الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ0%

الشيعة في التاريخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 216

الشيعة في التاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد حسين الزين
تصنيف: الصفحات: 216
المشاهدات: 62373
تحميل: 7092

توضيحات:

الشيعة في التاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62373 / تحميل: 7092
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

منها: طائفة (القرامطة) الذين أحدثوا مذهبهم سنة ٢٧٨ هـ، وانتحلوا حبّ أهل البيت كما أخبر عنهم أمير المؤمنين(ع) بقوله:((ينتحلون لنا الحبَّ والهوى، ويضمرون لنا البغض والقلى. وآية ذلك قتلهم وراثنا، وهجرهم أحداثنا)) . ذكر ذلك: ابن أبي الحديد في شرح النهج، ج٢، ص٥٠٨، ثُمَّ قال بعد ذلك: (وصحَّ ما أخبر به (عليه السلام)؛ لأنّ القرامطة قتلت من آل أبي طالب خلقاً كثيراً، وأسماؤهم مذكورة في مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج)(١) .

وحدث في الغيبة الكبرى - أي في أواخر القرن الرابع - مذهب (الدروز)؛ وهو فرع من مذهب الإسماعيلية الباطنية على ما قيل (ظهروا في أواخر أيّام الحاكم بأمر الله الفاطمي. وقالوا: بأنّه إله، وأنّ القدرة الإِلهيّة حلَّت فيه، وجاؤوا إِلى جبل لبنان(٢) . وهم متفرِّقون بين لبنان وحوران والجبل الأعلى من أعمال حلب، ومنهم في زكت رأس بيروت وتيامنة دمشق؛ نسبة إلى وادي التيم )(٣)

وإذا عرفنا جلَّ الطوائف المتشعِّبة من الشيعة، فلنستوضح الآن؛

١٣ - ماهي الأسباب الموجِبة لتشعُّب تلك الطوائف؟

ولا غرابة في مثل هذا الاستيضاح عن مثل هذه الأسباب؛ لأنّه كطبيعي في كلِّ مَن عَلِم عقيدة التشيّع الأولى الساذجة البعيدة عن الغموض والإبهام، والمرتكِزة على دعائم الإِسلام الأساسية الواضحة، المتَّفق عليها - عند الشيعة - من نشأتهم إلى ما ينوف عن ربع قرن. ولكنَّهم أُصيبوا بعد ذلك بهذا التشعُّب الفاضح الذي يبعث المرءَ حثيثاً على استيضاح أسبابه الكثيرة من اجتماعية، وسياسية، وطبيعية أيضاً.

____________________

(١) لم أعثر في مقاتل الطالبيّين على غير قوله (ص٤٣٣): (وقتل القُرمطي المعروف بالجنابي رجلاً من طباطبا لم يقع إِليَّ نَسَبُه، وقتل جماعة من العلويّين يقال لهم: بنو الأُخيضر، لم يقع إليَّ أنسابهم ).

(٢) تاريخ العلويّين النصيرية، ص٢١٦.

(٣) أقرب الموارد، ج١، ص٣٢٨.

٨١

ولا أُخفي على القارئ الكريم عدم استطاعتي، في هذه العجالة، من ضبط تلك الأسباب المتشعِّبة الأطراف والمناحي؛ ولذا أستميحه العذر على اختصارها وذكرها مجمَلة، ثُمَّ مفصَّلة بعض التفصيل.

أمَّا المجمَلة، فمعلوم لدى العارفين ما للبيئة التي حصل فيها تشعُّب أكثر الفِرق من التأثير العظيم على العقول، وطبعها بطابعها الخاص؛ من اعتراض الشبهات وسرعة التقلُّب في المذاهب والآراء. ومعلوم لديهم أيضاً؛ ما للقوّة القاهرة والسياسة المتلوِّنة من الأثر الفعَّال في إِضعاف العقائد المضادة لأغراض الساسة وأطماعهم الشخصية، أو إلجاء أهل تلك العقائد إلى التكتُّم فيها - على الأقل - وعدم إِظهارها حتّى لأبنائهم وخاصّتهم، فتأخذ حينئذ بالتلاشي تدريجاً، ويسهل على بقية العقائد أن تتسرَّب إلى عقول أولئك الأبناء والخاصّة.

ويجب الالتفات هنا إلى أنّ تلك القوّة وهاتيك السياسة، قد رافقتا الشيعة في أغلب أدوارهم؛ وعلى الأخصِّ في الدور الأوّل؛ فإِنّه الدور الذي ظهروا فيه بكثرة، ونالهم من البلاء والضغط الشديد على حرِّيَّتهم المذهبية ما لا يحصى - وقد تقدَّم شرح بعضه -، فالتجأوا إلى زيادة التكتّم بكثير من عقائدهم؛ وخصوصاً عقيدة الإِمامة. ولم يكن التكتُّم خاصَّاً بالشيعة دون أئمّتهم؛ لأنّا نرى جلَّ الأئمّة كانوا يتهيَّبون التصريح بإِمامتهم والتدليل عليها حتّى أمام الكثير من شيعتهم.

وهكذا كانوا في بقيَّة الأدوار؛ وخصوصاً دور المتوكِّل العبّاسي الأليم.

أضف إلى ذلك، ما دخل في الشيعة من الخليط الذي لم يدخل التشيّع قلبه تماماً، ولم يكن مخلِصاً في تشيّعه، فكان آلةً مفرِّقة بين الشيعة يحرِّكها ذوو السلطان المغالون في كره التشيّع، والدائبون على محوه من صحيفة الوجود، أو تشويه سمعته الطيّبة على الأقل.

وأضف إليه أيضاً، ما ظهر أحياناً من كرامات الأئمّة الميامين التي لم تتحمَّلها عقول البعض من الشيعة، فغلوا فيهم وألَّهوُّهم رغم استنكار

٨٢

الأئمّة ذلك.

هذه صورة إِجمالية لأسباب التشعُّب. وإليكها بنوع من التفصيل:

أمَّا السبأيّة؛ (وهم أوّل فِرقة تشعَّبت - على الأرجح - وخرجت من الشيعة؛ لغلوُّها في عليّ(ع) ) فالسبب في تشعُّبهم وغلوُّهم؛ هو: أنّ زعيمهم عبد الله بن سبأ كان دخيلاً في إِسلامه وتشيّعه، متصنِّعاً في حبِّه لأهل البيت(ع). وأَقوى دليل على ذلك مخالفته إِيّاهم في ابتداع فكرة الغلوِّ؛ التي كانت السبب الوحيد لبراءتهم منه ومن جميع الغلاة، والباعث القويِّ لأمير المؤمنين على إفناء قسم منهم بالنار.

ومع ذلك، فقد ظهرت هذه البدعة الضآلَّة وسرت سريان الوباء إلى نفر من أهل العراق (كانوا من ركاكة البصائر وضعفها على حال مشهور، فلا عجب من مثلهم أن تستخفَّهم المعجزات التي رأوها من عليّ(ع) فيعتقدوا في صاحبها أَنَّ الجوهر الإِلهيَّ قد حلَّ فيه. وقد قيل: إن جماعة من هؤلاء كانوا من نسل النصارى واليهود، وقد كانوا سمعوا من آبائهم وسلفهم القول بالحلول في أنبيائهم، فاعتقدوا فيه (عليه السلام) مثل ذلك. ويجوز أن يكون أصل هذه المقالة من قوم ملْحِدين أَرادوا إِدخل الإِلحاد في دين الإِسلام)(١) .

وأمّا (الخوارج)؛ فالسبب في تشعُّبهم وخروجهم مكيدة عمرو بن العاص يوم صِفِّين برفع المصاحف، وتعمية هذه المكيدة على عقولهم البليدة الجامدة آناً، والمتقلِّبة آناً آخر، ولكن التقلُّب في الآراء والمذاهب كان متأصِّلاً في بيئتهم من قديم الزمان. أضف إِلى ذلك عنادهم العجيب وجهلهم الفاضح بالأحكام.

أنظر إِلى عنادهم يوم حاجَّهم عليّ(ع) وأجابوه بقولهم: (أنت صادق في جميع ما تقول، غير أنّك كفرت حين حكَّمت الحكمين)(٢) . وانظر إِلى جهلهم

____________________

(١) شرح النهج، ج٢، ص١٧٦.

(٢) الأخبار الطوال للدينوري، ص٢١١.

٨٣

لمَّا خرجوا إلى النهروان (ووثب رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة، فوضعها في فيه، فصاحوا به: أخذتها بغير حدِّها، فلفظها من فيه تورُّعاً. وعرض لرجل منهم خنزير، فقتله، فقالوا: هذا فساد في الأرض. ثُمَّ لاقوا عبد الله بن خباب؛ وكان صحابيّاً، فسألوه عن عليٍّ بعد التحكيم، فأثنى خيراً، فقرَّبوه إِلى شاطئ النهر، فذبحوه، وبقروا أم ولده عمَّا في بطنها؛ وكانت حبلى)(٣) .

وأَمَّا (الكيسانية)؛ فتشعُّبهم كان في زمن اضطرب فيه أمر الشيعة أشدّ اضطراب، وكانت أمورهم، بل أمور عامّة المسلمين، في شبه فوضى؛ لأنّ الفتن يومئذ - أي يوم تشعُّب الكيسانية - قد كَثُرت كثرة هائلة واختلط الحابل بالنابل، فقام عبد الملك يدَّعي الخلافة بالشام، وعبد الله بن الزبير يدَّعيها بالحجاز، والمختار يدَّعيها لابن الحنفيّة في العراق، ويدَّعي أنّه وكيله، فراجت دعواه هذه في أسواق الكوفة وتقبَّلها نفر غير قليل من بسطائها، فسُمُّوا الكيسانية من ذاك الحين.

والذي ساعد على تقبُّل دعوى المختار ظهوره بمظهر الآخذين بثأر الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام)، ورغبة أهل الكوفة - الذين تخاذلوا عن نصرة الحسين قبل ذلك - في أخذ الثأر وغسل العار الذي لحقهم من وراء تخاذلهم هذا، والخلاص أيضاً من نير الاضطهاد الأمويِّ الذي ضيَّق عليهم بعدما أمن الأمويُّون من صولة الحسين وأهل بيته.

وهناك سبب آخر لنجاح المختار في دعوته؛ هو بعد عليّ بن الحسين عن الكوفة يومئذ (لأنّه كان في قبضة ابن الزبير عدو الهاشميّين الألد) وعدم استطاعته أيضاً من الجهر بإِمامته في الحجاز وفي العراق ولا التدليل عليها وإبطال غيرها. وهكذا كان حاله بعد قتل ابن الزبير وتولّي عبد الملك، وهكذا كان

____________________

(١) شرح النهج، ج١، ص٢٠٦، وتلبيس إبليس، لابن الجوزي،ص٩٩؛ (بتلخيص) .

٨٤

حال بقيّة الأئمّة(ع)، ما عدا الإِمام الرضا، فإِنّه صرَّح قليلاً بإِمامته واستدل عليها حتى رجع نفر ممَّن وقف على أَبيه إِلى القول بإِمامته، كما سيأتي بيانه.

وأمّا (الزيديّة)، فكان السبب في تشعُّبهم ظنَّهم أنّ زيد بن علي السجاد كان يدَّعي الإِمامة لنفسه وأنَّه خرج بالسيف لذلك (والحقيقة أنّه ظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطلب بثارات جدِّه الحسين (ع). واعتقد كثير من الشيعة إِمامته؛ وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه يدعو إلى الرضا من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فظنُّوه يريد نفسه، ولم يكن يريدها؛ لمعرفته باستحقاق أخيه الباقر (ع) للإِمامة من قبله ووصيّته عند وفاته إِلى أبي عبد الله الصادق)(١) .

ولم يتمّكن الصادق، في تلك الظروف القاسية التي ظهر فيها الزيدية، أن يناظرهم غالباً في شيء من أمر الإِمامة؛ لأنّه كان يتكتَّم فيها ويتَّقي ملوك عصره ويحذر من وشاتهم وجواسيسهم الكثيرة، ومع تكتُّمه الشديد قد (احضره المنصور وقال له: قتلني الله إِن لم أقتلك؛ أتلحُد في سلطاني؟ فقال له الصادق(ع):((والله، ما فعلت ولا أردت، وإن كان بلغك، فمن كاذب)) . فأَحضر المنصور ذلك الرجل الذي أخبره وتكلَّم به أمام الصادق (ع)، فطلب الصادق أن يحلفه، فأذن له المنصور، فحلفه، فما برح حتّى ضرب برجله ومات)(٢) .

وأمّا (الغلاة)، فالسبب في تشعُّبهم هو عين السبب الذي مرَّ ذكره عند تشعُّب السبأيّة، زدْ على ذلك أنّ الغلاة ظهروا في أيّام الصادق وأبيه الباقر(ع)، وقد عرف كيف أعوزهما الأمويّون والعباسيّون إِلى القوّة التي يتمكَّنان بها من قمع الغلاة وكبح جماحهم؛ حيث لم تؤثِّر فيهم تلك الحجج الدامغة ولم تنفعهم

____________________

(١) الإرشاد، المفيد، ص٢٨٦؛ (بتلخيص).

(٢) الإرشاد، المفيد، ص٢٩٠. وقد أشار إِلى هذه الواقعة ابن حُجر(الصواعق، ص٢٢٣) فقال: (وسعي به عند المنصور لمـَّا حجَّ، فلمَّا حضر الساعي، قال له الصادق: ((أتحلف؟)) ، قال الساعي: نعم، فحلفه الصادق، فما أتمَّ حتّى مات الساعي مكانه، فقال أمير المؤمنين لجعفر الصادق: لا بأس عليك، أنت المبرَّأ الساحة المأمون القائلة).

٨٥

الذكرى البليغة.

وأمّا (الإسماعيليّة)، فكان السبب في تشعُّبهم ظنَّهم أنّ الصادق نصَّ على إمامة ولده إسماعيل، ثُمَّ دخول الشبهة عليهم في موت إسماعيل قبل أبيه.

وهكذا (الفطحية)؛ ظنُّوا أنّ المنصوص عليه: عبد الله بن جعفر الأفطح، وساعدهم على الظهور بكثرة حراجة موقف الكاظم وتكتُّمه في الإِمامة.

يروي لنا المفيد، عن هشام بن سالم [أنَّه] (قال: كنّا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله الصادق (ع)؛ أنا ومؤمن الطاق، والناس مجتمعون على أنَّ عبد الله الأفطح صاحب الأمر بعد أَبيه، فدخلت عليه؛ أنا وصاحب الطاق، فسألناه، ثُمَّ خرجنا من عنده ضُلاَّلاً لا ندري إِلى أين نتوجَّه، فقعدنا في بعض أزقَّة المدينة باكين حيارى. فبينما نحن كذلك، إِذ رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه، يومىء إليَّ بيده، فخفت أن يكون عيناً من عيون المنصور الذين كانوا له بالمدينة ينظرون على من اتفق شيعة الصادق (ع)، فيضربون عنقه، فقلت لصاحبي تنحَّ عنِّي لا تهلك، إِنَّما الرجل يريدني، فتنحَّى عنِّي غير بعيد، فتبعتُ الشيخ، فما زلت أَتبعه حتّى أوردني على باب أبي الحسن موسى بن جعفر(ع)، ثُمَّ خلاَّني ومضى، فإِذا خادم على الباب يقول لي: ادخل، فدخلت، فإذا أبو الحسن موسى بن جعفر (ع) يقول:((إلي إلي..)) ، فقلت جعلت فداك مضى أبوك؟ قال:((نعم)) ، فقلت مضى في موت؟ قال:((نعم)) ، قلت جعلت فداك من لنا بعده؟ قال:((إِن شاء الله يهديك)) ، قلت: أنت هو؟ قال:((ما أقول ذلك)) ، فقلت أعليك إِمام؟ قال:((لا)) ، فدخلني حينئذ شيء لا يعلمه إلاَّ الله إِعظاماً له وهيبة، ثُمَّ قلت: أسألك عمّا كان يُسأل عنه أبوك، قال:((سل تُخبر، ولا تذع، فإِن أذعت، فهو الذبح)) ؛ وأشار بيده إِلى نحره، قال: فسألته، فإِذا هو بحر علم، فقلت: إِنّ شيعتك وشيعة أبيك ضلال أفألقاهم وأدعوهم إليك؟ قال:((من أنست منهم رشداً، فادعهم وخذ عليهم الكتمان، فإِن أذاعوا، فهو الذبح) (١) .

____________________

(١) الإرشاد، المفيد، ص٣١١؛ (بتلخيص).

٨٦

أضف إِلى ذلك، أَنّ الصادق(ع) قد عمى أمر الوصيَّة في الظاهر حرصاً على دم وصيِّه الكاظم من أن يُسفك بيد المنصور الذي (كتب إلى عامله بالمدينة: إِن كان الصادق أوصى إلى رجل بعينه، فقدِّمه واضرب عنقه، فرجع الجواب إليه: إنّه قد أوصى إِلى خمسة؛ أحدهم أبو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى وحميدة، فقال المنصور: ليس إلى قتل هؤلاء سبيل)(١) .

وزد على هذا، أَنّ الكاظم قضى شطراً كبيراً من أيّامه في الحبوس؛

(حبسه موسى الهادي أوّلاً، ثُمَّ أطلقه؛ لأنّه رأى عليّاً (رضي الله عنه) في المنام يقول:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) ، فانتبه الهادي وعرف أنّه المراد، فأطلقه ليلاً )(٢) .

وحبسه الرشيد أربع مرَّات، وحجب عنه الشيعة، فصاروا في حيرة وفوضى سهَّلت على دعاة الإسماعيلية والفطحيّة وأنصار السلطان أمر تفريقهم وإلقاء الشبهات عليهم، في الوقت الذي لا يجدون فيه من يلجأون إليه في رفع الشبهات وغيرها؛ لأنّ أصحاب الكاظم كانوا يتكتَّمون في تلك الظروف أشدَّ تكتُّم، ولا يجترئون غالباً على الجهر بما علموا من أمر الكاظم حذراً من الوشاة وبطش الحكَّام الذين كانوا يتقبَّلون كلَّ قول من أعداء الشيعة وجواسيس العبّاسيّة.

وكان علي بن إسماعيل - وهو ابن أخي الكاظم - من أشدِّ الوشاة ضرراً على عمِّه، وكذلك يحيى بن خالد البرمكي الفارسي الّذي تولّى (كما علمت ) سمَّ الكاظم (ع)، والذي كان يقول: (قد أفسدت على الرافضة دينهم؛ لأنّهم يزعمون أنّ الدين لا يقوم إِلاّ بإِمام حي، وهم لا يدرون اليوم أنَّ إِمامهم حيٌّ أو ميِّت)(٣) .

نعم، كان أكثر الشيعة وقتئذٍ لا يعلمون أنّ الإِمام الكاظم حيٌّ أو ميِّت؛

____________________

(١) الغيبة، الطوسي، ص١٢٩.

(٢) الصواعق، ص١٢٥.

(٣) منهج المقال، ص٣٦٣.

٨٧

لأنّه كان محجوباً عنهم في الحبوس المتعدِّدة في أغلب أيّامه، بل قد عرفت أنّه استشهد في الحبس مسموماً غريباً لم يحضره أحد من عشيرته وشيعته. وكأنّ هذا هو السبب في إنكار (الواقفيّة) موته وقولهم أنّه غاب وسيعود ووقفوا على إِمامته ولم يعترفوا بإِمامة ولده الرضا (عليهما السلام).

وهناك سبب آخر لتشعُّب بعض الواقفية وإنكارهم موت الإِمام (عليه السلام) رواه الشيخ الطوسي والإِسترآبادي، عن يونس ( قال: مات أبو الحسن موسى الكاظم (ع) وليس من قوَّامه أحد إلاّ وعنده المال الكثير؛ وكان ذلك سبب وقفهم عليه وجحودهم موته، وكان عند زياد القندي الأنباري سبعون ألف دينار وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار. قال يونس: فلمّا رأيت ذلك وتبيَّن عليَّ الحق وعرفت من أمر الرضا ما علمت، تكلَّمتُ ودعوت الناس إليه، فبعثا إليَّ، وقالا: لِمَ تدعو إِلى الرضا؟ إن كنت تريد المال، فنحن نُغْنِيْك. وضمنا لي عشرة آلاف دينار، فلم أقبل، فغاضباني وأظهرا لي العداوة)(٢) . ولكن الإِمام الرضا (ع) قد استطاع بباهر علمه وقوّة برهانه وعدم تكتُّمه غالباً في إِمامته حتّى في أيّام الرشيد، أن يُقْنِع كثيراً من الواقفيّة ويحملهم على الإعتراف بإِمامته والعدول عن الوقف على أبيه(٣) ولمـّا تولّى المأمون الأمر وأكرم الرضا وشهر بفضله،

____________________

(١) الغيبة، ص٤٦، ومنهج المقال، ص٣٦٦.

(٢) ((دخل علي بن أبي حمزة وابن السراج وابن المكاري - وكلّهم واقفة - على الإمام الرضا(ع)، فقال له ابن أبي حمزة: ما فعل أبوك؟ قال: مضى، قال: إلى من عهد بعده؟ قال: إلي، قال: فأنت إِمام مفترض الطاعة؟ قال: نعم، قال ابن السراج وابن المكاري: قد أمكنك من نفسه، فقال الرضا(ع): ويلك، وبما أمكنته من نفسي؟ أتريد أن آتي إلى بغداد وأقول لهارون الرشيد إنّي إمام مفترض الطاعة؟ والله ما ذاك عليَّ، فقال ابن أبي حمزة: لقد أظهرت شيئاً ما كان يظهره أحد من آبائك، قال: بلى؛ والله لقد أظهره خير آبائي لمـَّا أمره الله أن يُنذر عشيرته الأقربين)) منهج المقال، ص١١٠.

(٣) من هؤلاء الذين عدلوا عن الوقف: عبد الرحمن بن الحجاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن درَّاج، وحماد بن عيسى وغيرهم؛ وهؤلاء من أصحاب

=

٨٨

كَثُرَ الشيعة وتظاهروا بالاعتراف له والقطع بموت أبيه الكاظم (عليهما السلام)، وسُمُّوا يومئذ بـ : القطعية. وهكذا قطعوا بموت الإِمام الرضا لمـّا مات، وقالوا بإِمامة ولده الجواد، ولم يخالف سوى جماعة قيل إنهم أنكروا إِمامته لصغر سنِّه كما تقدّم بيانه.

وبعد هذا كلّه يمكنك أن تعرف - من مجموع الأسباب السابقة - السبب الذي أوجب تشعُّب (النصيريّة)، وتشعُّب الجماعة الذين قالوا بإِمامة جعفر بن علي الهادي وأنكروا إمامة الحسن بن علي العسكري وإِمامة محمد بن الحسن (المنتَظر) عليهم السلام؛ لأنّك قد علمت - قبل - كيف كان سير السلطان في أيّام هؤلاء الأئمّة الميامين؟ وكيف كان حال الشيعة - القائلين بإِمامة محمّد - من الفوضى والضعف والتشتُّت والخوف أيضاً، وعلمت ما فعله جعفر بن علي من السعاية على محمّد وشيعته، ومن حبس جواري الحسن العسكري واعتقال حلائله في ذلك الوقت العصيب.

أضف إلى ما تقدَّم؛ أن مقالة الغلاة وشبهاتهم لم تُزَل تماماً؛ بل كانت متمكِّنة من نفوس فئة غير قليلة تبثُّها بين الناس وتتناقلها من فرد إلى آخر حتّى ظهرت بصورة كبيرة على يد زعيم النصيريّة محمد بن نصير الفهري.

وعلى الإجمال، كان الشيعة في تلك الظروف القاسية - التي أوجبت على الإِمام الثاني عشر(ع) أن يتستَّر ويغيب عن أعين الحكَّام - في فوضى واسعة النطاق؛ تنتابهم النكبات وتتقاذفهم الوشايات والدسائس والدعايات، وكان المخلِصون للإِمام (عليه السلام)

أقلَّ قليل. فلا غرابة إِذا نجح يومئذٍ جعفر بن علي في دعوته واتَّبعه جماعة فارس بن حاتم بن ماهويه وغيرهم. كما لا غرابة إذا ظهرت مقالة ابن نصير

____________________

=

أبيه الذين شكُّوا فيه ثُمَّ رجعوا. وكذلك مَن كان في عصره، مثل: أحمد بن محمد بن أبي نصر، والحسن بن علي الوشا وغيرهم، ممّن كان يقول بالوقف، فالتزموا الحجّة، وقالوا بإِمامته وإِمامة من بعده من ولده. انظر: الغيبة، الطوسي، ص٥١.

٨٩

وتلقَّاها البسطاء وتقبَّلوا منه ادِّعاءه:

أَوَّلاً: بأنّه الباب للإِمام الثاني عشر، وأمينه، ووكيله في بثِّ الأحكام وجمع الأموال.

وثانياً: بأنّه رسول ونبيٌّ، ثُمَّ إِله.

والأسباب التي أوجبت تشعُّب الغلاة وغيرهم، هي بعينها صالحة لأن تكون أسباباً لتشعُّب (القرامطة) وظهورهم بذلك المظهر البغيض، وأسباباً أيضاً لتشعُّب (الدروز) من الإسماعيلية الباطنية؛ لأن الظروف التي ظهر فيها القرامطة والدروز، شبيهة كلَّ الشبه بالظروف التي ظهر فيها الغلاة. وزيادة على ذلك؛ كثرة الشبه الفلسفية وانتشارها في أيّام ظهور القرامطة انتشاراً هائلاً لم يكن مثله في عصر الغلاة السابقين. والله أعلم بوقائع الأمور وأسبابها.

٩٠

الفصل الثالث

الخلافة والخلفاء

أو اختلاف الأمّة الإسلاميَّة فيهما

١ - تمهيد. ٢ - مرض النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ووفاته وبيعة أبي بكر .٣ -

وفاة أبي بكر وبيعة عمر. ٤ - وفاة عمر وبيعة عثمان ومقتله ومَن قتله وحرَّض عليه. ٥ - بيعة عليّ وبيان أنّ الّذين بايعوه جمهور الصحابة. ٦ - كلمة في دراسة المصري التاريخيّة. ٧ - مقتل عليّ ومدفنه. ٨ - بيعة الحسن ومقتله ومدفنه. ٩ - مقتل الحسين. ١٠ - هل يبرِّأ التاريخ يزيد من دم الحسين؟

١ - تمهيد:

لقد اختلفت الأمّة الإسلامية - كغيرها من الأمم - في أمور كثيرة؛ وخصوصاً حينما مرض النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحينما تُوفّي وبعد ذلك، ولكن (أعظم خلاف بين الأمّة خلاف الإِمامة؛ إِذ ما سُلَّ سيف في الإِسلام على قاعدة دينيّة مثل ما سُلَّ على الإِمامة في كلِّ زمان)(١) .

وكان مثل هذا الخلاف أثراً طبيعياً مترقباً ونتيجة محتومة لكلِّ أمر أُعتقد تفويضه إِلى اختيار الناس المتباينين في الأهواء والأنظار والميول.

وظنِّي أنّه لولا هذا الاعتقاد، لَمَا تولَّدت تلك الخلافات الكثيرة أو لَمَا وصلت إِلى هذا الحد المتَّسع. فبينما تراهم يشترطون في الخليفة الانتساب إِلى قريش؛ لقول أبي بكر (رض) (الأئمّة في قريش)(٢) ، إذ بآخرين يقولون: كما تكون للقرشي تكون لغيره؛ وحجَّتهم قول عمر (رض): (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لولَّيته)(٣) .

____________________

(١) مِلل الشهرستاني، ج١، ص٩.

(٢) مقدِّمة ابن خلدون، ص١٣٦.

(٣) المقدِّمة، ص١٣٥.

٩١

وهؤلاء قد وافقوا الخوارج في عدم شرط الانتساب إلى قريش، وعلى قولهم صَحَّت خلافة الترك العثمانيِّين.

وكذلك ترى بعضهم يحصر عدد الخلفاء بخمسة؛ متمسِّكاً بهذا الخبر العليل:((الخلافة بعدي ثلاثون سنة؛ ثُمَّ تكون مُلْكاً عضوضاً)) (١) ، وانتهت الثلاثون بموادعة الحسن لمعاوية. وآخر يعاكسهم محتجَّاً بهذا الحديث الصحيح المشهور عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم):(ولا ينقضي هذا الأمر حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة؛ كلُّهم من قريش) (٢) .

ولكن هؤلاء تحيَّروا في أمر الذين زادوا على الاثني عشر، فراحوا يُخرجون من الخلفاء (بعد الراشدين) ويُدخلون مَن يشاؤون. ولقد تنبَّه للأمر وعرف مغزى الحديث ومرماه الشيخ سليمان الحنفي النقشبندي، فقال: (لا يمكن أن يُحمل هذا الحديث - المشهور من طُرق كثيرة - على الخلفاء بعده من أصحابه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لقلَّتهم عن اثني عشر. ولا يمكن أن يُحمل على الملوك الأمويّة لزيادتهم على اثني عشر أيضاً. ولا يمكن أن يُحمل على الملوك العبّاسيّين؛ لزيادتهم على العدد أيضاً. فلابدَّ أن يُحمل على الأئمَّة الاثني عشر من أهل بيته وعترته (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنَّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلَّهم وأورعهم وأَتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً)(٣) .

وكما اختلفوا في شرط الانتساب إلى قريش وفي عدد الخلفاء اختلفوا أيضاً في كيفية انتخابهم؛ فقال قوم: (يحصل باجتماع أهل الحلِّ والعقد من الصحابة)، وقال آخرون: (يحصل باختيار خمسة من صلحاء المسلمين لواحدٍ منهم؛ كما جرى في خلافة عثمان، أو بانتخاب نفس الخليفة لشخص؛ كما فعل أبو بكر بعمر). وبضدِّ هذا القول قول بعضهم: (لا يتمُّ الانتخاب إلاَّ برضا جميع الأُمَّة).

____________________

(١) تاريخ أبي الفداء، ج١، ص١٨٣.

(٢) صحيح مسلم، ج٢، ص٧٩.

(٣) ينابيع المودة، ص٣٧٣.

٩٢

وقريب منه قول آخرين منهم: (لا يتمُّ إِلاَّ برضا الجميع، ولكن في أيّام الهدوء والسكينة. وأمَّا في أيَّام الخلاف بين الأمّة، فلا)، ولكن جمهورهم اتَّفق أولاً على صحَّة الانتخاب إذا تولاَّه أهل الحلِّ والعقد من الصحابة. وهناك اختلفوا فيمَن يستحقُّ أن يُطلق عليه اسم صحابي؛ (فكان سعيد بن المسيَّب لا يَعدُّ الصحابي إِلاَّ مَن أقام مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سنة وأكثر وغزا معه. وقال بعضهم: كلُّ مَن أدرك الحلم وأسلم ورأى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو صحابي، ولو أنّه صحبه ساعة واحدة. وقال آخرون: لا يكون صحابيَّاً إِلاّ مَن تخصَّص به الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتخصَّص هو بالرسول أيضاً؛ بأن يثق الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسريرته، ويلازمه في السفر والحضر)(١) . ولا يبعد أن يكون هذا القول الأخير أصحّ الأقوال وأقربها إِلى الصواب، وهو اللائق بذات الرسول المقدَّسة التي يجب أن تنزَّه عن نسبة المنافقين والمؤلَّفة والطلقاء، الذين لم يسيروا على هداه، إلى صحبته الشريفة، بل يجب تنزيه الصحابة أيضاً عن عدِّ مثل هؤلاء في عدادهم.

وقد يكون أوّل خلاف حول الإِمامة - إن لم يكن الخلاف الذي جرى يوم طلب الدواة - هو الخلاف الذي جرى في (سقيفة بني ساعدة) قبيل وفاته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين المهاجرين والأنصار، وكان مرشَّح المهاجرين أبا بكر ابن أبي قحافة التيمي ومرشح الأنصار سعد بن عبادة الخزرجي، وكانت حجّة المهاجرين السبق إِلى الإِسلام وكونهم من شجرة الرسول الطيِّبة، وحجَّة الأنصار الإِيواء والنصرة، ولمَّا كانت حجَّة الأنصار على استحقاق الخلافة واهية جدَّاً، زيادة على تسرُّب الحسد إِلى قلوب بعضهم، تغلَّب عليهم المهاجرون وأخذوا البيعة لأبي بكر ممَن حضر السقيفة، عدا سعد بن عبادة فإنّه لم يبايع (فوطىء عمر صدره، وقال: اقتلوا سعداً، قتل الله سعداً)(٢) .

وكان هناك فريق ثالث لم يحضر اجتماع السقيفة الفجائي؛ إمّا لعدم اطِّلاعه

____________________

(١) تاريخ أبي الفداء، ج١، ص١٥٤.

(٢) شرح النهج، ج١، ص٥٨.

٩٣

على خبر الاجتماع، وإمّا لثكله في تلك الساعة الرهيبة بموت سيد البشر يراه نصب عينيه مسجّى بلا غسل ولا دفن، وإمّا لأنّ سيّد هذا الفريق لم يكن يخطر في باله أن يعدل المسلمون عنه إلى غيره وقد بايعوه يوم غدير خم بأمر من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبمرأى منه ومسمع.

وعلى كلٍّ... فقد جاؤوا - مِن بعد بيعتهم تلك له، وبعد وفاة نبيِّهم بلا فصل - يطلبون منه البيعة لأبي بكر(رض)، ولكنَّه امتنع(ع) أوّلاً واحتجَّ وفنَّد حجج المهاجرين بقوله:((احتجُّوا بالشجرة، وأضاعوا الثمرة)) ، وبقوله:

((فإِن كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيَّب

وإنّ كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبيّ وأقرب))(١)

يريد بالمشيرين نفسه وبني هاشم وأجِلَّة الصحابة من شيعته الذين كانوا معه في دار النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولم يستشرهم أحد في تلك البيعة المستعجَلة التي رآها الخليفة الثاني: (فلتة وقى الله شرَّها. وقال: من عاد إلى مثلها، فاقتلوه)(٢) .

وقد استمر جميع هؤلاء الأصحاب على التشيّع لعليّ والاعتقاد بخلافته إِلى آخر نفس من حياتهم، وإنْ بايعوا أبا بكر(رض) على أنّه خليفة منتَخَب، ثُمَّ بايعوا عمر ولم يحنقوا عليه، بل آزروه ونآصحوه وأخلصوا له يوم صار بعضهم مِن ولاته على الأمصار ومن أمرائه الفاتحين ومن جنده الغازي. (كان عمّار بن ياسر أميراً على الكوفة من قبل عمر، وحضر فتح تُسْتَر)(٣) .

____________________

(١) نهج البلاغة، ج٢، ص١٩٣.

(٢) الملل، ج١، ص١٠.

(٣) الأخبار الطوال، الدينوري، ص١٢٩. وقال الخطيب البغدادي (تاريخ بغداد،ج١، ص١٥٠): (وعمّار بن ياسر تقدَّم إِسلامه، وهو معدود من السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، وممَن عُذِّب في الله بمكّة، ومرَّ النبيّ (ص) بعمّار وأبيه وأمّه وهم يُعذَّبون، فقال: ((اصبروا يا آل ياسر، فإنّ موعدكم الجنَّة)) ، وشهد مع رسول الله (ص) مشاهدة كلّها، ونزل فيه : (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) وغير ذلك من الآيات، وشهد مع عليّ بن أبي طالب حروبه حتّى قُتل بين يديه بصِفِّين (سنة ٣٧ هـ) وصلّى عليه عليّ ودفنه هناك ولم يغسِّله. ومناقبه مشهورة وسوابقه معروفة؛ استأذن عمّار

=

٩٤

و(كان عثمان بن حنيف الأوسي الأنصاري عاملاً لعمر بن الخطاب على العراق، وأمره عمر بمسح الفرات، فمسحه. ومات عثمان هذا في خلافة معاوية؛ وهو أخو سهل بن حنيف، شهد أُحداً وما بعدها من المشاهد مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وله رواية عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وكان أيضاً عاملاً لعليّ (ع) على البصرة يوم خروج طلحة والزبير على الإِمام ، فكتبا إليه أن يخلي لهما دار الإمارة، فاستشار عثمان الأحنف بن قيس، فقال: إنّ هؤلاء جاؤوك للطلب بدم عثمان بن عفَّان وهم الذين ألَّبوا عليه الناس وسفكوا دمه، فبادرهم قبل أن يكونوا معك في دار واحدة، فقال ابن حنيف: الرأي ما رأيت، ولكن أنتظر كتاب أمير المؤمنين(ع) ورأيه. فلمَّا أمره الإِمام بالحرب، خرج عليهم وحاربهم، ثُمَّ تحاجزوا وكتبوا فيما بينهم كتاب صلح، ثُمَّ لم يلبثوا حتّى نكثوا به وأخذوه غدراً وضربوه ضرب الموت ونتفوا حاجبيه وأشفار عينيه وكلَّ شعرة في وجهه ورأسه.

فكان غدرهم به أوّل غدر في الإسلام، ولقد خلَّوا سبيله بعد أن أرادوا قتله، فلحق بعليّ(ع)، فلمّا راه بكى، وقال:((فارقتك شيخاً، وجئتك أمرداً)) ، فاسترجع عليّ عليه السلام )(١) .

و(كان حذيفة بن اليمان العبسي أميراً على المدائن؛ استعمله عمر. وكان مضى في سنة ٢٢ هـ إِلى نهاوند، فصالحه صاحبها على ٨٠٠ درهم في كلِّ سنة.. وكان صاحب سرِّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لقربه منه وثقته به وعلوِّ منزلته عنده. وكان من أصحاب علي أمير المؤمنين، وأحد الأركان الأربعة، سكن الكوفة ومات بالمدائن سنة ٣٦ هـ بعد بيعة أمير المؤمنين بأربعين يوماً)(٢) .

____________________

=

على النبيّ (ص)، فعرف صوته، فقال: ((مرحباً بالطيِّب المطيَّب)) . وقال (ص) لخالد بن الوليد لمـَّا كان بينه وبينه شيء: ((مَن أبغض عماراً أبغضه الله، ومن عادى عمارا عاداه

الله )) وصحَّ عن النبيِّ (ص) أنَّه قال لعمار: ((تقتلك الفئة الباغية، وآخر شرابك ضياح من لبن)) ).

(١) تاريخ بغداد للخطيب، مجلّد١، ص١٧٩، وشرح النهج، ج٢، ص٤٩٧، وص٥٠٠ (بتلخيص).

(٢) تاريخ ابن عساكر، مجلّد٤، ص٩٤، وص١٠٠،

٩٥

و(كان البراء بن عازب أمير الجيش الذي فتح قزوين(١) سنة ٢٢ هـ صلحاً، وكذا فتح الديلم، وفتح زنجان عنوة. وكان البراء قد غزا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خمس عشرة غزوة، ونزل الكوفة بعده، وكان رسول عليّ بن أبي طالب إلى الخوارج بالنهروان يدعوهم إلى الطاعة وترك المشاقَّة. وللبراء روايات كثيرة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). ومات في ولاية مصعب بن الزبير)(٢) .

و(كان الأحنف بن قيس أمير الجيش الذي غزا خراسان سنة ٢٢ هـ، وافتتح هراة عنوة ومروروز صلحاً. توفّي الأحنف سنة ٦٧ هـ، وقيل ٦٨ هـ، وقيل سنة ٦٩ هـ، واسمه الضحَّاك بن قيس، وعرف بالأحنف لأنّه كان أحنف الرِّجل؛ وهو الذي يضرب به المثل في الحلم. وكان سيِّد قومه، موصوفاً بالعقل والدهاء والحلم والذكاء، أدرك عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يصحبه، وكان من كبار التابعين، شهد مع عليّ صِفِّين، ولم يشهد الجمل، وقدم على معاوية وعنده وجوه الناس، فخطب رجل من أهل الشام في ذلك المجلس ولعن علي بن أبي طالب، فأطرق الناس وتكلّم الأحنف، فقال لمعاوية: إنّ هذا القائل لو يعلم أنّ رضاك

____________________

وتاريخ بغداد، مجلَّد١، ص ١٦٠، ومنهج المقال، ص٩٤.

(١) من الغرابة جدَّاً ما جاء في جولة المصري الرابعة (ص١٤٨)؛ وهو قوله: (وقزوين بلد صغيرة، ولكنَّها أجمل من همدان؛ لأنّها كانت عاصمة الشاه عباس. يسترعي النظر.. جامعها بقبَّته الزرقاء، وقد أقام الصلاة فيه خالد بن الوليد والحسن بن عليّ الذي كان يصحبه في الفتح الإسلامي). والحال أنّ خالداً هذا توفّي سنة ٢١هـ؛ قبل فتح قزوين بسنة، نصَّ على ذلك أبو الفداء في تاريخه (ج١، ص١٦٤)، ونصَّ ابن الأثير أيضاً، وابن عساكر، وأثبتوا أنَّ الذي فتح قزوين هو البراء، (وأنّ همدان فتحها حذيفة بن اليمان، وافتتح الري، ولم تكونا فتحتا من قبل) انظر: تاريخ ابن عساكر، مجلَّد٤، ص١٠٠. وإنَّا لم ندر - على كثرة البحث عن هذه المسألة - إلى أيِّ مصدرٍ استند الرحَّالة في دعوى وصول خالد إلى قزوين المفتوحة بعد موته؟ ومن دعوى صحبة الحسن بن علي لخالد في فتوحه ؟! .

(٢) تاريخ ابن الأثير، ج٣، ص٩، وتاريخ بغداد للخطيب، ج١، ص١٧٧.

٩٦

في لعن المرسلين للعنهم، فاتق الله ودع عنك عليّاً، فقد قَدِم على ربه. وكان - والله - الميمونة نقيبته، العظيمة مصيبته، فقال معاوية، فأيم الله، لتصعدنَّ المنبر وتلعنه طوعاً أو كرهاً، فقال الأحنف: أِعفني هو خير لك، فألحَّ عليه معاوية ولم يعفه، فقال: والله، لأنصفنَّك في القول، قال: وما أنت قائل؟ قال: أقول إنّ معاوية أمرني أن العن عليّاً، ألا وإنّ عليّاً ومعاوية اقتتلا، وادَّعى كلٌّ منهما إنّه مبغي عليه، اللّهم العن أنت وملائكتك ورسلك وجميع خلقك الباغي منهما، والعن الفئة الباغية لعناً كثيراً؛ أقوله ولو كان فيه ذهاب عنقي، فقال معاوية: إذن نعفيك من ذلك. ولم يلزمه)(١) .

و(كان من عمّال عمر على المدائن أيضاً سلمان الفارسي. وكان يلبس الصوف ويركب الحمار ويأكل خبز الشعير، وكان ناسكا زاهداً، فلمَّا احتضر بالمدائن، قال له سعد بن أبي وقَّاص: اذكر الله عند همِّك، فبكى سلمان...إلخ )(٢) .

وكان سلمان ممَّن حضر فتح المدائن (وعبر دجلة مع سعد بن أبي وقَّاص، فعامت خيولهم وهم يتحدَّثون(٣) ، وحضرها أيضاً عدي بن حاتم الطائي(٤)

____________________

(١) تاريخ ابن الأثير،ج٣، ص١٦، وتاريخ أبي الفداء، ج١، ص١٦٤، وص١٩٥ .

(٢) مروج الذهب للمسعودي، ج١، ص٤١٧.

(٣) تاريخ ابن الأثير،ج٢، ص١٩٨. وقال الخطيب البغدادي ( تاريخ بغداد، ج١، ص١٦٣): (وسلمان من أهل أصفان، ويقال من رامهرمز، ويكنَّى أبا عبد الله، أسلم في السنة الأولى من الهجرة، وأوَّل مشهد شهده مع رسول الله (ص) يوم الخندق؛ لأنَّه كان قبل ذلك مُسترَقاً لقوم من اليهود قبضوا عليه قادماً إلى النبيّ(ص)، فكاتبهم (ص) وأدَّى كتابته وعتقه، ولم يزل ملازماً له حتّى توفّي(ص). ولمَّا غزا المسلمون العراق، خرج معهم وحضر فتح المدائن، ونزلها حتَّى توفِّي بها في خلافة عثمان. وقبره الآن ظاهر معروف بقرب إيوان كسرى وعليه بناء وله خادم لحفظه. وقد رأيت الموضع وزرته غير مرَّة وكان من المعمِّرين؛ قيل: أنَّه أدرك وصيَّ عيسى(ع)، وأدرك علم الأوَّل والآخِر، وقرأ الكتابين).

(٤) قال الخطيب (تاريخ بغداد،ج١، ص١٨٩): (وعدي بن حاتم الطائي قَدِم على رسول الله (ص)، فلمَّا رآه النبيَّ، نزع وسادة كانت تحته، فألقاها له حتّى جلس عليها، وسأله عن أشياء، فأجابه عنها، ثُمَّ أسلم وحسن إسلامه. وحضر فتح المدائن، وشهد مع

=

٩٧

وحضر وقعة القادسية هاشم المرقال(١) وكان على ميسرة جيش المسلمين، وحضرها معهم مالك الأشتر النخعي. وكان حجر بن عدي الكندي في وقعة جلولاء مع المسلمين. وكان غير هؤلاء من الشيعة في فتوحات عمر (رض)؛ ذكرهم الدينوري وغيره.

ولكن الرحالة محمد ثابت المصري يعاكس هذه النصوص التاريخية التي تدلُّ على إِخلاص الشيعة لعمر وعدم حنقهم عليه؛ حيث يقول (ص١٤٨ من جولته): (الشيعة: لمـَّا مات النبيُّ من غير خلف من الذكور، قام أبو بكر وأوقف المرتدِّين وحمل لواء الإِسلام إلى الجزيرة، ولمَّا عاد عمر بن الخطاب، واصل دعاية الإِسلام بفضل قائديه خالد ومعاوية(؟) فحنق عليه قوم واعتقدوا أنّ الخلافة يجب أن تكون في سلالة الرسول، ولكن كظموا غيظهم حتَّى مات عمر(؟)، ثُمَّ جاء عثمان وقُتل عاجلاً(؟)، وقام عليَّ زوج فاطمة بنت النبي وأب أحفاد رسول الله، وكان الخوارج هم الذين حرَّضوا على قتل عثمان(؟) وأيَّدوا عليَّاً(؟)، لكنَّهم خرجوا عليه هو أيضاً لمـَّا رضي بمهادنة خصومه؛ ومن ثَمَّ سمُّوا الخوارج).

وهذا النغم الجديد في التاريخ، وهذه الغرائب في الأقوال، هما اللذان ألزمانا التوسُّع قليلاً في الكلام عن هذه الحوادث التاريخية التي اهتم المؤرِّخون الشرقيّون في تدوينها وتصفيتها حتّى أجمعوا على أكثرها، وأودعوه في مؤلَّفاتهم، ثُمَّ جاء من بعدهم كتبة الإفرنج، فدسُّوا من الأقوال والآراء ما يوافق سياستهم

____________________

=

عليِّ الجمل وصِفِّين والنهرون، ومات بعد ذلك بالكوفة سنة ٦٧هـ؛ زمن المختار، وهو ابن مائة وعشرين سنة، وقيل: بقرقيسا).

(١) ترجمه الخطيب (تاريخ بغداد، مجلّد١، ص١٩٦)، فقال: (هاشم بن عتبة ابن أبي وقَّاص المعروف بالمرقال، وهو أخو نافع بن عتبة، وابن أخ سعد بن أبي وقَّاص، أسلم يوم فتح مكّة، وحضر مع عمّه سعد حرب القادسيَّة، وقُتل هاشم المرقال مع عليِّ (رضي الله عنه) بصِفِّين).

٩٨

وأغراضهم الشخصيِّة في الشرق الإِسلامي تحت ستار: (فلسفة التاريخ)؛ حتّى عُمي الأمر على كثير من الشرقيِّين وراحوا يتلقُّون تلك الأقوال الغربية الغربية ويدوِّينونها بغير محاكمة ولا عرض على مصدرها الشرقي الإِسلامي العربي، الأمر الذي يدلُّ على عدم الثقة برجالنا، وعلى عدم الاحتفاظ بثروة الآباء والأجداد. وإليك هذه الحوادث على سيرها الطبيعي، وترتيبها الواقعي، ومصدرها الوثيق:

٢ - مرض النبيِّ ووفاته وبيعة أبي بكر:

لمَّا مرض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرض الموت، دعا أسامة بن زيد، وقال له:((سر إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد ولَّيتك على هذا الجيش)) . ثُمَّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم):((جهِّزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلَّف عنه)) (١) وقال لمـَّا اشتدَّ به وجعه:((ائتوني بدواة وبيضاء؛ فأكتب لكم كتاباً لا تضلُّون بعدي أبداً، فتنازعوا، فقال: قوموا عنِّي؛ ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: إنّ رسول الله ليهجر)) (٢)

____________________

(١) ذكر ذلك الشهرستاني (المِلل، مجلَّد١، ص٩)، وذكره غيره بأسانيد صحيحة معتبرة لم يعترض عليها معترض؛ ولأجله يحار المسلم كثيراً عندما يقرأ هذا الأمر المؤكَّد بتجهيز جيش أسامة، وهذا اللَّعن القارص لمن يتخّلف عنه. ويزداد حيرة حينما يعلم أنّ فئة من الأصحاب الذين تهمُّهم مصلحة الإِسلام وجهاد أعدائه وقلَّ عصيانهم لأوامر النبيِّ (ص) من قبل، قد تخلَّفوا عن هذا الجيش الإِسلامي المجهَّز للدفاع عن الإِسلام؛ لذلك تراه لا يستطيع إِلاَّ أن يعترف بخطأهم ويستغفر الله لهم. أمَّا أن يَتقبَّل تلك الأعذار الواهية التي اعتذر بها عن تخلُّفهم بعض الكتَّاب من (أنّ قلوبهم لا تساعدهم على السير مع الجيش وترك النبيِّ بحالة المرض)، فذلك ممَّا لا يستطيعه ما دام مؤمناً بوجوب الامتثال لأوامر النبيّ(ص)، وما دام معتقداً أنّ النبيَّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأعلم بمصلحة الإِسلام منهم. وليدلَّنا ذلك الرجل كيف لم تساعد تلك القلوب على فراقه (ص) وقد ساعدتهم على مخالفة أمره وإغضابه؟ بقولهم: (كيف يستعمل هذا الغلام (أسامة) على جلّة المهاجرين والأنصار؟ حتّى أحرجوه، فأخرجوه عاصباً رأسه قائلاً: ((أيُّها الناس، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟ لئن طعنتم في تأميري أسامة، فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله)) شرح النهج للمعتزلي، مجلّد١، ص ٥٣ (بتلخيص).

(٢) تاريخ أبي الفداء، مجلَّد١، ص١٥١.

٩٩

ويروي الشهرستاني، عن البخاري((أنَّه قال - لمـَّا اشتدَّ به مرضه الذي مات فيه: ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعدي، فقال عمر: إنّ رسول الله قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله (١)، وكثر اللغط، فقال النبيّ (عليه السلام): قوموا؛ لا ينبغي عندي التنازع. قال ابن عبَّاس: الرزية كلُّ الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله)) (٢) ولقد عظمت هذه الرزية بوفاته (في صفر سنة ١١ هـ، وحزيران سنة ٦٣٢ م)، وبما جرى بعدها، بلا فصل، من الخلاف العظيم الذي توقَّعه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو حيّ وأراد تداركه بذلك الكتاب الذي حيل بينه وبينه ورمي - لمـّا طلب الدواة - بما رمي.

كان ذلك الخلاف - كما علمت - حول الخلافة وكان في اليوم الذي توفِّي فيه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ حيث (اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لتولية سعد بن عبادة والنبيّ لمـَّا يدفن؟! ولمَّا سمع عمر الخبر، أقبل إِلى منزل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأبو بكر فيه، وعلي بن أبي طالب دائب في جهاز الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأرسل عمر إلى أبي بكر أن اخرج إِليّ، فأرسل إليه: أنّي مشتغل. فأرسل إليه ثانياً: أنّه قد حدث أمر لا بدَّ لك من حضوره، فخرج إليه، فأعلمه عمر الخبر، فمضيا مسرعين نحو السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجرّاح، فلقيهم رجلان وقالا لهم: ارجعوا لا يكون ما تريدون، فقالوا: لا نفعل. وذهبوا إلى السقيفة، وترادوا الكلام فيما بينهم وبين الأنصار إِلى أن صفق عمر على يد ابي بكر. وقيل سبقه إلى البيعة: بشير بن سعد الأنصاري أبو النعمان بن بشير؛ كراهيَّة لابن عمِّه سعد(٣) .

____________________

(١) لقد أوضح عمر (رض) ما أُريد من طلب الدواة وما أراد من المنع بقوله لابن عباس: (لقد أراد رسول الله في مرضه أن يصرِّح باسم عليّ، فمنعت من ذلك حيطة على الإسلام)انظر: شرح النهج للمعتزلي، مجلّد٣، ص٩٧.

(٢) المِلل، مجلّد١، ص٩.

(٣) تاريخ الطبري، مجلّد٣، ص٢٠٨، وتاريخ ابن الأثير، مجلّد٢، ص١٢٥، وتاريخ ابن خلدون، مجلّد٢ ص٦٤، وشرح النهج للمعتزلي، مجلّد١، ص٧٤؛ (بتلخيص).

١٠٠