المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116760 / تحميل: 7654
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

حصوله غير معلوم لا أصل تحقّقه(١) !

إلّا أنّ جماعة من المفسّرين قالوا إنّ المراد من «ريب المنون» في الآية محلّ البحث هو حوادث الدهر ، حتّى أنّه نقل عن ابن عبّاس أنّه قال حيث ما وردت كلمة «ريب» في القرآن فهي بمعنى الشكّ والتردّد ، إلّا في هذه الآية من سورة الطور فمعناها الحوادث(٢) .

وقال جماعة منهم أنّ المراد منه هو حالة الاضطراب ، فيكون معنى «ريب المنون» على هذا القول هو حالة الاضطراب التي تنتاب أغلب الأفراد قبل الموت!

ويمكن أن يعود هذا التّفسير (الأخير) على المعنى السابق ، لأنّ حالة الشكّ والتردّد أساس الاضطراب ، وكذلك الحوادث التي لم ينبّأ بها من قبل ، فهي تقترن بنوع من الاضطراب والشكّ والتردّد ، وهكذا فإنّ جميع هذه المفاهيم تنتهي إلى أصل «الشكّ والتردّد».

وبتعبير آخر ، فإنّ للريب ثلاثة معان مذكورة : الشكّ ، والاضطراب ، والحوادث ، وهذه جميعا من باب اللازم والملزوم!.

وعلى كلّ حال ، فأولئك كانوا يطمئنون أنفسهم ويرضون خاطرهم بأنّ حوادث الزمان كفيلة بالقضاء على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانوا يتصوّرون أنّهم سيتخلّصون من هذه المشكلة العظمى التي أحدثتها دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سائر المجتمع لذلك فإنّ القرآن يردّ عليهم بجملة موجزة مقتضبة ذات معنى غزير ويهدّد هؤلاء ـ عمي القلوب ـ مخاطبا نبيّه فيقول :( قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ ) .

فأنتم تنتظرون تحقّق تصوّراتكم الساذجة التافهة!! وأنا أنتظر أن يصيبكم عذاب الله!.

__________________

(١) راجع المفردات للراغب.

(٢) القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦٢٤٢.

١٨١

وعليكم أن تنتظروا أن ينطوي بموتى بساط الإسلام!! وأنا بعون الله أنتظر أن أجعل الإسلام يستوعب العالم كلّه في حياتي وأن يبقى بعد حياتي أيضا مواصلا طريقه دائما!

أجل إنّما تعوّلون على تصوراتكم وخيالاتكم ، وأنا أعتمد على لطف الله الخاصّ سبحانه.

ثمّ يوبّخهم القرآن توبيخا شديدا فيقول في شأنهم :( أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ ) (١) .

كان سراة قريش يعرفون بين قومهم بعنوان «ذوي الأحلام» ، أي أصحاب العقول ، فالقرآن يقول : أي عقل هذا الذي يدّعي بأنّ وحي السماء ـ الذي تكمن فيه دلائل الحقّ والصدق ـ شعر أو كهانة؟! وأن يزعم بأنّ حامله «النبي» الذي عرف بالصدق والأمانة منذ عهد بعيد ، بأنّه شاعر أو مجنون!؟

فبناء على ذلك ينبغي أن يستنتج أنّ هذه التّهم والافتراءات ليست ممّا تقول به عقولهم وتأمرهم به ، بل أساسها طغيانهم وتعصّبهم وروح العصيان والتمرّد فما أن وجدوا منافعهم غير المشروعة في خطر حتّى ودّعوا العقل!! ولوّوا رؤوسهم نحو الطغيان عنادا عن اتّباع الحقّ!.

«الأحلام» جمع حلم ومعناه العقل ، ولكن كما يقول الراغب في مفرداته أنّ الحلم في الحقيقة بمعنى ضبط النفس والتجلّد عند الغضب ، وهو واحد من دلائل العقل والدراية ، ويشترك مع الحلم على زنة العلم ـ في الجذر اللغوي!.

وكلمة «الحلم» قد تأتي بمعنى الرؤيا والمنام ولا يبعد مثل هذا التّفسير في

__________________

(١) هناك احتمالات وأقوال بين المفسّرين في معنى «أم» هنا أهي استفهامية أم منقطعة وبمعنى بل كلّ له رأيه فيها وإن كان الرأي الثاني أكثر ترجيحا عندهم ، إلّا أنّ سياق الآيات يتناسب والمعنى الأوّل غير أنّه ينبغي أن يعرف بأنّ أم في مثل هذه المواطن ينبغي أن تكون مسبوقة بهمزة الاستفهام ولذلك فإنّ الفخر الرازي قدر لها ما يلي : «أأنزل عليهم ذكر أم تأمرهم أحلامهم بهذا» وهو يشير إلى أنّ الإسلام ينبغي أن يتّبع دليل أو النقل أو العقل!.

١٨٢

الآية محلّ البحث فكأنّ كلماتهم ناتجة عن أحلامهم الباطلة!!

ومرّة اخرى يشير القرآن إلى اتّهام آخر ـ من اتّهاماتهم ـ الذي يعدّ الرابع في سلسلة اتّهاماتهم فيقول :( أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ ) .

«تقوّله» : مشتقّ من مادّة تقوّل ـ على وزن تكلّف ـ ومعناه الكلام الذي يفتعله الإنسان بينه وبين نفسه دون أن يكون له واقع(١) .

وهذه ذريعة اخرى من ذرائع المشركين والكفّار المعاندين لئلّا يستسلموا أمام القرآن المجيد ودعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد تكرّرت الإشارة إليها مرارا عديدة في آيات القرآن!.

غير أنّ القرآن يردّ عليهم ردّا يدحرهم ويتحدّاهم متهكما فيقول :( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ ) .

فأنتم أناس مثله ولديكم العقل والقدرة على البيان والاطلاع والخبرة على أنواع الكلام فلم لا يأتي مفكّروكم وخطباؤكم وفصحاءكم بمثل هذا الكلام!.

وجملة «فليأتوا» أمر تعجيزي ، والهدف منه بيان عجزهم وعدم قدرتهم على مجاراة القرآن.

وهذا ما يعبّر عنه في علم الكلام والعقائد بالتحدّي أي دعوة المخالفين إلى المعارضة والإتيان بالمثل «في مواجهة المعجزات!».

وعلى كلّ حال ، فهذه آية من الآيات التي تبيّن إعجاز القرآن بجلاء ، ولا يختصّ مفهومها بمن عاصروا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل يشمل جميع الذين يزعمون ـ بأنّ القرآن كلام بشر ، وأنّه مفترى على الله ـ على امتداد القرون والأعصار ، فهم مخاطبون بهذه الآية أيضا أي هاتوا حديثا مثله إن كنتم تزعمون بأنّه ليس من الله وأنّه كلام بشر.

__________________

(١) يقول صاحب مجمع البيان : التقوّل : تكلّف ولا يقال ذلك إلّا في الكذب.

١٨٣

وكما نعلم بأنّ نداء القرآن في هذه الآية والآيات المشابهة كان عاليا أبدا ، ولم يستطع أي إنسان خلال أربعة عشر قرنا ـ منذ بعثة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى يومنا هذا ـ أن يرد بجواب إيجابي.

ومن المعلوم أنّ أعداء الإسلام وخاصّة أصحاب الكنيسة واليهود ينفقون ما لا يحصى من الأموال الطائلة للتبليغ ضدّ الإسلام ، فما كان يمنعهم أن يدعوا قسما منها تحت تصرّف أصحاب الفكر والقلم المخالفين لينهضوا بوجه معارضة القرآن ويكونوا مصداقا لقوله تعالى :( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ ) وهذا العجز «العمومي» شاهد حي على أصالة هذا الوحي السماوي!

يقول بعض المفسّرين في هذا الصدد شيئا جديرا بالملاحظة فلا بأس بالالتفات والإصغاء إليه

«إنّ في هذا القرآن سرّا خاصا يشعر به كلّ من يواجه نصوصه ابتداء قبل أن يبحث عن مواضع الإعجاز فيها إنّه يشعر بسلطان خاصّ في عبارات هذا القرآن يشعر أنّ هنالك شيئا ما وراء المعاني التي يدركها العقل من التعبير وأنّ هنالك عنصرا ما ينسكب في الحسّ بمجرّد الاستماع لهذا القرآن ، يدركه بعض الناس واضحا ويدركه بعض الناس غامضا ، ولكنّه على كلّ حال موجود هذا العنصر الذي ينسكب في الحسّ ، يصعب تحديد مصدره ، أهو العبارة ذاتها؟! أهو المعنى الكامن فيها ، أهو الصور والضلال التي تشعّها؟ أهو الإيقاع القرآني الخاصّ المتميّز من إيقاع سائر القول المصوغ من اللغة؟. أهي هذه العناصر كلّها مجتمعة؟. أم أنّها هي وشيء آخر وراءها غير محدود!

ذلك سرّ مستودع في كلّ نصّ قرآني ، يشعر به كلّ من يواجه نصوص هذا القرآن ابتداء ثمّ تأتي وراءه الأسرار المدركة بالتدبير والنظر والتفكير في بناء

١٨٤

القرآن كلّه»(١) .

ولمزيد الإيضاح حول إعجاز القرآن من أبوابه المختلفة يراجع ذيل الآية (٢٣) من سورة البقرة إذ ذكرنا هناك بحثا مفصّلا في هذا الصدد وكذلك ذيل الآية (٨٨) من سورة الإسراء.

* * *

__________________

(١) في ظلال القرآن ، ج ٧ ، ص ٦٠٥.

١٨٥

الآيات

( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣) )

التّفسير

ما هو كلامكم الحقّ؟

هذه الآيات تواصل البحث الاستدلالي السابق ـ كذلك ـ وهي تناقش المنكرين للقرآن ونبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقدرة الله سبحانه.

وهي آيات تبدأ جميعها بـ «أم» التي تفيد الاستفهام وتشكّل سلسلة من

١٨٦

الاستدلال في أحد عشر سؤالا متتابعا (بصورة الاستفهام الإنكاري) ، وبتعبير أجلى : إنّ هذه الآيات تسدّ جميع الطرق بوجه المخالفين فلا تدع لهم مهربا في عبارات موجزة ومؤثّرة جدّا بحيث ينحني الإنسان لها من دون إختياره إعظاما ويعترف ويقرّ بانسجامها وعظمتها. فأوّل ما تبدأ به هو موضوع الخلق فتقول :( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ) (١) .

وهذه العبارة الموجزة والمقتضبة في الحقيقة هي إشارة إلى «برهان العليّة» المعروف الوارد في الفلسفة وعلم الكلام لإثبات وجود الله ، وهو أنّ العالم الذي نعيش فيه ممّا لا شكّ ـ فيه ـ حادث (لأنّه في تغيير دائم ، وكلّ ما هو متغيّر فهو في معرض الحوادث ، وكلّ ما هو في معرض الحوادث محال أن يكون قديما وأزليّا).

والآن ينقدح هذا السؤال ، وهو إذا كان العالم حادثا فلا يخرج عن الحالات الخمس التالية :

١ ـ وجد من دون علّة!

٢ ـ هو نفسه علّة لنفسه.

٣ ـ معلولات العالم علّة لوجوده.

٤ ـ إنّ هذا العالم معلول لعلّة اخرى وهي معلولة لعلّة اخرى إلى ما لا نهاية.

٥ ـ إنّ هذا العالم مخلوق لواجب الوجود الذي يكون وجوده ذاتيا له.

وبطلان الاحتمالات الأربع المتقدّمة واضح ، لأنّ وجود المعلول من دون علّة محال ، وإلّا فينبغي أن يكون كلّ شيء موجودا في أي ظرف كان ، والأمر ليس كذلك!

والاحتمال الثاني وهو أن يوجد الشيء من نفسه محال أيضا ، لأنّ مفهومه أن

__________________

(١) هناك تفسيرات أخر واحتمالات متعدّدة في وجوه هذه الآية ، منها أنّ مفادها : هل خلقوا بلا هدف ولم يك عليهم أيّة مسئولية؟! وبالرغم أنّ جماعة من المفسّرين اختاروا هذا الوجه إلّا أنّه مع الالتفات لبقيّة الآية :( أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) يتّضح أنّ المراد هو ما ذكر في المتن ، أي خلقوا من دون علّة. أم هم علّة أنفسهم؟!.

١٨٧

يكون موجودا قبل وجوده ، ويلزم منه اجتماع النقيضين [فلاحظوا بدقّة].

وكذلك الاحتمال الثالث وهو أنّ مخلوقات الإنسان خلقته ، وهو واضح البطلان إذ يلزم منه الدور!.

وكذلك الاحتمال الرابع وهو تسلسل العلل وترتّب العلل والمعلول إلى ما لا نهاية أيضا محال ، لأنّ سلسلة المعلولات اللّامحدودة مخلوقة ، والمخلوق مخلوق ويحتاج إلى خالق أوجده ، ترى هل تتحوّل الأصفار التي لا نهاية لها إلى عدد؟! أو ينفلق النور من ما لا نهاية الظلمة؟! وهل يولد الغنى من ما لا نهاية له في الفقر والفاقة؟

فبناء على ذلك لا طريق إلّا القبول بالاحتمال الخامس ، أي خالقية واجب الوجود [فلاحظوا بدقّة أيضا].

وحيث أنّ الركن الأصلي لهذا البرهان هو نفي الاحتمال الأوّل والثاني فإنّ القرآن اقتنع به فحسب.

والآن ندرك جيّدا وجه الاستدلال في هذه العبارات الموجزة!

الآية التالية تثير سؤالا آخر على الادّعاء في المرحلة الأدنى من المرحلة السابقة فتقول :( أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) .

فإذا لم يوجدوا من دون علّة ولم يكونوا علّة أنفسهم أيضا ، فهل هم واجبو الوجود فخلقوا السماوات والأرض؟! وإذا لم يكونوا قد خلقوا الوجود ، فهل أو كل الله إليهم أمر خلق السماء والأرض؟ فعلى هذا هم مخلوقون وبيدهم أمر الخلق أيضا!!.

من الواضح أنّهم لا يستطيعون أن يدّعوا هذا الادّعاء الباطل ، لذلك فإنّ الآية تختتم بالقول :( بَلْ لا يُوقِنُونَ ) !

أجل ، فهم يتذرّعون بالحجج الواهية فرارا من الإيمان!

ثمّ يتساءل القرآن قائلا : فإذا لم يدّعوا هذه الأمور ولم يكن لهم نصيب في

١٨٨

الخلق ، فهل عندهم خزائن الله( أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ ) (١) ليهبوا من شاؤوا نعمة النبوّة والعلم أو الأرزاق الآخر ويمنعوا من شاؤوا ذلك :( أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ) على جميع العوالم وفي أيديهم امور الخلائق؟!

انّهم لا يستطيعون ـ أن يدّعوا أبدا أنّ عندهم خزائن الله تعالى ، ولا يملكون تسلّطا على تدبير العالم ، لأنّ ضعفهم وعجزهم إزاء أقل مرض بل حتّى على بعوضة تافهة وكذلك احتياجهم إلى الوسائل الابتدائية للحياة خير دليل على عدم قدرتهم وفقدان هيمنتهم! وإنّما يجرّهم إلى إنكار الحقائق هوى النفس والعناد وحبّ الجاه والتعصّب والأنانية!.

وكلمة : «مصيطرون» إشارة إلى أرباب الأنواع التي هي من خرافات القدماء ، إذ كانوا يعتقدون أنّ كلّ نوع من أنواع العالم إنسانا كان أمّ حيوانا آخر أم جمادا أم نباتا له مدبّر وربّ خاصّ يدعى بربّ النوع ويدعون الله «ربّ الأرباب» وهذه العقيدة تعدّ في نظر الإسلام «شركا» والقرآن في آياته يصرّح بأنّ التدبير لجميع الأشياء هو لله وحده ويصفه بربّ العالمين.

وأصل هذه الكلمة من «سطر» ومعناه صفّ الكلمات عند الكتابة ، و «المسيطر» كلمة تطلق على من له تسلّط على شيء ما ويقوم بتوجيهه ، كما أنّ الكاتب يكون مسيطرا على كلماته (وينبغي الالتفات إلى أنّ هذه الكلمة تكتب بالسين وبالصاد على السواء ـ مسيطر ومصيطر ـ فهما بمعنى واحد وإن كان الرسم القرآن المشهور بالصاد «مصيطر»).

ومن المعلوم أنّه لا منكرو النبوّة ولا المشركون في العصر الجاهلي ولا سواهما يدّعي أيّا من الأمور الخمسة التي ذكرها القرآن ، ولذلك فإنّه يشير إلى موضوع آخر في الآية التالية فيقول : إنّ هؤلاء هل يدعون أنّ الوحي ينزل عليهم

__________________

(١) الخزائن جمع الخزينة ومعناها مكان كلّ شيء محفوظ لا تصل إليه اليد ويدّخر فيه ما يريد الإنسان يقول القرآن في هذا الصدد( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [الحجر الآية ٢١].

١٨٩

أو يدعون أنّ لهم سلّما يرتقون عليه إلى السماء فيستمعون إلى أسرار الوحي :( أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ) .

وحيث إنّه كان من الممكن أن يدّعوا بأنّهم على معرفة بأسرار السماء فإنّ القرآن يطالبهم مباشرة بعد هذا الكلام بالدليل فيقول :( فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ) .

ومن الواضح أنّه لو كانوا يدّعون مثل هذا الادّعاء فإنّه لا يتجاوز حدود الكلام فحسب ، إذ لم يكن لهم دليل على ذلك أبدا(١) .

ثمّ يضيف القرآن قائلا : هل صحيح ما يزعمون أنّ الملائكة إناث وهم بنات الله؟!( أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ) ؟!

وفي هذه الآية إشارة إلى واحد من اعتقاداتهم الباطلة ، وهو استياؤهم من البنات بشدّة ، وإذا علموا أنّهم رزقوا من أزواجهم «بنتا» اسودّت وجوههم من الحياء والخجل! ومع هذا فإنّهم كانوا يزعمون أنّ الملائكة بنات الله ، فإذا كانوا مرتبطين بالملإ الأعلى ويعرفون أسرار الوحي ، فهل لديهم سوى هذه الخرافات المضحكة وهذه العقائد المخجلة؟!

وبديهي أنّ الذكر والأنثى لا يختلفان في نظر القيمة الإنسانية والتعبير في الآية المتقدّمة هو في الحقيقة من قبيل الاستدلال بعقيدتهم الباطلة ومحاججتهم بها.

والقرآن يعوّل ـ في آيات متعدّدة ـ على نفي هذه العقيدة الباطلة ويحاكمهم في هذا المجال ويفضحهم(٢) !!

__________________

(١) سلّم يعني «المصعد» كما يأتي بمعنى أيّة وسيلة كانت وقد اختلف المفسّرون في المراد من الآية فأيّ شيء كانوا يدعونه؟! فقال بعضهم : ادّعوا الوحي وقال آخرون هو ما كانوا يدّعونه في النّبي بأنّه شاعر أو مجنون أو ما كانوا يدّعون من الأنداد والشركاء لله وفسّر بعضهم ذلك بنفي نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ولا مانع من الجمع بين هذه المعاني وإن كان المعنى الأوّل أجلى».

(٢) كانت لنا بحوث مفصّلة في سبب جعل العرب الملائكة بنات الله في الوقت الذي كانوا يستاءون من البنات. وذكرنا

١٩٠

ثمّ يتنازل القرآن إلى مرحلة اخرى ، فيذكر واحدا من الأمور التي يمكن أن تكون ذريعة لرفضهم فيقول :( أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ) .

«المغرم» ـ على وزن مغنم وهو ضدّ معناه ـ أي ما يصيب الإنسان من خسارة أو ضرر دون جهة ، أمّا الغريم فيطلق على الدائن والمدين أيضا.

و «المثّقل» مشتقّ من الأثقال ، ومعناه تحميل العبء والمشقّة ، فبناء على هذا المعنى يكون المراد من الآية : ترى هل تطلب منهم غرامة لتبليغ الرسالة فهم لا يقدرون على أدائها ولذلك يرفضون الإيمان؟!

وقد تكرّرت الإشارة في عدد من الآيات القرآنية لا في النّبي فحسب ، بل في شأن كثير من الأنبياء ، إذ كان من أوائل كلمات النبيين قولهم لأممهم : لا نريد على إبلاغنا الرسالة إليكم أجرا ليثبت عدم قصدهم شيئا من وراء دعوتهم ولئلّا تبقى ذريعة للمتذرّعين أيضا.

ومرّة اخرى يخاطبهم القرآن متسائلا( أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ) فهؤلاء يدّعون أنّ النّبي شاعر وينتظرون موته لينطوي بساطه وينتهي كلّ شيء بموته وتلقى دعوته في سلّة الإهمال ، كما تقدّم في الآية السابقة ذلك على لسان المشركين إذ كانوا يقولون( نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) .

فمن أين لهم أنّهم سيبقون أحياء بعد وفاة النبي؟! ومن أخبرهم بالغيب؟!

ويحتمل أيضا أنّ القرآن يقول إذا كنتم تدّعون معرفة الأسرار الغيبية وأحكام الله ولستم بحاجة إلى القرآن ودين محمّد فهذا كذب عظيم(١) .

ثمّ يتناول القرآن احتمالا آخر فيقول : لو لم يكن كلّ هذه الأمور المتقدّمة ، فلا بدّ أنّهم يتآمرون لقتل النّبي وإجهاض دعوته ولكن ليعلموا أنّ كيد الله أعلى

__________________

الدلائل الحيّة التي أقامها القرآن ضدّهم فليراجع ذيل الآية (٥٧) سورة النحل وذيل الآية (١٤٩) من سورة الصافات

(١) قال بعض المفسرين أنّ المراد بالغيب هو اللوح المحفوظ ، وقال بعضهم : بل هو إشارة إلى ادّعاءات المشركين وقولهم إذ كانت القيامة فسيكون لنا عند الله مقام كريم. إلّا أنّ هذه التفاسير لا تتناسب والآية محلّ البحث ولا يرتبط بعضها ببعض.

١٩١

وأقوى من كيدهم :( أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ ) (١) .

والآية الآنفة يطابق تفسيرها تفسير الآية (٥٤) من سورة آل عمران التي تقول :( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) .

واحتمل جماعة من المفسّرين أنّ المراد من الآية محلّ البحث هو : «انّ مؤامراتهم ستعود عليهم أخيرا وتكون وبالا عليهم ...» وهذا المعنى يشبه ما ورد في الآية (٤٣) من سورة فاطر :( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) .

والجمع بين التّفسيرين الآنفين ممكن ولا مانع منه.

ويمكن أن يكون لهذه الآية ارتباط آخر بالآية المتقدّمة ، وهو أنّ أعداء الإسلام كانوا يقولون : ننتظر موت محمّد. فالقرآن يردّهم بالقول بأنّهم ليسوا خارجين عن واحد من الأمرين التاليين أمّا أنّهم يدّعون بأنّ محمّدا يموت قبل موتهم حتف أنفه. فلازم هذا الادّعاء أنّهم يعلمون الغيب ، وأمّا أنّ مرادهم أنّه سيمضي بمؤامراتهم فالله أشدّ مكرا ويردّ كيدهم إليهم ، فهم المكيدون!

وإذا كانوا يتصوّرون أنّ في اجتماعهم في دار الندوة ورشق النّبي بالتّهم كالكهانة والجنون والشعر أنّهم سينتصرون على النّبي فهم في منتهى العمى والحمق ، لأنّ قدرة الله فوق كلّ قدرة ، وقد ضمن لنبيّه السلامة والنجاة حتّى يبلغ دعوته العالمية.

وأخيرا فإنّ آخر ما يثيره القرآن من أسئلة في هذا الصدد قوله :( أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ ) ؟! ويضيف ـ منزّها ـ( سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .

فعلى هذا لا أحد يستطيع أن يمنعهم من الله ويحميهم ، وهكذا فإنّ القرآن يستدرجهم ويضعهم أمام استجواب عجيب وأسئلة متّصلة تؤلّف سلسلة متكاملة مؤلّفة من أحد عشر سؤالا! ويقهقرهم مرحلة بعد مرحلة إلى الوراء!! ويضطرهم

__________________

(١) الكيد على وزن صيد نوع من الحيلة وقد يستعمل في التحيّل إلى سبيل الخير ، إلّا أنّه غالبا ما يستعمل في الشرّ ، وتعني هذه الكلمة المكر والسعي أو الجدّ كما تعني الحرب أحيانا

١٩٢

إلى التنزّل من الادّعاءات ثمّ يوصد عليهم سبل الفرار كلّها ويحاصرهم في طريق مغلق!.

كم هي رائعة استدلالات القرآن وكم هي متينة أسئلته واستجوابه! فلو أنّ في أحد منهم روحا تبحث عن الحقّ وتطلبه لأذعنت أمام هذه الأسئلة واستسلمت لها.

الطريف أنّ الآية الأخيرة من الآيات محلّ البحث لا تذكر دليلا لنفي المعبودات ممّا سوى الله ، وتكتفي بتنزيه الله( سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .

وذلك لأنّ بطلان الوهية الأصنام والأوثان المصنوعة من الأحجار والخشب وغيرهما مع ما فيها من ضعف واحتياج أجلى وأوضح من أي بيان وتفصيل آخر ، أضف إلى كلّ ذلك فإنّ القرآن استدلّ على إبطال هذا الموضوع بآيات متعدّدة غير هذه الآية.

* * *

١٩٣

الآيات

( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩) )

التّفسير

إنّك بأعيننا!

تعقيبا على البحث الوارد في الآيات المتقدّمة الذي يناقش المشركين والمنكرين المعاندين ، هذا البحث الذي يكشف الحقيقة ساطعة لكلّ إنسان يطلب الحقّ ، تميط الآيات محلّ البحث النقاب عن تعصّبهم وعنادهم فتقول :( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ ) (١) .

__________________

(١) «الكشف» : على وزن فسق ـ معناه القطعة من كلّ شيء ، ومع ملاحظة بقيّة التعبير. «من السماء» : يظهر المراد منه هنا

١٩٤

هؤلاء المشركين معاندون إلى درجة إنكارهم الحقائق الحسيّة وتفسيرهم الحجارة الساقطة من السماء بالسحاب ، مع أنّ كلّ من رأى السحاب حين ينزل ويقترب من الأرض لم يجده سوى بخار لطيف ، فكيف يتراكم هذا البخار اللطيف ويتبدّل حجرا!؟

وهكذا يتّضح حال هؤلاء الأشخاص إزاء الحقائق المعنوية! أجل انّ ظلمة الإثم وعبادة الهوى والعناد كلّ ذلك يحجب أفق الفكر السليم فيجعله متجهّما حتّى تنجرّ عاقبة أمره إلى إنكار المحسوسات وبذلك ينعدم الأمل في هدايته.

و «المركوم» معناه المتراكم ، أي ما يكون بعضه فوق بعض!

لذلك فإنّ الآية التالية تضيف بالقول :( فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ) .

وكلمة «يصعقون» مأخوذة من صعق ، والإصعاق هو الإهلال ، وأصله مشتقّ من الصاعقة ، وحين أنّ الصاعقة تهلك من تقع عليه فإنّ هذه الكلمة استعملت بمعنى الإهلاك أيضا.

وقال بعض المفسّرين أنّ هذه الجملة تعني الموت العامّ والشامل الذي يقع آخر هذه الدنيا مقدّمة للقيامة.

إلّا أنّ هذا التّفسير يبدو بعيدا ، لأنّهم لا يبقون إلى ذلك الزمان بل الظاهر هو المعنى الأوّل ، أي دعهم إلى يوم موتهم الذي يكون بداية لمجازاتهم والعقاب الاخروي!

ويتبيّن ممّا قلنا أنّ جملة «ذرهم» أمر يفيد التهديد ، والمراد منه أنّ الإصرار على تبليغ مثل هؤلاء الأفراد لا يجدي نفعا إذ لا يهتدون.

فبناء على ذلك لا ينافي هذا الحكم إدامة التبليغ على المستوى العامّ من قبل

__________________

القطعة من حجر السماء ، وقد دلّت عليه بعض كتب اللغة وهذه الكلمة تجمع على كسف على وزن عنب ، إلّا أنّ أغلب المفسّرين يرون بأنّ الكلمة هنا مفردة وظاهر الآية أنّها مفردة أيضا ، لأنّها وصفتها بالمفرد ساقطا

١٩٥

النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا ينافي الأمر بالجهاد. فما يقوله بعض المفسّرين أنّ هذه الآية نسخت آيات الجهاد غير مقبول!

ثمّ يبيّن القرآن في الآية التالية هذا اليوم فيقول :( يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) .

أجل : من يمت تقم قيامته الصغرى «من مات قامت قيامته» وموته بداية للثواب أو العقاب الذي يكون قسم منه في البرزخ والقسم الآخر في القيامة الكبرى ، أي القيامة العامّة ، وفي هاتين المرحلتين لا تنفع ذريعة متذرّع ولا يجد الإنسان وليّا من دون الله ولا نصيرا.

ثمّ تضيف الآية أنّه لا ينبغي لهؤلاء أن يتصوّروا أنّهم سيواجهون العذاب في البرزخ وفي القيامة فحسب ، بل لهم عذاب في هذه الدنيا أيضا :( وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

أجل ، إنّ على الظالمين أن ينتظروا في هذه الدنيا عذابا كعذاب الأمم السابقة كالصاعقة والزلازل والكسف من السماء والقحط أو القتل على أيدي جيش التوحيد كما كان ذلك في معركة بدر وما ابتلي به قادة المشركين فيها إلّا أنّ يتيقّظوا ويتوبوا ويعودوا إلى الله آيبين منيبين.

وبالطبع فإنّ جماعة منهم ابتلوا بالقحط والمحل ، ومنهم من قتل في معركة بدر كما ذكرنا آنفا ـ إلّا أنّ طائفة كبيرة تابوا وأنابوا والتحقوا بصفوف المسلمين الصادقين فشملهم الله بعفوه(١) .

وجملة( وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) تشير إلى أنّ أغلب أولئك الذين ينتظرهم العذاب في الدنيا والآخرة هم جهلة ، ومفهومها أنّ القليل منهم يعرف هذا المعنى ، إلّا أنّه في الوقت ذاته يصرّ على المخالفة لما فيه من اللجاجة والعناد عن الحقّ.

__________________

(١) من قال بأنّ جملة فيه يصعقون تشير إلى يوم القيامة فسّر العذاب «في الآية» محلّ البحث بعذاب البرزخ في القبر ، إلّا أنّه حيث كان تفسيرها ضعيفا فهذا الاحتمال ضعيف أيضا.

١٩٦

وفي الآية التالية يخاطب القرآن نبيّه ويدعوه إلى الصبر أمام هذه التّهم والمثبّطات وأن يستقيم فيقول :( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) (١) .

فإذا ما اتّهموك بأنّك شاعر أو كاهن أو مجنون فاصبر ، وإذا زعموا بأنّ القرآن مفترى فاصبر ، وإذا أصرّوا على عنادهم وواصلوا رفضهم لدعوتك برغم كلّ هذه البراهين المنطقيّة فاصبر ، ولا تضعف همّتك ويفتر عزمك :( فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) !.

نحن نرى كلّ شيء ونعلم بكلّ شيء ولن ندعك وحدك.

وجملة( فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) تعبير لطيف جدّا حاك عن علم الله وكذلك كون النّبي مشمولا بحماية الله الكاملة ولطفه!

أجل ، إنّ الإنسان حين يحسّ بأنّ قادرا كبيرا ينظره ويرى جميع سعيه وعمله ويحميه من أعدائه فإنّ إدراك هذا الموضوع يمنحه الطاقة والقوّة أكثر كما يحسّ بالمسؤولية بصورة أوسع.

وحيث أنّ الحاجة لله وعبادته وتسبيحه وتقديسه وتنزيهه والالتجاء إلى ذاته المقدّسة كلّ هذه الأمور تمنح الإنسان الدّعة والاطمئنان والقوّة ، فإنّ القرآن يعقّب على الأمر بالصبر بالقول :( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) .

سبّحه حين تقوم سحرا للعبادة وصلاة الليل.

... وحين تنهض من نومك لأداء الصلاة الواجبة.

... وحين تقوم من أي مجلس ومحفل ، فسبّحه واحمده.

وللمفسّرين أقوال مختلفة في تفسير هذه الآية ، إلّا أنّ الجمع بين هذه الأقوال ممكن أيضا ، سواء كان الحمد التسبيح سحرا ، أو عند صلاة الفريضة ، أو عند القيام من أي مجلس كان.

__________________

(١) قد يكون المراد من «حكم ربّك» هو تبليغ حكم الله الذي امر النّبي به ، فعليه أن يصير عند إبلاغه ، أو أنّه عذاب الله الذي وعد أعداؤه به أي : اصبر يا رسول الله حتّى يعذّبهم الله ، أو المراد منه أوامر أي بما إنّ الله أمرك فاصبر لحكمه ، والجمع بين هذه المعاني وإن كان ممكنا إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو أقرب خاصّة بملاحظة فإنّك بأعيننا.

١٩٧

أجل ، نوّر روحك وقلبك بتسبيح الله وحمده فإنّهما يمنحان الصفاء وعطر لسانك بذكر الله واستمدّ منه المدد واستعدّ لمواجهة أعدائك!.

وقد جاء في روايات متعدّدة أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين كان يقوم من مجلسه كان يسبّح الله ويحمده ويقول : «إنّه كفّارة المجلس»(١) .

ومن ضمن ما كان يقول بعد قيامه من مجلس كما جاء في بعض الأحاديث عنه : «سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب إليك!».

وسأل بعضهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذه الكلمات فقال : «هنّ كلمات علمنيهنّ جبرئيل كفّارات لما يكون في المجلس»(٢) .

ثمّ يضيف القرآن في آخر آية من الآيات محلّ البحث قائلا :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) .

وقد فسّر كثير من المفسّرين جملة( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) بصلاة الليل ، وأمّا إدبار النجوم فقالوا هي إشارة إلى «نافلة الصبح» التي تؤدّي عند طلوع الفجر واختفاء النجوم بنور الصبح.

كما ورد في حديث عن عليعليه‌السلام أنّ المراد من «إدبار النجوم» هو «ركعتان قبل الفجر» نافلة الصبح اللتان تؤدّيان قبل صلاة الصبح وعند غروب النجوم ، أمّا «إدبار السجود» الوارد ذكرها في الآية ٤٠ من سورة «ق» فإشارة إلى «ركعتان بعد المغرب» «وبالطبع فإنّ نافلة المغرب أربع ركع إلّا أنّ هذا الحديث أشار إلى ركعتين منها فحسب»(٣) .

وعلى كلّ حال ، فإنّ العبادة والتسبيح وحمد الله في جوف الليل وعند طلوع الفجر لها صفاؤها ولطفها الخاصّ ، وهي في منأى عن الرياء ، ويكون الاستعداد

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ١٩ ، ص ٢٤

(٢) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٢٠.

(٣) مجمع البيان ذيل الآية (٤٠) ، سورة ق ، ج ٩ ، ص ١٥٠.

١٩٨

الروحي لها أكثر في ذلك الوقت ، لأنّ الإنسان يكون فيه بعيدا عن امور الدنيا ومشاكلها ، والاستراحة في الليل تمنح الإنسان الدّعة ، فلا صخب ولا ضجيج ، وفي الحقيقة هذه الفترة تقترن بالوقت الذي عرج بالنّبي إلى السماء ، فبلغ قاب قوسين أو أدنى يناجي ربّه ويدعوه في الخلوة!

ولذلك فقد عوّلت الآيات محلّ البحث على هذين الوقتين ، ونقرأ حديثا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيه : ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها(١) .

اللهمّ وفّقنا للقيام في السحر ومناجاتك طوال عمرنا.

اللهمّ اجعل قلوبنا بعشقك مطمئنة ونوّرها بمحبّتك وأمّلها بلطفك.

اللهمّ منّ علينا بالصبر والاستقامة بوجه قوى الشياطين ومؤامرات أعدائك وكيدهم لنتأسّى برسولك فنعيش على هديه ونموت على سنّته.

آمين يا ربّ العالمين

انتهاء سورة الطّور

* * *

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ٩ ص ٦٢٥١ ذيل الآيات محلّ البحث.

١٩٩
٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الثالث: في الغرقى والمهدوم عليهم

وهؤلاء يرث بعضهم بعضا اذا كان لهم، أو لاحدهم مال، وكانوا يتوارثون، واشتبه المتقدم في الموت بالمتأخر.وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الهدم والغرق تردد.

[(الثالث) الغرقى والمهدوم عليهم قال طاب ثراه: وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الغرق والهدم تردد.

أقول: الاصل انه لا يرث انسان من آخر الا مع تحقق حيات الوارث بعد الموروث.ومع حصول الشك في السبب، اي في سبب الارث، وهو حيات الوارث بعدم موت الموروث لا يخلو اما ان يكون حصول الموت عن سبب اولا عنه، وفي الثاني لا توارث بينهم اجماعا، كما لو ماتا حتف انفهما واشتبه تقدم موت احدهما على الآخر.وان كان عن سبب، فان كان غرقا او هدما توارثا اجماعا، وان كان غيرهما كالحرق والتدخين والقتل فيه مذهبان.

نص ابن حمزة(١) والتقي على التوارث(٢) كالغرق، وهو ظاهر الشيخ في النهاية(٣) وأبي علي(٤) ].

____________________

(١)الوسيلة: فصل في بيان ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ص ٤٠٠ س ١٧ قال: اذا غرق اثنان او اكثر دفعة او احترقوا، او هدم عليهم، او قتلوا إلى ان قال: والثالث: يورث كل واحد منهما من صاحبه الخ.

(٢)الكافي: الارث ص ٣٧٦ س ٩ قال: وان لم يعلم ذلك من حالهم لهدم او غرق او قتل معركة او غير ذلك ورث بعضهم من بعض.

(٣)النهاية: باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ص ٦٧٤ س ٩ قال: اذا غرق جماعة، او انهدم عليهم حائط وما اشبه ذلك.

(٤)المختلف: القول في ميراث الغرقى ص ١٩٨ س ٢٧ قال: وقال ابن الجنيد: القرابات اذا ماتوا معا إلى قوله: وهو يدل على تعميم الحكم.

٤٠١

ومع الشرائط يورث الاضعف أولا، ثم الاقوى، ولا يورث مما ورث منه.وفيه قول آخر.والتقديم على الاستحباب اشبه.فلو غرق اب وابن، ورث الاب اولا نصيبه، ثم ورث الابن من اصل تركته ابيه مما لا ورث منه، ثم يعطى نصيب كل منهما لوارثه.

[وقصره المفيد على السببين(١) واختاره فخر المحققين(٢) وتردد المصنف في كتابيه(٣)(٤) .

احتج الاولون: بان العلة الاشتباه، وهي موجودة في القتيل والحريق، ووجود العلة يستلزم وجود معلولها.واجيب بمنع علية الاشتباه مطلقا، ولم لا يجوز ان يكون الاشتباه المستند إلى احد السببين.

احتج الآخرون: بان الاصل كون الارث مشروط بحيات الوارث بعد موت المورث، وهو هنا مجهول، لا يجوز الحكم بالمشروط مع الجهل بالشرط، ترك العمل بذلك في الغرقى والمهدوم عليهم للنص والاجماع فيبقى الباقي على اصله.

قال طاب ثراه: ومع الشرائط يورث الاضعف ثم الاقوى، ولا يورث مما ورث منه، وفيه قول آخر].

____________________

(١)المقنعة: باب ميراث الغرقى ص ١٠٧ س ٣٥ قال: اذا غرق جماعة يتوارثون او انهدم عليهم جدار او وقع عليهم سقف الخ.

(٢)الايضاح: ج ٤ في ميراث الغرقى ص ٢٧٦ س ٢١ قال: واختار المصنف في المختلف الاول (اي الغرقى والمهدوم عليهم) وهو الاصح عندي.

(٣)لاحظ عبارة النافع.

(٤)الشرائع: في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، قال: وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الهدم والغرق تردد.

٤٠٢

ولو كان لاحدهما وارث اعطى ما اجتمع لدى الوراث لهم، وما اجتمع للآخر للامام. ولو لم يكن لهما غيرهما انتقل مال كل منهما إلى الآخر، ثم منهما إلى الامام. واذا لم يكن بينهما تفاوت في الاستحقاق سقط اعتبار التقديم، كاخوين، فان كان لهما مال ولا مشارك لهما انتقل مال كل منهما إلى صاحبه ثم منهما لاى ورثتهما. وان كان لاحدهما مال صار ماله لاخيه.

[أقول: في كيفية التوريث مسألتان: (الاولى) اذا ورثنا احدهما من صاحبه، ثم اردنا توريث الآخر، فهل نورثه من تلاد ماله دون طارفه، أو منهما جميعا؟ الشيخ(١) والقديمان(٢) (٣) وابن حمزة(٤) والتقي(٥) والقاضي(٦) على الاول واختاره المصنف(٧) والعلامة(٨) ].

____________________

(١)النهاية: باب ميراث الغرقى المهدوم عليهم ص ٦٧٤ قال في ميراث الزوج والزوجة: ويورث الزوج منها حقه من نقس تركتها، لا مما ورثته إلى غير ذلك من امثلته.

(٢)و(٣) المختلف: في ميراث الغرقى، ص ١٩٨ س ٦ قال: وقال ابن الجنيد: إلى قوله: ورث بعضهم من بعض من صلب مال كل واحد منهم قبل ميراثه من صاحبه، إلى قوله: وقال ابن أبي عقيل: ولا يرثون مما يورث بعضهم بعضا شيئا.

(٤)الوسيلة: في بيان ميراث الغرقى ص ٤٠١ س ١ قال: يورث كل واحد منهما من صاحبه من نفس تركته دون ما ورثه منه.

(٥)الكافي: الارث، ص ٣٧٦ س ١٠ قال: ورث بعضهم من بعض ماكان له قبل الموت، دون ما ورثه من صاحبه.

(٦)المهذب: ج ٢ باب ميراث الغرقى ص ١٦٨ س ٧ قال: يورث بعضهم من بعض من نفس تركته لا مما يرثه من الآخر.

(٧)لاحظ ما اختاره النافع.

(٨)المختلف: في ميراث الغرقى ص ١٩٨ س ١٠ قال بعد نقل قول الشيخ ومن تبعه ثم من بعده قول المفيد: والمعتمد الاول.

٤٠٣

ومنه إلى ورثته ولم يكن للآخر شئ. ولو لم يكن لهما وارث انتقل المال إلى الامام. ولو مات حتف انفهما لم يتوارثا وكان ميراث كل منهما لوارثه.

[والمفيد(١) وتمليذه(٢) على الثاني.

احتج الاولون بوجوه:

(أ) ان ذلك يستلزم المحال، لان توريثه مما ورث منه يستدعي فرض الحياة بعد الموت وهو محال عادة.

فان قلت: هذا الاشكال وارد على كل واحد من التقديرين، لانك تفرض موت احدهما وتورث الآخر منه، ثم تفرض موت الثاني وتورث منه من فرضت موته اولا، فقد لزم منه فرض الحياة بعد الموت، هذا محال.

اجبت: بالفرق بين التقديرين، وذلك ظاهر، لانا اذا فرضنا موت احدهما وحياة الآخر بعده وورثنا الآخر منه، قطعنا النظر عن هذا الفرض، ثم نفرض موت الآخر وحياة الاول كأنا لم نفرض موت الاول ولم نجعل للثاني منه ميراثا، بخلاف ما اذا ورثنا الاول من الثاني مما كان قد ورثه الثاني من الاول، فانه يلزم فرض موت الاول وحياته في حالة واحدة وهو محال.

(ب) صحيحة عبدالرحمان بن الحجاج عن الصادقعليه‌السلام في اخوين ماتا لاحدهما مائة ألف درهم، والآخر ليس له شئ، ركبا في السفينة فغرقا، فلم يدر ايهما مات اولا، فان الميراث لورثة الذي ليس له شئ وليس لورثة الذي له]

____________________

(١)المقنعة: باب ميراث الغرقى ص ١٠٧ س ٢ قال في مفروض غرق الاب والابن: فيورث منه ما كان ورثه من جهته وما كان يملكه سوى ذلك إلى وقت وفاته.

(٢)المراسم: ذكر ميراث الغرقى ص ٢٢٥ س ١٦ قال في مفروض غرق الاب والابن: فيرث كل ماله وما ورثه منه.

٤٠٤

[المال الشئ(١) .

(ج) ما رواه حمران بن اعين عمن ذكره عن امير المؤمنينعليه‌السلام في قوم غرقوا جميعا أهل البيت، قال: يورث هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء، ولا يورث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئا، ولا يورث هؤلاء ما ورثوا من هؤلاء شيئا(٢) .

(د) لو ورث مما ورث منه صاحبه لم ينقطع القسمة أبدا قاله في المبسوط(٣) .

(ه‍) تخيير الحاكم في تكثير نصيب ورثة احد الميتين، فان من قدمه في التوريث له دخل النقص على ورثته، اللهم الا ان يقال بوجوب تقديم الاضعف، ولا يتم في مثل الاخوين.

احتج الآخرون بوجوب تقديم الاضعف في التوريث، فلولا القول بوجوب التوارث مما ورث من صاحبه لم يكن للتقديم مزية.

واجبت: بان عدم العلم بالفائدة لا يستلزم عدمها، فان اكثر علل الشرع، والمصالح المعتبرة في نظره، خفية عنا، تعجز عقولنا عن ادراكها، والواجب اتباع النص من غير نظر إلى علة محصلة، مع انا نمنع وجوب التقديم، بل هو على الاستحباب، ثم لا يطرد هذا التعليل فيما اذا كانا متساويين كالاخوين.

(الثانية) هل يجب تقديم الاكثر نصيبا في الموت وتوريث الاضعف منه، ام]

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٣٦) باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في وقت واحد ص ٣٦٠ قطعة من حديث ٦ وفي معناه حديث ٧.

(٢)التهذيب: ج ٩(٣٦) باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في وقت واحد ص ٣٦٢ الحديث ١٤.

(٣)المبسوط: ج ٤ فصل في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ص ١١٨ س ٥ قال: ورث بعضهم من بعض من نفس التركة لا مما يرثه من الآخر، لانا ان ورثناه مما يرثه منه لما انفصلت القسمة ابدا.

٤٠٥

[لا؟، الاول اختيار المفيد(١) وسلار(٢) وابن ادريس(٣) وظاهر كلام الشيخ في النهاية(٤) والصدوقين(٥) (٦) .

وفي المبسوط: لا يتغير به حكم غير انا نتبع الاثر في ذلك(٧) .

والثاني مذهب الشيخ في الخلاف(٨) والايجاز(٩) وهو ظاهر التقي(١٠) وابن]

____________________

(١)المقنعة: باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ص ١٠٦ س ٣٦ قال: فيقدم اضعفهم سهما في التوريث ويؤخر اوفرهم سهما فيه.

(٢)المراسم: ذكر ميراث الغرقى ومن انهدم عليه ص ٢٢٥ س ١٤ قال: بان يقدم اضعفهم سهما ويؤخر اقواهم سهما.

(٣)السرائر: كتاب الميراث ص ٤١٢ س ١٥ قال: وروي اصحابنا انه يقدم اضعفهم نصيبا في الاستحقاق ويؤخر الاقوى.

(٤)النهاية: باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ص ٦٧٤ س ١٢ قال: يقدم الاضعف في استحقاق الميراث ويؤخر الاقوى.

(٥)المقنع: باب المواريث ص ١٧٨ س ٦ قال: واذ غرق رجل وامرأة إلى قوله: يورث المرأة من الرجل ثم يورث الرجل من المرأة، إلى ورث الاب من الابن ثم ورث الابن من الاب الخ ففي الامثلة قدم الاضعف كما ترى.

(٦)كشف الرموز: ج ٢ في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ص ٤٧٩ س ١ قال: وهكذا يظهر من كلام ابني بابويه (اي وجوب تقديم الاضعف).

(٧)المبسوط: ج ٤ فصل في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ص ١١٨ س ٧ قال: وقد روى اصحابنا إلى قوله: وهذا مما لا يتغير به حكم الخ.

(٨)كتاب الخلاف: كتاب الفرائض مسألة ٢٣ قال: المهدوم عليهم والغرقى إلى قوله: فانه يورث بعضهم من بعض الخ فانه لم يطلق ولم يتعرض لتقديم الاضعف.

(٩)الايجاز: في ضمن الرسائل العشر، فصل في ذكر ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ص ٤٧٩ س ٥ قال: وايهما قدمت كان جائزا لا يختلف الحال فيه.

(١٠)الكافي: الارث ص ٣٧٦ س ١٠ قال: ورث بعضهم من بعض إلى قوله: والاولى تقديم الاضعف في التوريث.

٤٠٦

الرابع: في ميراث المجوس

وقد اختلف الاصحاب فيه: فالمحكي عن يونس: انه لا يورثهم الا بالصحيح من النسب والسبب.

وعن الفضل بن شاذان: انه يورثهم بالنسب صحيحه وفاسده، والسبب الصحيح خاصة، وتابعه المفيدرحمه‌الله .

[زهرة(١) والكيدري(٢) واختاره المصنف(٣) والعلامة(٤) .

احتج الاولون: برواية عبيد بن زرارة قال: سألت الباقرعليه‌السلام عن رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت فقال: تورث المرأة من الرجل ثم الرجل من المرأة(٥) وبانه احوط.

احتج الآخرون: باصالة براء‌ة الذمة، ولا ثمرة في تحقيقه الا على قول المفيد.

(الرابع) في ميراث المجوس قال طاب ثراه: وقد اختلف الاصحاب فيه إلى آخره].

____________________

(١)الغنية (في ضمن الجوامع الفقهية) في احكام الميراث ص ٦٠٨ س ٣١ قال: وايهما قدم في التوريث جاز، وروى ان الاولى تقديم الاضعف.

(٢)مفتاح الكرامة: ج ٨ كتاب الفرئض ص ٢٦٣ س ١٨ قال: وهو (اي عدم الوجوب) المحكي عن الايجاز والاصباح وعن القطب علي بن مسعود.

(٣)الشرائع: الفصل الثالث في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم قال: وفي وجوب تقديم الاضعف في التوريث تردد.

(٤)المختلف: ج ٢ في ميراث الغرقى ص ١٩٨ س ١٩ قال: وقال في الايجاز انه غير واجب وهو المعتمد.

(٥)التهذيب: ج ٩(٣٦) باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ص ٣٥٩ الحديث ١ وفيه قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام .

٤٠٧

وقال الشيخ: يورثون بالصحيح والفاسد فيهما. واختيار الفضل أشبه. ولو خلف اما هي زوجة، فلها نصيب الام دون الزوجة.

[أقول: المجوسي قد ينكح المحرمات لشبهة دينه، وهو من المحرف في مذهبهم، فيحصل له نسب صحيح وفاسد وسبب صححيح وفاسد، كما لو تزوج بامه فاولد منها بنتا، فنسب البنت فاسد، وسبب الام فاسد. فهل يقع التوريث بينهم بالصحيح والفاسد منهما؟ او لا يقع الا بالصحيح منهما؟ او بصحيح النسب وفاسده؟ دون فاسد السبب؟ والرابع باطل بالاجماع، فالاقوال اذن ثلاثة: (الاول) مذهب الشيخرحمه‌الله : اعني توريثه بالصحيح والفاسد منهما قاله في النهاية(١) وتبعه القاضي(٢) والتقي(٣) وسلار(٤) وابن حمزة(٥) .

والدليل وجوه:]

____________________

(١)النهاية: باب ميراث المجوس، وسائر اصناف الكافر ص ٦٨٣ س ١٤ قال: وقال قوم: انهم يورثون من الجهتين معا، إلى قوله: هذا القول عندي هو المعتمد عليه.

(٢)المهذب: ج ٢ باب ميراث المجوس ص ١٧٠ س ١٢ قال: المجوس يرثون بالانساب والاسباب صحيحة كانت او غير صحيحة.

(٣)الكافي ٦ الارث ص ٣٧٦ س ١٨ قال: واهل الملل المختلفة في الكفر.. ورثوا على الانساب والاسباب الثابتة في ملة الاسلام إلى ان قال: او مجوسيان تحاكما الينا احدهما ابن وزوج لمورثه والآخر أب واخ فالحكم ان يبطل ميراث الابوة والخوة، لان الاب هنا تزوج بامه الخ.

ولا يخفى ان هذا مخالف لما ادعاه المصنف، فافهم.

(٤)المراسم: ذكر ميراث المجوسي ص ٢٢٤ س ٨ قال: اي مجوسي ترك امه وهي زوجته، فانها ترث من وجهين.

(٥)الوسيلة: فصل في بيان ميراث المجوس ص ٤٠٣ س ٧ قال: احدها انها ترث بكل نسب وسبب صحيحين او فاسدين إلى ان قال: ونحن نقول بالقول الاول.

٤٠٨

[(أ) انهم يقرون على معتقدهم.

(ب) ماروي ان رجلا سب مجوسيا بحضرة الصادقعليه‌السلام ، فزبره ونهاه، فقال: انه تزوج بامه، فقال: اما علمت ان ذلك عندهم النكاح(١) .

(ج) ماروي عنهعليه‌السلام : كل قوم دانوا بشئ يلزمهم حكمه(٢) .

(د) روى المغيرة عن السكوني عن جعفر، عن أبيه عن عليعليهم‌السلام : انه كان يورث المجوسي اذا تزوج بامه من وجهين: من وجه انها امه، ومن وجه انها زوجته(٣) .

(الثاني) مذهب يونس بن عبدالرحمان.

كان في زمان الصادقعليه‌السلام ، له مصنفات كثيرة قريب اربعمائة مصنف، وهو عدم توريثه الا بالصحيح منها.

والدليل قوله تعالى: " فان جاؤك فاحكم بينهم او اعرض عنهم وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط "(٤) ولا شئ من الفاسد بقسط.

" وقل الحق من ربكم "(٥) " وان احكم بينهم بما انزل الله "(٦) .

واختاره التقي(٧) وابن ادريس(٨) ونقله المفيد في كتاب الاعلام(٩) ]

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٣٧) باب ميراث المجوس ص ٣٦٥ الحديث ٢.

(٢)التهذيب: ج ٩(٣٧) باب ميراث المجوس ص ٣٦٥ الحديث ٣.

(٣)التهذيب: ج ٩(٣٧) باب ميراث المجوس ص ٣٦٤ الحديث ١.

(٤)المائدة: ٤٢.

(٥)الكهف: ٢٩.

(٦)المائدة: ٤٩.

(٧)الكافي: الارث ص ٣٧٦ س ١٨ قال: واهل الملل المختلفة في الكفر إلى قوله: ورثوا على الانساب والاسباب الثابتة في ملة الاسلام الخ.

(٨)السرائر: في ميراث المجوس ص ٤٠٩ س ٩ قال بعد نقل قول المفيد كتاب الاعلام: والى هذا القول اذهب وعليه اعتمد وبه افتى.

(٩)الاعلام: في ضمن عدة رسائل ص ٣٤١ س ١٥ قال: فان ميراث المجوس عند جمهور الامامية يكون من جهة النسب الصحيح الخ.

٤٠٩

ولو خلف جدة هي اخت ورثت بهما. ولا كذا لو خلف بنتا هي اخت، لانه لا ميراث للاخت مع البنت.

[والسيد في الموصليات الثانية(١) .

(الثالث) مذهب الفضل بن شاذان، وهو توريثه بالنسب مطلقا، وبالسبب الصحيح خاصة(٢) واختاره المصنف ونقله عن المفيد(٣) وهو مذهب العلامة(٤) وظاهر الحسن(٥) والصدوق(٦) .

والدليل: انه من الانساب الحاصلة عن نكاح فاسد عندنا صحيح عندهم، وقد اقرهم الشارع عليه، فلا اقل من ان يكون شبهة، والمسلم يرث به فالمجوسي اولى. واما السبب الفاسد فيلغى في شرع الاسلام، فلا يوجب ارثا.

قال طاب ثراه: ولو خلف جدة هي اخت ورثت بهما، ولا كذا لو خلف بنتا هى اخت لانه لا ميراث للاخت مع البنت.

أقول: هذا تفريع على توريثه بالنسب الفاسد.

فنقول: اذا اجتمع للوارث سببان يستحق بهما الارث، فان لم يمنع احدهما]

____________________

(١)رسائل الشريف المرتضى: ج ١ جوابات المسائل الموصليات الثالثة ص ٢٦٦ المسألة التاسعة والمائة، قال: وان ميراث المحوس عن جهة النسب الصحيح دون النكاح الفاسد.

(٢)التهذيب: ج ٩(٣٧) باب ميراث المجوس ص ٣٦٤ س ١٠ قال: وقال الفضل بن شاذان الخ.

(٣)لاحظ عبارة النافع.

(٤)القواعد: ج ٢، الفصل الرابع في ميراث المجوس ص ١٩٠ س ٢٢ قال: وقيل: يورثون بالانساب الصحيحة والفاسدة والاسباب الصحيحة خاصة، وهو الاقرب.

(٥)المختلف: ج ٢، القول في ميراث المجوس ص ١٩٦ س ٨ قال: وقال ابن عقيل: والمجوس عند آل الرسولعليهم‌السلام يورثون بالنسب، ولا يورثون بالنكاح.

(٦)الفقيه: ج ٤(١٧٤) باب ميراث المجوس ص ٢٤٨ قال: المجوس يرثون بالنسب ولا يرثون بالنكاح الفاسد الخ.

وفي المقنع: باب المواريث ص ١٧٩ س ٤ قال: واما مواريث اهل الكتاب والمجوس: فانهم يورثون من جهة القرابة ويبطل ماسوى ذلك من ولادتهم.

٤١٠

خاتمة في حساب الفرائض

مخارج الفروض ستة. ونعني بالمخرج اقل عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحا. فالنصف من اثنين. والربع من اربعة. والثمن من ثمانية، والثلثان والثلث من ثلاثة، والسدس من ستة.

[الآخر ورث بهما، كجدة هي اخته.

وتصويره: مجوسي تزوج بنت بنته، فاولد منها ولدا، فالبنت الاولى جدته لامه، وهي اخته لابيه. وان منع احدهما الآخر ورث بالمانع. وفيه مسائل:

(أ) بنت هي بنت بنت، وتصويره ظاهر، فيكون لها نصيب البنت دون بنت البنت.

(ب) عمة هي اخت من أب، لها ميراث الاخت دون العمة.

وتصويره: مجوسي تزوج بامه، فاولد منها بنتا وله ولد، فالبنت اخت هذا الولد لابيه، وعمته أيضا لانها اخت أبيه.

(ج) عمته هي اخت من ام: كما لو تزوج جده بامه فاولد منها بنتا، فهي عمتها لكونها اخت ابيه، واخته لانها من امه.

(د) عمته هي بنت عمه: وتصويره: مجوسي تزوج ببنته فاولد منها بنتا وله ولد، فهي اخته وبنت اخته، فلو كان لهذا الولد ابن لكانت عمته وبنت عمته.

(ه‍) بنت بنت وهي بنت أخت: وتصويره: مجوسي تزوج بامه فاولدها بنتا،

٤١١

والفريضة اما بقدر السهام، او اقل او اكثر.

فما كان بقدرها: فان انقسم من غير كسر، والا فاضرب عدد من انكسر عليهم في اصل الفريضة، مثل ابوين وخمس بنات، تنكسر الاربعة على الخمسة فتضرب خمسة في اصل الفريضة، فما اجتمع فمنه الفريضة، لانه لا وفق بين نصيبهن وعددهن. ولو كان وفق ضربت الوفق من العدد، لا من النصيب في اصل الفريضة مثل ابوين وست بنات، للبنات اربعة. بين نصيبهن وهو اربعة وعددهن وهو ستة وفق، وهو النصف، فيضرب الوفق من العدد وهو ثلاثة في اصل الفريضة وهو ستة، فما اجتمع صحت منه. ولو نقصت الفريضة بدخول الزوج او الزوجة، فلا عول، ويدخل النقص على البنت او البنات، او من يتقرب بالاب والام، او الاب، مثل: ابوين وزوج وبنت، فللابوين السدسان وللزوج الربع والباقي للبنت. وكذا الابوان او احدهما وبنت او بنات وزوج، النقص يدخل على البنت او البنات، واثنان من ولد الام، والاختان للاب والام، او للاب مع زوج او زوجة، يدخل النقص على من يتقرب بالاب والام، او الاب خاصة.

[ثم تزوج البنت فاولدها بنتا، فالبنت الثانية بنت بنته، وهي بنت اخته لان البنت الاولى اخته لامه.

(و) جدة لاب هي اخت لام، وتصويره: مجوسي تزوج بام امه فاولد منها ولدا، فام الاب اخت هذا الولد لكونها بنت امه، وجدته لكونها ام أبيه.

٤١٢

ثم ان انقسمت الفريضة على صحة، والا ضربت سهام من انكسر عليهم في اصل الفريضة. ولو زادت الفريضة كان الرد على ذوي السهام دون غيرهم. ولا تعصيب. ولا يرد على الزوج والزوجة، ولا على الام مع وجود من يحجبها، مثل ابوين وبنت، فاذا لم يكن حاجب فالرد اخماسا. وان كان حاجب فالرد ارباعا، تضرب مخرج سهام الرد في اصل الفريضة، فما اجتمع صحت منه الفريضة.

تتمة في المناسخات

ونعني به ان يموت الانسان فلا تقسم تركته، ثم يموت احد وراثه، ويتعلق الغرض بقسمة الفريضتين من اصل واحد. فان اختلف الوارث، او الاستحقاق، او هما ونهض نصيب الثاني بالقسمة على وراثه، والا فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الفريضة الاولى، ان كان بين الفريضتين وفق. وان لم يكن فاضرب الفريضة الثانية في الاولى فما بلغ صحت منه الفريضتان.

[قال طاب ثراه: تتمة في المناسخات إلى آخره.

أقول: اشتقاق المناسخات من النصخ، وهو في اللغة النقل والتحويل(١) تقول: نسخت الكتاب اذا نقلته، ونسخت الشمس الظل اذا حولته].

____________________

(١)مصباح المنير: ص ٨٢٧ لغة (نسخت).

٤١٣

[وعند الفقهاء: معنى المناسخات ان يموت انسان فلا تقسم تركته، ثم يموت بعض وراثه، ويتعلق الغرض بقسمة الفريضتين من اصل واحد، اي نفرض التركة اصلا واحدا اذا قسم على ورثة الاول كان الحاصل للميت الثاني من ذلك الاصل منقسما على ورثته من غير كسر.

فاما ان يختلف الوارث او الاستحقاق، أو هما، او يتحدان، وينهض نصيب الثاني بالقسمة على ورثته او لا ينهض، واذا لم ينهض فاما ان يكون بين نصيب ميت الثاني وفريضته وفق او لا يكون.

فهنا ثلاثة فصول:

(الفصل الاول) ان ينهض النصيب بالقسمة على تقدير الاقسام الاربعة:

(أ) اتحاد الوارث والاستحقاق، كاخوة ثلاثة، ثم مات اخ ثم مات آخر وبقي أخ، فالمال له، فوارث الثاني بعينه هو الوارث الاول، والاستحقاق في الصورتين بالاخوة.

(ب) اختلافهما كاخوين مات أحدهما ثم مات الآخر عن ابن، فالمال له، فوارث الثاني غير الاول والاستحقاق في الاولى كان بالاخوة وفي الثانية بالبنوة.

(ج) اختلاف الوارث خاصة كانسان مات عن ولدين، ثم مات احدهما عن ابن، فله ما كان لابيه، فوارث الثاني غير وارث الاول، والاستحقاق في كل من الفريضتين بالبنوة.

(د) اختلاف الاستحقاق خاصة كانسان مات وترك زوجه وابنا، ثم تموت الزوجة عن هذا الابن، فله ثمنها، فوارث الثاني هو بعينه وارث الاول، والاستحقاق في الاول كان بالزوجية وفي الثاني بالبنوة.

وفي هذه الصور الاربعة نصيب الثاني من الفريضة الاولى ناهض بالقسمة على ورثته من غير كسر على ما مثلناه.

٤١٤

[(الفصل الثاني) ان لا ينهض ويكون بين نصيب الثاني وفريضته وفق، فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الفريضة الاولى.

مثاله: زوج واخوان من ام ومثلهما من اب، ثم يموت الزوج ويترك ابنا وبنتين، فالفريضة الاولى من ستة، للزوج ثلاثة، ولاخوي الام سهمان، ولاخوي الاب سهم، لا ينقسم عليهما، فينكسر في مخرج النصف، هو اثنان فتضربه في الفريضة الاولى تبلغ اثنا عشر، نصيب الزوج منها ستة وفريضته أربعة لا ينقسم على صحة، لكن توافقها بالنصف، فتضرب النصف من الفريضة الثانية وهي أربعة في الفريضة الاولى وهي اثنى عشر، واليه اشار بقوله: (فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الفريضة الاولى) تبلغ اربعة وعشرين، فيكون للزوج اثنى عشر وفي فريضته اربعة، فيأخذ الابن ستة وكل من البنتين ثلاثة.

(الفصل الثالث) ان لا يكون بين فريضة الثاني ونصيبه وفق، كزوج واخ للاب واخوين للام، ثم يموت الزوج عن ابنين وبنت، فالفريضة الاولى من ستة، نصيب الثاني منها ثلاثة وفريضة خمسة، ولا توافق بينهما فاضرب الفريضة الثانية اعني خمسة في الفريضة الاولى وهي ستة، تبلغ ثلاثين، وكل من كان له شئ أخذه مضروبا في خمسة، فللزوج خمسة عشر، ولكل من الابنين ستة، وللبنت ثلاثة.

وقوله: (ان نهض نصيب الثاني بالقسمة، والا فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الاولى ان كان بين الفريضتين وفق) وفيه اغفال، ولعله سهو القلم، والصواب ان يقال: ان كان بين نصيب الميت الثاني وفريضته، لان اعتبار الوفق وعدمه انما هو بين نصيب الميت الثاني وفريضته كما صورناه، لا بين فريضة الاول والثاني.

خاتمة في تحقيق فقه المواريث اعلم: ان مراتب الانسان ثلاثة.

٤١٥

[لان الوارث ان تقرب إلى الميت بغير واسطة، فهو المرتبة الاولى، وهم الاباء والاولاد.

والمراد بالجمع في الآباء هنا، ما فوق الواحد، لا الجمع الحقيقي الذي اقله ثلاثة، لان غاية الاجتماع حصول الطرفين، وهما الاب والام، ولو حصلت الواسطة في الاباء صار جدا وخرج عن الاستحقاق وصار في المرتبة الثانية.

واما تعدد الواسطة في الاولاد بالتسافل، فلا يخرجهم عن كونهم من المرتبة الاولى، لكن لو اجتمعوا بطونا متنازلة فالادنى إلى الميت يمنع الابعد، فبنت البنت اولى من ابن ابن الابن، ويقاسمون الابوين وان نزلوا، كما يحجبون الزوج والزوجة من النصيب الاعلى. وان تقرب إلى الميت بواسطة فهو المرتبة الثانية، وهم الاخوة والاجداد، لان كل واحد من هاتين الطبقتين يتقرب إلى الميت بواسطة واحدة، هي الاب او الام. ولو تصاعدت هذه الواسطة في الاجداد، او تنازلت في الاخوة كان الاقرب من كل طبقة اولى من الابعد منها، لا من الطبقة الاخرى، فالجد البعيد لا يمنعه الاخ القريب، وكذلك الجد وان قرب يقاسمه اولاد الاخوة وان نزلوا، وقد بينا ما يتفرع على هذه القواعد في تحقيق الاجداد.

وان تقرب إلى الميت بواسطتين، فهو المرتبة الثالثة، وهم الاعمام والاخوال، لانهم يتقربون إلى الميت بواسطة الاب والجد، لانهم اولاد الاجداد.

وهاتان الطبقتان طبقة واحدة لا يختلف حكمهما، فالادنى إلى الميت منهما يمنع الابعد من الطبقة الاخرى(١) فالخالة تمنع ابن العم وكذا اذا اجتمعوا بطونا نازلة فالادنى إلى الميت يمنع الابعد فبنت الخالة تمنع ابن ابن العم، وهكذ الا في المسألة الاجماعية]

____________________

(١)في ل: " من طبقته ومن الطبقة الاخرى ".

٤١٦

[وقد مر تحقيقها.

هنا مسائل (الاولى) اذا اجتمع الاخوة المتفرقون كان للواحد من كلالة الام السدس، وللاثنين فصاعدا الثلث ذكرانا كانوا او اناثا، للذكر مثل الانثى، والباقي لكلالة الابوين، وسقط المتقرب بالاب وحده، ولو عدم المتقرب بالابوين قام مقامهم كلالة الاب في كل الاحكام الا في اختصاصهم بالرد اذا ابقت الفريضة، فان فيه خلافا مر تحقيقه.

ولو شاركهم زوج او زوجة: أخذ كلالة الام نصيبهم موفرا من اصل التركة كما لو لم يكن زوج، وكان النقص داخلا على كلالة الاب، كان الزايد لهم.

(الثانية) لو عدم الاخوة قام اولادهم مقامهم كما يقوم جد الاب مقام الجد مع عدمه، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به، فلاولاد الواحد من ولد الام السدس وان كانوا جماعة، ولاولاد الابنين فما زاد الثلث، ويأخذ كل نصيب من يتقرب به، فلو كانا اخوين وكان لاحدهما عشرة اولاد، وللآخر بنتا واحدة، اخذ العشرة السدس نصيب ابيهم، والسدس الآخر للبنت نصيب ابيها، ولاولاد أخوة الابوين الباقي، ويأخذ كل نصيب من يمت به.

فلو اتحد ولد احدهما وتعدد الآخر بان كانا اخوين وترك احدهما جماعة والآخر واحدا، أخذ الجماعة مثل الواحد، لانهم لا يأخذون ذلك تلقيا عن الميت، بل عن مورثهم، ويسقط اولاد المتقرب بالاب وحده مع المتقرب بالابوين، ويقومون مقامهم عند عدمهم، وفي الرد الخلاف.

(الثالثة) لو اجتمع الاعمام والاخوال، كان للاخوال الثلث وان كان واحدا، وللاعمام الثلثين وان كان عمة واحدة، ولو اجتمع الاخوال وتفرقوا، فلمن تقرب

٤١٧

[بالام سدس الثلث ان كان واحدا وثلث الثلث ان كانوا اكثر، والباقي للاخوال من الابوين، وسقط المتقرب بالاب وحده الا مع عدم المتقرب بالابوين، وقسمة الاخوال بالسوية للام كانوا ام للاب، وللاعمام ثلثا التركة، فان تفرقوا كان لمن تقرب بالام منهم سدس ماحصل للاعمام ان كان واحدا، او ثلثه ان كانوا اكثر، فالقسمة بالسوية على قول الشيخ، واثلاثا على القول الاضعف، وسقط المتقرب بالاب وحده الا مع عدم المتقرب بالابوين فيقومون مقامهم.

ولو دخل عليهم زوج او زوجة، كان للخال ثلث الاصل، وللزوج او الزوجة نصيبهما الاعلى، ودخل النقص على الاعمام، فقد يكون للعم سدس السدس كما في هذه الصورة، وقد يكون له سدس الاصل كما لو انفرد الاعمام.

(الرابعة) لو عدم العمومة والعمات والخؤلة والخالات قام اولادهم مقامهم وان نزلوا.

ولو اجتمعوا بطونا متنازلة فالاقرب إلى الميت اولى من الابعد، ويأخذ كل فريق نصيب من يتقرب به، فيرثون الميت تلقيا عمن تقربوا به، فيأخذون ما كان نصيبه، فاولاد الواحد من كلالة الام، يأخذون السدس، وان كانوا جماعة للذكر مثل حظ الانثى، واولاد عم الابوين يأخذون الثلثين، ويقوم مقامهم عند عدمهم اولاد الاعمام للاب وحده.

واولاد الاعمام والاخوال للميت وان نزلوا اولى من عمومة الاب وعماته وخؤلته وخالاته، فإن عدم اولاد الاعمام ومشاركوهم وان نزلوا كان الميراث لعمومة الاب وعماته وخؤلته وخالاته، وبعدهم لاولادهم واولاد أولادهم، ويأخذ كل نصيب من يتقرب به، ويجري السياقة فيهم كما تقدم في عمومة الميت.

فان عدم الجميع كان الميراث لعمومة الجد وبعدهم لاولادهم وان سفلوا، ثم ينتقل إلى عمومة جد الجد وهكذا، ولو تفرقوا جرت السياقة فيهم كما تقدم.

٤١٨

كتاب القضاء

(مقدمات)

(الاولى) القضاء ولاية الحكم شرعا لمن له الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية، على اشخاص معينة بشرية، متعلقة باثبات الحقوق، واستيفائها. وله مبدأ، وغاية، وخاصة. فمبدأه الرئاسة العامة في امور الدين والدنيا. وغايته قطع المنازعة بين الخصوم. وخواصه عدم نقضه باجتهاد، وصيرورته اصلا لقضية(١) غيره من القضاة وان خالف اجتهاده، لا دليلا قطعيا. ويلزم المشهود عليه والشهود، ومن ثم عزم الشاهد برجوعه.

(الثانية) القضاء من مهمات نظام النوع واسنى المطالب الدينية.

والاصل فيه: الكتاب، والسنة، والاجماع.

اما الكتاب: فقوله تعالى: " واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة "(٢) " ياداود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق "(٣) " انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله "(٤) " وان احكم بينهم بما انزل الله "(٥) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على مشروعية القضاء.

وأما السنة: فكقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا جلس القاضي في مجلسه

____________________

(١)في ل: " لنصبه ".

(٢)البقرة: ٣٠.

(٣)ص: ٢٦.

(٤)النساء: ١٠٥.

(٥)المائدة: ٤٩.

٤١٩

[هبط عليه ملكان يسددانه ويرشدانه ويوفقانه، فاذا جار عرجا وتركاه(١) ونصبصلى‌الله‌عليه‌وآله قضاة، قال عليعليه‌السلام : بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن قاضيا(٢) وبعث عليعليه‌السلام عبدالله بن العباس قاضيا إلى البصرة(٣) . اجمعت الامة على تسويغه.

(الثالثة) القضاء من فروض الكفايات، اذا قام به البعض سقط عن الباقين، وقد يتعين اذا عينه الامام، او لم يوجد غيره فانه يجب عليه ان يعرف نفسه اذا لم يعرفه الامام.

ومع عدم وجوبه: يستحب توليه من قبل العادل الواثق بالقيام. وهو من أفضل الاعمال. أما اولا فلانه من المناصب الدينية وصناعة الانبياء. وأما ثانيا فلتعدى نفعه. واما ثالثا فلما فيه من تجشم المشاق العظيمة، وقالعليه‌السلام : أجرك على قدر نصبك(٤) .

وروى عن ابن مسعود انه قال: لئن أجلس يوما فاقضي بين الناس احب الي من عبادة سنة(٥) ].

____________________

(١)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٥١٥ الحديث ١ ولاحظ ماعلق عليه ولا تغفل، وفي المبسوط: ج ٨ تاب آداب القضاء ص ٨٣ وفيه (فان عدل اقاما).

(٢)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٥١٥ الحديث ٢ ولاحظ ماعلق عليه.

(٣)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٥١٥ الحديث ٣ ولاحظ ما علق عليه.

(٤)تلخيص التحبير لابن حجر العسقلاني: ج ٢ ص ١٧٧ الحديث ٢٠٦٣، ولفظه (قال: اشتهر ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعائشة: اجرك على قدر نصبك).

(٥)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٥١٥ الحديث ٤ ولاحظ ماعلق عليه ورواه الشيخ في المبسوط: ج ٨ كتاب آداب القضاء ص ٨٢ س ٢.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553