حديث أصحابي كالنجوم

حديث أصحابي كالنجوم75%

حديث أصحابي كالنجوم مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 63

حديث أصحابي كالنجوم
  • البداية
  • السابق
  • 63 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52564 / تحميل: 6697
الحجم الحجم الحجم
حديث أصحابي كالنجوم

حديث أصحابي كالنجوم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

البيهقي ، مولده سنة أربع وثمانين.

كان أوحد زمانه في الحديث والفقه ، وله تصانيف كثيرة ، جمع نصوص الامام الشافعي ـ رضي الله عنه ـ في عشرة مجلدات.

ومات بنيسابور في جمادى الاخرى »

٨ ـ ابن عبدالبر (٤٦٣)

قال الحافظ أبوعمر ابن عبدالبر ما نصه :

قد روى أبوشهاب الحناط عن حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم.

وهذا إسناد لا يصح ، ولا يرويه عن نافع من يحتج به.

وقد روى في هذا الحديث إسناد غيرما ذكر البزارعن سلام بن سليم قال : حدثنا الحارث بن غصين عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابرقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

قال ابو عمرو : هذا إسناد لا تقوم به حجة ، لأن الحارث بن غصين مجهول »(١) .

ترجمة ابن عبدالبر

وترجمة ابن عبدالبرموجودة في كل معجم وضعت يدك عليه بكل اطراء واحترام كوفيات الأعيان ٦ / ٦٣ ومرآة الجنان ٣ / ٨٩ والمختصر ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ والعبر ٣ / ٢٥٥ وتذكرة الحفاظ ٣ / ٣٤٩ وتاج العروس ٣ / ٣٧.

__________________

(١) جامع بيان العلم ٢ / ٩٠ ـ ٩١.

٢١

قال الذهبي :

« الإمام شيخ الاسلام حافظ المغرب ، ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة في ربيع الآخر ، وطلب الحديث وساد أهل الزمان في الحفظ والاتقان.

قال أبو الوليد الباجي : لم يكن بالاندلس مثل أبي عمر في الحديث.

وقال أبن حزم : التمهيد لصاحبنا أبي عمر ، لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلاً فكيف أحسن منه.

قال ابن سكرة : سمعت أبا الوليد الباجي يقول : أبو عمر أحفظ أهل المغرب.

قال الحميدي : أبو عمر فقيه حافظ مكثر عالم بالقراءات وبالخلاف وبعلوم الحديث والرجال ، قديم السماع ، يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي ».

٩ ـ ابن عساكر ( ٥٧١)

وصرح بضعف حديث النجوم الحافظ ابن عساكر. وسيأتي ذلك من كلام المناوي.

ترجة ابن عسكر

تجد ترجمته مع الثناء العظيم عليه في طبقات الشافعية ٤ / ٢٧٣ والمختصر ٣ / ٥٩ ووفيات الأعيان ٢ / ٤٧١ وألعبر ٣ / ٢١٢ ومرآة الجنان ٣ / ٣٩٣ وتتمة المختصر ٢ / ١٢٤ ومعجم الأدباء ١٣ / ٧٧٣ـ٨٧ وتاريخ ابن كثير ١٢ / ٢٩٤ وغيرها.

قال اليافعي :

« الفقيه الامام المحدث البارع الحافظ المتقن الضابط ، ذو العلم الواسع ، شيخ الاسلام ومحدّث الشام ، ناصر السنة قامع البدعة ، زين الحافظ ، بحر العلوم الزاخر ، رئيس المحدثين ، المقر له بالتقدم ، العارف الماهر ، ثقة الدين ، أبو

٢٢

القاسم علي بن الحسن هبة الله ابن عساكر، الذي اشتهر في زمانه بعلو شأنه ، ولم ير مثله في أقرانه ، الجامع بين المعقول والمنقول ، والمميز بين الصحيح والمعلول ، كان محدّث زمانه ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث واشتهر به ، كان حافظاً ديناً جمع بين معرفة المتون والأسانيد ».

١٠ ـ ابن الجوزي (٥٩٧)

وقال الحافظ ابن الجوزي ما نصه :

« روى نعيم بن حماد، قال : نا عبدالرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي ، فاوحى إلي يا محمد : إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوأ من بعض ، فمن أخذ بشيء مما عليه من اختلافهم فهوعلى هدى.

قال المؤلف : وهذا لا يصح ، نعيم مجروح. وقال يحيى بن معين : عبدالرحيم كذاب »(١) .

ترجمة ابن الجوزي

جاءت ترجمته مع المدح والثناء في تاريخ ابن كثير ١٣ / ٢٨ ووفيات الأعيان ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ وتتمة المختصر ٢ / ١١٨ والأعلام ٤ / ٨٩ ـ٩٠ وغيرها.

قال ابن خلكان :

« أبو الفرج عبدالرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد بن علي ابن عبيدالله بن عبدالله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي

__________________

(١) العلل المتناهيه في الأحاديث الواهية ، وانظر فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٤ / ٧٦.

٢٣

الفقيه الحنبلي الواعظ الملقب جمال الدين الحافظ : كان علامة عصره ، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ.

صنف في فنون عديدة ».

١١ ـ ابن دحية (٦٣٣)

وقدح الحافظ ابن دحية في حديث النجوم ونفي صحته ، فقد قال الحافظ الزين العراقي ما نصه :

« وقال ابن دحية ـ وقد ذكر حديث أصحابي كالنجوم ـ حديث لا يصح »(١) .

ترجمة ابن دحية

توجد ترجمته مع الاطراء والثناء في : بغية الوعاة ٢ / ٢١٨ وشذرات الذهب ٤ / ١٦٠ ووفيات الأعيان ٣ / ١٢١ وحسن المحاضرة ١ / ٣٥٥ وغيرها.

قال السيوطي في حسن المحاضرة :

« الامام العلامة الحافظ الكبير أبو الخطاب عمر بن حسن ، كان بصيراً بالحديث معتنياً به ، له حظ وافر من اللغة ومشاركة في العربية. له تصانيف ، وطن مصر، وأدّب الملك الكامل ، ودرس بدار الحديث الكاملية »

١٢ ـ أبو حيان الأندلسي (٧٤٥)

وللحافظ أبي حيان تحقيق قيم حول حديث النجوم ننقله نصا لفوائده الجمة :

قال « قال الزمخشري : فإن قلت : كيف كان القرآن تبيانا لكل شيء؟

__________________

(١) تعليق تخريج أحاديث منهاج البيضاوي. جاء ذلك عنه في عبقات الأنوار.

٢٤

قلت : المعنى إنه بين كل شيء من أمور الدين حيث كان نصاً على بعضها، وإحالة على السنة حيث أمر باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته ، وقال( وما ينطق عن الهوى ) وحثاً على الاجماع في قوله( يتبع غير سبيل المؤمنين ) وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته اتباع أصحابه والاقتداء بآثاره في قوله : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وقد اجتهدوا وقاسوا ووطئوا طريق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والاجماع والقياس مستندة إلى تبيين الكتاب ، فمن ثم كان تبياناً لكل شيء(١) .

وقوله : وقد رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ إلى قوله ـ اهتديتم ، لم يقل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول الله.

قال الحافظ أبو محمد بن أحمد بن حزم في رسالته (إبطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد) ما نصه : وهذا خبرمكذوب عن النبي صلى الله عليه وسلم مما في أيدي العامة ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنما مثل أصحابي كمثل النجوم ـ أو كالنجوم ـ بأيّها اقتدوا اهتدوا.

وهذا كلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه عبدالرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمرعن النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبدالرحيم ، لأن أهل العلم سكتوا عن الرواية لحديثه. والكلام أيضا منكرعن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يبيح الاختلاف من بعده من أصحابه. هذا نص كلام البزار.

قال ابن معين : عبدالرحيم بن زيد كذّاب ليس بشيء ، وقال البخاري هو متروك.

__________________

(١) هذا كلام الزمخشري في الكشاف ٢ / ٦٢٨.

٢٥

رواه أيضاً حمزة الجزري. وحمزة هذا ساقط متروك »(١) .

ترجمة أبي حيان

يوجد الثناء البالغ عليه في : الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٤ / ٣٠٢ وفوات الوفيات ٢ / ٥٥٥ وبغية الوعاة ١ / ٢٨٠ ـ ٢٨١ والبدر الطالع ٢ / ٢٨٨ وطبقات القراء ٢ /  ٢٨٥ ونفح الطيب ٣ / ٢٨٩ وشذرات الذهب ٦ / ١٤٥ ـ ١٤٦ والنجوم الزاهرة ١٠ / ١١١ وغيرها.

قال ابن العماد :

« الامام أثير الدين أبو حيان نحوي عصره ولغويّه ومفسّره ومحدّثه ومقريه ومؤرخه وأديبه.

أكبّ على طلب الحديث وأتقنه وشرع فيه وفي التفسير والعربية والقراءات والأدب والتاريخ ، واشتهر اسمه وطار صيته وأخذ عنه أكابر عصره وتقدموا في حياته.

قال الصفدي : لم أره قط إلاّ يسبّح أو يشتغل أو يكتب أو ينظر في كتاب ، وكان ثبتاً قيّماً ، عارفاً باللغة ، وأما النحو والتصريف فهو الامام المطلق فيهما ، خدم هذا الفن أكثر عمره ، حتى صار لا يدركه أحد في أقطار الأرض فيها ، وله اليد الطولى في التفسير والحديث وتراجم الناس ومعرفة طبقاتهم خصوصاً المغاربة.

وقال الأدفوي : كان ثبتاً صدوقا حجة سالم العقيدة ».

١٣ـ شمس الدين الذهبي (٧٤٨)

وقدح الحافظ الذهبي في حديث النجوم في مواضع عديدة من (ميزان الاعتدال في نقد الرجال ).

__________________

(١) البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ٥ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨.

٢٦

منها : عند ترجمة جعفر بن عبدالواحد الهاشمي القاضي ، فإنه قال بعد أن نقل كلمات العلماء فيه :

« ومن بلاياه : عن وهب بن جرير عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريره عن النبي صلى الله عليه وسلم : أصحابي كالنجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى »(١) .

ومنها: عند ترجمة زيد العمي حيث قال بعد إيراد الحديث : « فهذا باطل »(٢) .

ترجمة الذهبي

ترجم له في كافة المراجع الرجالية بالاطراء البالغ والثناء العظيم كالدرر الكامنة ٣ / ٣٣٦ ـ ٣٣٨ وطبقات الشافعية ٥ / ٢١٦ وفوات الوفيات ٢ / ٣٧٠ ـ ٣٧٢ والبدر الطالع ٢ / ١١٠ ـ ١١٢ والوافي بالوفيات ٢ / ١٦٣ ـ ١٦٨ وشذرات الذهب ٦ / ١٥٣ والنجوم الزاهرة ١٠ / ١٨٢ وطبقات القراء ٢ / ٧١ وغيرها.

قال ابن تغرى بردى :

« الشيخ الامام الحافظ المؤرخ صاحب التصانيف المفيدة شمس الدين أبو عبدالله الذهبي الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ أحد الحفاظ المشهورة.

سمع الكثير، ورحل البلاد ، وكتب وألف ، وصنف وأرخ ، وصحح وبرع في الحديث وعلومه ، وحصّل الأصول وانتقى، وقرأ القراءات السبع على جماعة من مشايخ القراءات ».

١٤ ـ تاج الدين ابن مكتوم (٧٤٩)

لقد قدح تاج الدين ابن مكتوم القيسي في حديث النجوم ، إذ استشهد

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ / ٤١٣.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ١٠٢.

٢٧

بكلام شيخه أبي حيان الآنف الذكر ناقلاً نصه عن (البحر المحيط) في كتابه (الدر اللقيط من البحر المحيط )(١) .

ترجمة ابن مكتوم

أثنى عليه كل من ترجم له ، راجع : الدرر الكامنة ١ / ١٧٤ وحسن المحاضرة ١ / ٤٧ وطبقات القراء ١ / ٧٠ والجواهر المضية في طبقات الحنفيّة ١ / ٧٥ وغيرها.

قال السيوطي :

« أحمد بن عبدالقادر بن أحمد بن مكتوم تاج الدين أبو محمد القيسي ، جمع الفقه والنحو واللغة ، وصنف تاريخ النحاة ، والدرّ اللقيط من البحر المحيط.

ولد في ذي الحجة سنة ٦٨٢، ومات سنة ٧٤٩ ».

١٥ ـ ابن قيم الجوزية (٧٥١)

وقدح شمس الدين ابن القيم في حديث النجوم ، حيث قال في رد المقلدين وأدلتهم :

« الوجه الخامس والأربعون : قولهم : يكفي في صحة التقليد الحديث المشهور: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

جوابه من وجوه :

أحدها : إن هذا الحديث قد روي من طريق الأعمش عن أبي سفيان بن جابر، ومن حديث سعيد بن المسيب عن ابن عمر، ومن طريق حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر.

ولايثبت شيء منها.

__________________

(١) الدر اللقيط من البحر المحيط ، المطبوع على هامش البحر المحيط ٥ / ٥٢٧.

٢٨

قال ابن عبدالبر: حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد: إن أبا عبدالله بن مفرح حدثهم ثنا محمد بن أيوب الصّموت قال : قال لنا البزار: وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم فهذا الكلام لايصح عن النبي صلى الله عليه وسلم »(١) .

ترجمة ابن القيم

له تراجم ضافية في كثيرمن الكتب أمثال : الدرر الكامنة ٣ / ٤٠٠ ـ٤٠٣ والبدر الطالع ٢ / ١٤٣ ـ ١٤٦ والوافي بالوفيات ٢ / ٢٧٠ ـ ٢٧٢ وبغيه الوعاة ١ / ٦٢ ـ ٦٣ وتاريخ ابن كثير ١٤ / ٢٣٤ وغيرها.

قال ابن كثيرفي حوادث سنة ٧٥١ :

« وفي ليلة الخميس ثالث عشر رجب وقت أذان العشاء توفي صاحبنا الشيخ الامام العلامة شمس الدين إمام الجوزية وابن قيّمها.

سمع الحديث واشتغل بالعلم وبرع في علوم متعددة لا سيما علم التفسير والحديث والأصلين ، وكان حسن القراءة والخلق ، كثير التودّد، لا يحسد أحداً ولا يؤذيه ولا يستغيبه ولا يحقد على أحد ».

١٦ ـ الزين العراقي (٨٠٦)

قال الحافظ الزين العراقي ما نصه :

« حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم : رواه الدار قطني في (الفضائل) وابن عبدالبر في (العلم) من طريقه من حديث جابر وقال : هذا إسناد لا تقوم به حجة، لأن الحارث بن غصين مجهول.

ورواه عبد بن حميد في (مسنده) من رواية عبدالرحيم بن زيد العمي عن

__________________

(١) إعلام الموقعين ٢ / ٢٢٣.

٢٩

أبيه عن ابن المسيب عن ابن عمر. قال البزار: منكر لا يصح.

ورواه ابن عدي في (الكامل) من رواية حمزة بن أبي حمزة النصيبي عن نافع عن ابن عمر بلفظ : فأيهم أخذتم بقوله ـ بدل اقتديتم ـ وإسناده ضعيف من أجل حمزة فقد اتّهم بالكذب.

ورواه البيهقي في (المدخل) من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه ، ومن وجه آخر مرسلاً وقال : متنه مشهور وأسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا إسناد.

قال البيهقي : ويؤدي بعض معناه حديث أبي موسى : النجوم أمنة لأهل السماء ـ وفيه ـ: أصحابي أمنة لأمتي الحديث. رواه مسلم »(١)

ترجمة الزين العراقي

تجد ترجمته في كافة المعاجم مع الثناء البالغ عليه ، أنظر منها: طبقات القراء ١ / ٣٨٢ والضوء اللامع ٤ / ١٧١ ـ ١٧٨ والبدر الطالع ١ / ٣٥٤ ـ ٣٥٦ وشذرات الذهب ٧ / ٥٥ ـ ٥٦.

قال ابن العماد في حوادث سنة ٨٠٦ :

« وفيها : الحافظ زين الدين عبدالرحيم بن الحسين العراقي الشافعي ، حافظ العصر ».

١٧ ـ ابن حجر العسقلاني (٨٥٢)

قال الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني ما نصه :

« حديث أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم.

__________________

( ١ ) تخريج أحاديث المنهاج ، عنه في عبقات الأنوار. وسيأتي تضعيفه لما أسنده البيهقي في المدخل من حديث ابن عباس المشتمل على حديث الاختلاف.

٣٠

الدار قطني في (المؤتلف) من رواية سلام بن سليم عن الحارث ابن غصين عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً، وسلام ضعيف.

وأخرجه في (غرائب مالك) من طريق حميد بن زيد عن مالك عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن جابر في أثناء حديث وفيه : فبأيّ قول أصحابي أخذتم اهتديتم ، إنما مثل أصحابي مثل النجوم من أخذ بنجم منها اهتدى ، وقال : لا يثبت عن مالك ، ورواته دون مالك مجهولون.

ورواه عبد بن حميد والدار قطني في (الفضائل) من حديث حمزة الجزري عن نافع عن ابن حمزة. وحمزة اتهموه بالوضع.

ورواه القضاعي في (مسند شهاب) من حديث أبي هريرة ، وفيه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، وقد كذبوه.

ورواه ابن طاهر من رواية بشر بن الحسن عن الزبيري عدي عن أنس ، وبشر كان متهماً أيضاً.

وأخرجه البيهقي في (المدخل) من رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس. وجويبر متروك ، ومن رواية جويبر عن جوّاب بن عبيدالله مرفوعاً. وهو مرسل.

قال البيهقي : هذا المتن مشهور وأسانيده كلها ضعيفة.

وروى في (المدخل) أيضاً عن ابن عمر: سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى إلي يا محمد أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهوعندي على هدى. وفي إسناده عبدالرحيم بن زيد العمي. وهو متروك »(١) .

__________________

( ١ ) الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف المطبوع بهامش الكتاب ، ٢ / ٦٢٨.

٣١

ترجمة ابن حجر

ترجم له بكل تكريم وتعظيم في : حسن المحاضرة ١ / ٣٦٣ـ٣١٦ والبدر الطالع ١ / ٨٧ ـ ٩٢ والضوء اللامع ٢ / ٣٦ ـ ٤٠ وشذرات الذهب ٨ / ٢٧٠ ـ ٢٧٣ وغيرها.

قال السيوطي :

« إمام الحفّاظ في زمانه ، قاضي القضاة ، إنتهت إليه الرحلة والرياسة في الحديث في الدنيا بأسرها ، فلم يكن في عصره حافظ سواه.

وألف كتباً كثيرة كشرح البخاري ، وتعليق التعليق ، وتهذيب التهذيب ، وتقريب التهذيب ، ولسان الميزان ، والاصابة في الصحابه ، نكت ابن الصلاح ، ورجال الأربعة وشرحها، والألقاب ».

١٨ ـ ابن الهمام ( ٨٦١)

لقد صرح ابن الهمام ـ وهو من أكابر أئمة الحنفية ـ بأن حديث النجوم لم يعرف(١) .

ترجمة ابن الهمام

ترجم له مع التجليل والاحترام في البدر الطالع ١ / ٢٠١ ـ ٢٥٢ وحسن المحاضرة ١ / ٤٧٤ وبغية الوعاة ١ / ١٦٦ ـ ١٦٩ وهدية العارفين ٢ / ٢٠١ والتيسير في شرح التحرير ١ / ٣ ـ ٤ وشذرات الذهب ٧ / ٢٩٨ وغيرها.

قال ابن العماد في حوادث سنة ٨٦١ :

« وفيها : كمال الدين محمد بن عبدالواحد بن عبدالحميد بن مسعود

__________________

(١) التحرير بشرح امير بادشاه الحسيني ٣ / ٢٤٣ ، في مبحث الاجماع.

٣٢

السيواسي ثم الاسكندري المعروف بابن الهمام الحنفي الامام العلاّمة.

قال في بغية الوعاة : كان علامة في الفقه والأصول والنحو والتصريف والمعاني والبيان والتصوف والموسيقي وغيرها ، محققاً جدلياً نظاراً ، وكان يقول : لا أقلّد في المعقولات أحدا ».

١٩ ـ ابن أمير الحاج (٨٧٩)

لقد أوضح ابن أمير الحاج وهن حديث النجوم حيث قال :

« (وبمعارضته ) أي : وأجيب أيضاً بمعارضة كل منهما (بأصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، وخذوا شطر دينكم عن الحميراء) أي عائشة وإن خالف قول الشيخين أو الأربعة (إلا أن الأول) أي : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديم (لم يعرف) بناء على قول ابن حزم في رسالته الكبرى : مكذوب موضوع باطل ، وإلاّ فله طرق من رواية عمر وابنه وجابر وابن عباس وأنس بألفاظ مختلفة أقربها إلى اللفظ المذكور ما أخرج ابن عدي في (الكامل) وابن عبد البر في (بيان العلم) عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل أصحابي مثل النجوم يهتدى بها، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم. وما أخرج الدار قطني وابن عبدالبرعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل أصحابي في أمتي مثل النجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم.

نعم لم يصح منها شيء ، ومن ثمة قال أحمد : حديث لا يصح ، والبزار: لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إلا أن البيهقي قال في كتاب (الاعتقاد) رويناه في حديث موصول بإسناد غير قوي ، وفي حديث آخر منقطع ، والحديث الصحيح يؤدي بعض معناه وفي حديث أبي موسى المرفوع »(١)

__________________

( ١ ) التقرير والتحبير في شرح التحرير، وانظر التيسير فى شرح التحرير ٣ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤

٣٣

ترجمة أمير الحاج

ترجم له كبار العلماء بكل إطراء ، راجع : الضوء اللامع ٩ / ٢١٠ وشذرات الذهب ٦ / ٣٢٨ والبدر الطالع ٢ / ٢٥٤ وغيرها.

قال ابن العماد :

« شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن المعروف بابن أميرالحاج الحلبي الحنفي عالم الحنفية بحلب وصدرهم.

كان إماماً عالماً مصنفاً ، صنف التصانيف الفاخرة الشهيرة وأخذ عنه الأكابر، وأفتخروا بالانتساب إليه ، وتوفي بحلب في رجب عن بضع وخمسين سنه ».

٢٠ ـ السخاوي ( ٩٠٢ )

وقال السخاوي الحافظ حول هذا الحديث ما نصه :

« حديث اختلاف أمتي رحمة. البيهقي في (المدخل) من حديث سليمان بن أبي كريمة عن جويبرعن الضحاك عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهما أوتيتم من كتاب الله فالعلم به لا عذر لأحد في تركه ، فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة مني ماضية، فإن لم تكن سنة مني فما قال أصحابي ، إن أصحابي بمنزلته النجوم في السماء فأيما أخذتم به اهتديتم واختلاف أمتي رحمة.

ومن هذا الوجه أخرج الطبراني والديلمي في مسنده بلفظ سواء. وجويبر ضعيف ، والضحاك عن ابن عباس منقطع »(١) .

__________________

(١) المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ٢٦ / ٢٧.

٣٤

ترجمة السخاوي

تجد ترجمته في أكثر الكتب الرجالية والتاريخية أمثال : شذرات الذهب ٨ / ١٥ ـ ١٧ ومفاكهة الخلاّن ١ / ١٧٨ والضوء اللامع ٨ / ٢ ـ ٣٢ والبدر الطالع ٢ / ١٨٤ والنور السافر ص ١٦ وغيرها.

قال ابن العماد في حوادث سنة ٩٠٢ :

« وفيها: الحافظ شمس الدين أبو الخيرمحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي.

برع في الفقه والعربية والقراءات والحديث والتاريخ ، وشارك في الفرائض والحساب والتفسير وأصول الفقه والميقات وغيرها.

وأما مقروءاته ومسموعاته فكثيره جداً لا تكاد تحصر.

وأخذ عن جماعة لا يحصون يزيدون على أربعمائة نفس ، وأذن له غير واحد بالافتاء والتدريس والاملاء، وسمع الكثير على شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني ، وانتهى إليه علم الجرح والتعديل ، حتى قيل : لم يكن بعد الذهبي أحد سلك مسلكه ».

٢١ ـ ابن أبي شريف (٩٠٦)

وقد قدح ابن أبي شريف الشافعي في حديث النجوم ناقلاً عن شيخه ابن حجر العسقلاني ، كما ستعرف ذلك من كلام المناوي إن شاء الله تعالى.

ترجمة ابن أبي شريف

تجد ترجمته الضافية في : الضوء اللامع ٩ / ٦٤ ـ ٦٧ والبدر الطالع ٢ / ٢٤٣ ، ٢٤٤ والأنس الجليل ٢ / ٢٨٨ ومفاكهة الخلان ١ / ١٢٦ ، ١٧٥ ، ٢١١ وشذرات الذهب ٨ / ٢٩ وغيرها.

٣٥

قال ابن العماد:

« كمال الدين أبوالمعالي محمد بن الأمير ناصر الدين محمد ابن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافي المري سبط الشهاب العميري المالكي الشهير بابن عوجان.

الشيخ الامام شيخ الاسلام ملك العلماء الأعلام ».

٢٢ ـ جلال الدين السيوطي (٩١١)

وأخرجه الحافظ جلال الدين السيوطي في (الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير) واضعاً عليه الحرف « ض » وهو رمز الضعف(١) .

ترجمة السيوطي

وتوجد ترجمته الضافية في حسن المحاضرة ١ / ٣٣٥ ، ٣٤٤ والبدر الطالع ١ / ٣٢٨ ، ٣٣٥ وشذرات الذهب ٨ / ٥١ ، ٥٥ ومفاكهة الخلان ١ / ٢٩٤ ، وغيرها.

قال ابن العماد في حوادث سنة ٩١١ :

« وفيها : الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي ، المسند المحقق المدقق صاحب المؤلفات الفائقة النافعة.

قال تلميذه الداودي : كان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه »

٢٣ ـ علي المتقي (٩٧٥)

وقدح الشيخ علي المتقي الهندي في حديث النجوم في (كنز العمال) و (منتخب كنز العمال )(٢) حيث نقل فيهما تضعيف الحافظ السيوطي.

__________________

(١) الجامع الصغير بشرح المناوي ٤ / ٧٦.

(٢) كنز العمال ٦ / ١٣٣ ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد.

٣٦

ترجمة المتقي

ترجم له بكل تفخيم وتعظيم في النور السافر٣١٥ـ ٣١٩ وسبحة المرجان ٣٤ وشذرات الذهب ٨ / ٣٧٩ وأبجد العلوم ٨٩٥ وغيرها.

قال ابن العماد :

« علي المتقي بن حسام الدين الهندي ثم المكي ، كان من العلماء العاملين وعبادالله الصالحين ، على جانب عظيم من الورع والتقى والاجتهاد في العبادة ورفض السوى ، وله مصنفات عديدة ومقامات كثيرة ، وتوفي بمكة المشرفة بعد مجاورته بها مدة طويلة »

٢٤ ـ علي القاري (١٠١٤)

وقال الشيخ علي القاري المكي ما نصه :

« قال ابن الديبع : إعلم أن حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، أخرجه ابن ماجة، كذا ذكره الجلال السيوطي في (تخريج أحاديث الشفاء) ولم أجده في سنن ابن ماجة بعد البحث عنه.

وقد ذكره ابن حجر العسقلاني في (تخريج أحاديث الرافعي) في بأقي أدب القضاء، وأطال الكلام عليه وذكر أنه ضعيف واه ، بل ذكر عن ابن حزم : إنه موضوع باطل.

لكن ذكر عن البيهقي أنه قال : إن حديث مسلم يؤدي بعض معناه ـ يعني قوله صلى الله عليه وسلم : النجوم أمنة للسماء الحديث ـ قال ابن حجر: صدق البيهقي هو يؤدي صحة التشبيه للصحابة بالنجوم، أما في الاقتداء فلا يظهر ، نعم يمكن أن يتلمح ذلك من معنى الاهتداء بالنجوم.

قلت : الظاهر إن الاهتداء فرع الاقتداء.

قال : وظاهر الحديث إنما هو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض الصحابه

٣٧

من طمس السنن وظهور البدع وفشو الجور في أقطار الأرض. انتهى.

وتكلّم على هذا الحديث ابن السبكي في (شرح ابن الحاجب) الأصلي في الكلام على عدالة الصحابة ولم يعزه لابن ماجة ، وذكره في (جامع الأصول) ولفظه عن ابن المسيب عن عمر بن الخطاب مرفوعاً : سألت ربي الحديث إلى قوله : اهتديتم ، وكتب بعده : أخرجه. فهو من الأحاديث التي ذكرها رزين في (تجريد الأصول) ولم يقف عليها ابن الأثير في الأصول المذكورة ، وذكره صاحب (المشكاة) وقال : أخرجه رزين »(١) .

ترجمة القاري

توجد ترجمة القاري في : خلاصة الأثر ٣ / ١٨٥ والبدر الطالع ١ / ٣٥٥ ـ ٤٤٦ وكشف الظنون ٢ / ١٧٠٠ وغيرها.

قال المحبي :

« علي بن محمد سلطان الهروي المعروف بالقاري الحنفي نزيل مكة وأحد صدور العلم ، فرد عصره ، الباهر السمت في التحقيق وتنقيح العبارات ، وشهرته كافية عن الاطراء في وصفه.

إشتهر ذكره ، وطار صيته ، وألف التآليف الكثيرة اللطيفة التأدية ، المحتوية على الفوائد الجليلة.

منها شرحه على المشكاة في مجلدات ، وهو أكبرها وأجلها ».

٢٥ ـ المناوي ( ١٠٢٩ )

وقال المناوي بشرح الحديث : (سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي ) ما نصه :

__________________

(١) المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٢٣. كما اعترف بضعفه في شرح الشفاء وأورده أيضاً في الموضوعات.

٣٨

« السجزي في كتاب (الابانة عن أصول الديانة) وابن عساكر في (التاريخ) عن عمر بن الخطاب.

قال ابن الجوزي في (العلل) : هذا لا يصح.

وفي (الميزان) : هذا الحديث باطل. إنتهى.

وقال ابن حجر في (تخريج المختصر) : حديث غريب سئل عنه البزار فقال : لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . انتهى.

وقال الكمال ابن أبي شريف : كلام شيخنا ـ يعني ابن حجرـ يقتضي أنه مضطرب. وأقول : ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه ساكتاً عليه ، والأمر بخلافه فانه تعقبه بقوله : قال ابن سعد : زيد العمي أبو الحواري ، كان ضعيفا في الحديث. وقال ابن عدي : عامة ما يرويه عنه ضعفاء »(١) .

ترجمة المناوي

ترجم له مع الاطراء والاحترام في : خلاصة الأثر ٢ / ٤١٢ ـ ٤١٦ والبدر الطالع ١ / ٣٥٧ والأعلام ٨ / ٧٥ ـ ٧٦ وغيرها.

قال المحبي :

« عبدالرؤف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الملقب بزين الدين الحدادي ثم المناوي القاهري الشافعي.

الامام الكبيرالحجة الثبت القدوة، صاحب التصانيف السائرة وأجل أهل عصره من غير ارتياب.

وكان إماماً فاضلاً زاهداً عابداً قانتاً لله خاشعاً له كثير النفع ، وكان متقرباً بحسن العمل مثابراً على التسبيح والأذكار صابراً صادقاً ، وكان يقتصر يومه وليلته على اكلة واحدة من الطعام.

__________________

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٤ / ٧٦.

٣٩

وقد جمع من العلوم والمعارف على اختلاف أنواعها وتباين أقسامها ما لم يجتمع في أحد ممن عاصره ».

٢٦ ـ الشهاب الخفاجي (١٠٩٦ )

وقد أذعن الشيخ شهاب الدين الخفاجي في (شرح الشفاء) بضعف حديث النجوم(١) ثم جعل يدافع عن القاضي عياض ، رداً على من اعترض عليه إخراجه هذا الحديث في (الشفاء) بصيغة الجزم وهو شارحه أبو ذر الحلبي.

ترجمة الخفاجي

جاءت ترجمته الضافية في : خلاصة الأثر ١ / ٣٣١ ـ٣٤٣ وريحانة الألباء ٢٧٢ ـ ٣٠٩ والأعلام ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨ وغيرها من المصادر الرجالية.

قال المحبي :

« الشيخ احمد بن محمد بن عمر قاضي القضاة الملقب بشهاب الدين الخفاجي المصري الحنفي صاحب التصانيف السائرة، وأحد أفراد الدنيا المجمع على تفوقه وبراعته ، وكان في عصره بدر سماء العلم ونيرأفق النثر والنظم ، رأس المؤلفين ورئيس المصنفين ، سار ذكره سير المثل ، وطلعت أخباره طلوع الشهب في الفلك ، وكل من رأيناه أو سمعنا به ممن أدرك وقته معترفون له بالتفرد في التقرير والتحرير وحسن الانشاء، وليس فيهم من يلحق شأوه ولا يدعى ذلك ، مع أن في الخلق من يدعي ما ليس فيه.

وتآليفه كثيرة وممتعة مقبولة ، وانتشرت في البلاد ».

__________________

(١) نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض ٤ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤.

٤٠

إبراهيم العمري ، والحسين بن محمد العقيقي(1) وغيرهم.

ولم تنته هذه المحاولات حتى بعد شهادة الإمام العسكريعليه‌السلام مسموماً سنة 260 ه‍ ، إذ تحدثت المصادر عن إلقاء حلائله وأصحابه في السجن ، وأنه جرى عليهم كلّ عظيم من اعتقال وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ(2) .

أما موقفهعليه‌السلام مما يجري على أصحابه ، فيمكن تلخيصه في ثلاثة إتجاهات :

الاتجاه الأوّل : الدعاء على أعدائهم

وقد ذكرنا آنفاً أنهعليه‌السلام كان يرفدهم بالدعاء في أحرج الظروف وأحوجها ، ومن ذلك الدعاء الذي رواه عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : كنت عند مولاي أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه ، إذ وردت إليه رقعة من الحبس من بعض مواليه ، يذكر فيها ثقل الحديد وسوء الحال وتحامل السلطان ، فكتب إليه :« يا عبد الله ، إنّ الله عليه‌السلام يمتحن عباده ليختبر صبرهم ، فيثيبهم على ذلك ثواب الصالحين ، فعليك بالصبر ، واكتب إلى الله عزوجل رقعة وانفذها إلى مشهد الحسين بن علي صلوات الله عليه ، وارفعها عنده إلى الله عزوجل ، وادفعها حيث لا يراك أحد ، واكتب في الرقعة » ثم أورد دعاءً طويلاً كان منه قولهعليه‌السلام :« اللهم إني قصدت بابك ، ونزلت بفنائك ، واعتصمت بحبلك ، واستغثت بك ، واستجرت بك ، يا غياث المستغيثين أغثني ، يا جارالمستجيرين أجرني ، يا إله العاملين خذ بيدي ، إنّه قد علا الجبابرة في

__________________

(1) راجع : الغيبة للشيخ الطوسي : 227 / 194 ، الفصول المهمة 2 : 1084 ، بحار الأنوار 50 : 306 / 2 و 312 / 10.

(2) راجع : الإرشاد 2 : 336.

٤١

أرضك ، وظهروا في بلادك ، واتخذوا أهل دينك خولاً ، واستأثروا بفيء المسلمين ، ومنعوا ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلتها لهم ، وصرفوها في الملاهي والمعازف ، واستصغروا آلاءك ، وكذّبوا أولياءك ، وتسلطوا بجبريّتهم ليعزّوا من أذللت ، ويذلّوا من أعززت ، واحتجبوا عمّن يسألهم حاجة ، أو من ينتجع منهم فائدة » (1) .

وفي هذا الدعاء يشير الإمام العسكريعليه‌السلام إلى مظاهر الفوضى والفساد والظلم التي طبعت الحياة السياسية آنذاك ، فذكر استئثار رجالات السلطة بفيء المسلمين ، ومنعهم ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلها الله لهم ، وتبديدها في أسباب اللهو على حساب فقر الفقراء والمصالح التي تفوت بذلك.

ومن دعاء طويل لهعليه‌السلام على موسى بن بغا الذي شكاه أهل قم لجوره وظلمه ، قالعليه‌السلام :« اللّهم وقد شملنا زيغ الفتن ، واستولت علينا غشوة الحيرة ، وقارعنا الذل والصغار ، وحكم علينا غير المأمونين في دينك ، وابتزّ اُمورنا معادن الاُبنَ (2) ممّن عطّل حكمك ، وسعى في اتلاف عبادك ، وإفساد بلادك.

اللّهم وقد عاد فيئنا دولة بعد القسمة ، وإمارتنا غلبة بعد المشورة ، وعدنا ميراثاً بعد الاختيار للاُمّة ، فاشتريت الملاهي والمعازف بسمهم اليتيم

__________________

(1) بحار الأنوار / المجلسي 102 : 238 / 5 عن الكتاب العتيق للغروي ـ المكتبة الاسلامية.

(2) الاُبَن : جمع ابنة ، الحقد والعداوة والعيب.

٤٢

والأرملة ، وحكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة(1) ، وولي القيام باُمورهم فاسق كلّ قبيلة ، فلا ذائد يذودهم عن هلكة ، ولا راعٍ ينظر إليهم بعين الرحمة ، ولا ذو شفقة يشبع الكبد الحرّى من مسغبة ، فهم أولو ضرع بدار مضيعة ، واُسراء مسكنة وحلفاء كآبة وذلّة.

اللّهم وقد استحصد زرع الباطل ، وبلغ نهايته ، واستحكم عموده ، واستجمع طريده ، وخذرف وليده ، وبسق فرعه ، وضرب بجرانه ، اللّهم فأتح له من الحق يداً حاصدة تصرع قائمه ، وتهشم سوقه ، وتجبّ سنامه ، وتجدع مراغمه ، ليستخفي الباطل بقبح صورته ، ويظهر الحق بحسن حليته »(2) .

الاتجاه الثاني : احسانه عليه‌السلام إليهم

وقد كان يأمر قوامه ووكلاءه بالتخفيف من وطأة الفقر عن كواهلهم ، ويعطي المعوزين منهم ما يرفع عنهم أسباب العوز والحاجة ، وممن شملهم بره وإحسانه أبو هاشم الجعفري ، وعلي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ، وأبو يوسف

__________________

(1) قد يقال : إن الخلفاء في هذا العصر خصوصاً المتوكل قد فرضوا قيوداً صارمة على أهل الذمة ، لكن المتصفح لكتب التاريخ يري أنّهم يشكلون جزءاً مهماً من جيوش الخلافة ، وبعضهم كانوا ذوي مناصب عالية في الجيش ، منهم أبو العباس الوارثي النصراني ، الذي وجهه بغا إلى أرمينية. راجع : الكامل في التاريخ 6 : 116 ، ومنهم صاعد بن مخلد النصراني كاتب الموفق ووزير المعتمد. راجع : سير أعلام النبلاء 13 : 326 / 149.

(2) مهج الدعوات لابن طاوُس : 67 ـ طهران ـ 1323 ه‍ ، بحار الأنوار 85 : 229 / 1.

٤٣

الشاعر(1) ، وغيرهم.

الاتجاه الثالث : تحذيرهم من الفتن

حيث كانعليه‌السلام يمارس دوره كقائد لمواليه وأصحابه وراعٍ لمصالحهم ومدافع عن قضاياهم في حدود فسحة ضيقة محكومة بالرقابة والضغط ، وعلى هذا الصعيد كانعليه‌السلام يحذرهم الأخطار والفتن المحدقة بهم ، ومن الوقوع في أحابيل السلطة ، ويساعدهم في إخفاء نشاطهم بحسب الإمكان ، ويهيء الجماعة الصالحة لغيبة ولده الحجةعليه‌السلام الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

وفي هذا الاتجاه أوصى أصحابه ان يكونوا على اُهبة من فتنةٍ تظلهم عند موت المعتز(2) .

وحذرهم من الإذاعة وطلب الرئاسة مشدّداً على التقوى وأداء الأمانة ، فقد جاء في الرسالة لهعليه‌السلام إلى بعض بني أسباط :« إياك والاذاعة وطلب الرئاسة ، فإنّهما يدعوان إلى الهلكة واقرأ من تثق به من مواليّ السلام ، ومُرهم بتقوى الله العظيم وأداء الأمانة وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا » (3) .

وأكد على الكتمان والحيطة حتى أنهعليه‌السلام قال لأحد أصحابه :« إذا سمعت

__________________

(1) راجع : أصول الكافي 1 : 506 / 3 و 507 / 10 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام ـ من كتاب الحجة ، بحار الأنوار 50 : 294 / 69.

(2) كشف الغمة 3 : 295 ، بحار الأنوار 50 : 298 / 72.

(3) كشف الغمة 3 : 293 ، بحار الأنوار 50 : 296 ـ 297.

٤٤

لنا شاتماً فامض لسبيلك التي اُمرت بها ، وإياك أن تجاوب من يشتمنا ، أو تعرّفه من أنت ، فاننا ببلد سوء ومصر سوء » (1) .

وقال لأحد أصحابه حينما أراد أن يصرّح بإمامتهعليه‌السلام :« إنّما هو الكتمان أو القتل ، فاتق الله على نفسك » ، وفي رواية :« فابقوا على أنفسكم » (2) .

وبلغت درجة الحيطة لديهعليه‌السلام أنه أوصى بعض أصحابه أن لا يسلّم عليه أو يدنو منه ، فقد ترصّده أصحابه يوماً عند ركوبه إلى دار الخلافة ليسلموا عليه ، فخرج التوقيع منهعليه‌السلام إليهم :« ألا لا يسلمنّ عليّ أحد ، ولا يشير إليّ بيده ، ولا يومئ ، فانكم لا تأمنون على أنفسكم » (3) .

ونادىعليه‌السلام يوماً حمزة بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي ، وقد أراد الاقتراب منه حينما خرج مع السلطان وأحسّ منه خلوة :« لا تدن مني ، فإنّ عليّ عيوناً ، وأنت أيضاً خائف » (4) .

مواقف العباسيين :

لغرض استجلاء موقف السلطة من الإمام لابدّ من استعراض موقف الحاكمين من بني العباس على انفراد حسب التسلسل التاريخي ، وقد ذكرنا أن الإمام العسكريعليه‌السلام عاصر في سني إمامته ( 254 ـ 260 ه‍ ) شطراً من خلافة المعتز والمهتدي وبعض سني خلافة المعتمد ، لكنا سوف نذكر بعضاً من مواقف

__________________

(1) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 461.

(2) إثبات الوصية : 251 ، كشف الغمة 3 : 302 ، بحار الأنوار 50 : 290 / 63.

(3) الخرائج والجرائح 1 : 439 / 20 ، بحار الأنوار 50 : 269 / 24.

(4) الثاقب في المناقب / لأبي جعفر محمد بن علي الطوسي : 573 / 520 ـ دار الزهراء ـ 1411.

٤٥

المتقدمين الذين عاصروا الإمام العسكريعليه‌السلام منذ ولادته إلى أن تسنّم الإمامة ( 232 ـ 254 ه‍ ) ومع كون هذه المدة تقع ضمن فترة إمامة أبيهعليه‌السلام لكن الإمام العسكريعليه‌السلام واكب أحداثها وعانى من آثارها وعاش شتى الصعوبات والظروف القاسية التي واجهت أباه من قبل ؛ منذ استدعائه من المدينة إلى سامراء حتى وفاته مروراً بالحصار والاقامة والاعتقال محاولات الاغتيال.

على أنه لم ينقل لنا التاريخ تفاصيل العلاقة بين الإمامعليه‌السلام وبين كلّ واحد من خلفاء عصره ، عدا أخبار اعتقاله وتنبؤاته بموت بعضهم أو قتله ، وموقف الخلفاء من الشيعة بشكل عام والطالبيين بشكل خاص الذين طالهم السجن والتشريد والقتل صبراً على يد أجهزة السلطة.

اولاً ـ المتوكل ( 232 ـ 247 ه‍ )

وهو جعفر بن المعتصم بن الرشيد ، بويع بعده وفاة أخيه الواثق في ذي الحجة سنة 232 ه‍ ، وكان عمر الإمام العسكريعليه‌السلام نحو ثمانية أشهر ونصف ، إذ ولدعليه‌السلام في الثامن من ربيع الآخر سنة 232.

إن السمة الغالبة على المتوكل هي النصب والتجاهر بالعداء لآل البيتعليهم‌السلام والحقد السافر عليهم وعلى من يمتّ لهم بصلة نسب أو ولاء ، وقد أجمع على هذا الأمر غالبية المؤرخين حتى : أولئك اعتبروه ناصراً للسنّة وشبّهوه بالصديق وعمر بن عبد العزيز.

قال السيوطي : « كان المتوكل معروفاً بالتعصب »(1) .

__________________

(1) تاريخ الخلفاء : 268. والظاهر أن أصل عبارة السيوطي ( بالنصب ).

٤٦

وقال الذهبي : « كان المتوكل فيه نصب وانحراف »(1) .

وقال ابن الأثير : « كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنّث ، وكان يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدّة ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنّون ؛ قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين ، يحكي بذلك علياًعليه‌السلام والمتوكل يشرب ويضحك ...

وإنّما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة بن لؤي ، وعمرو بن الفرج الرخجي ، وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أميه ، وعبدالله بن داود الهاشمي المعروف بابن اُترجه ، وكانوا يخوّفونه من العلويين ، ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم والإساءة إليهم ، ثم حسّنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علوّ منزلتهم في الدين ، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان »(2) .

ولا يمكن أن يجرأ أحد من هؤلاء الذين ذكرهم ابن الأثير على النيل من أمير المؤمنينعليه‌السلام وعموم أهل البيت أمام أحد سلاطين بني العباس ، لولا علمهم المسبق بعداء ذلك ( الخليفة ) السافر لأهل البيتعليهم‌السلام وحقده المقيت عليهم ، وحرصه على تشجيع ثقافة النصب والبغض وافشائها في أوساط الناس عن طريق بعض المرتزقة من الشعراء وغيرهم.

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 12 : 35.

(2) الكامل في التاريخ 6 : 108 ـ 109.

٤٧

روي أنّ أبا السمط مروان بن أبي الجنوب ، قال : « أنشدت المتوكل شعراً ذكرت فيه الرافضة ، فعقد لي على البحرين واليمامة ، وخلع عليّ أربع خلع ، وخلع عليّ المنتصر ، وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار ، فنثرت عليّ ، وأمر ابنه المنتصر وسعد الايتاخي أن يلتقطاها لي ففعلا ، والشعر الذي قلته :

يرجوا التراث بنو البنا

ت وما لهم فيها قُلامه

والصهر ليس بـوارثٍ

والبنت لا ترث الامامه

ما للذين تنحلّوا

ميراثكـم إلا النـدامه

ليـس التراث لغيركـم

لا والالـه ولا كرامه

قال : ثمّ نثر عليّ بعد ذلك لشعرٍ قلته في هذا المعنى عشرة آلاف درهم »(1) .

ومن هنا كان زمان المتوكل إيذاناً ببدء عهد الظلم والتعسّف على أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ؛ لأن المتوكل أمعن في التنكيل بهم وأسرف في القتل والحبس والحصار والتشريد وصنوف الأذي والعنت ، وفيما يلي نذكر بعض اجراءاته في هذا الإتجاه :

1 ـ استدعاء الإمام الهادي عليه‌السلام إلى سامراء وايذاؤه

كان المتوكل حريصاً على محاصرة الإمام الهاديعليه‌السلام ووضعه تحت الرقابة وعزله عن الجمهور المسلم الذي كان ينتفع به ويعظّمه وعن شيعته ومواليه في المدينة ، لهذا كتب باشخاصه مع أهل بيته ومواليه ، من مدينة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يثرب إلى عاصمة الملك العباسي آنذاك سامراء.

__________________

(1) تاريخ الطبري 9 : 230 ، الكامل في التاريخ 6 : 140.

٤٨

أسباب الاستدعاء

إنّما ينطلق المتوكل في كلّ مواقفه مع الإمام الهاديعليه‌السلام وشيعته من البغض الذي يكنّه لأهل بيت النبوة ، وفضلاً عن ذلك فقد ذكر المؤرخون سببين مرتبطين دفعا المتوكل إلى إشخاص الإمامعليه‌السلام إلى سامراء وهما :

السبب الأول : هاجس الخوف الذي يراود المتوكل من انصراف الناس إلى الإمامعليه‌السلام لما علمه من إلتفاف الناس حوله في المدينة ، نقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير قولهم : « إنّما أشخصه المتوكل إلى بغداد ، لأن المتوكل كان يبغض علياًعليه‌السلام وذريته ، فبلغه مقام عليعليه‌السلام بالمدينة ، وميل الناس إليه فخاف منه »(1) .

وعبّر عن هذا المعنى أيضاً يزداد النصراني تلميذ بختيشوع طبيب البلاط ، قال : « بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فَرَقاً منه ، لئلا تنصرف إليه وجوه الناس ، فيخرج هذا الأمر عنهم ، يعني بني العباس »(2) .

والإمامعليه‌السلام لم يكن في موقع الدعوة إلى الثورة ضد الخلافة العباسية ، لأن الظروف الموجودة آنذاك لم تكن تسمح بمثل هذا العمل ، وقد عرف الإمامعليه‌السلام بعد استدعائه هواجس نفس المتوكل ، فبين له أنه ليس همّه استلام السلطة ولا تنزع نفسه الكريمة إلى شيء من هذا الحطام ، وذلك حينما استعرض المتوكل جيشه بحضور الإمامعليه‌السلام وقد بلغ تسعين ألفاً من الترك ، فقالعليه‌السلام :« نحن

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322.

(2) دلائل الإمامة / الطبري : 419 / 382 ـ مؤسسة البعثة ـ قم ـ 1413 ه‍ ، نوادر المعجزات / الطبري : 188 / 7 ـ مؤسسة الإمام المهديعليه‌السلام ـ قم 1410 ه‍.

٤٩

لا ننافسكم في الدنيا ، نحن مشتغلون بأمرالآخرة ، ولا عليك ممّا تظنّ » (1) .

السبب الثاني : الدور الذي مارسه بعض الحاقدين من عمال بني العباس في الوشاية بالإمام إلى المتوكل ، ومنهم عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي ، المعروف بابن اترجة أو بريحة(2) ، وكان يتولى ادارة الحرب والصلاة في الحرمين.

قال المسعودي : كتب بريحة إلى المتوكل : إن كان لك في الحرمين حاجة فاخرج علي بن محمد منها ، فإنّه قد دعا الناس إلى نفسه واتبعه خلق كثير ؛ وتابع كتبه إلى المتوكل بهذا المعنى(3) .

وقال الشيخ المفيد : سعى بأبي الحسنعليه‌السلام إلى المتوكل ، وكان يقصده بالاذى(4) .

وقال اليعقوبي : كتب إلى المتوكل يذكر أن قوماً يقولون إنه الإمام(5) .

ومهما يكن فان أفعال الوشاة توقظ شكوك المتوكل وأحقاده وتثير توجّسه الكامن في نفسه تجاه الإمامعليه‌السلام .

كتاب الاستدعاء

ذكر الشيخ المفيد أنه لما بلغ أبا الحسنعليه‌السلام سعاية عبد الله بن محمد به ، كتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه ويكذبه في ما وشى به إليه ، فتقدم

__________________

(1) الخرائج والجرائح 1 : 414 / 19 ، الثاقب في المناقب : 557 ، كشف الغمة 3 : 185 ، بحار الأنوار 50 : 155 / 44.

(2) أو بريهة ، راجع : الكامل في التاريخ 6 : 245.

(3) إثبات الوصية : 233.

(4) الإرشاد 2 : 309.

(5) تاريخ اليعقوبي 2 : 484.

٥٠

المتوكل باجابة الإمامعليه‌السلام بكتاب دعاه فيه إلى حضور العسكر على جميل الفعل والقول(1) . ثم أورد نسخة الكتاب.

وكان جواب المتوكل الذي استدعى بموجبه الإمامعليه‌السلام إلى سامراء هادئاً ليناً ، تظاهر فيه بتعظيم الإمامعليه‌السلام وإكرامه ، ووعده فيه باللطف والبرّ ، وذكر فيه براءته مما نسب إليه واتهم به من التحرك ضد الدولة ، وانه أمر بعزل الوالي الذي سعى به ـ وهو عبد الله بن محمد ـ عن منصبه وولّى محلّه محمد بن الفضل ، وادّعى في آخر الكتاب أنّه مشتاق إلى الإمامعليه‌السلام ، ثم أفضى إلى بيت القصيد وهو أن يشخص الإمامعليه‌السلام إلى سامراء مع من اختار من أهل بيته ومواليه ، وأن يرافقه يحيى بن هرثمة الذي أرسله لأداء هذه المهمة على رأس الجند.

ولا يعدو كتاب المتوكل كونه مناورة حاول الالتفاف من خلالها على الإمامعليه‌السلام واحتواء نشاطه ، أو قل هو صيغة دبلوماسية من قبيل ذرّ الرماد في العيون ، إذ لم يكن المتوكل صادقاً فيما وعد ، فحينما دخل يحيى بن هرثمة المدينة فتّش دار الإمامعليه‌السلام حتى ضجّ أهل المدينة ، ولما وصل ركب الإمامعليه‌السلام إلى سامراء احتجب عنه المتوكل في اليوم الأول ، ونزل الإمامعليه‌السلام الإمام في خان الصعاليك ، وأمر بتفتيش داره في سامراء مرات عديدة ، ولم يمض مزيد من الوقت حتى عزل محمد بن الفضل وولى مكانه محمد بن الفرج الرخّجي المعروف بعدائه السافر لآل البيتعليهم‌السلام (2) .

__________________

(1) الإرشاد 2 : 309 ، وراجع نسخة كتاب المتوكل أيضاً في أصول الكافي 1 : 501 / 7 ، والفصول المهمة 2 : 1069.

(2) قال ابن كثير : كان المتوكل لا يولي أحداً إلا بعد مشورة الإمام أحمد ، البداية

٥١

ويبدوا أن المتوكل قد صاغ كتابه بصيغة الرجاء ، وكأنه ترك للإمامعليه‌السلام الخيار في الشخوص أو البقاء ، غير أنه الاكراه بعينه ، إذ أنه بعث الكتاب مع الجند وقادتهم الذي أرسلهم لأداء مهمة إشخاص الإمام ، ثمّ ( إن الإمام إن لم يذهب حيث أمره يكون قد أثبت تلك التهمة على نفسه ، وأعلن العصيان على الخلافة ، وكلاهما مما لا تقتضية سياسة الإمام )عليه‌السلام (1) .

ولعل أوضح دليل على إلزام الإمامعليه‌السلام بهذا الأمر هو تصريحهعليه‌السلام بذلك في حديث رواه المنصوري عن عم أبيه أبي موسى ، ثم قال : « قال لي يوماً الإمام علي بن محمدعليهما‌السلام :يا أبا موسى ، اُخرجت إلى سرّ من رأى كرها ً »(2) .

الامام العسكري يرافق أباه عليهما‌السلام

رافق الإمام العسكري أباه الإمام الهاديعليهما‌السلام في رحلته من المدينة إلى سامراء مع أهل بيته وبعض مواليه ، وقد اختلف في عمرهعليه‌السلام حينذاك نظراً للاختلاف في تاريخ رحلة الإمامعليه‌السلام .

__________________

والنهاية 10 : 316 ، فان كان ذلك حقاً ، فلا أدري كيف يوافق الإمام أحمد على تولية أمثال : محمد بن الفرج الرخجي ، والد يزج الذي هدم قبر الحسينعليه‌السلام ، وأبي السمط مروان بن أبي الجنوب الذي ولاه على اليمامة والبحرين ، وابن اُترجة الذي ولاه الحرب والصلاة في الحرمين وغيرهم من النواصب ؟! فإنّ أراد المبالغة في مدح المتوكل الناصبي فقد عرّض بالإمام أحمد وأساء إليه ، وإن كان قوله حقاً فعلى أمثال الإمام أحمد العفا.

(1) تاريخ الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر : 107 ـ دار التعارف ـ بيروت ـ 1412 ه‍.

(2) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 449 ، بحار الأنوار 50 : 129 / 8.

٥٢

ذكر المسعودي أنه شخص الإمام الحسن العسكري بشخوص والدهعليهما‌السلام إلى العراق في سنة 236 ه‍ وله أربع سنين وشهور(1) .

وذكر الطبري أنه قدم يحيى بن هرثمة بعلي بن محمد بن علي الرضا بن موسى ابن جعفر سنة 233 ه‍(2) ، وعليه يكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام نحو سنة واحدة ، وعلى ضوئه ذكر ابن كثير أن مدة إقامة الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء أكثر من عشرين سنة. قال في أحداث سنة 254 ه‍ ، وهي السنة التي توفي فيها الإمام الهاديعليه‌السلام : نقله المتوكل إلى سامراء ، فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر ، ومات في هذه السنة(3) ، وكذلك ذكر ابن طولون أنهعليه‌السلام أقام في سامراء عشرين سنة وتسعة أشهر(4) .

أما الشيخ المفيد فقد ذكر نسخة كتاب الاستدعاء الذي كتبه المتوكل. وورد في ذيله أن كاتبه إبراهيم بن العباس كتبه في سنة 243 ه‍(5) . وأكّد هذا التاريخ باعتبار أن مقام الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء إلى أن قُبض عشر سنين وأشهراً(6) . وعليه يكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام عندما غادر المدينة أحد عشرسنة وبضعة شهور.

ويبدو أن الشيخ المفيد استفاد من رواية الكافي لنسخة كتاب المتوكل ،

__________________

(1) إثبات الوصية / المسعودي : 244.

(2) تاريخ الطبري 9 : 163 ـ حوادث سنة 233 ه‍.

(3) البداية والنهاية 11 : 15 ـ حوادث سنة 254 ه‍.

(4) الأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام / لابن طولون : 109 و 113 ـ بيروت ـ دار صادر.

(5) الإرشاد 2 : 310.

(6) الإرشاد 2 : 312.

٥٣

والتي ورد فيها اسم كاتب المتوكل ( إبراهيم بن العباس ) في ذيل الكتاب إلا أنه يخلو من التاريخ ، لكن جاء في أول رواية الكافي ما يلي : عن محمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، قال : أخذت نسخة كتاب المتوكل إلى أبي الحسن الثالث من يحيى بن هرثمة في سنة 243 ه‍(1) ، وواضح أن هذا هو تاريخ أخذ نسخة الكتاب لا تاريخ كتابته ، ويؤيده أن ابن هرثمة هو الذي أخذ الكتاب إلى المدينة لاستدعاء الإمامعليه‌السلام إلى سامراء ، فكيف تؤخذ نسخة الكتاب منه قبل إنهاء مهمته ؟!

ورجّح السيد محمد الصدر أن تاريخ الرحلة كان سنة 234 ه‍ ، وإذا صحّ ذلك فسيكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام حينما غادر المدينة نحو سنتين ، وترجيحه مبنياً على اعتبارين ؛ الأول : ما ذكره ابن شهر آشوب من أن مدة مقام الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء من حين دخوله إلى وفاته عشرون سنة(2) ، فإذا كانت وفاته 254 ه‍ ، تكون سفرته سنة 234 ه‍ ، الثاني : كون هذا التاريخ أنسب بالاعتبار السياسي ، لأنه بعد مجيء المتوكل إلى الخلافة بعامين ، فيكون المتوكل قد طبّق منهجه في الرقابة على الإمامعليه‌السلام في الأعوام الاولى من خلافته ، بخلاف رواية المفيد التي تبعد بالتاريخ عن استخلاف المتوكل أحد عشر عاماً(3) .

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 501 / 7 ـ باب مولد أبي الحسن علي بن محمدعليهما‌السلام من كتاب الحجة.

(2) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 433.

(3) تاريخ الغيبة الصغري 2 : 107 ـ 108.

٥٤

من المدينة إلى سامراء

ذكر المسعودي « أن يحيى بن هرثمة قدم المدينة ، فأوصل الكتاب إلى بريحة ، وركبا جميعاً إلى أبي الحسنعليه‌السلام فأوصلا إليه كتاب المتوكل ، فاستأجلهما ثلاثاً ، فلما كان بعد ثلاث عاد يحيى إلى داره فوجد الدواب مسرجة والأثقال مشدودة قد فرغ منها ، وخرج صلوات الله عليه متوجهاً نحو العراق ، وأتبعه بريحة مشيعاً ، فلما صار في بعض الطريق ، قال له بريحة : قد علمت وقوفك على أني كنت السبب في حملك ، وعليَّ حلف بأيمان مغلظة لئن شكوتني إلى أمير المؤمنين أو إلى أحد من خاصته وأبنائه ، لأجمرنّ نخلك ، ولأقتلنّ مواليك ولأعورنّ عيون ضيعتك ، ولأفعلن وأصنعن.

فالتفت إليه أبو الحسنعليه‌السلام فقال له :إن أقرب عَرضي إياك على الله البارحة ، وما كنت لأعرضنك عليه ثم لاشكونك إلى غيره من خلقه . فانكبّ عليه بريحة وضرع إليه واستعفاه. فقال له :قد عفوت عنك »(1) . وهكذا تجد بريحة يهتزّ من كلام الإمامعليه‌السلام فينكبّ عليه ويتضرع إليه ، رغم أنّه في موقع القوة ، وهذه هي هيبة أولياء الله في قلوب أعدائه ، وتلك هي أخلاقهم وسماحتهم لمن أساء إليهم.

ونقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير : « أن المتوكل دعا يحيى بن هرثمة وقال : اذهب إلى المدينة ، وانظر حاله وأشخصه إلينا ، قال يحيى : فذهبت إلى المدينة ، فلما دخلتها ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي ، وقامت الدنيا على ساق ، لأنّه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد ، ولم يكن

__________________

(1) إثبات الوصية : 233.

٥٥

عنده ميل إلى الدنيا.

قال يحيى : فجعلت اُسكّنهم وأحلف لهم أنّي لم اُؤمر فيه بمكروه ، وأنه لا بأس عليه ، ثمّ فتّشت منزله ، فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في عيني ، وتوليت خدمته بنفسي ، وأحسنت عشرته ، فلما قدمت به بغداد بدأت باسحاق بن إبراهيم الطاهري ، وكان والياً على بغداد فقال لي : يا يحيى ، إن هذا الرجل قد ولده رسول الله والمتوكل من تعلم ، فإنّ حرّضته عليه قتله ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصمك يوم القيامة ، فقلت له : والله ما وقعت منه إلا على كلّ أمر جميل ، ثم صرت به إلى سرّ من رأى ، فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله ، فقال : والله لئن سقط منه شعره لا يطالب بها سواك ، قال : فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق »(1) .

هذا الخبر يدل على الموقع الذي يشغله الإمام الهاديعليه‌السلام في نفوس الناس وكسب ثقتهم ومحبتهم على اختلاف توجهاتهم ، وذلك من خلال إحسانه إليهم ورعاية اُمورهم وتأثّرهم بخصائص شخصيته الباهرة ، ممّا جعله في موقع محبة الناس كلهم ، فهرعوا في مظاهرة احتجاجية لم يسمع بمثلها خوفاً على حياة إمامهمعليه‌السلام من بطش المتوكل الذي يعرفون توجهاته وممارساته ، لهذا حاول ابن هرثمة تهدئتهم بقسمه لهم أنه لم يؤمر فيه بمكروه ، وتأثّر ابن هرثمة بعظمة الإمامعليه‌السلام أيضاً فتولّى خدمته بنفسه وأحسن عشرته ، وهكذا امتدت محبة الإمامعليه‌السلام وتعظيمه إلى حاشية المتوكل في بغداد وسامراء.

وتتجلّى مظاهر الحب والتعظيم أيضاً في تشوق الناس من أهالي بغداد إلى

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322 ، مروج الذهب 4 : 422 نحوه.

٥٦

الإمام الهاديعليه‌السلام واجتماعهم لرؤيته ، مما اضطرهم إلى دخول البلد ومغادرته في الليل ، فقد جاء في تاريخ اليعقوبي « أنه لما كان في موضع يقال له الياسرية نزل هناك ، وركب إسحاق بن إبراهيم الطاهري لتلقيه ، فرأى تشوق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته ، فأقام إلى الليل ، ودخل به في الليل ، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ إلى سرّ من رأى »(1) .

في سامراء :

حينما وصل ركب الإمام الهاديعليه‌السلام إلى سامراء تقدّم المتوكّل بأن يُحجَب عنه في يومه ، واُنزل في خان يُعَرف بخان الصعاليك(2) ، فأقام فيه يومه ، ثمّ تقدّم المتوكل بافراد دارٍ له ، فانتقل إليها ، فأقام أبو الحسن مدة مقامه بسرّ من رأى مكرماً معظماً مبجلاً في ظاهر حاله ، والمتوكل يبغي له الغوائل في باطن الأمر ، ويجتهد في ايقاع حيلة به ، ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس ، فلا يتمكن من ذلك ولم يقدره الله عليه(3) .

والظاهر أن المتوكل أمر أولاً بجحز الإمامعليه‌السلام وفرض الإقامة الجبرية عليه في مكان غير لائق ، ثمّ أنه لما سمع الاطراء من قادة الجند الموكلين به ، صار مضطراً إلى إكرامه ، نقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير عن يحيى بن هرثمة أنه قال : « لمّا دخلت على المتوكل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 484.

(2) راجع : أصول الكافي 1 : 498 / 2 باب أبي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام من ـ كتاب الحجة ، بصائر الدرجات / للصفار : 426 / 7 و 427 / 11 ـ مؤسسة الأعلمي ـ طهران ، الخرائج والجرائح / للقطب الراوندي 2 : 680 / 10.

(3) الإرشاد 2 : 311 ، الفصول المهمة 2 : 1070 ، إعلام الورى 2 : 126.

٥٧

طريقته وورعه وزهادته ، وأني فتّشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم ، وأن أهل المدينة خافوا عليه ، فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته وأجزل برّه ، وأنزله معه سر من رأى »(1) ، لتمرير مخططه القاضي بعزل الإمامعليه‌السلام ومراقبته.

مداهمة دار الامام عليه‌السلام :

تقوم أجهزة السلطة بذرائع مختلفة بالتفتيش المفاجئ لدار الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء ، وعلى رأسها الوشايات التي ترتفع إلى المتوكل من النواصب المحيطين به ، فتثير في نفسه كوامن الخوف والشك والحقد التي اشتملت على كيانه وأحاطت جوانبه ، فيأمر بكبس داره ، وفي كلّ حوادث الدهم التي تعرّضت لها دار الإمام يرجع المأمورون وبالتالي الوشاة بالخيبة والفشل الذريعين ، لأنهم لم يجدوا شيئاً مريباً ولا أيّ نشاط غريب ، وليس ثمة إلا الإمامعليه‌السلام وهو يتلوا القرآن أو يقيم الصلاة.

عن إبراهيم بن محمد الطاهري ـ في حديث طويل ـ قال : « سعي البطحاني(2) بأبي الحسنعليه‌السلام إلى المتوكل ، وقال : عنده سلاح وأموال ، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم ليلاً عليه ، وياخذ ما يجده عنده من الأموال والسلاح ويحمله إليه. قال إبراهيم : فقال لي سعيد الحاجب : صرت إلى

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322 ، ونحوه في مروج الذهب 4 : 422.

(2) في الكافي : البطحائي العلوي ، وهو يشير إلى أن الدولة تستعمل الضدّ النوعي للتجسس على الإمام ، الأمر الذي تمارسه حكومات الطغيان والاستبداد في هذا الزمان.

٥٨

دار أبي الحسن بالليل ، ومعي سُلّم ، فصعدت منه إلى السطح ، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار ، فناداني أبو الحسن من الدار :يا سعيد ، مكانك حتى يأتوك بشمعة ، فلم ألبث أن أتوني بشمعة ، فنزلت فوجدت عليه جبّه صوف وقلنسوة منها ، وسجادته على حصير بين يديه ، وهو مقبل على القبلة. فقال لي :دونك البيوت ، فدخلتها وفتشتها فلم اجد فيها شيئاً »(1) .

ومرة اُخرى وشي بالإمامعليه‌السلام إلى متوكل ، فأرسل الأتراك على حين غرّة إلى دار الإمام ، وقد أمرهم هذه المرة بحملهعليه‌السلام إليه حتى وإن لم يجدوا ما يثير الريبة والاستغراب ، ذلك لأنّه كان عازماً على الاستخفاف بالإمامعليه‌السلام بطرق اُخرى أمام ندمائه حينما لم يجد متسعاً لتنفيذ رغباته عن طريق سعاية الوشاة ، وما كان يتوقع أن الإمامعليه‌السلام سوف يصفعه بعظات نزلت كالصاعقة على أسماعه وأسماع ندمائه ، لأنها تصور ما سيؤول إليه أمره وأمر أمثاله من الطغاة عبيد الأهواء والشهوات.

روى المسعودي بالاسناد عن محمد بن يزيد المبرد ، قال : « قد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل ، وقيل له : إن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته ، فوجّه إليه ليلاً من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره ، فوجده في بيت وحده مغلق عليه ، وعليه مدرعة من شعر ، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى ، وعلى رأسه ملحفة من الصوف

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 499 / 4 باب مولد أبي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 303 ، الخرائج والجرائح 1 : 676 / 8.

٥٩

متوجهاً إلى ربه ، يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، فأخذ على ما هو عليه ، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل ، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل فيه ولا حالة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده ، فقال :يا أمير المؤمنين ، ما خامر لحمي ودمي قطّ فاعفني منه ، فعفاه وقال : انشدني شعراً أستحسنه ، فقال :إني قليل الرواية للأشعار . فقال : لابد أن تنشدني. فأنشده :

باتوا على قُلل الأجـبال تحرسهم

غلب الرجـال فمـا أغتنهم القللُ

واستنزلوا بعد عـزّ مـن معاقلهم

وأسكنوا حفراً يا بئس مـا نزلوا

ناداهم صارخ من بعد مـا قبروا

أين الأسرةُ والتيجانُ والحـللُ

أين الوجوه التي كانـت منـعّمة

من دونها تضرب الأستار والكللُ

فأفصح القبر عنهم حـين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الـدود يـقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً ومـا شربوا

فأصبحوا بعد طول الإكل قد أكلوا

     
٦٠

61

62

63