المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116761 / تحميل: 7654
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

[على التعريف الثاني. وتحريمه معلوم من العقل. والنص، من الكتاب والسنة والاجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)(١) و (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا)(٢) ومن غصب مال اليتيم فقد ظلمه.

واما السنة: فمنه ما رواه انس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفس منه(٣) .

وعن ابن مسعود عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حرمة مال المسلم كحرمة دمه(٤) .

وروى عبدالله بن السائب عن أبيه عن جده عن النبيعليه‌السلام قال: لا يأخذن احدكم مال اخيه جادا ولا لاعبا، من اخذ عصا اخيه فليردها(٥) .

وروى معلى بن مرة الثقفي ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من اخذ ارضا بغير حقها كلف ان يحمل ترابها إلى المحشر(٦) .

وعنهعليه‌السلام : من أخذ شبرا من الارض بغير حقه طوق به يوم القيامة من سبع ارضين(٧) .

وعنهعليه‌السلام ليأتين على الناس زمان لا يبالي الرجل بما يأخذ مال اخيه، بحلال]

____________________

(١)سورة النساء / ٢٩.

(٢)سورة النساء / ١٠.

(٣)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ١ ولاحظ ماعلق عليه.

(٤)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ٢ ولاحظ ماعلق عليه.

(٥)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ٥ ولاحظ ما علق عليه.

(٦)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٤ الحديث ٦ ولاحظ ما علق عليه.

(٧)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٤ الحديث ٧ ولاحظ ما علق عليه ورواه أبي دواد الطبالسي في سنده ج ١٠ ص ٣١٧ الحديث ٣٤١٠.

٢٢١

ولا يضمن لو منع المالك من امساك الدابة المرسلة. وكذا لو منعه على القعود على بساطه. ويصح غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به. ولو سكن الدار قهرا مع صاحبها ففي الضمان قولان: ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.

[او حرام(١) . واتفقت الامة تحريم الغصب.

قال طاب ثراه: ويصح غصب العقار كالمنقول - إلى قوله: ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.

أقول: هنا مسائل.

(الاولى) يصح غصب العقار، أي يتحقق الغصب في العقار كما يتحقق في المنقول، وان لم تستقل اليد عليه، لان المراد باليد في تعريف الغصب (انه الاستقلال باثبات اليد) القدرة، لا الجارحة، ومعناها التمكن من الانتفاع بالعين مع رفع يد المالك، وهذا المعنى لاشك انه يتحقق في العقار والارض والاشجار كما يتحقق في المنقولات، بان يستقل بالتصرف في الدار والبستان مثلا، ويمنع المالك من التصرف.

(الثانية) لو سكن الدار قهرا مع مالكها، هل يتحقق الغصب هنا؟ يحتمله قويا، لاستقلاله بالتصرف فيما سكنه، ورفع يد المالك عنه، فيصدق الحد عليه، ويحتمل عدمه، لعدم الاستقلال، فان المالك لم يرفع يده عن الملك، بل هو متصرف فيه، والاول مذهب العلامة(٢) والثاني مذهب المصنف(٣) ].

____________________

(١)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٤ الحديث ٨ ولاحظ ماعلق عليه.

(٢)التحرير: ج ٢ كتاب الغصب ص ١٣٧ س ٢٥ قال: ولو سكن مع المالك قهرا فالوجه انه يضمن النصف.

(٣)الشرائع: كتاب الغصب (في السبب) قال: فلو سكن الدار مع مالكها قهرا لم يضمن الاصل،

٢٢٢

ويضمن حمل الدابة لو غصبها، وكذا الامة. ولو تعاقبت الايدى على المغصوب، فالضمان على الكل، ويتخير المالك. والحر لا يضمن ولو كان صغيرا، لكن لو اصابه تلف بسبب الغاصب ضمنه. ولو كان لا بسببه كالموت ولذع الحية فقولان.

[(الثالثة) على القول بالضمان، يضمن نصف الدار، ولا فرق بين ان يكون تصرفه في قدر النصف او اقل او اكثر، لان التصرف في الدار اثنان، فيحال بالضمان عليهما كالجنايات. اما الاجرة فلا يضمن منها الا قدر ما ينتفع به من السكنى.

وهذا البحث على تقدير كون كل واحد من المالك والغاصب متفوضا في جميع الدار، ولو فرضنا استقلال الغاصب ببيت من الدار مثلا - ولم يشارك المالك في غيره من الدار، ويد المالك على الباقي - ضمن البيت خاصة.

ولو كان المالك يشاركه في التصرف في البيت، ضمن نصف اصل البيت دون باقي الدار ويضمن نصف المجاز إلى البيت لمشاركة المالك له فيه. ولو كان مستقلا في البيت ومعارضا(١) للمالك في بقية الدار ضمن البيت باجمعه ونصف اصل بقية الدار.

قال طاب ثراه: ولو كان لا بسببه كالموت ولذع الحية فقولان.

أقول: الحر لا يدخل تحت اليد، لانه ليس مالا، فلا يضمن، لان المضمون باليد انما هو الاموال، وانما تضمن بالجناية عليه، وكذ منافعه في قبضه لا يضمن الا لمباشرة اتلافها كاستعماله. ويتفرع على هذا الاصل مسألتان.

(أ) لو غصب حرا صغيرا وتلف لا بسبب كما لو مات حتف انفه، فلا ضمان.

وان كان بسبب كلذع الحية، ووقوع الحائط، والغرق هل يضمنه؟ قال الشيخ].

____________________

وقال الشيخ يضمن النصف وفيه تردد الخ.

(١)في " ل ": ومفاوضا.

٢٢٣

[في كتاب الجراح من المبسوط: يضمنه(١) ، لانه فعل سبب الاتلاف، اذا الصغير لا يمكنه الاحتراز، فهو كحافر البئر، ولانه آثم، احتياطا في حقن الدماء وعصمة النفوس، واختاره العلامة(٢) وقال في كتاب الغصب منه وفي الخلاف لا تضمنه(٣) (٤) لان الحر لا يضمن باليد بلا سبب وليس بمباشر، والضمان معلل بهما، وانتفاء العلة توجب انتفاء معلولها، فوجب القول بانتفاء الضمان، ولاصالة البراء‌ة، ثم قال: ولو قلنا بالضمان كان قويا ولم يفرق المصنف هنا بين الموت بالسبب او لا بالسبب(٥) والاصحاب على الفرق.

(ب) لو حبس صانعا ولم يستعمله، لم يضمن اجرته، لان منافعه في قبضته، فلا يدخل تحت الغصب كما لا يدخل عينه. اما لو استأجره لعمل فاعتقله ولم يستعمله، فهل يضمن اجرته؟ قيل فيه قولان.

احدهما: نعم لوجوب الاجرة على المستاجر بنفس العقد، وانما يسقط بالتقايل، او امتناع الاجير من العمل، والتقدير أنه ممكن باذل منافعه، والتفريط والتضييع مستند إلى المستأجر باعتقاله، فيستقر عليه الاجرة، كما لو استاجر دارا وتسلمها وأهمل الانتفاع بها حتى خرجت المدة].

____________________

(١)المبسوط: ج ٧ كتاب الجراح ص ١٨ س ٣ قال: وان مات بسبب مثل ان لذعته حية إلى قوله: فعليه الضمان.

(٢)المختلف: كتاب الامانات (الفصل الخامس في الغصب) ص ١٨١ س ٣٢ فانه بعد نقل قول المبسوط في الجراح قال: وفيه قوة الخ.

(٣)المبسوط: ج ٣ كتاب الغصب ص ١٠٥ س ١٦ قال: وان غصب حرا صغيرا فتلف في يده فلا ضمان عليه بسبب كان او غير سبب.

(٤)كتاب الخلاف: كتاب الغصب، مسألة ٤٠ قال: اذا غصب حرا صغيرا فتلف في يده فلا ضمان عليه إلى قوله: وان قلنا بقول أبي حنيفة كان قويا.

(٥)لاحظ عبارة النافع.

٢٢٤

ولو حبس صانعا لم يضمن اجرته.ولو انتفع به ضمن اجرة الانتفاع. ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم، ويضمنها لو غصبها من ذمي، وكذا الخنزير. ولو فتح بابا على مال ضمن السارق، دونه: ولو ازال القيد عن فرس، فشرد، أو عن عبد مجنون فآبق، ضمن ولا يضمن لو ازاله عن عاقل.

(الثاني) في الاحكام

يجب رد المغصوب وان تعسر كالخشبة في البناء، واللوح في السفينة. ولو عاب ضمن الارش. ولو تلف او تعذر العود ضمن مثله ان كان متساوى الاجزاء، وقيمته يوم الغصب ان كان مختلفا، وقيل: اعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف. وفيه وجه آخر.

[والاخر: لا، وهو الذي قواه المصنف في الشرائع(١) لان منافع الحر في قبضته، فلا يضمن الا بتفويتها. والتقدير ان الحابس لم يستوف شيئا من منافعه.

واعلم: ان موضوع المسألة ومحل الخلاف انما هو على تقدير وقوع العقد على العمل ثم حبسه مدة يمكن فيها استيفاؤه. اما لو كانت الاجارة متعلقة بالزمان المعين ثم اعتقله فيه، فانه يستقر عليه مال الاجارة قولا واحدا.

قال طاب ثراه: ولو تلف او تعذر العود ضمن مثله ان كان متساوي الاجزاء، وقيمته يوم الغصب ان كان مختلفا، وقيل: اعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، وفيه وجه اخر.

أقول: هنا مسائل.

(الاولى) يجب رد المغصوب مع بقاء عينه، وان تعسر او ادى إلى تلف مال]

____________________

(١)الشرائع: كتاب الغصب (في السبب) قال: ولو حبس صانعا لم يضمن اجرته الخ.

٢٢٥

[الغاصب وكان اضعاف قيمة المغصوب كاللوح في السفينة الموفرة في اللجة.

(الثانية) مع رد العين لا نظر إلى القيمة اذا كانت العين على صفاتها، ولا يضمن تفاوت السوق، فلو غصب منه شاة قيمتها عشرون درهما ثم ردها وقد نزل سوقها إلى خمسة ولم يتعيب لم يكن عليه شىء، ولو تعيبت بما انقص قيمتها درهما بحيث صارت يساوي أربعة، ضمن ستة عشر.

(الثالثة) اذا تلفت العين المغصوبة، او تعذر ردها، بان اخذها ظالم، فان كان مثليا - وهو ما يتساوى قيمة اجزاء‌ه كالحبوب والادهان - وجب على الغاصب رد مثله، فلا عبرة بالقيمة، زادت عن يوم الغصب او نقصت، لوجوه:

(أ) قوله: تعالى: (فمن إعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)(١) .

(ب) ان مثله يعرف مشاهدة وقيمته اجتهادا والمعلوم مقدم على المجتهد فيه.

(ج) انه اذا اخذ المثل نقدا فقد اخذ وفق حقه، وان اخذ القيمة ربما زاد أو نقص، فكان المثل اولى.

وان كان مختلفا - وهو ما لا يتساوى قيمة اجزاء‌ه كالارض والثوب - رد قيمته. وفي اعتبارها ثلاثة اقوال.

(الاول) قيمته يوم الغصب، لانه وقت انتقال الضمان اليه واعتلاقه به، والضمان هنا بالقيمة، فيقضى بها عليه حينئذ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٢) .

(الثاني) قيمته وقت التلف، لانه وقت استقرار الضمان، اذ الغاصب انما خوطب بدفع القيمة عند التلف ضرورة وجوب رد العين مع بقائها، فيقضى عليه] هامش)

____________________

(١) سورة البقرة / ١٩٤.

(٢) المبسوط: ج ٣ كتاب الغصب، ص ٦٠ س ٦ قال: وان اعوز المثل إلى قوله: طالبه بقيمته حين القبض.

٢٢٦

[بالقيمة حين وجوبها، وهو اختيار القاضي(١) والعلامة في المختلف(٢) .

(الثالث) اعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، وهو اختيار الشيخ في النهاية(٣) والخلاف(٤) وموضع من المبسوط(٥) وهو ظاهر القواعد(٦) والارشاد(٧) لانه مضمون في جميع حالاته التي من جملتها الحالة العليا، ولو تلف فيها لزمه ضمانه بتلك القيمة، وكذا لو نقصت قيمته بعد ذلك، لان تلك الزيادة التي لزمته شرعا لم يدفعها إلى المالك ولا إلى وكيله، فتكون باقية في ذمته ولانه يناسب التغليظ].

____________________

(١)المهذب: ج ١ كتاب حظر الغصب والتعدي ص ٤٣٥ س ١٤ قال: فان اعوز المثل ولم يقدر عليه كان عليه القيمة.

(٢)المختلف: ج ١، الفصل الخامس في الغصب، ص ١٧٧ س ١٧ قال: (مسألة) اذا كان المغصوب من ذوات القيم وتلف وجب على الغاصب قيمته يوم التلف.

(٣)ما عثرنا عليه من النهاية على خلاف المطلوب أدل لاحظ باب بيع الغرر والمجازفة ص ٤٠٢ س ٣ قال: رجع على الغاصب بقيمة يوم غصبه، وايضا في باب الاجارات ص ٤٤٦ س ٥ قال: ولزمه قيمتها وم تعدى فيها.

(٤)كتاب الخلاف: كتاب الغصب، مسألة ٢٩ قال: وان كان مما لا مثل له فعليه اكثر ما كانت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف.

(٥)المبسوط: ج ٣ كتاب الغصب ص ٧٢ س ٢ قال: فان هلك الثوب قبل الرد فعليه قيمة اكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف.

(٦)القواعد: ج ١ كتاب الغصب (الركن الرابع) ص ٢٠٣ س ٢٤ قال: الاول اقصى قيمته من يوم الغصب إلى يوم التلف.

(٧)الارشاد: ج ١ في الغصب، المطلب الثاني في الاحكام ص ٤٤٦ س ٣ قال: والاعلى من حين الغصب إلى التلف على رأى.

٢٢٧

ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية، وترد الزياده لزيادة في العين أو الصفة. ولو كان المغصوب دابة فعابت، ردها مع الارش. ويتساوى بهيمة القاضي والشوكى. ولو كان عبدا (وكان الغاصب هو الجاني)(١) رده ورية الجناية ان كانت مقدرة. وفيه قولا آخر. ولو فرج الزيت بمثله رد العين، وكذا لو كان باجود منه، ولو كان بادون ضمن المثل. ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه، اما لو كانت الزيادة لانضياف عين كالصبغ والالة في الابنية اخذ العين الزائدة ورد الاصل، ويضمن الارش ان نقص.

[قال طاب ثراه: ولو كان عبدا رده ودية الجناية ان كانت مقدرة، وفيه قول اخر.

أقول: اذا جنى على العبد بما فيه مقدر، المشهور: رده وارش الجناية بالغا مابلغ، قال المصنف: وفيه قول اخر، يحتمل ان تكون الاشارة به إلى ما قال الشيخ في المبسوط: ان كان الارش محيطا بالقيمة ليس له المطالبة الا مع دفع العبد برمته، تسوية بين الغاصب وغيره في الجناية(٢) وقال ابن ادريس: له امساكه مع المطالبة بأرشه(٣) وهو ظاهر المصنف(٤) واختاره العلامة(٥) ].

____________________

(١)ما كتبناه بين الهلالين موجودة في النسخ المطبوعة التي بايدينا من المختصر النافع وغير ثابتة في النسخ المخطوطة التي تحت تصرفنا من المهذب البارع.

(٢)المبسوط: ج ٣ كتاب الغصب ص ٦٢ س ٢٢ قال: اذا جنى على ملك غيره جناية يحيط ارشها بقيمة ذلك الملك كان المالك بالخيار الخ.

(٣)السرائر: باب الغصب ص ٢٧٧ س ٣٦ قال: واذا غصب عبدا قيمته الف فخصاه إلى قوله: رده وقيمة الخصيتين الخ.

(٤)لاحظ عبارة النافع.

(٥)كتاب التحرير: ج ٢ كتاب الغصب (في الاحكام) ص ١٣٩ س ٢٧ قال: والاقرب عندي الزام الغاصب باكثر الامرين من ارش النقص أو دية العضو الخ.

٢٢٨

(الثالث) في اللواحق

وهي ستة.

(الاولى) فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد، او متصلة كالصوف والسمن، او منفعة كاجرة السكنى وركوب الدابة.

ولا يضمن من الزيادة المتصلة مالم تزد به القيمة كما سمن المغصوب وقيمته واحدة.

(الثانية) لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد، او يضمنه وما يحدث من منافعه وما يزاد في قيمته لزيادة صفة فيه.

ووجه الاول: ان المقتضي لوجوب الدفع على المالك اخذ القيمة بكمالها، لئلا يجتمع للمالك العين القيمة.

[ووجه الثاني: عموم وجوب الزام الغاصب بدية جنايته، وحمله على الجاني قياس، وهو باطل، والمأخوذ من الغاصب عوض الفائت بالجناية، والمناسبة التغليظ، اذ الغاصب مأخوذ بأشق الاحوال.

ويحتمل ان تكون الاشارة به إلى ما اختاره المصنف في الشرائع: من كون الغاصب مطالبا باكثر الامرين من المقدر والارش، مثلا قطع يده وهو يساوي مأتين، فدية اليد مائة، فلو نقص وخمسين (بإن صار يساوي خمسين، فالارش هنا مائة وخمسون، فيضمنها الغاصب، وإن بقي بعد القطع يساوي مائة وخمسون)(١) كان المقدر اكثر من الارش فيضمن المقدر، وهو مائة.

ووجه هذا الاحتمال: اما ضمان المقدر على تقدير زيادته، فللعموم وأما الارش على تقدير زيادته فلانه نقص أدخله على مال غصبه بسببه فيكون ضامنا له].

____________________

(١)ما كتبناه بين الهلالين لا يكون في النسخة المعتمدة، ولكنه موجود في النسختين المخطوطتين الاخريين.

٢٢٩

(الثالثة) اذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب، ولا يرجع المشتري بالثمن البائع بما يضمن، ولو كان جاهلا دفع العين إلى مالكها، ويرجع بالثمن على البائع وبجميع ما غرمه مما لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد، وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة واجرة السكنى تردد.

(الرابعة) اذا غصب حبا فزرعه، او بيضة فافرخت، او خمرا فخللها، فالكل للمغصوب منه.

(الخامسة) اذا غصب ارضا فزرعها، فالزرع لصاحبه وعليه اجرة الارض، ولصاحبها ازالة الغرس، والزامه طم الحفرة، والارش ان نقصت. ولو بذل صاحب الارض قيمة الغرس لم تجب اجابته [قال طاب ثراه: وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة واجرة السكنى تردد.

أقول: ما يغرمه المشتري للمالك عوضا عما ينتفع به من ثمرة، او صوف، او اجرة دار، هل يرجع به على الغاصب؟ للشيخ قولان.

احدهما: الرجوع لانه سبب، والمباشرة ضعفت بالغرور، لانه دخل على استيفاء هذه المنافع مجانا، فلا يتعقبه ضمان. والاخر عدم الرجوع لحصول العوض في مقابل التغريم واولوية المباشرة بالضمان مع مجامعة السبب(١) ].

____________________

(١)المبسوط: ج ٣ كتاب الغصب ص ٧١ س ١٧ قال: وان كان غرم مادخل على انه له بغير بدل وقد حصل في مقابله نفع وهو اجرة الخدمة فهل يرجع بذلك على الغاصب ام لا؟ فيه قولان: احدهما يرجع لانه غرم والثاني لا يرجع، وهو الاقوى، لانه وان غرم فقد انتفع بالاستخدام.

٢٣٠

(السادسة) لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة، فالقول قول الغاصب، وقيل: قول المغصوب منه.

[قال طاب ثراه: لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة، فالقول قول الغاصب، وقيل: القول المغصوب منه.

أقول: مختار المصنف هو مذهب الشيخ في الكتابين(١) (٢) وابن ادريس(٣) والعلامة(٤) لانه منكر، والاصل عدم زيادة القيمة، وبراء‌ة ذمته.

وقال الشيخ في النهاية: القول قول المالك، ولا يقبل قول الغاصب لانه خائن(٥) وهو قول المفيد(٦) ].

____________________

(١)المبسوط: ج ٣ كتاب الغصب ص ٧٥ س ٤١ قال: اذا غصب جارية فهلكت إلى قوله: فان اختلفا في مقدار القيمة، فالقول قول الغاصب مع يمينه، لان الاصل براء‌ة ذمته الخ.

(٢)لم اظفر عليه في الخلاف ولكن نقله عنه في المختلف: ج ١ كتاب الامانات ص ١٨٠ س ٧ قال: مسألة، لو اختلفا في القيمة قال في المبسوط والخلاف: القول قول الغاصب مع يمينه لانه منكر فيقدم قوله.

(٣)السرائر: باب الغصب ص ٢٧٨ س ١٨ قال: فان اختلفا في مقدار القيمة فالقول قول الغاصب مع يمينه الخ.

(٤)المختلف: ج ١ كتاب الامانات ص ١٨٠ س ٨ فانه بعد نقل قول الشيخ في المبسوط والخلاف والنهاية قال: والاول (أي كون القول قول الغاصب) أصح.

(٥)النهاية: باب بيع الغرر والمجازفة ص ٤٠٢ س ٦ قال: فان اختلف في قيمة المتاع كان القول قول صاحبه الخ.

(٦)المقنعة: باب اجازة البيع وصحته وفساده ص ٩٤ س ٢٤ قال: ولو ان انسانا غصب من غيره متاعا إلى قوله: فان اختلفا في القيمة كان القول صاحب المتاع مع يمينه بالله عزوجل.

٢٣١

كتاب الشفعة والنظر في امور

وهي استحقاق في حصة الشريك لانتقالها بالبيع. والنظر فيه يستدعي امورا.

مقدمة

الشفعة لغة الزيادة قال تغلب(١) : وذلك ان المشتري يشفع نصيب الشريك يزيد به بعد ان كان ناقصا، كأنه كان وترا فصار شفعا.

وشرعا: استحقاق الشريك حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع.

والاصل فيه: النص والاجماع.

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: الشفعة في كل مشترك ربع له أو]

____________________

(١)وسئل ابوالعباس (وهو الثعلب كما عن معجم المؤلفين ج ٢ ص ٢٠٣) عن اشتقاق الشفعة في اللغة؟ فقال: الشفعة الزيادة، وهو أن يشفعك فيما تطلب حتى تضمه إلى ما عندك فتزيده، وتشفعه بها، أي ان تزيده بها، أي انه كان وترا واحدا فضم اليه ما زاده وشفعه به (لسان العرب ج ٨ ص ١٨٤ لغة شفع).

٢٣٢

(النظر الاول) ما تثبت فيه

وتثبت في الارضين والمساكن اجماعا، وهل تثبت فيما ينقل كالثياب والامتعة؟ فيه قولان: والاشبه: الاقتصار على موضع الاجماع.وتثبت في النخل والشجر والابنية تبعا للارض.

[حائط، فلا يحل له ان يبيعه حتى يعرضه عل شريكه، فان باعه فشريكه احق به(١) .

وروى سعيد بن المسيب وابوسلمة بن عبدالرحمان عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة(٢) .واجمعت الامة على ثبوتها وان اختلفوا في مسائلها.

تذنيب: الاشياء في الشفعة على ثلاثة اقسام

الاشياء في الشفعة على ثلاثة اقسام.

(أ) ما يثبت فيه الشفعة متبوعا.

(ب) ماثبت فيه تابعا.

(ج) ما لا يثبت فيه تابعا ولا متبوعا.

فالاول: العراض والاراضي الماح.

والثاني: البناء والشجر والبئر والطريق الضيقان، والمقسوم المشترك طريقه ونهره الواسعان.

والثالث: المنقولات والحيوان على اشهر القولين.

قال طاب ثراه: وهل يثبت فيما ينقل كالثياب والامتعة؟ فيه قولان: والاشبه]

____________________

(١)سنن أبي داود: ج ٣ كتاب البيوع، باب في الشفعة، الحديث ٣٥١٣ ولاحظ عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٥ باب الشفعة الحديث ١.

(٢)سنن أبي ماجة ج ٢ كتاب الشفعة(٣) باب اذا وقعت الحدود فلا شفعة ص ٨٣٤ الحديث ٢٤٩٧ وفيه: (قضى بالشفعة فيما لم يقسم).

٢٣٣

[الاقتصار على موضع الاجماع.

أقول: للاصحاب في تعيين محل الشفعة اربعة اقوال.

(الاول) انه غير المنقول كالبساتين والرباع والعراص(١) وهو قول الشيخ في المبسوط(٢) وابن حمزة(٣) والطبرسى(٤) واختاره المصنف(٥) والعلامة(٦) .

(الثاني) انه كل مبيع وهو قول السيد(٧) وأبي علي(٨) والقاضي(٩) وابن ادريس(١٠) ]

____________________

(١)العرصة بالفتح كل بقعة بين الدار واسعة ليس فيها بناء والجمع العراص والعرصات (مجمع البحرين لغة عرص).

(٢)المبسوط: ج ٣ كتاب الشفعة ص ١٦٠ س ١١ قال: فاما ما يجب فيه مقصورا متبوعا فالعراص والاراضي البراح الخ.

(٣)الوسيلة: باب الشفعة ص ٢٥٨ س ٤ قال: الخلطة في نفس المبيع وفي حقوقه من الطريق والنهر والساقية الخ.

(٤)المختلف: ج ٢ الفصل العشرون في الشفعة ص ١٢٤ س ٢٢ فانه بعد نقل قول ابن حمزة قال: وهو قول الطبرسي.

(٥)لاحظ عبارة النافع.

(٦)المختلف: ج ٢ الفصل العشرون في الشفعة ص ١٢٤ س ٢٢ قال: والمعتمد انه انما يثبت فيما يصح قسمته خاصة إلا المملوك.

(٧)الانتصار: ص ٢١٥ مسائل الشفعة س ٦ قال: مسألة ومما انفردت به الامامية اثباتهم حق الشفعة في كل شئ من المبيعات الخ.

(٨)المختلف: ج ٣ الفصل العشرون في الشفعة ص ١٢٤ س ٢٠ فانه بعد نقل قول السيد قال: وكذا مذهب ابن الجنيد.

(٩)المهذب: ج ١ كتاب الشفعة ص ٤٥٨ س ١١ قال: وجميع ما هو من ضياع او متاع و عقار او حيوان فان الشفعة تصح فيه وهو الاظهر.

(١٠)السرائر: باب الشفعة واحكامها ص ٢٥١ س ٨ قال: واذا تكاملت شروط استحقاق الشفعة استحقت في كل مبيع من الارضين والحيوان الخ.

٢٣٤

[(الثالث) انه كل مبيع بشرط امكان القسمة، فيخرج الطريق، والنهر، والحمام، والعضائد الضيقة وهو قول الشيخ في النهاية(١) .

(الرابع) انه غير المنقول، والعبد خاصة من المنقولات، نقله المصنف عن بعض الاصحاب(٢) واختاره العلامة في المختلف(٣) وظاهر الحسن ثبوتها في المقسوم ايضا(٤) .

احتج الاولون: بان الشفعة على خلاف الاصل، لان الاصل عدم التسلط على مال المسلم، فيقتصر فيه على موضع الاجماع ويبقى الباقي على الاصل.

وبما روي عن الصادقعليه‌السلام : انما جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الشفعة فيما لا يقسم، فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة(٥) وانما للحصر، والحدود انما يكون في الاملاك.

وروى جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا شفعة الا في ربع او حائط(٦) ]

____________________

(١)النهاية: باب الشفعة واحكامها ص ٤٢٤ س ١٠ قال: ولا شفعة فيما لا يصح قسمته مثل الحمام والارحية وما اشبههما.

(٢)الشرائع: كتاب الشفعة (ما تثبت فيه الشفعة) قال: ومن الاصحاب من اوجب الشفعة في العبد دون غيره من الحيوان.

(٣)تقدم آنفا تحت رقم(٦).

(٤)المختلف: ج ٢ الفصل العشرون في الشفعة ص ١٢٥ س ١٠ قال: وقال ابن أبي عقيل: الشفعة في الاموال المشاعة والمقسومة جميعا.

(٥)سنن أبي ماجه: ج ٢ كتاب الشفعة(٣) باب اذا وقعت الحدود فلا شفعة ص ٨٣٤ الحديث ٢٤٩٩ والحديث عن جابر ولاحظ عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٥ باب الشفعة الحديث ٣ وما علق عليه.

(٦)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٦ باب الشفعة الحديث ٤ وفي المبسوط: كتاب الشفعة ص ١١٨ س ١٦ قال: الشفعة في كل شركة ربع او حائط.

٢٣٥

[وهي للحصر ايضا.

وبرواية سليمان بن خالد عن الصادقعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق(١) .

احتج المعممون: برواية يونس عن بعض رجاله عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن الشفعة لمن هي؟ وفي أي شئ هي؟ ولمن تصلح؟ وهل تكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ فقال: الشفعة جائزة في كل شئ من حيوان او ارض او متاع(٢) وهي مرسلة.

فان قيل: الرواية تدل على الجواز، والكلام في الوجوب.

قلنا: جواز المطالبة بها للشفيع يستلزم لزومها للمشتري، وهذا هو بعينه القول بوجوبه، فان أحدا لم يوجبها على الشريك، بل هي حق له وله اسقاطه اجماعا.

احتج المثبتون لها في العبد بصحيحة الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال في المملوك بين شركاء، يبيع احدهم نصيبه، فيقول الاخر: انا احق، أله ذلك؟ قال: نعم اذا كان واحدا، فقيل له: في الحيوان شفعة؟ فقال: لا(٣) .

احتج الشيخ على مطلوب النهاية: برواية طلحة بن زيد عن جعفر عن ابيه عن عليعليه‌السلام قال: لا شفعة الا لشريك مقاسم(٤) . ولا تتحقق القسمة في البئر والطريق والحمام الضيقة].

____________________

(١)التهذيب: ج ٧(١٤) باب الشفعة ص ١٦٦ الحديث ١٥ وقيه السكونى عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، ورواه في المختلف: ج ٢ ص ١٢٤ س ٢٣ عن سليمان بن خالد ولم اظفر بهذا الحديث عنه.

(٢)التهذيب: ج ٧(١٤) باب الشفعة ص ١٦٤ الحديث ٧.

(٣)التهذيب: ج ٧(١٤) باب الشفعة ص ١٦٦ الحديث ١٢.

(٤)التهذيب: ج ٧(١٤) باب الشفعة ص ١٦٧ الحديث ١٨ وفيه الا لشريك غير مقاسم.

٢٣٦

وفي ثبوتها في الحيوان قولان: المروي انها لا تثبت. ومن فقهائنا من اثبتها في العبد دون غيره ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضائد والحمامات والنهر والطريق الضيق على الاشبه.

[قال طاب ثراه: وفي ثبوتها في الحيوان قولان: المروي انه لا تثبت، ومن فقهائنا من اثبتها في العبد دون غيره.

أقول: البحث في هذه يعرف من البحث السابق.

قال طاب ثراه: ولا تثبت فيما لا يقسم كالعضائد والحمامات، والنهر والطريق الضيق على الاشبه.

أقول: هذا ايضا يعرف من البحث السابق.ونزيده ايضاحا.

فنقول: اختيار المصنف هنا هو اختيار الشيخ في النهاية(١) وهو اختياره في الكتابين(٢)(٣) وبه قال الفقيه(٤) وسلار(٥) .

ومذهب المرتضى وابن ادريس ثبوتها(٦) (٧) عملا بالدليل المقتضي لثبوتها في]

____________________

(١)النهاية: باب الشفعة واحكامها ص ٤٢٤ س ٥ قال: ولا تثبت الشفعة بالاشتراك في الطريق والنهر والساقية الخ.

(٢)المبسوط: ج ٣ كتاب الشفعة ص ١١٩ س ١٢ قال: اذا باع شقصا من مشاع لا يجوز قسمته شرعا كالحمام إلى قوله: فلا شفعة فيها.

(٣)كتاب الخلاف: كتاب الشفعة، مسألة ١٦ قال: اذا باع شقصا من مشاع لا يجوز قسمته شرعا كالحمام والارحية إلى قوله فلا شفعة فيها.

(٤)المختلف: ج ٢، الفصل العشرون في الشفعة ص ١٢٥ س ٢٣ قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط: وبه قال على بن بابويه.

(٥)المراسم: ذكر احكام الشفعة ص ١٨٣ س ١١ قال: فما لا تصح قسمته لا شفعة فيه أيضا.

(٦)الانتصار: مسائل الشفعة ص ٢١٥ س ٦ قال: اثباتهم حق الشفعة في كل شئ إلى قوله: كان ذلك مما يحتمل القسمة او لا يحتملها.

(٧)السرائر: باب الشفعة واحكامها ص ٢٥١ س ٩ قال: في كل مبيع إلى قوله: سواء كان ذلك مما يحتمل القسمة او لم يكن على الاظهر.

٢٣٧

ويشترط انتقاله بالبيع، فلا تثبت لو انتقل بهبة، او صلح، او صداق، او صدقة، او اقرار.

[المبيعات من غير استثاء، ولان الشفعة انما شرعت لازالة الضرر، وهو حاصل في غير المقسوم، ولا فرق بين دوامه وجواز انفكاكه.

واجيب: بان التضرر انما هو من تكلف القسمة لما يلحق من المؤنة، وهذا المعنى غير متحقق في صورة النزاع، لان ما لا يمكن لا يطلب، اذ التقدير انه لا يمكن قسمته، فقد ظهر الفرق بين الصورتين.

ولما رواه جابر ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: انما جعلت الشفعة فيما لا يقسم فاذا وقعت الحدود وصرفت الطريق فلا شفعة(١) .

ووجه الدلالة: انه أتى بالالف واللام وهما هنا للجنس، فكان تقدير الكلام: جنس الشفعة فيما لا تقسم ولم يقيد نفي الماضي.

وفي معناها (لما) و (لا) لنفي الابد، ولهذا صح دخولها على ما لا يصح قسمته شرعا، فيقال: السيف لا يقسم، ولا يقال: لم يقسم، لانه لا يصح اتصافه بالقسمة شرعا.واما (لم) فلا تدخل الا على ما يمكن قسمته شرعا، ويصح اتصافه بالقسمة في وقت ما من الاوقات، ويؤيد قولهعليه‌السلام في تمام الحديث (فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق) فلا قسمة فيما لا يتحقق فيه تمايز الحدود.وصرف الطرق ليس مرادا في الخبر، وقد تصدر فيه ب‍ (انما) وهي للحصر، فيفيد انتفاء الشفعة في صورة النزاع.ويعلم من هذا انتفائها عن المنقولات على اختلاف ضروبها، لان الحدود انما تكون في الاملاك].

____________________

(١)سنن ابن ماجة: ج ٢ كتاب الشفعة(٣) باب اذا وقعت الحدود فلا شفعة ص ٨٣٤ الحديث ٢٤٩٩.

٢٣٨

ولو كان الوقف مشاعا مع طلق فباع صاحب الطلق لم تثبت للموقوف عليه، وقال المرتضى: تثبت وهو اشبه.

[قال طاب ثراه: ولو كان الوقف مشاعا مع طلق، فباع صاحب الطلق لم يثبت للموقوف عليه شفعة، وقال المرتضى: يثبت.

أقول: مختار السيد(١) هو مذهب التقي(٢) وعدم الثبوت مذهب الشيخ في المبسوط(٣) وقال ابن ادريس: ان كان الموقوف عليه واحد ثبتت الشفعة(٤) واختاره العلامة في المختلف(٥) .

والحاصل: ان هنا ثلاثة اقوال.

(أ) ثبوتها للموقوف عليه وان كان متعددا، كالمساكين، والاخذ للناظر، وهو قول السيد.

(ب) عدم الثبوت مطلقا، وهو قول المبسوط.

(ج) ثبوتها مع وحدة الموقوف عليه، وهو مذهب العلامة وابن ادريس. احتج السيد بعموم ثبوت الشفعة للشريك، وهو اعم من الواحد وما زاد.

واحتج الشيخ: بعدم انحصار الحق في الموقوف عليه، وبعدم الانتقال اليه.

واحتج ابن ادريس: بانه شريك واحد، فكان له الشفعة كالطلق].

____________________

(١)الانتصار: في مسائل الشفعة ص ٢٢٠ س ٢٣ قال: (مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بان لامام المسلمين وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظرون فيها على المساكين او على المساجد ومصالح المسلمين.

(٢)لم اعثر عليه في الكافي ولا في غيره من مظانه.

(٣)المبسوط: ج ٣ كتاب الشفعة ص ١٤٥ س ١٦ قال: اذا كان نصف الدار وقفا ونصفها طلقا فبيع الطلق لم يستحق اهل الوقف الشفعة بلا خلاف.

(٤)السرائر: باب الشفعة واحكامها ص ٢٥٣ س ١٥ قال: فان كان الوقف على واحد صح ذلك.

(٥)المختلف: ج ٢ في احكام الشفعة ص ١٢٩ س ٣١ قال: بعد نقل قول ابن ادريس: وهو الاقوى.

٢٣٩

(النظر الثاني) في الشفيع

وهو كل شريك بحصته مشاعة قادر على الثمن. فلا تثبت للذمي على مسلم، ولا بالجوار، ولا لعاجز عن الثمن، ولا فيما قسم وميز الا بالشركة في الطريق او النهر اذا بيع احدهما او هما مع الشقص.وتثبت بين شريكين. ولا تثبت لما زاد على اشهر الروايتين.

[قال طاب ثراه: وتثبت بين شريكين ولا تثبت لما زاد على اشهر الروايتين.

أقول: المشهور ان الشفعة لا تثبت مع كثره الشفعاء وهو اختيار الشيخ(١) وبه قال السيد(٢) وابن ادريس(٣) وسلار(٤) والتقي(٥) والقاضي(٦) وابن زهره(٧) .

وبالثبوت قال الصدوق(٨) وابوعلي(٩) .

وهل هي على قدر السهام، او على عدد الرؤوس؟ على الاول ابوعلي(١٠) وعلى]

____________________

(١)النهاية: باب الشفعة واحكامها ص ٤٢٤ س ٢ قال: واذا زاد الشركاء على اثنين بطلت الشفعة.

(٢)الانتصار: مسائل الشفعة ص ٢١٦ س ١٧ قال: (مسألة) ومما انفردت به الامامية إلى قوله: واذا زاد العدد على اثنين فلا شفعة.

(٣)السرائر: باب الشفعة واحكامها ص ٣٥٠ س ١٥ قال: فشروط استحقاقها ستة إلى قوله: وان يكون الشريك واحدا على الصحيح من المذهب.

(٤)المراسم: ذكر أحكام الشفعة ص ١٨٣ س ٤ قال: فما كان مالكه زائدا على اثنين فلا شفعة فيه.

(٥)الكافي: فصل في الشفعة ص ٣٦١ س ٤ قال: منها كون المبيع سهما من اثنين الخ.

(٦)المهذب: ج ١ كتاب الشفعة ص ٤٥٣ س ٩ قال: واذا كان اثنان شريكين في دار وليس فيها شريك غيرهما إلى قوله: كان لشريكه الشفعة.

(٧)الغنية: في الجوامع الفقهية، فصل في الشفعة ص ٥٩٠ س ١٥ قال: وشروطها ستة إلى قوله: وان يكون واحدا.

(٨)من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٣٦) باب الشفعة ص ٤٦ قال بعد نقل حديث ١٠ من قولهعليه‌السلام : (فان زاد على اثنين فلا شفعة) مالفظه: يعني بذلك الشفعة في الحيوان وحده، فاما في غير الحيوان فالشفعة واجبة وان كانوا اكثر من اثنين.

(٩)و(١٠) المختلف: ج ١ في احكام الشفعة ص ١٢٦ س ١٣ قال: وقال ابن الجنيد: الشفعة على قدر السهام من الشركة، ولو حكم بها على عدد الشفعاء جاز.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وهو نقص ماء الجسم وأملاح الدم وعلاجه لا يكون إلّا بشرب الماء وتناول الأملاح الإضافية.

هذا نموذج بسيط من النظم والحساب في تركيب جسمنا ، كما نلاحظ أحيانا أنّ دقّة المقاييس في تركيب مخلوقات أدقّ وأظرف كالخلايا ، وأدقّ منها عالم الذرّات تكون إلى درجة من الدقّة بحيث تقاس بـ (واحد على الألف) وأحيانا بـ (واحد على المليون) من الملمتر أو الملغرام ، حيث أنّ العلماء اضطرّوا لحساب هذه الموازين الدقيقة إلى الاستعانة بالعقول الألكترونية.

هذا في النظام الكوني ، والأمر كذلك في الأمور الاجتماعية ، حيث أنّ أي انحراف في تطبيق قوانين العدل قد يؤدّي إلى فناء شعب.

وقد بيّن القرآن الكريم هذه الحقيقة قبل أربعة عشر قرنا وذكر كلّ ما يستحقّ الذكر بهذا الصدد حيث يقول سبحانه :( وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ) .

لقد جعل الله سبحانه الطغيان والتمرّد على القوانين الشرعية ، مقارنا مع الطغيان والتمرّد على القوانين الكونية التي تحكم الوجود كلّه ، إنّه تصوير رائع استعمله القرآن الكريم عن عالم الوجود تارة ، وعالم الإنسان اخرى ، كما ورد في الآيات الكريمة. وليس هذا فحسب ، بل إنّه سبحانه شمل بوصفه هذا عالم الآخرة (يوم الحساب) ونصب الموازين ، بل وحتّى طبيعة الحساب والموازين حيث إنّها من الدقّة على قدر عجيب! ولهذا السبب فقد أمرنا ـ كما ورد ذلك في الرّوايات الإسلامية ـ أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب وأن نزنها قبل أن توزن.

«وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا».

* * *

٣٨١

الآيات

( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) )

التّفسير

الصلصال وخلق ، الإنسان :

إنّ الله تعالى بعد ذكره للنعم السابقة والتي من جملتها( خَلَقَ الْإِنْسانَ ) .

يتعرّض في الآيات مورد البحث إلى شرح خاص حول خلق الإنس والجنّ كدليل على قدرته العظيمة ، من جهة وموضع درس وعبرة للجميع من جهة اخرى ، فيقول سبحانه :( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ) .

«صلصال» في الأصل معناه (ذهاب ورجوع أو تردّد الصوت في الأجسام الصلبة) ثمّ أطلقت الكلمة على الطين اليابس الذي يخرج صوتا ، كما تطلق (الصلصلة) على الماء المتبقّي في الوعاء ، لأنّه يخرج صوتا عند حركته في الوعاء.

ويفسّر البعض كلمة (صلصال) بمعنى الطين الخبيث الرائحة ، إلّا أنّ المعنى الأوّل هو الأشهر والأعرف.

٣٨٢

«فخار» من مادّة (فخر) بمعنى الشخص الذي يفخر كثيرا ، ولكون الأشخاص الذين يعيشون الفراغ في شخصياتهم ومعنوياتهم يكثرون الثرثرة والادّعاء عن أنفسهم ، فإنّ هذه الكلمة تستعمل لكلّ إناء من الطين أو «الكوز» ، وذلك بسبب الأصوات الكثيرة التي يولّدها(١) .

ومن هنا يستفاد بوضوح من الآيات القرآنية المختلفة حول مبدأ خلق الإنسان ، أنّه كان من التراب ابتداء ، قال تعالى :( فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ) .(٢) ثمّ خرج مع الماء وأصبح طينا.( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ) .(٣) ثمّ أصبح بصورة طين خبيث الرائحة( إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) .(٤) ثمّ أصبح مادّة في حالة لاصقة ،( إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) (٥) ومن ثمّ يتحوّل إلى حالة يابسة ويكون من( صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ) كما ذكر في الآية مورد البحث.

هذه المراحل كم تستغرق من الوقت؟ وكم هي المدّة التي يتوقّف فيها الإنسان في كلّ مرحلة من هذه المراحل؟ ، وفي أي ظروف تحدث هذه التطوّرات؟

هذه المسائل خفيت عن علمنا وإدراكنا ، والله وحده هو العالم بها فقط.

ومن الواضح أنّ هذه التعابير تبيّن حقيقة ترتبط ارتباطا وثيقا مع الأمور التربوية للإنسان ، حيث أنّ المادّة الأوّلية في خلق الإنسان هي مادّة لا قيمة لها ، ومن أحقر المواد على الأرض ، إلّا أنّ الله تعالى قد خلق من تلك المادّة الحقيرة مخلوقا ذا شأن ، بل يمثّل قمّة المخلوقات على وجه الأرض ، حيث أنّ القيمة الواقعيّة للإنسان هي الروح الإلهية (النفخة الربّانية) فيه ، والتي ذكرت في الآيات

__________________

(١) المفردات للراغب.

(٢) الحجّ ، ٥.

(٣) الأنعام ، ٢.

(٤) الحجر ، ٢٨

(٥) الصافات ، ١١.

٣٨٣

القرآنية الاخرى (كما في سورة الحجر) وذلك ليعرف الإنسان قيمته الحقيقيّة في عالم الوجود ويسير في طريق التكامل على بيّنة من أمره.

ثمّ يتطرّق سبحانه لخلق الجنّ حيث يقول :( وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ) .

«مارج» في الأصل من (مرج) على وزن (مرض) بمعنى الاختلاط والمزج ، والمقصود هنا اختلاط شعل النيران المختلفة ، وذلك لأنّ النيران أحيانا تكون بألوان مختلفة الأحمر ، الأصفر ، الأزرق ، وأخيرا اللون الأبيض.

ويقول البعض : إنّ معنى التحرّك موجود فيها أيضا ، وذلك من (أمرجت الدابة) يعني (تركت الحيوان في المرتع) لأنّ أحد معاني «المرج» هو المرتع.

ولكن كيف خلق الجنّ من هذه النيران المتعدّدة الألوان؟ هذا ما لم يعرف بصورة دقيقة ، كما أنّ الخصوصيات الاخرى عن هذا المخلوق ، قد بيّنت لنا عن طريق الوحي الربّاني وكتاب الله الكريم ، ولكن محدودية معلوماتنا لا تعني السماح لنا أبدا بإنكار هذه الحقائق أو تجاوزها ، خاصّة بعد ما ثبتت عن طريق الوحي الإلهي.

(وسيكون لنا إن شاء الله شرح مقصّل حول خلق الجنّ وخصوصيات هذا المخلوق في تفسير سورة الجنّ).

وعلى كلّ حال ، فإنّ أكثر الموجودات التي نتحدّث عنها هي : الماء والتراب والهواء والنار ، سواء كانت هذه الموجودات عناصر بسيطة كما كان يعتقد القدماء ، أو مركّبة كما يعتقد العلماء اليوم ، ولكن على كلّ حال فإنّ مبدأ خلق الإنسان هو الماء والتراب ، في حين أنّ مبدأ خلق الجنّ هو الهواء والنار ، وهذا الاختلاف في مبدأ خلقة هذين الموجودين مصدر اختلافات كثيرة بين هذين المخلوقين.

وبعد أن تحدّث عن النعم التي كانت في بداية خلق الإنسان يكرّر تعالى قوله تعالى :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

في الآية اللاحقة يستعرض نعمة اخرى حيث يقول سبحانه :( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ

٣٨٤

وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) .

بما أنّ الشمس في كلّ يوم تشرق من نقطة وتغرب من اخرى ، وبعدد أيّام السنة لها شروق وغروب ، ولكن نظرا للحدّ الأكثر من الميل الشمالي للشمس والميل الجنوبي لها ، ففي الحقيقة أنّ للشمس مشرقين ومغربين والبقيّة بينهما(١) .

إنّ هذا النظام الذي هو سبب وجود الفصول الأربعة له فوائد وبركات كثيرة ، ويؤكّد ويكمّل ما مرّ بنا في الآيات السابقة ، وذلك لأنّ الحديث كان عن حساب سير الشمس والقمر ، وكذلك عن وجود الميزان في خلق السماوات ، وإجمالا فإنّه يبيّن النظام الدقيق للخلقة وحركة الأرض والقمر والشمس ، وكذلك فإنّه يشير إلى النعم والبركات التي هي موضع استفادة الإنسان.

ويرى البعض أنّ المقصود بالمشرقين والمغربين هو طلوع وغروب الشمس ، وطلوع وغروب القمر ويعتبرون هذا هو المناسب لتفسير الآية الكريمة( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ) إلّا أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب ، خصوصا وأنّ الرّوايات الإسلامية قد أشارت إلى ذلك.

ومن جملة هذه الرّوايات حديث لأمير المؤمنينعليه‌السلام في تفسير هذه الآية حيث يقول : «إنّ مشرق الشتاء على حدة ، ومشرق الصيف على حدّه ، أما تعرف ذلك من قرب الشمس وبعدها؟»(٢) .

ويتّضح بذلك معنى قوله تعالى :( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ) ،(٣)

__________________

(١) توضيح : لما كان محور الأرض مائلا بالنسبة لسطح مدارها وبشكل زاوية بحدود ٢٣ درجة ، والأرض بهذه الصورة تدور حول الشمس ، لذا فإنّ شروق الشمس وغروبها متغيّر دائما أيضا كما يبدو من ٢٣ درجة والتي تمثّل أعظم الانحراف باتّجاه الشمال (في بداية الصيف) إلى ٢٣ درجة في قمّة الانحراف باتّجاه الجنوب (بداية الشتاء) ، ويسمّى المدار الأوّل لها مدار «رأس السرطان» والمدار الثاني مدار «رأس الجدي» ، وهذان هما مشرقا ومغربا الشمس ، وبقيّة المدارات في داخل هذين المدارين.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٩٠ (المقصود هو ارتفاع الشمس في السماء في فصل الصيف ونزولها في فصل الشتاء).

(٣) المعارج ، ٤٠.

٣٨٥

حيث يشير هنا إلى جميع مشارق ومغارب الشمس على طول أيّام السنة. في الوقت الذي تشير الآية مورد البحث إلى نهاية القوس الصعودي والنّزولي لها فقط.

وعلى كلّ حال فإنّ الله تعالى يؤكّد هذه النعمة بعد نعمة خلق الإنس والجنّ بقوله :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

* * *

٣٨٦

الآيات

( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥) )

التّفسير

البحار وذخائرها الثمينة :

استمرارا لشرح النعم الإلهيّة يأتي الحديث هنا عن البحار ، ولكن ليس عن خصوصيات البحار بصورة عامّة ، بل عن كيفية خاصّة ومقاطع معيّنة منها تمثّل ظواهر عجيبة وآية على القدرة اللامتناهية للحقّ ، بالإضافة إلى ما فيها من النعم التي هي موضع استفادة البشرية.

يقول تعالى :( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ) ولكن بين هذين البحرين المتلاقيين فاصل يمنع من طغيان وغلبة أحدهما على الآخر :( بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ) .

مادّة (مرج) على وزن (فلج) بمعنى الاختلاط ، أو إرسال الشيء وتركه ، وهنا وردت بمعنى إرسال الشيء ووضعه جنبا إلى جنب بقرينة الآية :( بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا

٣٨٧

يَبْغِيانِ ) .

المقصود من البحرين هما الماء العذب والماء المالح ، وذلك بالاستدلال بقوله تعالى :( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً ) .(١)

والتساؤل هنا عن مكان هذين البحرين اللذين لا يمتزجان مع بعضهما ، وما هو البرزخ الموجود بينهما؟ هناك كلام كثير بين المفسّرين حول هذه المسألة ، إلّا أنّ بعض التّفسيرات تدلّل على عدم اطّلاعهم على أوضاع البحار في ذلك الزمان ، منها أنّهم ذكروا أنّ المقصود من البحرين هما (بحر فارس وبحر الروم) في الوقت الذي نعلم أنّ ماء هذين البحرين مالح ، ولا يوجد بينهما برزخ.

أو قولهم : إنّ المقصود بذلك هو بحر السماء وبحر الأرض ، والذي يكون الأوّل عذبا والثاني مالحا ، في الوقت الذي نعلم أيضا بعدم وجود بحر في السماء باستثناء الغيوم والبخار التي يتبخّر من المحيطات.

وقالوا أيضا : إنّ المقصود من البحر العذب هو المياه التي تحت الأرض والتي لا تختلط مع مياه البحار ، والبرزخ الموجود بينهما هي جدران هذه الآبار.

في الوقت الذي نعلم أيضا أنّ الماء الموجود تحت الأرض أقلّ من أن يشكل بحرا.

نعم إنّ جزئيات الماء المخفية بين طبقات التراب والرمل تتجمّع تدريجيّا ، وتخرج عند ما يحفر بئر في نقطة معيّنة ، وهي كميّة محدودة بالإضافة إلى عدم وجود اللؤلؤ والمرجان فيها.

إذا ما هو المقصود من هذين البحرين؟

لقد أشرنا سابقا إلى هذه الحقيقة في تفسير سورة الفرقان ، وهي أنّ الأنهار

__________________

(١) الفرقان ، ٥٣.

٣٨٨

العظيمة ذات المياه العذبة عند ما تصبّ في البحار والمحيطات فإنّها تشكّل بحرا من الماء الحلو إلى جنب الساحل وتطرد الماء المالح إلى الخلف ، والعجيب أنّ هذين الماءين لا يمتزجان مع بعضهما لمدّة طويلة بسبب اختلاف درجة الكثافة.

وتلاحظ هذه المناظر بوضوح عند السفر بالطائرة في المناطق التي تكون فيها هذه الظاهرة ، حيث المياه العذبة تمثّل بحرا منفصلا في داخل البحر المالح ومنفصلة عنها ، وعند ما تمتزج أطراف هذين البحرين فإنّ المياه العذبة الجديدة تأخذ مكانها بحيث أنّ هذين البحرين منفصلان على الدوام بشكل ملفت للنظر.

والظريف هنا ما يحصل في حالة (مدّ البحر) فبارتفاع سطح المحيط إلى الأعلى ، فإنّ المياه العذبة ترجع إلى الداخل دون أن تختلط مع المياه المالحة ـ باستثناء سنوات الجدب التي تنعدم فيها الأمطار ويشحّ الماء ـ وتغطّي قسما من اليابسة ، لذلك فكثيرا ما تستثمر هذه الحالة بإيجاد أنهار وقنوات في المناطق الساحلية حيث تسقى بهذه الطريقة الكثير من الأراضي الزراعية.

إنّ هذه الأنهر توجد ببركة وحركة (المدّ والجزر) الساحليتين وتأثيرهما على مياه هذه الأنهار التي تمتلئ وتفرغ مرّتين في كلّ يوم بالماء العذب ، ممّا يتيح فرصة طيّبة لسقي مناطق واسعة من الأراضي الزراعية.

ويوجد تفسير رائع آخر لهذين البحرين ، حيث قالوا : إنّ المقصود منهما يحتمل أن يكون ظاهرة (كلف استريم) والذي سيأتي شرحها في آخر هذه الآيات إن شاء الله.

ومرّة اخرى يخاطب الله تعالى عباده في معرض حديثه عن هذه النعم حيث يسألهم سبحانه :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

واستمرارا لهذا الحديث يقولعزوجل :( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

اللؤلؤ والمرجان : وسيلتان للتجميل والزينة ، ويستفاد منهما أيضا في معالجة

٣٨٩

بعض الأمراض ، كما أنّهما ثروة تجارية أيضا ووسيلة جيّدة للربح الوفير ، ولهذه الموارد أشير إليهما كنعمتين إلهيتين للعباد.

أمّا «اللؤلؤ» فهو حبّة شفّافة ثمينة تنمو في داخل الصدف في أعماق البحار ، وكلّما كبر حجمها زاد ثمنها ، ولها استعمالات واسعة في الطبّ ، حيث كان الأطباء سابقا يستحضرون منها بعض الأدوية التي تفيد في تقوية القلب والأعصاب ، وعلاج أنواع الخفقان وتقوية الكبد وعلاج اليرقان ، ومعالجة الخوف والوحشة ، ورفع الرائحة النتنة من الفمّ ، وكذلك الحصى في الكلية ولمثانة ، ويستفاد منهما أيضا في علاج بعض أمراض العين.

«المرجان» : فسّر البعض المرجان بأنّه اللؤلؤ الصغيرة ، إلّا أنّه في الحقيقة شيء آخر ، فهو كائن حيّ يشبه الغصن الصغير للشجرة ، وينشأ في أعماق البحار ، وكان العلماء يتصوّرون لفترة زمنية أنّ هذه الشجرة نوع من أنواع النباتات ، إلّا أنّه اتّضح فيما بعد أنّه نوع من الحيوانات ، بالرغم من أنّه يلتصق بالصخور الموجودة في أعماق البحر ويغطّي مساحات واسعة أحيانا وينمو تدريجيّا بحيث يشكّل جزرا تعرف بالجزر المرجانية ، وينمو المرجان غالبا في المياه الراكدة ، ويصطاده الصيادون من سواحل البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسّط وفي مناطق اخرى.

وأفضل أنواع المرجان الذي يستعمل للزينة هو المرجان ذو اللون الأحمر ، وكلّما كان احمراره أشدّ كانت قيمته أغلى وأثمن ، وهو مادّة خصبة لتشبيهات الشعراء ، كما أنّ أردأ أنواع المرجان هو المرجان الأبيض ويوجد بكثرة ، وما بين النوعين هو المرجان الأسود.

وإضافة إلى استعمال المرجان كحليّ وزينة ، فإنّ له استعمالات طبيّة حيث ذكروا له خواصا كثيرة منها أنّه يصنع منه بعض الأدوية الخاصّة بتقوية القلب ، وكذلك دفع سمّ الأفعى ، وتقوية الأعصاب ، ومعالجة الإسهال ، ونزيف الرحم ،

٣٩٠

وعلاج الصرع(١) .

والنقطة الاخرى التي يجدر بنا ذكرها هنا أنّ بعض المفسّرين صرّحوا بأنّ اللؤلؤ والمرجان ينشآن فقط في المياه المالحة ، ممّا أوقعهم في إشكال في تفسير الآية( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) فذهبوا إلى أنّ المقصود هو أحدهما كما في الآية (٣١) من سورة الزخرف.

إلّا أنّ مثل هذا التّفسير لا يدعمه دليل ، حيث صرّح البعض بأنّ اللؤلؤ والمرجان يعيشان في الماء العذب والمالح على السواء.

واستمرارا لهذا القسم من النعم الإلهيّة يشير سبحانه إلى موضوع (السفن) التي هي في الحقيقة أكبر وأهمّ وسيلة لنقل البشر وحمل الأمتعة في الماضي والحاضر ، حيث يقول سبحانه :( وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ) .

«جوار» : جمع جارية ، وهي وصف للسفن ، وحذفت للاختصار لأنّ التركيز الأكثر كان على سير وحركة السفن ، لذا اعتمد هذا الوصف.

كما تطلق جارية على (الأمة) ، وذلك بسبب حركتها وسعيها في إنجاز الأعمال والخدمات ، وتطلق أيضا على الفتيات الشابّات وذلك لجريان النشاط فيهنّ.

«منشآت» جمع (منشأ) وهو اسم مفعول من (إنشاء) بمعنى إيجاد ، والظريف هنا أنّه في الوقت الذي يعبّر عن «منشآت» والتي تحكي أنّها مصنوعة بواسطة الإنسان ، يقول سبحانه (وله) أي لله تعالى وهو إشارة إلى أنّ جميع الخواص التي يستفاد منها في صناعة السفن ، والتي منحها الله للبشر المخترعين لهذه الصناعة هي لله ، وكذلك فانّه هو الذي أعطى خاصية السيولة لمياه البحر والقوّة للرياح ، وأنّ الله تعالى هو الذي أوجد هذه الخواص في المواد المتعلّقة بالسفيّنة ، وهذا ما عبّر

__________________

(١) دائرة المعارف فريد وجدي وكتب اخرى.

٣٩١

عنه القرآن الكريم بالتسخير أيضا ، حيث يقول سبحانه :( وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ) .(١)

وفسّر البعض «منشأ» من مادّة (إنشاء) بمعنى ارتفاع الشيء ، واعتبروها إشارة إلى أشرعة السفن التي تستخدم كقوّة في حركة السفينة ، وذلك بسبب دفع الرياح لها.

«أعلام» : جمع (علم) على وزن (قلم) ، بمعنى (جبل) بالرغم من أنّها في الأصل بمعنى (علامة وأثر) والذي يخبر عن شيء معيّن ، ولأنّ الجبال تكون واضحة من بعد فإنّه يعبّر عنها بـ (العلم) كما أنّ لفظة (علم) تطلق أيضا على «الراية».

وبهذا فإنّ القرآن الكريم نوّه هنا بالسفن الكبيرة التي تتحرّك على سطح المحيطات والبحار ، وعلى خلاف ما يتصوّره البعض فانّ السفن الكبيرة لا تختص بعصر الماكنة والبخار ، بل لقد استفاد اليونانيون وغيرهم من السفن الكبيرة في نقل قواتهم وجيوشهم.

ومرّة اخرى يكرّر سبحانه هذا السؤال العميق المغزى بقوله تعالى :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

* * *

بحوث

١ ـ البحر مركز النعم الإلهيّة

لا حظنا في هذا القسم من الآيات إشارة إلى البحر وأهميّته في الحياة البشرية ، وكما نعلم فإنّ مياه البحار والمحيطات تشكّل ثلاثة أرباع سطح الكرة

__________________

(١) إبراهيم ، ٣٢.

٣٩٢

الأرضية ، وهي منبع عظيم للمواد الغذائية ، والطبية ، وأدوات الزينة ، ووسيلة مهمّة لنقل البشر وحمل البضائع ، والأهمّ من ذلك فإنّ نزول الأمطار واعتدال الهواء ، وحتّى قسم من هبوب الرياح هي من بركات البحار ، فإذا كان سطح البحار أقلّ أو أكثر ممّا هو عليه ، فإنّ الكرة الأرضية إمّا أن تصبح يابسة أو رطبة لدرجة لا يمكن العيش فيها.

لذلك نرى أنّ القرآن الكريم قد ذكّر الإنسان ـ لعدّة مرّات وبتعبيرات مختلفة بهذه النعمة العظيمة ، ودعاه للتفكير بها ، حيث يقول سبحانه :( سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ ) الجاثية.

ويقول مرّة اخرى :( وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ ) إبراهيم.

وقال سبحانه :( سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ) الحجّ.

وإذا تجاوزنا كلّ ذلك فإنّ البحر هو دار العجائب حيث فيه أصغر النباتات المجهرية ، وكذلك أطول أشجار العالم ، وفيه أيضا أصغر الحيوانات وكذلك أعظمها وأضخمها.

كما أنّ الحياة في أعماق البحار حيث لا ضوء ولا غذاء عجيبة إلى درجة أنّ الشخص لا يملّ من مطالعتها والاطلاع عليها ، وكلّما تعرف الإنسان على شيء منها إزداد شغفا بها ، والعجيب أيضا أنّ قسما من الحيوانات هنالك تشعّ أضواء وتصنع مادّتها الغذائية على سطح البحر ومن ثمّ تترسّب ، كما أنّ أطرافها محكمة ومقاومة إلى درجة أنّها تتحمّل ضغط الماء العظيم الذي إذا وضع الإنسان في حالته الطبيعيّة هناك فانّ عظامه تتحوّل إلى طحين.

٢ ـ الأنهار البحرية العظيمة والكلف استيرين

من العجائب الموجودة في محيطات العالم هو وجود أنهار عظيمة وتيارات بحرية كبيرة ، وأقوى هذه الأنهار يسمّى (گلف استيرين). إنّ هذا النهر العظيم

٣٩٣

يتحرّك من سواحل أمريكا المركزية ويسير في جميع المحيط الأطلسي حتّى يصل إلى سواحل أوروبا الشمالية.

والمعروف أنّ مياهه التي تسير من مناطق قريبة من خطّ الإستواء تكون حارة بل حتّى أنّ لونها يختلف عن لون المياه المجاورة ، والعجيب أنّ عرض هذا النهر البحري العظيم (الكلف استيرين) بحدود (١٥٠) كم ، كما أنّ أعمق نقطة فيه تبلغ مئات الأمتار ، وسرعته في بعض المناطق شديدة بحيث تبلغ في اليوم الواحد بـ ١٦٠ كم.

إنّ اختلاف درجة حرارة هذا النهر مع المياه المجاورة بحدود ١٠ ـ ١٥ درجة مئوية ، لذا فإنّ ساحله الغربي يسمّى بالجدار البارد.

والكلف أستيرين يسبّب رياحا حارّة ويدفع قسما كبيرا من حرارته باتّجاه مدن أوروبا الشمالية ، حيث يؤثّر على مناخ تلك البلدان بحيث يكون معتدلا للغاية ، ويحتمل أن يكون العيش صعبا للغاية في هذه المناطق لو لم يوجد هذا المجرى العظيم.

ونكرّر مرّة اخرى أنّ (الكلف استيرين) هو أحد الأنهار في المحيطات ، وهناك أنهار اخرى كثيرة في بحار ومحيطات العالم.

إنّ السبب الأساس في تكوين هذه الأنهار البحرية هو اختلاف حرارة المنطقة الإستوائية والمناطق القطبية والتي توجد هذه الحركة في مياه البحار.

ويمكن استيعاب هذا الموضوع بتجربة بسيطة :

فإذا كان لدينا ماء في وعاء كبير ، ووضعنا في جانب منه قطعة ثلجية ، وفي الجهة الاخرى قطعة حديدية حارّة ، ووضعنا على سطح الماء قليلا من التبن ، فإنّنا سنلاحظ ظهور حركة على سطح الماء حيث يتحرّك الماء ببطء من المنطقة الحارّة باتّجاه المنطقة الباردة.

إنّ مثل هذه الحالة تحصل في كلّ بحار العالم ، وهي مصدر ظهور هذه الأنهار

٣٩٤

البحرية.

والعجيب أنّ هذه الأنهار العظيمة لا تمتزج مع المياه حولها إلّا قليلا ، وتسير آلاف الكيلومترات على هذه الصورة ، وبذلك تعبّر عن مصداقية الآية الكريمة( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ) .

والملفت للنظر أنّ في نقطة التقاء هذه المياه الحارّة مع المياه الباردة ، تحدث ظاهرة مفيدة جدّا للإنسان ، وهي حدوث حالة من الإغماء أو الموت الجماعي للحيوانات المجهرية المعلّقة في الماء وذلك في نقطة التماس والالتقاء بين المياه الحارّة والمياه الباردة وبهذا تتوفّر في هذه المناطق مواد غذائية كثيرة لا حصر لها وتكون سببا في جذب قطعان الأسماك الكبير ، حيث يقصد الصيادون هذه المناطق للاستفادة من صيد هذه الحيوانات ، وتعتبر هذه المنطقة من أفضل المناطق في العالم لصيد الأسماك(١) .

وهذا يمثّل أحد التفاسير للآيات أعلاه ، وهو لا يتنافى مع التفاسير الاخرى ، ولذا يمكن الجمع بينهما.

٣ ـ تفسير من أعماق الآيات

نقل في حديث للإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ) أنّه قال : «وعلي وفاطمةعليهما‌السلام بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه.( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) قال : الحسن والحسين»(٢) .

ونقل هذا المعنى عن بعض أصحاب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير الدرّ المنثور(٣) .

ونقله العلّامة الطبرسي في مجمع البيان مع اختلاف يسير.

__________________

(١) دائرة المعارف (الثقافية) ج ١٢ ص ١٢٢٨ ، وكذلك مجلة الميناء والبحر عدد ٤ ص ١٠٠ بالإضافة إلى مصادر اخرى.

(٢) تفسير القمّي ، ج ٢ ، ص ٣٤٤.

(٣) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٤٢.

٣٩٥

ومن هنا نعلم أنّ القرآن الكريم له بطون ، وأنّ آية واحدة يمكن أن تكون لها معان متعدّدة بل عشرات المعاني. والتّفسير الأخير هو من بطون القرآن ، ولا يتنافى مع المعاني الظاهرية له.

٣٩٦

الآيات

( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) )

التّفسير

كلّ شيء هالك إلّا وجهه :

استمرارا لشرح النعم الإلهيّة ، في هذه الآيات يضيف سبحانه قوله :( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) وهنا يتساءل كيف يكون الفناء نعمة إلهية؟

وللجواب على هذا السؤال نذكر ما يلي : يمكن ألّا يكون المقصود بالفناء هنا هو الفناء المطلق ، وإنّما هو الباب الذي يطلّ منه على عالم الآخرة ، والجسر الذي لا بدّ منه للوصول إلى دار الخلد ، بلحاظ أنّ الدنيا بكلّ نعمها هي سجن المؤمن ، والخروج منها هو التحرر من هذا السجن المظلم.

أو أنّ النعم الإلهيّة الكثيرة ـ المذكور سابقا ـ يمكن أن تكون سببا لغفلة البعض وإسرافهم فيها بأنواع الطعام والشراب والزينة والملابس والمراكب وغير

٣٩٧

ذلك. ممّا يستلزم تحذيرا إلهيّا للإنسان ، بأنّ هذه الدنيا ليست المستقّر ، فالحذر من التعلّق بها ، ولا بدّ من الاستفادة من هذه النعم في طاعة الله إنّ هذا التنبيه والتذكير بالرحيل عن هذه الدنيا هو نعمة عظيمة.

الضمير في (عليها) يرجع إلى الأرض التي ورد ذكرها في الآيات السابقة ، بالإضافة إلى القرائن الاخرى الموجودة ، لذا فهو واضح.

كما أنّ المقصود( مَنْ عَلَيْها ) هم الجنّ والإنس مع العلم أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّ الحيوانات والكائنات الحيّة جميعا مشمولة بهذا المعنى.

وبما أنّ كلمة (من) تستعمل غالبا للعاقل ، لذا فالمعنى الأوّل هو الأنسب.

صحيح أنّ مسألة الفناء لا تنحصر بالإنس والجنّ فقط ، ولا تختّص بالكائنات الموجودة على الأرض فحسب ، حيث يصرّح القرآن الكريم بأنّ أهل السماء والأرض جميعا يفنون ، وذلك في قوله :( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) ،(١) ولكن لمّا كان الحديث يدور حول أهل الأرض ، لذا فهم المقصودون.

ويضيف في الآية اللاحقة قوله سبحانه :( وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) .

«وجه» معناه اللغوي معروف وهو القسم الأمامي للشيء بحيث يواجهه الإنسان في الطرف المقابل ، واستعمالها بخصوص لفظ الجلالة يقصد به (الذات المقدّسة).

فسّر البعض( وَجْهُ رَبِّكَ ) بمعنى الصفات الإلهية المقدّسة ، التي عن طريقها تنزل نعم وبركات الله على الإنسان كالرحمة والمغفرة والعمل والقدرة.

ويحتمل أن يكون المقصود هي الأعمال التي تنجز من أجل الله ، وبناء على هذا فالجميع يفنى ، والشيء الباقي هي الأعمال التي تنجز بإخلاص ولرضى الله

__________________

(١) القصص ، ٨٨.

٣٩٨

تعالى

إلّا أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب.

أمّا( ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) والذي هو وصف لـ (الوجه) فإنّه يشير إلى صفات الجمال والجلال لله سبحانه ، لأنّ( ذُو الْجَلالِ ) تنبّئنا عن الصفات التي يكون الله أسمى وأجلّ منها (الصفات السلبية). وكلمة «الإكرام» تشير إلى الصفات التي تظهر حسن وقيمة الشيء ، وهي الصفات الثبوتية لله سبحانه كعلمه وقدرته.

وبناء على هذا فإنّ معنى الآية بصورة عامّة يصبح كالآتي : إنّ الباقي في هذا العالم هو الذات المقدّسة لله سبحانه ، والتي تتّصف بالصفات الثبوتية والمنزّهة عن الصفات السلبية.

كما فسّر البعض أنّ (ذو الإكرام) هو إشارة إلى الألطاف والنعم الإلهية التي تفضّل الله بها وأكرمها لخاصّة أوليائه ، ومن الممكن الجمع بين هذه المعاني المختلفة للآية أعلاه.

ونقرأ في حديث أنّ رجلا كان يصلّي في محضر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث دعا الله سبحانه كذلك : «اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان ، بديع السماوات والأرض ، ذو الجلال والإكرام ، يا حيّ يا قيّوم».

فقال الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : «أتدرون بأي اسم دعا الله؟» فقالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : «والذي نفسي بيده ، لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى»(١) .

ثمّ يخاطب الخلائق مرّة اخرى :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

ومضمون الآية اللاحقة في الحقيقة هي نتيجة للآيات السابقة ، حيث يقول

__________________

(١) تفسير روح المعاني ، ج ٢٧ ، ص ٩٥.

٣٩٩

سبحانه :( يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

ولماذا لا يكون كذلك في الوقت الذي يفنى الجميع ويبقى وحده سبحانه ، وليس هذا في نهاية العالم فقط ، وإنّما الآن أيضا فانّ الكائنات فانية في مقابله وبقاءها مرتبط بمشيئته ، وإذا أعرض بلطفه فسيتلاشى الكون بأجمعه ، وعلى هذا فهل يوجد أحد سواه يطلب أهل السماوات والأرض قضاء حوائجهم منه ويسألونه تدبير شؤونهم؟!

التعبير بـ (يسأله) جاء بصيغة المضارع ، وهو دليل على أنّ السؤال والطلب في الكائنات ومستمر من الذات الإلهيّة المقدّسة ، والجميع يستلهمون من مبدأ فيضه ، ولسان حالهم يطلب الوجود والبقاء وقضاء الحوائج ، وهذا شأن الموجود الممكن الذي هو مرتبط بواجب الوجود ليس في الحدوث فقط. وإنّما في البقاء أيضا.

ثمّ يضيف سبحانه :( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) .

نعم إنّ خلقه مستمر ، وإجاباته لحاجات السائلين والمحتاجين لا تنقطع ، كما أنّ إبداعاته مستمرّة فيجعل الأقوام يوما في قوّة وقدرة ، وفي يوم آخر يهلكهم ، ويوما يعطي السلامة والشباب ، وفي يوم آخر الضعف والوهن ، ويوما يذهب الحزن والهمّ من القلوب وآخر يكون باعثا له. وخلاصة الأمر أنّه في كلّ يوم ـ وطبقا لحكمته ونظامه الأكمل ـ يخلق ظاهرة جديدة وخلقا وأحداثا جديدة.

والالتفات إلى هذه الحقيقة من جهة يوضّح احتياجاتنا المستمرّة لذاته المقدّسة ، ومن جهة اخرى فإنّه يذهب اليأس والقنوط من القلوب ، ومن جهة ثالثة فإنّه يلوي الغرور ويكسر الغفلة في النفوس.

نعم ، إنّه سبحانه له في كلّ يوم شأن وعمل.

وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين ذكروا قسما من هذا المعنى الواسع تفسيرا للآية ، إلّا أنّ البعض ذكر في تفسيرها ، أنّها مغفرة الذنوب ، وذهاب الحزن ، وإعزاز أقوام وإذلال آخرين فقط.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553