المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116745 / تحميل: 7649
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

[التقي على الاول(١) والاكثرون على الثاني(٢) .

(الرابعة) لو تصدق بها بعد الحول، فكره المالك هل يضمن أم لا؟ الشيخ في الكتابين على الاول(٣) (٤) وبه قال ابن ادريس(٥) وابو علي(٦) واختاره العلامة في المختلف(٧) والمفيد(٨) وتلميذه على الثاني(٩) وبه قال القاضي(١٠) وابن حمزة(١١) واختاره المصنف(١٢) ].

____________________

(١)الكافي: (فصل في اللقطة) ص ٣٥٠ س ١٣ قال: فيجب تعريفه سنة كاملة إلى قوله: والا فلاقطه بالخيار بين ان يتصرف فيه الخ.

(٢)المبسوط: ج ٣ ص ٣٢١ س ٣ قال: ولا يجوز ان يتملكها.

وفي القواعد: ج ١ ص ١٩٧ س ١٨ قال: ولا يحل تملكه وفي السرائر: ص ١٧٨ س ٣٣ قال: وهذا الضرب لا يجوز تملكه ولا يصير بعد السنة كسبيل ماله الخ.

(٣)المبسوط: ج ٣ كتاب اللقطة ص ٣٢١ س ٣ قال: والصدقة بشرط الضمان.

(٤)كتاب الخلاف: كتاب اللقطة مسألة ١٢ قال: بين ان يتصدق بها بشرط الضمان.

(٥)السرائر: باب اللقطة ص ١٧٨ س ٣٤ قال: فان تصدق به ثم جاء صاحبه ولم يرض بصدقته كان ضامنا له.

(٦)و(٧) المختلف: ج ٢ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧٠ س ١٢ قال: وبه (أي الضمان) قال ابوعلي إلى قوله: والاقوى الاول (أي الضمان).

(٨)المقنعة: باب اللقطة ص ٩٩ س ٦ قال: ليس عليه بعد السنة والتعريف فيها ضمان لصاحبه.

(٩)المراسم: ذكر اللقطة ص ٢٠٦ س ١٩ قال: فما وجد في الحرم إلى قوله: والا تصدق به عنه ولا ضمان عليه.

(١٠)المهذب: كتاب اللقطة والضوال واللقيط والآبق ص ٥٦٧ س ٨ قال: وان لم يحضر بعد السنة تصدق به عنه ولا يلزم منه بعد ذلك شئ.

(١١)الوسيلة: فصل في بيان اللقطة والضالة ص ٢٧٨ س ٩ قال: والا تصدق به عنه بعد سنة من غير ضمان.

(١٢)لاحظ عبارة النافع.

٢٨١

(مسائل)

(الاولى) ما يوجد في خربة، او فلاة، او تحت الارض فهو لواجده. ولو وجده في ارض لها مالك، او بائع، ولو كان مذفونا عرفه المالك او البائع، فان عرفه فهو احق به، والا كان للواجد، وكذا ما يجده في جوف دابته. ولو وجد في جوف سمكة قال الشيخ: اخذه بلا تعريف.

[وللشيخ في النهاية القولان: فالاول اختياره في باب الحج(١) والثاني في اللقطة(٢) .

احتج الاولون: بعموم ضمان اليد، لقولهعليه‌السلام : على اليد ما اخذت حتى تؤدي(٣) .

ولانه تصرف باتلاف المال بغير اذن صاحبه.

احتج الاخرون: بانها امانة عنده وقد دفعها مشروعا، فلا يتعقبه ضمان، ولان الاصل عدم الضمان.

فالحاصل: ان لقطة الحرم قد امتازت عن غيرها من اللقط بامور.

(أ) تحريم اخذها.

(ب) عدم تملكها وان قلت عن النصاب.

(ج) عدم تملكها بعد الحول.

(د) عدم ضمان المتصدق بها مع كراهية المالك.

وفي الكل شك لكن المحصل ما ذكرناه.

قال طاب ثراه: ولو وجده في جوف سمكة قال الشيخ: اخذه بلا تعريف].

____________________

(١)النهاية: باب اخر من فقه الحج ص ٢٨٤ س ٢٠ قال: والا تصدق به وكان ضامنا.

(٢)النهاية: باب اللقطة والضالة ص ٣٢٠ س ١١ قال: تصدق به عنه وليس عليه شئ.

(٣)عوالي اللئالي: ج ١ ص ٢٢٤ الحديث ١٠٦ وص ٣٨٩ الحديث ٢٢ وج ٢ ص ٣٤٥ الحديث ١٠ وح ٣ ص ٢٤٦ الحديث ٢ وص ٢٥١ الحديث ٣ ولاحظ ما علق عليه.

٢٨٢

(الثانية) ما وجده في صندوقه او داره فهو له. ولو شاركه في التصرف كان كاللقطة اذا انكره.

[أقول: اذا وجد شيئا في جوف سمكة فلا يخلو اما ان يكون مباحا في الاصل كالدرة، أو يعلم سبق الملك عليه. فاذا علم سبق الملك فلا يخلو اما ان يكون ملك مسلم او محتمل كالسبيكة، فالثالث والاول يملكهما الواجد وعليه الخمس، فان كان هو الصائد اعتبر بلوغ قيمته دينارا، وان كان قد ابتاعها اخرج خمسه وحل له الباقي، ولا يعتبر فيه نصاب الغوص، ولا المعدن، ولا مؤنة السنة، ويكون من باب اللقطة، وهذا شأنها وجوب اخراج خمسها من غير مقدر له.

والثاني: وهو ما يعلم سبق ملك المسلم له، بان يكون عليه سكة الاسلام، فيه احتمالان.

احدهما الحاقه بالاول، ليأس المالك منه كالماخوذ في المفاوز. والاخر، وهو الاقوى، وجوب التعريف فيهما، لعصمة مال المسلم.

والاصل في هذا الحكم: ان ما في جوف السمكة باق على اصل الاباحة، لم يدخل في ملك الصائد لعدم علمه به، فيكون باقيا على اصل الاباحة، فتملكه الثاني باثبات يده عليه. ويعلم من هذا افتقار تملك المباح إلى نية التملك، لانه لو كان مجرد امساكه باليد كاف في حصول الملك لملكه الصائد، ولم يكن للمشتري، كما لو كان المبيع غير السمكة كالدابة، فانه يجب على المشتري تعريف البائع اجماعا من غير تفصيل.

وهذا مذهب الشيخرحمه‌الله (١) والمستند اجماع علمائنا، واطلاق سلار(٢) يحمل]

____________________

(١)النهاية: باب اللقطة والضالة ص ٣٢١ س ١٦ قال: ان ابتاع بعيرا إلى قوله: فوجد في جوفه شيئا له قيمة عرفه من ابتاع إلى اخره ثم قال: فان ابتاع سمكة فوجد في جوفها إلى قوله: اخرج منه الخمس وكان له الباقي.

(٢)المراسم: ذكر اللقطة ص ٢٠٦ س ١٥ قال: فما وجده في بطن شئ إلى قوله: او في بحر وماء اخرج خمسه والباقي ملكه، وان انتقل اليه بالشراء عرف ذلك إلى البائع الخ.

٢٨٣

[على التفصيل، ولا عبرة بندور ابن ادريس حيث لم يفرق بين السمكة والدابة واوجب التعريف فيهما(١) واطلق سلار وجوب تعريف ما يجده في بطن حيوان اشتراه دون ما صاده او ملكه بميراث(٢) .

القسم الثاني: ان يعلم سبق ملك مسلم له، كما لو وجد عليه اثر الاسلام، فيكون حكمه حكم ما يوجد في المفاوز والخربان: فالشيخ في النهاية وابن ادريس اطلقا القول بمالك الواجد له(٣)(٤) فان كان الواجد هو الصائد ملك ذلك عندهما، وان كان مبتاعا ملكه عند الشيخ خاصة.

وقال في المبسوط يكون لقطة لدلالته على سبق ملك المسلم له(٥) وهو اختيار العلامة(٦) .

احتج الشيخ على المدعي الاول: بعموم صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن الورق يوجد في دار، فقال: ان كانت الدار معمورة فهي لاهلها، وان كانت خربة فانت أحق بما وجدت(٧) ].

____________________

(١)السرائر: باب اللقطة ص ١٧٩ س ٣٦ قال: ان ابتاع بعيرا فوجد في جوفه شيئا عرفه من ابتاع ذلك الحيوان منه إلى قوله: وكذلك حكم من ابتاع سمكة الخ.

(٢)تقدم آنفا.

(٣)النهاية: باب اللقطة والضالة ص ٣٢٠ س ١٤ قال: واما الذي يجده في غير الحرم إلى قوله: وان لم يجئ كان كسبيل ماله.

(٤)السرائر: باب اللقطة ص ١٧٨ س ٢٩ قال: كما اباح الشارع التصرف بعد السنة إلى قوله: او يكون ما يجده في موضع خرب قد باد اهله.

(٥)المبسوط: ج ٣ (فصل في حكم اللقيط وما يوجد معه) ص ٣٣٨ س ٢ قال: فان كان من ضرب الاسلام فانه يكون لقطة.

(٦)المختلف: ج ٢ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧٦ س ٧ قال بعد نقل المبسوط: وهو حسن لان اثر الاسلام يدل على سبق تملك المسلم له.

(٧)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٠ قطعة من حديث ٥.

٢٨٤

[و(ما) في الاستفهام والمجازات للعموم.

واجاب العلامة عنه بحمله على انتفاء اثر الاسلام، او بعد التعريف حولا(١) .

تحصيل اذا وجد شيئا في جوف دابة، فان كان عليه اثر الاسلام فهو لقطة، قاله الشيخ في المبسوط(٢) وهو مذهب الاكثر(٣) وفي النهاية اطلق القول بتملك المشتري له مع عدم معرفة البائع(٤) وتبعه ابن ادريس(٥) . وان لم يكن عليه اثر الاسلام وعرفه البائع فهو احق به، وان لم يعرفه ملكه الواجد وعليه الاصحاب، وصرح به العلامة في التذكرة(٦) .

لصحيحة عبدالله بن جعفر قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للاضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم او دنانير او جوهر، لمن يكون؟ قا ل: فوقععليه‌السلام عرفها البائع فان لم يعرفها فالشي لك رزقك الله اياه(٧) ].

____________________

(١)المختلف: ج ٢ (فصل في حكم اللقيط وما يوجد معه) ص ١٧٦ س ٩ قال: والجواب انه محمول على انتفاء سكة الاسلام.

(٢)لم اظفر على مفروض المسألة غير الذي تقدم آنفا.

(٣)المختلف: ج ٢ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧٣ س ٦ قال: مسألة قال الشيخ في النهاية الخ فلاحظ فيها مذهب الاكثر.

(٤)تقدم مختاره آنفا.

(٥)السرائر: باب اللقطة ص ١٧٩ س ٣٦ قال: ان ابتاع بعيرا او بقرة او شاة فوجد في جوفه شيئا إلى قوله: وكان له الباقي.

(٦)التذكرة: ج ٢ (المطلب الثالث في اللواحق) ص ٢٦٥ س ٢٦ قال: مسألة لو وجد شئ في جوف دابة إلى قوله: والا كانت ملكا له.

(٧)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٢ الحديث ١٤.

٢٨٥

[واحتمل العلامة في التذكرة: ان يكون لقطة يعرفها البائع وغيره، ويبدء بالبائع، قال: لكن علماء‌نا على الاول(١) .

وذهب احمد إلى ان ما يجده في جوف السمكة يكون للصياد، لانه لم يعلم به فلم يدخل في المبيع، كما لو باعا دارا له فيها مال مدفون، ويكون ذلك للصياد ان كان مما يخلق في البحر كالدرة. ولو كان مما لا يكون في البحر كالدراهم والدنانير فهو لقطة، وكذا الدرة لو كان عليها اثر اليد كما لو كانت مثقوبة، او متصلة بذهب او فضة او غيرهما(٢) . وهو في موضع المنع، لان مطلق اليد لا يوجب الاحترام لجواز كونها يد مشرك.

فروع

(أ) يكره اخذ اللقطة من الاموال وان قلت.

(ب) يحرم التقاط نصاب التعريف لا بنية الانشاد، فلو التقطه بنية تملكه فعل حراما، وكانت يده يد ضمان. ولو نوى الحفظ بعد ذلك وعرف حولا لم يزل الضمان. وهل له التملك بعد الحول؟ يحتمل عدمه، لانه اخذ مال الغير على وجه لا يجوز اخذه، فاشبه الغاصب. ويحتمل جوازه لبطلان النية فكان وجودها كعدمها،]

____________________

(١)التذكرة: ج ٢ كتاب اللقطة ص ٢٦٥ س ٢٦ قال: مسألة: لو وجد شيئا في جوف دابة إلى قوله: لكن علمائنا على الاول.

(٢)نقله عن احمد في التذكرة: ج ٢ كتاب اللقطة ص ٢٦٥ س ٣٠ قال: وقال احمد الخ.

وفي كتاب المغني لابن قدامة: ج ٦ كتاب اللقطة ص ٣٧٠ تحت رقم ٤٥١٩ قال: ومن اصطاد سمكة فوجد فيها درة فهي للصياد لان الدر يكون في البحر بدليل قول الله تعالى (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) فيكون لآخذها إلى قوله: او متصلة بذهب أو فضة او غيرهما.

٢٨٦

(الثالثة) لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها ما لم ينو التملك، وقيل: تملك بمضي الحول.

[واختاره فخر المحققين(١) .

(ج) اخذ الضالة الممتنعة في الفلاة وغيرها في العمران حرام.

واخذ غير الممتنع في الفلاة غير الشاة مكروه، واذا تحقق تلفه كان مباحا.

قال طاب ثراه: لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها، ما لم ينو التملك، وقيل: تملك بمضي الحول.

أقول: للاصحاب هنا ثلاثة اقوال.

(الاول) دخولها في ملك الملتقط بعد التعريف بغير اختياره، وهو ظاهر الشيخ في النهاية(٢) وابني بابويه(٣) (٤) وابن ادريس(٥) .

(الثاني) لا يدخل الا باختياره، ويكفي فيه النية، ولا يشترط تلفظه، اختاره العلامة في المختلف(٦) وفخر المحققين(٧) ].

____________________

(١)الايضاح: ج ٢ (في احكام اللقطة) ص ١٥٧ س ٩ قال في شرح قول المصنف: (ولو نوى التملك ثم عرف السنة) اقول: لبطلان النية فكان وجودها كعدمها الخ ذ(٢) النهاية: باب اللقطة والضالة ص ٣٢٠ س ١٥ قال: وان لم يجئ كان كسبيل ماله ويجوز له التصرف فيه.

(٣)المختلف: ج ٢ (في اللقطة) ص ١٧١ س ١٩ فبعد نقل قول النهاية كما قدمناه قال: وكذا قال ابنا بابويه.

(٤)المقنع: باب اللقطة ص ١٢٧ س ١٩ قال: فان جاء صاحبها، والا فهي كسبيل مالك.

(٥)السرائر: باب اللقطة ص ١٧٩ س ٢ قال: فان لم يجئ كان كسبيل ماله بعد السنة والتعريف فيها يجوز له التصرف فيها الخ.

(٦)المختلف: ج ٢ في اللقطة ص ١٧١ س ٣٢ قال: والمعتمد ما ذهب اليه الشيخ في الخلاف والمبسوط.

(٧)الايضاح: ج ٢ في احكام اللقطة ص ١٥٧ س ٢٢ قال بعد نقل قول المختلف: وهو الصحيح عندي

٢٨٧

(الثاني) الملتقط من له اهلية الاكتساب.

فلو التقط الصبي او المجنون جاز، ويتولى الولي التعريف.

وفي المملوك تردد، اشبهه: الجواز، وكذلك المدبر المكاتب، وام لولد.

[(الثالث) لا تدخل في ملكه الا باختياره، وبان يقول: اخترت ملكها وهو قول الشيخ في الخلاف(١) وابن حمزة(٢) والتقي(٣) .

احتج الاولون: بعموم قول الصادقعليه‌السلام : يعرفها سنة فان جاء لها طالب والا فهي كسبيل ماله رواه الحلبي(٤) في الصحيح عقيب التعريف وعدم مجئ المالك بكونها كسبيل ماله، لان الفاء للتعقيب من غير تراخ، فلا يكون معلقا على غيره، والا لتراخى عنه.

احتج العلامة: بقول احدهماعليهما‌السلام : والا فاجعلها في عرض مالك(٥) يجري عليها ما يجري على مالك، والفاء للتعقيب، وصيغة افعل للامر، ولا اقل من ان يكون للاباحة، لانه ليس للتهديد قطعا فيستدعي ان يكون المأمور به مقدورا بعد التعريف وعدم مجئ المالك، لانه عقب امره بالجعل بعدم مجئ المالك والتعريف سنة، ولم يذكر اللفظ، فلو شرط لتأخر البيان عن وقت الحاجة، فلا يشترط اللفظ، وهو المطلوب.

احتج ابن حمزة: بان ما قلناه مجمع على تملكه به، وغيره ليس عليه دليل.

قال طاب ثراه: وفي المملوك تردد، اشبهه الجواز].

____________________

(١)كتاب الخلاف: كتاب اللقطة مسألة ١٠ قال: لا تدخل في ملكه الا باختياره، بان يقول: هذا قد اخترت ملكها.

(٢)و(٣) لم اعثر عليهما في كتابي الوسيلة والكافي في باب اللقطة، ولكن قال في المختلف (ج ٢ ص ١٧١ س ٢٢) بعد نقل قول الشيخ في الخلاف والمبسوط: وكذا قال ابن حمزة وابوالصلاح.

(٤)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٨٩ الحديث ٣.

وعبارة " رواه..إلى قوله ماله " ساقطة من ل(٥) التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضاله ص ٣٩٠ الحديث ٥.

٢٨٨

(الثالث) في الاحكام، وهي ثلاثة.

(الاول) لا يدفع اللقطة الا بالبينة.

ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الاموال الباطنة كالذهب والفضة، وهو حسن.

[أقول: منشأ التردد كون العبد أهلا للتملك، واللقطة اكتساب، ويؤول إلى الملك لدخولها بعد التعريف في ملك الملتقط بمضي الحول مطلقا عند الشيخ(١) ومع نية التملك عندنا فلا يصح التقاطه، لعدم تحقق لازم اللقطة فيه.

ولرواية ابي خديجة (سالم بن مكرم الجمال)(٢) عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللقطة، فقال: ما للمملوك واللقطة، المملوك لا يملك من نفسه شيئا، فلا يعرض لها المملوك(٣) واختارها فيمن لا يحضره الفقيه(٤) .

وذهب الشيخ في الكتابين إلى الجواز(٥) (٦) عملا بعموم الاخبار، ولان له اهلية الاكتساب.

اما لقطة الحرم فلا تعرض لها، لانها امانة محضة، والمولى مستولى على منافعه، وربما يتوجه على السيد بذلك ضرر، فيكون حراما.

قال طاب ثراه: ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الامور الباطنة، وهو حسن.

أقول: وجه حسنه تعسر اطلاع البينة على اعيان الاموال غالبا، فالاقتصار على]

____________________

(١)تقدم مختاره آنفا.

(٢)ليس في التهذيب جملة (سالم بن مكرم الجمال) ولكنه موجود في من لا يحضره الفقيه.

(٣)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٧ الحديث ٣٧.

(٤)من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٩٠) باب اللقطة والضالة ص ١٨٨ الحديث ٨.

(٥)المبسوط ج ٣ كتاب اللقطة ص ٣٢٥ س ٣ قال: هل للعبد ان يلتقط اللقطة؟ قيل فيه قولان احدهما له ان يلتقط، والثاني ليس له ذلك، والاول اقوى لعموم الاخبار.

(٦)كتاب الخلاف: كتاب اللقطة مسألة ٨ قال: العبد اذا وجد لقطة جاز ان يلتقطها.

٢٨٩

[البينة عسر وحرج فيكون منفيا بالآية(١) والرواية(٢) ولانها امارة يغلب معها الظن.

ولما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد الحجال عن ثعلبة عن سعيد بن عمرو الخثعمي قال: خرجت إلى مكة وانا من اشد الناس حالا فشكوت إلى أبي عبداللهعليه‌السلام ، فلما خرجت وجدت على بابه كيسا فيه سبعمائة دينار، فرجعت اليه من فوري ذلك فاخبرته، فقال لي: يا سعيد اتق الله عزوجل وعرفه في المشاهد وكنت رجوت ان يرخص لي فيه، فخرجت وانا مغتم، فأتيت منى، فتنحيت عن الناس حتى أتيت الماقوفة(٣) فنزلت في بيت متنحيا عن الناس، ثم قلت: من يعرف الكيس؟ فأول صوت صوت اذا رجل على رأسي يقول: أنا صاحب الكيس، فقلت في نفسي: أنت فلا كنت، قلت: فما علامة الكيس؟ فاخبرني بعلامته، فدفعته اليه قال: فتنحى ناحية فعدها فاذا الدنانير على حالها، ثم عد منها سبعين دينارا فقال: خذها حلالا خير لك من سبعمائة حراما، فاخذتها ثم دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام فاخبرته كيف تنحيت وكيف صنعت فقال: اما انك حين شكوت الي امرنا لك بثلاثين دينارا، يا جارية هاتيها فاخذتها وانا من احسن قومي حالا(٤) .

____________________

(١)قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) سورة الحج / ٧٨.

(٢)عوالي اللئالي: ج ١ ص ٣٨٣ الحديث ١١ وص ٢٢٠ الحديث ٩٣ وج ٢ ص ٧٤ الحديث ١٩٥ وج ٣ ص ٢١٠ الحديث ٥٤ ولاحظ ما علق عليه.

(٣)الماقوفه: لعله اسم موضع، او اسم لمحل الوقوف بمنى (هكذا في هامش التهذيب وفي ملاذ الاخيار ج ١٠ ص ٤٢٦).

(٤)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٠ الحديث ١٠.

٢٩٠

(ذكر الجعالة) مقدمة الجعالة: لغة ما يجعل عوضا عن فعل يتوقع ايجاده.

وشرعا: الصيغة الدالة على الاذن في عمل بعوض التزمه بقوله.ولما احتبح إلى هذا العقد لرد الاباق والضلال، ذكره عقيب اللقطة.وغايته صحة الترام الاعواض على الاعمال المجهولة، لا مساس الحاجة اليها.والاصل فيه: الكتاب، والسنة، والاجماع.

اما الكتاب: قوله تعالى (قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم)(١) وفيه دلالة على جواز ضمان الجعالة قبل العمل.

واما السنة: فمن طريق الخاصة ما رواه ابن أبي سيار عن الصادقعليه‌السلام قال: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل في جعل الابق دينارا اذا اخذه في مصره، وان اخذه في غير مصره فاربعة دنانير(٢) .

واجمعت الامة على جواز الجعللا يختلفون فيه، وان اختلفوا في آحاد مسائله.

تنبيه

وقد اختص هذا العقد بخاصيتين.

(أ) جواز وقوعه على عمل مجهول.

(ب) عدم استحقاق العامل الا بتمام العمل، فلو جاء بالضالة او الآبق من مكان بعيد حتى قارب المنزل، فابق العبد او شرد البعير لم يستحق شيئا].

____________________

(١)سورة يوسف / ٧٢.

(٢)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٨ الحديث ٤٣.

٢٩١

(الثاني) لا بأس بجعل الابق، فان عينه لزم بالرد، وان لم يعينه ففي رد العبد من المصر دينار، ومن خارج البلد اربعة دنانير على رواية ضعيفة يؤيدها الشهرة، والحق الشيخان: البعير، وفي ما عداهما اجرة المثل.

(الثالث) لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا لقيطا ولا ضالة مالم يفرط.

[ويشاركه في الخاصية الاولى المضاربة، لكن الاجرة فيها مجهولة، وهنا معلومة، فاختصاص هذا العقد بجواز بدل معلوم في مقابلة مجهول.

وهذا العقد جائز من الطرفين قبل الشروع في العمل، وبعده كذلك في طرف العامل، لان الحق له، فجاز له اسقاطه، ولا يجوز للجاعل الا بعد بذل مقابل ما صدر من العمل.

قال طاب ثراه: لا بأس بجعل الابق، فان عينه لزم بالرد، وان لم يعين ففي رد العبد من المصر دينار، ومن خارج البلد اربعة دنانير على رواية ضعيفة يعضدها (يؤيدها خ - ل) الشهرة والحق الشيخان البعير.

أقول: الذي ورد به النص رواية ابن أبي سيار المتقدمة(١) ، وهي خاصة بالابق، ونسبت الالحاق إلى الشيخين(٢)(٣) لسبقهما إلى القول به، وتبعهما على ذلك كثير

____________________

(١)تقدم آنفا.

(٢)المقنعة: باب جعل الابق ص ٩٩ س ٢٤ قال: واذا وجد الانسان عبدا ابقا، او بعيرا شاردا فرده على صاحبه كان له على ذلك جعل ان كان وجده في المصر فدينار إلى قوله: بذلك ثبتت السنة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣)النهاية: باب اللقطة والضالة ص ٣٢٣ س ١٧ قال: ولا بأس للانسان أن ياخذ الجعل إلى قوله: وكان قد وجد عبدا او بغيرا الخ.

٢٩٢

ممن تأخر عن عصرهما(١) وفي طريق الرواية المذكورة سهل بن زياد(٢) وهو ضعيف، لكن تأيدت بشهرتها في عمل الاصحاب بمضمونها.

____________________

(١)لاحظ المختلف: ج ٢ (الفصل الرابع في الجعالة) ص ١٧٦ فيمن وافق الشيخ في الالحاق كابن ادريس وابن البراج وغيرهما.

(٢)سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن يعقوب (*) عن محمد بن علي عن أبي سعيد عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون البصري عن عبدالله بن عبدالرحمان الاصم عن مسمع بن عبدالملك كرد بن أبي سيار عن إبي عبداللهعليه‌السلام ).

(*)قال في هامش التهذيب ما لفظه (قال في الوافي: هذا الحديث لم نجده في الكافي.

وقد فحصنا عنه نحن فلم نظفر به ايضا).

٢٩٣

كتاب المواريث والنظر في المقدمات، والمقاصد، واللواحق المقدمات المقدمة الاولى في موجبات الارث

وهي نسب وسبب، فالنسب ثلاث مراتب

(مقدمة)

الارث لغة: البقاء قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : انكم على ارث من ابيكم ابراهيم(١) اي على بقية، من بقايا شريعته.

والوارث الباقي، ومنه الوارث في اسمائه تعالى: أي الباقي بعد فناء خلقه(٢) ، وسمي الوارث وارثا لبقائه بعد موت المورث.

____________________

(١)سنن النسائي: ج ٥ باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة ص ٢٥٥ ولفظ الحديث (يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف فأتانا ابن مربع الانصاري فقال: إني رسول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اليكم يقول: كونوا على مشاعركم فإنكم على ارث من إرث أبيكم ابراهيمعليه‌السلام ).

(٢)الوارث صفة من صفات الله عزوجل، وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم (لسان العرب ج ٢ ص ١٩٩).

٢٩٤

(١)الابوان والولد وان نزل.

(٢)والا جداد وان علوا، والاخوة واولادهم وان نزلوا.

(٣)والاعمام والاخوال.

والسبب قسمان: زوجية وولاء.

والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثم ولاء تضمن الجريرة، ثم ولاء الامامة.

وشرعا: انتقال حق الغير بعد الموت على سبيل الخلافة، والوارث: من انتقل اليه حق الميت خلافه، وترادفه الميراث، والجمع المواريث.

فالحق اعم من ان يكون مالا أو غيره كحق الشفعة والقصاص والحد.

ويعبر عنه بالفرائض، وهي جمع فريضة، واشتقاقها من الفرض.

وهي في اللغة: التقدير والقطع والبيان(١) .

وفي الاصطلاح: ما ثبت ذلك بدليل مقطوع به كالكتاب والسنة والاجماع.

وسمي هذا النوع من النفقة فرائض، لانها سهام مقدرة مقطوعة مبينة، ثبتت بدليل مقطوع به فقد اشتمل على المعنى اللغوي والشرعي.

وانما اختص بهذا الاسم، لان الله تعالى سماه به، فقال بعد القسمة: " فريضة من الله "(٢) والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا سماه به حيث قال: تعلموا الفرائض(٣) ولان الله سبحانه ذكر الصلاة والزكاة وغيرهما من العبادات مجملة ولم

____________________

(١)قال ابن عرفة: الفرض التوقيت.

واصل الفرض القطع، وقوله تعالى: " لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا "، أي موقتا وفي الصحاح: اي مقتطعا محدودا (لسان العرب ج ٧ ص ٢٠٢ و ٢٠٣ و ٢٠٥ لغة فرض).

(٢)النساء ١١.

(٣)السنن الكبرى للبيهقي: ج ٦ ص ٢٠٨ باب الحث على تعليم الفرائض.

وسنن الدارقطني: ج ٤ كتاب الفرائض والسير وغير ذلك الحديث ٤٥ وعوالي اللئالي: ج ٣ باب المواريث ص ٤٩١ قطعة من حديث ٢.

٢٩٥

المقدمة الثانية: في موانع الارث

وهي ثلاث: الكفر، والرق، والقتل.

اما الكفر فانه يمنع في طرف الوارث، فلا يرث الكافر مسلما، حربيا كان الكافر أو ذميا أو مرتدا.

ويرث الكافر اصليا ومرتدا، فميراث المسلم لوارثه المسلم انفرد بالنسب او شاركه الكافر، أو كان اقرب حتى لو كان ضامن جريرة مع ولد كافر فالميراث للضامن. ولو لم يكن وارث مسلم فميراثه للامام. والكافر يرثه المسلم ان اتفق ولا يرثه الكافر الا اذا لم يكن وارث مسلم. ولو كان وارث مسلم كان أحق بالارث وان بعد وقرب الكافر. واذا اسلم الكافر على ميراث قبل قسمته شارك ان كان مساويا في النسب، وحاز الميراث ان كان اولى، سواء كان المورث مسلما أو كافرا. ولو كان الوارث المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر وان اسلم، لانه لا تتحقق هنا قسمة يبين مقاديرها وتفاصيلها وذكر هذا النوع وبين مقاديره بقدر لا يحتمل الزيادة والنقصان. والاصل فيه: الكتاب والسنة والاجماع.

أما الكتاب فقوله تعالى: " وورث سليمان داود "(١) وقوله " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من ال يعقوب "(٢) وقوله تعالى: " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرو هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد "(٣) وقوله: " وان كان رجل يورث كلالة او امرأة وله اخ او اخت فلكل واحد منهما السدس "(٤) إلى غير ذلك من الايات الدالة على تفصيل الارث.

____________________

(١)النمل: ١٦.

(٢)النساء ١٧٦.

(٤)النساء: ١٢.

٢٩٦

وكان التوارث في الجاهلية بالحلف، وبالمعاهدة والنصرة.

واقروا عليه في صدر الاسلام، قال تعالى: " والذين عقدت ايمانكم فاتوهم نصيبهم "(١) ثم نسخ ذلك وصار التوارث بالهجرة، فروى ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين المهاجرين واأنصار لما قدم المدينة، فكان يرث المهاجري من الانصاري والانصاري من المهاجري ولا يرث وارثه الذي بمكة وان كان مسلما(٢) ، لقوله تعالى: " إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا باموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك بعضهم اولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا "(٣) .

ثم نسخت هذه الآية بالرحم والقرابة بقوله تعالى: " واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله " آلاية(٤) فبين أن اولى الارحام أولى من المهاجرين إلا أن تكون وصية. هذا تفصيله في الكتاب.

وأما السنة فمتواترة وأجمعت الامة عليه وان اختلفوا في آحاد مسائله.

تذنيب

يتأكد استحباب التفقه في المواريث، روى عبدالله بن مسعود ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١)النساء: ٣٣.

(٢)عوالي اللئالي: ج ٣ باب المواريث ٤٩٢ الحديث ٤ وقريب منه مافي سنن البيهقي: ج ٦ باب نسخ التوارث بالتحالف وغيره ص ٢٦٢ س ٢٨ فلاحظ.

ونقله بتمامه في المبسوط: ج ٤ كتاب الفرائض والمواريث ص ٦٧ س ٩ قال: فروى ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الخ.

(٣)الانفال: ٧٢.

(٤)الانفال: ٧٥.

٢٩٧

قال: تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها الناس، فاني امرء مقبوض، وسيقبض العلم وتظهر الفتن حتى يختلف الرجلان في فريضة لا يجدان من يفصل بينهما(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فانها نصف العلم، وهو ينسى، وهو اول شئ ينتزع من امتي(٢) .وهذا حض عظيم على تعلم هذا العلم، وذلك من وجوه:

(أ) انهعليه‌السلام أمر بتعلمه وتعليمه، والامر من الحكيم الذي لا ينطق عن الهوى دليل اشتمال الفعل المأمور به على المصلحة الراجحة.

(ب) إعلامهعليه‌السلام : بانه ينسى، وفيه تخويف باهمال التعلم عند امكان الفرصة منه، لجواز ارتفاعه عند ارادته، فلا تجد السبيل إلى معرفته. فاقتضى الجزم والاشتغال، المبادرة اليه على الفور.

(ج) انهعليه‌السلام جعله نصف العلم، وهو قليل الحجم، يسير التناول. وذلك دليل شرفه، لان ما عظمت قيمته وصغر مقداره كان اشرف في الشاهد كالجواهر بالنسبة إلى الحديد.

فان قلت: ما معنى التصنيف المذكور في هذا الحديث؟

____________________

(١)عوالي اللئالي: ج ٣ باب المواريث ص ٤٩١ الحديث ٢ وقريب منه مافي سنن البيهقي: ج ٦ باب الحث على تعليم الفرائض ص ٢٠٨ س ٢١.

(٢)اورده الشيخ في المبسوط: ج ٤ كتاب الفرائض والمواريث ص ٦٧ س ٢ واورده البيهقي في سننه: ج ٦ ص ٢٠٩ س ٣ ثم قال: تفرد به حفص بن عمر وليس بالقوى، وفي الهامش بعد نقل (تفرد به حفص بن عمر) ما لفظه، قلت: لم أر احدا وافقه على هذه العبارة اللينة في حق هذا الرجل، بل اساؤ القول فيه، قال البخاري منكر الحديث رماه يحيى بن يحيى بالكذب، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن حيان: لا يجوز الاحتجاج به بحال الخ.

٢٩٨

قلت: معناه ان الناس لهم حالتان، حالة حيات وحالة وفات، وعلم الفرائض لما كان مختصا بحالة الوفاة كان نصف العلم.

فان قلت: فعلى هذا لو كان علم الفرائض نصف العلم كما ذكرتم، لثبت ذلك في الوصايا، لتعلق احكامها لما بعد الموت، وكذلك الغسل والتكفين والدفن. فالجواب من وجوه:

(أ) ان الوصايا ليست لازمة لكل متوف، فكم ذي مال مات ولم يوص.

(ب) انها متعلقة بفعل العبد، وقد يوصي وقد يترك، وليس كذلك الميراث فانه لا صنع للعبد فيه، فكان ألزم بالوفاة وأخص بها من الوصية.

(ج) ان احكام الوصية لا يختص بما بعد الموت، فان ايجاب الوصية، والرجوع عنها، وحكم زياة الموصى به وهلاكه، واعتبار اهلية الوصي إلى غير ذلك من الاحكام انما يعتبر قبل الموت، بخلاف الميراث.

(د) ان الوصية مذكورة في علم الفرائض أيضا، حيث يجب البدء‌ة بها فبل الميراث ويؤخر عن الدين، فلم يخل علم الفرائض عن ذكرها جملة، وان خلا عن ذكرها تفصيلا، حتى ان بعض الفرضيين جعل بابا للوصايا في كتاب الميراث. ومن هذا الجواب الاخير يعلم الجواب عن فصل الغسل والتكفين والتجهيز اذا كان علم الفرائض مفتتحا بذكره، وهو الحق الذي يبدء به من تركة الميت قبل قسمة الميراث، فكان من مقدمة المواريث، فيندرج تحت علم الفرائض. وانما انفصلت عنها في البحث؟ لانها احكام يجب على الاحياء مباشرتها، وهم المخاطبون بها، والميت محل اثر الفعل المأمور به، فكان لاحقا بقسم احكام الاحياء، ولهذا المعنى ذكرها الفقهاء في كتاب الطهارة.

ووجه آخر، وهو ان التنصيف باعتبار انقسام مؤون الانسان في حالتي حياته وموته إلى قسمين، واحكام المواريث بعد الموت، فكانت احد القسمين، فكان

٢٩٩

(مسائل)

(الاولى) الزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوى قرابتها الكفار، كافرة كانت أو مسلمة، له النصف بالزوجية والباقي بالرد. وللزوجة المسلمة الربع مع الورثة الكفار، والباقي للامام. ولو اسلموا أو اسلم احدهم قال الشيخ، يرد عليهم مافضل عن سهم الزوجية وفيه تردد. نصف العلم.

قيل: وجه التنصيف: ان دخول المال في ملك الانسان بطريقين: مكتسب كالبيع ونحوه مما للانسان فيه صنع واختيار، وغير مكتسب، وهو الميراث، وهذا العلم لبيان احد الطريقين، فكان نصفا بهذا الاعتبار.

قال طاب ثراه: ولو أسلموا أو احدهم قال الشيخ: ترد عليهم مافضل عن نصيب الزوجية، وفيه تردد.

أقول: اذا كان احد الزوجين مسلما وباقي الورثة كفار، فان كان زوجا فالمال له، النصف بالتسمية والباقي بالرد. وان كان زوجة كان لها الربع والباقي للامام، فان اسلم الورثة أو أحدهم لم يكن لمن اسلم مزاحمة الزوج، لاستقرار ملكه على كل التركة بالموت. وكذا في مسألة الزوجة بعد القسمة مع الامام ولو كان اسلامه قبل القسمة، اخذ مافضل عن نصيب الزوجة، وحجب الامام.

هذا هو مقتضى الاصل، وهو مذهب ابن ادريس(١) واختاره المصنف(٢)

____________________

(١)السرائر: كتاب المواريث ص ٤٠٤ س ٦ قال بعد قول النهاية: قال محمد بن ادريس: إلى قوله: فان اسلم الوارث الكافر قبل قسمة المال بينها وبين الامام اخذ ما كان يأخذه الامام، وان اسلم بعد القسمة فلا شئ له بحال.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

فتراها تسير باتجاه معين من الزمن ثمّ تعود قليلا ومن ثمّ تتابع مسيرها الأوّل وهكذا ولهؤلاء العلماء من البحوث العلمية في تحليل هذه الظاهرة.

وعليه يمكن حمل إشارة الآيات إلى الكواكب السيّارة «الجوار» ، التي في سيرها لها رجوع «الخنس» ، ثمّ تختفي عند طلوع الفجر وشروق الشمس فهي تشبه غزالا يتصيد طعامه في الليل وما أن يحّل النهار حتى يختفي عن أنظار الصيادين والحيوانات المفترسة فيذهب إلى «كناسه» ، ولذا وصفت الكواكب بـ «الكنّس» ،.

وثمّة احتمال آخر : «الكنّس» : اختفاء الكواكب في ضوء الشمس.

أي إنّها حينما تدور حول الشمس ، تصل في بعض الوقت إلى نقطة مجاورة للشمس فيختفي نورها تماما عن الأبصار ، وهو ما يعبّر عنه علماء الفلك بـ (الاحتراق).

و «الكنّس» : في نظر بعض آخر : إشارة إلى دخول الكواكب في البروج السماوية ، وذلك الدخول يشبه اختفاء الغزلان في أماكن أمنها.

وكما هو معروف ، إنّ كواكب مجموعتنا الشمسية لا تنحصر بهذه الكواكب الخمس ، بل ثمة ثلاثة كواكب أخرى (أورانوس ، بلوتون ، نبتون) ولكنّها لا ترى بالعين المجرّدة لبعدها عنّا ، وللكثير من هذه السيّارات قمرا أو أقمارا ، ، فعدد كواكب هذه المجموعة بالإضافة إلى الأرض هو تسعة كواكب.

و «الجوري» : توصيف جميل لحركة الكواكب ، حيث شبّه بحركة السفن على سطح البحر.

وعلى أيّة حال ، فكأنّ القرآن الكريم يريد بهذا القسم المليء بالمعاني الممتزجة بنوع من الإبهام ، كأنّه يريد إثارة الفكر الإنساني ، وتوجيهه صوب الكواكب السيّارة ذات الوضع الخاص على القبة السماوية ، ليتأمل أمرها وقدرة وعظمة خالقها سبحانه وتعالى.

٤٦١

وثمّة احتمالات أخرى في هذا الموضوع أهملناها لضعفها.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال في تفسير الآيات المذكورة : «هي خمسة أنجم : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والزهرة ، وعطارد»(١) .

ويعرض لنا القرآن لوحة أخرى :( وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ) .

«عسعس» : من (العسعسة) ، وهي رقة الظلام في طرفي الليل (أوله وآخره) ومنه اطلاق لفظ «عسس» على حرّاس الليل ، وبالرغم من اطلاق هذه المفردة على معنيين متفاوتين ، ولكن المراد منها في هذه الآية هو آخر الليل فقط بقرينة الآية التالية لها ، وهو ما يشابه القسم الوارد في الآية (٣٣) من سورة المدثر :( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) .

والليل ، من النعم الإلهية الكبيرة ، لأنّه : سكن للروح والجسم ، معدّل لحرارة الشمس ، وسبب لإدامة حياة الموجودات أمّا التأكيد على نهايته فيمكن أن يكون بلحاظ كونه مقدمة استقبال نور الصباح ، إضافة لما لهذا الوقت بالذات من فضل كبير في حال العبادة والمناجاة والدعاء ، ويمثل هذا الوقت أيضا نقطة الشروع بالحركة والعمل في عالم الحياة.

ويأتي القسم الثّالث والأخير من الآيات :( وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ) .

فما أروع الوصف وأجمله! فالصبح كموجود حي قد بدأ أوّل أنفاسه مع طلوع الفجر ، ليدّب الروح من جديد في كلّ الموجودات ، بعد أن تقطعت أنفاسه عند حلول ظلام الليل!

ويأتي هذا الوصف في سياق ما ورد في سورة المدّثّر ، فبعد القسم بإدبار الليل ، قال :( وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ) ، فكأنّ الليل ستارة سوداء قد غطت وجه الصبح ، فما أن أدبر الليل حتى رفعت تلك الستارة فبان وجه الصبح مشرقا ، وأسفر

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٤٦.

٤٦٢

للحياة من جديد.

وتجسّد الآية التالية جواب القسم للآيات السابقة :( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) .

فالجواب موجّه لمن اتّهم النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باختلاق القرآن ونسبته إلى الباري جلّ شأنه.

وقد تناولت وما بعدها خمسة أوصاف لأمين وحي الله جبرائيلعليه‌السلام ، وهي الأوصاف التي ينبغي توفرها في كلّ رسول جامع لشرائط الرسالة

فالصفة الأولى : إنّه «كريم» : إشارة إلى علو مرتبته وجلالة شأنه.

ومن صفاته أيضا :( ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) (١) .

«ذي العرش» : ذات الله المقدّسة. مع أنّ الله مالك كلّ عالم الوجود ، فقد وصف «بذي العرش» لما للعرش من أهمية بالغة على على غيره (سواء كان العرش بمعنى عالم ما وراء الطبيعة ، أو بمعنى مقام العلم المكنون).

أمّا وصفه بـ «ذي قوّة» (أي : صاحب قدرة) ، لما للقدرة العظيمة والقوّة الفائقة من دور مهم وفعّال في عملية حمل وإبلاغ الرسالة ، وعموما ينبغي لكل رسول أن يكون صاحب قدرة معينة تتناسب وحدود رسالته ، وعلى الإخلاص في مجال عدم نسيان ما يرسل به.

«مكين» : صاحب منزلة ومكانة ، وبدون ذلك لا يتمكن الرسول من أداء رسالته على أتمّ وجه ، فلا من كونه شخصا جليلا ، لائقا ، ومقربا للمرسل.

وممّا لا شك فيه إنّ التعبير بـ «عند» لا يراد منه الحضور المكاني ، لأنّ الباري جل شأنه لا يحده مكان ، والمراد هو الحضور المقامي والقرب المعنوي.

وتتناول الآية التالية الصفة الرابعة والخامسة :( مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) .

«ثمّ» : إشارة إلى البعيد ، ويراد بها : إنّ أمين الوحي الإلهي نافذ الكلمة في

__________________

(١) «مكين» : (المكانة) ، وهي المقام والمنزلة ، وما يستفاد من مفردات الراغب وغيره من المفسّرين ، إنّه اسم مكان من (الكون) ولكثرته في الكلام فقد استعمل على صيغة الفعل فقيل : (تمكن) و (تمسكن).

٤٦٣

عالم الملائكة ، ومطاع عندهم ، وإنّه في ذروة الأمانة في عملية إبلاغ الرسالة.

وما نستشفّه من الرّوايات : إنّ جبرائيلعليه‌السلام ينزل أحيانا وبصحبته جمع كبير من الملائكة في حال إبلاغه للآيات القرآنية المباركة ، وهو ما يوحي بأنّه مطاع بينهم ، وهو ما ينبغي أن يكون في كل أمّة تتبع رسولا ، فلا بدّ من طاعتها له.

وروي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لجبرائيلعليه‌السلام عند نزول هذه الآيات : «ما أحسن ما أثنى عليك ربّك! : ذي قوّة عند العرش مكين ، مطاع ثمّ أمين ، فما كانت قوتك؟ وما كانت أمانتك؟

فقال : أمّا قوّتي فإنّي بعثت إلى مداين لوط وهي أربع مداين في كلّ مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري ، فحملتهم من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماوات أصواب الدجاج ونباح الكلاب ، ثم هويت بهّن فقلبتهّن. وأمّا أمانتي ، فإنّي لم أؤمر بشيء فعدوته إلى غيره»(١) .

وينفي القرآن ما نسب إلى النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) .

«الصاحب» : هو الملازم والرفيق والجليس ، والوصف هذا مضافا الى أنّه يحكي عن تواضع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع جميع الناس فلم يرغب يوما في الاستعلاء على أحد منكم ، فإنّه قد عاش بينكم حقبة طويلة ، وجالسكم ، فلمستم عن قرب رجاحة عقله وحسن درايته وأمانته ، فكيف تنسبون له الجنون؟!

وكلّ ما في الأمر إنّه قد جاءكم بعد بعثته بتعاليم تخالف تعصبكم الأعمى وتحارب أهواءكم الجاهلية ، فما راق لكم الانضباط والترابط ، وحبذتم الانفلات والتراخي ، فوليتم الأدبار عن تعاليمه الربانية ونسبتم إليه الجنون ، فرارا من هدي دعوته المباركة!

ونسبة الجنون إلى النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بالشيء الجديد في مسير دعوة السماء

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٦ ، وورد هذا المضمون في تفسير (الدر المنثور) في ذيل الآية المبحوثة.

٤٦٤

فقد واجه جميع أنبياء اللهعليهم‌السلام هذا الافتراء الفارغ من قبل جهلة وكفرة عصورهم ، وقد حدثنا القرآن الكريم بتلك الوقائع :( كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) (١) .

فالعاقل في منطق الجاهلية ، من يخضع للعادات والتقاليد المعاشة وإن كانت فاسدة منحطة ، ومن يطلق لجماح أهواءه وشهواته العنان ، ومن لا يفكر بأيّ إصلاح أو تغيير لأنّه خروج على السائد المتعارف عليه!

وبناء على هذا المقياس الأعمى فكلّ الأنبياء في نظر عبدة الدنيا مجانين

ويؤكّد القرآن على الارتباط الوثيق ما بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجبرائيلعليه‌السلام :( وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) ، وهو «الأفق الأعلى» الذي تظهر فيه الملائكة ، حيث شاهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرائيلعليه‌السلام .

وقد استدلّ بعض المفسّرين بالآية (٧) من سورة النجم على التفسير أعلاه ، والتي تقول :( وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ) .

ولكننا نرى أنّ الآية مع بقية آيات السورة تتحدث عن حقيقة أخرى ، فراجع إلى ما ذكرناه في تفسيرنا هذا.

وقال بعض : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رأى جبرائيلعليه‌السلام في صورته الحقيقة مرّتين ، الأولى عند بداية البعثة النبوية المباركة ، حيث ظهر له في الأفق الأعلى وقد غطى الشرق والغرب حتى بهر النبيّ بعظمة هيئته ، والثّانية رآه عند معراجه إلى السماوات العلى واعتبروا الآية المبحوثة إشارة لتلك الرؤيتين.

وثمّة من يذهب في تفسير الآية من كونها تشير إلى مشاهدة اللهعزوجل بالشهود الباطني ، (ولمزيد من الإيضاح ، راجع ذيل الآيات (٥ ـ ١٣) من سورة النجم).

وتأتي الصفة الخامسة :( وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) .

__________________

(١) الذاريات : الآية ٥٢.

٤٦٥

فهو ليس ممن يقبرون في صدورهم ممّا يوحى إليه ، ولا يبخل ولا يتوانى عن الإبلاغ ويوصله إلى كلّ الناس كاملا وبأمانة.

«ضنين» : من (ضنّة) على وزن (منّة) ، أي : البخل بالأشياء الثمينة والنفيسة ، فالأنبياءعليهم‌السلام منزّهون عن ذلك ، وإذا ما بخل الآخرون بما صار في حوزتهم من علم محدود ، فالنّبي فوق ذلك وأنزه مع ماله من منبع علم إلهي.

وتقول آخر الآيات المبحوثة :( وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ) .

فالآيات القرآنية ليست كحديث الكهنة الذي يأخذوه من الشياطين ، ودليلها معها ، حيث أنّ حديث الكهنة محشو بالأكاذيب والتناقضات ، ويدور حول محور ميولهم ورغباتهم ، في حين لا يشاهد ذلك في الآيات القرآنية إطلاقا.

والآية تجيب على إحدى افتراءات المشركين ، حين اتهموا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه كاهن وكلّ ما جاء به قد أخذه من الشياطين! فحديث الشيطان! لا يتعدى أن يكون باطلا وضلالا في حين أنّ الآيات الرّبانية كلّها نور وهداية ، وهذا ما يشعر به كلّ من يواجه القرآن ومنذ وهلته الأولى.

«رجيم» : من (الرجم) ، و (رجام) على وزن (لجام) بمعنى أخذ الحجارة ، وتطلق على رمي الحجار على الأشخاص أو الحيوانات ، ويستعار الرجم للرمي بـ : الظّن ، التوهم ، الشتم والطرد ، و «الشيطان الرجيم» بمعنى المطرود من رحمة الله.

* * *

بحث

مؤهلات الرّسول :

الصفات الخمسة التي ذكرتها الآيات المباركة جبرائيلعليه‌السلام باعتباره رسول الوحي الإلهي إلى النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هي ذات الصفات التي ينبغي توفرها في كلّ رسول ، وبما يناسب نوع ودرجة رسالته.

٤٦٦

فلكي يكون الرسول لائقا لحمل الرسالة ، لا بدّ من تحلّيه بركائز أخلاقية ونفسية عالية ، أي يكون «كريما» محترما.

ولا بدّ من كونه قادر متمكن «ذي قوّة» ، حتى يتمكن من إبلاغ رسالته بكل ما تحمل ، ومن دون أن يصيبه أيّ ضعف أو فتور أو هوان.

وينبغي أن تكون ذو منزلة رفيعة ومقام مرموق عند المرسل ، «مكين» ، لكي يكون طبيعيا مستقرا في استلامه الرسالة ، ولا يناله أيّ خوف أو ارتباك في حال إيصاله لأجوبة الرسالة إلى أيّ كان.

ومن المؤهلات اللازمة ، أن يكون له أعوان ويطيعونه بأمر الرسالة ، ولا يتخاذلون عن طاعته ، «مطاع».

وأخيرا ، لا بدّ من كونه «أمينا» في النقل ، ليعتمد المرسل عليه فيما يريد أن يوصله إليه من الرسالة ، فلا بدّ من الأمانة بكلّ معناها والابتعاد عن الخيانة ولو بأدنى زواياها.

فمتى ما توفرت المؤهلات اللازمة للرسول فيه كان جديرا بأداء حق الرسالة ، ولذلك نرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينتخب رسله بدقة من بين أصحابه ، وأفضل نموذج حي لذلك ، إرساله أمير المؤمنينعليه‌السلام بإيصال الآيات الأولى من سورة براءة إلى مشركي مكّة ، في ظروف قد شرحناها عند تفسيرنا لتلك السورة.

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال : «رسولك ترجمان عقلك ، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك»(١) .

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة : الكلمات القصار (٣٠١).

٤٦٧

الآيات

( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩) )

التّفسير

إلى اين أيّها الغافلون؟!

أكّدت الآيات السابقة ببيان جلي حقيقة كون القرآن كلام الله فمحتواه ينطق عن كونه كلاما رحمانيا وليس شيطانيا ، وقد نزل به رسول كريم مقتدر وأمين ، وقام بتبليغه النّبي الصادق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لم يبخل في البلاغ في شيء ، وما تهاون عن تعليم الناس فيما أرسل به.

فيما توبخ الآيات أعلاه أولئك الذين عادوا القرآن وانحرفوا عن خطّ سير الرسالة الربّانية الهادية ، فتقول لهم بصيغة الاستفهام التوبيخي :( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) .

لم تركتم طريق الهداية؟! أو من العقل أن تصدّوا عن النور وتتجهوا صوب الظلام؟! ألا ترحمون أنفسكم؟! وكيف تعملون على هدم أركان سعادتكم وسلامتكم؟!

٤٦٨

وتأتي الآية الثّانية لتقول :( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ )

فالآية تتحدث بلسان الوعظ والتذكير ، عسى أن يستيقظ من تملكه نوم غفلته.

لا يمكن للهداية والتربية أن تؤدّي فعلها بوجود المرشد الناحج فقط ، بل لا بدّ من توفر عنصر الاستعداد وتقبل الهداية من قبل الطرف الآخر ، ولذلك فبعد الوعظ والتذكير جاءت الآية التالية لتبيّن هذه الحقيقة :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) .

فالآية الاولى :( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ) قد ذكرت عمومية الفيض الإلهي في القرآن الكريم ، فيما خصصت الآية التالية :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) عملية الاستفادة من هذا الفيض الجزيل وحددته بشرط الاستقامة.

وهذه القاعدة جارية في جميع النعم والمواهب الإلهية في العالم ، فإنّها عامّة التمكين ، خاصّة الاستفادة ، فمن لا يملك الإرادة والتصميم على ضوء الهدي القرآني لا يستحق فيض رحمة الله ونعمه.

والآية الثّانية من سورة البقرة :( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) تدخل في سياق هذا المعنى.

وعلى أيّة حال ، فالآية تؤكّد مرّة اخرى على حرية الإنسان في اختياره الطريق الذي يرضاه ، سواء كان طريق حقّ ، أم طريق باطل.

ويفهم من «يستقيم» ، أنّ طريق السعادة الحقّة ، طريق مستقيم ، وما دونه لا يكون كذلك ، ولولا الإفراط والتفريط والوساوس الشيطانية وأغشية الضلال لسار الإنسان على هذه السبل المنجية ، باستجابته لنداء الفطرة واتباعه الخط المستقيم ، والخط المستقيم هو أقصر الطرق الموصلة للهدف المنشود.

ولكي لا يتصور بأنّ مشيئة وإرادة الإنسان مطلقة في سيره على طريق المستقيم ، ولكي يربط الإنسان مشيئة بمشيئة وتوفيق اللهعزوجل ، وجاءت

٤٦٩

الآية التالية ولتقول :( وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ )

والآيتان السابقتان تبيّنان فلسفة «أمر بين الأمرين» التي أشار إليها الإمام الصادق عليه‌السلام ، فمن جهة ، إنّ الإرادة والقرار بيدكم ، ومن جهة اخرى ، يلزم تلك الإرادة وذلك القرارة ما يشاء الله ربّ العالمين وإنّ خلقتم أحرارا مختارين ، فالحرية والإختيار منه جلّ اسمه ، ولولا إرادته ذلك لما كان.

فالإنسان ليس بمجبور على أعماله مطلقا ، ولا هو بمختار بكلّ معنى الإختيار ، ولكن كما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «لا جبر ولا تفويض الأمر بين الأمرين» ،

فكلّ ما للإنسان من : عقل ، فهم قدرة بدنية ، وقدرة على اتخاذ القرار ، كلّ ذلك من اللهعزوجل ، فهو من جهة في حالة الحاجة الدائمة للاتصال به جلّ شأنه ، ولو شاء الله لتوقف كلّ شيء وانتهى ، وهو من جهة اخرى مسئول عن أعماله لما له من حرية واختيار على تنفيذها.

ويفهم من «ربّ العالمين» ، إنّ المشيئة الإلهية تقضي بهداية وتكامل الإنسان وكلّ الموجودات ، فالله لا يريد أن يضل أو يذنب أحد من الخلق ، بل يريد أن يسعد كلّ الخلق في جوار رحمته ورضوانه ، وبمقتضى ربوبيته فهو الموفّق والمعين لكلّ من يريد أن يسلك طريق التكامل.

والخطأ القاتل الذي وقع فيه المتجبرة ، إنّهم تمسّكوا بالآية الثّانية دون الاولى وربّما كان المفوضة قد تمسّكوا بالآية الاولى مفصولة عن الآية الثانية لها والفصل فيما بين آيات القرآن كثيرا ما يوقع في هاوية الضلال والخروج بنتائج خاطئة باطلة ، وينبغي التعامل مع الآيات القرآنية على كونها كلّ مترابط ، لا آيات فرادى.

وقيل : إنّه لمّا نزل قوله تعالى :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) ، قال أبو جهل : جعل الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله تعالى :( وَما

٤٧٠

تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) (١) .

اللهمّ! لا توفيق إلّا منك ، فوفقنا للسير على طريق رضوانك

اللهمّ! لقد رغبنا في سلوك طريقك ومنهجك ، فاجعل مشيئتك أن تأخذ بأيدينا في هذا الطريق

اللهمّ! إنّا نخاف أهوال الحشر والقيامة ، لخلو صحائف أعمالنا من الحسنات ، فعاملنا بعفوك ولطفك ، ولا تشدد علينا بعدلك

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة التّكوير

* * *

__________________

(١) روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ٦٢ ؛ وفي روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٥٤.

٤٧١
٤٧٢

سورة

الإنفطار

مكيّة

وعدد آياتها تسع وعشرة آية

٤٧٣
٤٧٤

«سورة الإنفطار»

محتوى السورة :

لا تشذ السورة عن سياق سور الجزء الأخير من القرآن الكريم ، وتدور حول محور المسائل المتعلقة بيوم القيامة ، تتضمّن مجموع آياتها المواضيع التالية :

١ ـ أشراط الساعة ، وهي الحوادث الهائلة التي سيشهدها العالم أواخر لحظات عمره وعند قيام الساعة.

٢ ـ التذكير بالنعم الإلهية الداخلة في كلّ وجود الإنسان ، وكسر حالة غرور الإنسان ، وتهيئته المعاد.

٣ ـ الإشارة إلى ملائكة تسجيل أعمال الإنسان.

٤ ـ بيان عاقبة المحسنين والمسيئين في يوم القيامة.

٥ ـ لمحات سريعة عمّا سيجري في ذلك اليوم العظيم.

فضيلة السورة :

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ هاتين السورتين :( إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ) و( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) وجعلهما نصب عينه في صلاة الفريضة والنافلة ، لم يحجبه من الله حجاب ، ولم يحجزه من الله حاجز ، ولم يزل ينظر إلى الله وينظر

٤٧٥

الله إليه حتى يفرغ من حساب الناس»(١) .

ولا شك أنّ حصول ثواب السورتين إنّما يتمّ وضعهما في أعماق روحه ، وبنى على أسسها أركان نفسه وعمله ، ولا لمن يلوكهما في لسانه ولا غير!

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٧ ، نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٢٠ (عن ثواب الأعمال : ص ١٢١).

٤٧٦

الآيات

( إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) )

التّفسير

عند ما يحلّ الحدث المروع!

تقدّم لنا الآيات (مرّة اخرى) مشاهدا مروعة من يوم القيامة ، فتخبر عن تفطّر السماء من هول الكارثة :( إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ) .

ثمّ تنتقل إلى ما سيصيب الكواكب ونظامها :( وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ ) .

فسينهدم العالم العلوي ، وستحدث الإنفجارات العظيمة المهيبة في كلّ النجوم السماوية ، وسيتخلخل نظام المنظومات الشمسية ، فتخرج النجوم من مساراتها لتصطدم الواحدة بالأخرى وتتلاشى فينتهي عمر العالم ، ويتناثر كلّ شيء ليبنى على أنقاضه عالم جديد آخر.

«انفطرت» : من (الإنفطار) ، بمعنى الإنشقاق ، وقد ورد التعبير في آيات اخرى كالآية الاولى من سورة الإنشقاق :( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) ، والآية (١٨) من

٤٧٧

سورة المزمل :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ) .

«انتثرت» : من (النثر) على وزن (نصر) ، بمعنى نشر الشيء وتفريقه ، و «الانتثار» : هو الانتشار والتفرق. وباعتبار أنّ انتشار النجوم يؤدّي إلى تفرقها في السماء (كحبات العقد المنفرط) فقد فسّرها الكثير من المفسّرين بـ (سقوط النجوم) ، وهو من لوازم معنى الانتثار.

«الكواكب» : جمع (كوكب) ، وله معان كثيرة ، منها : النجوم بشكل عام ، والزهرة بشكل خاص ، النبت إذا طال ، البياض الذي يظهر في سواد العين ، لمعان الحديد : بريقه وتوقده و «غلام كوكب» : ممتلئ إذا ترعرع وحسن وجهه ، وكوكب كلّ شيء : معظمه ، مثل كوكب الشعب وكوكب السماء وكوكب الشمس.

والكوكب أيضا : الماء ، السيف ، سيد القوم إلخ.

وعلى ما يبدو أنّ المعنى الحقيقي هو (النجم المتلألئ) ، وما دون ذلك معان مجازية استعملت لعلاقة المشابهة.

ولكن ، ما هي العوامل التي ستؤدي بالكواكب إلى التناثر والتفرق في الفضاء مع فقدانها لنظامها الذي يحكمها؟

هل بسبب فقدان التعادل الموجود في الجاذبية فيما بينها؟ أم ثمّة قوّة هائلة ستفعل ذلك؟ أم بسبب التوسع المستمر الحاصل في العالم ـ كما يقول ذلك العلم الحديث؟

لا يستطيع أيّ أحد أن يتكهن السبب بدّقة وكلّ ما نعلمه أنّ هذه الأمور تهدف إلى تعريف الإنسان بما سيحدث بالمستقبل الآت ، وتدعوه لخلاص نفسه من أهوالها ، وهو الكائن الضعيف وسط تلك الحوادث الجسام؟!

فالآيات تحذر الإنسان من أن يتخذ العالم الفاني هدفا لوجوده ، فيتصوره محل خلوده ، لأنّ ذلك سيؤول إلى تلوث قلب الإنسان (شاء أم أبى) ، وما ينتج عن التلوث سوى الذنوب المؤدّية إلى عذاب الجحيم

٤٧٨

وينتقل البيان القرآني من السماء إلى الأرض ، فيقول :( وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ ) أي اتصلت.

مع أنّ البحار متصلة فيما بينها قبل حلول ذلك اليوم (ما عدا البحيرات) ، لكنّ اتصالها سيكون بشكل آخر ، حيث ستفيض جميعها وتتمزق حدودها وتصير بحرا واحدا لتشمل كلّ الأرض ، بسبب الزلازل المرعبة وتحطم الجبال وسقوطها في البحار هذا أحد تفاسير الآية السادسة من سورة التكوير (الآنفة الذكر)( وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ) .

وثمّة احتمال آخر بخصوص الآية المبحوثة والآية (٦) من سورة التكوير ، يقول : يراد بـ «فجّرت» و «سجّرت» الإنفجار والاحتراق ، لأنّ مياه البحار والمحيطات ستتحول إلى قطعة من نار لأهب.

وكما أشرنا سابقا ، فالماء يتكون من عنصرين شديدي الاشتعال (الأوكسجين والهيدروجين) فلو تحلل الماء إلى عنصريه فسيكفيه شرارة صغيرة لجعله قطعة ملتهبة من النيران.

وتتناول الآية التالية عرضا لمرحلة القيامة الثانية ، مرحلة تجديد الحياة وإحياء الموتى ، فتقول :( إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ) واخرج الموتى للحساب.

«بعثرت» : قلب ترابها وأثير ما فيها.

واحتمل (الراغب) في مفرداته : إنّ «بعثرت» تكونت من كلمتين ، (بعث) و (أثيرت) ، فجاء المعنى منهما ، كقولنا : «بسملة» من «بسم» ولفظ الجلالة «الله».

وعلى آيّة حال ، فإننا نرى شبيه هذا المعنى قد ورد في سورة الزلزال :( وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها ) أي الأموات (بناء على المشهور من تفاسيرها) ، وفي الآيتين (١٣ و١٤) من سورة النّازعات :( فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) .

وتوضح الآيات إنّ إحياء الموتى وإخراجهم من القبور سيكون مفاجئا وسريعا.

٤٧٩

وبعد ذكر كلّ تلك العلائم لما قبل البعث ولما بعده ، تأتي النتيجة القاطعة :( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) .

نعم ، فستتجلى حقائق الوجود : وسيصير كلّ شيء بارز إنّه «يوم البروز» وسيرى الإنسان كلّ أعماله محضرة بخيرها وشرّها ، لأنّه يوم إزالة الحجب ، ورفع مبررات الغرور والغفلة ، وعندها سيعلم الإنسان ما قدّم لآخرته ، وما ترك بعده من آثار حسنها وسيئها ، مثل : الصدقة الجارية ، فعل الخير ، عمارة الأبنية ، الكتب التي ألفها ، ما سنّ من السنن فإن كان ما خلّفه خالصا لله فسينال حسناته ، وإن كانت نيّة أفعاله غير خالصة لله فستصل إليه سيئات تبعاته.

وهذه نماذج من الأعمال التي ستصل نتائجها إلى الإنسان بعد الموت ، وهو : المراد من «وأخّرت».

صحيح أنّ الإنسان يعلم بما عمل في دنياه بصورة إجمالية ، لكنّ حبّ الذات والإشتغال بالشهوات والنسيان غالبا ما ينسيه ما قدّمت يداه ، فيتغافل عن النظر إلى ما بدّ منه ، أمّا في ذلك اليوم الذي سيتحول ويتغير فيه كلّ شيء حتى روح الإنسان فسيلتفت إلى ما قام به من عمل بكلّ دقّة وتفصيل ، كما تشير إلى ذلك الآية (٣٠) من سورة آل عمران :( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ) ، فكلّ سيرى كلّ أعماله حاضرة مجسمة أمام عينه.

وقيل : «ما قدّمت» ، إشارة إلى أعمال أوّل عمر الإنسان ، و «أخّرت» ، إشارة إلى أعمال آخر عمره.

ويبدو أنّ التّفسير الأوّل أنسب من جميع الجهات.

ويراد بـ «نفس» الواردة بالآية ، كلّ نفس إنسانية.

* * *

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553