التبرك بالصالحين والاخيار

التبرك بالصالحين والاخيار0%

التبرك بالصالحين والاخيار مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 91

التبرك بالصالحين والاخيار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الاستاذ صباح البياتي
تصنيف: الصفحات: 91
المشاهدات: 18729
تحميل: 6669

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 91 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18729 / تحميل: 6669
الحجم الحجم الحجم
التبرك بالصالحين والاخيار

التبرك بالصالحين والاخيار

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

التبرك بالصالحين والأخيار

الأستاذ صباح البياتي

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

الفهرس

مقدّمة: ٩

التبرّك ١٠

معاني البركة: ١٠

البركة في اللغة: ١٠

البركة في القرآن الكريم ١٢

التبرّك في التاريخ ١٦

١ - التبرّك عند الأمم السالفة ١٧

٢ - سيرة المسلمين في التبرّك ١٩

شبهة للعلياني ٤٢

تبرّك الصحابة بأماكن صلّى فيها النبيّ(صلى الله عليه وآله) ٤٥

التبرّك بالصحابة والصالحين ٥٣

التبرّك بقبور الصالحين وآثارهم ٦٣

التمسّح بالمتبرّك به ٦٨

التبرّك عند أهل البيت(عليهم السلام) ٧٤

تبركهم بقبر النبيّ(صلى الله عليه وآله) ٧٤

تبرّكهم بآثار بعضهم (عليهم السلام) ٧٦

التبرّك والاستشفاء بتربة الحسين(عليه السلام) ٧٧

٥

التبرّك بكسوة الكعبة ٨١

التبرّك بسؤر المؤمن وفضل وضوئه ٨٢

التبرّك بشرب ماء السماء ٨٣

التبرّك بماء الفرات ٨٤

التبرّك بالتراب ٨٤

آراء بعض العلماء في التبرّك ٨٨

٦

٧

٨

مقدّمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين..

من الأمور التي يتجدد فيها البحث على مستويات مختلفة وبأساليب متعددة مسألة التبرّك بالصالحين والأخيار من الأمة وبالأماكن والمشاهد المقدّسة عند المسلمين، لما يتجدّد حولها أو يتكرر من إثارات أو شبهات تصل في أحيان كثيرة إلى درجات ساخنة حتّى تكون مدعاة أحياناً لتمزيق المجتمع المتماسك وبثّ الفرقة بين أبنائه.

فهل التبرّك مسنون، أم مبتدع؟

هل له في القرآن والسنّة ذكر؟

هل له تاريخ بين المسلمين لا سيّما في القرون الأولى؟

هل له فقه وضوابط؟

كلّ ذلك سيتناوله هذا البحث بإيجاز مناسب، وبالقدر الكافي من التوفيق..

والله من وراء القصد، وهو ولي التوفيق.

٩

التبرّك

معاني البركة:

البركة في اللغة:

هي من الزيادة والنماء(١) .

قال الفراء: في قوله تعالى:( رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (٢) .

البركات: السعادة(٣) .

وقال أبو منصور الأزهري بعد إيراده هذا القول: وكذلك قوله في التشهد: (السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته)، لأنّ من أسعده الله بما أسعد به النبي(صلى الله عليه وآله) فقد نال السعادة المباركة الدائمة(٤) .

والتبريك: هو الدعاء للإنسان وغيره بالبركة.

يقال: برّكت عليه تبريكاً، أي قلت: بارك الله عليك(٥) .

وقال ابن الأثير: وفي حديث أم سليم (فحنّكه وبرّك عليه): أي

____________________

١- قالها الخليل الفراهيدي: ٥/٣٦٨، مادة برك، انظر لسان العرب: ١٠/٣٩٠، الصحاح للجوهري: ٤/١٠٧٥، معجم مقاييس اللغة لابن فارس: ١/٢٣٠، المفردات للراغب الإصبهاني: ٤٤، النهاية لابن الأثير: ١/١٢٠.

٢- هود: ٧٣.

٣- معاني القرآن: ٢/٢٣.

٤- تهذيب اللغة: ١٠/٢٣٢.

٥- تهذيب اللغة للأزهري: ١٠/٢٣١.

١٠

دعا له بالبركة(١) .

وقال الجوهري: يقال: بارك الله لك وفيك وعليك، وباركك.

وقال تعالى:( أَن بُورِكَ مَن فِي النّارِ ) (٢) .

وقال ابن منظور: بارك الله الشيء، وبارك فيه وعليه: وضع فيه البركة، وطعام بريك كأنّه مبارك(٣) .

وقال الفيومي: بارك الله تعالى فيه فهو مبارك، والأصل: مبارك فيه(٤) .

والتبرّك: هو طلب البركة، وهي النماء أو السعادة. والتبرّك بالشيء: طلب البركة عن طريقه.

قال ابن منظور: تبرّكت به: أي تيمّنت به(٥) .

وقال ابن الأثير: واليُمن: البركة، وقد يُمن فلان على قومه فهو ميمون، إذا صار مباركاً عليهم، وتيمّنت به: تبركت(٦) .

والتبرّك في مفهومه الاصطلاحي يراد به طلب البركة عن طريق أشياء أو معان ميّزها الله تعالى بمنازل ومقامات خاصة، وخصّها

____________________

١- النهاية: ١/١٢٠.

٢- الصحاح: ٤/١٥٧٥.

٣- لسان العرب: ١٠/٣٩٠.

٤- المصباح المنير: ١/٤٥.

٥- لسان العرب: ١٣/٤٠٨.

٦- النهاية: ٥/٣٠٢ .

١١

بالتبريك، وآثرها بعنايته على سواها. كما في مسّ يد النبي(صلى الله عليه وآله) تيمّناً ببركتها، أو المسح على بعض آثاره الشريفة بعد وفاته.. وهذا هو المراد بالتبرّك، مدار البحث، وأيّاً كان فإن مصدره إنمّا هو البركة التي خصّ الله تعالى بها أشياء أو أشخاصاً دون آخرين.

البركة في القرآن الكريم

وردت كلمة البركة بألفاظ متعددة في القرآن الكريم للتدليل على اختصاص أشخاص معيّنين وأمكنة وأزمنة معينة بنوع من البركة التي جعلها الله فيها لأسباب اقتضتها حكمة الله تعالى، فمن الأشخاص الذين شملتهم لفظة البركة في القرآن الكريم:

١ - النبي نوح(عليه السلام) ومن معه، وذلك في قوله تعالى:( اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِنّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى‏ أُمَمٍ مِمّن مَعَكَ... ) (١) .

٢ - النبي عيسى(عليه السلام)، وذلك في قوله تعالى:( وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ... ) (٢) .

٣ - النبي إبراهيم(عليه السلام)، وابنه النبي اسحاق(عليه السلام)، في قوله تعالى:

____________________

١- هود: ٤٨.

٢- مريم: ٣١.

١٢

( فَلَمّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا... ) (١) .

وقوله تعالى:( وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى‏ إِسْحَاقَ... ) (٢) .

٤ - أهل البيت(عليهم السلام)، أو أهل بيت إبراهيم(عليه السلام)، على أقوال، وذلك في قوله تعالى:( رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) (٣) .

كما وردت لفظة البركة وما في معناها في القرآن الكريم بخصوص بعض الأماكن والأراضي والبقاع المعيّنة لاختصاصها بقدسية معينة، منها:

١ - البيت الحرام في مكة المكرمة، لقوله تعالى:( إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ ) (٤) .

٢ - الأرض بصورة عامة، حيث جعل البركة - وهو الخير - في مختلف أرجائها، لقوله تعالى:( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدّرَ فِيهَا اقْوَاتَهَا... ) (٥) .

أي جعل فيها الخير الكثير الذي ينتفع به ما على الأرض من

____________________

١- النمل: ٨.

٢- الصافات: ١١٣.

٣- هود: ٧٣.

٤- آل عمران: ٩٦.

٥- فصلت: ١٠.

١٣

نبات وحيوان وإنسان في حياته أنواع الانتفاعات(١) .

وقال الرازي: والبركة: كثرة الخير والخيرات الحاصلة من الأرض(٢) .

٣ - المسجد الأقصى وما حوله من بيت المقدس من أرض فلسطين، لقوله تعالى:( ... إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ... ) (٣) .

وكذلك في قوله تعالى:( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا... ) (٤) .

وقوله تعالى:( وَنَجّيْنَاهُ وَلُوطاً إلى الْأَرْضِ الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ... ) (٥) .

٤ - اليَمَن، لقوله تعالى:( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً ) (٦) .

٥ - قوله تعالى:( وَقُل رَبّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) (١) .

____________________

١- تفسير الميزان للطباطبائي: ١٧/٣٦٣، ٣٨٥، اوفست دار الكتب الإسلامية.

٢- التفسير الكبير للرازي: ٢٧ / ٤٠٢، تفسير الآية:(وجعلنا فيها رواسي...) .

٣- الإسراء: ١.

٤- الأعراف: ١٣٧.

٥- الأنبياء: ٧١.

٦- سبأ: ١٨.

١٤

كما وردت معاني البركة في القرآن الكريم صفة للكتاب العزيز، وذلك في قوله تعالى:

١ -( وَهذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدّقُ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) (٢) .

٢ -( وَهذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتّبِعُوهُ وَاتّقُوا لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٣) .

٣ -( وَهذَا ذِكْرٌ مّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ... ) (٤) .

٤ -( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدّبّرُوا آيَاتِهِ... ) (٥) .

ووردت معاني البركة للدلالة على بعض مخلوقات الله من النباتات وغيرها كما في قوله تعالى:

( كَأَنّهَا كَوْكَبٌ دُرّيّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ) (٦) .

( فَلَمّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشّجَرَةِ... ) (٧) .

____________________

١- المؤمنون: ٢٩.

٢- الأنعام: ٩٢.

٣- الأنعام: ١٥٥.

٤- الأنبياء: ٥٠.

٥- سورة ص: ٢٩.

٦- النور: ٣٥.

٧- القصص: ٣٠.

١٥

( وَنَزّلْنَا مِنَ السّماءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَحَبّ الْحَصِيدِ ) (١) .

كما وخصّ الله سبحانه وتعالى بعض الأزمنة بالبركة، كما في قوله تعالى:

( إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنذِرِينَ ) (٢) .

فهذه بعض معاني البركة واستعمالاتها في القرآن الكريم، وأمّا السنّة النبوية المطهّرة، فالأحاديث التي تتضمن البركة ومعانيها كثيرة جداً سوف يأتي بعضها في طيّات المباحث القادمة للدلالة على أن البركة والتبرك أمر ثابت في الشرع.

ولعلّ من أشهرها ما ثبت عنه(صلى الله عليه وآله) في صورة الصلاة عليه:((اللهمّ صل على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم.. إنّك حميد مجيد)) .

التبرّك في التاريخ

هل للتبرّك بمفهومه الاصطلاحي واقع تاريخي بين الأمم المتشرّعة، بحيث نكتشف في سيرهم وأخبارهم هذا النوع من السلوك، يتعارفونه ويتداولونه على أنه سلوك مشروع؟

____________________

١- سورة ق: ٩.

٢- الدخان: ٣.

١٦

نتابع الإجابة عن هذا التساؤل في مرحلتين رئيسيتين، تختصّ الأولى بتاريخ الأمم السالفة، وتتناول الثانية، وهي أكثر تفصيلاً، التبرّك في سلوك المسلمين وفي معارفهم منذ عهد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) وتباعاً في العهود القريبة منه.

١ - التبرّك عند الأمم السالفة

إنّ ظاهرة التبرك بآثار الأنبياء معروفة حتّى عند الأمم التي سبقت الإسلام، والتي تتضمن التبرّك بثياب أولئك الأنبياء وبقاياهم، فمن أمثلة التبرّك عند الأمم السابقة.

تبرّك النبيّ يعقوب(عليه السلام) بقميص ابنه النبي يوسف(عليه السلام)، قال تعالى:( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَأَلْقُوهُ عَلَى‏ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا ) (١) .

وقد امتثل إخوة يوسف لأمره، فجاؤوا بقميصه وألقوه على وجه أبيه الذي كان قد فقد بصره حزناً على فراق ولده يوسف، فجعل الله تعالى قميص يوسف سبباً لارتداد بصر أبيه يعقوب(عليه السلام)، فكان ذلك من قدرة الله تعالى وبركة ذلك القميص، ومعلوم أنّ الله تعالى يقدر أن يرد بصر يعقوب(عليه السلام) دون حاجة إلى إلقاء ذلك القميص على وجهه، ولكن لله تعالى حكمة في جعل بعض الأشياء

____________________

١- يوسف: ٩٣.

١٧

المباركة سبباً لتحقّق الغاية، ولاشك أن ذلك مرده إلى أن يجعل ذلك سنّة يقتدي بها الأنام فيعرفوا أن هنالك أشياء وأمكنة وأزمنة وأشخاصاً لها مقامات عند الله تعالى، فجعل فيها بركة تتيح لها شفاء المرضى أو استجابة الدعاء أو الشفاعة لغفران الذنوب، ونحو ذلك.

قال الزمخشري: قيل، هو القميص المتوارث الذي كان في تعويذ يوسف، وكان من الجنّة، اُمر جبرئيل(عليه السلام) أن يرسل إليه فإنّ فيه ريح الجنة، لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلاّ عوفي(١) .

ومن أمثلته أيضاً: تبرّك بني إسرائيل بالتابوت الذي فيه آثار آل موسى وآل هارون، وهو الذي ذكره الله تعالى في قوله حكايةً عن نبي بني إسرائيل الذي بشّرهم بطالوت ملكاً:( إِنّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِن رَبّكُمْ وَبَقِيّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسَى‏ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ ) (٢) وكان هو التابوت الذي أنزله الله على موسى فوضعته فيه أمه وألقته في اليمّ، وكان في بني إسرائيل معظّماً يتبركون به، فلما حضرت موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيّه، فلم يزل التابوت بينهم حتّى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عزّ وترف مادام التابوت

____________________

١- الكشاف: ٢/٥٠٣.

٢- البقرة: ٢٤٨.

١٨

عندهم، فلمّا عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم، فلمّا سألوا نبيّهم، بعث الله طالوت عليهم ملكاً يقاتل معهم فردّ الله عليهم التابوت.

قال الزمخشري: التابوت صندوق التوراة، وكان موسى إذا قاتل قدّمه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفترون... وقوله:( وَبَقِيّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسَى‏ وَآلُ هَارُونَ ) هي رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وشيء من التوراة(١) .

فنجد بني إسرائيل بأمر من نبيّهم يحتفظون بما ترك موسى وهارون، وتسكن إليه نفوسهم لما أخبرهم به من البركة التي اختصّها الله به لكونها من آثار أنبيائهم، حتّى إذا استخفوا بهذه الآثار المباركة عاقبهم الله وحرمهم من بركتها، ممّا يدل على قدسية هذه الآثار وحلول البركة فيها بإذن الله.

٢ - سيرة المسلمين في التبرّك

أوّلاً: سيرة الصحابة في التبرّك بالنبي(صلى الله عليه وآله) في حياته

قال محمد طاهر المكي: فلا جرم أن كان التبرّك بها - آثار الرسول - سنّة الصحابة رضي الله عنهم، واقتفى آثارهم في ذلك من

____________________

١- الكشاف: ١ / ٢٩٣.

١٩

نهج نهجهم من التابعين وصلحاء المؤمنين، وقد وقع التبرّك ببعض آثاره(صلى الله عليه وآله) في عهده وأقرّه ولم ينكر عليه، فدلّ ذلك دلالة قاطعة على مشروعيته، ولو لم يكن مشروعاً لنهى عنه(صلى الله عليه وآله) وحذّر منه، وكما تدلّ الأخبار الصحيحة وإجماع الصحابة على مشروعيته، تدل على قوة إيمان الصحابة وشدّة محبّتهم وموالاتهم ومتابعتهم للرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)، على حد قول الشاعر:

أمرُّ على الديار ديار سلمى اُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبّ الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا(١)

فكان الصحابة يتبرّكون بالنبي(صلى الله عليه وآله)، بمس جسده الشريف وتقبيل يده، وشرب فضل إنائه، وبماء وضوئه، ونخامته، وشعره وغير ذلك في حياته، ويأتون بأولادهم حال ولادتهم لكي ما يحنّكهم النبي(صلى الله عليه وآله) ويتبرّك عليهم ويدعو لهم، ومن ذلك ما أخرج مسلم في صحيحه من أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يؤتى إليه بالصبيان فيبرّك عليهم ويحنّكهم(٢) .

وقال ابن حجر: كل مولود في حياة النبي(صلى الله عليه وآله) يحكم بأنّه رآه، وذلك لتوفر دواعي إحضار الأنصار أولادهم عند النبي(صلى الله عليه وآله) للتحنيك

____________________

١- تبرك الصحابة بآثار الرسول: ٧.

٢- صحيح مسلم: ١ / ١٦٤. باب حكم بول الطفل الرضيع، و ٦ / ١٧٦، باب استحباب تحنيك المولود.

٢٠