المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116780 / تحميل: 7656
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

[الخاصة(١) لتحقيق ما يحتمل المخالفة والموافقة في الاستقبال، والقيد الاخير مستدرك، لان احتمال المخالفة تغني عنه لوجوب الماضي وخروجه عن حد الاحتمال. والاصل في اليمين الكتاب والسنة والاجماع.

قال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان)(٢) فاخبر انه لا يؤاخذ بلغو اليمين، وهو ان يسبق لسانه بغير عقيدة قلبه، واخبر انه يؤاخذ بما عقده وحلف به معتقدا.

وقال تعالى: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم)(٣) .

وروى ابن عباس ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: والله لاغزون قريشا والله لاغزون قريشا والله لاغزون قريش(٤) وفي بعضها ثم قال: ان شاء الله(٥) .

وروي انهعليه‌السلام كان كثيرا ما يحلف بهذا اليمين (ومقلب القلوب)(٦) .

وروى ابوامامة المازنى واسمه اياس بن ثعلبة ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من اقتطع مال امرء مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة واوجب له النار قيل: وان كان شيئا يسيرا؟ ! قال: وان كان سواكا(٧) ].

____________________

(١)اللمعة الدمشقية: ج ٣ ص ٤٨ س ٧ قال: واليمين الحلف بالله إلى قوله: او باسمه.

(٢)سورة المائدة / ٨٩.

(٣)سورة آل عمران / ٧٧.

(٤)و(٥) لاحظ عوالي اللئالي: ج ٣ س ٤٤٣ باب الايمان الحديث ١ وما علق عليه، ورواه في المبسوط: ج ٦ س ١٩١ س ١٠.

(٦)لاحظ عوالي اللئالي: ج ٣ س ٤٤٣ باب الايمان الحديث ٢ وما علق عليه. والظاهر ان كلمة (والابصار) في عوالي اللئالي زائد من النساخ. ورواه في المبسوط: ج ٦ س ١٩١ س ١٢.

(٧)لاحظ عوالي اللئالى: ج ٣ س ٤٤٣ باب الايمان الحديث ٣ وما علق عليه من جامع الاصول.

١٠١

[واجمعت الامة على انعقاد الايمان بشروطها.

تذنيب: يكره اليمين بغير الله

يكره اليمين بغير الله من المخلوقات: كالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والكعبة، والابوين.

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: من كان حالفا فليحلف بالله او ليذر(١) .

وروى محمد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام : ليس لخلقه ان يقسموا الا به(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تحلفوا بآبائكم ولا بالانداد، ولا تحلفوا الا بالله، لا تحلفوا بالله الا وانتم صادقون(٣) .

وروى انهعليه‌السلام سمع عمر بن الخطاب يحلف بابيه، فقالعليه‌السلام : ان الله ينهاكم ان تحلفوا بابائكم(٤) .

وعنهعليه‌السلام : من حلف بغير الله فقد أشرك، وفي بعضها فقد كفر بالله(٥) .

وقيل في تاويل الشرك وجهان:]

____________________

ورواه في المبسوط: ج ٦ س ١٤.

(١)عوالي للئالي: ج ٣ باب الايمان ص ٤٤٤ الحديث ٤ ولاحظ ما علق عليه.

(٢)الكافي: ج ٧ كتاب الايمان والنذور والكافرات، باب انه لا يجوز ان يحلف الانسان الا بالله عزوجل ص ٤٤٩ قطعة من حديث ١.

(٣)و(٤) عوالي اللئالي: ج ٣ باب الايمان ٤٤٤ الحديث ٦ و ٧ ولاحظ ما علق عليه.

ورواهما في المبسوط: ج ٦ ص ١٩١ س ١٩ س و ٢١.

(٥)عوالى اللئالي: ج ٣ باب الايمان ص ٤٤٤ الحديث ٨ و ٩ ولاحظ ما علق عليهما.

ورواه في المبسوط: ج ٦ ص ١٩٢ س ٣.

١٠٢

وينعقد لو قال: حلفت برب المصحف.

ولو قال: هو يهودي او نصراني، او حلف بالبراء‌ة من الله أو رسوله او الائمة لم يكن يمينا.

والاستثناء بالمشيئة في اليمين يمنعها الانعقاد اذا اتصل بما جرت العادة، ولو تراخى عن ذلك عن غير عذر لزمت اليمين.

[احدهما الشرك الحقيقي اذا اعتقد تعظيم ما يحلف به ويعتقد انها كاليمين بالله سبحانه، ومن اعتقد هذا فقد كفر. والثاني معنى أشرك أي شارك في اليمين حيث حلف بغير الله كما يحلف بالله تعالى، وهذا لا يقتضي تكفيره.

وأما قوله: (كفر) فلا تأويل له، ويحمل على المعنى الاول من التاويلين المذكورين، ولا تجب الكفارة بالحنث فيها لكن يأثم(١) .

وقال ابوعلي: لا بأس بالحلف بما عظم الله قدره من الحقوق، كقوله: وحق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحق القران(٢) ويحرم بالبراء‌ة من الله او من رسوله، او احد من الائمةعليهم‌السلام .

واوجب الشيخان الكفارة بالحنث(٣)(٤) والتقي بمجرد القول اذا لم يعلقه على شرط(٥) ونفاه ابن ادريس مطلقا(٦) ].

____________________

(١)المبسوط: ج ٦ كتاب الايمان ص ١٩٢ س ٥ ثم قال: فمتى خالف وحلف حنث بها فلا كفارة عليه بلا خلاف.

(٢)المختلف: ج ٢ كتاب الايمان وتوابعها ص ٧٩ س ٧ قال: وقال ابن الجنيد إلى ان قال: ولا باس ان يحلف الانسان بما عظم الله الخ.

(٣)المقنعة: باب الايمان والاقسام ص ٨٦ س ٣٧ قال: ولا يجوز اليمين بالبراء‌ة إلى قوله: ومن حلف بشئ من ذلك ثم حنث كان عليه كفارة ظهار.

(٤)النهاية: باب الكفارات ص ٥٧٠ س ١١ قال: ومن حلف بالبراء‌ة من الله إلى قوله: كان عليه كفارة ظهار الخ.

(٥)الكافي: فصل في الايمان ص ٢٢٩ س ١٢ قال: وقول القائل: هو برئ من الله إلى قوله: مطلقا مختارا إلى قوله: وكفارة ظهار.

(٦)السرائر: كتاب الايمان والنذور والكفارات ص ٣٥٢ س ٢٣ قال: وتعليق الكفارة عليها يحتاج إلى دليل الخ.

١٠٣

وفيه رواية بجواز الاستثناء إلى اربعين وهي متروكة.

[واختاره المصنف(١) والعلامة(٢) .

قال طاب ثراه: وفيه رواية بجواز الاستثناء إلى اربعين يوما، وهي متروكة أقول: هنا بحثان.

(الاول) جواز الاستثناء في اليمين بمشية الله تعالى، وهو اجماع، وقد استثنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يمينه (والله لاغزون قريشا)(٣) وكذلك عليعليه‌السلام في صفين (والله لنقتلنهم غدا ان شاء الله)(٤) لكن بشرط الاتصال العادي، فلو فصل بالتنفس والسعال وابتلاع اللقمة وقذف النخامة بحيث لا يخرج عن الاتصال، لم تضر، ولو تراخى لا كذلك حكم باليمين. وأما الاستثناء عملا بعادة اللغة واهل اللسان، فانهم لا يلحقون الاستثناء المنفصل بالاول، بل يلغونه.

ولقولهعليه‌السلام : من حلف على شئ ورأى خيرا، فليكفر وليأت الذي هو خير(٥) رواه الجمهور وفيه بحث. ولو جاز الاستثناء المنفصل لارشد اليه، وهو المشهور، قاله الشيخ وجماعة من الاصحاب(٦) واختاره المصنف(٧) والعلامة(٨) ].

____________________

(١)لاحظ عبارة النافع.

(٢)القواعد: ج ٢ كتاب الايمان ص ١٣٠ س ٤ قال: او بالبراء‌ة من الله تعالى إلى قوله: لم تنعقد.

(٣)سنن أبي داود: ج ٣، كتاب الايمان والنذور، باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت ص ٢٣١ الحديث ٣٢٨٥ و ٣٢٨٦ ولاحظ عوالي اللئالي: ج ٣ باب الايمان ص ٤٤٢ الحديث ١ وما علق عليه. ورواه في المبسوط: ج ٦ كتاب الايمان ص ١٩١ س ٩.

(٤)الكافي: ج ٧ باب النوادر ص ٤٦٠ قطعة من حديث ١ وفيه (والله لاقتلن معاوية).

(٥)لاحظ عوالي اللئالي: ج ٣ باب الايمان ص ٤٤٥ الحديث ١٠ وما علق عليه.

(٦)كتاب الخلاف: كتاب الايمان، مسألة ٢٨ قال: لا حكم للاستثناء الا اذا كان متصلا بالكلام إلى قوله: وبه قال جميع الفقهاء.

(٧)لاحظ عبارة النافع.

(٨)المختلف: ج ٢ كتاب الايمان ص ١٠٣ س ٢٢ قال: (مسألة) شرط الاستثناء الاتصال إلى قوله: ولو مكث ساعة ثم استثنى لم يقبل.

١٠٤

[وروى الصدوق (في الصحيح) عن عبدالله بن ميمون عن الصادقعليه‌السلام قال: للعبد ان يستثني ما بينه وبين اربعين يوما اذا نسي: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه ناس من اليهود فسألوه عن أشياء فقال: تعالوا دا أحدثكم ولم يستثن فاحتبس جبرئيلعليه‌السلام عنه اربعين يوما، ثم اتاه فقال: (ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله واذكر ربك اذا نسيت)(١)(٢) .

واجاب العلامة: بحملها على ما اذا حلف وفي ضميره الاستثناء ونسيه لفظا، فجاز له استدراكه، ولا حد له حينئذ، والتقييد في الحديث بالاربعين للمبالغة(٣) .

(الثاني) هل يشترط التلفظ بالاستثناء، او يكقي الاعتقاد والنية؟ قيل فيه: ثلاثة اقوال.

(أ) عدم الاكتفاء بالنية وان اقترنت باليمين، بل لابد من التلفظ قاله الشيخ في المبسوط(٤) واختاره ابن ادريس(٥) وهو اختيار العلامة في القواعد(٦) والارشاد(٧) ].

____________________

(١)سورة الكهف / ٢٣.

(٢)الفقيه: ج ٣(٩٨) باب الايمان والنذور والكفارات ص ٢٢٩ الحديث ١٢.

(٣)المختلف: ج ٢ في احكام اليمين ص ١٠٣ س ٢٨ قال: والجواب إلى قوله: فالحالف اذا حلف على شئ وفي ضميره الاستثناء لم يقصد العموم في يمينه الخ.

(٤)المبسوط: ج ٦، كتاب الايمان ص ٢٠٠ س ١٤ قال: فانما يصح قولا ونطقا، ولا تصح اعتقادا ونية.

(٥)السرائر: كتاب الايمان ص ٣٥٢ س ٣٧ قال: فاذا ثبت انه لا يصح الا موصولا، فانما يصح قولا ونطقا ولا يصح اعتقادا ونية.

(٦)القواعد: ج ٢ كتاب الايمان ص ١٣٠ س ٨ قال: والاستثناء بمشية الله إلى قوله: وكذا يقع لاغيا لو نواه من غير نطق به.

(٧)الارشاد: ج ٢ (الاول في نفس اليمين) ص ٨٤ س ١٤ قال: وكذا (أي لم ينعقد) لو استثنى بالنية دون اللفظ.

١٠٥

(النظر الثاني) الحالف

ويعتبر فيه البلوغ، والتكليف، والاختيار، والقصد. فلو حلف من غير نية كانت لغوا، ولو كان اللفظ صريحا. ولا يمين للسكران، ولا المكره، ولا الغضبان الا ان يكون لاحدهم قصد إلى اليمين. وتصح اليمين من الكافر، وفي الخلاف لا يصح. ولا ينعقد يمين

[(ب) الاكتفاء بالضمير والاعتقاد قاله العلامة(١) لان المعتبر في الايمان انما هو بالنسبة إلى النية والضمير واذا استثنى سرا لم ينو شمول النية لما استثناه، فلا يندرج في الحلف.

(ج) من حلف علانية فليستثن علانية، ومن حلف سرا فليستثن مثل ذلك قاله الشيخ في النهاية(٢) .

ورواه الصدوق قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من حلف سرا فليستثن سرا، ومن حلف علانية فليستثن علانية(٣) . واجاب العلامة بان الامر هنا للارشاد، لئلا تتهم بمخالفة اليمين ويحكم عليه بارتكاب المحارم(٤) . وهو حسن.

قال طاب ثراه: وتصح اليمين من الكافر، وفي الخلاف لا يصح.

أقول: منع الشيخ في الخلاف من يمين الكافر، لكونه غير عارف بالله، ولتعذر]

____________________

(١)المختلف: ج ٢ كتاب الايمان ص ١٠٣ س ٣٣ قال: والوجه صحة الاستثناء سرا وضميرا وان حلف علانية.

(٢)النهاية: باب ماهية الايمان والاقسام ص ٥٥٦ س ١٥ قال: واذا حلف علانية فليستثن علانية، واذا حلف سرا فليستثن مثل ذلك.

(٣)الفقيه: ج ٣(٩٨) باب الايمان والنذر والكفارات ص ٢٣٣ الحديث ٢٩.

(٤)المختلف: ج ٢ كتاب الايمان ص ١٠٣ س ٣٥ قال: وانما أمرعليه‌السلام بالاستثناء علانية مع الحلف بذلك على سبيل الارشاد.

١٠٦

الولد مع الوالد الا باذنه، ولو بادر كان للوالد حلها ان لم تكن في واجب او ترك محرم، وكذا الزوجة مع زوجها، والمملوك مع مولاه.

(النظر الثالث) في متعلق اليمين

ولا يمين الا مع العلم، ولا يجب بالغموس كفارة، وتنعقد لو حلف على فعل واجب او مندوب، او على ترك محرم او مكروه.ولا ينعقد لو حلف على ترك فعل واجب او مندوب او فعل محرم او مكروه.

ولو حلف على مباح وكان الاولى مخالفته في دينه او دنياه فليأت لما هو خير له، ولا اثم ولا كفارة.

واذا تساوى فعل ما تعلقت به اليمين وتركه وجب العمل بمقتضى اليمين.ولو حلف لزوجته الا يتزوج او يتسرى لم تنعقد يمينه.وكذا لو حلفت هي ان لا تتزوج بعده.وكذا لو حلفت ان لا تخرج معه.ولا تنعقد لو قال لغيره: والله لتفعلن، ولا يلزم احدهما.وكذا لو حلف لغريمه على الاقامة بالبلد وخشي مع الاقامة الضرر.وكذا لو حلف ليضربن عبده، فالعفو أفضل ولا إثم ولا كفارة.ولو حلف على ممكن فتجدد العجز انحلت اليمين.ولو حلف على تخليص مؤمن او دفع اذية لم يأثم ولو كان كاذبا، وان أحسن التورية ورى، ومن هذا لو وهب له مالا وكتب له ابتياع وقبض ثمن فينازعه الوارث على تسليم الثمن حلف ولا اثم، ويوري بما يخرجه عن الكذب.وكذا لو حلف أن مماليكه أحرار وقصد التخلص من ظالم، لم يأثم ولم يتحرروا.ويكره الحلف على القليل وان كان صادقا.

[اللازم الذي هو الغاية من انعقادها، وهو التكفير(١) ثم تردد وجزم في المبسوط]

____________________

(١)كتاب الخلاف: كتاب الايمان، مسألة ٩ قال: لا تنعقد يمين الكافر بالله ثم قال: وقال الشافعي تنعقد، واستدل بالظواهر وحملها على عمومها، ثم قال: وهو قوى.

١٠٧

(مسألتان)

(الاولى) روى ابن عطية فيمن حلف ان لا يشرب من لبن عنزة له، ولا يأكل من لحمها: انه يحرم لبن اولادها ولحومهم، لانهم منها وفي الرواية ضعف، وقال في النهاية: ان شرب لحاجة لم يكن عليه شئ، والتقييد حسن.

[بالجواز(١) واختاره المصنف(٢) وجزم ابن ادريس بالمنع(٣) وفصل العلامة فأجازها ممن لم يجحد الرب ومنعها منه(٤) ، وتظهر الفائدة في اسلامه قبل الحنث، فان قلنا بانعقادها كفر لو خالف، وان قلنا بعدمه فلا كفارة. وفي العقاب في الاخرة لو مات على كفره، اما لو اسلم بعد الحنث فلا كفارة عليه اجماعا، لعموم: الاسلام يجب ما قبله(٥) .

قال طاب ثراه: وروى ابن عطية إلى اخره.

أقول: هذه رواها الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد، عن سهل بن الحسن مرفوعا إلى عيسى بن عطية عن أبي جعفرعليه‌السلام الحديث(٦) وسهل بن الحسن وابن عطية مجهولان، وافتى بها الشيخ في النهاية وقيدها بعدم الحاجة(٧) ].

____________________

(١)المبسوط: ج ٦: كتاب الايمان ج ١٩٤ س ٢٢ قال: الكافر يصح يمينه بالله في حال كفره الخ.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

(٣)السرائر: كتاب الايمان والنذور والكفارات ص ٣٥٤ س ٢٣ قال: لا ينعقد يمين الكافر بالله الخ.

(٤)المختلف: ج ٢ ص ٩٨ س ٣٩ قال: والمعتمد ان نقول: إن كان الكفر باعتبار جهله بالله تعالى إلى قوله: فهذا لا ينعقد يمينه الخ.

(٥)سند احمد بن حنبل: ج ٤ ص ١٩٩ وص ٢٠٤ وص ٢٠٥ والجامع الصغير للسيوطى ج ١ ص ١٢٣ حرف الهمزة المحلى بال، وكنوز الحقائق للمناوي في هامش الجامع الصغير ج ١ ص ٩٥ نقلا عن الطبراني.

(٦)التهذيب: ج ٨(١) باب الايمان واقسامه ص ٢٩٧ الحديث ٧٤.

(٧)النهاية: باب اقسام الايمان ص ٥٦٠ س ١٩ قال: ومن حلف ان لا يشرب من لبن عنز له إلى

١٠٨

(الثانية) روى ابوبصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل اعجبته جارية عمته فخاف الاثم فحلف بالايمان ألا يمسها ابدا، فورث الجارية، أعليه جناح ان يطأها؟ فقال: انما حلف على الحرام، ولعل الله رحمه فورثه اياها لما علم من عفته.

[وفي سريان التحريم إلى لحوم اولادها والبانها، اشكال، اظهره العدم لاصالة الحل، خلافا لابي علي حيث حرم الجميع(١) .

قال طاب ثراه: وروى أبوبصير إلى اخره.

أقول: اورد المصنف هذه الرواية(٢) بيانا لسند الحكم لا لتردده فيها.

وفيها ايماء إلى أن اباحة وطئها بعد ذلك، وحل اليمين المتعلقة بتحريمها، انما كان لانه قصد الحرام، أي قصد في ظنه لا يمسها حراما، فلو حلف لا يطأها مطلقا، ولم يخطر بباله قصد الزجر عن الحرام تعلق التحريم بها، ولزمت اليمين، ويلزمها التكفير بوطئها، الا ان يعرض لليمين ما يوجب حلها، كأن يكون الوطئ أصلح].

____________________

قوله: ومن شرب لحاجة به لم يكن عليه شئ.

(١)المختلف: ج ٢ في احكام اليمين ص ٩٨ س ٢٠ قال: وقال ابن الجنيد ان لا ياكل لحم عنز إلى قوله: لم ياكل منهم ما انتجت ولا يشرب من لبنه.

(٢)التهذيب: ج ٨(٤) باب الايمان والاقسام ص ٣٠١ الحديث ١١٠.

١٠٩

١١٠

١١١

كتاب النذور والعهود (والنظر في امور اربعة) (النظر الاول) الناذر

ويعتبر فيه التكليف والاسلام والقصد.

ويشترط في نذر المرأة اذن الزوج، وكذا نذر المملوك، فلو بادر احدهما كان للزوج والمالك فسخه مالم يكن فعل واجب او ترك محرم.ولا ينعقد في سكر يرفع القصد، ولا غضب كذلك.

مقدمة

النذر التزام الكامل المسلم المختار القاصد، غير المحجور عليه، بفعل او ترك، بقوله، ناويا بالقربة.واحترزنا بالمحجور عليه عن المبذر، فلا ينعقد نذره للمال.

والاصل فيه: الكتاب والسنة والاجماع.

اما الكتاب: فقوله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون)(١) (وليوفوا نذورهم)(٢) ]

____________________

(١)سورة الدهر / ٧.

(٢)سورة الحج / ٢٩.

١١٢

[(وافوا بعهد الله اذا عاهدتم)(١) (وكان عهد الله مسئولا)(٢) .

واما السنة: فما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من نذر ان يطيع الله فليطعه، ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصيه(٣) .

وأما الاجماع: فمن ساير الامة لا يختلفون في صحة النذر ووجوب الوفاء به في الجملة.

تذنيب : اقسام النظر

النذر قسمان: نذر مجازات، ونذر بر.

فالاول: ما الزم الناذر به نفسه من طاعة يفعلها جزاء لشرط يتوقع حصوله، من جلب نفع، او دفع مكروه، فصار هنا شرط وجزاء، فالشرط ما طلب الناذر، والجزاء ما بذله والتزم به، فالشرط يعتبر فيه ان لا يكون معصية لقولهعليه‌السلام : لا نذر في معصية لله تعالى الحديث(٤) واتفق الكل على دلالة المفهوم هنا وثبوت النذر مع عدم المعصية، وان منع بعضهم منها، لكن لا هنا ولا فعل مكروه اجماعا. والجزاء يشترط فيه ان يكون طاعة مقدورا لقولهعليه‌السلام : لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن ادم(٥) واسقط عن أبي اسرائيل حيث نذر ان يصوم، ولا يقعد، ولا يستقل،]

____________________

(١)سورة النحل / ٩١(٢) سورة الاحزاب / ١٥.

(٣)سنن ابن ماجه: ج ١(١١) كتاب الكفارت(١٦) باب النذر في المعصية ص ٦٨٧ الحديث ٢١٢٦ وفي عوالي اللئالي ج ٢ ص ١٢٣ الحديث ٣٣٨ وج ٣ باب النذر ص ٤٤٨ الحديث ١.

(٤)سنن ابن ماجه ج ١(١١) كتاب الكفارات(١٦) باب النذر في المعصية ص ٦٨٦ الحديث ٢١٢٦ وليس فيه جملة (لله تعالى) وتمام الحديث (ولا فيما لا يملك ابن ادم).

(٥)تقدم آنفا.

١١٣

(النظر الثاني) الصيغة

وهي ان تكون شكرا، كقوله: ان رزقت ولدا فلله علي كذا، او استدفاعا، كقوله: ان برئ المريض فلله علي كذا، او زجرا، كقوله: ان فعلت كذا من المحرمات، او ان لم افعل كذا من الطاعات فلله على كذا، او تبرعا، كقوله: لله علي كذا. ولا ريب في انعقاده مع الشرط، وفي انعقاد التبرع قولان: اشبههما: الانعقاد.

[ولا يتكلم ما لا طاعة فيه، وامره بالتزام ما فيه طاعة فقالعليه‌السلام : مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه(١) .

(الثاني) ان يبتدئ بالنذر تبرعا من غير شرط وجزاء كقوله: لله على ان اصوم، او اصلى، وفي صحته قولان.

قال طاب ثراه: وفي انعقاد التبرع قولان: اشبههما الانعقاد.

أقول: مختار المصنف هو المشهور بين الاصحاب.

وهو اختيار الشيخ(٢) وابن ادريس(٣) واختاره المصنف(٤) والعلامة(٥) وقال المرتضى: لا ينعقد الا ما تعلق]

____________________

(١)سنن ابن ماجة: ج ١ كتاب الكفارات(٢١) باب من خلط في نذره طاعة بمعصية ص ٦٩٠ الحديث ٢١٣٦ وفيه ان رسول الله صلى الله عليه مر برجل بمكة وهو قائم في الشمس فقال: ماهذا؟ قالوا نذر الخ ورواه في عوالي اللئالي: ج ٣(٤٤٨) الحديث ٣ وفيه (اسمه ابواسرائيل).

(٢)كتاب الخلاف: كتاب النذور، مسألة ١ قال: اذا قال ابتداء لله على إلى قوله: ولم يجعله جزاء على غيره لزمه الوفاء به.

(٣)السرائر: باب النذور والعهود ص ٣٥٧ س ٦ قال: واما المطلق بان يقول: لله علي إلى قوله: فنحو هذا نذر طاعة ابتداء بغير جزاء فعندنا انه يلزمه.

(٤)لاحظ عبارة النافع.

وفي الشرائع: كتاب النذر، في الصيغة قال: والتبرع ان يقول: إلى قوله: والانعقاد اصح.

(٥)الانتصار: مسائل النذر ص ١٦٤ س ١ قال: ولو قال: لله علي إلى قوله من غير شرط يتعلق به لم ينعقد نذره.

١١٤

[بشرط(١) .

احتج الاولون بوجوه.

(الاول) صدق اسم النذر، لصحة تقسيم النذر إلى المطلق والمقيد، ومورد التقسيم مشترك بين الاقسام فيجب الوفاء به عملا بعموم (يوفون بالنذر)(٢) (واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم)(٣) (انى نذرت لك ما في بطني)(٤) . ولم يذكر الشرط في هذه الايات مع تسميته نذرا.

(الثاني) عموم قولهعليه‌السلام : من نذر ان يطيع الله فليطعه(٥) وصحيحة أبي الصباح عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن رجل قال: علي نذر انه قال: ليس النذر بشئ حتى يسمي شيئا لله صياما، او صدقة، او هديا، او حجا(٦) ولم يذكر التعليق ولو كان شرطا لزم تاخير البيان عن وقت السؤال، وهو محال لما تقرر في موضعه.

(الثالث) الاحتياط.

احتج السيد بان معنى النذر ما كان معلقا على شرط، وما لا يتعلق على شرط لا يستحق اسم النذر(٧) وبالاجماع. والثاني ممنوع، والاول عين النزاع فلا يصلح دليلا].

____________________

(١)لم نعثر عليه.

(٢)و(٣) تقدما.

(٤)سورة آل عمران / ٣٥.

(٥)سنن ابن ماجة: ج ١ كتاب الكفارات(١٦) باب النذر في المعصية ص ٦٨٧ الحديث ٢١٢٦ وتمام الحديث (ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصه).

(٦)التهذيب: ج ٨(٥) باب النذور ص ٣٠٣ الحديث ٢.

(٧)الانتصار: وفي مسائل النذر ص ١٦٤ س ٤ قال: دليلنا على صحة ذلك الاجماع، وايضا فان معنى لنذر في اللغة ان يكون متعلقا بشرط الخ.

١١٥

ويشترط النطق بلفظ الجلالة، فلو قال: علي كذا لم يلزم، ولو اعتقد انه ان كان كذا فلله عليه كذا، ولم يتلفظ بالجلالة، فقولان: اشبههما انه لا ينعقد، وان كان الاتيان به افضل. وصيغة العهد ان يقول: عاهدت الله متى كان كذا فعلي كذا، وينعقد نطقا.

[قال طاب ثراه: ولو اعتقد انه (متى خ) ان كان كذا فلله عليه كذا، ولم يلفظ بالجلالة فقولان: اشبههما انه لا ينعقد.

أقول: مذهب الشيخ في النهاية انعقاده بالضمير والاعتقاد(١) وتبعه القاضي(٢) وابن حمزة(٣) وهو ظاهر المفيد(٤) وقال ابوعلي: لا ينعقد الا بالتلفظ مع النيه(٥) وبه قال ابن ادريس(٦) واختاره المصنف(٧) والعلامة في اكثر كتبه(٨) وتوقف في]

____________________

(١)النهاية: باب ماهية النذور والعهود ص ٥٦٢ س ١٤ قال: ومتى اعتقد انه متى كان شئ إلى قوله: وجب عليه الوفاء به.

(٢)المهذب: ج ٢ باب النذور والعهود ص ٤٠٩ س ٢ قال: واذا لم يتلفظ بالنذر واعتقد انه ان كان كذا إلى قوله في الهامش: كان الوفاء بذلك واجبا عليه.

(٣)الوسيلة: فصل في بيان النذر ص ٣٥٠ س ٤ قال: وان نذر بالنية وحدها دون القول كان حكمه حكم من قال بلسانه.

(٤)المقنعة: باب النذور والعهود ص ٨٧ س ٥ قال: فاما نذر الطاعة فهو ان يعتقد الانسان انه ان عوفي في مرضه الخ.

(٥)المختلف: في النذور واحكامه ص ١٠٨ س ٢٣ فانه بعد نقل قول ابن ادريس بعدم الانعقاد الا باللفظ قال: وهو اختيار ابن الجنيد إلى ان قال: ونحن في هذه المسألة من المتوقفين.

(٦)السرائر: باب النذور والعهود ص ٣٥٨ س ٣٥ قال وقد قلنا ما عندنا في ذلك: من انه لا ينعقد الا ان يتلفظ به.

(٧)لاحظ عبارة النافع.

(٨)القواعد: ج ٢ في النذر ص ١٣٩ س ١٣ قال: ولو اعتقد النذر بالضمير لم ينعقد.

وفي التحرير ينعقد نذره.

١١٦

وفي انعقاده اعتقادا قولان: اشبههما انه لا ينعقد ويشترط فيه القصد كالنذر.

(النظر الثالث) في متعلق النذر

وضابطه ما كان طاعة لله مقدورا للناذر، ولا ينعقد مع العجز. ويسقط لو تجدد العجز. والسبب اذا كان طاعة لله وكان النذر شكرا لزم. ولو كان زجرا لم يلزم. وبالعكس لو كان السبب

[المختلف(١) .

احتج الشيخ بعموم قولهعليه‌السلام : انما الاعمال بالنيات، انما لكل امرئ ما نوى(٢) واذا انتفى العمل عند انتفاء النية، وجب ان يتحقق عند تحققها. ولان المناط في العبادات اللفظية الاعتقاد وهو هنا حاصل، واللفظي انما هو لاعلام الغير ما في الضمير والله تعالى عالم بسرائر القلوب، فيتحقق عقد النذر بعقد الضمير عليه وان لم يوجد لفظ، ولقوله تعالى (وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله)(٣) .

احتج الباقون: بان الانعقاد حكم شرعي، فيقف على الشرع، وليس، والاصل براء‌ة الذمة. ولان النذر ايقاع فلا يكفي فيه مجرد النية كاليمين والعتق. ولانه من الاسباب ولا يجزي على ما في القلوب، بل لابد من ظهورها.

قال طاب ثراه: وفي انعقاده (أي العهد) اعتقادا قولان: اشبههما انه لا ينعقد.

أقول: الخلاف في العهد كالنذر، والمخالف فيه ثمة مخالف هنا.

قال طاب ثراه: والسبب اذا كان طاعة والنذر شكرا لزم، ولو كان زجرا لم]

____________________

(١)تقدم آنفا.

(٢)التهذيب: ج ٤(٤٤) باب نية الصيام ص ١٨٦ الحديث ١ و ٢ وفي الامالي للطوسي ج ٢ (مجلس يوم الجمعة ٢١ ع ٢ عام ٤٥٧) ص ٢٣١ س ٩ وفي صحيح البخاري، ج ١ باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الحديث ١.

(٣)سورة البقرة / ٢٨٤.

١١٧

معصية، ولا ينعقد لو قال: لله علي نذر واقتصر به.

وينعقد لو قال: لله علي قربة، ويبر بفعل قربة، ولو صوم يوم، او صلاة ركعتين. ولو نذر صوم، صام ستة اشهر. ولو قال: زمانا، صام خمسة اشهر. ولو نذر الصدقة بمال كثير، كان ثمانين درهما. ولو نذر عتق كل عبد قديم، اعتق من كان له في ملكه ستة اشهر فصاعدا، هذا إذا لم ينو غيره. ومن نذر في سبيل الله، صرفه في البر. ولو نذر الصدقة بما يملك، لزم، فان شق قومه واخرج شيئا فشيئا حتى يوفي.

[يلزم، وبالعكس لو كان السبب معصية.

أقول: اشار المصنف هنا إلى اقسام النذر المشروط، وينقسم إلى اربعة اقسام، لان السب انما يكون طاعة او معصية وعلى التقديرين النذر، أي الجزاء، اما ان يكون شكرا او زجرا، فالاقسام اربعة:

(أ) أن يكون السبب طاعة والنذر شكرا، كقوله: ان صليت الليلة، او ان صمت غدا، فلله علي صدقة فيقصد بالتزام الصدقة، الشكر لله على التوفيق للقيام والصيام، فينعقد قطعا.

(ب) ان يكون السبب طاعة والنذر زجرا، كقوله: ان صمت غدا فلله علي صدقة، فيقصد الزجر بالتزام الصدقة، أي منع النفس وزجرها عن الصيام كيلا يلزمه الصدقة، وهذا لا ينعقد، لانه معصية.

(ج) ان يكون السبب معصية والنذر طاعة، كقوله: ان فعلت كذا من المحرمات فعلي صدقة، ويقصد الشكر، أي يقصد بالتزام الصدقة الشكر على التوفيق والظفر بالمعصية، وهذا لا ينعقد لعدم التقرب به.

(د) ان يكون السبب معصية والنذر طاعة، ويقصد الزجر كقوله: ان فعلت كذا من المحرمات فلله علي صدقة، ويقصد منع نفسه وزجرها عن فعل المحرم بمحذور

١١٨

(النظر الرابع) اللواحق

وهي مسائل : (الاولى) لو نذر يوما معينا، فاتفق له السفر افطر وقضاه، وكذا لو مرض، او حاضت المرأة، أو نفست. ولو شرط صومه حضرا وسفرا، صام، وان اتفق في السفر، ولو اتفق يوم عيد افطره، وفي القضاء تردد.

[لزوم الصدقة، وهذا ينعقد قطعا. فقد ظهر من هذا. كون السبب اذا كان طاعة وجب كون النذر شكرا. ولو كان معصية وجب كونه زجرا، ولا يصح العكس في القسمين.

قال طاب ثراه: ولو اتفق يوم عيد افطره، وفي القضاء تردد.

أقول: بالقضاء قال الشيخ في النهاية(١) والمبسوط(٢) وبه قال الصدوق(٣) وابن حمزة(٤) .

وبعدمه قال القاضي(٥) وابن ادريس(٦) والعلامة في القواعد(٧) واختاره فخر]

____________________

(١)النهاية: باب اقسام النذور والعهود ص ٥٦٥ س ٣ قال: ومتى وجب عليه صيام نذر إلى قوله: او اتفق ان يكون يوم العيدين وجب عليه ان يفطر ذلك اليوم ويقضيه الخ.

(٢)المبسوط: ج ١ فصل في ذكر اقسام الصوم ص ٢٨١ س ٤ قال: فان وافق الصوم احد هذه الاوقات افطر وقضى يوما مكانه.

(٣)المقنع: باب النذور والايمان والكفارات ص ١٣٧ س ١٥ قال: فان نذر ان يصوم يوما بعينه فوافق يوم عيد فطر او اضحى إلى قوله: ويصوم يوما بدل يوم.

(٤)الوسيلة: فصل في بيان النذر ص ٣٥٠ س ١١ قال: وان نذر يوما بعينه، واتفق ان يكون يوم عيد إلى قوله: افطر وقضى.

(٥)المهذب: ج ٢ باب النذور والعهود ص ٤١١ س ٢ قال: فوافق ان يكون ذلك يوم العيدين وجب عليه افطاره وليس عليه قضاء‌ه.

(٦)السرائر: باب النذور والعهود ص ٣٥٧ س ١٩ قال: والصحيح من المذهب إلى قوله: لا يجب عليه القضاء.

(٧)القواعد: ج ٢، في النذر ص ١٤٠ س ١٨ قال: ولو نذر صوم هذه السنة لم يجب قضاء العيدين.

١١٩

ولو عجز عن صومه أصلا، قيل: يسقط، وفي رواية يتصدق عنه بمد.

(الثانية) مالم يعين بوقت يلزم الذمة مطلقا، وما قيد بوقت يلزمه فيه، ولو اخل لزمته كفارة [المحققين(١) لان شرط صحة النذر قبول الزمان للصوم، وكلما لا يصح صومه شرعا لا يدخل تحت النذر. وباصالة البراء‌ة.احتج الشيخ بالاحتياط. وبرواية علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام رجل نذر ان يصوم يوم الجمعة دائما فوافى ذلك اليوم يوم عيد فطر او اضحى، هل عليه صوم ذلك اليوم، او قضاء‌ه؟ ام كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه قد وضع الله الصيام في هذه الايام كلها ويصوم يوما بدل يوم ان شاء الله(٢) . وحمل على الاستحباب لانه لو كان واجبا لم يعلقه على المشية بلفظة (ان) المحتملة، لا المحققة، قيل: بل للتبرك.

واجيب: بان الاصل في الاطلاق الحقيقة، وفيه دخل: لان المندوب شاء‌ه الله ايضا، لكونه مطلوبا للشارع(٣) .

قال طاب ثراه: ولو عجز عن صومه اصلا، قيل: يسقط: وفي رواية يتصدق عنه بمد.

أقول: يريد لو عجز عن يوم نذر صومه هل يسقط لا إلى بدل، ام لا؟ قيل فيه ثلاثة أقوال:]

____________________

(١)الايضاح: ج ٤ كتاب النذر ص ٥٧ س ٢٢ قال: اذا نذر صوم يوم معين فاتفق يوم عيد وجب ترك صومه ثم قال بعد نقل قول العلامة في القواعد: وهذا هو الاقوى عندي.

(٢)التهذيب: ج ٨(٥) باب النذور ص ٣٠٥ قطعة من حديث ١٢.

(٣)الايضاح: ٤ ص ٥٨ س ٩ قال: والجواب الحمل على الاستحباب لانه لو كان واجبا لم يعلقه بالمشية الخ.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بنو الحارث بن فهر بن مالك

بنو عامر بن لؤى

بنو سهم بن عمرو

بنو جمح بن عمرو

بنو أنمار بن بغيض

بنو تيم بن مرة بن كعب

بنو عدي بن كعب الخ.

ولكن الفعل والتأثير كان للقبائل المهمة، والزعماء المهمين، وهم بضع قبائل، والباقون تبعٌ لهم الى حد كبير فقد وصف ابن هشام اجتماع دار الندوة الذي بحث فيه قادة القبائل ( مشكلة نبوة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ) فقال في 2 / 331: وقد اجتمع فيها أشراف قريش:

من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب.

ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل.

ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة.

ومن بني أسد بن عبد العزى: أبوالبختري بن هشام، وزمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام.

ومن بني مخزوم: أبو جهل ابن هشام.

ومن بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج.

ومن بني جمح: أمية بن خلف.

ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش، فقال بعضهم لبعض:

إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأياً.

١٤١

قال: فتشاوروا ثم قال قائل منهم: إحبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه باباً، ثم تربصوا به...الخ.

- وقال في: 2 / 488 مسمياً المنفقين على جيش المشركين في بدر:

وكان المطعمون من قريش ثم من بني هاشم بن عبد مناف: العباس بن عبد المطلب بن هاشم.

ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.

ومن بني نوفل بن عبد مناف: الحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، يعتقبان ذلك.

ومن بني أسد بن عبد العزى: أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد، وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد، يعتقبان ذلك.

ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار. انتهى.

واليك هذا الترتيب الذي رتبه الخليفة عمر لقبائل قريش، في سجل الدولة لتوزيع العطاءات، فإنه يدل على تركيبة قبائلها، وتميز بني هاشم عليهم:

- قال البيهقي في سننه: 6 / 364:

عن الشافعي وغيره، أن عمر رضي‌الله‌عنه لما دوَّن الدواوين قال: إبدأ ببني هاشم، ثم قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وبني المطلب فوضع الديوان على ذلك، وأعطاهم عطاء القبيلة الواحدة.

ثم استوت له عبد شمس ونوفل في جذم النسب، فقال: عبد شمس إخوة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه وأمه دون نوفل، فقدمهم، ثم دعا بني نوفل يتلونهم.

ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار، فقال في بني أسد بن عبد العزى أصهار النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم أنهم من المطيبين فقدمهم على بني عبد الدار، ثم دعا بني عبد الدار يتلونهم.

١٤٢

ثم انفردت له زهرة فدعاها تلو عبد الدار.

ثم استوت له تيمٌ ومخزوم، فقال في بني تيم إنهم من حلف الفضول والمطيبين وفيهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل ذكر سابقةً، وقيل ذكر صهراً فقدمهم على مخزوم.

ثم دعا مخزوم يتلونهم.

ثم استوت له سهمٌ وجمحٌ وعديُّ بن كعب، فقيل له إبدأ بعدي فقال بل أقر نفسي حيث كنت، فإن الاسلام دخل وأمرنا وأمر بني سهم واحد، ولكن انظروا بني جمح وسهم، فقيل قدم بني جمح.

ثم دعا بني سهم، وكان ديوان عدي وسهم مختلطاً كالدعوة الواحدة، فلما خلصت اليه دعوته كبر تكبيرة عالية، ثم قال: الحمد لله الذى أوصل اليَّ حظي من رسوله.

ثم دعا بني عامر بن لؤي، قال الشافعي: فقال بعضهم إن أبا عبيدة بن عبد الله بن الجراح الفهري لما رأى من تقدم عليه قال: أكل هؤلاء تدعو أمامي؟!

فقال: يا أبا عبيدة، إصبر كما صبرتُ أو كلم قومك فمن قدمك منهم على نفسه لم أمنعه، فأما أنا وبنو عدي فنقدمك إن أحببت على أنفسنا.

قال فقدم معاوية بعدُ بني الحارث بن فهر، فصل بهم بين بني عبد مناف وأسد بن عبد العزى.

وشجر بين بني سهم وعدي شيء في زمان المهدي فافترقوا، فأمر المهدي ببني عدي فقدموا على سهم وجمح، للسابقة فيهم.

* *

وقد اعترف الجميع بأن فرع هاشم كانوا متميزين على بقية الفروع في فكرهم وسلوكهم، متفوقين في فعاليتهم وقيمهم وأن جمهور القبائل والملوك كانوا

١٤٣

يحترمونهم احتراماً خاصاً حتى حسدهم زعماء قريش، وتحالفوا ضدهم من أيام هاشم وعبد المطلب.

فقد رتب هاشم ( رحلة الصيف ) الى الشام وفلسطين ومصر لقبائل قريش كلها، فسافر في الصحاري والدول، وفاوض رؤساء القبائل، والملوك، الذين تمر في مناطقهم قوافل قريش، وعقد معهم جميعاً معاهداتٍ بعدم الغارة على قوافل قريش وضمان سلامتها.

وقد فرحت قبائل قريش بهذا الإنجاز، وبادرت الى الإستفادة منه، ولكنها حسدت هاشماً، وتمنى زعماؤها لو أن ذلك تم على يدهم، وكان فخره لهم.

وقد توفي هاشم مبكراً في إحدى سفراته في أرض غزة، في ظروف من حق الباحث أن يشك فيها!

ولكن بيت هاشم لم ينطفئ بعده، فسرعان ماظهر ولده عبد المطلب، وساد في قومه، وواصل مآثر أبيه، فرتب لقريش رحلة الشتاء الى اليمن، وعقد معاهداتٍ لحماية قوافلها مع كل القبائل التي تمر عليها ومع ملك اليمن، وفاز بفخرها كما فاز أبوه بفخر رحلة الصيف.

* *

وعلى الصعيد المعنوي، كانت قبائل قريش ترى أن بني هاشم وعبد المطلب يباهون دائماً بانتمائهم الى إسماعيل، واتباعهم لملة ابراهيم، كأنهم وحدهم أبناء إسماعيل وابراهيم عليهما‌السلام .

وتفاقم الأمر عندما أخذ عبد المطلب يدعي الإلهام عن طريق الرؤيا الصادقة، وأخبرهم بأن الله تعالى أمره بحفر زمزم التي جفت وانقرضت من قديم، فحفرها ونبع ماؤها بإذن الله تعالى، ووجد فيها غزالين من ذهب، فزين بذهبهما باب الكعبة ففاز بمأثرةٍ جديدة وصار - بسبب شحة الماء في مكة - ساقي الحرم والحجيح!

١٤٤

ثم طمأن الناس عند غزو الحبشة للكعبة، بأن الجيش لن يصل اليها، وأن الله تعالى سيتولى دفعهم، فصدقت نبوءته، وأرسل الله عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول.

ثم وضع عبد المطلب للناس مراسم وسنناً، كأنه نبي أو ممهد لنبي، فجعل الطواف سبعاً وكان بعض العرب يطوفون بالبيت عريانين لأن ثيابهم ليست حلالاً، فحرم عبد المطلب ذلك. ونهى عن قتل الموؤودة. وأوجب الوفاء بالنذر، وتعظيم الاشهر الحرم. وحرم الخمر. وحرم الزنا ووضع الحد عليه، ونفى البغايا ذوات الرايات الى خارج مكة. وحرم نكاح المحارم. وأوجب قطع يد السارق. وشدد على القتل، وجعل ديته مئة من الإبل.

وقد عظمت مكانة عبد المطلب في قريش وفي قبائل العرب، وكان زعماء قريش يأكلهم الحسد منه! حتى جروه مرتين الى المنافرة والإحتكام الى الكهان فنصره الله عليهم بكرامة جديدة، وتعاظمت مكانته أكثر!

ولعل أكثر ما أثار زعماء قريش في آخر أيام عبد المطلب، أنه ادعى أنه مثل جده ابراهيم عليه‌السلام ، ونذر أن يذبح أحد أولاده قرباناً لرب الكعبة الخ.

وما أن استراح زعماء قريش من عبد المطلب، حتى ظهر ولده أبو طالب وساد في قومه وفي قريش والعرب، وأخذ مكانة أبيه وجده، وواصل سيرة أبيه عبد المطلب ومقولاته.

وفي أيام أبي طالب وقعت المصيبة على زعماء قريش عندما ادعى ابن أخيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النبوة، وطلب منهم الإيمان به وإطاعته!

وزاد من خوفهم أن عدداً من بني هاشم وبني المطلب آمنوا بنبوته، وأعلن عمه أبو طالب حمايته لابن أخيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليبلغ رسالة ربه بكامل حريته، وهدد قريشاً بالحرب إن هي مست منه شعرة، ووقف في وجه مؤامراتها، وأطلق قصائده في

١٤٥

فضح زعماءها فسارت بشعره الركبان يمدح فيه محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويهجو زعماء قريش حتى أنه سمى زعيم مخزوم أبا الحكم ( أحيمق مخزوم ) كما سماه ابن أخيه محمد ( أبا جهل )!!

ونشط الزعماء القرشيون في مقاومة النبوة بأنواع الإغراءات والتهديدات لأبي طالب وابن أخيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففشلوا!

ثم اتخذوا قراراً باضطهاد المسلمين الذين تطالهم أيديهم، فهرب أكثرهم الى الحبشة وفشل زعماء قريش!

ثم اتخذوا قراراً بالإجماع وضموا اليهم بني كنانة، بعزل كل بني هاشم ومقاطعتهم مقاطعة تامة شاملة، وحصروهم في شعبهم ثلاث سنوات أو أربع فأفشل الله محاصرتهم بمعجزة!

وما أن فقد بنو هاشم رئيسهم أبا طالب، حتى اتحد زعماء قريش قراراً بالإجماع بقتل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي بقي بزعمهم بلا حامٍ ولا ناصر فأفشل الله كيدهم ونقل رسوله الى المدينة التي أسلم أكثر أهلها!

وحاول القرشيون أن يضغطوا على أهل المدينة بالإغراء والوعيد، واليهود ولكنهم فشلوا، لأن المدينة صارت في يد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي تقع على طريق شريانهم التجاري، وتهددهم بقطع تجارتهم مع الشام ومنطقتها!

فقرروا دخول الحرب مع ابن بني هاشم، وحاربوه في بدر، وأحد، والخندق ففشلوا!

وحاربوه باليهود، واستنصروا عليه بالفرس والروم ففشلوا!

وما هو إلا أن فاجأهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السنة الثامنة من هجرته ودخل عليهم عاصمتهم مكة، بجيش من جنود الله لا قبل لهم به. فاضطروا أن يعلنوا إلقاء سلاحهم، والتسليم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

١٤٦

وقام أهل مكة سماطين ينظرون الى دخول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والى جيشه ..

وتقدم براية الفتح بين يديه شابٌّ أنصاري من قبيلة الخزرج اليمانية، هو عبد الله بن رواحة، وهو يقول للفراعنة:

خلُّوا بني الكفار عن سبيلِهِ

فاليوم نضربْكم على تنزيلهِ

ضرباً يزيل الهام عن مَقِيلِهِ

ويذهلُ الخليلَ عن خليله

تالله لا يحكم فينا ابن الدعي (2)

فقال عمر بن الخطاب: يابن رواحة، أفي حرم الله وبين يدي رسول الله، تقول الشعر!!

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مهْ يا عمر، فو الذي نفسي بيده، لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل )! ( البيهقي في سننه: 10 / 228، ونحوه الترمذي: 4 / 217، والذهبي في سير أعلام النبلاء: 1 / 235 )

فعمر يريد أن يخفف على زعماء قريش وقع هزيمتهم، ولا يتحداهم في عاصمتهم ولا ننسى أن عمر من قبيلة عدي الصغيرة، وأنه نشأ على احترام زعماء قريش وإكبارهم.

ولكن الرؤية النبوية أن هؤلاء الفراعنة لا يفهمون إلا لغة السيوف والسهام، وأن عمل عبد الله بن رواحة عملٌ صحيحٌ، وقيمته عاليةٌ عند الله تعالى، لأنه أشد على أعداء الله من وقع النبل!!

* *

وأعلن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمان لقريش، وجمع زعماءهم في المسجد الحرام وسيوف جنود الله فوق رؤوسهم وشرح لهم تكبرهم وتجبرهم وتكذيبهم لآيات الله ومعجزاته، وعداءهم لله ورسوله، واضطهادهم لبني هاشم والمسلمين، وحروبهم ومكائدهم ضد الإسلام ورسوله ..

١٤٧

- قال الطبري في تاريخه: 2 / 337:

عن قتادة السدوسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام قائماً حين وقف على باب الكعبة ثم قال:

لا إله الا إلله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.

ألا كل مأثرةٍ أو دمٍ أو مالٍ يدَّعى، فهو تحت قدميَّ هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ...

يا معشر قريش: إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم وآدم خلق من تراب. ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الآية.

يا معشر قريش ويا أهل مكة: ماترون أني فاعلٌ بكم؟!

قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم.

ثم قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء.

فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوةً، وكانوا له فَيْأً، فبذلك يسمى أهل مكة الطلقاء. انتهى.

لقد خيرهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين إعلان إسلامهم أو القتل: فأعلنوا إسلامهم، فقال لهم: إذهبوا فأنتم الطلقاء، وذلك يعني أنه منَّ عليهم بحياتهم، مع أنهم يستحقون أن يتخذهم عبيداً، أو يقتلهم!!

ويعني أن إعلان إسلامهم الشكلي، لم يرفع جواز استرقاقهم أو قتلهم!

* *

ومما صادفته في تصفحي، ما ارتكبه الشيخ ناصر الدين الألباني من تعصبٍ مفضوح للقرشيين، حيث ضعف هذا الحديث! فقال في سلسلة أحاديثه الضعيفة

١٤٨

3 / 307 برقم 1163: ضعيف. رواه ابن إسحاق في السيرة 4 / 31 - 32، وعنه الطبري في التاريخ 3 / 120، ونقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 4 / 300 - 301، ساكتاً عليه. وهذا سندٌ ضعيف مرسل، لأن شيخ ابن إسحاق فيه لم يسمَّ، فهو مجهول. ثم هو ليس صحابياً، لأن ابن إسحاق لم يدرك أحداً من الصحابة، بل هو يروي عن التابعين وأقرانه، فهو مرسل، أو معضل. انتهى.

وكأن هذا المحدث لم يطلع على وجود هذا الحديث ومؤيداته في المصادر الأخرى، ولم ير المحدثين والفقهاء وهم يرسلونه إرسال المسلمات ..

وما أدري هل هو جهلٌ بالتاريخ والحديث الى هذا الحد أم حبٌّ للقرشيين ومحاولةٌ لتخليصهم من صفة الرق الشرعية للرسول وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

فإن مسألة الطلقاء ثابتة مشهورة عند جميع الفرق، واسم ( الطلقاء ) كالعلم لأكثر قريش، وهو كثيرٌ في مصادر الحديث، وقد دخلت أحكامه في فقه المذاهب.

- فقد روى البخارى في صحيحه: 5 / 105 - 106

قال لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف والطلقاء، فأدبروا ...

- وفي مسلم: 3 / 106: ومعه الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده!!

ونحوه في: 5 / 196 ونحوه في مسند أحمد: 3 / 190 و 279

والصحيح أنه لم يثبت معه إلا بنو هاشم.

- وفي مسند أحمد: 4 / 363: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض، الى يوم القيامة.

وقد صححه الحاكم في المستدرك: 4 / 80، وقال عنه في مجمع الزوائد: 10 / 15:

رواه أحمد والطبراني بأسانيد، وأحد أسانيد الطبراني رجاله رجال الصحيح، وقد جوده رضي‌الله‌عنه وعنا، فإنه رواه عن الأعمش عن موسى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الرحمن بن هلال العبسي، عن جرير وموسى بن عبد الله بن هلال العبسي.

١٤٩

- وقال الشافعي في كتاب الأم: 7 / 382

قال الأوزاعي: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة، فخلى بين المهاجرين وأرضهم ودورهم بمكة، ولم يجعلها فيئاً.

قال أبو يوسف رحمه‌الله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عن مكة وأهلها وقال:

من أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ونهى عن القتل إلا نفراً قد سماهم، إلا أن يقاتل أحدٌ فيقتل، وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد: ما ترون أني صانعٌ بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم.

قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء. ولم يجعل شيئاً قليلاً ولا كثيراً من متاعهم فيئاً. وقد أخبرتك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في هذا كغيره، فهذا من ذلك، وتفهَّم فيما أتاك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لذلك وجوهاً ومعاني. انتهى.

وراجع أيضاً مغني ابن قدامة: 7 / 321، ومبسوط السرخسي: 10 / 39، ومسند أحمد: 3 / 279، وسنن البيهقي: 6 / 306، و: 8 / 266 و: 9 / 118، وكنز العمال: 12 / 86.

- وفي كنز العمال: 5 / 735: قال لهم عمر: إن هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء، فإن اختلفتم فلا تظنوا عبد الله بن أبي ربيعة عنكم غافلاً - ابن سعد. انتهى.

وكذلك الأمر في مصادرنا:

- ففي نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده: 3 / 30 في جواب علي عليه‌السلام لمعاوية:

وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلانٌ وفلانٌ، فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كله، وإن نقص لم تلحقك ثلمته.

وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس؟! وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم.

هيهات، لقد حنَّ قدحٌ ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها.

ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخرك

١٥٠

القدر، فما عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر وإنك لذهاب في التيه رواغ عن القصد.

- وفي الكافي: 3 / 512

من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده وما أخذ بالسيف فذلك الى الإمام يقبِّله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر وقال: إن أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر، وإن أهل مكة دخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنوةً فكانوا أسراء في يده، فأعتقهم وقال: إذهبوا فأنتم الطلقاء.

قريش بعد فتح مكة

ماذا فعلت قريش بعد أن اضطر بقية فراعنتها وألوف الطلقاء من أتباعهم الى الدخول في الإسلام؟؟

من الطبيعي أن مشاعر الغيظ والكبرياء القرشي بقيت محتدمةً في قلوب أكثرهم إن لم نقل كلهم ولكن في المقابل ظهر فيهم منطقٌ يقول: إن دولة محمد دولتنا فمحمد أخٌ كريمٌ، وابن أخٍ كريم، ودولته دولة قريش، وعزه عزها وفخره فخرها، فهو مهما كان ابن قريش الرحيم، ودولته أوسعُ من دولة قريش وأقوى، والمجال أمام زعمائها مفتوحٌ من داخل هذه الدولة، فلماذا نحاربها، ولماذا نتركها بأيدي الغرباء من الأوس والخزرج اليمانيين!.

أما مسألة من يرث دولة محمد بعده، فهي مسألةٌ قابلةٌ للعلاج، وهي على كل حال مسألةٌ قرشيةٌ داخلية!!

من البديهي عند الباحث أن يفهم أن قريشاً وجهت جهودها لمرحلة ما بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن الهدف الأهم عندها كان: منع محمد أن يرتب الأمر من بعده لبني هاشم، ويجمع لهم بين النبوة والخلافة على حد تعبير قريش!

فالنبوة لبني هاشم، ولكن خلافة محمد يجب أن تكون لقريش غير بني هاشم!

١٥١

لكن رغم وجود هذا المنطق، فإن النصوص واعترافات بعض زعمائهم تدل على أنهم كانوا يعملون على كل الجبهات الممكنة! وأن أكثريتهم كانوا يائسين من أن يشركهم محمد في حكم دولته، لأنه يعمل بجدٍّ لتركيز حكم عترته من بعده ..

لذلك اتجه تفكيرهم بعد فتح مكة الى اغتيال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسرعان ما حاولوا تنفيذ ذلك في حنين ..!!

إن فراعنة قريش كفراعنة اليهود أبناء عمهم، فهم لا يعرفون الوفاء، بل كأنهم إذا لم يغدروا بمن عفا عنهم وأحسن اليهم، يصابون بالصداع!!

لقد اعلنوا إسلامهم، وادعوا أنهم ذهبوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليساعدوه في حربه مع قبيلتي هوازن وغطفان، وكان عدد جيشهم ألفين، وعدد جيش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي فتح مكة عشرة آلاف، وعندما التقوا بهوازن في حنين انهزموا من أول رشق سهام، وسببوا الهزيمة في صفوف المسلمين فانهزموا جميعاً، كما حدث في أحد!

وثبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه بنو هاشم فقط، كالعادة، وقاتلوا بشدةٍ مع مئة رجعوا اليهم مئة من الفارين حتى ردوا الحملة، ثم رجع المسلمون الفارون وكتب الله النصر.

وفي أثناء هزيمة المسلمين، قامت قريش بعدة محاولاتٍ لقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

نكتفي منها بذكر ما نقله زعيم بني عبد الدار النضير بن الحارث، الذي سيأتي ذكره في تفسير الآية الثالثة! ونقله عنه محب له ولقريش ولبني أمية هو ابن كثير فقال في سيرته: 3 / 691:

كان النضير بن الحارث بن كلدة من أجمل الناس، فكان يقول: الحمد لله الذي من علينا بالإسلام، ومن علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولم نمت على ما مات عليه الآباء، وقتل عليه الإخوة وبنو العم.

ثم ذكر عداوته للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه خرج مع قومه من قريش الى حنين، وهم على دينهم بعد، قال: ونحن نريد إن كانت دائرة على محمد أن نغير عليه، فلم يمكنا ذلك.

١٥٢

فلما صار بالجعرانة فوالله إني لعلى ما أنا عليه، إن شعرت إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنضير؟

قلت: لبيك.

قال: هل لك الى خير مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه؟

قال: فأقبلت إليه سريعاً.

فقال: قد آن لك أن تبصر ما كنت فيه توضع!

قلت: قد أدري أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم زده ثباتاً.

قال النضير: فوالذي بعثه بالحق لكأن قلبي حجرٌ ثباتاً في الدين، وتبصرة بالحق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداه. انتهى.

وأنت تلاحظ أن هذه الكلام يتضمن إقراراً من هذا الزعيم القرشي على نفسه، وإقرار الإنسان على نفسه حجة وأنه يتضمن ادعاء منه بإيمانه بالله تعالى، فقد ذكر أنه تشهده الشهادة الأولى فقط، ولم يذكر الثانية!

ولكن الدعوى لا تثبت بادعاء صاحبها بدون شهادة غيره!

ومهما يكن فقد اعترف زعيم بني عبد الدار أصحاب راية قريش التي يصدر حاملها الأوامر لألفي مسلح في حنين، بأن إعلان إسلامهم في مكة كان كاذباً، وبأنه كل زعماء قريش كانوا متفقين على قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنهم حاولوا محاولاتٍ في حنين ولم يتوفقوا فقد أحبط الله تعالى خططهم، وكشف لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نواياهم!!

بل تدل أحاديث السيرة، على أن زعماء قريش لم يملكوا أنفسهم عند انهزام المسلمين في حنين في أول الأمر، فأظهروا كفرهم الراسخ، وفضحوا أنفسهم!

- ففي سيرة ابن هشام: 4 / 46

قال ابن اسحاق: فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه

١٥٣

وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجالٌ منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام لَمَعَهُ في كنانته! وصرخ جبلة بن الحنبل - قال ابن هشام كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشركٌ في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا بطل السحر اليوم!

قال ابن اسحاق: وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار: قلت اليوم أدرك ثأري من محمد، وكان أبوه قتل يوم أحد، اليوم أقتل محمداً، قال:

فأدرت برسول الله لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطلق ذاك، وعلمت أنه ممنوعٌ مني!! انتهى.

وهذا آخر من أصحاب راية جيش قريش المسلمة، يعترف بأنه في حنين عند الهزيمة أو بعدها ( دار ) مرة أو مراتٍ حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقتله!

إن الناظر في مقومات شخصيات زعماء قريش، وتفكيرهم واهتماماتهم، يصل الى أن قناعة بأن عنادهم بلغ حداً أنهم اتخذوا قراراً بأن يكذبوا بكل الآيات والمعجزات التي يأتيهم بها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويكفروا بكل القيم والأعراف الإنسانية التي يدعو اليها ويعاملهم بها وأن لا يدخلوا في دينه إلا في حالتين لا ثالثة لهما:

إذا كان السيف فوق رؤوسهم!

أو صارت دولة محمد وسلطانه بأيديهم!

لقد حاربوا هذا الدين ونبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكل الوسائل حتى عجزوا وانهزموا ..

ثم واصلوا تآمرهم ومحاولاتهم اغتيال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى عجزوا ..

ثم جاؤوا يشترطون الشروط مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليأخذوا سهماً من دولته فعجزوا ..

ثم جاؤوا يدعون أنهم أصحاب الحق في دولة نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه من قبائل قريش!!!

- قال في مناقب آل أبي طالب: 2 / 239

قال الشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء: إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نص على أمير المؤمنين

١٥٤

بالإمامة في ابتداء الأمر، جاءه قوم من قريش وقالوا له: يا رسول الله إن الناس قريبوا عهد بالإسلام لا يرضون أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك علي بن أبي طالب فلو عدلت به الى غيره، لكان أولى!

فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما فعلت ذلك لرأيي فأتخير فيه، لكن الله تعالى أمرني به وفرضه عليَّ.

فقالوا له: فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك، فأشرك معه في الخلافة رجلاً من قريش تركن الناس اليه، ليتم لك أمرك، ولا تخالف الناس عليك. فنزلت الآية: لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين .

عبد العظيم الحسني عن الصادق عليه‌السلام في خبر: قال رجل من بني عدي اجتمعت اليَّ قريش، فأتينا النبي فقالوا: يا رسول الله إنا تركنا عبادة الأوثان واتبعناك، فأشركنا في ولاية علي فنكون شركاء، فهبط جبرئيل على النبي فقال: يا محمد لئن أشركت ليحبطن عملك الآية. انتهى. ( والحديث الأول في تنزيه الأنبياء/ 167 )

* *

قريش تتمحور حول زعامة سهيل بن عمرو

رغم خيانات زعماء قريش بعد فتح مكة وتآمرهم، فقد حاول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستقطبهم، فأكرمهم وتألفهم وأعطاهم أكثر غنائم المعركة، وأطمعهم بالمستقبل إن هم أسلموا وحسن إسلامهم الخ.

لقد أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقاوم عُقَدهم بنور الحلم، وظلماتهم بنور الإحسان ..!!

وفي هذه الفترة تراجعت زعامة أبي سفيان، ولم يبق منها إلا ( أمجاد ) حربه مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فشخصية أبي سفيان تصلح للزعامة في الحرب فقط وفي التجارة، ولا تصلح في السلم للزعامة والعمل السياسي، لذلك تراه بعد أن انكسر في فتح مكة ذهب الى المدينة وطلب منصباً من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعينه جابياً للزكاة من بعض القبائل!!

١٥٥

أما الزعيم الذي يجيد العمل لمصلحة قريش المنكسرة عسكرياً فقد وجدته قريش في سهيل بن عمرو، العقل السياسي المفكر والمخطط ..

وسرعان ما صار سهيل محوراً لقريش، ووارثاً لقيادة زعمائها الذين قتلهم محمد أو أماتهم رب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وسهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود، هو في نظر قريش: قرشي أصيل. ولئن كان من بني عامر بن لؤي، الذين هم أقل درجة من بني كعب بن لؤي ( سيرة ابن هشام: 2 / 489 ) ، ولكنه صاحب تاريخ مع محمد، فهو من الزعماء الذين فاوضوا أبا طالب بشأنه.

وهو من أعضاء دار الندوة الذين قرروا مقاطعة بني هاشم.

وهو من الذين ائتمروا على قتله عندما ذهب الى الطائف، وقرروا نفيه من مكة، وهددوه بالقتل إن هو دخلها، ورفضوا أن يجيروه حتى يستطيع الدخول الى مكة وتبليغ رسالة ربه ففي تاريخ الطبري: 2 / 82 : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للأخنس بن شريق: ائت سهيل بن عمرو فقل له إن محمداً يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟ فأتاه فقال له ذلك، قال فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب! انتهى.

وهو من الزعماء الذين واصلوا العمل لقتل محمد بعد وفاة أبي طالب، حتى أنجاه الله منهم بالهجرة.

وهو أحد الذين حبسوا المسلمين وعذبوهم على إسلامهم، ومن المعذبين على يده ولده أبو جندل.

وهو أحد قادة المشركين في بدر، وأحد أثريائهم الذين كانوا يطعمون الجيش.

وهو أحد الذين كانوا يؤلمون قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفعالياتهم الخبيثة، فلعنهم الله تعالى وطردهم من رحمته، وأمر رسوله أن يلعنهم، ويدعو عليهم في صلاته.

وهو أحد المنفقين أموالهم على تجهيز الناس لحرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحد والخندق وغيرهما.

١٥٦

- قال في سير أعلام النبلاء: 1 / 194

يكنى أبا يزيد، وكان خطيب قريش وفصيحهم ومن أشرافهم وكان قد أسر يوم بدر وتخلص. قام بمكة وحض على النفير، وقال: يال غالب أتاركون أنتم محمداً والصباة يأخذون عيركم! من أراد مالاً فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة.

وكان سمحاً جواداً مفوهاً.

وقد قام بمكة خطيباً عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحو من خطبة الصديق بالمدينة فسكنهم!! وعظم الإسلام. انتهى.

وهو الذي انتدبته قريش لمفاوضة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديبية، وقد أجاد المفاوضة وشدد عليه بالشروط، ولم يقبل أن يكتب في المعاهدة ( رسول الله ) ووقع الصلح معه نيابة عن كل قريش.

وهو المعروف عند قريش بأنه سياسي حكيم، أكثر من غيره من فراعنتها.

وهو أخيراً من أئمة الكفر الذين أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتالهم! وإعلانه الإسلام تحت السيف لا يغير من آيات الله شيئاً! ففي تفسير الصنعاني: 1 / 242 : عن قتادة في قوله ( وقاتلوا أئمة الكفر ) هو أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبه بن ربيعة، وأبو جهل، وسهيل بن عمرو. انتهى.

وقد اختار سهيل بن عمرو البقاء في مكة بعد فتحها ودخولها تحت حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يهاجر الى المدينة كبعض الطلقاء، ولم يطلب من محمد منصباً، لأن كبرباءه القرشي وتاريخه في الصراع مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأبيان عليه ذلك!!

ولكنه قبل هدية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حنين وكانت مئة بعير، بينما كان رفضها في أيام القحط والسنوات العجاف التي حدثت على قريش بدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أشفق عليهم وأرسل اليهم مساعدة، وكانت أحمالاً من المواد الغذائية، فقبلها أكثرهم وكان سهيل ممن رفضوها!

١٥٧

إنه تاريخٌ طويلٌ مشرقٌ عند القرشييين، وإن كان أسود عند الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! ومن أجل هذا النسب وهذا التاريخ والصفات، اجتمعت حوله قريش بعد فتح مكة، وانضوت تحت زعامته!

* *

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عين حاكماً لمكة بعد فتحها، هو عتاب بن أسيد الأموي وحعل معه أنصارياً، ولكن قريشاً كانت تفضل عليه سهيلاً، وتسمع كلامه أكثر منه!

والدليل على ذلك أنه بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتدت قريش عن الإسلام، وخاف حاكمها عتاب أن يقتلوه فاختبأ مع أنه قرشي أموي وبعد أيام وصلهم خبر يطمئنهم ببيعة أبي بكر التيمي، وأن أحداً من بني هاشم لن يحكم بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمأن سهيل بن عمرو، وخطب في قريش بنفس خطبة أبي بكر في المدينة، والتي مفادها أنه من كان يعبد محمداً فإن إلهه قد مات، ونحن لا نعبد محمداً، بل هو رسولٌ بلغ رسالته ومات، وهو ابن قريش وسلطانه سلطان قريش، وقد اختارت قريش حاكماً لنفسها بعده وهو أبو بكر، فاسمعوا له وأطيعوا.

لقد طمأنهم سهيل بأن الأمر بيد قريش، وليس بيد بني هاشم والأنصار اليمانية الذين ( يعبدون ) محمداً، فلماذا الرجوع عن الإسلام!

فأطاعته قريش وانتهى مشروع الردة!

وأصدر سهيل أمره لعتاب الحاكم من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخرج من مخبئك، واحكم مكة باسم الزعيم القرشي غير الهاشمي أبي بكر بن أبي قحافة التيمي!

( راجع سيرة ابن هشام: 4 / 1079، وفيها: فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، وظهر عتاب بن أسيد ).

سهيل بن عمرو يحاول الإستقلال!

اقتنعت قريش بعد فتح مكة أن العمل العلني ضد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محكوم بالفشل ..

١٥٨

فركزت جهودها على العمل السياسي المتقن، والعمل السري الصامت، لإبعاد عترته عن الحكم، وجعله في قريش ..

ولكن المشكلة عندها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسير قدماً في ترتيب الأمر من بعده لعلي ومن بعده للحسن والحسين، أولاد بنته فاطمة وقريش لا تطيق علياً ولا أحداً من بني هاشم لذلك قرر قادتها وفي مقدمتهم سهيل بن عمرو أن يقوموا بأنشطة متعددة، منها محاولة جريئة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد كتبوا اليه ثم جاؤوه وفداً برئاسة سهيل بن عمرو، طالبين اليه أن يرد ( اليهم ) عدداً من أبنائهم وعبيدهم، الذين تركوا مكة أو مزارعهم في الطائف، وهاجروا الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتفقهوا في الدين، كما تنص الآية القرآنية!

قال سهيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحن اليوم حلفاؤك، وقد انتهت الحرب بيننا وتصالحنا، وأنا الذي وقعت الصلح السابق معك في الحديبية!

وهؤلاء أولادنا وعبيدنا هربوا منا وجاؤوك، ولم يأتوك ليتفقهوا في الدين كما زعموا، ثم إن كانت هذه حجتهم فنحن نفقههم في الدين، فأرجعهم الينا!!

ومعنى هذا الطلب البسيط من زعيم قريش الجديد: أن قريشاً حتى بعد فتح مكة واضطرارها الى خلع سلاحها وإسلامها تحت السيف تريد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإعتراف بأنها وجودٌ سياسيٌّ مستقل، في مقابل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودينه ودولته!!

- روى الترمذي في: 5 / 298

عن ربعي بن حراش قال: أخبرنا علي بن أبي طالب بالرحبة فقال: لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا يا رسول الله: خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا، وليس لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا، فارددهم إلينا فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم.

١٥٩

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين، قد امتحن الله قلوبهم على الإيمان! قالوا من هو يا رسول الله؟

فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله؟

وقال عمر: من هو يا رسول الله؟

قال هو خاصف النعل، وكان أعطى علياً نعله يخصفها. هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي.

- وروى أبو داود: 1 / 611

عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب قال: خرج عبدانٌ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني يوم الحديبية قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هرباً من الرق!

فقال ناسٌ: صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم!

فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا!

وأبى أن يردهم وقال: هم عتقاء الله عز وجل. انتهى.

ولا يغرك ذكر الحديبية في الحديث، فهذا من أساليب الرواة القرشيين في التزوير فالحادثة وقعت بعد فتح مكة، ولو كانت قبله لطالب سهيلٌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوفاء لهم بشرطهم، لأنهم شرطوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلح الحديبية أن يرد اليهم من يأتيه منهم، ولا يردون اليه من يأتيهم من المسلمين!

ولو كانت قبل فتح مكة، لكانت مطالبةً بشرطهم، وما استحقت هذا الغضب النبوي الشديد، وهو لا يغضب إلا بحق، ولا يغضب إلا لغضب الله تعالى، ولا يرضى إلا بما يرضي الله تعالى!

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553