عصمة الأنبياء في القرآن الكريم

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم17%

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 321

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 321 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132508 / تحميل: 8895
الحجم الحجم الحجم
عصمة الأنبياء في القرآن الكريم

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فقال: خلّوا له نهجاً ولا تجدوا

بأساً بتمكينه قصدي وإتياني

فجاء حتّى رقى أعواد منبره

مهمهماً بلسان الخاضع الجاني

مَن غيره بطن العلم الخفيّ؟ ومَن

سواه قال: اسألوني قبل فقداني؟

ومَن وقت نفسه نفس الرَّسول وقد

وافى الفراش ذوو كفر وطغيانِ؟

ومَن تصدَّق في حال الرّكوع ولم

يسجد كما سجدت قومٌ لأوثانِ؟

مَن كان في حرم الرَّحمن مولده

وحاطه الله من باسٍ وعدوانِ؟

مَن غيره خاطب الرَّحمن واعتضدت

به النبوَّة في سرٍّ وإعلانِ؟

مَن أُعطي الراية الغرّاء إذ ربدت

نار الوغا فتحاماها الخميسانِ؟

مَن ردّت الكفُّ إذ بانت بدعوته؟

والعين بعد ذهاب المنظر الفاني؟

مَن أنزل الوحي في أن لا يُسدّ له

بابٌ وقد سُدَّ أبوابٌ لإخوانِ؟

ومَن به بُلغت من بعد أوبتها

براءةٌ لأولي شرك وكفرانِ؟

ومَن تظلّم طفلاً وارتقى كتف

المختار خير ذوي شيب وشبّانِ؟

ومَن يقول: خذي يا نار ذا وذري

هذا وبالكأس يسقي كلَّ ظمآنِ؟

مَن غسَّل المصطفى؟ من سال في يده

أجلُّ نفس نأت عن خير جثمانِ؟

ومَن تورَّك متن الرِّيح طائعة

تجري بأمر مليك الخلق رحمانِ؟

حتّى أتى فتية الكهف الذين جرت

على مراقدهم أعصار أزمانِ

فاستيقظوا ثمَّ قالوا بعد يقظتهم

: أنت الوصيُّ على علمٍ وإيقانِ

﴿ما يتبع الشعر﴾

في هذه القصيدة إشارةٌ إلى لمة من فضائل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقد بسطنا القول في جملة مهمَّة منها في الأجزاء السابقة ونذكر هنا ما أشار إليه شاعرنا بقوله:

من كان في حرم الرَّحمن مولده

وحاطه الله من باسٍ وعدوانِ؟

يريد به قصَّة ولادته صلوات الله عليه في الكعبة المعظَّمة، وقد انشقَّ جدار البيت لأُمِّه فاطمة بنت أسد فدخلته ثمَّ التأمت الفتحة، فلم تزل في البيت العتيق حتّى ولدت مشرِّف البيت بذلك الهبوط الميمون، وأكلت من ثمار الجنَّة، ولم ينفلق

٢١

صدف الكعبة عن درِّه الدريِّ إلّا وأضاء الكون بنور محيّاه الأبلج، وفاح في الأجواء شذى عنصره الأقدس، وهذه حقيقةٌ ناصعةٌ أصفق على إثباتها الفريقان، وتضافرت بها الأحاديث، وطفحت بها الكتب، فلا نعبأ بجلبة رماة القول على عواهنه بعد نصِّ جمع من أعلام الفريقين على تواتر حديث هذه الأثارة.

قال الحاكم في «المستدرك» ٣: ٤٨٣: وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب كرَّم الله وجهه في جوف الكعبة.

وحكى الحافظ الكنجي الشافعي في (الكفاية) من طريق إبن النجّار عن الحاكم النيسابوري أنَّه قال: وُلد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمكّة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلثين من عام الفيل ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله الحرام سواه إكراماً له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

وتبعه أحمد بن عبد الرَّحيم الدهلوي الشهير بشاه وليّ الله والد عبد العزيز الدهلوي مصنِّف (التحفة الإثنى عشريَّة في الردِّ على الشيعة) فقال في كتابه [إزالة الخفاء]: تواترت الأخبار إنَّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّاً في جوف الكعبة فإنَّه وُلد في يوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلثين سنة في الكعبة ولم يولد فيها أحدٌ سواه قبله ولا بعده.

قال شهاب الدين السيِّد محمود الآلوسي صاحب التفسير الكبير في [سرح الخريدة الغيبيَّة في شرح القصيدة العينيَّة] لعبد الباقي أفندي العمري ص ١٥ عند قول الناظم:

أنت العليُّ الذي فوق العلى رفعا

ببطن مكّة عند البيت إذ وضعا

وكون الأمير كرَّم الله وجهه وُلد في البيت أمرٌ مشهورٌ في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنَّة والشيعة - إلى أن قال -: ولم يشتهر وضع غيره كرَّم الله وجهه كما اشتهر وضعه بل لم تتَّفق الكلمة عليه، وما أحرى بإمام الأئمَّة أن يكون وضعه فيما هو قبلةٌ للمؤمنين؟ وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين.

وقال في ص ٧٥ عند قول العمري:

وأنت أنت الذي حطّت له قدمٌ

في موضع يده الرَّحمن قد وضعا

وقيل: أحبّ عليه الصَّلاة والسلام (يعني عليّاً) أن يكافئ الكعبة حيث وُلد

٢٢

في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها فإنَّها كما ورد في بعض الآثار كانت تشتكي إلى الله تعالى عبادة الأصنام حولها وتقول: أي ربّ حتّى متى تُعبد هذه الأصنام حولي؟ والله تعالى يعدها بتطهيرها من ذلك. ا ه‍.

وإلى هذا المعنى أشار العلّامة السيِّد رضا الهندي بقوله:

لما دعاك الله قِدماً لأن

تولد في البيت فلبَّيته

شكرته بين قريش بأن

طهَّرتَ من أصنامهم بيته

ويجدها القارئ من المتسالم عليه من فضائل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في غير واحد من مصادر القوم منها:

١ - مروج الذهب ٢ ص ٢ تأليف أبي الحسن المسعودي الهذلي

٢ - تذكرة خواصّ الأُمَّة ص ٧ تأليف سبط إبن الجوزي الحنفي

٣ - الفصول المهمَّة ص ١٤ تأليف إبن الصبّاغ المالكي

٤ - السيرة النبويَّة ١ ص ١٥٠ تأليف نور الدين علي الحلبي الشافعي

٥ - شرح الشفا ج ١ ص ١٥١ تأليف الشيخ علي القاري الحنفي

٦ - مطالب السئول ص ١١ تأليف أبي سالم محمّد بن طلحة الشافعي

٧ - محاضرة الأوائل ص ١٢٠ تأليف الشيخ علاء الدين السكتواري

٨ - مفتاح النجا في مناقب آل العبا تأليف ميرزا محمّد البدخشي

٩ - المناقب تأليف الأمير محمّد صالح الترمذي

١٠ - مدارج النبوَّة تأليف الشيخ عبد الحقِّ الدهلوي

١١ - نزهة المجالس ٢ ص ٢٠٤ تأليف عبد الرَّحمن الصفوري الشافعي

١٢ - آيينه تصوّف ط ص ١٣١١ تأليف شاه محمّد حسن الجشتي

١٣ - روائح المصطفى ص ١٠ تأليف صدر الدين أحمد البردواني

١٤ - كتاب الحسين ١ ص ١٦ تأليف السيِّد علي جلال الدين

١٥ - نور الأبصار ص ٧٦ تأليف السيِّد محمّد مؤمن الشبلنجي

١٦ - كفاية الطالب ص ٣٧ تأليف الشيخ حبيب الله الشنقيطي

وأما أعلام الشيعة فقد ذكرت منهم هذه الأثارة أُمَّةٌ كبيرةٌ منها:

٢٣

١ - الحسن بن محمّد بن الحسن القمي في تاريخ قم الذي ألَّفه وقدَّمه إلى الصّاحب ابن عباد سنة ٣٧٨، وترجمه إلى الفارسيَّة الشيخ الحسن بن علي بن الحسن القمي سنة ٨٦٥، راجع ص ١٩١ من الترجمة.

٢ - الشريف الرَّضي المتوفّى ٤٠٦ [المترجم في ج ٤ ص ١٨١ – ٢٢١] ذكرها في خصائص الأئمَّة وقال: لم نعلم مولوداً في الكعبة غيره.

٣ - شيخ الأُمّة معلّم البشر أبو عبد الله المفيد المتوفّى ٤١٣ في المقنع، ومسار الشيعة ص ٥١ مصر، والإرشاد ص ٣ وقال: لم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله سواه، إكراماً من الله جلَّ اسمه بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

٤ - الشَّريف المرتضى المتوفّى ٤٣٦ [مرّت ترجمته في ج ٤ ص ٢٦٤ – ٢٩٩] ذكرها في شرح القصيدة البائيّة للحميري ص ٥١ ط مصر وقال: لا نظير له في هذه الفضيلة.

٥ - نجم الدِّين الشريف أبو الحسن عليُّ بن أبي الغنائم محمّد المعروف بابن الصّوفي ذكرها في كتابه (المجدي) المخطوط.

٦ - الشيخ أبو الفتح الكراجكي المتوفّى ٤٤٩ في «كنز الفوائد» ص ١١٥.

٧ - الشيخ حسين بن عبد الوهّاب معاصر الشَّريف المرتضى في (عيون المعجزات).

٨ - شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي المتوفّى ٤٦٠ في التهذيب ج ٢، ومصباح المتهجِّد ص ٥٦٠، والأمالي ص ٨٠ - ٨٢.

٩ - أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي المتوفّى ٥٤٨ صاحب «مجمع البيان» في (إعلام الورى) ص ٩٣ وقال: لم يولد قطُّ في بيت الله تعالى مولودٌ سواه لا قبله ولا بعده.

١٠ - إبن شهر آشوب السَّروي المتوفّى ٥٨٨ في (المناقب) ١ ص ٣٥٩، و ج ٢ ص ٥.

١١ - إبن البطريق شمس الدين أبو الحسين يحيى بن الحسن الحلّي المتوفّى ٦٠٠ في كتابه (العمدة) وقال: لم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله سواه.

١٢ - رضيُّ الدِّين عليُّ بن طاوس المتوفّى ٦٦٤ في كتابه «الإقبال» ص ١٤١.

٢٤

١٣ - عماد الدين الحسن الطبري الآملي صاحب «الكامل» المؤلَّف سنة ٦٧٥ في كتابه (تحفة الأبرار) في الفصل الثامن من الباب الرابع.

١٤ - بهاء الدين الأربلي المتوفّى ٦٩٢ [مرّت ترجمته في ج ٥ ص ٤٤٥] في كتابه [كشف الغمَّة] ص ١٩ وقال: لم يولد في البيت أحدٌ سواه قبله ولا بعده، وهي فضيلةٌ خصّه الله بها إجلالاً له، وإعلاءً لرتبته، وإظهاراً لتكرمته.

١٥ - أبو علي ابن الفتّال النيسابوري المترجم في كتابنا «شهداء الفضيلة» ص ٣٧ ذكرها في [روضة الواعظين] ص ٦٧.

١٦ - هندوشاه بن عبد الله الصّاحبي النخجواني في [تجارب السّلف] ص ٣٧.

١٧ - العلّامة الحسن بن يوسف الحلّي المتوفّى ٧٢٦ في كتابيه: كشف الحقّ، وكشف اليقين ص ٥ ونصَّ على أنّه لم يولد أحدٌ سواه فيها لا قبله ولا بعده.

١٨ - جمال الدِّين ابن عنبة المتوفّى ٨٢٨ في «عمدة الطالب» ص ٤١.

١٩ - الشيخ عليُّ بن يونس العاملي البياضي المتوفّى ٨٧٧ في «الصِّراط المستقيم».

٢٠ - السيِّد محمّد بن أحمد بن عميد الدِّين علي الحسيني، في «المشجَّر الكشّاف للسّادة الأشراف» ص ٢٣٠ ط مصر.

٢١ - الشيخ تقيُّ الدين الكفعمي الآتي ترجمته في هذا الجزء إنشاء الله، في المصباح ص ٥١٢.

٢٢ - أحمد بن محمّد بن عبد الغفّار الغفاري القزويني في «تاريخ نكارستان» المؤلَّف سنة ٩٤٩ ص ١٠ ط سنة ١٢٤٥.

٢٣ - القاضي نور الله المرعشي المستشهد ١٠١٩، المترجم في كتابنا «شهداء الفضيلة» ص ١٧١ في كتابه: إحقاق الحقِّ.

٢٤ - الشيخ عبد النبيِّ الجزائري المتوفّى ١٠٢١ في «حاوي الأقوال».

٢٥ - الشيخ محمّد بن الشيخ علي اللاهيجي في «محبوب القلوب».

٢٦ - المولى المحسن الكاشاني المتوفّى ١٠٩١ في كتابه «تقويم المحسنين»

٢٧ - الشيخ نظام الدين محمّد بن الحسين التفرشي السَّاوجي تلميذ شيخنا البهائي في تأليفه «تكملة الجامع العبّاسي» لشيخه المذكور.

٢٥

٢٨ - الشيخ أبو الحسن الشّريف المتوفّى ١١٠٠ في كتابه الضخم الفخم القيِّم «ضياء العالمين» وقال: كانت مشهورةً في الصّدر الأوَّل.

٢٩ - السيِّد هاشم التوبلي البحراني صاحب التآليف القيِّمة المتوفّى ١١٠٧ في «غاية المرام» وقال: بلغت حدَّ التواتر معلومة في كتب العامّة والخاصّة.

٣٠ - العلّامة المجلسي المتوفّى ١١١٠/١١ في جلاء العيون ص ٨٠ فقال ما معناه: مشهورٌ بين المحدِّثين والمؤرِّخين من الخاصّة والعامّة.

٣١ - السيِّد نعمة الله الجزائري المتوفّى ١١١٢ في «الأنوار النعمانيّة».

٣٢ - السيِّد علي خان الشيرازي ١١١٨/٢٠ في «الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة».

٣٣ - السيِّد محمّد الطباطبائي جدّ آية الله بحر العلوم الفارغ عن بعض تآليفه سنة ١١٢٦ في رسالته الموضوعة لتواريخ مواليد الأئمّة ووفياتهم.

٣٤ - السيِّد عبّاس بن عليّ بن نور الدين الموسوي الحسيني المكّي المتوفّى ١١٧٩ في كتابه «نزهة الجليس» ج ١ ص ٦٨.

٣٥ - أبو علي الحائري المتوفّى ١٢١٥ في رجاله الدائر «منتهى المقال» ص ٤٦.

٣٦ - السيِّد محسن الأعرجي المتوفّى ١٢٢٧ في «عمدة الرجال».

٣٧ - الشيخ خضر بن شلّال العفكاوي النجفي المتوفّى ١٢٥٥ في مزاره المسمّى بأبواب الجنان وبشائر الرِّضوان.

٣٨ - السيِّد حيدر الحسني الحسيني الكاظمي المتوفّى ١٢٦٥ في «عمدة الزائر» ص ٥٤.

٣٩ - السيِّد مهدي القزويني المتوفّى ١٣٠٠ في «فلك النجاة» ص ٣٢٦.

٤٠ - المولى السيِّد محمود بن محمّد علي بن محمّد باقر في «تحفة السّلاطين» ج ٢ فقال ما معناه: مشهورٌ كالشمس في رائعة النهار.

٤١ - المولى السلطان محمّد بن تاج الدين حسن في «تحفة المجالس» ص ٨٨ ط سنة ١٢٧٤.

٤٢ - السيِّد ميرزا حسن الزنوزي نزيل خوي في كتابه الضخم «بحر العلوم».

٢٦

٤٣ - الحاج المولى شريف الشرواني من تلمذة السيِّد العظيم صاحب الرِّياض في كتابه: الشهاب الثاقب في مناقب عليّ بن أبي طالب.

٤٤ - المولى علي أصغر البروجردي في عقائد الشيعة ص ٣١ ط سنة ١٢٦٣.

٤٥ - الحاج ميرزا حبيب الخوئي في كتابه الكبير: شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٧١.

٤٦ - أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن جعفر الحسيني الأعرجي في «مناهل الضرب في أنساب العرب».

٤٧ - الحاج الشيخ عبّاس القمّي المتوفّى ١٣٥٩ في [سفينة البحار] ج ٢ ص ٢٢٩.

٤٨ - السيِّد محسن الأمين الحسيني العاملي في [أعيان الشيعة] ج ٣: ٣.

٤٩ - الشيخ جعفر نقدي في كتابه [نزهة المحبّين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام] ص ٢ - ٨.

٥٠ - شيخنا الأوردبادي ألَّف في الموضوع كتاباً فخما، وقد أغرق نزعاً في التحقيق ولم يبق في القوس منزعاً، وإليك فهرست عناوينه.

١ - حديث المولد الشريف وتواتره.

٢ - حديث الولادة الشريفة مشهورٌ بين الأُمَّة.

٣ - نبأ الولادة والمحدِّثون.

٤ - حديث الولادة والنسّابون.

٥ - حديث الولادة والمؤرِّخون.

٦ - حديث الولادة والشَّعراء.

٧ - حديث الولادة والإجماع عليه.

ألَّف القاضي أبو البحتري كتاباً في مولد أمير المؤمنين عليه السلام كما ذكره النجاشي و شيخ الطايفة، ورواه أبو محمّد العلوي الحسن بن محمّد عن حجر بن محمّد السّامي عن رجاء بن سهل الصنعاني عن أبي البحتري كما في تاريخ الخطيب البغدادي ٧ ص ٤١٩.

وذكر النجاشي في فهرسته ص ٢٧٩ كتاب مولد أمير المؤمنين لشيخنا إبن بابويه الصَّدوق].

وقد نظم هذه الأثارة كثيرون من أعلام الشيعة الفطاحل وشعرائها الأفذاذ نظراء:

٢٧

١ - السيِّد الحميري المتوفّى ١٧٣، وقد مرَّت ترجمته في ج ٢ ص ٢٣١ - ٢٧٨ قال:

ولدته في حرم الإله وأمنه

والبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة

طابت وطاب وليدها والمولد

في ليلة غابت نحوس نجومها

وبدت مع القمر المنير الأسعد

ما لُفَّ في خرق القوابل مثله

إلّا ابن آمنة النبيِّ «محمّد»

٢ - محمّد بن منصور السَّرخسي، ذكرها في أبيات توجد في مناقب ابن شهر آشوب ج ١ ص ٣٦٠.

٣ - خواجه معين الدين الجشتي الأجميري المتوفّى ٦٣٢.

٤ - المولي الرومي العارف الشهير المتوفّى ٦٧٢.

٥ - المولى محمّد بن عبد الله الكاتبي النيسابوري المتوفّى ٨٨٩، المترجم في مجالس المؤمنين.

٦ - المولى أهلي الشيرازي المتوفّى ٩٤٢.

٧ - ميرزا محمّد علي التبريزي المتخلّص في شعره ب‍ «صائب» من شعراء عهد السّلطان سليمان المتوفّى ٩٧٤ له قصيدةٌ يمدح بها الكعبة المشرَّفة ويذكر مزاياها و عدَّ منها ولادة أمير المؤمنين بها توجد في كتاب [الخزانة العامرة] صحيفة ٢٩١.

٨ - السيِّد محمّد باقر بن محمّد الحسيني الأسترابادي الشهير بداماد المتوفّى ١٠٤١.

٩ - المولى محمّد مسيح المعروف بمسيحا الفسوي الشيرازي المتوفّى ١١٢٧ الآتي شعره وترجمته في شعراء القرن الثاني عشر.

١٠ - السيِّد نصر الله المدرِّس الحائري الشهيد سنة ١١٦٠، أحد شعراء الغدير يأتي في شعراء القرن الثاني عشر.

١١ - المولى رضا الرَّشتي المتخلّص في شعره ب‍ «المحزون» في مثنوىٍّ له.

١٢ - ميرزا نصر الله المتخلّص ب‍ «شهاب».

١٣ - الشَّريف محمّد بن فلاح الكاظمي أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته في محلّهما، ذكرها في قصيدته الكرّاريَّة.

١٤ - الشيخ محمّد رضا النحوي المتوفّى ١٢٢٦، أحد شعراء الغدير تأتي ترجمته

٢٨

في محلّها.

١٥ - الشيخ حسين نجف المتوفّى ١٢٥٢، أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته في شعراء القرن الثالث عشر قال في قصيدته الكبيرة.

جعل الله بيته لعليّ

مولداً ياله علاً لا يُضاهى

لم يشاركه في الولادة فيه

سيّد الرُّسل لا ولا أنبياها

علم الله شوقها لعليٍّ

علمه بالذي به من هواها

إذ تمنّت لقاءه وتمنّى

فأراها حبيبه ورآها

ما ادَّعى مدَّعٍ لذلك كلّا

من ترى في الورى يروم ادَّعاها؟

فاكتست مكّة بذاك افتخاراً

وكذا المشعران بعد مناها

بل به الأرض قد علت إذ حوته

فغدت أرضها مَطاف سماها؟

أوَ ما تنظر الكواكب ليلاً

ونهاراً تطوف حول حماها؟

وإلى الحشر في الطَّواف عليه

وبذاك الطَّواف دام بقاها

١٦ - ميرزا عبّاس الدامغاني المتخلص ب‍ «نشاط» الهزار جريبي المتوفّى ١٢٦٢.

١٧ السيِّد محمّد تقي القزويني المتوفّى ١٢٧٠، أحد شعراء الغدير تأتي ترجمته في شعراء القرن الثالث عشر.

١٨ - الشيخ حسين بن علي الفتوني الهمداني العاملي الحائري، من شعراء الغدير يأتي ذكره في القرن الثالث عشر.

١٩ - الحاج محمّد خان المولود سنة ١٢٤٦ المتخلّص ب‍ «دشتي» في ديوانه المطبوع.

٢٠ - الحاج ميرزا إسماعيل الشيرازي المتوفّى ١٣٠٥، أحد شعراء الغدير من حجج الطائفة يأتي ذكره في شعراء القرن الرّابع عشر له قصيدةٌ موشّحةٌ في المولود المقدَّس ألا وهي:

رغد العيش فزده رغدا

بسلافٍ منه تشفي سقمي

طرب الصبُّ على وصل الحبيبْ

وهنى العيش على بُعد الرقيبْ

وفّني من أكؤس الراح النصيبْ

وائتني توماً بها لا مفردا

فالهنا كلّ الهنا في التّوئمِ

٢٩

آتني الصهباء ناراً ذائبه

كلّلتها قبساتٌ لاهبه

واسقنيها والنّدامى قاطبه

فلعمري إنَّها ريُّ الصَّدى

لفؤادٍ بالتصابي مضرمِ

ما أحيلي الراح من كفِّ الملاح

هي روح هي رَوح هي راحْ

فأدرها في غدوٍّ ورواحْ

كذكاءٍ تتجلّى صرخدا

رصّعتها حببٌ كالأنجمِ

حبّذا آناء أُنس أقبلتْ

أدركت نفسي بهاما أمّلتْ

وضعت أُمُّ العُلى ما حُملتْ

طاب أصلاً وتعالى محتدا

مالكاً ثقل ولاء الأُممِ

آنست نفسي من الكعبة نورْ

مثل ما آنس موسى نار طورْ

يوم غشّي الملأ الأعلى سرورْ

قرع السّمع نداءٌ كندا

شاطئ الوادي طوى من حرمِ

ولدت شمس الضحى بدر التمامْ

فانجلت عنّاديا جير الظّلامْ

نادِ: يا بشراكمُ هذا غلامْ

وجهه فلقة بدرٍ يهتدى

بسنا أنواره في الظّلمِ

هذه فاطمةُ بنت أسدْ

أقبلت تحملُ لاهوت الأبدْ

فاسجدواُ ذّلاً له فيمن سجدْ

فله الأملاك خرّت سُجّدا

إذ تجلّى نوره في آدمِ

كُشف الستر عن الحقِّ المبين

وتجلّى وجه ربِّ العالمينْ

وبدا مصباح مشكاة اليقينْ

وبدت مشرقةً شمس الهدى

فانجلى ليل الضّلال المظلمِ

نُسخ التأبد من نفي ترى

فأرانا وجهه ربُّ الورى

ليت موسى كان فينا فيرى

ما تمنّاه بطورٍ مُجهدا

فانثني عنه بكفِّي مُعدمِ

هل درت أُمّ العلى ما وضعتْ؟

أم درت ثدي الهدى ما أرضعتْ؟

٣٠

أم درت كفُّ النّهي ما رفعتْ؟

أم درى ربُّ الحجى ما ولدا؟

جلَّ معناه فلمّا يُعلمِ

سيِّدٌ فاق عُلاً كلّ الأنامْ

كان إذ لا كائنٌ وهو إمامْ

شرَّف الله به البيت الحرامْ

حين أضحى لعُلاه مولدا

فوطا تربته بالقدمِ

إن يكن يُجعل لله البنونْ

وتعالى الله عمّا يصفونْ

فوليد البيت أحرى أن يكونْ

لوليِّ البيت حقّاً ولدا

لا عزيزٌ لا ولا ابن مريمِ

هو بعد المصطفى خير الورى

من ذرى العرش إلى تحت الثرى

قد كست عليائه أُمّ القرى

غرَّةً تحمي حماها أبدا

حيث لا يدنوه من لم يحرمِ

سبق الكون جميعاً في الوجودْ

وطوى عالم غيبٍ وشهودْ

كلّما في الكون من يمناه جودْ

إذ هو الكائن لله يدا

ويد الله مدرُّ الأنعمِ

سيِّدٌ حازت به الفضل مضرْ

بفخارٍ فسما كلّ البشرْ

وجهه في فلك العليا قمرْ

فبه لا بالنجوم يُهتدى

نحو مغناه لنيل المغنمِ

هو بدرٌ وذراريه بدورْ

عقمت عن مثلهم أُمُّ الدُّهور

كعبة الوفّاد في كلِّ الشّهورْ

فاز من نحو فناها وفدا

بمطافٍ منه أو مُستلمِ

ورثوا العلياء قدماً من قُصيّْ

ونزار ثمَّ فهرٍ ولويّْ

لا يباري حيّهم قطُّ بحيّْ

وهمُ أزكى البرايا محتدا

وإليهم كلُّ فخر ينتمي

أيّها المرجى لقاهُ في المماتْ

كلُّ موت فيه لقياك حياةْ

ليتما عجّل بي ما هو آتْ

علّني ألقى حياتي في الرَّدى

٣١

فايزاً منه بأوفى النِّعمِ

٢١ - ميرزا أبو القاسم الحسيني الشيرازي.

٢٢ - سراج الدِّين محمّد بن الحسن القرشي التميمي العدويّ الأمويّ المعروف بفدا حسين الهندي، نظم مكرمة الولادة الشريفة في قصيدته العلويَّة الكبيرة المطبوعة البالغة ١٤١١ بيتاً المسمّاة بالنفحة القدسيَّة ص ٦٨، ١٧٨.

٢٣ - ميرزا محمّد تقي الشهير بحجَّة الإسلام المتوفّى ١٣١٢، في ديوانه المطبوع ص ١٩٦، ٢٠٠.

٢٤ - الشاعر المفلق محمّد اليزدي المتخلّص في شعره ب‍ (جيحون) المتوفّى حدود ١٣١٨ في ديوانه المطبوع.

٢٥ - السيِّد مصطفى بن الحسين الكاشاني النجفي دفين الكاظميَّة المتوفّى ١٣٣٦ أحد شعراء الغدير، يأتي شعره وترجمته في شعراء القرن الرّابع عشر.

٢٦ - الحاج ميرزا حبيب الخراساني المترجم في كتابنا (شهداء الفضيلة) ص ٢٨٢.

٢٧ - الشيخ علي الملقَّب بالشيخ الرئيس الخراساني المتوفّى حدود ١٣٢٠ في منظومته المسمَّاة ب‍ [تنبيه الخاطر في أحوال المسافر] ص ٤.

٢٨ - الشيخ محمود عبّاس العاملي المتوفّى ١٣٥٣، أحد شعراء الغدير يأتي.

٢٩ - السيِّد حسن آل بحر العلوم المتوفّى ١٣٥٥، من شعراء الغدير يأتي ذكره في شعراء القرن الرّابع عشر.

٣٠ - الحاج الشيخ محمّد الحسين الإصبهاني المتوفّى ١٣٦١، أحد شعراء الغدير الآتي ذكره في شعراء القرن الرّابع عشر.

٣١ - السيِّد مير علي أبو طبيخ النجفي المتوفّى ١٣٦١، أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته.

٣٢ - السيِّد رضا الهندي النجفي المتوفّى ١٣٦٢، من شعراء الغدير يأتي ذكره في شعراء القرن الرّابع عشر.

٣٣ - السيِّد المحسن الأمين العاملي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٣٤ - الشيخ محمّد صالح المازندراني، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٣٢

٣٥ - الشيخ ميرزا محمّد علي الأوردبادي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره، نظمها في غير واحدة من قصائده، وممّا قال فيها قوله يمدح به أمير المؤمنين عليه السلام:

سبق الكرام فها همُ لم يلحقوا

في حلبة العلياء شأو كميتهِ

إذ خصَّه المولى بفضل باهرٍ

فيه يميّز حيّه من ميتهِ

لم يتَّخذ ولداً وما إن يتَّخذ

إلّا وكان ولاده في بيتهِ

في البيت مولده يحقِّق إنَّه

دون الأنام ذبالة في زيتهِ

خمَّسها النطاسيُّ المحنَّك ميرزا محمّد الخليلي صاحب [معجم أُدباء الأطبّاء].

٣٦ - الشيخ محمّد السَّماوي النجفي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٣٧ - الشيخ محمّد علي يعقوب النجفي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٣٨ - الشيخ جعفر نقدي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٣٩ - ميرزا محمّد الخليلي النجفي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٤٠ - السيِّد علي النقي اللكهنوي الهندي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره، له موشّحةٌ في الميلاد الشريف يهنِّي بها سيِّدنا الحجَّة السيِّد ميرزا علي آغا الشيرازي وهي:

من بدا فاز دهر البيت الحرامْ

وزهت منه ليالي رجبِ؟

طرب الكون لبشر وهنا

إذ بدا الفخر بنور وسنا

وأتى الوحي ينادي معلناً

: قد أتاكم حجَّة الله الإمام

وأبو الغرِّ الهُداة النّجبِ

خصَّه الرَّحمن بالفضل الصّراحْ

ومزايا أشرقت غرّاً وضاحْ

وسما منزله هام الضّراحْ

فغدا مولده خير مقامْ

طأطأت فيه رؤس الشّهبِ

إنَّه أوَّل بيت وُضعا

للورى طرّاً فأضحوا خضَّعا

وعلى الحاضر والبادي معا

حجَّةٌ أصبح فرضاً ولزامْ

طاعةٌ تتبع أقصى القربِ

وهو القبلة في كلِّ صلاةْ

وملاذٌ يُرتجى فيه النَّجاةْ

وقد استخلصه الله حماهْ

فلأن يأت إليه مستهامْ

٣٣

في ملمّ داعياً يُستجبِ

تلكمُ فاطمة بنت أسدْ

أمَّت البيت بكرب وكمدْ

ودعت خالقها الباري الصّمدْ

بحشاً فيه من الوجد الضّرامْ

قد علته قبسات اللّهبِ

نادت: اللهمّ ربَّ العالمينْ

قاضي الحاجات للمستصرخينْ

كاشف الكرب مجيب السائلينْ

إنّني جئتك من دون الأنامْ

أبتغي عندك كشف الكربِ

بينما كانت تناجي ربَّها

وإلى الرَّحمن تشكوا كربها

وإذا بالبشر غشّى قلبها

من جدار البيت إذ لاح ابتسامْ

عن سنا ثغرٍ له ذي شنبِ

فتق الزّهر؟ أم انشقَّ القمرْ؟

أم عمود الصّبح بالليل انفجرْ؟

أم أضاء البرق فالكون ازدهر؟

أم بدا في الأُفق خرقُ والتئامْ؟

فغدا برهان معراج النبي

أم أشار البيت بالكفّ ادخلي؟

واطمئنّي بالإله المفضلِ

فهنا يولد ذو العليا «علي»

من به يحظى حطيمي والمقامْ

وينال الرُّكن أعلا الرُّتبِ

دخلت فاطم فارتدّ الجدارْ

مثلما كان ولم يكشف ستارْ

إذ تجلّى النور وانجاب السرارْ

عن سنا بدرٍ به يجلو الظلامْ

والورى ينجو به من عطبِ

وُلد الطاهر ذاك ابن جَلا

من سما العرش جلالاً وعُلا

فله الأملاك يعنو ذلّلا

وبه قد بشَّر الرُّسل العظامْ

قومهم فيها خلا من حُقبِ

عرف الله ولا أرضٌ ولا

رفعت سبع طباق ظللا

فلذا خرَّ سجوداً وتلا

كلّما جاء إلى الرُّسل الكرامْ

قبله من صحفٍ أو كتبِ

٣٤

إن يك البيت مطافاً للأنامْ

فعليٌّ قد رقى أعلا سنامْ

إذ به يطَّوف البيت الحرامْ

وسعى الرُّكن إليه لاستلامْ

فغدا يزهو به من طربِ

لم يكن في البيت مولودٌ سواهْ

إذ تعالى عن مثيل في علاهْ

أوتي العلم بتعليم الإله

فغذاه درّه قبل الفطامْ

يرتوي منه بأهنى مشربِ

صغر الكون على سوددهِ

وانتمى الوحي إلى محتدهِ

بشِّر الشيعة في مولدهِ

واقصدوا العلّامة الحَبر الإمام

منبع العلم مناط الأدبِ

(القصيدة)

وله قصيدة أخرى ميلاديّة بارى بها قصيدة [إيليا أبي ماضي] الإلحاديّة المقفّاة ب‍ «لست أدري» وهي:

طرب الكون من البشر وقد عمَّ السّرورْ

وغدا القمريُّ يشدو في ابتسام للزُّهورْ

وتهانت ساجعات في ذرى الأيك الطيورْ

لِمَ ذا البشرْ؟ وما هذا التهاني؟ لستُ أدري

تلعب الرِّيح وفيها الدَّوح قامت راقصاتْ

وبها الأُوراق تزهو بالأكفِّ الصّافقاتْ

ضارباً سجع هزار الغصن أوتار الحياةْ

مِمَ هذي الدوح أضحت راقصات؟ لستُ أدري

قد كسى وجه الثرى من سندس وشي الرَّبيعْ

فتهادى مائساً في حُلل الخصب المريعْ

وغدا يختال بالأرياش والشأن البديعْ

قائلاً: هل أحدٌ يوجد مثلي؟ لستُ أدري

والنّسيم الغضّ قد تهمس في سمع الاقاحْ

فترى باسمه الثّغر نشاطاً وارتياحْ

٣٥

وهزيز الغصن يُبدي شان زهوٍ ومراحْ

ما الذي قالت فردّت بابتسام؟ لستُ أدري

طبّق الأرض لهيباً نار محمرِّ الشقيقْ

فغدا البلبل مرتاع الحشا خوف الحريقْ

صارخاً: هل لنجاتي عن لظاها من طريقْ؟

هذه النّار أتتني كيف أُطفي؟ لستُ أدري

أشرقت طلعة نور عمّت الكون ضياءا

لا أرى بدراً على الأُفق ولم أبصر ذكاءا

وتفحَّصت فلم أدرك هناك الكهرباءا

فبماذا ضاء هذا الكون نوراً؟ لستُ أدري

كان هذا الرَّوض قبل اليوم رهناً للذّبولْ

ساحبات فوقها الأرواح قدماً للذّيولْ

تعصف النكباء فيها دون أنفاس البليلْ

كيف عاد اليوم يزهو في شذاه؟ لستُ أدري

قمت أستكشف عنه سائلاً هذا وذاكْ

فرأيت الكلَّ مثلي في اضطرابٍ وارتباكْ

وإذا الآراء طرّاً في اصطدامٍ واصطكاكْ

وأخيراً عمّها العجز فقالت: لستُ أدري

وإذا نبّهني عاطفة الحبِّ الدفينْ

وتظنَّنت وظنُّ الألمعي عين اليقينْ

إنّه ميلاد مولانا أمير المؤمنينْ

فدع الجاهل والقول: بأنِّي لستُ أدري

لم يكن في كعبة الرَّحمن مولودٌ سواهْ

إذ تعالى في البرايا عن مثيل في عُلاه

وتولّى ذكره في محكم الذكر الإلهْ

٣٦

أيقول الغرُّ فيه بعد هذا: لستُ أدري

أقبلتْ فاطمة حاملة خير جنينْ

جاءَ مخلوقاً بنور القدس لا الماء المهينْ

وتردّى منظر اللّاهوت بين العالمينْ

كيف قد أودع في جنبٍ وصدرٍ؟ لستُ أدري

أقبلت تدعو وقد جاء بها داءُ المخاضْ

نحو جذع النخل من ألطاف ذي اللطف المفاضْ

فدعت خالقها الباري بأحشاءٍ مراضْ

كيف ضجّت؟ كيف عجّت؟ كيف ناحت؟ لستُ أدري

لستُ أدري غير أنَّ البيت قد ردَّ الجوابْ

بابتسامٍ في جدار البيت أضحى منه بابْ

دخلت فانجاب فيه البشر عن محض اللبابْ

إنَّما أدري بهذا غير هذا لستُ أدري

كيف أدري وهو سرٌّ فيه قد حار العقولْ

حادثٌ في اليوم لكن لم يزل أصل الأُصولْ

مظهرٌ لله لكن لا اتّحاد لا حلولْ

غاية الإدارك أن أدري بأنّي لستُ أدري

وُلد الطّهر «عليٌّ» من تسامى في عُلاهْ؟

فاهتدى فيه فريقٌ وفريقٌ فيه تاهْ

ضلَّ أقوامٌ فظنّوا: إنَّه حقّاً إلهْ

أم جنون العشق هذا لا يجازى؟ لستُ أدري

ونظمها الشاعر المفلق الأستاذ المسيحي «بولس سلامة» في أوّل ملحمته العربيَّة «عيد الغدير» فقال في ص ٥٦:

سمع الليل في الظلام المديد

همسة مثل أنَّه المفقودِ

من خفيِّ الآلام والكبت فيها

ومن البشر والرَّجاء السعيدِ

٣٧

حرَّة لزّها المخاض فلاذت

بستار البيت العتيق الوطيدِ

كعبة الله في الشدائد تُرجى

فهي جسر العبيد للمعبودِ

لا نساءٌ ولا قوابل حفَّت

بابنة المجد والعُلى والجودِ

يذر الفقر أشرف الناس فرداً

والغنيُّ الخليج غير فريدِ

أينما سار واكبته جباهٌ

وظهورٌ مخلوقةٌ للسّجودِ

* * *

صبرت فاطم على الضيم حتّى

لهث الليل لهثة المكدودِ

وإذا نجمةٌ من الأُفق خفَّت

تطعن الليل بالشعاع الجديدِ

وتدانت من الحطيم وقرَّت

وتدلّت تدلّيَ العنقودِ

تسكب الضوء في الأثير دفيقا

فعلى الأرض وابلٌ من سعودِ

واستفاق الحمام يسجع سجعاً

فتهشُّ الأركان للتغريدِ

بسم المسجد الحرام حبوراً

وتنادت حجاره للنَّشيدِ

كان فجران ذلك اليوم فجرٌ

لنهارٍ وآخرٌ للوليدِ

هالت الأُمّ صرخةٌ جال فيها

بعض شئ من همهمات الأُسودِ

دعت الشبل حيدراً وتمنَّت

وأكبَّت على الرَّجاء المديدِ

- أسداً - سمّت ابنها كأبيها

لبدة الجدّ اُهديت للحفيدِ

بل - عليّاً - ندعوه قال أبوه

فاستقزَّ السّماء للتأكيدِ

ذلك اسمٌ تناقلته الفيافي

ورواه الجلمود للجلمودِ

يهرم الدَّهر وهو كالصّبح باقٍ

كلُّ يومٍ يأتي بفجرٍ جديدِ

﴿الشاعر﴾

السيّد عبد العزيز بن محمّد بن الحسن بن أبي نصر الحسيني السّريجي الأوالي. ترجمة العلّامة السّماوي في [الطليعة من شعراء الشيعة] فقال: كان فاضلاً أديباً جامعاً، وشاعراً ظريفاً بارعاً، توفّي في البصرة سنة ٧٥٠ تقريباً.

٣٨

القرن الثامن

٦٨

صفي الدين الحلي

المولود: ٦٧٧

المتوفى: ٧٥٢

خمدت لفضل ولادك النيرانُ

وانشقَّ من فرحٍ بك الايوانُ

وتزلزل النادي وأوجس خيفةً

من هول رؤياه أنو شروانُ

فتأوَّل الرؤيا سطيح(١) وبشّرت

بظهورك الرّهبان والكهّانُ

وعليك رميّا وشعيا أثنيا

وهما وحزقيلٌ لفضلك دانوا(٢)

بفضائل شهدت بهنَّ الصحف والـ

ـتوراة والإنجيل والفرقانُ

فوضعت لله المهيمن ساجداً

واستبشرت بظهورك الأكوانُ

متكمِّلاً لم تنقطع لك سرَّةٌ

شرفاً ولم يطلق عليك ختانُ(٣)

فرأت قصور الشام آمنةٌ وقد

وضعتك لا تخفى لها أركانُ(٤)

وأتت حليمة وهي تنظر في ابنها(٥)

سرّاً تحار لوصفه الأذهانُ

____________________

١ - توجد قصة الرؤيا وتأويل سطيح إيّاها في كتب السير النبويّة ودلائلها ومعاجم التاريخ، وسطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن غسان.

٢ - أرميا بن حلقيا من سبط لاوي بن يعقوب من أنبياء بني إسرائيل، شعيا بن امصيا ممّن بشر بالنبي الأعظم من أنبياء بني إسرائيل، حزقيل بن بوذي ابن العجوز، الذي دعا الله فأحيا الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله: موتورا.

٣ - أشار إلى ما أخرجه الحفاظ البيهقي والحاكم وابن عساكر وغيرهم من أنه صلّى الله عليه وآله ولد مختوناً مسروراً.

٤ - يوجد حديث رؤية آمنة أم النبي الأعظم قصور النام حين وضعته صلّى الله عليه وآله في تاريخ ابن كثير ٢ ص ٢٦٤.

٥ - حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية مرضعة رسول الله أقام صلّى الله عليه وآله عندها نحواً من أربع سنين «إمتاع الأسماع ص ٢٧».

٣٩

وغدا ابن ذي يزن ببعثك مؤمناً(١)

سرّاً ليشهد جدّك الديّانُ

شرح الإله الصَّدر منك لأربع(٢)

فرأى الملائك حولك الأخوانُ

وحييت في خمس بظلّ غمامة

لك في الهواجر جرمها صيوانُ

ومررت في سبع بدير فانحنى

منه الجدار وأسلم المطرانُ

وكذاك في خمس وعشرين انثنى

نسطور منك وقلبه ملآنُ

حتّى كملت الأربعين وأشرقت

شمس النبوَّة وانجلى التبيانُ

فرمت رجوم النيِّرات رجيمها

وتساقطت من خوفك الأوثانُ

والأرض فاحت بالسَّلام عليك

والأشجارُ والأحجارُ والكثبانُ

وأتت مفاتيح الكنوز بأسرها

فنهاك عنها الزهد والعرفانُ

ونظرت خلفك كالإمام بخاتمٍ

أضحى لديه الشكّ وهو عيانُ

وغدت لك الأرض البسيطة مسجداً

فالكلُّ منها للصَّلاة مكانُ

ونصرت بالرّعب الشَّديد على العدى

ولك الملائك في الوغى أعوانُ

وسعى إليك فتى(٣) سلامٍ مسلماً

طوعاً وجاء مسلِّماً سلمانُ

وغدت تكلِّمك الأباعر والظبى

والضبُّ والثعبانُ والسرحانُ

والجزع حنَّ إلى علاك مسلِّماً

وببطن كفّك سبَّح الصوَّانُ(٤)

وهوى إليك العذق ثمَّ رددته

في نخلة تزهى به وتزانُ

والدوحتان وقد دعوت فاقبلا

حتّى تلاقت منهما الأغصانُ

وشكا إليك الجيش من ظمأ به

فتفجّرت بالماء منك بنانُ

ورددت عين قتادةِ من بعد ما

ذهبت فلم ينظر بها إنسانُ

وحكى ذراع الشاة مودع سمِّه

حتّى كأنَّ العضو منه لسانُ

____________________

١ - سيف بن ذي يزن الحميري له بشارة بالنبي الأعظم أخرج حديثها الحافظ أبو بكر الخرائطي في كتابه «هواتف الجان» وحكى عنه جمع من الحفاظ والمؤرخين في تآليفهم.

٢ - في هذا البيت وما يليه من الأبيات إشارة إلى قضايا من دلائل النبوة توجد جمعاء في كتب الدلائل والسيرة النبوية ومعاجم التاريخ.

٣ - هو عبد الله بن سلام يوجد حديث إسلامه في سيرة ابن هشام ٢ ص ١٣٨.

٤ - الصوّان جمع الصوانة: حجر شديد يقدح به.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

- ٢ -

عصمة شيخ الأنبياء نوحعليه‌السلام والمطالبة

بنجاة ابنه العاصي

قد استدلّ المخطّئة لعصمة الأنبياء على عدم عصمة نوحعليه‌السلام بما ورد في سورة هود من الآية ٤٥ إلى ٤٧، وإليك الآيات:

( وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أحْكَمُ الحَاكِمين * قَالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ * قَالَ رَبّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاّ تَغْفِرْ لي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرينَ ) .

وقد استدل بهذه الآيات بوجوه:

١ - انّ ظاهر قوله تعالى:( إنّه ليس من أهلك ) تكذيب لقول نوح( إنّ ابني من أهلي ) ، وإذا كان النبي لا يجوز عليه الكذب، فما الوجه في ذلك ؟

٢ - قوله:( فلا تسألن ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين ) ، فإنّ ظاهره صدور سؤال منه غير لائق بساحة الأنبياء، ولأجل ذلك خوطب بالعتاب ونهي عن التكرار.

١٢١

٣ - قوله:( وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) فإنّ طلب الغفران آية الذنب، وهو لا يجتمع مع العصمة.

وإليك الجواب عن الوجوه الثلاثة:

الوجه الأوّل : كيف يجتمع قول نوحعليه‌السلام :( إنّ ابني من أهلي ) مع قوله سبحانه:( إنّه ليس من أهلك ) ؟

فتوضيح دفعه: أنّه سبحانه قد وعد نوحاً بإنجاء أهله إلاّ مَنْ سبق عليه القول وقال:( حَتّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَليلٌ ) (١) ، وهذا الكلام يعرب عن أنّه سبحانه وعد بكلامه شيخ الأنبياء بأنّه ينجّي أهله، هذا من جانب، ومن جانب آخر يجب أن نقف على حالة ابن نوح وأنّه إمّا أن يكون متظاهراً بالكفر وكان أبوه واقفاً على ذلك، وإمّا أن يكون متظاهراً بالإيمان مبطناً للكفر، وكان أبوه يتصوّر أنّه من المؤمنين به.

فعلى الفرض الأوّل: يجب أن يقال: إنّ نوحاً قد فهم من قوله سبحانه:( وأهلك إلاّ مَن سبق عليه القول ) في سورتي هود الآية ٤٠ والمؤمنون الآية ٢٧(٢) أنّه قد تعلّقت مشيئته بإنجاء جميع أهله الذين ينتمون إليه بالوشيجة النسبية والسببية، سواء أكانوا مؤمنين أم كافرين، غير امرأته التي كانت كامرأة لوط تخونه ليلاً ونهاراً، وعندئذ يكون المراد من قوله:( إلاّ مَن سبق عليه القول منهم ) هو

____________________

١ - هود: ٤٠.

٢ - قال سبحانه في سورة هود:( قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلاّ مَن سبق عليه القول ) .

وقال سبحانه في سورة المؤمنون:( فَاسْلُكْ فِيها مِن كُلٍّ زَوجَينِ اثنينِ وأهْلَكَ إلاّ مَن سَبقَ عَليهِ القولُ مِنهمْ ولا تُخاطِبْني في الذينَ ظَلَموا إنّهم مُغرَقون ) .

١٢٢

زوجته فقط، ولما رأى نوح أنّ الولد أدركه الغرق تخالج في قلبه أنّه كيف يجتمع وعده سبحانه بإنجاء جميع الأهل مع هلاك ولده ؟ وعند ذلك اعتراه الحزن ورفع صوته بالدعاء منادياً:( إنّ ابني من أهلي ) من دون أن يسأل منه شيئاً بل أظهر ما اختلج في قلبه من الصراع والتضاد بين الأمرين: الإيمان بصدق وعده، كما يفصح عنه قوله:( إنّ وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ) وغرق ولده وهلاكه.

وعلى هذا الفرض لم يكذب نوحعليه‌السلام حتى بكلمة واحدة، بل لما فهم من قوله( وأهلك ) نجاة مطلق المنتمين إليه بالوشيجة الرحمية أو السببية، أبرز ما فهم وقال:( إنّ ابني من أهلي ) ، فلا يعد الإنسان كاذباً عند نفسه إذا أبرز ما اعتقده وأفرغه في قالب القول وإن كان المضمون خلاف الواقع في حد نفسه، وحينئذ أجابه سبحانه بأنّ الموعود بإنجائهم هم الصالحون من أهلك لا مطلق المنتمين إليك بالوشائج الرحمية أو السببية.

وبعبارة أُخرى: إنّ ولدك وإن كان من أهلك حسب الوشيجة الرحمية، لكنّه ليس من الأهل الذين وعدت بنجاتهم وخلاصهم.

وبعبارة ثالثة: ( إنّ ابنك ) داخل في المستثنى، أعنى قوله:( إلاّ مَن سبق عليه القول منهم ) كما أنّ زوجتك داخلة فيه أيضاً.

وهذا الجواب على صحّة الفرض تام لا غبار عليه، لكنّ أصل الفرض وهو كون ابن نوح متظاهراً بالكفر وكان الأب واقفاً عليه غير تام لما فيه:

أوّلاً: إنّ من البعيد عن ساحة نوحعليه‌السلام أن يطلب من الله سبحانه أن لا يذر على الأرض من الكافرين ديّاراً، كما يعرب عنه قوله سبحانه حاكياً عنهعليه‌السلام :( وَقَالَ نُوحٌ رَبّ لا تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلاّ فَاجِراً كَفَّاراً ) (١) ، ويتبادر إلى ذهنه من قوله سبحانه:

____________________

١ - نوح: ٢٦ - ٢٧.

١٢٣

( وأهلك ) مطلق المنتمين إليه مؤمناً كان أم كافراً بل يعد دعاؤه هذا قرينة على أنّ الناجين من أهله هم المؤمنون فقط لا الكافرون، وأنّ المراد من( مَن سبق عليه القول ) مطلق الكافرين سواء كانوا منتمين إليه أو لا.

ثانياً : إنّه لا دليل على أنّه فهم من قوله:( إلاّ مَن سبق عليه القول منهم ) خصوص زوجته، بل الظاهر أنّه فهم أنّ المراد من المستثنى كل مَن عاند الله وحاد رسوله من غير فرق في ذلك بين الزوجة وغيرها.

وثالثاً : إنّه سبحانه بعدما أمر نوحاًعليه‌السلام بصنع الفلك أوحى إليه بقوله:( وَلاَ تُخَاطِبْني فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ) (١) ، والظاهر من قوله:( الذين ظلموا ) مطلق المشركين حميماً كان أو غريباً، فإذا قال بعد ذلك:( وأهلك إلاّ مَن سبق عليه القول ) يكون إطلاق الجملة الأُولى قرينة على أنّ المراد من الأهل هو خصوص المؤمن لا الظالم منهم؛ إذ الظالم منهم داخل في قوله:( ولا تخاطبنى في الذين ظلموا ) .

وإن شئت قلت: إنّ صراحة الجملة الأُولى قرينة على أنّ المراد من قوله:( إلاّ مَن سبق عليه القول ) مطلق الظالم والكافر زوجة كانت أم غيرها، رحماً كان أم غيره، وهذه الصراحة قرينة على أنّ المراد من( أهلك ) هو خصوص المؤمن لا الأعم منه.

وبالجملة: فلو صحّت النظرية صحّ الجواب، لكنّها باطلة لأجل الأمور الثلاثة التي ألمعنا إليها.

وأمّا الفرض الثاني، فالظاهر أنّه الحق، وحاصله: أنّ الابن كان متظاهراً بالإيمان مبطناً للكفر، ويدل على ذلك قول نوح لابنه عندما امتنع أن يواكب أباه

____________________

١ - هود: ٣٧.

١٢٤

في ركوبه السفينة:( يَا بُنَيّ ارْكَب مَعَنَا وَلاَ تَكُن مَعَ الْكَافِرينَ ) (١) ، أي لا تكن معهم حتى تشاركهم في البلاء، ولو كان عارفاً بكفره لكان عليه أن يقول:( ولا تكن من الكافرين ) وبما أنّه كان معتقداً بإيمان ولده كان مذعناً بدخوله في قوله:( وأهلك ) ولمّا أدركه الغرق أدركته الحيرة في أنّه كيف غرق مع أنّ وعده سبحانه حق لا يشوبه ريب، وعندئذ أظهر ما في قلبه وقال:( إنّ ابنى من أهلي ) ، وأجابه سبحانه بأنّه ما أدركه الغرق إلاّ لأجل كفره، فهو كان داخلاً في قوله:( ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنّهم مغرقون ) (٢) أوّلاً، وثانياً في المستثنى أي قوله:( إلاّ مَن سبق عليه القول ) لا المستثنى منه أي( أهلك ) .

وعندئذ يقع السؤال والجواب في موقعهما ولا يكون نوحعليه‌السلام في حكمه كاذباً؛ لأنّه كان يتصوّر أنّ ولده مؤمن فنبّهه سبحانه على أنّه كافر، فأين الكذب في هذين الحكمين ؟ وفي قوله سبحانه:( إنّه عمل غير صالح ) إعلام بأنّ قرابة الدين غامرة لقرابة النسب، وأنّ نسيبك في دينك ومعتقدك من الأباعد وإن كان حبشياً وكنت قرشياً، لصيقك وخصيصك، ومَن لم يكن على دينك وإن كان أمسّ أقاربك رحماً فهو بعيد عنك إيماناً وعقيدة وروحاً.

ثم إنّ الإخبار عن ابن نوح بأنّه عمل غير صالح مكان كونه عاملاً غير صالح، لأجل المبالغة في ذمّه مثل قوله ( فإنما هي إقبال وإدبار )(٣) .

وهاهنا نكتة يجب التنبيه عليها، وهي أنّ العنصر المقوّم لصدق عنوان الأهل عند أصحاب اللغة والعرف هو انتساب الإنسان إلى شخص بوشيجة من

____________________

١ - هود: ٤٢.

٢ - هود: ٣٧.

٣ - الكشاف: ٢/١٠١.

١٢٥

الوشائج النسبية أو السببية، وإن لم يكن بينهما تشابه ووحدة من حيث المسلك والمنهج.

غير أنّ التشريع الإلهي أدخل فيه عنصراً آخر وراء الوشيجة المادية وهو صلة الشخص بالإنسان من جهة الإيمان، ووحدة المسلك، إلى حد لو فقد هذا العنصر لما صدق عليه ذلك العنوان، بل صار ذلك العنصر إلى حد ربّما يكتفي به في صدق الأهل على الأفراد سواء أكانت فيه وشيجة نسبية أم لا، ولأجل ذلك نجد أنّه سبحانه يكتفي بلفظ الأهل في التعبير عن كل المؤمنين، فيقول في قصة ( لوط ):( فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الغَابِرينَ ) (١) ، وقال أيضاً:( إنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) (٢) ، وقال أيضاً:( وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاّ عَجُوزاً في الغَابِرين ) (٣) ، ترى أنّه سبحانه اكتفى بلفظ الأهل من دون أن يعطف عليه لفظ ( المؤمنين ) أو ( من آمن به ) مع عدم اختصاص النجاة بخصوص أهله وعمومها للمؤمنين، معرباً عن أنّ الإيمان يجعل البعيد أهلاً، والكفر يجعل القريب بعيداً.

ولأجل ذلك اكتفى في قصة نوح بلفظ الأهل فقال:( وَنُوحاً إِذ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّينَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ العَظِيم ) (٤) ، وقال أيضاً:( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الُمجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ الْعَظِيم ) (٥) ، ومن المعلوم عدم اختصاص النجاة بخصوص الأهل بشهادة قوله:( وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ

____________________

١ - الأعراف: ٨٣.

٢ - العنكبوت: ٣٣.

٣ - الصافّات: ١٣٣ - ١٣٥.

٤ - الأنبياء: ٧٦.

٥ - الصافّات: ٧٥ - ٧٦.

١٢٦

الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ) (١) .

وبذلك يظهر سرّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( سلمان منّا أهل البيت ) فعدّ غير العرب من أهل بيته، وما هذا إلاّ لأنّ التشابه الروحي أوثق صلة وأحكم عرى، كما أنّ التباين الروحي خير أداة لقطع العرى وهدم الوشيجة المادية.

ولأجل ذلك قال الإمام الطاهر على بن موسى الرضاعليهما‌السلام في حق ابن نوح: ( لقد كان ابنه ولكن لمّا عصى الله عزّ وجلّ نفاه عن أبيه، وكذا مَن كان منّا لم يطع الله عزّ وجلّ فليس منّا، وأنت إذا أطعت الله فأنت منّا أهل البيت )(٢)

نعم لا نقول إنّ ما ذكرناه هو المصطلح الوحيد في القرآن، بل له مصطلح آخر يتطابق مع اصطلاح أهل اللغة والعرف، وهو الاكتفاء بالوشيجة المادية، ونرى كلا المصطلحين واردين في سورة هود قال سبحانه:( وأهلك إلاّ مَن سبق عليه القول ومَن آمن ) ، فأطلق لفظ الأهل على مطلق المنتمي إلى شيخ الأنبياء، كافراً كان أم مؤمناً، ثم أخرج الكافر من الحكم ( احمل ) لا من الموضوع وهو ( الأهل ) وقال:( إلاّ مَن سبق عليه القول ) .

وفي الوقت نفسه يجيب نداء نوحعليه‌السلام بعد قوله:( إنّ ابني من أهلي ) بقوله:( إنّه ليس من أهلك ) .

الوجه الثاني : لا دلالة لقوله:( فلا تسألن ما ليس لك به علم ) على صدور سوَال غير لائق بساحة الأنبياء:

قد عرفت ما في الوجه الأوّل من نسبة الكذب إلى شيخ الأنبياء نوحعليه‌السلام في قوله:( إنّ ابني من أهلي ) ، فهلمّ معي ندرس الوجه الثاني، وهو أنّ قوله

____________________

١ - هود: ٤٠.

٢ - البحار: ٤٩/٢١٩ ضمن ح ٣.

١٢٧

سبحانه:( فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) يعرب عن وجود سؤال غير لائق بساحة الأنبياء، فلأجل ذلك خوطب ونهي عن التكرار.

فنقول: إنّ الله عزّ وجلّ قد وعده بإنجاء أهله مع استثناء من سبق عليه القول منهم، وهذا الاستثناء كان دليلاً على أنّ في جملة ( أهله ) من هو مستوجب للعذاب، وأنّهم كلّهم ليسوا بناجين، وعندئذ كان على نوح أن لا تخالجه شبهة حين أشرف ولده على الغرق في أنّه من المستثنين، وليس داخلاً في المستثنى منهم، فعوتب على أنّه اشتبه عليه ما يجب أن لا يشتبه عليه(١) .

وعلى هذا يكون المراد من قوله:( فلا تسألن ما ليس لك به علم ) النهي عن السؤال الذي لا يليق أن يطرح ويسأل إذا كان الجواب معلوماً بالقرائن والتفكر في أطراف القضية، وإلاّ فالسؤال إنّما يتعلّق بما لا يعلم لا بما يعلم هذا ما أجاب به صاحب الكشاف.

وهناك جواب أوضح ولعلّه أليق بساحة الأنبياء، وهو: أنّه لمّا وعد نوحاً بنجاة الأهل بقوله:( إلاّ من سبق عليه القول منهم ) ولم يكن نوح مطّلعاً على باطن ابنه، بل كان معتقداً بظاهر الحال أنّه موَمن، بقي متمسّكاً بصيغة العموم للأهلية ولم يعارضه يقين ولا شك بالنسبة إلى إيمان ابنه، فلذلك( نادى ربّه ) .

وأمّا قوله:( إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين ) فليس راجعاً إلى كلامه وندائه، بل كان نداؤه ربّه في هذا الظرف واقعاً موقع القبول، وكان السؤال صحيحاً ورصيناً، بل هو راجع إلى وقوع السؤال في المستقبل بعد أن أعلمه الله باطن أمره، وأنّه إن سأل في المستقبل كان من الجاهلين، والغرض من ذلك تقديم

_____________________

١ - الكشاف: ٢/١٠١.

١٢٨

ما يبقيهعليه‌السلام على سمة العصمة، والموعظة لا تستدعي وقوع الذنب وصدوره بل ربّما يكون الهدف التحفّظ على أن لا يصدر الذنب منه في المستقبل؛ ولذلك امتثلعليه‌السلام نهي ربّه وقال:( أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ) (١) .

جواب ثالث للوجه الثاني

هذا وللعلاّمة الطباطبائي جواب ثالث أمتن من الجوابين السابقين حيث قال: إنّ قول نوح:( رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) في مظنّة أن يسوقه إلى سؤال نجاة ابنه، وهو لا يعلم أنّه ليس من أهله، فشملته العناية الإلهية وحال التسديد الغيبي بينه وبين السؤال فأدركه النهي بقوله:( فلا تسألن ما ليس لك به علم ) بتفريع النهي على ما تقدّم، مخبراً نوحاً بأنّ ابنك ليس من أهلك؛ لكونه عملاً غير صالح، فلا سبيل لك إلى العلم به، فإيّاك أن تبادر إلى سؤال نجاته؛ لأنّه سؤال ما ليس لك به علم، والنهي عن السؤال بغير علم لا يستلزم تحقّق السؤال منه لا مستقلاً ولا ضمناً، والنهي عن الشيء لا يستلزم الارتكاب قبلاً، وإنّما يتوقف على أن يكون الفعل اختيارياً ومورداً لابتلاء المكلّف، فإنّ من العصمة والتسديد أن يراقبهم الله سبحانه في أعمالهم، وكلّما اقتربوا ممّا من شأنّه أن يزل فيه الإنسان نبّههم الله لوجه الصواب، ودعاهم إلى السداد والتزام طريق العبودية، قال تعالى:( وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَتَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) (٢) .

وممّا يدل على أنّ النهي في قوله( فلا تسألن ) نهى عمّا لم يقع بعد، قول

_____________________

١ - الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال للإمام ناصر الدين الاسكندري المالكي: ٢/١٠١ على هامش الكشاف.

٢ - الإسراء: ٧٤ - ٧٥.

١٢٩

نوحعليه‌السلام بعد استماع خطابه سبحانه:( ربّ إنّي أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ) .

ولو كان سأل شيئاً من قبل لكان عليه أن يقول: أعوذ بك ممّا سألت أو ما يشابه ذلك، وممّا يوضح أنّ نوحاً لم يسأل شيئاً من ربّه قوله سبحانه:( إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين ) تعليلاً لنهيه( فلا تسألن ) ، فلو كان نوحعليه‌السلام سأل شيئاً من قبل لكان من الجاهلين؛ لأنّه سأل ما ليس له به علم.

وأيضاً لو كان المراد من النهي عن السؤال أن لا يتكرّر منه ذلك بعد ما وقع منه مرّة لكان الأنسب أن يصرّح بالنهي عن العود إلى مثله دون النهي عن أصله، كما ورد نظيره في القرآن الكريم:( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ يَعِظُكُمْ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً ) (١) (٢) .

إلى هنا تبيّن الجواب عن السؤال الثاني، واتضح أنّه لم يسبق منهعليه‌السلام سؤال غير لائق بساحته، بقي الكلام في السؤال الثالث.

الوجه الثالث: تفسير قوله تعالى:( وإلاّ تغفر لي وترحمني )

وحاصله: أنّ طلب الغفران في قوله:( وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) لا يجتمع مع العصمة.

أقول : إنّ هذا كلام، صورته التوبة وحقيقته الشكر على ما أنعم الله عليه من التعليم والتأديب، أمّا أنّ صورته صورة التوبة، فإنّ في ذلك رجوعاً إلى الله تعالى بالاستعاذة، ولازمها طلب مغفرة الله ورحمته، أي ستره على الإنسان ما فيه زلّته ،

_____________________

١ - النور: ١٥ - ١٧.

٢ - الميزان: ١٠/٢٤٥.

١٣٠

وشمول عنايته لحاله، والمغفرة بمعنى طلب الستر أعمّ من طلبه على المعصية المعروفة عند المتشرّعة، وكل ستر إلهي يسعد الإنسان ويجمع شمله.

وأمّا كون حقيقته الشكر، فإنّ العناية الإلهية التي حالت بينه وبين السؤال الذي كان يوجب دخوله في زمرة الجاهلين، كانت ستراً إلهيّاً على زلّة في طريقه، ورحمة ونعمة أنعم الله سبحانه بها عليه فقوله:( وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) بمعنى أنّه إن لم تعذني من الزلاّت، لخسرت، فهو ثناء وشكر لصنعه الجميل(١) .

وتظهر حقيقة ذلك الكلام ممّا قدمناه في قصة آدم من أنّ كثيراً من المباحات تعد ذنباً نسبيّاً بالنسبة إلى طبقة خاصة من الأولياء والأنبياء، فعند صدور مثل ذلك يجب عليهم - تكميلاً لعصمتهم - طلب الغفران والرحمة، حتى لا يكونوا من الخاسرين، وليس الخسران منحصراً في الإتيان بالمعصية، بل ربّ فعل سائغ يعد صدوره من الطبقة العليا خسراناً وخيبة، كما أوضحناه في قصة آدم.

نعم لم يصدر من شيخ الأنبياء في ذلك المقام فعل غير أنّه وقع في مظنّة صدور ذلك الفعل، وهو السؤال عمّا لا يعلم؛ فلأجل ذلك صحّ له أن يطلب الستر على تلك الحالة بالعناية الإلهية الحائلة بينه وبين صدوره.

إلى هنا تبيّن مفاد الآيات وأنّه ليس فيها إشعار بصدور الذنب بل حتى ما يوجب العتاب واللوم.

ثم إنّ لبعض المفسّرين من العدلية أجوبة أُخرى للأسئلة المطروحة، فمَن أراد الوقوف عليها، فليرجع إلى مظانّها(٢) .

_____________________

١ - الميزان: ١٠/٢٣٨.

٢ - لاحظ تنزيه الأنبياء: ١٨ - ١٩؛ مجمع البيان: ٣/١٦٧، بحار الأنوار: ١١/٢١٣ - ٣١٤ إلى غير ذلك.

١٣١

- ٣ -

عصمة إبراهيم الخليلعليه‌السلام والمسائل الثلاث(١)

إنّ الله سبحانه أثنى على إبراهيمعليه‌السلام بطل التوحيد بأجمل الثناء، وحمد محنته في سبيله سبحانه أبلغ الحمد، وكرّر ذكره باسمه في نيّف وستين موضعاً من كتابه، وذكر من مواهبه ونعمه عليه شيئاً كثيراً، وقال:( وَلَقَد اصْطَفَيْناهُ في الدُّنْيَا وإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين ) (٢) .

وقد حفظ الله سبحانه حياته الكريمة وشخصيته الدينية لمّا سمّى هذا الدين القويم بالإسلام ونسب التسمية به إليه قال تعالى:( مِلَّة أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ) (٣) .

وقال سبحانه:( قُلْ إِنَّني هَدَاني رَبّي إِلَى صِ-رَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (٤) .

ومع هذا الثناء المتضافر منه سبحانه على إبراهيمعليه‌السلام نرى أنّ بعض المخطّئة للأنبياء يريد أن ينسب إليه ما لا يليق بشأنه، مستدلاً بآيات نأتي بها واحدة بعد واحدة ونبيّن حالها.

_____________________

١ - أ - قوله للنجم:( هذا ربّي ) ب - قوله:( بل فعله كبيرهم ) ج - قوله لقومه:( إنّي سقيم ) .

٢ - البقرة: ١٣٠.

٣ - الحج: ٧٨.

٤ - الأنعام: ١٦١.

١٣٢

الآية الأُولى

( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) (١)

قالت المخطّئة: إنّ قوله:( هذا ربّي ) في المواضع الثلاثة ظاهر في أنّهعليه‌السلام كان يعتقد في وقت من الأوقات بربوبية هذه الأجرام السماوية، وهذا ممّا لا يجوز على الأنبياء عند العدلية، وإن زعمت العدلية أنّهعليه‌السلام تكلّم بها ظاهراً غير معتقد باطناً، فهذا أيضاً غير جائز على الأنبياء؛ لأنّه يقول شيئاً غير معتقد به، وهو أمر قبيح سواء سمّي بالكذب أم لا.

والجواب: إنّ الاستدلال ضعيف؛ لأنّ الحال لا تخلو من إحدى صورتين:

الأُولى : إنّ إبراهيم كان في مقام التحرّي والتعرّف على الربّ المدبّر للعالم، ولم يكن آنذاك واقفاً على الحقيقة؛ لأنّه - كما قيل - كان صبيّاً لم يبلغ الحلم، وصار بصدد التحقيق والتحرّي، فعندئذ طرح عدّة احتمالات واحداً بعد واحد، ثم شرع في إبطال كل واحد منها، إلى أن وصل إلى الرب الواقعي والمدبّر الحقيقي.

وهذا نظير ما يفعله الباحثون عن أسباب الظواهر وعللها، فتراهم يطرحون على طاولة التحقيق سلسلة من الفرضيات والاحتمالات، ثم يعمدون إلى التحقيق عن حال كل واحد منها إلى أن يصلوا إلى العلّة الواقعية، وعلى هذا يكون معنى

_____________________

١ - الأنعام: ٧٥ - ٧٨.

١٣٣

يكون معنى قوله:( هذا ربّي ) مجرّد فرض لا إذعان قطعي، وليس مثل هذا غير لائق بشأن الأنبياء.

وفي هذا الصدد يقول السيد المرتضى - جواباً عن السؤال -: إنّه لم يقل ذلك مخبراً، وإنّما قال فارضاً ومقدّراً على سبيل الفكر والتأمّل.

ألا ترى أنّه قد يحسن من أحدنا إذا كان ناظراً في شيء وممتثلاً بين كونه على إحدى صفتيه أن يفرضه على إحداهما لينظر فيما يؤدي ذلك الفرض إليه من صحّة أو فساد، ولا يكون بذلك مخبراً عن الحقيقة، ولهذا يصح من أحدنا إذا نظر في حدوث الأجسام وقدمها أنْ يفرض كونها قديمة ليتبين ما يؤدي إليه ذلك الفرض من الفساد(١) .

وقد روي هذا المعنى عن الإمام الصادقعليه‌السلام حيث سئل عن قول إبراهيم:( هذا ربّي ) أأشرك في قوله:( هذا ربّي ) ؟ فقالعليه‌السلام : ( لا، بل من قال هذا اليوم فهو مشرك، ولم يكن من إبراهيم شرك، وإنّما كان في طلب ربّه وهو من غيره شرك )(٢) .

وفي رواية أُخرى عن أحدهما ( الباقر والصادقعليهما‌السلام ): ( إنّما كان طالباً لربّه ولم يبلغ كفراً، وإنّه مَن فكّر من الناس في مثل ذلك فإنّه بمنزلته )(٣) .

غير أنّ هذا الفرض ربّما لا يكون مرضياً عند بعض العدلية؛ لأنّ الأنبياء منذ أن فُطموا من الرضاع إلى أن أُدرجوا في أكفانهم، كانوا عارفين بتوحيده سبحانه ذاتاً وفعلاً، خالقاً وربّاً، ولو كان هناك إراءة من الله لخليله كما في قوله:( وكذلك نري إبراهيم ) كانت لزيادة المعرفة وليكون من الموقنين.

_____________________

١ - تنزيه الأنبياء: ٢٢.

٢ و ٣ - نور الثقلين: ١/٦١٠ - ٦١١، الحديث ١٤٩ و ١٥٠ و ١٥١.

١٣٤

الثانية : أنّه كان معترفاً بربوبيته نافياً ربوبية غيره، ولكنّه حيث كان بصدد هداية قومه وفكّهم من عبادة الأجرام، جاراهم في منطقهم لكي لا يصدم مشاعرهم ويثير عنادهم ولجاجهم، فتدرّج في إبطال ربوبية معبوداتهم الواحد تلو الآخر، بما يطرأ عليها من الأفول والغيبة والتحوّل والحركة ممّا لا يليق بالربّ المدبّر، ومثل هذا جائز للمعلّم الذي يريد هداية جماعة معاندة في عقيدتهم، منحرفة عن جادة الصواب، وهذه إحدى طرق الهداية والتربية، فأين التكلّم بكلمة الشرك عن جد ؟!

وإلى ذلك الجواب أشار السيد المرتضى في كلامه بأنّ إبراهيمعليه‌السلام لم يقل ما تضمّنته الآيات على طريق الشك، ولا في زمان مهلة النظر والفكر، بل كان في تلك الحال موقناً عالماً بأنّ ربَّه تعالى لا يجوز أن يكون بصفة شيء من الكواكب، وإنّما قال ذلك على أحد وجهين:

الأوّل : أنّه ربّي عندكم، وعلى مذاهبكم، كما يقول أحدنا على سبيل الإنكار للمشتبه هذا ربّه جسم يتحرك ويسكن.

الثاني : أنّه قال ذلك مستفهماً وأسقط حرف الاستفهام للاستغناء عنها(١) .

والوجه الأول من الشقّين في هذا الجواب هو الواضح.

الآية الثانية

قوله سبحانه:( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمينَ وَتَاللهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرين * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا

_____________________

١ - تنزيه الأنبياء: ٢٣.

١٣٥

فَاسْئَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُون * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الْظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَوَلاءِ يَنْطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيئَاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (١) .

فزعمت المخطّئة أنّ قوله ( بل فعله كبيرهم ) كذب لا شك فيه؛ لأنّه هو الذي كسر الأصنام وجعلها جذاذاً إلاّ كبيرها، فكيف نسب التكسير إلى كبيرها ؟

ولا يخفى أنّ الشبهة واهية جداً، مثل الشبهة السابقة؛ لأنّ الكذب في الكلام إنّما يتحقق إذا لم يكن هناك قرينة على أنّه لم يرد ما ذكره بالإرادة الجدية، وإنّما ذكره لغاية أُخرى، ومع تلك القرينة لا يُعد الكلام كذباً، والقرينة في الكلام أمران:

الأوّل : قولهعليه‌السلام عند مغادرة قومه البلد ومخاطبتهم بقوله:( وتَاللهِ لأكيدنَّ أصنامَكُمْ بَعْدَ أنْ تُوَلُّوا مُدْبِرين ) (٢) ، ولا يصح حمل ذلك على أنّه قاله في قلبه وفكرته، لا بصورة المشافهة والمصارحة؛ وذلك لأنّ إبراهيم كان مشهوراً بعدائه وكرهه للأصنام، حتى أنّهم بعد ما رجعوا إلى بلدهم ووجدوا الأصنام جذاذاً، أساءوا الظن به، واتهموه بالعدوان على أصنامهم وتخريبها و( قالُوا سَمِعْنا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إبراهِيمُ ) (٣) .

الثاني : أنّ من المسلّم بين إبراهيم وعبدة الأصنام أنّ آلهتهم صغيرها وكبيرها

_____________________

١ - الأنبياء: ٥١ - ٦٧.

٢ - الأنبياء: ٥٧.

٣ - الأنبياء: ٦٠.

١٣٦

لا تقدر على الحركة والفعل، فمع تلك القرينة والتسليم الواضح بينه وبينهم، بل وبين جميع العقلاء، إذا أجاب إبراهيم بهذا الكلام يعلم منه أنّه لم يتكلّم به لغاية الجد، بل لغاية أُخرى حتى ينتبه القوم إلى خطئهم في العقيدة.

ويزيد توضيحاً ما ورد في القصص: أنّ إبراهيم بعد أنْ حطّم الأصنام الصغيرة جعل الفأس على عنق كبيرها، حتى تكون نسبة التحطيم إلى الكبير مقرونة بالقرينة وهي: أنّ آلة الجرم تشهد على كون الكبير هو المجرم دون إبراهيم، ومن المعلوم أنّ هذا العمل والشهادة المزعومة، أشبه شيء في مقام العمل باستهزائه بالقوم وسخريته ممّا يعتقدون.

فعلى تلك القرائن قد تكلّم إبراهيم بهذه الكلمة لا عن غاية الجد، بل لغاية أُخرى كما يبيّنها القرآن، فإذا انتفى الجد بشهادة القرائن القاطعة ينتفي الكذب.

وأمّا الغاية من هذا الكلام فهو أنّه طرح كلامه بصورة الجد وإن لم يكن عن جد حقيقي، وطلب منهم أن يسألوا الأصنام بأنفسهم، وأنّه مَن فعل هذا بهم ؟ لغاية أخذ الاعتراف منهم بما أقرّوا به في الآية، أعني قولهم:( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) حتى يتسنّى للخليلعليه‌السلام كبتهم وتوبيخهم - بأنّه إذا كان هؤلاء على ما يصفون - بقولهعليه‌السلام :( أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم * أُف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ) (١) ، وفي موضع آخر يقول:( أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (٢) ، فتبين من ذلك أنّ قوله:( بل فعله كبيرهم ) لم يكن كلاماً عن جد وجزم وعزم حتى يوصف بالكذب، بل

_____________________

١ - الأنبياء: ٦٦ - ٦٧.

٢ - الصافات: ٩٥ - ٩٦.

١٣٧

كان كلاماً أُلقي على صورة الجد ليكون ذريعة لإبطال عبادتهم وشركهم، وكانت القرائن تشهد على أنّه ليس كلاماً جديّاً ولو كان هذا الكلام صادراً من عاقل غير النبيعليه‌السلام لأجزنا لأنفسنا أن نقول: إنّ الغاية، الاستهزاء والتهكّم بعبدة الأصنام والأوثان حتى يتنبّهوا بذلك الوجه إلى بطلان عقيدتهم.

ولمّا كان هذا النمط من الحوار والاحتجاج الذي سلكه إبراهيم في غاية القوّة والمتانة؛ لم يجد القوم جواباً له إلاّ الحكم عليه بالتعذيب والإحراق شأن كل مجادل ومعاند إذا أُفحم، كما يقول سبحانه:( قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيم * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلين ) (١) ، وفي آية أُخرى:( قَالُوا حَرّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ) (٢) هذا هو الحق الصراح لمَن طالع القصّة في القرآن الكريم، ومَن أمعن النظر فيها يجد أنّ الجواب هو ما ذكرنا.

جواب آخر عن السؤال

وربّما يجاب بأنّه لم يكذب وإنّما نسب الفعل إلى كبيرهم مشروطاً لا منجزاً، وإنّما يلزم الكذب لو نسبه على وجه التنجيز حيث قال:( بل فعله كبيرهم هذا فاسئَلوهم إن كانوا ينطقون ) فكأنّه قال: فعل كبيرهم هذا العمل إن كانت الأصنام المكسورة ناطقة، وبما أنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه، وكان الشرط - أعني نطقها - منتفياً كان المشروط - أي كون الكبير قائماً بهذا الفعل - منتفياً أيضاً.

وهذا الجواب لا ينطبق على ظاهر الآية؛ لأنّها تشتمل على فعلين:

أحدهما قريب من الشرط، والآخر بعيد عنه، ومقتضى القاعدة رجوع

____________________

١ - الصافات: ٩٧ - ٩٨.

٢ - الأنبياء: ٦٨.

١٣٨

الشرط إلى القريب من الفعلين لا إلى البعيد، والرجوع إلى كلا الفعلين خلاف الظاهر أيضاً، وإليك توضيحه:

١- بل فعله كبيرهم: الفعل البعيد من الشرط.

٢- فاسألوهم: الفعل القريب من الشرط.

٣- إن كانوا ينطقون: هذا هو الشرط.

فرجوعه إلى الأوّل وحده، أو كليهما، خلاف الظاهر، والمتعيّن رجوعه إلى الثاني، فصار الحكم بأنّه فعله كبيرهم منجزاً لا مشروطاً.

الآية الثالثة

استدلّت المخطّئة لعصمة إبراهيم بالآية الثالثة، أعني قوله سبحانه:( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبراهيم * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيم * إِذْ قَالَ لأِبيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أئِفكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُريدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبّ العَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إنّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوا عَنْهُ مُدْبِرينَ * فَرَاغَ إلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ ) (١) .

فاستدلوا بقوله:( إنّي سقيم ) قائلين بأنّه لم يكن سقيماً، وإنّما ذكر ذلك عذراً لترك مصاحبتهم في الخروج عن البلد.

أضف إلى ذلك أنّ قوله:( فنظر نظرة في النجوم ) يشبه ما يفعله المنجّمون حيث يستكشفون من الأوضاع الفلكية، الأحداث الأرضية.

والجواب : أنّ الإشكال مبني على أنّهعليه‌السلام قال:( إنّي سقيم ) ولم يكن سقيماً، ولم يدل على ذلك دليل، إذ من الممكن أنّه كان سقيماً في ذلك الوقت، وأمّا

_____________________

١ - الصافات: ٨٣ - ٩١.

١٣٩

قوله:( فنظر نظرة في النجوم ) ، فمن المحتمل جداً أنّه نظر إلى السماء متفكّراً حتى يلاحظ حاله وأنّه هل يقدر على المغادرة معهم أم لا، والعرب تقول لمَن تفكّر: ( نظر في النجوم ) بمعنى أنّه نظر إلى السماء متفكّراً في جواب سؤال القوم، كما يفعل أحدنا عندما يريد أن يفكّر في شيء.

ويؤيّد ذلك أنّهعليه‌السلام قاله عندما دعاه قومه إلى الخروج معهم لعيد لهم، فعند ذلك نظر إلى النجوم وأخبرهم بأنّه سقيم، ومن المعلوم أنّ الخروج إلى خارج البلد لأجل التنزّه لم يكن في الليل بل كان في الضحى، فلو كانت الدعوة عند مطلع الشمس وأوّل الضحى لم يكن النظر إلى النجوم بمعنى ملاحظة الأوضاع الفلكية؛ إذ كانت النجوم عندئذ غاربة، فلم يكن الهدف من هذه النظرة إلاّ التفكر والتأمّل.

نعم لو كانت الدعوة في الليل لأجل الخروج في النهار كان النظر إلى النجوم مظنّة لما قيل، ولكنّه غير ثابت.

نعم هناك معنى آخر لقوله:( فنظر نظرة في النجوم ) ، وهو أنّهعليه‌السلام كان به حمّى ذات نوبة تعتريه في أوقات خاصة متعيّنة بطلوع كوكب أو غروبه، فلأجل ذلك نظر في النجوم، ووقف على أنّها قريبة الموعد، والعرب تسمّي المشارفة على الشيء باسم الداخل فيه، ولهذا يقولون لمَن أضعفه المرض، وخيف عليه الموت ( هو ميت ) وقال تعالى لنبيّه:( إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيّتُونَ ) (١) .

وأمّا استعمال كلمة ( في ) مكان ( إلى ) في قوله:( في النجوم ) ، فلأجل أنّ الحروف يقوم بعضها مقام بعض، قال الله تعالى:( ولأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ

____________________

١ - الزمر: ٣٠.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321