المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116751 / تحميل: 7649
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

[الخاصة(١) لتحقيق ما يحتمل المخالفة والموافقة في الاستقبال، والقيد الاخير مستدرك، لان احتمال المخالفة تغني عنه لوجوب الماضي وخروجه عن حد الاحتمال. والاصل في اليمين الكتاب والسنة والاجماع.

قال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان)(٢) فاخبر انه لا يؤاخذ بلغو اليمين، وهو ان يسبق لسانه بغير عقيدة قلبه، واخبر انه يؤاخذ بما عقده وحلف به معتقدا.

وقال تعالى: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم)(٣) .

وروى ابن عباس ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: والله لاغزون قريشا والله لاغزون قريشا والله لاغزون قريش(٤) وفي بعضها ثم قال: ان شاء الله(٥) .

وروي انهعليه‌السلام كان كثيرا ما يحلف بهذا اليمين (ومقلب القلوب)(٦) .

وروى ابوامامة المازنى واسمه اياس بن ثعلبة ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من اقتطع مال امرء مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة واوجب له النار قيل: وان كان شيئا يسيرا؟ ! قال: وان كان سواكا(٧) ].

____________________

(١)اللمعة الدمشقية: ج ٣ ص ٤٨ س ٧ قال: واليمين الحلف بالله إلى قوله: او باسمه.

(٢)سورة المائدة / ٨٩.

(٣)سورة آل عمران / ٧٧.

(٤)و(٥) لاحظ عوالي اللئالي: ج ٣ س ٤٤٣ باب الايمان الحديث ١ وما علق عليه، ورواه في المبسوط: ج ٦ س ١٩١ س ١٠.

(٦)لاحظ عوالي اللئالي: ج ٣ س ٤٤٣ باب الايمان الحديث ٢ وما علق عليه. والظاهر ان كلمة (والابصار) في عوالي اللئالي زائد من النساخ. ورواه في المبسوط: ج ٦ س ١٩١ س ١٢.

(٧)لاحظ عوالي اللئالى: ج ٣ س ٤٤٣ باب الايمان الحديث ٣ وما علق عليه من جامع الاصول.

١٠١

[واجمعت الامة على انعقاد الايمان بشروطها.

تذنيب: يكره اليمين بغير الله

يكره اليمين بغير الله من المخلوقات: كالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والكعبة، والابوين.

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: من كان حالفا فليحلف بالله او ليذر(١) .

وروى محمد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام : ليس لخلقه ان يقسموا الا به(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تحلفوا بآبائكم ولا بالانداد، ولا تحلفوا الا بالله، لا تحلفوا بالله الا وانتم صادقون(٣) .

وروى انهعليه‌السلام سمع عمر بن الخطاب يحلف بابيه، فقالعليه‌السلام : ان الله ينهاكم ان تحلفوا بابائكم(٤) .

وعنهعليه‌السلام : من حلف بغير الله فقد أشرك، وفي بعضها فقد كفر بالله(٥) .

وقيل في تاويل الشرك وجهان:]

____________________

ورواه في المبسوط: ج ٦ س ١٤.

(١)عوالي للئالي: ج ٣ باب الايمان ص ٤٤٤ الحديث ٤ ولاحظ ما علق عليه.

(٢)الكافي: ج ٧ كتاب الايمان والنذور والكافرات، باب انه لا يجوز ان يحلف الانسان الا بالله عزوجل ص ٤٤٩ قطعة من حديث ١.

(٣)و(٤) عوالي اللئالي: ج ٣ باب الايمان ٤٤٤ الحديث ٦ و ٧ ولاحظ ما علق عليه.

ورواهما في المبسوط: ج ٦ ص ١٩١ س ١٩ س و ٢١.

(٥)عوالى اللئالي: ج ٣ باب الايمان ص ٤٤٤ الحديث ٨ و ٩ ولاحظ ما علق عليهما.

ورواه في المبسوط: ج ٦ ص ١٩٢ س ٣.

١٠٢

وينعقد لو قال: حلفت برب المصحف.

ولو قال: هو يهودي او نصراني، او حلف بالبراء‌ة من الله أو رسوله او الائمة لم يكن يمينا.

والاستثناء بالمشيئة في اليمين يمنعها الانعقاد اذا اتصل بما جرت العادة، ولو تراخى عن ذلك عن غير عذر لزمت اليمين.

[احدهما الشرك الحقيقي اذا اعتقد تعظيم ما يحلف به ويعتقد انها كاليمين بالله سبحانه، ومن اعتقد هذا فقد كفر. والثاني معنى أشرك أي شارك في اليمين حيث حلف بغير الله كما يحلف بالله تعالى، وهذا لا يقتضي تكفيره.

وأما قوله: (كفر) فلا تأويل له، ويحمل على المعنى الاول من التاويلين المذكورين، ولا تجب الكفارة بالحنث فيها لكن يأثم(١) .

وقال ابوعلي: لا بأس بالحلف بما عظم الله قدره من الحقوق، كقوله: وحق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحق القران(٢) ويحرم بالبراء‌ة من الله او من رسوله، او احد من الائمةعليهم‌السلام .

واوجب الشيخان الكفارة بالحنث(٣)(٤) والتقي بمجرد القول اذا لم يعلقه على شرط(٥) ونفاه ابن ادريس مطلقا(٦) ].

____________________

(١)المبسوط: ج ٦ كتاب الايمان ص ١٩٢ س ٥ ثم قال: فمتى خالف وحلف حنث بها فلا كفارة عليه بلا خلاف.

(٢)المختلف: ج ٢ كتاب الايمان وتوابعها ص ٧٩ س ٧ قال: وقال ابن الجنيد إلى ان قال: ولا باس ان يحلف الانسان بما عظم الله الخ.

(٣)المقنعة: باب الايمان والاقسام ص ٨٦ س ٣٧ قال: ولا يجوز اليمين بالبراء‌ة إلى قوله: ومن حلف بشئ من ذلك ثم حنث كان عليه كفارة ظهار.

(٤)النهاية: باب الكفارات ص ٥٧٠ س ١١ قال: ومن حلف بالبراء‌ة من الله إلى قوله: كان عليه كفارة ظهار الخ.

(٥)الكافي: فصل في الايمان ص ٢٢٩ س ١٢ قال: وقول القائل: هو برئ من الله إلى قوله: مطلقا مختارا إلى قوله: وكفارة ظهار.

(٦)السرائر: كتاب الايمان والنذور والكفارات ص ٣٥٢ س ٢٣ قال: وتعليق الكفارة عليها يحتاج إلى دليل الخ.

١٠٣

وفيه رواية بجواز الاستثناء إلى اربعين وهي متروكة.

[واختاره المصنف(١) والعلامة(٢) .

قال طاب ثراه: وفيه رواية بجواز الاستثناء إلى اربعين يوما، وهي متروكة أقول: هنا بحثان.

(الاول) جواز الاستثناء في اليمين بمشية الله تعالى، وهو اجماع، وقد استثنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يمينه (والله لاغزون قريشا)(٣) وكذلك عليعليه‌السلام في صفين (والله لنقتلنهم غدا ان شاء الله)(٤) لكن بشرط الاتصال العادي، فلو فصل بالتنفس والسعال وابتلاع اللقمة وقذف النخامة بحيث لا يخرج عن الاتصال، لم تضر، ولو تراخى لا كذلك حكم باليمين. وأما الاستثناء عملا بعادة اللغة واهل اللسان، فانهم لا يلحقون الاستثناء المنفصل بالاول، بل يلغونه.

ولقولهعليه‌السلام : من حلف على شئ ورأى خيرا، فليكفر وليأت الذي هو خير(٥) رواه الجمهور وفيه بحث. ولو جاز الاستثناء المنفصل لارشد اليه، وهو المشهور، قاله الشيخ وجماعة من الاصحاب(٦) واختاره المصنف(٧) والعلامة(٨) ].

____________________

(١)لاحظ عبارة النافع.

(٢)القواعد: ج ٢ كتاب الايمان ص ١٣٠ س ٤ قال: او بالبراء‌ة من الله تعالى إلى قوله: لم تنعقد.

(٣)سنن أبي داود: ج ٣، كتاب الايمان والنذور، باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت ص ٢٣١ الحديث ٣٢٨٥ و ٣٢٨٦ ولاحظ عوالي اللئالي: ج ٣ باب الايمان ص ٤٤٢ الحديث ١ وما علق عليه. ورواه في المبسوط: ج ٦ كتاب الايمان ص ١٩١ س ٩.

(٤)الكافي: ج ٧ باب النوادر ص ٤٦٠ قطعة من حديث ١ وفيه (والله لاقتلن معاوية).

(٥)لاحظ عوالي اللئالي: ج ٣ باب الايمان ص ٤٤٥ الحديث ١٠ وما علق عليه.

(٦)كتاب الخلاف: كتاب الايمان، مسألة ٢٨ قال: لا حكم للاستثناء الا اذا كان متصلا بالكلام إلى قوله: وبه قال جميع الفقهاء.

(٧)لاحظ عبارة النافع.

(٨)المختلف: ج ٢ كتاب الايمان ص ١٠٣ س ٢٢ قال: (مسألة) شرط الاستثناء الاتصال إلى قوله: ولو مكث ساعة ثم استثنى لم يقبل.

١٠٤

[وروى الصدوق (في الصحيح) عن عبدالله بن ميمون عن الصادقعليه‌السلام قال: للعبد ان يستثني ما بينه وبين اربعين يوما اذا نسي: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه ناس من اليهود فسألوه عن أشياء فقال: تعالوا دا أحدثكم ولم يستثن فاحتبس جبرئيلعليه‌السلام عنه اربعين يوما، ثم اتاه فقال: (ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله واذكر ربك اذا نسيت)(١)(٢) .

واجاب العلامة: بحملها على ما اذا حلف وفي ضميره الاستثناء ونسيه لفظا، فجاز له استدراكه، ولا حد له حينئذ، والتقييد في الحديث بالاربعين للمبالغة(٣) .

(الثاني) هل يشترط التلفظ بالاستثناء، او يكقي الاعتقاد والنية؟ قيل فيه: ثلاثة اقوال.

(أ) عدم الاكتفاء بالنية وان اقترنت باليمين، بل لابد من التلفظ قاله الشيخ في المبسوط(٤) واختاره ابن ادريس(٥) وهو اختيار العلامة في القواعد(٦) والارشاد(٧) ].

____________________

(١)سورة الكهف / ٢٣.

(٢)الفقيه: ج ٣(٩٨) باب الايمان والنذور والكفارات ص ٢٢٩ الحديث ١٢.

(٣)المختلف: ج ٢ في احكام اليمين ص ١٠٣ س ٢٨ قال: والجواب إلى قوله: فالحالف اذا حلف على شئ وفي ضميره الاستثناء لم يقصد العموم في يمينه الخ.

(٤)المبسوط: ج ٦، كتاب الايمان ص ٢٠٠ س ١٤ قال: فانما يصح قولا ونطقا، ولا تصح اعتقادا ونية.

(٥)السرائر: كتاب الايمان ص ٣٥٢ س ٣٧ قال: فاذا ثبت انه لا يصح الا موصولا، فانما يصح قولا ونطقا ولا يصح اعتقادا ونية.

(٦)القواعد: ج ٢ كتاب الايمان ص ١٣٠ س ٨ قال: والاستثناء بمشية الله إلى قوله: وكذا يقع لاغيا لو نواه من غير نطق به.

(٧)الارشاد: ج ٢ (الاول في نفس اليمين) ص ٨٤ س ١٤ قال: وكذا (أي لم ينعقد) لو استثنى بالنية دون اللفظ.

١٠٥

(النظر الثاني) الحالف

ويعتبر فيه البلوغ، والتكليف، والاختيار، والقصد. فلو حلف من غير نية كانت لغوا، ولو كان اللفظ صريحا. ولا يمين للسكران، ولا المكره، ولا الغضبان الا ان يكون لاحدهم قصد إلى اليمين. وتصح اليمين من الكافر، وفي الخلاف لا يصح. ولا ينعقد يمين

[(ب) الاكتفاء بالضمير والاعتقاد قاله العلامة(١) لان المعتبر في الايمان انما هو بالنسبة إلى النية والضمير واذا استثنى سرا لم ينو شمول النية لما استثناه، فلا يندرج في الحلف.

(ج) من حلف علانية فليستثن علانية، ومن حلف سرا فليستثن مثل ذلك قاله الشيخ في النهاية(٢) .

ورواه الصدوق قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من حلف سرا فليستثن سرا، ومن حلف علانية فليستثن علانية(٣) . واجاب العلامة بان الامر هنا للارشاد، لئلا تتهم بمخالفة اليمين ويحكم عليه بارتكاب المحارم(٤) . وهو حسن.

قال طاب ثراه: وتصح اليمين من الكافر، وفي الخلاف لا يصح.

أقول: منع الشيخ في الخلاف من يمين الكافر، لكونه غير عارف بالله، ولتعذر]

____________________

(١)المختلف: ج ٢ كتاب الايمان ص ١٠٣ س ٣٣ قال: والوجه صحة الاستثناء سرا وضميرا وان حلف علانية.

(٢)النهاية: باب ماهية الايمان والاقسام ص ٥٥٦ س ١٥ قال: واذا حلف علانية فليستثن علانية، واذا حلف سرا فليستثن مثل ذلك.

(٣)الفقيه: ج ٣(٩٨) باب الايمان والنذر والكفارات ص ٢٣٣ الحديث ٢٩.

(٤)المختلف: ج ٢ كتاب الايمان ص ١٠٣ س ٣٥ قال: وانما أمرعليه‌السلام بالاستثناء علانية مع الحلف بذلك على سبيل الارشاد.

١٠٦

الولد مع الوالد الا باذنه، ولو بادر كان للوالد حلها ان لم تكن في واجب او ترك محرم، وكذا الزوجة مع زوجها، والمملوك مع مولاه.

(النظر الثالث) في متعلق اليمين

ولا يمين الا مع العلم، ولا يجب بالغموس كفارة، وتنعقد لو حلف على فعل واجب او مندوب، او على ترك محرم او مكروه.ولا ينعقد لو حلف على ترك فعل واجب او مندوب او فعل محرم او مكروه.

ولو حلف على مباح وكان الاولى مخالفته في دينه او دنياه فليأت لما هو خير له، ولا اثم ولا كفارة.

واذا تساوى فعل ما تعلقت به اليمين وتركه وجب العمل بمقتضى اليمين.ولو حلف لزوجته الا يتزوج او يتسرى لم تنعقد يمينه.وكذا لو حلفت هي ان لا تتزوج بعده.وكذا لو حلفت ان لا تخرج معه.ولا تنعقد لو قال لغيره: والله لتفعلن، ولا يلزم احدهما.وكذا لو حلف لغريمه على الاقامة بالبلد وخشي مع الاقامة الضرر.وكذا لو حلف ليضربن عبده، فالعفو أفضل ولا إثم ولا كفارة.ولو حلف على ممكن فتجدد العجز انحلت اليمين.ولو حلف على تخليص مؤمن او دفع اذية لم يأثم ولو كان كاذبا، وان أحسن التورية ورى، ومن هذا لو وهب له مالا وكتب له ابتياع وقبض ثمن فينازعه الوارث على تسليم الثمن حلف ولا اثم، ويوري بما يخرجه عن الكذب.وكذا لو حلف أن مماليكه أحرار وقصد التخلص من ظالم، لم يأثم ولم يتحرروا.ويكره الحلف على القليل وان كان صادقا.

[اللازم الذي هو الغاية من انعقادها، وهو التكفير(١) ثم تردد وجزم في المبسوط]

____________________

(١)كتاب الخلاف: كتاب الايمان، مسألة ٩ قال: لا تنعقد يمين الكافر بالله ثم قال: وقال الشافعي تنعقد، واستدل بالظواهر وحملها على عمومها، ثم قال: وهو قوى.

١٠٧

(مسألتان)

(الاولى) روى ابن عطية فيمن حلف ان لا يشرب من لبن عنزة له، ولا يأكل من لحمها: انه يحرم لبن اولادها ولحومهم، لانهم منها وفي الرواية ضعف، وقال في النهاية: ان شرب لحاجة لم يكن عليه شئ، والتقييد حسن.

[بالجواز(١) واختاره المصنف(٢) وجزم ابن ادريس بالمنع(٣) وفصل العلامة فأجازها ممن لم يجحد الرب ومنعها منه(٤) ، وتظهر الفائدة في اسلامه قبل الحنث، فان قلنا بانعقادها كفر لو خالف، وان قلنا بعدمه فلا كفارة. وفي العقاب في الاخرة لو مات على كفره، اما لو اسلم بعد الحنث فلا كفارة عليه اجماعا، لعموم: الاسلام يجب ما قبله(٥) .

قال طاب ثراه: وروى ابن عطية إلى اخره.

أقول: هذه رواها الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد، عن سهل بن الحسن مرفوعا إلى عيسى بن عطية عن أبي جعفرعليه‌السلام الحديث(٦) وسهل بن الحسن وابن عطية مجهولان، وافتى بها الشيخ في النهاية وقيدها بعدم الحاجة(٧) ].

____________________

(١)المبسوط: ج ٦: كتاب الايمان ج ١٩٤ س ٢٢ قال: الكافر يصح يمينه بالله في حال كفره الخ.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

(٣)السرائر: كتاب الايمان والنذور والكفارات ص ٣٥٤ س ٢٣ قال: لا ينعقد يمين الكافر بالله الخ.

(٤)المختلف: ج ٢ ص ٩٨ س ٣٩ قال: والمعتمد ان نقول: إن كان الكفر باعتبار جهله بالله تعالى إلى قوله: فهذا لا ينعقد يمينه الخ.

(٥)سند احمد بن حنبل: ج ٤ ص ١٩٩ وص ٢٠٤ وص ٢٠٥ والجامع الصغير للسيوطى ج ١ ص ١٢٣ حرف الهمزة المحلى بال، وكنوز الحقائق للمناوي في هامش الجامع الصغير ج ١ ص ٩٥ نقلا عن الطبراني.

(٦)التهذيب: ج ٨(١) باب الايمان واقسامه ص ٢٩٧ الحديث ٧٤.

(٧)النهاية: باب اقسام الايمان ص ٥٦٠ س ١٩ قال: ومن حلف ان لا يشرب من لبن عنز له إلى

١٠٨

(الثانية) روى ابوبصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل اعجبته جارية عمته فخاف الاثم فحلف بالايمان ألا يمسها ابدا، فورث الجارية، أعليه جناح ان يطأها؟ فقال: انما حلف على الحرام، ولعل الله رحمه فورثه اياها لما علم من عفته.

[وفي سريان التحريم إلى لحوم اولادها والبانها، اشكال، اظهره العدم لاصالة الحل، خلافا لابي علي حيث حرم الجميع(١) .

قال طاب ثراه: وروى أبوبصير إلى اخره.

أقول: اورد المصنف هذه الرواية(٢) بيانا لسند الحكم لا لتردده فيها.

وفيها ايماء إلى أن اباحة وطئها بعد ذلك، وحل اليمين المتعلقة بتحريمها، انما كان لانه قصد الحرام، أي قصد في ظنه لا يمسها حراما، فلو حلف لا يطأها مطلقا، ولم يخطر بباله قصد الزجر عن الحرام تعلق التحريم بها، ولزمت اليمين، ويلزمها التكفير بوطئها، الا ان يعرض لليمين ما يوجب حلها، كأن يكون الوطئ أصلح].

____________________

قوله: ومن شرب لحاجة به لم يكن عليه شئ.

(١)المختلف: ج ٢ في احكام اليمين ص ٩٨ س ٢٠ قال: وقال ابن الجنيد ان لا ياكل لحم عنز إلى قوله: لم ياكل منهم ما انتجت ولا يشرب من لبنه.

(٢)التهذيب: ج ٨(٤) باب الايمان والاقسام ص ٣٠١ الحديث ١١٠.

١٠٩

١١٠

١١١

كتاب النذور والعهود (والنظر في امور اربعة) (النظر الاول) الناذر

ويعتبر فيه التكليف والاسلام والقصد.

ويشترط في نذر المرأة اذن الزوج، وكذا نذر المملوك، فلو بادر احدهما كان للزوج والمالك فسخه مالم يكن فعل واجب او ترك محرم.ولا ينعقد في سكر يرفع القصد، ولا غضب كذلك.

مقدمة

النذر التزام الكامل المسلم المختار القاصد، غير المحجور عليه، بفعل او ترك، بقوله، ناويا بالقربة.واحترزنا بالمحجور عليه عن المبذر، فلا ينعقد نذره للمال.

والاصل فيه: الكتاب والسنة والاجماع.

اما الكتاب: فقوله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون)(١) (وليوفوا نذورهم)(٢) ]

____________________

(١)سورة الدهر / ٧.

(٢)سورة الحج / ٢٩.

١١٢

[(وافوا بعهد الله اذا عاهدتم)(١) (وكان عهد الله مسئولا)(٢) .

واما السنة: فما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من نذر ان يطيع الله فليطعه، ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصيه(٣) .

وأما الاجماع: فمن ساير الامة لا يختلفون في صحة النذر ووجوب الوفاء به في الجملة.

تذنيب : اقسام النظر

النذر قسمان: نذر مجازات، ونذر بر.

فالاول: ما الزم الناذر به نفسه من طاعة يفعلها جزاء لشرط يتوقع حصوله، من جلب نفع، او دفع مكروه، فصار هنا شرط وجزاء، فالشرط ما طلب الناذر، والجزاء ما بذله والتزم به، فالشرط يعتبر فيه ان لا يكون معصية لقولهعليه‌السلام : لا نذر في معصية لله تعالى الحديث(٤) واتفق الكل على دلالة المفهوم هنا وثبوت النذر مع عدم المعصية، وان منع بعضهم منها، لكن لا هنا ولا فعل مكروه اجماعا. والجزاء يشترط فيه ان يكون طاعة مقدورا لقولهعليه‌السلام : لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن ادم(٥) واسقط عن أبي اسرائيل حيث نذر ان يصوم، ولا يقعد، ولا يستقل،]

____________________

(١)سورة النحل / ٩١(٢) سورة الاحزاب / ١٥.

(٣)سنن ابن ماجه: ج ١(١١) كتاب الكفارت(١٦) باب النذر في المعصية ص ٦٨٧ الحديث ٢١٢٦ وفي عوالي اللئالي ج ٢ ص ١٢٣ الحديث ٣٣٨ وج ٣ باب النذر ص ٤٤٨ الحديث ١.

(٤)سنن ابن ماجه ج ١(١١) كتاب الكفارات(١٦) باب النذر في المعصية ص ٦٨٦ الحديث ٢١٢٦ وليس فيه جملة (لله تعالى) وتمام الحديث (ولا فيما لا يملك ابن ادم).

(٥)تقدم آنفا.

١١٣

(النظر الثاني) الصيغة

وهي ان تكون شكرا، كقوله: ان رزقت ولدا فلله علي كذا، او استدفاعا، كقوله: ان برئ المريض فلله علي كذا، او زجرا، كقوله: ان فعلت كذا من المحرمات، او ان لم افعل كذا من الطاعات فلله على كذا، او تبرعا، كقوله: لله علي كذا. ولا ريب في انعقاده مع الشرط، وفي انعقاد التبرع قولان: اشبههما: الانعقاد.

[ولا يتكلم ما لا طاعة فيه، وامره بالتزام ما فيه طاعة فقالعليه‌السلام : مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه(١) .

(الثاني) ان يبتدئ بالنذر تبرعا من غير شرط وجزاء كقوله: لله على ان اصوم، او اصلى، وفي صحته قولان.

قال طاب ثراه: وفي انعقاد التبرع قولان: اشبههما الانعقاد.

أقول: مختار المصنف هو المشهور بين الاصحاب.

وهو اختيار الشيخ(٢) وابن ادريس(٣) واختاره المصنف(٤) والعلامة(٥) وقال المرتضى: لا ينعقد الا ما تعلق]

____________________

(١)سنن ابن ماجة: ج ١ كتاب الكفارات(٢١) باب من خلط في نذره طاعة بمعصية ص ٦٩٠ الحديث ٢١٣٦ وفيه ان رسول الله صلى الله عليه مر برجل بمكة وهو قائم في الشمس فقال: ماهذا؟ قالوا نذر الخ ورواه في عوالي اللئالي: ج ٣(٤٤٨) الحديث ٣ وفيه (اسمه ابواسرائيل).

(٢)كتاب الخلاف: كتاب النذور، مسألة ١ قال: اذا قال ابتداء لله على إلى قوله: ولم يجعله جزاء على غيره لزمه الوفاء به.

(٣)السرائر: باب النذور والعهود ص ٣٥٧ س ٦ قال: واما المطلق بان يقول: لله علي إلى قوله: فنحو هذا نذر طاعة ابتداء بغير جزاء فعندنا انه يلزمه.

(٤)لاحظ عبارة النافع.

وفي الشرائع: كتاب النذر، في الصيغة قال: والتبرع ان يقول: إلى قوله: والانعقاد اصح.

(٥)الانتصار: مسائل النذر ص ١٦٤ س ١ قال: ولو قال: لله علي إلى قوله من غير شرط يتعلق به لم ينعقد نذره.

١١٤

[بشرط(١) .

احتج الاولون بوجوه.

(الاول) صدق اسم النذر، لصحة تقسيم النذر إلى المطلق والمقيد، ومورد التقسيم مشترك بين الاقسام فيجب الوفاء به عملا بعموم (يوفون بالنذر)(٢) (واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم)(٣) (انى نذرت لك ما في بطني)(٤) . ولم يذكر الشرط في هذه الايات مع تسميته نذرا.

(الثاني) عموم قولهعليه‌السلام : من نذر ان يطيع الله فليطعه(٥) وصحيحة أبي الصباح عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن رجل قال: علي نذر انه قال: ليس النذر بشئ حتى يسمي شيئا لله صياما، او صدقة، او هديا، او حجا(٦) ولم يذكر التعليق ولو كان شرطا لزم تاخير البيان عن وقت السؤال، وهو محال لما تقرر في موضعه.

(الثالث) الاحتياط.

احتج السيد بان معنى النذر ما كان معلقا على شرط، وما لا يتعلق على شرط لا يستحق اسم النذر(٧) وبالاجماع. والثاني ممنوع، والاول عين النزاع فلا يصلح دليلا].

____________________

(١)لم نعثر عليه.

(٢)و(٣) تقدما.

(٤)سورة آل عمران / ٣٥.

(٥)سنن ابن ماجة: ج ١ كتاب الكفارات(١٦) باب النذر في المعصية ص ٦٨٧ الحديث ٢١٢٦ وتمام الحديث (ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصه).

(٦)التهذيب: ج ٨(٥) باب النذور ص ٣٠٣ الحديث ٢.

(٧)الانتصار: وفي مسائل النذر ص ١٦٤ س ٤ قال: دليلنا على صحة ذلك الاجماع، وايضا فان معنى لنذر في اللغة ان يكون متعلقا بشرط الخ.

١١٥

ويشترط النطق بلفظ الجلالة، فلو قال: علي كذا لم يلزم، ولو اعتقد انه ان كان كذا فلله عليه كذا، ولم يتلفظ بالجلالة، فقولان: اشبههما انه لا ينعقد، وان كان الاتيان به افضل. وصيغة العهد ان يقول: عاهدت الله متى كان كذا فعلي كذا، وينعقد نطقا.

[قال طاب ثراه: ولو اعتقد انه (متى خ) ان كان كذا فلله عليه كذا، ولم يلفظ بالجلالة فقولان: اشبههما انه لا ينعقد.

أقول: مذهب الشيخ في النهاية انعقاده بالضمير والاعتقاد(١) وتبعه القاضي(٢) وابن حمزة(٣) وهو ظاهر المفيد(٤) وقال ابوعلي: لا ينعقد الا بالتلفظ مع النيه(٥) وبه قال ابن ادريس(٦) واختاره المصنف(٧) والعلامة في اكثر كتبه(٨) وتوقف في]

____________________

(١)النهاية: باب ماهية النذور والعهود ص ٥٦٢ س ١٤ قال: ومتى اعتقد انه متى كان شئ إلى قوله: وجب عليه الوفاء به.

(٢)المهذب: ج ٢ باب النذور والعهود ص ٤٠٩ س ٢ قال: واذا لم يتلفظ بالنذر واعتقد انه ان كان كذا إلى قوله في الهامش: كان الوفاء بذلك واجبا عليه.

(٣)الوسيلة: فصل في بيان النذر ص ٣٥٠ س ٤ قال: وان نذر بالنية وحدها دون القول كان حكمه حكم من قال بلسانه.

(٤)المقنعة: باب النذور والعهود ص ٨٧ س ٥ قال: فاما نذر الطاعة فهو ان يعتقد الانسان انه ان عوفي في مرضه الخ.

(٥)المختلف: في النذور واحكامه ص ١٠٨ س ٢٣ فانه بعد نقل قول ابن ادريس بعدم الانعقاد الا باللفظ قال: وهو اختيار ابن الجنيد إلى ان قال: ونحن في هذه المسألة من المتوقفين.

(٦)السرائر: باب النذور والعهود ص ٣٥٨ س ٣٥ قال وقد قلنا ما عندنا في ذلك: من انه لا ينعقد الا ان يتلفظ به.

(٧)لاحظ عبارة النافع.

(٨)القواعد: ج ٢ في النذر ص ١٣٩ س ١٣ قال: ولو اعتقد النذر بالضمير لم ينعقد.

وفي التحرير ينعقد نذره.

١١٦

وفي انعقاده اعتقادا قولان: اشبههما انه لا ينعقد ويشترط فيه القصد كالنذر.

(النظر الثالث) في متعلق النذر

وضابطه ما كان طاعة لله مقدورا للناذر، ولا ينعقد مع العجز. ويسقط لو تجدد العجز. والسبب اذا كان طاعة لله وكان النذر شكرا لزم. ولو كان زجرا لم يلزم. وبالعكس لو كان السبب

[المختلف(١) .

احتج الشيخ بعموم قولهعليه‌السلام : انما الاعمال بالنيات، انما لكل امرئ ما نوى(٢) واذا انتفى العمل عند انتفاء النية، وجب ان يتحقق عند تحققها. ولان المناط في العبادات اللفظية الاعتقاد وهو هنا حاصل، واللفظي انما هو لاعلام الغير ما في الضمير والله تعالى عالم بسرائر القلوب، فيتحقق عقد النذر بعقد الضمير عليه وان لم يوجد لفظ، ولقوله تعالى (وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله)(٣) .

احتج الباقون: بان الانعقاد حكم شرعي، فيقف على الشرع، وليس، والاصل براء‌ة الذمة. ولان النذر ايقاع فلا يكفي فيه مجرد النية كاليمين والعتق. ولانه من الاسباب ولا يجزي على ما في القلوب، بل لابد من ظهورها.

قال طاب ثراه: وفي انعقاده (أي العهد) اعتقادا قولان: اشبههما انه لا ينعقد.

أقول: الخلاف في العهد كالنذر، والمخالف فيه ثمة مخالف هنا.

قال طاب ثراه: والسبب اذا كان طاعة والنذر شكرا لزم، ولو كان زجرا لم]

____________________

(١)تقدم آنفا.

(٢)التهذيب: ج ٤(٤٤) باب نية الصيام ص ١٨٦ الحديث ١ و ٢ وفي الامالي للطوسي ج ٢ (مجلس يوم الجمعة ٢١ ع ٢ عام ٤٥٧) ص ٢٣١ س ٩ وفي صحيح البخاري، ج ١ باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الحديث ١.

(٣)سورة البقرة / ٢٨٤.

١١٧

معصية، ولا ينعقد لو قال: لله علي نذر واقتصر به.

وينعقد لو قال: لله علي قربة، ويبر بفعل قربة، ولو صوم يوم، او صلاة ركعتين. ولو نذر صوم، صام ستة اشهر. ولو قال: زمانا، صام خمسة اشهر. ولو نذر الصدقة بمال كثير، كان ثمانين درهما. ولو نذر عتق كل عبد قديم، اعتق من كان له في ملكه ستة اشهر فصاعدا، هذا إذا لم ينو غيره. ومن نذر في سبيل الله، صرفه في البر. ولو نذر الصدقة بما يملك، لزم، فان شق قومه واخرج شيئا فشيئا حتى يوفي.

[يلزم، وبالعكس لو كان السبب معصية.

أقول: اشار المصنف هنا إلى اقسام النذر المشروط، وينقسم إلى اربعة اقسام، لان السب انما يكون طاعة او معصية وعلى التقديرين النذر، أي الجزاء، اما ان يكون شكرا او زجرا، فالاقسام اربعة:

(أ) أن يكون السبب طاعة والنذر شكرا، كقوله: ان صليت الليلة، او ان صمت غدا، فلله علي صدقة فيقصد بالتزام الصدقة، الشكر لله على التوفيق للقيام والصيام، فينعقد قطعا.

(ب) ان يكون السبب طاعة والنذر زجرا، كقوله: ان صمت غدا فلله علي صدقة، فيقصد الزجر بالتزام الصدقة، أي منع النفس وزجرها عن الصيام كيلا يلزمه الصدقة، وهذا لا ينعقد، لانه معصية.

(ج) ان يكون السبب معصية والنذر طاعة، كقوله: ان فعلت كذا من المحرمات فعلي صدقة، ويقصد الشكر، أي يقصد بالتزام الصدقة الشكر على التوفيق والظفر بالمعصية، وهذا لا ينعقد لعدم التقرب به.

(د) ان يكون السبب معصية والنذر طاعة، ويقصد الزجر كقوله: ان فعلت كذا من المحرمات فلله علي صدقة، ويقصد منع نفسه وزجرها عن فعل المحرم بمحذور

١١٨

(النظر الرابع) اللواحق

وهي مسائل : (الاولى) لو نذر يوما معينا، فاتفق له السفر افطر وقضاه، وكذا لو مرض، او حاضت المرأة، أو نفست. ولو شرط صومه حضرا وسفرا، صام، وان اتفق في السفر، ولو اتفق يوم عيد افطره، وفي القضاء تردد.

[لزوم الصدقة، وهذا ينعقد قطعا. فقد ظهر من هذا. كون السبب اذا كان طاعة وجب كون النذر شكرا. ولو كان معصية وجب كونه زجرا، ولا يصح العكس في القسمين.

قال طاب ثراه: ولو اتفق يوم عيد افطره، وفي القضاء تردد.

أقول: بالقضاء قال الشيخ في النهاية(١) والمبسوط(٢) وبه قال الصدوق(٣) وابن حمزة(٤) .

وبعدمه قال القاضي(٥) وابن ادريس(٦) والعلامة في القواعد(٧) واختاره فخر]

____________________

(١)النهاية: باب اقسام النذور والعهود ص ٥٦٥ س ٣ قال: ومتى وجب عليه صيام نذر إلى قوله: او اتفق ان يكون يوم العيدين وجب عليه ان يفطر ذلك اليوم ويقضيه الخ.

(٢)المبسوط: ج ١ فصل في ذكر اقسام الصوم ص ٢٨١ س ٤ قال: فان وافق الصوم احد هذه الاوقات افطر وقضى يوما مكانه.

(٣)المقنع: باب النذور والايمان والكفارات ص ١٣٧ س ١٥ قال: فان نذر ان يصوم يوما بعينه فوافق يوم عيد فطر او اضحى إلى قوله: ويصوم يوما بدل يوم.

(٤)الوسيلة: فصل في بيان النذر ص ٣٥٠ س ١١ قال: وان نذر يوما بعينه، واتفق ان يكون يوم عيد إلى قوله: افطر وقضى.

(٥)المهذب: ج ٢ باب النذور والعهود ص ٤١١ س ٢ قال: فوافق ان يكون ذلك يوم العيدين وجب عليه افطاره وليس عليه قضاء‌ه.

(٦)السرائر: باب النذور والعهود ص ٣٥٧ س ١٩ قال: والصحيح من المذهب إلى قوله: لا يجب عليه القضاء.

(٧)القواعد: ج ٢، في النذر ص ١٤٠ س ١٨ قال: ولو نذر صوم هذه السنة لم يجب قضاء العيدين.

١١٩

ولو عجز عن صومه أصلا، قيل: يسقط، وفي رواية يتصدق عنه بمد.

(الثانية) مالم يعين بوقت يلزم الذمة مطلقا، وما قيد بوقت يلزمه فيه، ولو اخل لزمته كفارة [المحققين(١) لان شرط صحة النذر قبول الزمان للصوم، وكلما لا يصح صومه شرعا لا يدخل تحت النذر. وباصالة البراء‌ة.احتج الشيخ بالاحتياط. وبرواية علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام رجل نذر ان يصوم يوم الجمعة دائما فوافى ذلك اليوم يوم عيد فطر او اضحى، هل عليه صوم ذلك اليوم، او قضاء‌ه؟ ام كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه قد وضع الله الصيام في هذه الايام كلها ويصوم يوما بدل يوم ان شاء الله(٢) . وحمل على الاستحباب لانه لو كان واجبا لم يعلقه على المشية بلفظة (ان) المحتملة، لا المحققة، قيل: بل للتبرك.

واجيب: بان الاصل في الاطلاق الحقيقة، وفيه دخل: لان المندوب شاء‌ه الله ايضا، لكونه مطلوبا للشارع(٣) .

قال طاب ثراه: ولو عجز عن صومه اصلا، قيل: يسقط: وفي رواية يتصدق عنه بمد.

أقول: يريد لو عجز عن يوم نذر صومه هل يسقط لا إلى بدل، ام لا؟ قيل فيه ثلاثة أقوال:]

____________________

(١)الايضاح: ج ٤ كتاب النذر ص ٥٧ س ٢٢ قال: اذا نذر صوم يوم معين فاتفق يوم عيد وجب ترك صومه ثم قال بعد نقل قول العلامة في القواعد: وهذا هو الاقوى عندي.

(٢)التهذيب: ج ٨(٥) باب النذور ص ٣٠٥ قطعة من حديث ١٢.

(٣)الايضاح: ٤ ص ٥٨ س ٩ قال: والجواب الحمل على الاستحباب لانه لو كان واجبا لم يعلقه بالمشية الخ.

١٢٠

وقد تقدم نص هذه اللعنة النبوية في رواية تحف العقول من مصادرنا، وقد نصت مصادر السنيين على أنها صدرت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع.

- ففي سنن ابن ماجة: 2 / 905

عن عمرو بن خارجة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم وهو على راحلته، وإن راحلته لتقصع بجرتها، وإن لغامها ليسيل بين كتفي، قال ومن ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ. أو قال: عدلٌ ولا صرفٌ.

- وفي سنن الترمذي: 3 / 293

عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع ومن ادعى الى غير أبيه، أو انتمى الى غير مواليه، فعليه لعنة الله التابعة الى يوم القيامة.

- وفي مسند أحمد: 4 / 239

عن عمرو بن خارجة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنى على راحلته، وإني لتحت جران ناقته، وهي تقصع بجرتها، ولعابها يسيل بين كتفي، فقال: ألا ومن ادعى الى غير مواليه رغبةً عنهم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ورواه أحمد: 4 / 187 بلفظ: ألا ومن ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً أو عدلاً ولا صرفاً. انتهى. ورواه بعدة روايات في نفس الصفحة والتي قبلها، وفي ص 238 و 186، ورواه الدارمي في سننه: 2 / 244 و 344، ومجمع الزوائد: 5 / 14، عن أبي مسعود، ورواه البخاري في صحيحه: 2 / 221، و: 4 / 67

ولعلك تسأل: ما علاقة هذه اللعنة المشددة المذكورة في خطب حجة الوداع وغيرها بوصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأهل بيته؟! فهي تنصب على الذي ينكر نسبه من أبيه وينسب نفسه الى شخص آخر، وعلى العبد الذي ينكر مالكه ويدعي أنه عبد

١٢١

لشخص آخر، أو ينكر ولاءه وسيده الذي أعتقه، ويدعي أن ولاءه لشخص آخر!

فهذا هو معنى ( من ادعى لغير أبيه أو تولى غير مواليه )!

والجواب: أن مقصود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأبوة في هذه الأحاديث الشريفة: أبوته هو المعنوية للأمة، وبالولاء: ولايته وولاية أهل بيته عليها، وليس مراده الأبوة النسبية وولاء المالك لعبده!

والدليل على ذلك: لو أن ولداً هرب من أبيه، وسجل نفسه باسم والدٍ آخر، ثم تاب من فعلته وصحح هويته، واستغفر الله تعالى فإن الفقهاء جميعاً يفتون بأن توبته تقبل!

ولو أن عبداً مملوكاً هرب من سيده ولجأ الى شخص، وادعى أنه سيده، وبعد مدة رجع الى سيده واستغفر الله تعالى فإن الفقهاء يفتون بأن توبته تقبل.

بينما الشخص الملعون في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصبوبٌ عليه الغضب الالهي الى الأبد! ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ). والصرف هو التوبة، والعدل الفدية، وقد فسرتهما الأحاديث الشريفة بذلك.

فهذه العقوبة الإلهية المذكورة في خطب حجة الوداع، إنما تصح لحالات الخيانة العظمى، مثل الإرتداد وشبهه، ولا يعقل أن تكون لولدٍ جاهلٍ يدعو نفسه لغير أبيه، أو لعبدٍ مملوكٍ أو مظلومٍ يدعو نفسه لغير سيده!

ويؤيد ذلك أن بعض رواياتها صرحت بكفر من يفعل ذلك، وخروجه من الإسلام! كما في سنن البيهقي: 8 / 26، ومجمع الزوائد: 1 / 97، وكنز العمال: 5 / 872. وفي كنز العمال: 10 / 324 ( من تولى غير مواليه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. أحمد عن جابر ).

- وفي / 326 ( من تولى غير مواليه فليتبوأ بيتاً في النار. ابن جرير عن عائشة )

- وفي / 327 ( من تولى غير مواليه فقد كفر. ابن جرير عن أنس ).

- وفي: 16 / 255 ( ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله على رسوله. ش )

١٢٢

ولا نحتاج الى تتبع هذه الأحاديث في مصادرها وأسانيدها، لأنها مؤيداتٌ لحكم العقل القطعي بأن مقصوده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يمكن أن يكون الأب النسبي، ومالك العبد.

ويؤيد ذلك أيضاً: أن بعض رواياته كالتي مرت آنفاً وغيرها من روايات أحمد، ليس فيها ذكر للولد والوالد، بل اقتصرت على ذكر العبد الذي هو أقل جرماً من الولد ومع ذلك زادت العقوبة واللعنة عليه، ولم تخففها!

ويؤيد ذلك أيضاً: أن هذه اللعنة وردت في بعض روايات الخطب الشريفة، بعد ذكر ما ميز به الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام من مالية خاصة هي الخمس، وحرم عليهم الصدقات والزكوات!

- ففي مسند أحمد: 4 / 186

خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته فقال: ألا إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، وأخذ وبرةً من كاهل ناقته، فقال: ولا ما يساوي هذه، أو ما يزن هذه. لعن الله من ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه. انتهى.

ورواه في كنز العمال: 5 / 293، وفي كنز العمال: 10 / 235 ( ومن تولى غير مواليه، فليتبوأ بيتاً في النار. ابن عساكر عن عائشة ) انتهى.

أما في مصادر أهل البيت عليهم‌السلام فالحديث ثابتٌ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطب حجة الوداع في المناسك وهو أيضاً جزءٌ من حديث الغدير ..

- ففي بحار الأنوار: 37 / 123

عن أمالي المفيد، عن علي بن أحمد القلانسي، عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرحمان بن صالح، عن موسى بن عمران، عن أبي إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم يقول: إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، لعن الله من ادعى الى غير أبيه، لعن من تولى الى غير مواليه، الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر، وليس لوارث وصية.

١٢٣

ألا وقد سمعتم مني، ورأيتموني ألا من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.

ألا وإني فرطكم على الحوض ومكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة، فلا تسودوا وجهي.

ألا لأستنقذن رجالاً من النار، وليستنقذن من يدي أقوامٌ.

إن الله مولاي، وأنا مولى كل مؤمن ومؤمنة.

ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه. انتهى.

وروى نحوه في / 186، عن بشارة الإسلام.

- وقال ابن البطريق الشيعي في كتابه العمدة / 344

وأما الأخبار التي تكررت من الصحاح من قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعن الله من انتمى الى غير أبيه، أو توالى غير مواليه، فهي من أدل على الحث على اتباع أمير المؤمنين عليه‌السلام والأمر بولائه دون غيره، يريد بقوله: من تولى غير مواليه يعني نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلياً عليه‌السلام بعده، بدليل ما تقدم من الصحاح من غير طريق، في فصل مفرد مستوفى، وهو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم قال مؤكداً لذلك: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

فمن كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مولاه فعلي مولاه، ومن كان مؤمناً فعلي مولاه أيضاً، بدليل ما تقدم من قول عمر بن الخطاب لعلي لما قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال له عمر: بخٍ بخٍ لك يا علي، أصبحت مولى كل مؤمن و مؤمنة. وفي رواية: مولاي ومولى كل مؤمنة ومؤمن.

وهذه منزلة لم تكن إلا لله سبحانه وتعالى، ثم جعلها الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعلي عليه‌السلام بدليل قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون ...

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من انتمى الى غير أبيه فالمراد به: من انتمى الى غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام في الولاء، مأخوذٌ من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : أنا وأنت أبوا هذه الأمة، فعلى عاق والديه لعنة الله. انتهى.

١٢٤

كما ورد في مصادر الفريقين أن هذا الحديث جزءٌ مما كان مكتوباً في صحيفة صغيرة معلقة في ذؤابة سيف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي ورَّثه لعلي عليه‌السلام فقد رواه البخاري في صحيحه: 4 / 67، ومسلم: 4 / 115، و 216، بعدة روايات، والترمذي: 3 / 297 .. ورواه غيرهم أيضاً، وأكثروا من روايته، لأن الراوي ادعى فيه على لسان علي عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يورث أهل بيته شيئاً من العلم، إلا القرآن وتلك الصحيفة المعلقة في ذؤابة السيف!!

وقد وجدنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطلق هذه اللعنة في مناسبة رابعة، عندما كثر طلقاء قريش في المدينة، وتصاعد عملهم مع المنافقين ضد أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا: ( إنما مثل محمد في بني هاشم كمثل نخلة نبتت في كبا، أي مزبلة ) فبلغ ذلك النبي فغضب، وأمر علياً أن يصعد المنبر ويجيبهم!!

- فقد روى في بحار الأنوار: 38 / 204

عن أمالي المفيد، عن محمد بن عمر الجعابي، عن ابن عقدة، عن موسى بن يوسف القطان، عن محمد بن سليمان المقري، عن عبد الصمد بن علي النوفلي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأصبغ بن نباتة قال:

لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، غدونا نفر من أصحابنا أنا والحارث وسويد بن غفلة، وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي فقال: يقول لكم أميرالمؤمنين: انصرفوا الى منازلكم، فانصرف القوم غيري فاشتد البكاء من منزله فبكيت، وخرج الحسن وقال: ألم أقل لكم: انصرفوا؟ فقلت: لا والله ياابن رسول الله لا تتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين عليه‌السلام .

قال: فبكيت، ودخل فلم يلبث أن خرج فقال لي: أدخل، فدخلت على أميرالمؤمنين عليه‌السلام فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفر وجهه، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة؟ فأكببت عليه فقبلته وبكيت.

١٢٥

فقال لي: لا تبك يا أصبغ، فإنها والله الجنة.

فقلت له: جعلت فداك إني أعلم والله أنك تصير الى الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين. جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول الله، فإني أراك لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً، قال:

نعم يا أصبغ: دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فقال لي: يا علي انطلق حتى تأتي مسجدي، ثم تصعد منبري، ثم تدعو الناس إليك، فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتصلي عليَّ صلاةً كثيرة، ثم تقول:

أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى الى غير أبيه أو ادعى الى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.

فأتيت مسجده وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت الله وأثنيت عليه، وصليت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاةً كثيرةً، ثم قلت:

أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي، على من انتمى الى غير أبيه، أو ادعى الى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.

قال: فلم يتكلم أحدٌ من القوم إلا عمر بن الخطاب، فإنه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن، ولكنك جئت بكلامٍ غير مفسر، فقلت: أُبْلِغُ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فرجعت الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته الخبر، فقال: إرجع الى مسجدي حتى تصعد منبري، فاحمد الله وأثن عليه وصل علي، ثم قل:

أيها الناس، ما كنا لنجيئكم بشيء إلا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإني أنا أبوكم ألا وإني أنا مولاكم، ألا وإني أنا أجيركم. انتهى.

وقد وجدنا لهذا الحديث مناسبة خامسة أيضاً، فقد روى فرات بن ابراهيم الكوفي في تفسيره / 392 قال: حدثنا عبد السلام بن مالك قال: حدثنا محمد بن موسى بن

١٢٦

أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال: حدثنا الحكم بن سنان الباهلي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لفاطمة بنت الحسين: أخبريني جعلت فداك بحديث أحدث، واحتج به على الناس.

قالت: نعم، أخبرني أبي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان نازلاً بالمدينة، وأن من أتاه من المهاجرين عرضوا أن يفرضوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فريضة يستعين بها على من أتاه، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا: قد رأينا ما ينوبك من النوائب، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك.

قال: فأطرق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طويلاً ثم رفع رأسه فقال: إني لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتم به شيئاً، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشيء، وإن أمرت به أعلمتكم.

قال: فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال: يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك وما عرضوا عليك، وقد أنزل الله عليهم فريضة: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى .

قال فخرجوا وهم يقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء، وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبني عبد الطلب.

قال: فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى علي بن أبي طالب أن اصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل: أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار، ومن ادعى الى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار، ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار.

قال: فقام رجلٌ وقال: يا أبا الحسن ما لهن من تأويل؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره، فقال رسول الله: ويلٌ لقريشٍ من تأويلهن، ثلاث مرات! ثم قال: يا علي انطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين، وأنا وأنت أبوا المؤمنين. انتهى.

* *

١٢٧

١٢٨

البحث الرابع

حاجة الأنبياء عليهم السلام في تبليغ رسالاتهم الى حماية الناس

ارتكب المنظرون للخلافة القرشية من المحدثين والمفسرين، خطأين أساسيين في تفسير آية التبليغ، فشوهوا بذلك معناها:

الخطأ الأول، في مفهوم تبليغ الأنبياء عليهم‌السلام ومنهم نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والخطأ الثاني، محاولتهم إخفاء واقع قريش بعد الفتح، وإبعاد الآية عنها، وأن يصوروا للمسلمين أن قريشاً المشركة منجم الفراعنة وأتباعهم، قد تحولت بين عشية وضحاها، الى قبيلة مسلمةٍ مؤمنةٍ تقيةٍ، تقود الناس بالإسلام والهدى!

معنى التبليغ في القرآن

مفهوم التبليغ في القرآن مفهومٌ بسيط، فتبليغ الرسل يعني بيانهم الرسالة الإلهية للناس ثم الناس بعد ذلك مختارون في أن يقبلوا، أو يتولوا، وحسابهم على الله تعالى، وليس على أنبيائه!

ومن هذا الأساس العميق تتفرع عدة مبادئ:

أولاً: أن النبي يحتاج الى ضمان حرية التعبير عن الرأي، لكي يتمكن من إيصال رسالة ربه الى العباد وإبلاغهم إياها. وقد كان ذلك مطلب الأنبياء عليهم‌السلام الأول من أممهم.

١٢٩

ثانياً: مهمة الأنبياء عليهم‌السلام هي التبليغ فقط ( الإبلاغ ) حتى أن الجهاد لم يكن مفروضاً على أحد من الأنبياء قبل ابراهيم عليهم‌السلام وقد فرضه الله تعالى عليه وعلى الأنبياء من ذريته ( وكل الأنبياء والأوصياء بعده من ذريته ) من أجل إزاحة العقبات المانعة من التبليغ، أو رد اعتداءات الكفار على الذين اختاروا الدين الالهي وإقامة حياتهم على أساسه.

ثالثاً: لا إكراه في الدين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فينبغي أن يبقى قانون الهداية والإضلال فعالاً، والقدرة على عمل الخير والشر متوفرة.

رابعاً: الهدف من الإبلاغ هو إقامة الحجة لله على عباده، واضحة كاملة تامة حتى لا يقولوا يوم القيامة: لم يقل النبي لنا، لم يبلغنا ذلك، لم نعرف ذلك، وكنا عنه غافلين. فإقامة الحجة في الدين الالهي محورٌ أصلي دائم في عمل الأنبياء عليهم‌السلام سواء على مستوى الكافرين، أو على مستوى أممهم المؤمنين بهم.

فالمهم عند النبي عليه‌السلام أن يوصل العقيدة والأحكام الى الناس أن يقول لهم، ويبين لهم، ويوضح لهم ويفهمهم وبذلك يقيم الحجة لربه عز وجل وبذلك يؤدي ما عليه، ويسقط المسؤولية عن عاتقه.

أما استجابتهم أو تكذيبهم وأما عملهم وسلوكهم، فهو شأنهم وليس النبي مسؤولاً عنه، بل هو من اختصاص الله تعالى.

قال الله تعالى: قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين . الأنعام - 149

وأدلة هذه الحقائق التي ذكرناها كثيرة، من آيات القرآن وأحاديث السنة، نشير منها الى ما ذكره الله تعالى من قول نوح عليه‌السلام : أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم، وأعلم من الله ما لا تعلمون . الأعراف - 62

وقول شعيب عليه‌السلام : فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين . الأعراف - 93

١٣٠

وقول هود عليه‌السلام : فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً إن ربي على كل شيء حفيظ . هود - 57

وقوله تعالى عن مهمة جميع الرسل الذين بعثهم عليهم‌السلام :

فهل على الرسل إلا البلاغ المبين . النحل - 35

قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون. وما علينا إلا البلاغ المبين . يس 16 - 17

ولا يتسع المجال لاستعراض مفاهيم التبليغ وأحكامه في القرآن والحديث، فهي أجزاء مشرقة من ( نظرية متكاملة ) نشير منها الى أنه تعالى وصف دينه وقرآنه بأنه بلاغ فقال: هذا بلاغٌ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب . ابراهيم - 52

وقال إنه بلاغ يشمل الأجيال الآتية التي يَبْلُغها الإسلام:

قل أي شيء أكبر شهادةً؟ قل الله شهيد بيني وبينكم، وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ . الأنعام - 19

وأثنى تعالى على أمانة أنبيائه وشجاعتهم في تبليغ رسالاته، رغم مقاومة الناس واستهزائهم، فقال عز وجل: الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيبا . الأحزاب - 39

كما وصف سبحانه عملية تلقي الوحي وتبليغه بأنه من الأعمال الدقيقة الخطيرة التي تحتاج الى شخصيات من نوع خاص، وحراسة ربانية خاصة لهم أيضاً، فقال:

عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً، إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا . الجن 26 - 28

مهمة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التبليغ

والذي يتصل بموضوعنا مباشرةً هو تبليغ نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد قال تعالى عن مهمته ومسؤوليته: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا، فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين . المائدة - 92

١٣١

قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم. وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين . النور - 54

فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد . آل عمران - 20

فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ . الشورى - 48

فقد أرسل الله نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أساس نظام الرسالة والتبليغ الالهي، الذي أرسل به جميع الأنبياء عليهم‌السلام وهو قاعدة: إقامة الحجة وإتمامها على الناس، وعدم إجبارهم على العمل. وهذا هو معنى ( فإنما عليك البلاغ ) فقط، وفقط!

وهذا هو معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم.

فالإجبار الذي جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو إجبار أهل الكتاب على التعايش مع المسلمين، وليس على الدخول في الإسلام، وإجبار المشركين الوثنيين على الدخول في الإطار العام للإسلام وما عداه متروكٌ للأمة، داخل هذا الإطار، يطيع منها من يطيع، ويعصي من يعصي، ويهتدي منها من يهتدي، ويضل من يضل والمحاسب هو الله تعالى.

ومن الطبيعي إذن، أن تحتاج مهمة التبليغ الى حماية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يؤديها وإلا فإن قبائل قريش الذين يدركون خطر دعوته على نفوذهم وآلهتهم، سرعان ما يدبرون قتله، أو تشويه سمعته وعزله، وحجب الناس عن سماع صوته.

ورغم أن الألطاف الإلهية على أنبيائه عليهم‌السلام كثيرة ومتنوعة، وما خفي عنا منها أعظم مما عرفناه، أو ما يمكن أن يبلغه فهمنا لكن سنته سبحانه في الرسل أن يترك حمايتهم للأسباب ( الطبيعية ) مضافاً الى تلك الألطاف.

ولا يوجد دليلٌ واحدٌ على ما ذكروه من ضمان الله تعالى عصمة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجرح والقتل، وأنواع الأذى التي قد يتعرض لها وقد تقدمت النصوص الدالة على استمرار حراسته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى آخر حياته، ونضيف هنا ما رواه الجميع من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يطلب من قبائل العرب تأمين هذه الحماية حتى يبلغ رسالة ربه.

١٣٢

- ففي سيرة ابن هشام: 2 / 23 عن ربيعة بن عباد، قال:

إني لغلامٌ شاب مع أبي بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب فيقول: يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به. انتهى. ورواه الطبري في تاريخه: 2 / 83، وابن كثير في سيرته: 2 / 155

- وقال اليعقوبي في تاريخه: 2 / 35:

وكان رسول الله يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم شريف كل قوم، لايسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه، ويقول: لا أكره أحداً منكم، إنما أريد أن تمنعوني مما يراد بي من القتل، حتى أبلغ رسالات ربي، فلم يقبله أحد، وكانوا يقولون: قوم الرجل أعلم به! انتهى.

كذلك نصت المصادر على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب البيعة من الانصار، على حمايته وحماية أهل بيته مما يحمون أنفسهم وأهليهم ففي سيرة ابن هشام: 2 / 38: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، ودعا الى الله، ورغب في الإسلام ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. قال فأخذ البراء بن معرور بيده، ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق نبيا لنمعنك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر.

- ورواه في تاريخ الطبري: 2 / 92، وأسد الغابة: 1 / 174، وعيون الأثر: 1 / 217، وسيرة ابن كثير: 2 / 198، ورواه أحمد: 3 / 461، وقال عنه في مجمع الزوائد: 6 / 44: رواه أحمد والطبراني بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن اسحق وقد صرح بالسماع. ورواه في كنز العمال: 1 / 328، و 8 / 29

* *

١٣٣

الى هنا يتسق الموضوع فقد طلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحماية لتبليغ رسالة ربه على سنة الله تعالى في من مضى من الأنبياء عليهم‌السلام وحصل عليها من الأنصار، ونصره الله تعالى وهزم أعداءه من المشركين واليهود، وشملت دولته شبه الجزيرة العربية واليمن والبحرين وساحل الخليج، وامتدت الى أطراف الشام، وصار جيش الإسلام يهدد الروم في الشام وفلسطين وها هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السنة العاشرة يودع المسلمين في حجة الوداع، ويتلقى سورة المائدة ويتلقى فيها آية تأمره بالتبليغ وتطمئنه بالعصمة من الناس!!

فما عدا مما بدا، حتى نزل الأمر بالتبليغ في آخر التبليغ، وصار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآن وهو قائد الدولة القوية، بحاجة الى حماية وعصمة من الناس!!

إن الباحث ملزمٌ هنا أن يستبعد حاجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الحماية المادية، لأن الله تعالى أراد أن تجري بالأسباب الطبيعية، ووفرها على أحسن وجه فلا بد أن تكون العصمة في الآية من نوع الحماية المعنوية.

والباحث ملزمٌ ثانياً، أن يفسر الأمر بالتبليغ في الآية بأنه تبليغُ موضوعٍ ثقيلٍ على الناس وأن يفسر الناس الذين يثقل عليهم ذلك بالمنافقين من المسلمين، لأنه لم يبق أمرٌ ثقيلٌ على الكفار إلا وبلغه لهم، كما أنه لم يبلغهم أمراً بارزاً بعد نزول الآية.

وبهذا لا يبقى معنى للعصمة النازلة من عند الله تعالى، إلا العصمة من الطعن في نبوته، إذا بلغهم أن الحكم من بعده في أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فبذلك فقط يتسق معنى الآية ويكون معناها:

يأيها الرسول : إنما أنت رسول مبلغ، ولست مسؤولاً عن النتيجة وما يحدث، بل هو من اختصاص ربك تعالى.

بلغ ما أنزل اليك من ربك : وأمرك به جبرئيل في علي، وحاولت تبليغه مرات في حجة الوداع، فشوش المنافقون عليك.

١٣٤

وإن لم تفعل فما بلغت رسالته : ولم تكمل إقامة الحجة لربك، لأن ولاية عترتك ليست أمراً شخصياً يخصك، وإن ظنه المنافقون كذلك، بل هي جزءٌ لا يتجزأ من هذه الرسالة الخاتمة الموحدة، وإذا انتفى الجزء انتفى الكل.

والله يعصمك من الناس : من طعن قريش بنبوتك بسبب هذا التبليغ، وإن كان ثقيلاً عليها فسوف يمنعها الله أن ترفض نبوتك بسببه وسوف تمر المسألة بسلام ولا يكون تشويش عليك في التبليغ ولا ردة وبذلك تكون بلغت عن ربك، وأتممت له الحجة على أمتك ولكن علياً سوف يحتاج الى قتالها على تأويل القرآن كما قاتلتها أنت على تنزيله!

إن الله لا يهدي القوم الكافرين : الذين يظلمون عترتك من بعدك، ويظلمون الأمة بذلك، ويبدلون نعمة الله كفراً، ويحلون الأمة دار البوار!

* *

١٣٥

١٣٦

البحث الخامس

قريش هي السبب في حاجة نبينا صلى الله عليه وآله الى عصمة إضافية

تدل الآية الكريمة والنصوص العديدة على أن تبليغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرسالة ربه في عترته عليهم‌السلام كان من شأنه أن يحدث زلزلة في الأمة وتهديداً لنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

فما هو السبب، وما هي الظروف التي كانت قائمة؟!

إن مصدر الخطر على ترتيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمر الخلافة من بعده، كان محصوراً في قريش وحدها فلا قبائل العرب غير قريش، ولا اليهود، ولا النصارى يستطيعون التدخل في هذا الموضوع الداخلي وإعطاء الرأي فيه، فضلاً عن عرقلة تبليغه أو تنفيذه!

والظاهر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان آيساً من إمكانية تنفيذ هذا الموضوع، بدليل أنه كان يخشى ظهور الردة من مجرد تبليغه بشكل صريح ورسمي!!

والسبب في ذلك طبيعة قريش وتركيبتها القبلية!

قريش منجم الفراعنة

زعماء قريش الذين واجهوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إذا صحت أنسابهم الى إسماعيل عليه‌السلام - فإنهم يكونون ذرية إسماعيل الفاسدة، وقد جمعوا بين صفات اليهود المعقدة من أبناء عمهم إسحاق، وبين غطرسة رؤساء القبائل الصحراوية الخشنة!

١٣٧

وقريش، باستثناء بني هاشم والقليل القليل من غيرهم، منجماً للتكبر! فقد حكم الله سبحانه على زعمائها بأنهم فراعنة تماماً، بالجمع لا بالمفرد، فقال تعالى: إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهدا عليكم كما أرسلنا الى فرعون رسولا. فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلا . المزمل - 15 - 16

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عدد منهم لما وقف على قتلى بدر:

جزاكم الله من عصابة شراً! لقد كذبتموني صادقاً وخونتموني أميناً.

ثم التفت الى أبي جهل بن هشام، فقال: إن هذا أعتى على الله من فرعون! إن فرعون لما أيقن بالهلاك وحِّدَ الله، وهذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزى!!

( حلية الأبرار: 1 / 127، أمالي الطوسي: 1 / 316، وعنه البحار: 19 / 272 ح 11 وكذا في مجمع الزوائد: 6 / 91 ) .

- وروى ابن هشام في: 1 / 207 قول أبي جهل:

تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبيٌّ يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه! والله لا نؤمن به أبداً، ولا نصدقه! انتهى. ورواه في عيون الأثر: 1 / 146، وابن كثير في سيرته: 1 / 506.

- وفي تفسير القمي: 1 / 276

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقريش: إن الله بعثني أن أقتل جميع ملوك الدنيا وأجرَّ الملك اليكم، فأجيبوني الى ما أدعوكم اليه تملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم، وتكونوا ملوكاً في الجنة. فقال أبو جهل: اللهم إن كان هذا الذي يقوله محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتنا بعذاب أليم، حسداً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال: كنا وبنو هاشم كفرسي رهان، نحمل إذا حملوا، ونطعن إذا طعنوا، ونوقد إذا أوقدوا، فلما استوى بنا وبهم الركب، قال قائل منهم: منا نبي! لا نرضى بذلك أن يكون في بني هاشم، ولا يكون في بني مخزوم!!

١٣٨

- وقال الأبشيهي في المستطرف: 1 / 58

قال معاوية لرجل من اليمن: ما كان أجهل قومك حين ملكوا عليهم أمرأة! فقال: أجهلُ من قومي قومك الذين قالوا حين دعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم إن كان هذا الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، ولم يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فاهدنا اليه.

- وقال البياضي في الصراط المستقيم: 3 / 49

قال معاوية: فضل الله قريشاً بثلاث: وأنذر عشيرتك الأقربين، ونحن الأقربون. وإنه لذكرٌ لك ولقومك، ونحن قومه. لإيلاف قريش، ونحن قريش.

فقال رجلٌ أنصاري: على رسلك يا معاوية، قال الله: وكذب به قومك، وأنت من قومه. إذا قومك عنه يصدون، وأنت من قومه. إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا، وأنت من قومه!! فهذه ثلاثٌ بثلاث، ولو زدتنا لزدناك!! فأفهمه. انتهى.

وفرعون وقومه عندما أخذهم الله بالسنين، طلبوا من موسى عليه‌السلام أن يدعو لهم ربه ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا ربه على قريش فأخذهم الله بالسنين، وأصيبوا بالفقر والقحط، حتى أكلوا العلهز وما استكانوا لربهم وما يتضرعون!!

- قال الحاكم في المستدرك: 2 / 394

عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم، قد أكلنا العلهز! يعني الوبر والدم، فأنزل الله عز وجل: ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. انتهى.

ولكن أتباع الخلافة الأموية لا يعجبهم هذا الحديث، ولا يفسرون به الآية، ويقولون إن القرشيين خضعوا لربهم وتضرعوا، ودعا لهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! فانظرالى ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية: 6 / 101.

١٣٩

لما دعا على قريش حين استعصت أن يسلط الله عليها سبعاً كسبع يوسف، فأصابتهم سنة حصدت كل شيء، حتى أكلوا العظام والكلاب والعلهز. ثم أتى أبو سفيان يشفع عنده في أن يدعو الله لهم، فدعا لهم فرفع ذلك عنهم!!. انتهى.

ومشكلة ابن كثير أنه يحب رائحة أبي سفيان، وإلا فهو مؤلفٌ في السيرة، يعرف أن مجيء أبي سفيان كان بعد أن أشفق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حالة قريش، وأرسل اليهم بأحمال من المواد الغذائية وبعض الأموال، لعلهم يستكينوا لله تعالى ويؤمنوا به وبرسوله، فاغتنموا لفتة القلب النبوي الرحيم، وبعثوا أبا سفيان بمشروع ( صلح ) مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نوع مشاريع السلام الإسرائيلية في عصرنا، فرفضه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذهب أبو سفيان الى علي وفاطمة عليهما‌السلام يرجوهما التوسط الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يقبلا، وعرض عليهم أن يكون هذا ( الصلح ) باسم الحسن والحسين عليهما‌السلام حتى يكون فخراً لهما في العرب، فقالا: إنا لا نجير أحداً على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

- قال في معجم البلدان: 3 / 458

والعلهز: دم القراد والوبر، يلبك ويشوى ويؤكل في الجدب! وقال آخرون: العلهز دم يابس يدق مع أوبار الإبل في المجاعات. وأنشد بعضهم:

وإن قرى قحطان قرفٌ وعلهزٌ

فأقبح بهذا ويحَ نفسك من فعلِ!

قبائل قريش

وكانت قريش أكثر من عشرين قبيلة منها:

بنو هاشم بن عبد مناف

بنو أمية بن عبد شمس

بنو عبد الدار بن قصي

بنو مخزوم بن يقظة بن مرة

بنو زهرة بن كلاب

بنو أسد بن عبد العزى

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553