المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116746 / تحميل: 7649
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

[واحتجوا: بان للواحد من كلالة الام السدس.

واجيب: بانه في حق الاخوة دون الاجداد، فان قالوا: نصوا على ان الجد كالاخ والجدة كالاخت قلنا: اذا اجتمعوا وكانوا من جهة واحدة اقتسموا على هذه النسبة، فيأخذ الجد بقدر ما يأخذه الاخ، والجدة بقدر ما تأخذه الاخت.

تحقيق

الجد وان علا تقاسم الاخ وان دنا، والاخ وابنه وان سفل تقاسم الجد وان قرب فكل من هاتين الطبقتين: اعني طبقة الاخوة والاجداد وارث على حده، والا يعتبر فيه القرب والبعد بالنسبة إلى الطبقة الاخرى، فلا يمنع الاقرب من احدى الطبقتين الابعد من الاخرى ويمنع الابعد من طبقته، فلا ارث لابن الاخ مع الاخ، ولا لجد جد مع جد. ولا فرق في منع الارث للابعد هنا بين ان يكون جهته التي يمت بها إلى الميت هي جهة الآخر، او غيرها، فلا يرث ابن الاخ للابوين مع الاخ للام، او للاب، لانه اقرب منه بدرجة. وكذا لا يرث جد جد لاب مع جدة لام.

ولنوضح ذلك في مسائل:

(الاولى) لو ترك جدا وجدة لام واخوة من قبلها، وجدا وجدة لاب واخوة من قبله كان لاقرباء الام الثلث بينهم بالسوية، ولاقرباء الاب الثلثان للذكر ضعف الانثى، ويكون الجد كالاخ والجدة كالاخت هنا في البابين.

(الثانية) لو ترك جدا وجدة لاب واخوة من قبله، وجدا وجدة للام كان لجد الام الثلث، ولاقرباء الاب الثلثان للذكر سهمان وللانثى سهم، ويجرى الجد فيه مجرى الاخ، والجدة مجرى الاخت.

ولو ترك جدا وجدة لام واخوة من قبلها، وواحدا من قبل الاب، اخا او اختا، جدا او جدة، كان لاجداد الام وجداتها واخواتها الثلث بينهم بالسوية، ولقريب الاب الثلثان.

٣٦١

مسألتان

(الاولى) لو اجتمع اربعة اجداد لاب ومثلهم لام كان لاجداد الام الثلث بينهم ارباعا، ولاجداد الاب وجداته الثلثان، لابوي ابيه ثلثا الثلثين اثلاثا، ولابوي امة الثلث اثلاثا أيضا، فيصح من مائة وثمانية.

(الثانية) الجد وان علا يقاسم الاخوة والاخوات. واولاد الاخوة والاخوات وان نزلوا يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الاجداد والجدات ويرث كل واحد منهم نصيب من يتقرب به، ثم ان كانوا اخوة او اخوات لاب اقتسموا المال للذكر مثل حظ الانثيين، وان كانوا لام اقتسموا بالسوية.

(الثالثة) لو ترك اخوة لام وجدا قريبا لاب، وجدا بعيدا لام، فلجد الاب ثلثى المال، ولاخوة الام الثلث، وهل يشاركهم جد الام البعيد؟ احتمالان: نعم لان الاخ لا يمنع الجد البعيد، والقريب لايزاحمه البعيد فيما حصل له.

وكذا لو ترك اخوة للاب وجدا بعيدا من قبله، واخوة لام وجدا قريبا من قبلها، كان لاقرباء الام الثلث بينهم بالسوية، ولاخوة الاب الثلثان، وهل يشاركهم جد الاب البعيد؟ يحتمله لان بعده لا يمنعه من مقاسمة الاخوة، وهو لا يزاحم الجد القريب فيما حصل له.

ويحتمل عدم الشركة لكونه محجوبا بالجد القريب، وقضية الحجب هنا المنع من اصل الارث.

(الرابعة) لو ترك جد لام وابن اخ لام مع اخ لاب، فلاخ الاب الثلثان، ولجد الام الثلث، وهل يزاحمه ابن الاخ للام؟ فيه الاحتمالان: وكذا لو ترك جد الاب وابن اخ له مع اخ للام، فلاخ الام السدس ولجد الاب الباقي، وهل يزاحم ابن

٣٦٢

(المرتبة الثالثة) الاعمام والاخوال

للعم المال اذا انفرد، وكذا للعمين فصاعدا، وكذا العمة والعمتان والعمات، والعمومة والعمات للذكر مثل حظ الانثيين. ولو كانوا متفرقين، فلمن تقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث ان كانوا اكثر بالسوية، والباقي لمن يتقرب بالاب وبالام للذكر مثل حظ الانثيين، ويسقط من يتقرب بالاب معهم ويقومون مقامهم عند عدمهم. ولا يرث الابعد مع الاقرب، مثل ابن خال مع خال أو عم، أو ابن عم مع خال أو عم، الا ابن عم لاب وام مع عم لاب، فابن العم اولى. الاخ للاب؟ فيه الوجهان.

قال طاب ثراه: ولا يرث الابعد مع الاقرب، مثل ابن خال مع خال او عم، او ابن عم مع خال او عم الا ابن عم لاب وام مع عم لاب فابن العم اولى.

أقول: هذه هي المسألة الاجماعية التي انفردت بها الامامية، لكن لما خالفت القواعد المقررة، واصول المذهب المعتبرة - اعتبرنا فيها بقاء الصورة التي ورد بها النص على حالها على المختار من الاقوال والمحصل من فتاوى المحققين.

فروع

(الاول) لا يتغير الحكم بتعدد العم، او ابن العم، ولا بانضمام الزوج والزوجة قاله الشهيد(١) ويحتمله لانه غير صورة النص، قاله العلامة: في القواعد(٢) .

____________________

(١)الدروس: كتاب الميراث ص ٢٥١ س ٧ قال: قاعدة لا يمنع ابعد اقرب الا في مسألة اجماعية، إلى قوله: ولا يتغير الحكم الخ.

(٢)القواعد: ج ٢ الفصل الثالث في ميراث الاعمام والاخوال ص ١٧٥ س ١٠ قال: ولا يرث ابن العم مع العم الا في مسألة اجماعية إلى قوله: ولو تغير الحال انعكس الحجب الخ.

٣٦٣

والاشكال في تعددهما، او تعدد احدهما اقوى من الاشكال في انضمام الزوجين.

ووجه الاشكال: من حيث مشاركتهما في المقتضي للترجيح، فان ابن العم له المال وحده، فمع تعدده اولى، وسبب ارث العمين العمومة، وابن العم مانع لهذا السبب، ومانع احد السببين المتساويين مانع الآخر.

(الثاني) هل يتغير الحكم بتبديل الذكورة بالانوثه؟ بان كان بدل العم عمة؟ الاظهر: نعم، اقتصارا على مورد النص، وهو اختيار ابن ادريس(١) والمصنف(٢) والعلامة في القواعد(٣) وقال الشيخ، العمة للاب كالعم(٤) .

(الثالث) لو جامعها خال او خالة؟ قيل فيه: ثلاثة أقوال:

(أ) حرمان ابن العم، ويكون المال بين العم والخال أثلاثا، لتغيير الصورة المنصوصه، وهو اختيار عماد الدين بن حمزة القمي ويعرف بالطبرسيرحمه‌الله (٥)

____________________

(١)السرائر: في ترتيب الوراث ص ٣٩٧ س ١٢ قال: فان كان عوض العم المذكور فيها عمة للاب كان الميراث لها دون ابن العم.

(٢)الشرائع: المرتبة الثالثة: الاعمام والاخوال، قال: ولو انضم اليهما (اي عم لاب وابن عم) ولو خال تغيرت الحال وسقط ابن العم.

(٣)القواعد: ج ٢ الفصل الثالث في ميراث الاعمام والاخوال ص ١٧٥ س ١١ قال: فلو كان بدل العم عمة إلى قوله: كان الابعد ممنوعا.

(٤)الاستبصار: ج ٤(١٠١) باب ميراث الاولى من ذوي الارحام ص ١٧٠ ذيل حديث ٣ س ١٣ قال: والوجه الاخر ان يكون هذا الحكم يختص اذا كان بنوا العم لاب وام والعم او العمة لاب خاصة الخ.

(٥)المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض ص ١٨٢ س ٩ قال: وقال العماد القمى ويعرف بالطبرسي: المال للعم والخال لان ابن العم محجوب بالخال.

٣٦٤

[وابن ادريس(١) وظاهر الشيخ في المسألة الحلبية(٢) والمصنف(٣) والعلامة في القواعد(٤) .

ويؤيده رواية مسلمة بن محرز عن الصادقعليه‌السلام قال: في ابن عم وخال: قال: المال(٥) .

(ب) حرمان العم ويكون المال للخال وابن العم قاله قطب الدين الراوندى(٦) ومعين الدين المصرى(٧) لان العم الخال لا يمنع العم، لا يمنع ابن العم الذى هو حاجب للعم اولى، وهو اقرب من ابن العم، وابن العم يرث مع العم، فيرث مع الخال المساوي له.

(ج) حرمان العم وابن العم واختصاص الخال بالمال، قاله سديد الدين الحمصى(٨) لان العم محجوب بابن العم، وابن العم محجوب بالخال].

____________________

(١)السرائر: في ترتيب الوراث ص ٣٩٧ س ١٣ قال: وكذلك لو كان خال وعم للاب وابن العم للاب والام كان المال للعم الثلثان وللخال الثلث وسقط ابن العم للاب والام.

(٢)المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض ص ١٨٢ س ٤ قال بعد نقل اعتراض ابن ادريس على الشيخ نقلا عنه: وقد رجع شيخنا عن هذا في المسائل الحلبية.

(٣)الشرائع: في المواريث، المرتبة الثالثة الاعمام والاخوال قال: ولو انضم اليهما ولو خال تغيرت الحال وسقط ابن العم.

(٤)القواعد: ج ٢ الفصل الثالث في ميراث الاعمام والاخوال ص ١٧٥ س ١٢ قال: ولو اجتمع مع العم وابن العم خال او خالة فالاجود حرمان ابن العم.

(٥)التهذيب: ج ٩(٣٠) باب ميراث العم والعمات والاخوال والخالات ص ٣٢٨ قطعة من حديث ١٨.

(٦)و(٧) المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض ص ١٨٢ س ٧ و ٩ قال: وقال قطب الدين الراوندي: المال للخال وابن العم، وقال معين المصري: واعلم ان هذه المسألة الخ.

(٨)المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض ص ١٨٢ في الهامش، وقال السديد الدين الحمصي: المال للخال الخ.

٣٦٥

وللخال المال اذا انفرد، وكذا للخالين والاخوال، والخالة والخالتين والخالات. ولو اجتمعوا فالمال بينهم بالسوية كيف كانوا. ولو كانوا متفرقين، فلمن يتقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث ان كانوا اكثر، والثلثان لمن يتقرب بالاب والام، ويسقط من يتقرب بالام معهم، والقسمة بينهم للذكر مثل حظ الانثيين. ولو اجتمع الاخوال والاعمام، فللاخوال الثلث، وللاعمام الثلثان. ولو كان معهم زوج أو زوجة فلهما النصيب الاعلى، ولمن يتقرب بالام ثلث الاصل، والباقي لمن يتقرب بالاب. ولو اجتمع عم الاب وعمته، وخاله وخالته، وعم الام وعمتها وخالها وخالتها، كان لمن يتقرب بالام الثلث، بينهم ارباعا، ولمن [قال العلامة في المختلف: ونحن في هذه المسألة من المتوقفين، فان كل واحد من هذه الاقوال ينقدح فيه الرجحان(١) .

واحتمل العلامة في القواعد قولا رابعا: وهو حرمان الخال مع العم(٢) واختصاص المال بابن العم، لانه مانع للعم والخال مساويه في المرتبة، ومانع احد المتساويين مانع الآخر، والا لم يكونا متساويين.

قال طاب ثراه: ولو اجتمع عم الاب وعمته، وخاله وخالته، وعم الام وعمتها وخالها وخالتها كان لمن يتقرب بالام الثلث بينهم ارباعا، ولمن يتقرب بالاب]

____________________

(١)المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض ص ١٨٢ س ٢٨ قال: ونحن في هذه المسألة من المتوقفين الخ.

(٢)القواعد: ج ٢ الفصل الثالث في ميراث الاعمام والاخوال ص ١٧٥ س ١٣ قال: وحرمان الخال والعم.

٣٦٦

يتقرب بالاب الثلثان، ثلثه لعمه وعمته اثلاثا، وثلثه لخاله وخالته بالسوية على قول.

(مسائل)

(الاولى) عمومة الميت وعماته، وخئولته وخالاته واولادهم وان نزلوا، اولى من عمومة أبيه وخئولته.

وكذا اولاد كل بطن اقرب، اولى من البطن الابعد. ويقوم اولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به، واحدا كان أو اكثر.

(الثانية) من اجتمع له سببان ورث بهما مالم يمنع احدهما الآخر، فالاول: كابن عم لاب هو ابن خال لام، وزوج هو ابن عم، وعمة لاب هي خالة لام.

والثاني: كابن عمه هو اخ لام.

(الثالثة) حكم اولاد العمومة والخئولة مع الزوج والزوجة حكم آبائهم، يأخذ من يتقرب ثلث الاصل، والزوج نصيبه الاعلى، وما يتقى لمن يتقرب بالاب.

[الثلثان، ثلثاه لعمه وعمته اثلاثا، وثلثه لخاله وخالته بالسوية على قول.

أقول: هذا قول للشيخ في النهاية(١) وتابعه المتأخرون على ذلك(٢) ، لانهم]

____________________

(١)النهاية: باب ميراث ذوي الارحام ص ٦٥٧ س ٦ قال واذا اجتمع عم اب وعمته الخ(٢) لاحظ الشرائع: كتاب الفرائض، المرتبة الثالثة الاعمام والاخوال قال: ولو اجتمع عم الاب وعمته الخ وفى اللمعة: ج ٨ ص ١٦٢ س ١ قال: فلو ترك الميت عم ابيه الخ وفي القواعد: ج ٢، الفصل الثالث في ميراث الاعمام والاخوال ص ١٧٦ س ١٢ قال: اذا اجتمع عم الاب وعمته الخ.

٣٦٧

في ميراث الازواج

للزوج مع عدم الولد النصف، وللزوجة الربع، ومع وجوده وان نزل نصف النصيب، ولو لم يكن وارث سوى الزوج رد عليه الفاضل، وفي الزوجة قولان: احدهما لها الربع والباقي للامام، والآخر يرد عليها الفاضل كالزوج.

وقال ثالث: بالرد مع عدم الامام. والاول اظهر. واذا كن اكثر من واحدة فهن مشتركات في الربع او الثمن. وترث الزوجة وان لم يدخل بها الزوج. وكذا الزوج. وكذا في العدة الرجعية خاصة، لكن لو طلقها مريضا ورثت وان كان بائنا، مالم تخرج السنة، ولم يبرأ، ولم تتزوج، ولا ترث البائن الا هنا.

ويرث الزوج من جميع ما تركته المرأة، وكذا المرأة عدا العقار، وترث من قيمة الآلات والابنية، ومنهم من طرد الحكم في ارض المزارع والقرى، وعلم الهدى يمنعها العين دون القيمة.

[يتقربون بالام.

وذهب بعضهم إلى القسمة اثلاثا(١) كما في جد ام الاب وجدته، وجمهور الاصحاب على الاول(٢) .

قال طاب ثراه: ولو لم يكن وارث سوى الزوج - إلى قوله: والاول: اظهر.

أقول: تقدم البحث في هذه المسألة.

قال طاب ثراه: ويرث الزوج من جميع ما تركته المرأة، وكذا الزوجة عدا العقار].

____________________

(١)الايضاح: ج ٤ ص ٢٣٠ قال في شرح قول العلامة في القواعد: (ويحتمل ان يكون لعم الام وعمتها لاخ) مالفظه: والاحتمال الثاني ذكره افضل المحققين نصير الحق والدين، الطوسيرحمه‌الله في فرائضه الخ

(٢) لاحظ مانقلناه انفا عن الشرائع والقواعد واللمعة.

٣٦٨

[أقول: اعلم ان كل وارث، فانه يرث من جميع متروكات مورثه، وخرج منه بالنص امور: (الاول) الزوجان بالنسبة إلى القصاص والحد، وهو اجماع.

(الثاني) النساء بالنسبة إلى القصاص، وهو قول الشيخ في الاستبصار(١) وسيأتي تحقيقه في موضعه ان شاء الله.

(الثالث) اقارب الام بالنسبة إلى الدية(٢) على قول(٣) .

(الرابع) النساء بالنسبة إلى الولاء الا في موضعين:

(أ) اذا باشرب العتق.

(ب) اذا اعتق مولاها الذي باشرت عتقه ثم مات الواسطة.

(الخامس) الزوجة تحرم من شئ ما، من متروكات الزوج عند الامامية، الا ابن الجنيد(٤) ، وقد سبقه الاجماع وتأخر عنه، والحجة فيه النصوص عن اهل البيتعليهم‌السلام ، الاخذين علومهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المتلقاة عن الوحي الالهي(٥) . والحكمة فيه مذكورة في نصوصهمعليهم‌السلام (٦) ، وفي عبارات علمائهم، وهو تطرق الضرر على أقرباء الميت، اذ لا حجر لهم عليها في التزويج، فربما تزوجت بمن]

____________________

(١)الاستبصار: ج ٤(١٥٣) باب انه ليس للنساء عفو ولا قود ص ٢٦٢ الحديث ١.

(٢)الكافي: ج ٧ باب مواريث القتلى ومن يرث من الدية ومن لا يرث، فلاحظ.

(٣)النهاية: بيان ميراث القاتل ومن يستحق الدية ص ٦٧٣ س ١٦ قال: ولا يستحقها الاخوة والاخوات من قبل الام.

(٤)المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض في ميراث الزوجين ص ١٨٤ س ٢ قال: وقال ابن الجنيد: إلى قوله: وللزوجة الثمن من جميع التركة عقاراً واثاث الخ.

(٥)و(٦) التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج الاحاديث ٢٤ إلى ٣٤ والحكمة مذكورة فيها.

٣٦٩

[كان منافسا للمتوفي وحاسدا وعدوا مغيظا، فيثقل ذلك على اهله وعشيرته، فعدل بها عن ذلك إلى اجمل الوجوه(١) . وهذا التعليل مما تقتضيه الحكمة الخلقية، ومستبعده مستهزئ بالشرع.

وزادا عليه: روى حماد بن عثمان عن أبي عبدالله عليه قال: انما جعل للمرأة قيمة الخشب؟ لئلا تتزوج فتدخل عليهم من يفسد مواريثهم(٢) . واختلفت الروايات عنهم في كمية الشئ الذي تحرمه وكيفيته وشرطه(٣) . واختلفت الاقوال بحسب ذلك.

فهنا بحثان: (الاول) هل الحرمان عام في كل زوجة، سواء كان لها ولد، او لم يكن؟ أو هو خاص بغير ذات الولد؟ بالاول صرح ابن ادريس(٤) وهو ظاهر المفيد(٥) والتقي(٦) والمرتضى في الانتصار(٧) والشيخ في الاستبصار(٨) ].

____________________

(١)لاحظ الانتصار: المسائل المشتركة في الارث، ص ٣٠١ قال: مسألة: ومما انفردت به الامامية القول: بان الزوجة لا ترث من رباع المتوفى شيئا إلى قوله: والذي يقوي في نفسي الخ.

(٢)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٨ الحديث ٢٨.

(٣)سيأتي عن قريب.

(٤)السرائر: كتاب الفرائض ص ٤٠١ س ٣٢ قال: والصحيح انها لا ترث من نفس التربة ولا من قيمتها، بل يقوم الطوب والالات وتعطي قيمته إلى قوله: هذا اذا لم يكن لها ولد.

(٥)المقنعة: باب ميراث الازواج ص ١٠٤ س ٢٢ قال: ولا ترث الزوجة شيئا مما يخلفه الزوج من ارباع وتعطي قيمة الخشب والطوب.

(٦)الكافي: فصل في الارث ص ٣٧٤ س ١٩ قال: ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والارضين شيئا وترث من قيمة الات الرباع.

(٧)الانتصار: المسائل المشتركة في الارث ص ٣٠١ قال: مسألة ومما انفردت به الامامية، القول: بان الزوجة لا ترث من رباع المتوفى.

(٨)الاستبصار: ج ٤(٩٤) باب ان المرأة لا ترث من العقار والدور والارضين شيئا من تربة الارض، ولها نصيبها من قيمة الطوب والخشب والبنيان ص ١٥٤ س ٥ قال: قال محمد بن الحسن: هذه الاخبار التي اوردناه عامة في انه ليس للمرأة الخ.

٣٧٠

وبالثاني قال الشيخ في التهذيب(١) وتبعه القاضي(٢) وابن حمزة(٣) وهو قول الصدوق(٤) واختاره المصنف(٥) .

احتج الاولون بعموم صحيحة زرارة عن الباقرعليه‌السلام : ان المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئا، وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت مما ترك، ويقوم النقض والابواب والجذوع والقصب، فتعطى حقها منه(٦) .

ومثلها صحيحة محمد بن مسلم عنهعليه‌السلام قال: النساء لا يرثن من الارض ولا من العقار شيئا(٧) .

فان قلت: لا يصح الاستدلال بالرواية الاولى، والا لزم عدم ارثها من السلاح]

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٣٠٠ قال بعد نقل حديث ٣٥ مالفظه: قال محمد بن الحسن: هذا الخبر محمول على انه اذا كان للمرأة ولد فانها ترث من كل شئ تركه الميت عقارا كان او غيره الخ.

(٢)المهذب: ج ٢ باب ميراث الازواج والزوجات ص ١٤١ س ٤ قال: فان كان لها منه ولد دفع اليها حقها من نفس ذلك.

(٣)الوسيلة: فصل في بيان ميراث الازواج والزوجات ص ٣٩١ س ٥ قال: فان كانت الزوجة ذات ولد من زوجها المتوفى عنها لزم ميراثها من جميع تركاته.

(٤)الفقيه: ج ٤(١٧٥) باب نوادر المواريث ص ٢٥٢ قال بعد نقل حديث ٨ قال مصنف هذا الكتاب: هذا اذا كان لها منه ولد الخ.

(٥)الشرائع: في مسائل من أحكام الازواج، الخامسة اذا كان للزوجة من الميت ولد ورثت من جميع ماترك الخ.

(٦)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٨ الحديث ٢٥.

(٧)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٨ الحديث ٢٦.

٣٧١

[والدواب، وهو خلاف الجماع.

فاعلم ان فخر المحققين اجاب عنه: بحمل السلاح على ما يحبى به الولد الاكبر، والدواب يحمل على انه اوقفها او اوصى بها وخرج من الثلث، لان السؤال وقع في صورة خاصة، واللام في قوله: (المرأة) للعهد، أي راجع إلى المرأة التي وقع السؤال عنها.

فان قيل: تبقى رواية وردت على صورة خاصة، فلا تتعدى.

اجاب لا نسلم عدم التعدي اذا لم يدل دليل على اختصاصها(١) .

احتج الآخرون: بان ذلك جمعا بين ماتقدم وبين رواية الفضل بن عبدالملك أو ابن أبي يعفور عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته، او ارضها من التربة شيئا، او يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا ترث من ذلك شيئا؟ فقال: يرثها، وترثه كل شئ ترك وتركت(٢) .

ويشهد بصريح الجمع رواية محمد بن أبي عمير عن ابن اذينه في النساء اذا كان لهن ولد اعطين من الرباع(٣) .

(الثاني) في كمية الحرمان وكيفيته، وفيه ثلاثة اقوال:

(أ) وهو المشهور بين الاصحاب والاكثر في الروايات(٤) حرمانها من نفس الارض والقرى والمزارع والرباع، وهي الدور والمنازل وعين الانهار وابنيتها واشجارها، وتعطى مما عدا الارض من ذلك، وهو قول الشيخ في النهاية(٥) وتبعه]

____________________

(١)الايضاح: ج ٤ في ميراث الازواج ص ٢٤١ س ٩.

(٢)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٣٠٠ الحديث ٣٥.

(٣)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٣٠١ الحديث ٣٦.

(٤)لاحظ الكافي: ج ٧ كتاب المواريث ص ١٢٧ باب ان النساء لا يرثن من العقار شيئا.

(٥)النهاية: باب ميراث الازواج ص ٦٤٢ س ١ قال: والمرأة لا ترث من زوجها من الارضين والقرى والرباع الخ.

٣٧٢

[القاضي(١) وهو ظاهر التقي(٢) وابن حمزة(٣) واختاره المصنف في الشرائع(٤) .

(ب) حرمانها من الرباع دون البساتين والضياع، وتعطى قيمة الالات والابنية من الدور والمساكن، وهو قول المفيد(٥) وابن ادريس(٦) والمصنف في النافع(٧) .

(ج) حرمانها من عين الرباع، فتعطى قيمتها، وترث من رقبة المزارع والضياع، وهو قول السيد المرتضى(٨) واستحسنه العلامة في المختلف لما فيه من الجمع بين عموم القران وخصوص الاخبار، قال: ثم قول شيخنا المفيد جيد أيضا، يعني حرمانها من الرباع خاصة دون المزارع، لما فيه من تقليل التخصيص، قال: ومع هذا كله فالفتوى على ما قاله الشيخ(٩) ].

____________________

(١)المهذب: ج ٢ باب ميراث الازواج والزوجات ص ١٤٠ س ١٨ قال: والمرأة اذا لم يكن لها ولد من زوجها ومات عنها لم يورث من الارضين والرباع الخ.

(٢)الكافي: الارث ص ٣٧٤ س ١٩ قال: ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والارضين شيئا.

(٣)الوسيلة: فصل في بيان ميراث الازواج والزوجات ص ٣٩١ س ٦ قال: وان لم تكن ذات ولد منه لم يكن لها حق في الارضين والقرى الخ.

(٤)الشرائع: في مسائل من احكام الازواج (الخامسة) قال: ولو لم يكن (اي ولد) لم ترث من الارض شيئا الخ.

(٥)المقنعة: باب ميراث الازواج ص ١٠٤ س ٢٢ قال: ولا ترث الزوجة شيئا مما يخلفه الزوج من الرباع، وتعطي قيمة الخشب الخ.

(٦)السرائر: كتاب الفرائض ص ٤٠١ س ٢٩ قال: والاول (اي عدم الارث من الرباع) اختيار الشيخ المفيد وهو الذي يقتضيه مذهبنا.

(٧)لاحظ عبارة النافع.

(٨)الانتصار: المسائل المشتركة في الارث ص ٣٠١ قال: الزوجة لاترث من رباع المتوفى شيئا بل تعطى بقيمته حقها من البناء والالات دون قيمة العراس.

(٩)المختلف: في ميراث الزوج والزوجة ص ١٨٤ س ١٧ قال: وقول السيد المرتضى حسن الخ.

٣٧٣

(مسألتان)

(الاولى) اذا طلق واحدة من اربع وتزوج اخرى، فاشتبهت، كان للاخيرة ربع الثمن مع الولد، أو ربع الربع مع عدمه، والباقي بين الاربعة بالسوية.

(الثانية) نكاح المريض مشروط بالدخول، فان مات قبله فلا مهر لها ولا ميراث.

في الولاء، واقسامه ثلاثة: (القسم الاول) ولاء العتق

ويشترط التبرع بالعتق، وان لا يتبرع من ضمان جريرته، فلو كان واجبا كان المعتق سائبة. وكذا لو تبرأ بالعتق وتبرء من الجريرة. ولا يرث المعتق مع وجود مناسب وان بعد. ويرث مع الزوج والزوجة. احتج الاولون بما تقدم من الروايات.

[احتج المفيد برواية محمد بن مسلم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع شيئا، قلت: كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع شيئا؟ فقال: ليس لها بينهم حسب ترث به، وانما هي دخل عليهم ترث من الفرع ولا ترث من الاصل ولا يدخل عليهم داخل بسببها(١) .

دلت على نفي التوريث من الرباع لا غير، فبقي الباقي على اصله لعموم القران.

ولرواية مثنى عن يزيد الصائغ قال: سمعت ابا جعفرعليه‌السلام يقول: ان]

____________________

(١) التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٨ الحديث ٢٧.

٣٧٤

واذا اجتمعت الشروط: ورثه المنعم ان كان واحدا، واشتركوا في المال ان كانوا أكثر. ولو عدم المنعم، فللاصحاب فيه أقوال: اظهرها: انتقال الولاء إلى الاولاد الذكور دون الاناث، فان لم يكن الذكور، الولاء لعصبة المنعم. ولو كان المعتق امرأة فالى عصبتها دون اولادها ولو كانوا ذكورا.

[النساء لا يرثن من رباع الارض شيئا ولكن لهن قيمة الطوب والخشب، قال: قلت: ان الناس لا يأخذون بهذا، فقال: اذا ولينا ضربناهم بالسوط، فان انتهوا، والا ضربناهم بالسيف(١) .

احتج السيد، بالجمع بين عموم القرآن وخصوص الروايات.

قال طاب ثراه: ولو عدم المنعم فللاصحاب فيه اقوال: اظهرها انتقال الولاء إلى الاولاد الذكور دون الاناث فان لم يكن الذكور فالولاء لعصبة المنعم. ولو كان المعتق امرأة فإلى عصبتها دون اولادها ولو كانوا ذكورا.

أقول: المنعم المعتق سمي منعما، ومولى النعمة.

والاصل في هذا السبب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الولاء لحمة كلحمة النسب(٢) .

ووجه المشابهة: ان الرقيق كالمعقود لنفسه الموجود لسيده، لانه لا يستقل بالعقود، ولا يملك ولا يتصرف لنفسه، وانما يتصرف لسيده، فاذا اعتقه صار لنفسه، وملك كل ذلك لنفسه، فالمتعق صار سببا لوجوده الحكمي كما أن الاب سببا لوجوده الحقيقي، وكلما يصدر عنه من صدقة أو عتق وغيره فالمولى سبب السبب فيه، فله انعام على المعتق.

وكذا كل من انعم العتيق عليه بهبة وغيرها، فالمولى سبب السبب فيها.

والولاء بفتح الواو وبالكسر، التوالي، فالمنعم يرث العتيق اجماعا ذكرا كان او]

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٩ الحديث ٢٩.

(٢)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه ص ٢٥٥ الحديث ١٥٩ وتمامه (لا تباع ولا توهب).

٣٧٥

[انثى لقولهعليه‌السلام (الولاء لمن اعتق)(١) .

فان مات المنعم فإلى من ينتقل الولاء بعده؟ قيل فيه خمسة أقوال: (الاول) إلى عاقلته الذين يكون عليهم الدية لو جنى خطاء وهو قول الحسن(٢) .

(الثاني) إلى اولاده الذكور ان كان رجلا، وان كان امرأتا فالى عصبتها، دون أولادها وان كانوا ذكورا وهو قول الشيخ في النهاية(٣) وبه قال القاضي(٤) وابن حمزة(٥) . فهنا حكمان:

(أ) ثبوته لاولاد الرجل الذكور خاصة.

ويدل عليه رواية بريد بن معاوية قال: سألت الصادقعليه‌السلام عن رجل - إلى قوله - ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال الحديث(٦) وكان السؤال عن رجل.

(ب) اختصاصه بعصبة المرأة.

يدل عليه صحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته]

____________________

(١)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٤ قطعة من حديث ٤٠.

(٢)المختلف: ج ٢ كتاب العتق، الفصل الثاني في الولاء ص ٨٠ س ٣٩ قال: وقال ابن عقيل: إلى قوله: فاذا مات مولاه فلعاقلته الذين يكون عليهم الدية اذا جنى جناية الخطاء.

(٣)النهاية: باب الولاء ص ٥٤٧ س ١٧ قال: واذا مات المعتق ورث ولاء مواليه اولاده الذكور منهم الخ.

(٤)المهذب: ج ٢ باب الولاء ص ٣٦٤ س ١١ قال: واذا مات المعتق ورث ولاء مواليه اولاده الذكور دون الاناث.

(٥)الوسيلة: فصل في بيان الميراث بالولاء ص ٣٩٧ س ١٦ قال: فان مات مولاه كان ميراثه لولده الذكور دون الاناث.

(٦)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه ص ٢٥٤ قطعة من حديث ١٥٨.

٣٧٦

[عن امرأة اعتقت مملوكا ثم ماتت قال: يرجع الولاء إلى بنى أبيها(١) .

(الثالث) انتقاله إلى اولاده ذكورا واناثا ان كان رجلا، وان كان امرأة فلعصبتها دون اولادها، وهو قول الشيخ في الخلاف(٢) وبعض اصحابنا.

(الرابع) انتقاله إلى الاولاد الذكور خاصة رجلا كان المنعم او امرأتا وهو قول المفيد(٣) .

(الخامس) انتقاله إلى اولاد المعتق ذكورا كانوا أو اناثا، رجلا كان او امرأتا، وهو قول الصدوق(٤) محتجا بعموم قولهعليه‌السلام (الولاء لحمة كلحمة النسب)(٥) .

وقال أبوعلي: النساء لا يرثن من الولاء شيئا(٦) .

تذنيبان

(١)العتيق لا يرث المنعم لو فقد الوارث، بل يكون ميراثه للامام، وقال الصدوق في كتابه، يرثه المنعم عليه(٧) وبه قال أبوعلي(٨) ].

____________________

(١)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه ص ٢٥٤ الحديث ١٥٥.

(٢)كتاب الخلاف: كتاب الفرائض مسألة ٨٦ قال: المعتق اذا كان امرأتا فولاء مولاها لعصبتها دون اولادها.

(٣)المقنعة: باب ميراث المولي وذوي الارحام ص ١٠٦ س ٣ قال: وان مات المعتق قبل المعتق ثم مات المعتق بعده ولم يترك ولدا ولا ذا قرابة كان ميراثه لولد مولاه الذي اعتقه(٤) الفقيه: ج ٤(١٥١) باب ميراث الموالي ص ٢٢٤ س ١٣ قال: فان ترك بنى وبنات مولاه المنعم إلى قوله: فالمال لبنى وبنات مولاه.

(٥)تقدم.

(٦)المختلف: ج ٢ في احكام الولاء ص ٨٠ س ٣٩ قال: وقال ابن الجنيد: النساء لا يرثن من الولاء شيئا.

(٧)الفقيه: ج ٤(١٥١) باب ميراث الموالي ص ٢٢٤ س ١١ قال: اذا ترك الرجل مولى منعما او منعما عليه إلى قوله: فالمال له.

(٨)المختلف: ج ٢ في احكام الولاء ص ٨٢ س ٣٢ قال: وقال ابن الجنيد: والمولى الاسفل يرث الذي عتقه الخ.

٣٧٧

ولا يصح بيعه ولا هبته. ويصح جره من مولى الام إلى مولى الاب اذا كان الاولاد مولودين على الحرية.

[(٢)الولاء يورث به اجماعا، وهل يورث؟ قال أبوعلي: لا(١) ، ومثله قول الشيخ في الايجاز(٢) واختاره العلامة(٣) لقولهعليه‌السلام : الولاء لحمة كلحمة النسب، والنسب لا يورث، بل يورث به، ولانه يفيد العصوبة كالنسب فلا يكون موروثا، لقولهعليه‌السلام : انما الولاء لمن اعتق، وهي للحصر ولم يعتق الوارث، ولان سببه انعام السيد على العبد وهذا الانعام لا ينتقل، فيستحيل انتقال الولاء، لعدم انتقال الانعام عليه.

وقال بعض اصحابنا: نعم لانه من الحقوق المتروكة، فكان داخلا تحت عموم آية الارث.

ورد بمنع كلية الكبرى، لانا نمنع كون كل حق قابلا للنقل، والا لصح بيعه. وتظهر الفائدة في مسائل:

(أ) لو مات المنعم عن ذكرين، ثم مات احدهما عن ولد، ثم مات العبد، فعلى الاول يرثه ابن المنعم وحده دون ابن اخيه لانا نعتبر اقرب الورثة إلى المنعم عند موت المعتق، وعلى الثاني يرثه ابن الميت وعمه، حتى لو كان ابن ابن ابن شارك عم ابيه واخذ كل منهما النصف، لانه حق ورث عن المنعم، فلما كان له ابنان انقسم الولاء بينهما ويصير مال كل منهما إلى ورثته ويورث عنه وهكذا وان تنازلوا.

(ب) لو مات المنعم عن ابن وابن ابن آخر، ثم مات الابن وترك ابنا، ثم مات العبد، فعلى الاول هو بينهما لتساويهما في الدرجة، وعلى الثاني تركة العبد لابن]

____________________

(١)المختلف: ج ٢ في احكام الولاء ص ٨٢ س ٣٣ قال: مسألة في عبارات بعض اصحابنا ان الولاء موروث كالمال ونص ابن الجنيد على خلافه.

(٢)الايجاز: في ضمن رسائل العشر، فصل في ذكر الولاء ص ٢٧٨ س ٤ قال: والولاء لا يورث الخ.

(٣)المختلف: ج ٢ في احكام الولاء ص ٨٢ س ٣٧ قال: والاقرب عندي ان الولاء غير موروث الخ.

٣٧٨

(القسم الثاني) ولاء تضمن الجريرة

ومن توالى انسانا يضمن حدثه ويكون ولائه له، ثبت له الميراث ولا يتعدى الضامن، ولا يضمن الا سائبة كالمعتق في النذر والكفارات، او من لا وارث له، ولا يرث الضامن الا مع فقد كل مناسب ومع فقد المعتق، ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الا على وما بقى له، وهو اولى من بيت مال الامام.

(القسم الثالث) ولاء الامامة

ولا يرث الا مع فقد وارث عدا الزوجة، فانها تشاركه على الاصح.

ومع وجودهعليه‌السلام فالمال له يصنع به ما شاء.

وكان عليعليه‌السلام يعطيه فقراء بلده تبرعا. ومع غيبته يقسم في الفقراء، ولا يعطى الجائر الا مع الخوف.

[الابن الذي كان حيا عند موت المنعم لانتقاله إلى أبيه ثم اليه بعده.

(ج) لو مات المنعم عن ابنين، ثم ماتا وترك احدهما عشر بنين والآخر ابنا واحدا ثم مات العبد، فعلى الثاني للعشرة النصف، وللآخر وحده النصف الباقي، لان أب العشرة ورث نصف الولاء فانتقل بموته اليهم، واب الواحد ورث نصفه وانتقل إلى ابنه بعده، وعلى الاول قيل فيه قولان: اصحهما مساواة الاول، لان كل واحد من أولاد الاولاد يرث نصيب من يتقرب به على ماتقدم، ويحتمل التساوي، لتساويهم في الدرجة، أو لان اولاد الاولاد كالاولاد للصلب، فهذا الاحتمال مبني على هذا القول.

قال طاب ثراه: ولا يرث الا مع فقد كل وارث عدا الزوجة، فانها تشاركه على الاصح.

أقول: تقدم البحث في هذه المسألة.

قال طاب ثراه: وكان عليعليه‌السلام يعطيه فقراء بلده تبرعا(١) ، ومع غيبته]

____________________

(١)اورده في المقنعة ص ١٠٨ س ٧ قال: وكان امير المؤمنين علي بن ابيطالبعليه‌السلام يعطي تركة من لا وراث له من قريب ولا نسيب ولا مولى، فقراء اهل بلده وضعفاء جيرانه وخلطائه تبرعا عليهم بما يستحقه من ذلك، واستصلاحا لرعيته حسب ما كان يراه في الحال من صواب الرأي لانه من الانفال كما قدمناه في ذكر ما يستحقه الامام من الاموال، وله انفاقه فيما شاء ووضعه حيث شاء، ولا اعتراض للامة عليه في ذلك بحال.

٣٧٩

اللواحق : وهي أربعة : الاول: في ميراث ابن الملاعنة

ميراثه لامه وولده، للام السدس والباقي للولد، ولو انفردت، كان لها الثلث والباقي بالرد. ولو انفردت الاولاد، فللواحد النصف، وللاثنين فصاعدا الثلثان، وللذكران المال بالسوية، وان اجتمعوا فللذكر سهمان وللانثى سهم. ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الا على مع عدم الولد وان نزل، والادنى معهم. ولو عدم الولد يرثه من تقرب بامه الاقرب فالاقرب الذكر والانثى سواء. ومع عدم الوارث يرثه الامام. ويرث هو امه ومن يتقرب بها على الاظهر، ولا يرث أباه، ولا من يتقرب به ولا يرثونه. ولو اعترف به الاب لحق به، [يقسم في الفقراء، ولا يعطي الجائر الا مع الخوف.

أقول: ميراث من لا وارث له لامام المسلمين، كما عليه عقله فشابه اولي الارحام، والمعتق، فمع وجوده (ع) يختص يه، ولا حق لارباب الخمس فيه، ولا لبيت مال المسلمين، ومع غيبته تصرف في الفقراء من المؤمنين، وليس على حد مال الامام الواجب له من الخمس، ولو كان ذلك من الاراضي كان كالانفال وللحاكم دفعه إلى الفقراء فتختص به من دفع اليه.

قال طاب ثراه: ويرث هو امه ومن يتقرب بها على الاظهر.

أقول: ذهب الشيخ في الاستبصار إلى ان ولد الملاعنة لا يرث اخواله، بل يرثونه]

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

فتراها تسير باتجاه معين من الزمن ثمّ تعود قليلا ومن ثمّ تتابع مسيرها الأوّل وهكذا ولهؤلاء العلماء من البحوث العلمية في تحليل هذه الظاهرة.

وعليه يمكن حمل إشارة الآيات إلى الكواكب السيّارة «الجوار» ، التي في سيرها لها رجوع «الخنس» ، ثمّ تختفي عند طلوع الفجر وشروق الشمس فهي تشبه غزالا يتصيد طعامه في الليل وما أن يحّل النهار حتى يختفي عن أنظار الصيادين والحيوانات المفترسة فيذهب إلى «كناسه» ، ولذا وصفت الكواكب بـ «الكنّس» ،.

وثمّة احتمال آخر : «الكنّس» : اختفاء الكواكب في ضوء الشمس.

أي إنّها حينما تدور حول الشمس ، تصل في بعض الوقت إلى نقطة مجاورة للشمس فيختفي نورها تماما عن الأبصار ، وهو ما يعبّر عنه علماء الفلك بـ (الاحتراق).

و «الكنّس» : في نظر بعض آخر : إشارة إلى دخول الكواكب في البروج السماوية ، وذلك الدخول يشبه اختفاء الغزلان في أماكن أمنها.

وكما هو معروف ، إنّ كواكب مجموعتنا الشمسية لا تنحصر بهذه الكواكب الخمس ، بل ثمة ثلاثة كواكب أخرى (أورانوس ، بلوتون ، نبتون) ولكنّها لا ترى بالعين المجرّدة لبعدها عنّا ، وللكثير من هذه السيّارات قمرا أو أقمارا ، ، فعدد كواكب هذه المجموعة بالإضافة إلى الأرض هو تسعة كواكب.

و «الجوري» : توصيف جميل لحركة الكواكب ، حيث شبّه بحركة السفن على سطح البحر.

وعلى أيّة حال ، فكأنّ القرآن الكريم يريد بهذا القسم المليء بالمعاني الممتزجة بنوع من الإبهام ، كأنّه يريد إثارة الفكر الإنساني ، وتوجيهه صوب الكواكب السيّارة ذات الوضع الخاص على القبة السماوية ، ليتأمل أمرها وقدرة وعظمة خالقها سبحانه وتعالى.

٤٦١

وثمّة احتمالات أخرى في هذا الموضوع أهملناها لضعفها.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال في تفسير الآيات المذكورة : «هي خمسة أنجم : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والزهرة ، وعطارد»(١) .

ويعرض لنا القرآن لوحة أخرى :( وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ) .

«عسعس» : من (العسعسة) ، وهي رقة الظلام في طرفي الليل (أوله وآخره) ومنه اطلاق لفظ «عسس» على حرّاس الليل ، وبالرغم من اطلاق هذه المفردة على معنيين متفاوتين ، ولكن المراد منها في هذه الآية هو آخر الليل فقط بقرينة الآية التالية لها ، وهو ما يشابه القسم الوارد في الآية (٣٣) من سورة المدثر :( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) .

والليل ، من النعم الإلهية الكبيرة ، لأنّه : سكن للروح والجسم ، معدّل لحرارة الشمس ، وسبب لإدامة حياة الموجودات أمّا التأكيد على نهايته فيمكن أن يكون بلحاظ كونه مقدمة استقبال نور الصباح ، إضافة لما لهذا الوقت بالذات من فضل كبير في حال العبادة والمناجاة والدعاء ، ويمثل هذا الوقت أيضا نقطة الشروع بالحركة والعمل في عالم الحياة.

ويأتي القسم الثّالث والأخير من الآيات :( وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ) .

فما أروع الوصف وأجمله! فالصبح كموجود حي قد بدأ أوّل أنفاسه مع طلوع الفجر ، ليدّب الروح من جديد في كلّ الموجودات ، بعد أن تقطعت أنفاسه عند حلول ظلام الليل!

ويأتي هذا الوصف في سياق ما ورد في سورة المدّثّر ، فبعد القسم بإدبار الليل ، قال :( وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ) ، فكأنّ الليل ستارة سوداء قد غطت وجه الصبح ، فما أن أدبر الليل حتى رفعت تلك الستارة فبان وجه الصبح مشرقا ، وأسفر

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٤٦.

٤٦٢

للحياة من جديد.

وتجسّد الآية التالية جواب القسم للآيات السابقة :( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) .

فالجواب موجّه لمن اتّهم النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باختلاق القرآن ونسبته إلى الباري جلّ شأنه.

وقد تناولت وما بعدها خمسة أوصاف لأمين وحي الله جبرائيلعليه‌السلام ، وهي الأوصاف التي ينبغي توفرها في كلّ رسول جامع لشرائط الرسالة

فالصفة الأولى : إنّه «كريم» : إشارة إلى علو مرتبته وجلالة شأنه.

ومن صفاته أيضا :( ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) (١) .

«ذي العرش» : ذات الله المقدّسة. مع أنّ الله مالك كلّ عالم الوجود ، فقد وصف «بذي العرش» لما للعرش من أهمية بالغة على على غيره (سواء كان العرش بمعنى عالم ما وراء الطبيعة ، أو بمعنى مقام العلم المكنون).

أمّا وصفه بـ «ذي قوّة» (أي : صاحب قدرة) ، لما للقدرة العظيمة والقوّة الفائقة من دور مهم وفعّال في عملية حمل وإبلاغ الرسالة ، وعموما ينبغي لكل رسول أن يكون صاحب قدرة معينة تتناسب وحدود رسالته ، وعلى الإخلاص في مجال عدم نسيان ما يرسل به.

«مكين» : صاحب منزلة ومكانة ، وبدون ذلك لا يتمكن الرسول من أداء رسالته على أتمّ وجه ، فلا من كونه شخصا جليلا ، لائقا ، ومقربا للمرسل.

وممّا لا شك فيه إنّ التعبير بـ «عند» لا يراد منه الحضور المكاني ، لأنّ الباري جل شأنه لا يحده مكان ، والمراد هو الحضور المقامي والقرب المعنوي.

وتتناول الآية التالية الصفة الرابعة والخامسة :( مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) .

«ثمّ» : إشارة إلى البعيد ، ويراد بها : إنّ أمين الوحي الإلهي نافذ الكلمة في

__________________

(١) «مكين» : (المكانة) ، وهي المقام والمنزلة ، وما يستفاد من مفردات الراغب وغيره من المفسّرين ، إنّه اسم مكان من (الكون) ولكثرته في الكلام فقد استعمل على صيغة الفعل فقيل : (تمكن) و (تمسكن).

٤٦٣

عالم الملائكة ، ومطاع عندهم ، وإنّه في ذروة الأمانة في عملية إبلاغ الرسالة.

وما نستشفّه من الرّوايات : إنّ جبرائيلعليه‌السلام ينزل أحيانا وبصحبته جمع كبير من الملائكة في حال إبلاغه للآيات القرآنية المباركة ، وهو ما يوحي بأنّه مطاع بينهم ، وهو ما ينبغي أن يكون في كل أمّة تتبع رسولا ، فلا بدّ من طاعتها له.

وروي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لجبرائيلعليه‌السلام عند نزول هذه الآيات : «ما أحسن ما أثنى عليك ربّك! : ذي قوّة عند العرش مكين ، مطاع ثمّ أمين ، فما كانت قوتك؟ وما كانت أمانتك؟

فقال : أمّا قوّتي فإنّي بعثت إلى مداين لوط وهي أربع مداين في كلّ مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري ، فحملتهم من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماوات أصواب الدجاج ونباح الكلاب ، ثم هويت بهّن فقلبتهّن. وأمّا أمانتي ، فإنّي لم أؤمر بشيء فعدوته إلى غيره»(١) .

وينفي القرآن ما نسب إلى النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) .

«الصاحب» : هو الملازم والرفيق والجليس ، والوصف هذا مضافا الى أنّه يحكي عن تواضع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع جميع الناس فلم يرغب يوما في الاستعلاء على أحد منكم ، فإنّه قد عاش بينكم حقبة طويلة ، وجالسكم ، فلمستم عن قرب رجاحة عقله وحسن درايته وأمانته ، فكيف تنسبون له الجنون؟!

وكلّ ما في الأمر إنّه قد جاءكم بعد بعثته بتعاليم تخالف تعصبكم الأعمى وتحارب أهواءكم الجاهلية ، فما راق لكم الانضباط والترابط ، وحبذتم الانفلات والتراخي ، فوليتم الأدبار عن تعاليمه الربانية ونسبتم إليه الجنون ، فرارا من هدي دعوته المباركة!

ونسبة الجنون إلى النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بالشيء الجديد في مسير دعوة السماء

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٦ ، وورد هذا المضمون في تفسير (الدر المنثور) في ذيل الآية المبحوثة.

٤٦٤

فقد واجه جميع أنبياء اللهعليهم‌السلام هذا الافتراء الفارغ من قبل جهلة وكفرة عصورهم ، وقد حدثنا القرآن الكريم بتلك الوقائع :( كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) (١) .

فالعاقل في منطق الجاهلية ، من يخضع للعادات والتقاليد المعاشة وإن كانت فاسدة منحطة ، ومن يطلق لجماح أهواءه وشهواته العنان ، ومن لا يفكر بأيّ إصلاح أو تغيير لأنّه خروج على السائد المتعارف عليه!

وبناء على هذا المقياس الأعمى فكلّ الأنبياء في نظر عبدة الدنيا مجانين

ويؤكّد القرآن على الارتباط الوثيق ما بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجبرائيلعليه‌السلام :( وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) ، وهو «الأفق الأعلى» الذي تظهر فيه الملائكة ، حيث شاهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرائيلعليه‌السلام .

وقد استدلّ بعض المفسّرين بالآية (٧) من سورة النجم على التفسير أعلاه ، والتي تقول :( وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ) .

ولكننا نرى أنّ الآية مع بقية آيات السورة تتحدث عن حقيقة أخرى ، فراجع إلى ما ذكرناه في تفسيرنا هذا.

وقال بعض : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رأى جبرائيلعليه‌السلام في صورته الحقيقة مرّتين ، الأولى عند بداية البعثة النبوية المباركة ، حيث ظهر له في الأفق الأعلى وقد غطى الشرق والغرب حتى بهر النبيّ بعظمة هيئته ، والثّانية رآه عند معراجه إلى السماوات العلى واعتبروا الآية المبحوثة إشارة لتلك الرؤيتين.

وثمّة من يذهب في تفسير الآية من كونها تشير إلى مشاهدة اللهعزوجل بالشهود الباطني ، (ولمزيد من الإيضاح ، راجع ذيل الآيات (٥ ـ ١٣) من سورة النجم).

وتأتي الصفة الخامسة :( وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) .

__________________

(١) الذاريات : الآية ٥٢.

٤٦٥

فهو ليس ممن يقبرون في صدورهم ممّا يوحى إليه ، ولا يبخل ولا يتوانى عن الإبلاغ ويوصله إلى كلّ الناس كاملا وبأمانة.

«ضنين» : من (ضنّة) على وزن (منّة) ، أي : البخل بالأشياء الثمينة والنفيسة ، فالأنبياءعليهم‌السلام منزّهون عن ذلك ، وإذا ما بخل الآخرون بما صار في حوزتهم من علم محدود ، فالنّبي فوق ذلك وأنزه مع ماله من منبع علم إلهي.

وتقول آخر الآيات المبحوثة :( وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ) .

فالآيات القرآنية ليست كحديث الكهنة الذي يأخذوه من الشياطين ، ودليلها معها ، حيث أنّ حديث الكهنة محشو بالأكاذيب والتناقضات ، ويدور حول محور ميولهم ورغباتهم ، في حين لا يشاهد ذلك في الآيات القرآنية إطلاقا.

والآية تجيب على إحدى افتراءات المشركين ، حين اتهموا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه كاهن وكلّ ما جاء به قد أخذه من الشياطين! فحديث الشيطان! لا يتعدى أن يكون باطلا وضلالا في حين أنّ الآيات الرّبانية كلّها نور وهداية ، وهذا ما يشعر به كلّ من يواجه القرآن ومنذ وهلته الأولى.

«رجيم» : من (الرجم) ، و (رجام) على وزن (لجام) بمعنى أخذ الحجارة ، وتطلق على رمي الحجار على الأشخاص أو الحيوانات ، ويستعار الرجم للرمي بـ : الظّن ، التوهم ، الشتم والطرد ، و «الشيطان الرجيم» بمعنى المطرود من رحمة الله.

* * *

بحث

مؤهلات الرّسول :

الصفات الخمسة التي ذكرتها الآيات المباركة جبرائيلعليه‌السلام باعتباره رسول الوحي الإلهي إلى النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هي ذات الصفات التي ينبغي توفرها في كلّ رسول ، وبما يناسب نوع ودرجة رسالته.

٤٦٦

فلكي يكون الرسول لائقا لحمل الرسالة ، لا بدّ من تحلّيه بركائز أخلاقية ونفسية عالية ، أي يكون «كريما» محترما.

ولا بدّ من كونه قادر متمكن «ذي قوّة» ، حتى يتمكن من إبلاغ رسالته بكل ما تحمل ، ومن دون أن يصيبه أيّ ضعف أو فتور أو هوان.

وينبغي أن تكون ذو منزلة رفيعة ومقام مرموق عند المرسل ، «مكين» ، لكي يكون طبيعيا مستقرا في استلامه الرسالة ، ولا يناله أيّ خوف أو ارتباك في حال إيصاله لأجوبة الرسالة إلى أيّ كان.

ومن المؤهلات اللازمة ، أن يكون له أعوان ويطيعونه بأمر الرسالة ، ولا يتخاذلون عن طاعته ، «مطاع».

وأخيرا ، لا بدّ من كونه «أمينا» في النقل ، ليعتمد المرسل عليه فيما يريد أن يوصله إليه من الرسالة ، فلا بدّ من الأمانة بكلّ معناها والابتعاد عن الخيانة ولو بأدنى زواياها.

فمتى ما توفرت المؤهلات اللازمة للرسول فيه كان جديرا بأداء حق الرسالة ، ولذلك نرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينتخب رسله بدقة من بين أصحابه ، وأفضل نموذج حي لذلك ، إرساله أمير المؤمنينعليه‌السلام بإيصال الآيات الأولى من سورة براءة إلى مشركي مكّة ، في ظروف قد شرحناها عند تفسيرنا لتلك السورة.

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال : «رسولك ترجمان عقلك ، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك»(١) .

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة : الكلمات القصار (٣٠١).

٤٦٧

الآيات

( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩) )

التّفسير

إلى اين أيّها الغافلون؟!

أكّدت الآيات السابقة ببيان جلي حقيقة كون القرآن كلام الله فمحتواه ينطق عن كونه كلاما رحمانيا وليس شيطانيا ، وقد نزل به رسول كريم مقتدر وأمين ، وقام بتبليغه النّبي الصادق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لم يبخل في البلاغ في شيء ، وما تهاون عن تعليم الناس فيما أرسل به.

فيما توبخ الآيات أعلاه أولئك الذين عادوا القرآن وانحرفوا عن خطّ سير الرسالة الربّانية الهادية ، فتقول لهم بصيغة الاستفهام التوبيخي :( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) .

لم تركتم طريق الهداية؟! أو من العقل أن تصدّوا عن النور وتتجهوا صوب الظلام؟! ألا ترحمون أنفسكم؟! وكيف تعملون على هدم أركان سعادتكم وسلامتكم؟!

٤٦٨

وتأتي الآية الثّانية لتقول :( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ )

فالآية تتحدث بلسان الوعظ والتذكير ، عسى أن يستيقظ من تملكه نوم غفلته.

لا يمكن للهداية والتربية أن تؤدّي فعلها بوجود المرشد الناحج فقط ، بل لا بدّ من توفر عنصر الاستعداد وتقبل الهداية من قبل الطرف الآخر ، ولذلك فبعد الوعظ والتذكير جاءت الآية التالية لتبيّن هذه الحقيقة :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) .

فالآية الاولى :( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ) قد ذكرت عمومية الفيض الإلهي في القرآن الكريم ، فيما خصصت الآية التالية :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) عملية الاستفادة من هذا الفيض الجزيل وحددته بشرط الاستقامة.

وهذه القاعدة جارية في جميع النعم والمواهب الإلهية في العالم ، فإنّها عامّة التمكين ، خاصّة الاستفادة ، فمن لا يملك الإرادة والتصميم على ضوء الهدي القرآني لا يستحق فيض رحمة الله ونعمه.

والآية الثّانية من سورة البقرة :( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) تدخل في سياق هذا المعنى.

وعلى أيّة حال ، فالآية تؤكّد مرّة اخرى على حرية الإنسان في اختياره الطريق الذي يرضاه ، سواء كان طريق حقّ ، أم طريق باطل.

ويفهم من «يستقيم» ، أنّ طريق السعادة الحقّة ، طريق مستقيم ، وما دونه لا يكون كذلك ، ولولا الإفراط والتفريط والوساوس الشيطانية وأغشية الضلال لسار الإنسان على هذه السبل المنجية ، باستجابته لنداء الفطرة واتباعه الخط المستقيم ، والخط المستقيم هو أقصر الطرق الموصلة للهدف المنشود.

ولكي لا يتصور بأنّ مشيئة وإرادة الإنسان مطلقة في سيره على طريق المستقيم ، ولكي يربط الإنسان مشيئة بمشيئة وتوفيق اللهعزوجل ، وجاءت

٤٦٩

الآية التالية ولتقول :( وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ )

والآيتان السابقتان تبيّنان فلسفة «أمر بين الأمرين» التي أشار إليها الإمام الصادق عليه‌السلام ، فمن جهة ، إنّ الإرادة والقرار بيدكم ، ومن جهة اخرى ، يلزم تلك الإرادة وذلك القرارة ما يشاء الله ربّ العالمين وإنّ خلقتم أحرارا مختارين ، فالحرية والإختيار منه جلّ اسمه ، ولولا إرادته ذلك لما كان.

فالإنسان ليس بمجبور على أعماله مطلقا ، ولا هو بمختار بكلّ معنى الإختيار ، ولكن كما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «لا جبر ولا تفويض الأمر بين الأمرين» ،

فكلّ ما للإنسان من : عقل ، فهم قدرة بدنية ، وقدرة على اتخاذ القرار ، كلّ ذلك من اللهعزوجل ، فهو من جهة في حالة الحاجة الدائمة للاتصال به جلّ شأنه ، ولو شاء الله لتوقف كلّ شيء وانتهى ، وهو من جهة اخرى مسئول عن أعماله لما له من حرية واختيار على تنفيذها.

ويفهم من «ربّ العالمين» ، إنّ المشيئة الإلهية تقضي بهداية وتكامل الإنسان وكلّ الموجودات ، فالله لا يريد أن يضل أو يذنب أحد من الخلق ، بل يريد أن يسعد كلّ الخلق في جوار رحمته ورضوانه ، وبمقتضى ربوبيته فهو الموفّق والمعين لكلّ من يريد أن يسلك طريق التكامل.

والخطأ القاتل الذي وقع فيه المتجبرة ، إنّهم تمسّكوا بالآية الثّانية دون الاولى وربّما كان المفوضة قد تمسّكوا بالآية الاولى مفصولة عن الآية الثانية لها والفصل فيما بين آيات القرآن كثيرا ما يوقع في هاوية الضلال والخروج بنتائج خاطئة باطلة ، وينبغي التعامل مع الآيات القرآنية على كونها كلّ مترابط ، لا آيات فرادى.

وقيل : إنّه لمّا نزل قوله تعالى :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) ، قال أبو جهل : جعل الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله تعالى :( وَما

٤٧٠

تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) (١) .

اللهمّ! لا توفيق إلّا منك ، فوفقنا للسير على طريق رضوانك

اللهمّ! لقد رغبنا في سلوك طريقك ومنهجك ، فاجعل مشيئتك أن تأخذ بأيدينا في هذا الطريق

اللهمّ! إنّا نخاف أهوال الحشر والقيامة ، لخلو صحائف أعمالنا من الحسنات ، فعاملنا بعفوك ولطفك ، ولا تشدد علينا بعدلك

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة التّكوير

* * *

__________________

(١) روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ٦٢ ؛ وفي روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٥٤.

٤٧١
٤٧٢

سورة

الإنفطار

مكيّة

وعدد آياتها تسع وعشرة آية

٤٧٣
٤٧٤

«سورة الإنفطار»

محتوى السورة :

لا تشذ السورة عن سياق سور الجزء الأخير من القرآن الكريم ، وتدور حول محور المسائل المتعلقة بيوم القيامة ، تتضمّن مجموع آياتها المواضيع التالية :

١ ـ أشراط الساعة ، وهي الحوادث الهائلة التي سيشهدها العالم أواخر لحظات عمره وعند قيام الساعة.

٢ ـ التذكير بالنعم الإلهية الداخلة في كلّ وجود الإنسان ، وكسر حالة غرور الإنسان ، وتهيئته المعاد.

٣ ـ الإشارة إلى ملائكة تسجيل أعمال الإنسان.

٤ ـ بيان عاقبة المحسنين والمسيئين في يوم القيامة.

٥ ـ لمحات سريعة عمّا سيجري في ذلك اليوم العظيم.

فضيلة السورة :

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ هاتين السورتين :( إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ) و( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) وجعلهما نصب عينه في صلاة الفريضة والنافلة ، لم يحجبه من الله حجاب ، ولم يحجزه من الله حاجز ، ولم يزل ينظر إلى الله وينظر

٤٧٥

الله إليه حتى يفرغ من حساب الناس»(١) .

ولا شك أنّ حصول ثواب السورتين إنّما يتمّ وضعهما في أعماق روحه ، وبنى على أسسها أركان نفسه وعمله ، ولا لمن يلوكهما في لسانه ولا غير!

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٧ ، نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٢٠ (عن ثواب الأعمال : ص ١٢١).

٤٧٦

الآيات

( إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) )

التّفسير

عند ما يحلّ الحدث المروع!

تقدّم لنا الآيات (مرّة اخرى) مشاهدا مروعة من يوم القيامة ، فتخبر عن تفطّر السماء من هول الكارثة :( إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ) .

ثمّ تنتقل إلى ما سيصيب الكواكب ونظامها :( وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ ) .

فسينهدم العالم العلوي ، وستحدث الإنفجارات العظيمة المهيبة في كلّ النجوم السماوية ، وسيتخلخل نظام المنظومات الشمسية ، فتخرج النجوم من مساراتها لتصطدم الواحدة بالأخرى وتتلاشى فينتهي عمر العالم ، ويتناثر كلّ شيء ليبنى على أنقاضه عالم جديد آخر.

«انفطرت» : من (الإنفطار) ، بمعنى الإنشقاق ، وقد ورد التعبير في آيات اخرى كالآية الاولى من سورة الإنشقاق :( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) ، والآية (١٨) من

٤٧٧

سورة المزمل :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ) .

«انتثرت» : من (النثر) على وزن (نصر) ، بمعنى نشر الشيء وتفريقه ، و «الانتثار» : هو الانتشار والتفرق. وباعتبار أنّ انتشار النجوم يؤدّي إلى تفرقها في السماء (كحبات العقد المنفرط) فقد فسّرها الكثير من المفسّرين بـ (سقوط النجوم) ، وهو من لوازم معنى الانتثار.

«الكواكب» : جمع (كوكب) ، وله معان كثيرة ، منها : النجوم بشكل عام ، والزهرة بشكل خاص ، النبت إذا طال ، البياض الذي يظهر في سواد العين ، لمعان الحديد : بريقه وتوقده و «غلام كوكب» : ممتلئ إذا ترعرع وحسن وجهه ، وكوكب كلّ شيء : معظمه ، مثل كوكب الشعب وكوكب السماء وكوكب الشمس.

والكوكب أيضا : الماء ، السيف ، سيد القوم إلخ.

وعلى ما يبدو أنّ المعنى الحقيقي هو (النجم المتلألئ) ، وما دون ذلك معان مجازية استعملت لعلاقة المشابهة.

ولكن ، ما هي العوامل التي ستؤدي بالكواكب إلى التناثر والتفرق في الفضاء مع فقدانها لنظامها الذي يحكمها؟

هل بسبب فقدان التعادل الموجود في الجاذبية فيما بينها؟ أم ثمّة قوّة هائلة ستفعل ذلك؟ أم بسبب التوسع المستمر الحاصل في العالم ـ كما يقول ذلك العلم الحديث؟

لا يستطيع أيّ أحد أن يتكهن السبب بدّقة وكلّ ما نعلمه أنّ هذه الأمور تهدف إلى تعريف الإنسان بما سيحدث بالمستقبل الآت ، وتدعوه لخلاص نفسه من أهوالها ، وهو الكائن الضعيف وسط تلك الحوادث الجسام؟!

فالآيات تحذر الإنسان من أن يتخذ العالم الفاني هدفا لوجوده ، فيتصوره محل خلوده ، لأنّ ذلك سيؤول إلى تلوث قلب الإنسان (شاء أم أبى) ، وما ينتج عن التلوث سوى الذنوب المؤدّية إلى عذاب الجحيم

٤٧٨

وينتقل البيان القرآني من السماء إلى الأرض ، فيقول :( وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ ) أي اتصلت.

مع أنّ البحار متصلة فيما بينها قبل حلول ذلك اليوم (ما عدا البحيرات) ، لكنّ اتصالها سيكون بشكل آخر ، حيث ستفيض جميعها وتتمزق حدودها وتصير بحرا واحدا لتشمل كلّ الأرض ، بسبب الزلازل المرعبة وتحطم الجبال وسقوطها في البحار هذا أحد تفاسير الآية السادسة من سورة التكوير (الآنفة الذكر)( وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ) .

وثمّة احتمال آخر بخصوص الآية المبحوثة والآية (٦) من سورة التكوير ، يقول : يراد بـ «فجّرت» و «سجّرت» الإنفجار والاحتراق ، لأنّ مياه البحار والمحيطات ستتحول إلى قطعة من نار لأهب.

وكما أشرنا سابقا ، فالماء يتكون من عنصرين شديدي الاشتعال (الأوكسجين والهيدروجين) فلو تحلل الماء إلى عنصريه فسيكفيه شرارة صغيرة لجعله قطعة ملتهبة من النيران.

وتتناول الآية التالية عرضا لمرحلة القيامة الثانية ، مرحلة تجديد الحياة وإحياء الموتى ، فتقول :( إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ) واخرج الموتى للحساب.

«بعثرت» : قلب ترابها وأثير ما فيها.

واحتمل (الراغب) في مفرداته : إنّ «بعثرت» تكونت من كلمتين ، (بعث) و (أثيرت) ، فجاء المعنى منهما ، كقولنا : «بسملة» من «بسم» ولفظ الجلالة «الله».

وعلى آيّة حال ، فإننا نرى شبيه هذا المعنى قد ورد في سورة الزلزال :( وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها ) أي الأموات (بناء على المشهور من تفاسيرها) ، وفي الآيتين (١٣ و١٤) من سورة النّازعات :( فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) .

وتوضح الآيات إنّ إحياء الموتى وإخراجهم من القبور سيكون مفاجئا وسريعا.

٤٧٩

وبعد ذكر كلّ تلك العلائم لما قبل البعث ولما بعده ، تأتي النتيجة القاطعة :( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) .

نعم ، فستتجلى حقائق الوجود : وسيصير كلّ شيء بارز إنّه «يوم البروز» وسيرى الإنسان كلّ أعماله محضرة بخيرها وشرّها ، لأنّه يوم إزالة الحجب ، ورفع مبررات الغرور والغفلة ، وعندها سيعلم الإنسان ما قدّم لآخرته ، وما ترك بعده من آثار حسنها وسيئها ، مثل : الصدقة الجارية ، فعل الخير ، عمارة الأبنية ، الكتب التي ألفها ، ما سنّ من السنن فإن كان ما خلّفه خالصا لله فسينال حسناته ، وإن كانت نيّة أفعاله غير خالصة لله فستصل إليه سيئات تبعاته.

وهذه نماذج من الأعمال التي ستصل نتائجها إلى الإنسان بعد الموت ، وهو : المراد من «وأخّرت».

صحيح أنّ الإنسان يعلم بما عمل في دنياه بصورة إجمالية ، لكنّ حبّ الذات والإشتغال بالشهوات والنسيان غالبا ما ينسيه ما قدّمت يداه ، فيتغافل عن النظر إلى ما بدّ منه ، أمّا في ذلك اليوم الذي سيتحول ويتغير فيه كلّ شيء حتى روح الإنسان فسيلتفت إلى ما قام به من عمل بكلّ دقّة وتفصيل ، كما تشير إلى ذلك الآية (٣٠) من سورة آل عمران :( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ) ، فكلّ سيرى كلّ أعماله حاضرة مجسمة أمام عينه.

وقيل : «ما قدّمت» ، إشارة إلى أعمال أوّل عمر الإنسان ، و «أخّرت» ، إشارة إلى أعمال آخر عمره.

ويبدو أنّ التّفسير الأوّل أنسب من جميع الجهات.

ويراد بـ «نفس» الواردة بالآية ، كلّ نفس إنسانية.

* * *

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553