلى قلعة الموت في شعبان سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة وذلك بعد أن هاجر إِلى بلاد إِمامه وتلقَّى الدعوة منه لأبناء زمانه)(١) ثُمَّ ذكر كيفيَّتها بكلام طويل فراجع.

هذه بعض تعاليم الباطنية؛ أشرنا إِليها إِشارة لنعرف هل كان الفاطميُّون على هذه التعاليم السيِّئة أم لا؟ ، وإِنَّ ما رأيناه في التاريخ من أعمال الفاطميِّين الشهيرة في مصر، وأقوالهم المأثورة في التمسُّك بالدين، لممَّا يُوجب الظنَّ بأنَّهم ليسوا على مقالة الباطنية وتعاليمهم، وإِنْ وافقوهم بسوق الإِمامة في المستورين، ثُمَّ في الظاهرين، بل احتُمل أنَّ الحاكم بأمر الله الذي قال بإِلهيَّته بعض الباطنية، أو كلُّهم، كان ممَّن يسخر من مقالة الباطنية فيه ويعاقب عليها لو كانت في حياته، ولكنَّها كانت - على الأرجح - بعد وفاته.

وعلى كلِّ حال... فلا يسوغ لمنصف أن يعتبر القائلين بالغلو - سواء كانوا باطنية أو غير باطنية - من الشيعة ولا من المسلمين، وهكذا كلُّّ مَن ينكر إِحدى ضروريات الدين الإِسلامي. أمَّا الذين لا ينكرون شيئاً منها - وإِن جادلوا في بعض المسائل النظرية أو أنكروا دليلها - فهم مسلمون حقيقة، وإذا كانوا من الموالين لأمير المؤمنين(ع)، فهم مسلمون شيعيُّون. ويدخل، على الظاهر، في

____________________

(١) المِلل، ص١١٢.

١٩٠

هؤلاء جلُّ - إن لم نقل كل - الخلفاء الفاطميِّين، وجلُّ البيت الفاطمي؛ لأنَّهم كانوا متشدِّدين في إِسلاميَّتهم وفي ولاءهم لأمير المؤمنين وأهل بيته(عليهم السلام)، وكانوا يقيمون شعائر الإِسلام أينما حلُّوا، ويعمرون المساجد والمعاهد العلمية الإِسلامية، ويبالغون في الإنفاق عليها وعلى فقراء المسلمين، وخصوصاً في مصر، حتّى قيل بحق: (إِنَّ أيَّامهم في مصر كانت كلَّها أعياداً) ولقد نال أهل مصر من جميلهم وبِرِّهم ما لا يحصى عدُّه.

ولا نبالغ إذا قلنا إِن أهمَّ الآثار الإسلامية الباقية إلى الآن في مصر، من مآثرهم الخالدة، ويكفي في التدليل على ذلك (الجامع الأزهر) الذي بناه القائد جوهر بأمر سيِّده المـُعزِّ الفاطمي.

نعم، لا ننكر أنَّ (القوم) كانوا - كغيرهم من الملوك - يستعملون التعصُّب لمذهبهم الإسماعيلي، ويضغطون على حرِّيَّة المذاهب الأخرى ولو كانت تمتُّ إلى

مذهبهم بقرابة، وكان بعضهم يستبدُّ كثيراً، ويميل عن الحق في أغلب أعماله، وهذا ممَّا لا سبيل إلى إِنكاره، وإِنَّما ننكر أن يؤخذ من ذلك دليلاً على غلوِّهم وكفرهم وتزندقهم مِن غير أن نعلم هل كانوا في ارتكابهم لتلك المحرَّمات - مثلاً - يعتقدون حليَّتها وينكرون تحريمها المستلزم لإِنكار الكتاب العزيز الذي نصَّ على تحريمها أم لا؟

وكيف نحكم بكفرهم؟ من دون أن يقوم لنا دليل صريح موجب لكفرهم من طريق صحيح، أو من اعتراف منهم وتصريح بالكفر الذي ضيَّق الشارع دائرته ولعن مَن يتسرَّعون في إصدار الحكم به.

نعم، كيف نحكم بكفرهم - كما حكم السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء - في حين أنَّا نرى الحاكم بأمر الله؛ وهو أعظمهم كفراً وشرُّهم أعمالاً بنظر البعض (يخرج رقعة بخطه سنة ٤٠٣ هـ إِلى أمين الأمناء لمـَّا توقَّف في الإِنفاق على الناس؛ نسختها:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله

١٩١

أصبحت لا أرجو ولا اتَّقي

إِلاَّ إِلهي وله الفضل

جدي نبيٌّ وإِمامي أبي(١)

وديني الإِخلاص والعدل

(مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ) المال مال الله والخلق عياله، ونحن أمناؤه، اطلق أرزاق الناس ولا تقطعها)(٢) .

فهل يدلُّ هذا الشعر والنثر إِلاّ على محض الإِخلاص والتوحيد لله تعالى والعدل في الرعية بالرغم ممَّا نسب إليه من جور؟

على أنَّ الرجل قد أُصيب في أواخر أيَّامه بخلل في دماغه، فلا تؤخذ أعماله مقياساً لمـَن تقدَّم عليه أو تأخر عنه مِن قومه الفاطميِّين، وفيهم مَن عُرف بالعلم والرفق والعدل.

ويكاد المرء أن يعتقد بعد ذلك، بأنَّ كلَّ ما نُسب إِلى (القوم) مبالغ فيه، أو مكذوب به

عليهم؛ لأنَّ التعصُّب المذهبي والعداء السياسي، قد بلغا الغاية في أيَّام القوم حتّى أنَّهم أنفسهم كانوا في لجَّةٍ عميقة من التعصُّب المذهبي البغيض، دفعتهم كثيراًً إِلى إِكراه الناس على اعتناق مذهبهم الإسماعيلي وترك غيره من المذاهب التي اعتقدها أهلها منذ الصغر، ولقد كان تعصُّب الفاطميِّين حتّى على مَن هو قريب منهم في المذهب.

ينقل لنا المقريزي: (أنَّ المـُعزَّ كتب إِلى قائده جوهر يُحذِّره من بني حمدان، ويقول له: إِنَّ بني حمدان يتظاهرون بثلاثة أشياء عليها مدار العالَم وليس لهم فيها نصيب: يتظاهرون بالدين والكرم، وليس لهم منهما نصيب، ويتظاهرون بالشجاعة، وشجاعتهم للدنيا لا للآخرة، فاحذر كلَّ الحذر من الاستناد لأحدٍ منهم)(٣) .

____________________

(١) يعني به عليَّاً أمير المؤمنين(ع)؛ لأنَّهم كانوا في خطبتهم يقولون: السلام على أبينا أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب إمام الأمَّة وكاشف الغمَّة. انظر: خطط المقريزي، ج٢، ص٣٣١.

(٢) الخطط، ج٤، ص٢٦٧.

(٣) الخطط، ج٢، ص١٦٥.

١٩٢

وهذه الكلمة من المعزِّ الفاطمي - وإِنْ كانت في معرض التحذير - تفهمنا ما بلغ الرجل من التعصُّب المذهبي الشديد؛ لقوله فيها: (ويتظاهرون في الدين)؟

ومن البديهي في التاريخ أنَّ بني حمدان كانوا من الشيعة الإمامية الاثني عشرية الذين حموا ثغور المسلمين وجاهدوا في سبيل الدين أكبر جهاد حتّى أنَّ سيف الدولة قد جمع الغبار الذي تجمَّع عليه أيَّام غزواته لأعداء الدين وجعله بصورة (لبنة) وأوصى أن توضع معه في قبره، أضف إلى ذلك احترام العلماء، وصلة الشعراء، وتقديس الشعائر الدينية.

دخل الفاطميُّون إِلى مصر يُرافقهم التعصُّب لمذهبهم، والتفاني الصريح في حبِّ

أهل الكساء(ع) حتّى أنَّ المعزَّ (أمر في رمضان سنة ٣٦٢ هـ أن يُكتب على سائر الأماكن بمدينة مصر: خير الناس بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام)(١) . وفي سنة ٣٦٥ هـ (جلس القاضي بالجامع الأزهر وأملى المختصر المعروف بالاقتصاد وقرأه على الناس؛ وهو يشتمل على فقه الإِسماعيلية. وفي سنة ٣٧٢ هـ أمر العزيز بقطع صلاة التراويح من جميع البلاد المصرية، وفي سنة ٣٨١ هـ ضرب رجل بمصر وطيف به المدينة من أجل أنّه وجد عنده كتاب الموطأ لمالك بن أنس)(٢) .

هكذا كان الفاطميُّون حين دخولهم إِلى مصر في الوقت الذي تملَّك فيه التعصُّب للأمويِّين قلوب المصريِّين (فكانوا إِذا لقوا أحداً في الطريق، قالوا له: مَن خالك ؟ فإِن لم يقل معاوية وإِلاَّ بطشوا به وشلَّحوه. ولمَّا دخل جوهر قائد المعزِّ الفاطمي إلى مصر وبنى القاهرة، أذَّن في جميع المساجد الجامعة وغيرها، حيِّ على خير العمل ، وأعلن بتفضيل عليّ بن أبي طالب على غيره، وجهر بالصلاة على الحسن والحسين وفاطمة الزهراء(رض)، فقابله الرعيَّة ونادوا:

____________________

(١) خطط المقريزي، ج٤، ص١٥٦.

(٢) الخطط المقريزي، ج٤، ص١٥٦، و١٥٧.

١٩٣

معاوية خال عليّ، وخال المؤمنين. فأرسل جوهر رجلاً إِلى الجامع فنادى: أيُّها الناس، أقلُّوا القول ودعوا الفضول، فلا ينطقنَّ أحد إِلاَّ حلَّت به العقوبة الموجعة)(١) فكان من المعقول أن يشتدَّ التصادم بين ذينك التعصُّبين، وأن تجري حوادث خطيرة، ولكن سرعان ما خضع المصريُّون ودان أكثرهم بالمذهب الإسماعيلي، وصدق فيهم يومئذ قول المقريزي: (إنَّ من طبيعة المصريِّين قلَّة الصبر والجلَد، وأخلاقهم يغلب عليها الاستحالة والتنقُّل من شيء إِلى شيء والدعة والجبن)(٢) .

وإِذا ألقيت نظرة إِجمالية على تاريخهم أيّام استعباد الفراعنة إِيَّاهم، وأيَّام الخصيِّ جوهر، والحاكم بأمر الله، والمماليك وغيرهم، تُصوِّب المقريزي بنسبة الجبن إليهم، وإذا سبرت تنقُّلهم من التشيُّع أيَّام علي إِلى النصب أيَّام معاوية ومَن بعده، ثُمَّ منه إِلى التشيُّع للعباسيِّين، ثُمَّ منه إِلى التشيُّع للفاطميِّين، ثُمَّ منه إِلى التشيُّع للأبويِّين وهلمَّ جرَّا؛ إذا سبرت ذلك، توافق المقريزي أيضاً على قوله: (وأخلاقهم يغلب عليها الاستحالة والتنقُّل من شيء إلى شيء).

دان المصريُّون بالمذهب الإسماعيلي مأتين ونيِّف سنة، أخلص له القليل وكاده الباقون، وكان (لهم خبرة بالكيد والمكر، وفيهم بالفطرة قوَّة عليه، وفي مكرهم يقول أبو نؤاس:

فَإِن يَكُ فيكُم إِفكُ فِرعَونَ باقِياً

فَإِنَّ عَصا موسى بِكَفِّ خَصيبِ(٣)

لذلك لا يبعد أن يكون ما نُسب إلى الفاطميِّين ورُموا به، ناشئاً من المصريِّين الذين لم يخلصوا للمذهب الإسماعيلي وأئمَّته الفاطميِّين، وعاضدهم على ذلك العبَّاسيُّون الذين رأوا مزاحمة الفاطميِّين الشديدة حتّى زاحموهم على الخلافة الإسلامية بالمناكب وقربوا من بغداد عاصمة العبَّاسيِّين فالتجأوا إلى الدعاية ضدَّ العلويِّين عامَّة والفاطميِّين خاصَّة حتّى أنَّهم (كتبوا سنة ٤٠٢ هـ محضراً بأمر القادر يتضمَّن القدح في نسب العلويِّين

خلفاء مصر)(٤) .

____________________

(١) الخطط، مجلَّد٤، ص١٥٥، و١٥٦.

(٢) الخطط، مجلَّد ١، ص ٧١.

(٣) الخطط، مجلَّد ١، ص ٧٨.

(٤) تاريخ أبي الفداء، مجلَّد ٢، ص١٤٢.

١٩٤

(وكُتب (أيضاً) محاضرَ في بغداد سنة ٤٤٤ بالقدح في نسب الخلفاء المصريِّين ونفيهم من الانتساب لعليّ بن أبي طالب وسُيِّرت إلى الآفاق)(١) .

ولكن تلك المحاضر الفاشلة لم توهن عزيمة الفاطميِّين ونشاط دعاتهم في الأمصار، بل ظلُّوا مثابرين على العمل الجدِّي حتّى (أخذ لهم البساسيري بغداد سنة ٤٥٠ هـ وأقام فيها الخطبة للمستنصر الفاطمي، وفرَّ الخليفة القائم بأمر الله العبَّاسي، وسُيِّرت ثيابه وعمامته وغير ذلك إِلى مصر، وفي سنة ٤٥١ أُقيمت دعوة المستنصر بالبصرة وواسط وجميع تلك الأعمال، فقدم طغريل إِلى بغداد وأعاد الخليفة العبَّاسي وقتل البساسيري الذي خطب أربعين خطبة في بغداد للمستنصر الفاطمي)(٢) .

نعم، لم تؤثِّر تلك المحاضر - على ما يظهر - في دولة الخلفاء الفاطميِّين، بل عاشت بعد ذلك ما يقرب من قرن وربع قرن، لكنَّها قد أفادت أولئك الكتاب المرتزِقين الذين سطَّروها في كتبهم على غير تفكير وتعقُّل في الدافع إليها والغرض منها، ولولا أن قيَّض الله سبحانه مَن فضح تلك المحاضر، لبقينا نعتقد بأنَّ القوم أدعياء في نسبهم الفاطمي.

وإليك ما قاله ابن خلدون غير المتَّهم بالنسبة إلى القوم؛ لأنَّه كان يراهم من الملاحدة في الدين ومن الكفرة، ومع ذلك حامى عن نسبهم أبلغ محاماة؛ حيث يقول: (ومن الأخبار الواهية ما يذهب إليه الكثير من المؤرِّخين في العبيديِّين، خلفاء الشيعة في القيروان والقاهرة، من نفيهم عن أهل البيت والطعن في نسبهم إلى إسماعيل؛ يعتمدون في ذلك على أحاديث لُفِّقت للمستضعفين من خلفاء بني العبَّاس تزلُّفاً إليهم بالقدح فيمَن ناصبهم..) إلى أن قال بعد كلام طويل: (والعجب من القاضي أبي بكر الباقلاّني يجنح إلى هذه المقالة ويرى هذا الرأي الضعيف! فإِنْ كان ذلك لمـَا كانوا عليه من الإلحاد في الدين والتعمَّق في الرافضية (؟) فليس ذلك بدافع في صدر دعوتهم، وليس إثبات مُنتَسبهم بالذي يُغني عنهم من الله

____________________

(١) الخطط مجلَّد٢، ص١٧٠.

(٢) المصدر نفسه.

١٩٥

شيئاً في كفرهم...إلخ)(١) .

وهناك محاماة ثانية عن نسب القوم لها قيمتها التاريخية؛ لأنَّها من المقريزي المصري الذي هو أدرى بخلفاء بلاده مصر، وأكثر اطلاعاً على دقائق أحوالهم وكيفيَّات أنتسابهم.

قال:

(اعلم أنَّ القوم كانوا يُنسَبون إلى الحسين بن عليّ بن أبي طالب (رضي لله عنهما)، والناس فريقان في أمرهم: فريق يُثبت ذلك، وفريق يمنعه ويزعم أنَّهم أدعياء من ولد ديصان البوني وأصله من المجوس. وبعض منكري نسبهم في العلوية يقول: إِنَّ عبد الله المهدي (جدُّهم) من اليهود...)

إلى أن قال:

(وهذه أقوال إن أنصفت، تبيِّن لك أنَّها موضوعة. إِنَّ بني عليّ(رض) قد كانوا إذ ذاك على غاية من وفور العدد وجلالة القدر عند الشيعة، فمَا الحامل لشيعتهم على الإِعراض عنهم والدعوة لإبنٍ مجوسي أو يهودي؟ فهذا ممَّا لا يفعله أحد ولو بلغ الغاية في السخف والجهل. وإِنَّما جاء ذلك من قبل ضعَفة بني العبَّاس عندما غصُّوا بمكان الفاطميِّين، فإِنَّهم كانوا قد اتصلت دولتهم نحواً من مائتين وسبعين سنة، وملكوا من بني العبَّاس بلاد المغرب، ومصر، والشام، وديار بكر، والحرمين، واليمن، وخُطب لهم ببغداد نحو أربعين خطبة، وعجزت عساكر بني العبَّاس عن مقاومتهم فلاذت حينئذٍ إلى تنفير الكافّة عنهم بإِشاعة الطعن في نسبهم، وبثَّ ذلك عنهم خلفائهم، وأعجب به أولياؤهم وأمراء دولتهم الذين كانوا يحاربون عساكر الفاطميِّين؛ كي يدفعوا بذلك عن أنفسهم وسلطانهم معرَّة العجز.. حتّى اشتهر ذلك الطعن ببغداد وأسجل القضاة بنفيهم من نسب العلويِّين وشهد بذلك من أعلام الناس جماعة منهم الشريفان الرضي والمرتضى في عدَّة وافرة عندما جمعوا لذلك في سنة ٤٠٢ أيَّام القادر(٢)

____________________

(١) المقدِّمة، ص١٥.

(٢) قد جعل ابن خلدون تاريخ هذه الشهادة سنة ٤٦٠ هـ في أيَّام القادر، وهو خلاف الواقع؛ لأنَّ القادر هذا توفِّي سنة ٤٢٢ هـ كما في تاريخ أبي الفداء (مجلّد ١، ص١٥٨) أي قبل تاريخ ابن خلدون لهذه الشهادة بثمان وثلاثين سنة.

١٩٦

وكانت شهادة القوم في ذلك على السماع(١) لِمَا اشتهر ببغداد وأهلها إِنَّما هم من شيعة بني العبَّاس الطاعنين في هذا النسب، والمتطيِّرين من بني عليّ(رض) والفاعلين فيهم منذ ابتداء دولتهم الأفاعيل، فنقل الإخباريُّون وأهل التاريخ ذلك كما سمعوه، ورووه حسب ما تلقُّوه من غير تدبُّر. والحق من وراء هذا، فتفطَّن، ولا تغتر بزخرف القول الذي لفَّقوه من الطعون في القوم)(٢) .

____________________

(١) ذكر ابن أبي الحديد في ترجمة الرضي( شرح النهج، مجلَّد ١، ص١٢): (أنَّ الرضيَّ لم يمض المحضر المكتوب في إِبطال نسب الفاطميِّين، وأنَّ والد الرضي قد حاوله على أن يمضيه، فما أجابه، وكذلك حاول أخوه المرتضى، فما أجابه أيضاً، فحلفا على أن لا يكلِّماه؛ تقية من القادر وتسكيناً له، ولكنَّه أجابهما على إِنكار الأبيات المشهورة التي أوُّلها:

ما مَقامي عَلى الهَوانِ وَعِندي

مِقوَلٌ صارِمٌ وَأَنفٌ حَمِيُّ

أحمُل الضَّيمَ في بلادِ الأَعادي

وَبِمِصرَ الخَليفَةُ العَلَوِيُّ

مَن أَبوهُ أَبي وَمَولاهُ مَولا

يَ إِذا ضامَني البَعيدُ القَصِيُّ

لَفَّ عِرقي بِعِرقِهِ سَيِّدا النا

سِ جَميعاً مُحَمَّدٌ وَعَلِيُّ)

والقرائن قويَّة على أنَّ إِنكاره الأبيات نزولاً على إِرادة أبيه وأخيه الذين حذرا عليه من انتقام القادر العبَّاسي وعلى أنفسهما أيضاً؛ ولذلك شهدا على المحضر، لا لأجل السماع والشهرة.

(٢) الخطط، ج٢، ص١٥٩.

١٩٧

الخاتمة(*)

خطأ ثابت في (الرسالة) أو دفع التهجُّم على شيعة إيران

جعلنا هذه الكلمة خاتمة الكتاب؛ لأنَّها لم تكتب له، وإِنَّما كتبت قبل تأليفه، بل وقبل التفكير فيه بثلاثة أشهر أو أربعة؛ أي يوم اطلعت على العدد ٣١ من مجلَّة الرسالة المصرية لسنتها الثانية وقرأت ما حواه من الأبحاث القيِّمة الطريفة والقصص التاريخية والأدبية الحافلة بشتّى الفوائد الجليلة، وأَعجبت كلَّ الإعجاب بأسلوب الأستاذ الزيَّات الجذَّاب، وذوقه الحسن، وابتعاده كثيراً عمَّا يثير الضغائن ويسبِّب التباعد بين الأمَّة، ولكن سرعان ما انقلب ذلك الإِعجاب بابتعاده عمَّا يسبِّب التباعد إلى تعجُّب شديد من نشره في العدد نفسه رِحلة الأستاذ محمد ثابت المصري (إلى خراسان)(١) المليئة باللَّسبات الطائفية البغيضة؛ لأنَّها

كانت - ولم تزل - هي وحدها الداء العضال الذي أنحل جسم المجتمع الإِسلامي و أوهى قواه، وأَمكن عدوَّه الجشع من قبضه بكلتا يديه وتشريحه بمبضعه السام، لتذهب بقايا قواه أو يمحى ذكره الجميل من صحيفة الوجود كما كان قبل بزوغ النور المحمدي من صحراء الجزيرة العربية.

وبنظرة بسيطة في المشاريع الجمَّة(٢) التي نظَّمها رجال الغرب في القرون الماضية (وفي طليعتهم البابوات) والتي كان هدفهم الأوَّل فيها محو تركيا أو تقسيمها - وهي يومئذٍ موئل الإسلام وساعده المتين - يعلم صدق ما قلناه.

____________________

(*) نشر أكثرها في الجزء الأوَّل من مجلَّد ٢٥ لمجلَّة العرفان الزاهرة.

(١) أدرج الرحَّالة هذا مقالة بهذا العنوان في كتابه: (جولة في ربوع الشرق الأدنى) ص ٢٠٠ إلى ص٢٢٢ وزاد عليه أموراً كثيرة خليقة بأن تصدر من غير معلِّم الآداب في كلية فاروق الثانوية بمصر.

(٢) انظر ما كتبه الأمير شكيب في (حاضر العالم الإسلامي) عن هذه المشاريع؛ لتعلم إلى أي حد بلغ لؤم القوم وجشعهم.

١٩٨

على أنَّنا بغنى عن الاستشهاد بالماضي البعيد؛ لأنَّ ما يقع نصب أعيننا في العصر الحاضر، عصر الإِنسانية والديموقراطية كما يسمُّونه، من أعمال (القوم) الفظيعة في نفس

مصر - بلد الزيَّات، وبلد الرحَّالة المصري - وفي جزئها السودان (كما يقولون)، وفي جارتها فلسطين الشهيدة، وسوريا المقسَّمة، وفي شقيقاتها طرابلس الغرب وتونس والجزائر وجاوى وغيرها، كافٍ لأنْ يكون عظة لمتَّعظ، وعبرة لمعتبر، ورادعاً قويَّاً عن نبش الدفائن البالية ونشر جراثيمها الموبوءة على هذه الأمَّة العليلة، المبتلاة - مع علَّتها المزمنة - بالعدوَّين الداخلي والخارجي.

نعم، تعجَّبتُ كثيراً من حامل مشعل (الرسالة المصرية) ليهدي بها الأمَّة ويلمَّ شتاتها؛ لنشره أمثال تلك اللَّسبات في مجلَّة الرسالة الراقية، حتّى أحوجنا إلى مناقشة (الرحَّالة) ومجادلته بالتي هي أحسن، خدمة للحقِّ وبياناً للحقيقة المهضومة في قول الرحَّالة هذا: (والسيَّارات الكبيرة تمرُّ تِباعاً، ذهاباً ورجعة، في كثرة هائلة، تحمل جماهير الحجَّاج (؟) لأنَّ (مشهد) خير لديهم من مكَّة المكرَّمة تغنيهم عن حجِّ بيت الله الحرام في زعمهم).

وقد كرَّر هذا اللَّسب القاسي بعد كلمات، فقال:

(والذي شجَّع الفُرس على اتخاذ مشهد كعبة مقدَّسة الشاه عبَّاس الصفوي أكبر ملوك الصفويِّين هناك.. صرف قومه عن زيارة مكَّة لكراهيَّتهم للعرب، ولكي يوفِّر على قومه ما كانوا ينفقون من مال طائل في بلاد يكرهونها، فاتخذ (مشهد) كعبة وجَّه الشعب إليها، ولكي يزيدها قدسيَّة، حجَّ إليها بنفسه؛ ماشياً على قدميه مسافة تفوق ألف كيلو متر ومأتين، فتحوَّل الناس إليها.

ويندر مَن يزور الحجاز منهم اليوم، وهم يحترمون كلمة (مشهدي) عن كلمة (حجي) لأنَّ مَن زار (مشهد) - لا شكَّ - أكثر احتراماً وطهارة ممَّن زار مكَّة بزعمهم).

ولقد ذكَّرتني كلمته هذه بكلمة لكاتبة فرنسيَّة، ورحَّالة مثله أيضاً، نشرتها الأحرار

١٩٩

البيروتية (٢٧ تشرين الثاني/ سنة ١٩٣٠م) ملخَّصها: (إِنَّه على أساس ذبح عليِّ وأولاده في كربلاء(؟) قرب بغداد قامت الشيعة في الإِسلام(؟) ذلك لأنَّ أقرباء عليَّ وخلفائه وتلاميذه، وعلماء الشيعة وفلاسفتها، لم يطيقوا خلافة عمر(؟) الذي بسببه أريق دم عليٍّ وأولاده(؟)فافترقوا عن السنَّة، واجتازوا جزيرة العرب إلى العجم(؟) تسير في طليعتهم أرملة عليّ فاطمة (؟) ).

ولو أراد مريد تلفيق الأعذار عن هذه المرأة الإفرنسية، لأمكنه ذلك؛ لأنَّها امرأة غريبة غربية، قليلة الإِلمام بتاريخ الإسلام والمسلمين، وبعيدة عنهم وطناً ولغة وديناً، وقد يكون لها غرض سياسي - كما يظهر من كلامها هذا - خصوصاً قولها: (لم يطيقوا خلافة عمر الذي بسببه أريق دم عليّ وأولاده) وعلى هذا الوتر البغيض يضرب الكثير من كتَّاب الإِفرنج الذين أصبحوا القدوة - ويا للأسف - لكثير من كتَّاب الشرق الأدنى.

وعلى أيِّ حال... فما عذر الرحَّالة المصري عن تلك اللَّسبات الأثيمة؟ وهو شرقي أوَّلاً، ومسلم ثانياً، وعربي ثالثاً، وعقائد شيعة الفُرس شرقية إسلامية عربية أيضاً، ومُدوَّنة بلسان عربي، ومطبوعة بأحرف عربية كبيرة وصغيرة، ومنتشرة في بلاد العرب؛ وفارس التي طبعت أكثرها في مطابعها العربية، ومنتشرة أيضاً في الهند والأفغان وتبت وغيرها من البلاد الشرقية والغربية، فليطلبها أولئكم الذين يعتذرون بندرة المصادر الشيعية ويجعلون ذلك مبرِّراً لأخطائهم، أو مسوِّغاً لاعتمادهم على المصادر الأجنبية أو المصادر التي أُلِّفت للتقرُّب من الحكام، ليطلبوها كي يعلمونا منها حقيقة العقيدة الشيعية، وأنَّ

الشيعة الإِمامية - فُرساً كانوا أو عرباً أو تركاً أو غير ذلك من العناصرـ يحترمون أئمَّتهم من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرا، ويزورون مشاهدهم المشرَّفة كما يزورون مدينة جدِّهم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنوَّرة، من غير خصوصيَّة عندهم لزيارة مشهد الإِمام الرضا(ع) زائدةٍ على غيرها.

نعم، يحكمون بزيادة الثواب للزائر من مسافة بعيدة على ثواب الزائر من

٢٠٠