المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116701 / تحميل: 7648
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وعلى رأس هؤلاء الخليفة الأموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك كما سبق، ومروان بن محمد بن الحكم آخر خلفاء بني مروان والملقب بالجعدي نسبة للجعد بن درهم مؤدبه.

ومن هؤلاء أيضاً - بعد هذا التأريخ - يحيى بن زياد الحارثي من بني الحارث بن كعب من مذجح ابن خال الخليفة السفّاح أول خلفاء بني العباس.

ومن هؤلاء معن بن زائدة القائد الأمير المعروف، وهو من سادات بني شيبان وخاله عبد الكريم بن أبي العوجاء الزنديق المعروف من بني سدوس من بكر بن وائل.

ومن هؤلاء روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب.

ومنهم واليه بن الحباب الأسدي ومطيع بن إياس الكناني.

ومنهم يعقوب بن الفضل الهاشمي، من أحفاد الحارث بن عبد المطلب بن هاشم وابن لداود بن علي بن عبد الله بن عباس وآدم بن عبد العزيز بن عمر بن العزيز.

ومن متأخّريهم أبو العلاء المعرّي أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي.

وما أظن بين هؤلاء وكثيرين آخرين لم أذكرهم، وكلهم عرب صرحاء ومن صفوة الأُسر العربية مَن يمكن أن يتهم بالشعوبية إلاّ في أضعف جوانبها أي جانبها الإنساني الذي يقوم على المساواة، وعدم تفضيل جنس على جنس أو أُمّة على أُمّة. وحتى هذا الجانب الضعيف ما أحسبك ستصادفه عند غير أبي العلاء، وربّما والبة ومطيع ويحيى الذين شغلهم الركض وراء اللهو واللذّة، عن العرب والفرس والمقارنة بينهم، وعن التفكير في غير هذه الحياة العابثة الماجنة لا يبغون لها بديلاً. وقد تكون هذه الحياة أو هذا الأسلوب فيها وراء غمز بعض المؤرّخين في نسب والبة العربي.

ويقابل هؤلاء بعض الذين عرفوا بالشعوبية، ولم يعرفوا بالزندقة: كآل طاهر بن الحسين، وآل سهل، وربّما أضيف إليهم البرامكة أحياناً.

١٠١

وكيحيى بن علي المنجم المسلم المعتزلي الشعوبي، وسهل بن هارون، وأبي عبيدة، وعلان الشعوبي، وسعيد بن حميد بن البختكان، والخريمي الشاعر: اسحاق بن حسان، الذين أبغضوا العرب وتعصّبوا ضدّهم، وحاولوا تجريدهم من كل مفاخرهم وتفضيل الفرس عليهم (1) .

وبغض العرب والمغالاة فيه قد يسوق أحياناً إلى ما هو أبعد من مجرّد بغض للعرب، الذي هو في ذاته مرفوض، ليتناول الإسلام نفسه باعتباره إرثاً عربياً نبت وأزهر في صحراء العرب. وربّما كان هذا من بين الأسباب التي أدّت إلى الخلط بين الزندقة والشعوبية.

ولا أريد أن أسير أكثر في هذا الحديث، وليس معي من الوقائع والأسماء والأدلة غير الظن، الذي لا يغني في حديث أردناه خالصاً للعلم، مجرّداً عن الهوى، بعيداً عن التعّصب.

وفي الطرف الأقصى من هؤلاء الشعوبيين، تجد من ضمّ الزندقة إلى شعوبيته: كيونس ابن أبي فروة، وحماد الراوية، الذي لي فيه وفيما نحله وأضافته إلى شعراء الجاهلية، رأي يختلف عمّا يذهب إليه الآخرون، فأنا لا أرى فيه شعوبية وما أحسبه كان يقصد إفساد الشعر الجاهلي كوجه من وجوه الشعوبية، بقدر ما أرى فيه ممارسة لتجربة شخصية، وإظهاراً لبراعة ومقدرة على فهم الشعر والإحاطة بظروف الشعراء ومعرفة البيئة العربية؛ فهو لم يخرج على قواعد الشعر العربي ولا على أغراضه التي نظم فيها الجاهليون، وليس في عدد من الأبيات التي قالها محتذياً حذو الشعراء العرب، وسالكاً طريقهم عن معرفة وعلم، ما يفسد الشعر العربي ويعيبه بالكذب والتزوير، خصوصاً مع اتفاق النقّاد العرب السابقين في أنّه كان يعرف مذاهب الشعراء فيضع البيت أو الأبيات ولا يستطيع إلاّ الناقد البصير أن يميّزها.

فأيّة شعوبية في عدد من الأبيات يسير فيها على طريقة الجاهليين لا يتخطّاهم، يصف ما يصفون ويمدح ما يمدحون ويذم ما يذمّون. ولو تخطّاهم أو خرج على مناهجهم لسهل تمييز شعره وفرزه عمّا أضيف إليه، ولفضح نفسه قبل أن يفضحه النقّاد.

____________________

(1) وألاحظ أنّ ابن الرومي قد أفلت من الاتهام بالشعوبية، مع أنّه لم يكن أقل وضوحاً من غيره في الفخر بآبائه الروم والغمز من العرب، استمع إليه وهو يقول:

آبائِيَ الرومُ توفيلٌ وتُوفَلِسٌ

ولم يلدنيَ رِبعيٌّ ولا شَبَثُ

إنّ حماداً لم يكذب ولم يزوّر فيما تناول من نواحي الحياة الجاهلية، ولكنّه كذب فيمن أضاف إليهم ذلك عندما كان يضيف. ثم إنّه حتى في هذا الذي أضافه، لم يطعن في العرب ولم يسلبهم مزاياهم، ولم يعبهم أو يذمّهم أو ينسب إليهم ما يمكن اعتباره كذلك، ليقال إنّه استخدم قدرته وحذقه في معرفة الشعر العربي لخدمة أغراض شعوبية.

١٠٢

وما أظن ما أضاف، مهما بلغ أو بولغ فيه، يمكن أن يؤثر على صورة الشعر الجاهلي أو يغير في الحكم عليه أو في صدقه. وكل الصعوبة في تمييز شعر حماد متأتية من شدة مشابهته للشعر العربي الجاهلي شكلاً ومضمون.

ثم كم من الأبيات يستطيع هذا الـ (حماد) أن ينظم وينحل ويضيف، حتى لو تجرد لذلك وحده. والشعر الجاهلي شعر أمة كاملة تمتد من اليمن إلى العراق وخلال فترة تبلغ المئات من السنين.

قد يكون حماد شعوبياً يكره العرب ويطعن فيهم ويغض منهم، شأن الشعوبيين الآخرين، ولكن في غير هذا فأنا لا أرى شعوبية فيما ينسب إليه من إضافة شعر إلى بعض شعراء الجاهلية ولم يكن هو الوحيد فيه. فهذا يزيد ابن ضبة. يقول أبو الفرج نقلاً عن جماعة من مشايخ الطائفيين وعلمائهم أنه قال ألف قصيدة فاقتسمتها شعراء العرب وانتحلتها فدخلت في أشعاره (1) .

وهذا خلف الأحمر يقول عنه ابن النديم (وكان - يعني خلفاً - من أمرس الناس لبيت شعر وكان شاعراً بعمل الشعر على لسان العرب وينحله إياهم) فلم يتهمه أحد (2) .

وأبو عمرو بن العلاء. ينقل عنه النقاد شيئاً مما يأخذونه على حماد وإن لم يكن بنفس الكثرة، ولم يتهم بشيء مما اتهم به حماد ولا ببعضه. وابن داود بن متمم بن نويرة كان ينظم الشعر وينحله جده متمماً لينفق بعد ما استنفد ما قاله جده (3) .

ومن هذه الملاحظات أيضاً - وأظنني بعدت كثيراً عما بدأت - أن عدداً من الشعراء عرباً وغير عرب قد فتنتهم الحياة الجديدة بما تزخر به من فنون اللهو وضروب اللذة وسهولة الاستمتاع بهما وبما تفيض من سحر وجمال وهم المولعون بالسحر والجمال يتصيدونهما ويلهثون وراءهما وقد أتاحتهما هذه الحياة ويسرتها لهم.

____________________

(1) الأغاني ج7 ترجمة يزيد بن ضبة ص103.

(2) الفهرست لابن النديم - الفن الأوّل من المقالة الثانية.

(3) بل إنّ أبا الطيب اللغوي ي ذ كر أنّ أكثر ما يرويه أهل الكوفة من الشعر (مصنوع ومنسوب إلى مَن لم يقله).

١٠٣

فهل سنتهم أهل الكوفة بالشعوبية لنفس السبب الذي اتهمنا من أجله حماداً بها؟!

وقد يكون أبلغ في الدلالة من هذا، ما يرويه ابن سلام في طبقاته قائلاً: (فلمّا راجعت العرب رواية الشعر وذكر أيامها ومآثرها، استقل بعض العشائر شعر شعرائهم وما ذهب من ذكر وقائعهم. وكان قوم قلّت وقائعهم وأشعارهم فأرادوا أن يلحقوا بمَن له الوقائع والأشعار فقالوا على ألسنة شعرائهم...) طبقات ابن سلام ج1 ص46.

وكانت الحياة الجديدة بكل فنون لهوها ولذّتها وسحرها وجمالها بعيدة عن حياة العرب قريبة من حياة الفرس، أو هي حياة الفرس قد انتقلت إليهم أو انتقلوا إليها. لم يكن الحاضرون في مجالس اللهو عتبة بن الحارث ولا بسطام بن قيس. ولم يكن الحديث عن داحس والغبراء وشعب جبلة.

ولم يكن المكان حمى ضرية ولازرود. ولم يكن الورد شيحاً ولا قيصوماً. ولم تكن الجارية ابنة لربيعة بن مكدم ولا عقيل بن علفة. فماذا تريد أن يقول هؤلاء الشعراء عرباً وغير عرب، وما ذا يصفون وهم يجتمعون على شرب وجَوارٍ ورقص وغناء وورد وريحان.

هل يسوؤك أن يكونوا صادقين مع أنفسهم يصفون ما يجدون، ويحسون دون كذب ولا تزوير، ودون رحلة كاذبة مزوّرة عبر الزمان والمكان إلى برقة تهمه والدخول وحوقل، وهم لم يروها ولم يعرفوها، ولا تثير لديهم ما كانت تثيره لدى الجاهليين حين يقفون مطيّهم عندها، ويستنطقونها ويذرفون الدمع على مَن فارقوا فيها، وهم في ذلك صادقون يصفون أيضاً ما يجدون ويحسّون دون كذب أو تزوير. إنّهم لو فعلوا ذلك لسخروا من أنفسهم ولسخر الناس منهم، ولما كان لشعرهم هذا الخلود الذي يحظى به حتى اليوم ولما زاد على شعر بعض هؤلاء المعاصرين من المدرسة القديمة، وهم يتغزّلون بسعدى ودعد في شعرٍ غث ميت لا يثير عاطفة عند السامع؛ لأنّه لم يصدر عن عاطفة عند القائل.

قد يكون بين هؤلاء شعوبيون وقد يكون بينهم زنادقة، لكنّ الذي جمع بينهم ليس الشعوبية ولا الزندقة، فلم يكونوا يجتمعون ليسبّوا العرب ويصرفوا شعرهم إلى الطعن عليهم وإظهار معايبهم، ولم يكونوا يجتمعون لتأليف الكتب في إنكار وجود الله أو قول الشعر في التشكيك بنبوّة محمد.

ما جمعهم ليس هذا ولا ذاك بل المجون واللهو وطلب اللذّة بكل أشكالها، وهو مذهب في الحياة سبقوا إليه حتى من بعض عرب الجاهلية. ماذا كان يفعل امرؤ القيس والأعشى وطرفة، مع اختلاف الزمن والبيئة، غير ما كان يفعله والبة وأبو نواس ومطيع مع اختلاف الزمن والبيئة أيضاً؟

وما عليك إلاّ أن تبدل الأسماء هنا وهناك، والأماكن هنا وهناك، والملابس والمطاعم هنا وهناك؛ لتعرف إن كان سيبقى من فرق بين الاثنين.

١٠٤

ثم لماذا هؤلاء الشعراء والأمراء وحدهم. لقد كانت مجالس اللهو والخمر والجواري والغلمان منتشرة في كل مكان في ذلك العهد، يشارك فيها مَن نعرف ومَن لا نعرف، وليست حكراً على عصبة المجّان، وكان الأسبق إليها والأقدر عليها هم الخلفاء أُمراء المؤمنين، فهم الذين بدؤوا هذا اللون من الحياة، وهم الذين شجّعوا عليه وأشركوا الشعراء فيه وأغروا به مَن لم يكن يعرفه، وكان أفضل الخمر وأجمل الجواري وأبرع المغنّين من نصيبهم فخزائنهم - بيوت أموال المسلمين - لا تنضب إن كانت خزائن غيرهم معرّضة للنضوب.

لماذا لا نجد بين زنادقة اللهو والمجون اسماً لواحد من هؤلاء الخلفاء، وهم أولى بالزندقة من كل الذين ذكرت أسماؤهم فيها؟ إلاّ إذا كانوا محصنين لا يجري عليهم ما يجري على مَن دونهم ممّن ليسوا خلفاء ولا أمراء للمؤمنين.

لقد ظلموا كثيراً؛ ظلمهم معاصروهم باتهامهم بالزندقة مرةً، وبالشعوبية مرةً، وبالاثنتين مرّات.

وظلمهم الذين كتبوا عنهم بعد قرون، وكانوا أحرى أن ينصفوهم فلم يفعلوا وربّما زاد بعضهم على معاصريهم.

ظلموهم حين جعلوا منهم زنادقة وهو وصف إن صدق على واحد أو اثنين منهم فإنّه لا يصدق عليهم كلهم.

أين هي كتب الزندقة التي ألّفوهّ.

لقد ذكر المؤرّخون ما وضعه الشعوبيون من كتب في مثالب العرب والطعن فيهم وفي مناقب الفرس وتفضيلهم.

فأين هي كتب الزندقة التي ألّفها: والبة، أو مطيع، أو يحيى، أو حماد، أو عمارة بن حمزة، أو حتى زعيم هذه العصبة وأشهر أفرادها أبو نواس؟ ولو ألّفوا، فما أظنهم كانوا سيؤلّفون في المانوية المحرّمة للذات التي أولعوا بها وعاشوا لها، والتي كانت تمثّل أحد أبرز وجوه الزندقة آنذاك.

أهناك أكثر من أبيات هجاء قالها بعضهم في بعض، أو اتهم بها بعضهم بعضاً بالزندقة والمانوية هزلاً وعبثاً يعكسان حياتهم ويمثّلانها خير تمثيل. ولو صدقناهم لصدقنا ما قاله الشعراء العرب في هجاء بعضهم، ولأعطينا الشعوبية الحق في بعض ما يتهمون به العرب.

والآن لا أدري إن كنت قد استطعت ولو إلى حد ما بيان بعض أسباب الخلط في تأريخنا بين الزندقة أو بشكل أدق صورة من صورها وبين الشعوبية.

لعلّي قد فعلت وإلاّ فلن يضير أولئك (الزنادقة) زيادة واحد من الذين لم يحسنوا النظر إليهم ولا الدفاع عن قضيتهم.

١٠٥

تقييم لحركَتَي: الـزندقة والشعوبية

وأخيراً فقد آن لنا أن نضع الزندقة والشعوبية كمصطلحين كان لهما شأن، في إطارهما الصحيح بين الحركات الفكرية والسياسية في تأريخنا دون تعصّب لهما أو عليهما بعد أكثر من ألف عام على اختفائهم.

ولقد رأيت الذين كتبوا عنهما قلّما كتبوا بعمق وحياد. وإذا استثنيت بعضاً منهم: المرحوم أحمد أمين، فأنا لم أجد بين الذين كتبوا من يملك عمق المؤرّخ ولا فهم الأديب ولا حياد العالم وإنّما وضعوا أمامهم الطبري والأغاني، ولا بأس بالنقل عن الجاحظ وابن عبد ربّه، ثم ضمّوا إليهم فان فلوتن فهو اسم غريب قد يوحي للسامع ما لا توحي به أسماء قرأها وسمع عنها.

ومضوا يكتبون، وكان خيراً لهم ألاّ يكتبوا فقد شوهوا تأريخنا - على كثرة ما شوه - وكانوا - لو عرفوا - شعوبيين أكثر من الشعوبيين الذين يهاجمونهم، حين جعلوا من العرب مجموعة من عديمي الإدراك والتمييز، يساقون إلى حيث يراد بهم ويفعلون ما يُخطّط لهم، دون أن يكون لهم من فكرهم ووعيهم ما يمنعهم من إلحاق الأذى بأنفسهم ويحصنهم ضد أعدائهم الذين يتربّصون بهم.

وهم في كل ذلك يكثرون الحديث عن خبث عدوّهم وشدّة كيده، وكأنّهم يحاولون الاعتذار عن العرب.

لقد أرادوا أن تكون لهم كتب في المكتبات يقرؤها القرّاء فكان لهم غباء في المكتبات يواجه القراء، ولو أنصفوا أنفسهم وأنصفونا لاكتفوا بإحالتنا على مَن نقلوا عنهم، فلم يضيفوا إلى أخطاء وقع فيها المؤلّفون قبل ألف عام، أخطاء جديدة بعد ألف عام.

ولقد تحدثت بالتفصيل عن الظروف التي نشأت فيها الزندقة والشعوبية وعن العلاقة بينهما فلا حاجة للعودة إليها.

ولكن أريد أن أقرّر هنا: أنّ الشعوبية كانت ستظهر يوماً ما ولم يكن ممكناً منعها، وهي قانون من قوانين التأريخ وسنّة الأمم قبل وبعد.

لقد كانت هناك أُمّة غالبة معها الإسلام وأمم مغلوبة دخلت فيه كرهاً أو طوعاً، حرباً أو اقتناعاً ورغبة، وكان الفرس أكثر هذه الأمم وأعلاها شأناً في الجاهلية، وهم إحدى إمبراطوريتين كانت لهما السيادة قبل ظهور الإسلام.

١٠٦

ولم يكن الإسلام يفرض على الداخلين فيه أن ينسلخوا عن أجناسهم ويصبحوا أُمّة واحدة بالمفهوم القومي للأُمة كشرط لقبول الإسلام منهم، والقرآن يقول ( وجعلناكم شعوباً وقبائل... ) ويقول: ( ولو شاء الله لجعلكم أُمّة واحدة ) ( ولو شاء ربّك لجعل الناس أُمّة واحدة ) .

وكان التعامل مع هؤلاء المسلمين الجدد يجري في كثير من الرفق خلال عهد الراشدين، ووجود الكثير من ذوي الدين والفضل والسابقة من الصحابة الذين رافقوا النبي وعاشوا معه وتعلّموا منه.

وكان هذا التعامل الرفيق الذي لقيه هؤلاء المسلمون، قد ساعدهم على الاندماج في البيئة الإسلامية العربية والابتعاد عن ماضيهم، إذ لم يكن هناك ما يثيرهم ويدفعهم إلى العودة إليه والتفكير فيه.

شاركوا في فتوح المسلمين وكان لبعضهم دور مذكور فيه، ونافسوا العرب المسلمين في الدين حتى كان بينهم مَن يرجع إليه في أُموره.

وانتهى عهد الراشدين باغتيال الإمام علي عام 40 للهجرة.

وقام حكم جديد انحسر فيه الإسلام وقويت العصبية، وقد ساهمت السياسة الأموية في إذكاء العصبية القبلية بين قبائل العرب، والعصبية القومية بين العرب وبين الأُمم الأخرى. والعرب فخورون بطبعهم يتباهون بأنسابهم وقبائلهم وأسرهم حتى على بعضهم. أي عربي يقبل أن يساوي بين تميم وبكر ومذحج وبين باهلة وغني وسلول.

ولأترك الحديث عن العصبية بين القبائل العربية، على خطورة هذا الموضوع، وأحصره بالعصبية القومية بين العرب وبين الموالي، السبب المباشر لظهور الشعوبية.

كان جيل جديد قد نشأ بين العرب، وجيل آخر جديد قد نشأ من الموالي، وكان الإسلام - الدين والسلوك والجامع للعرب والموالي - قد ضعف لدى أولئك وهؤلاء.

وبدأ المتعصّبون من العرب في تحقير الموالي الذين ازداد عددهم، خصوصاً في العراق، وإشعارهم بالاستعلاء عليهم والاستهانة بهم كما سبق أن ذكرنا.

وسكت الموالي الفرس وتجرّعوا الإهانة ولم يستطيعوا الرد؛ إذ كان الحكم عربياً مستبدّاً طاغياً لا يرحم العرب إذ أحس منهم ما يخشى فكيف بالموالي.

لكن سكوتهم كان سكوت الخوف لا سكوت الرضا، فعادوا إلى ماضيهم وهو غير بعيد يتسلّحون به في رد الهجوم عندما يستطيعون، وإلى ماضي العرب يتسلّحون به في الهجوم عندما يستطيعون، وليس هناك ماض أو تأريخ يخلو من مطاعن لمَن يبحث عنها ويتطلّبها.

وكان هجاء العرب لبعضهم أوّل أسلحتهم، ثم جاءت كتب المثالب التي ألّفها العرب ضد العرب وبدأها زياد بن أبيه سلاحاً ماضياً آخر.

١٠٧

وهكذا وجد الفرس بأيديهم سلاحاً عربياً جاهزاً لمهاجمة العرب والنيل منهم، وطعنهم في أكثر ما يعتزّون به من مناقب، وكان العرب كما ترى هم الشعوبيون الأول عن عمد أو غير عمد.

وضعف سلطان الدولة الأموية في بداية القرن الثاني، ثم سقطت في الثلث الأوّل منه لتقوم الدولة العباسية بمساعدة الفرس ودعمهم وتأييدهم.

وزال الخوف الذي كان يمنع الفرس من الرد أو إعلانه، فبدأ شعراؤهم وكتّابهم في نظم مفاخرهم والكتابة عنها وكانوا قبلاً لا يتناولونها إلاّ نادراً، ولم أجد المؤلّفين يذكرون غير إسماعيل بن يسار مثلاً للشعوبي المجاهر بشعوبيته، الفخور بها في العصر الأموي، وقد دفع ثمنها غالياً فكان ما يزال محروماً مطروداً كما يصفه أبو الفرج.

وكان الصدر الأول من الحكم العباسي ساحة صراع لا سياسي فقط بين العرب والفرس، وإنّما كانت الثقافة والأدب شعراً ونثراً ساحة أخرى للصراع بينهم.

لكن الصراع كان مكشوفاً هذه المرّة لا يستره خوف كما هي الحال في العصر الأموي.

وبدأ الشعراء وبدأ الكتّاب الفرس ينظمون ويؤلّفون، ولو وقفوا عند ذكر مآثر الفرس وماضيهم وما كان لهم من سلطان وفكر وفن لما أنكر عليهم أحد. ولقيل قوم ظلموا فثأروا لأنفسهم ودفعوا الظلم وردوا الاتهام، ولكنّهم أفادوا من تلك الفترة التي كانت فيها السلطة الجديدة تراعي الفرس وتترضّاهم وتتجنب سخطهم، فجاوزوا الدفاع إلى الهجوم. ونظم بشّار وكتب أبو عبيدة وكتب علان وكتب غيرهم، لا في مآثر الفرس ولكن في مثالب العرب. حاولوا أن يجرّدوهم من كل فضائلهم بل أن يقلبوا فضائلهم عيوباً. وكان من هؤلاء مَن يجد الدعم والحماية في أسر فارسية ذات سلطة ونفوذ آنذاك كآل طاهر وغيرهم.

وألاحظ أنّ هذه الزندقة والشعوبية الأدبية القائمة على الشعراء والكتّاب والمفاخر والمثالب لم تتجاوز كثيراً حدود العراق، حيث الاحتكاك في ذلك الوقت بين العرب وبين الفرس، وحيث تواجهت لأوّل مرة حضارتان بكل ما تحملان من قيم وعادات وأسلوب في الحياة جديد.

على أنّ من الأمانة أن أضيف: أنّ هاتين الظاهرتين قد ضعفتا كثيراً مع منتصف القرن الثالث الهجري، بعد أن هدأت النفوس وتراجعت حدة العواطف، وأصبح هذا الأسلوب الجديد في الحياة أسلوباً عراقياً قبله العرب وقبله الفرس، ولم يعد سبباً للنزاع بينهما ولم تعد تسمع للزندقة الأدبية ولا للشعوبية الأدبية صوت.

ثم حصل تطوّر خطير آخر غيّر من اتجاه الصراع وشغل العرب عن الفرس، وشغل الفرس عن العرب. فقد دخلت الساحة أمم وأقوام أخرى كالترك والديلم والمغاربة، وتحوّل الصراع إلى صراع بين هذه الأمم والأقوام نفسها ومن بينها الفرس. والى صراع بين زعمائها والبارزين فيها، لكنّه صراع على السلطة والنفوذ في ظل حكم ضعيف.

وتخلّت الشعوبية الأدبية عن مكانها إلى شعوبية سياسية لم يعد العرب والفرس طرفيها، ولا أبو معاذ وأبو عبيدة من قادتها بل شارك فيه، وكان من أطرافها الأمم والأقوام الأخرى، واستبدل فيها ببشّار ومعمر أوزون ونازوك ومؤنس.

وخلال ذلك شهد العراق، وفي القسم الأوسط والجنوبي منه، حركات قوية لها طبيعة اجتماعية واقتصادية بعيدة عن الشعر والأدب والمفاخر والمثالب: كثورة الزنج، وحركات القرامطة.

١٠٨

هذا في العراق الذي حاولت أن أحصر حديثي عن الزندقة والشعوبية فيه، كما هي في جانبهما الأدبي الذي عرفتا به.

أمّا في أطراف الدولة العربية الإسلامية فقد قامت في الجانب الشرقي منها دويلات غير عربية: فارسية أو تركية. احتفظت مع فارسيتها أو تركيتها بدينها الإسلامي، فهي فارسية مسلمة أو تركية مسلمة لم تعرف حركة اسمها الشعوبية، كما عرفها العراق في العصر الذي تحدثت عنه؛ لأسباب منها: أنّ تلك الدويلات قامت على أراضيها بعيداً عن مركز الدولة العربية الإسلامية في العراق، وكان بعدها هذا مانعاً للاحتكاك الذي رأيناه بين العرب والفرس في العراق وما ولّده من كره وكره مقابل. ومنها: أنّ تلك الدويلات لم يكن لها ماض يوازي، أو يقارب ما كان للفرس من ماض، عندما كانت الإمبراطورية الفارسية إحدى أقوى إمبراطوريتين في العالم، فهي لا تستطيع أن تقابل العرب بما يستطيع الفرس أن يقابلوا به العرب. ومنها أنّ الدولة العربية الإسلامية كانت قد بلغت درجة من الضعف لا تسمح لها بمواجهة ما يجري في العراق نفسه إلاّ بجهد وصعوبة، ناهيك عن مواجهة دويلات منظمة لها جيوش تستطيع القتال وهي في أراضيها على ألوف الكيلو مترات من بغداد. وإذا كانت ثورتا المقنع وبابك الشعوبيتان قد فشلتا؛ فذلك لأنّهما قامتا والدولة المركزية ما تزال قوية بعد، تملك أن تواجه وأن تنتصر؛ ولأنّ الثورتين قد أسقطتا الإسلام وقامتا على أساس قومي فارسي بعيد عن الإسلام، فحاربهما العرب لفارسيتهم، وحاربهما المسلمون غير العرب لابتعادهما عن الإسلام. بقي أن نلاحظ أنّه حتى في العصر العباسي الذي كان نفوذ الفرس هو المسيطر والطاغي، كان النسب العربي ساحراً جذّاباً يتعلّق به من لا يمنعه وضوح نسبه غير العربي من التعلّق به والانتماء إليه. وهذا ما نراه واضحاً في هجاء بعض الموالي الذين تركوا نسبهم الأصلي واستبدلوا به نسباً عربياً. بل هذا ما نجده في هجاء بعض العرب من المغموزين في نسبهم فأشجع السلمي، يريد شاعر أن يهجوه فلا يجد لذلك منفذاً إلاّ عن طريق نسبه فيقول:

إنّما أنت من سليم كواو

ألحقت في الهجاء ظلماً بعمرو

والهيثم بن عدي الطائي يهجوه أبو نواس، وهو الذي يسخر من تميم وقيس والعرب كلهم فيقول فيه:

إذا نسبت عدياً في بني ثعل

فقدّم الدال قبل العين في النسبِ

وحتى أبو عمرو بن العلاء يغضب بشّار على ابنه خلف فيقول:

أرفق بعمرو إذا حرّكت نسبته

فإنّه عربي من قوارير

والأمثلة على ذلك كثيرة.

١٠٩

وما أظن النسب العربي كان يحظى بكل هذا الاهتمام من جانب المنتسب أو من جانب النافي له، لو لم يكن له شأن وحساب ولو لم يكن موضع اعتزاز وفخر في ذلك الوقت.

والآن أعود بعد هذه الرحلة الطويلة لأؤكّد ما سبق أن قلته عن الشعوبية في بداية الحديث: من أنّها كانت ستظهر يوماً ما دامت هناك أُمّة غالبة حاكمة وأُمّة وأمم مغلوبة محكومة. فهذا أول أسباب الصراع حتى لو تخلّفت الأسباب الأخرى، ولا بد لهذا الصراع أن ينفجر ثورة عندما تتوفّر ظروف نجاحها، وأحياناً حتى لو لم تتوفّر ظروف نجاحها.

لقد بقي العرب زهاء سبعة قرون تحت الحكم العثماني المسلم، لكن لا طول المدة ولا إسلام العثمانيين أنسيا العرب عروبتهم ومنعهم من المطالبة الدائمة باستقلالهم الذي حصلوا عليه عبر ثورات ودماء وشهداء.

وهذا الاتحاد السوفيتي، ما أسرع ما رجعت كل قومية من قومياتها إلى ذاتها تبني دولتها الخاصة بها، بالرغم ممّا كان يربطها خلال سبعين عاماً من نظام اقتصادي وسياسي واحد.

وحتى يوغوسلافيا، هذا البلد الصغير، لم يسلم من التمزّق وانقسامه إلى دول بعدد القوميات التي كان يتألّف منها.

وأظنني بعد هذا استغرب ممّن يستغرب حركة الشعوبية وكأنّها حركة خارج التأريخ.

١١٠

الفهرس

المقدّمة: 2

الإهداء: 3

القسم الأوّل: فـي الزندقة 4

الفصـل الأوّل: مفهوم الزندقة عند المسلمين .5

الفصـل ا لثاني: الزندقـة في الجاهليـة 10

1 - الزندقة وقريش: 10

2 - المجوسيّة في تميم: 16

الفصل الثا لث: الزندقـة فـي الإسلام 20

الفصـل ال رابع: المجوسيّة 25

الفصل ال خامس: المانويّـة 26

الفصـل ا لسـاد س: المزدكيّـة 27

الفصـل السـا بع: البـرامكـة 32

الفصل ال ث ا من: آل سهل .43

الفصل ال ت ا س ـ ع: عبد الله بن أبي عبيد الله .46

الفصل ال ع ا ش ـ ر: عبد الله بن المقفّع .49

الفصـل ال ح ا دي عشـر: صالح بن عبد القدوس .56

الفصـل ال ث ا ن ي عشـر: عبد الكريم بن أبي العوجاء 59

الفصـل الثا لث عشـر: بشّار بن بُـرْد 63

القسـم الثانـي: الشعوبيّة 75

القسم الثالـث: العـلاقـة بين الزندقة وبين الشعـوبية 98

تقييم لحركَتَي: الـزندقة والشعوبية 106

١١١

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

[والمفيد(١) ، بمعنى: انه لو قامت البينة لهما بالملك، سواء كانت العين في يدا حدهما، او ايديهما، او يد ثالث، ينظر إلى اقوى البينتين عدالة، ومع تساويهما ينظر إلى اكثرهما عددا، ويقضى لمن اختص بأحدهما. واكثر المتأخرين لم يذكروا هذين المرجحين الا في القسم الثالث، اعني خروج ايديهما، ولعل مرادهم ما ذكره القدماء.

وأما اليد: فهل يوجب الترجيح؟ قال في الخلاف: نعم(٢) ان اطلقتا، او اضافتا إلى سبب، وان اختصت احدهما بالتقييد، اختصت بالترجيح، وقال في النهاية: تقدم بينة الخارج مع اطلاقهما ومع انفراد الداخل بالسبب، يقدم، وسكت عن اشراكهما في السبب(٣) .

وفي كتابى الاخبار: قدم بينة الخارج مع اطلاقهما، والداخل مع اضافتهما(٤) (٥) ].

____________________

اعداد الشهود الخ.

(١)المقنعة: باب كيفية سماع القضاة البينات ص ١١٤ س ٢٢ قال: واذا تنازع نفسان في شئ إلى قوله: وان رجح بعضهم على بعض في العدالة حكم لاعدلهما شهودا، إلى قوله: وان كان لاحدهما شهود اكثر عددا حكم لاكثرهما شهودا الخ.

(٢)كتاب الخلاف: كتاب الدعاوي والبينات، مسألة ٢ قال: اذا أدعيا ملكا مطلقا ويد احدهما على العين كانت بينته اولى.

(٣)النهاية: باب سماع البينات وكيفية الحكم بها ص ٣٤٤ س ٥ قال: ومتى كان مع واحد منهما يد متصرفة إلى قوله: وان شهدت البينة لليد المتصرفة بسبب الملك من بيع او هبة او معاوضة كانت اولى من اليد الخارجة.

(٤)الاستبصار: ج ٣ كتاب القضايا والاحكام(٢٢) باب البينتين اذا تقابلتا ص ٤٢ ذيل حديث ١٣ س ١٥ قال: وان كان مع احدى البينتين يد متصرفة الخ.

(٥)التهذيب: ج ٦(٩٠) باب البينتين تتقابلان او يترجح بعضها على بعض، ص ٢٣٧ ذيل حديث ١٤.

٤٦١

[فقد ظهر للشيخ فيما حكيناه ثلاثة أقول:

(أ) تقديم الداخل مع اطلاقهما وتقييدهما، وهو قوله في الخلاف.

(ب) تقديم الخارج مع اطلاقهما والداخل مع تقييدهم، وهو قوله في كتابي الاخبار.

(ج) تقديم الخارج مع اطلاقهما، وتقديم المنفرد بالسبب منهما، وسكت عن اجتماعهما في السبب، وهو مضمون النهاية. وتقديم بينة الخارج مذهب الصدوقين(١) (٢) والمفيد(٣) .

والتحقيق: ان التعارض اذا وقع في العين، فاما ان تكون في ايديهما، او في يد احدهما، أو خارجة عنهما.

القسم الاول: ان تكون في ايديهما، فان اختصت البينة باحدهما قضي له، وان اقاما بينتين، نظر إلى أعدلهما، فاكثرهما ورجح به، فان تساويا فيهما قضي لكل منهما بما في يده، على القول بالقضاء لصاحب اليد كمذهب الخلاف، وبما في يد صاحبه، كمذهب النهاية وكتابي الاخباز.

وتظهر الفائدة في ضم اليمين ان حكمنا بتقديم بينة الداخل، لان الظاهر تساقط البينتين مع تعارضهما، ويقضى للداخل، لانه الاصل، فيتوجه اليمين عليه لدفع دعوى المدعي.

وان قلنا يقضى له بما في يد صاحبه، لا يتوجه على احدهما يمين، لان القضاء له]

____________________

(١)و(٢) المقنع: باب القضاء والاحكام ص ١٣٣ س ١٩ قال: واذا ادعى رجل على رجل عقارا او حيوانا او غيره إلى قوله: فالحكم فيه ان يخرج الشئ من يدي مالكه إلى المدعي، لان البينة عليه، إلى قوله: كذلك ذكره والديرحمه‌الله في رسالته الي.

(٣)المقنعة: باب كيفية سماع القضاة البينة ص ١١٣ س ٢٤ قال: وان كان الشئ في يد احدهما واستوى شهودهما في العدالة، حكم للخارج اليد منه ونزعت يد المتشبث به منه.

٤٦٢

[مستند إلى بينة، وهي ناهضة بثبوت الحق، فيستغني عن اليمين.

القسم الثاني: ان يكون في يد احدهما، وقد عرفت حكمه في اول الباب.

الثالث: ان يكون خارجة عنهما: فيقضى لمن انفرد بالبينة، ومع قيامهما يقضى بالاعدل والاكثر، ومع التساوي، بالقرعة فمن وقعت له حلف، فان نكل أحلف الآخر، نكل قسمت بينهما مطلقا، أي سواء اطلقتا او اضافتا قاله الشيخ في النهاية(١) وتبعه القاضي(٢) وفي المبسوط: يقضي بالقرعة وحكم بالعين لمن يخرجه مع يمينه اذا كانت الشهادة بالملك مطلقا، وان كانت مقيدا قسم بينهما نصفين من غير قرعة، فان اختص احدهما بالتقييد حكم له(٣) .

احتج من قدم بينة الداخل: بان جانب الداخل اقوى، ولهذا قدمت يمينه، فيكون بينته اقوى، فيقدم.

وبما رواه العامة عن جابر: ان رجلين اختصما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في دابة او بعير، فاقام كل واحد منهما البينة انه انتجها، فقضى بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمن هي في يده(٤) .

وبما رواه الاصحاب، عن غياث بن ابراهيم عن الصادقعليه‌السلام : ان امير المؤمنينعليه‌السلام اختصم اليه رجلان في دابة، وكلاهما اقاما البينة انه]

____________________

(١)النهاية: باب سماع البينات وكيفية الحكم بها واحكام القرعة ص ٣٤٣ س ١٨ قال: فان كانت ايديهما خارجتين منه إلى قوله: فان امتنعا جميعا من اليمين كان الحق بينهما نصفين.

(٢)المهذب: ج ٢ كتاب الدعوى والبينات ص ٥٧٨ س ٤ قال: فان كان ايديهما خارجتين إلى قوله فان امتنعا من اليمين قسم بينهما نصفين.

(٣)المبسوط: ج ٨ كتاب الدعاوي والبينات ص ٢٥٨ س ٤ قال: وان كانت ايديهما خارجتين اقرع بينهما إلى قوله: ان كانت الشهادة بالملك مطلقا وان كان مقيدا قسم بينهما نصفين الخ.

(٤)عوالي اللئالي: ج ٣ س ٥٢٦ الحديث ٣١ ولاحظ ماعلق عليه نقلا عن سنن الدارقطني.

٤٦٣

[منحها، فقضي بها للذي هي في يده، وقال: لو لم يكن في يده جعلتها بينهما نصفين(١) .

فرع

على القول بتقديم بينة الداخل، هل يفتقر إلى اليمين؟ قال العلامة: نعم(٢) وفي المبسوط: لا(٣) .

والتحقيق: ان البينتين هل يتساقطان، ويرجع إلى الاصل وهو الحكم للداخل؟ او يقضي بالبينة التي حكمنا بترجيحها؟ فعلى التساقط تفتقر إلى اليمين، وعلى عدمه لا تحتاج اليها، لنهوض البينة بثبوت الحق.

واحتج القائل بتقديم بينة الخارج بأن الاصل كون البينة على المدعي، وهو الخارج، واليمين على المنكر، وهو الداخل، لقولهعليه‌السلام : البينة على المدعي وعلى الجاحد اليمين(٤) ، ولان بينة الخارج يتضمن النقل وبينة الداخل يتضمن التقرير، والبينة المتضمنة للنقل عن حكم الاصل اولى من المقررة.

ولما رواه محمد بن حفص، عن المنصور، عن الصادقعليه‌السلام قال: قلت له: رجل في يده شاة، فجاء رجل فادعاها واقام البينة العدول انها ولدت عنده، ولم]

____________________

(١)الكافي: ج ٧ كتاب القضاء والاحكام، باب الرجلان يدعيان فيقيم كل واحد منهما البينة ص ٤١٩ الحديث ٦.

(٢)المختلف: ج ٢ في تعارض البينات ص ١٤٢ س ٢٦ قال: والمعتمد ان نقول: إلى قوله: فان البينة بينة الداخل مع يمينه.

(٣)المبسوط: ج ٨ كتاب الدعاوي والبينات ص ٢٥٨ س ١٤ قال: فكل موضع سمعنا بينة الداخل إلى قوله: وقال آخرون: لا يستحلف، وهو الاقوى.

(٤)رواه في السرائر كتاب القضايا ص ١٩٤ س ٣٢.

٤٦٤

[يهب ولم يبع، وجاء الذي في يده بالبينة مثلهم عدول انها ولدت عنده ولم يبع ولم يهب، قال: قال ابوعبداللهعليه‌السلام : حقها للمدعي، ولا اقبل من الذي في يده بينة، لان الله تعالى انما امر ان تطلب البينة من المدعي، فان كانت له بينة والا فيمين الذي هو في يده، هكذا امر الله تعالى(١) .

قال العلامة: واحتج الشيخ على قوله في الخلاف: بما تقدم من الاخبار.

وبانهما تداعيا، واقاما بينة، فلا ترجيح، ويبقي اليد مختصة باحدهما، فترجح، وهو حسن، لكن حديث منصور يدل على خلافه ولولاه لصرت إلى قول الشيخ في الخلاف(٢) (٣) .

واما قديم الملك: فاذا اشتملت احدى البينتين على الشهادة بقديم الملك، والاخرى بحديثه، فالترجيح لجانب الاقدم عملا بالاستصحاب، وهو المشهور بين الاصحاب، لا اعلم فيه خلافا بين الطائفة.

ولابن ادريس قدس الله روحه هاهنا اضطراب عظيم، وعبارة منتشرة، ولنورد بعضها.

فان لم يكن ترجيح، وهي في يد ثالث فاقام احدهما بينة تقديم الملك، والآخر بحديثه، وكل منهما يدعي: انه ملكي الان، وبينة كل واحد منهما تشهد: بانه ملكه الان، غير ان احدى البينتين تشهد بالملكية الآن وتقديم الملك، والاخرى تشهد بالملكية الآن وبحديث الملك، سمعت بينة القديم، لان حديث الملك لا يملكه الا عن يد قديمة، فهو مدعي الملكية عنه، ولا خلاف انا لا نحكم بانه ملك عنه، لانه لو كان]

____________________

(١)الاستبصار: ج ٣ كتاب القضايا والاحكام(٢٢) باب البينتين اذا تقابلتا ص ٤٣ الحديث ١٤.

(٢)هكذا عبارة المختلف، ولكن في النسخ المخطوطة بعد كلمة (خلافه) هكذا (فلو خلا عن معارضة لكان هو المعتمد) والامر سهل.

(٣)المختلف: ج ٢، في تعارض البينات ص ١٤٣ س ٢ قال: واحتج الشيخ على قوله في الخلاف الخ.

٤٦٥

[ملك عنه لوجب ان يكون الرجوع عليه بالدرك، فاذا لم يحكم بانه عنه ملك، بقي الملك على صاحبه حتى يعلم زواله عنه، وكذلك يكون بينة السبب اولى في هذه المسألة اذا كانت العين في يد ثالث عند بعض أصحابنا، والاقوى عندي استعمال القرعة هاهنا، ولا يجعل لصاحب السبب ترجيح، لان الترجيح عندنا ماورد الا بكثرة الشهود، فان تساويا فالاعدل، ولا ترجيح بغير ذلك عند اصحابنا، والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا، فلم يبق الا القرعة، إلى ان قال: ولو قلنا نرجح بالسبب اذا كانت في يد ثالث لكان قويا، وبه افتي لان فيه جمعا بين الاحاديث والروايات وعليه الاجماع، فان المحصلين من اصحابنا مجمعون عليه قائلون به، ولان السبب اولى من قديم الملك، وقد رجحنا بقديم الملك، إلى ان قال: والذي اعتمده واعتقده واعمل عليه بعد هذه التفاصيل جميعها، الا نرجح الا بالعدد، وبالتفاضل في عدالة البينتين فحسب، دون الاسباب وقديم الاملاك، لان القياس عندنا باطل، وانما فصلنا مافصلناه على وضع شيخنا في مسائل خلافه، وهي من فروع المخالفين ومذاهبهم فحكاها واختارها دون ان يكون مذهبا لنا او لبعض مشيختنا، ولا وردت به اخبارنا ولم يذهب اليه احد من اصحابنا سوى شيخنا أبي جعفر في كتابيه الفروع، مبسوطه ومسائل خلافه، وعادته في هذين الكتابين وضع اقوال المخالفين واختبار بعضها، فليلحظ(١) .

فقد ظهر من قوله هذا - بعد ماترى فيه من الاضطراب الذي لا تحتاج إلى التنبيه عليه - مخالفة المشهور في ثلاثة امور:

(أ) اعتبار التفاضل في العدد قبل اعتبار التفاضل في العدالة.

(ب) عدم الترجيح بقدم الملك].

____________________

(١)السرائر: كتاب القضايا، في سماع البينات وكيفية الحكم بها، ص ١٩٥ س ٣ فلاحظ.

٤٦٦

(ج) عدم الترجيح بالسبب، وهو نادر.

تحقيق: قد عرفت ان اسباب الترجيح خمسة: فان انفرد واحد منهما بواحد منها وعرى الآخر منها حكم له، فان اشتركا في الترجيح، فان تكافيا، اقرع، وان تفاوتا فذو السببين اولى من ذي السبب، وذو الثلاثة اولى من صاحب الاثنين. ولو اختص احدهما بسبب، والآخر بمخالف، كما لو كان لاحدهما سبب، وللآخر قديم ملك، او يدان رجحنا بها، وللآخر سبب، او تقديم، فنقول: اما السببان الاولان من اسباب الترجيح، وهما قوة العدالة وكثرة العدد، فلا ريب في تقديم من انفرد بهما.

وان اجتمعا مع مرجوح كاليد ان رجحنا الخارج.

واما الثلاثة الاخرى: فاقواها القديم، فيقدم على السبب وان لم يتكرر كالنتاج، وهو ظاهر التحرير(١) ثم السبب، وقال ابن ادريس: يقدم الخارج وان اطلق، على ذي اليد، وان سبب(٢) .

وتوضيح البحث يقع في فصلين:

(الاول) تشبثا او احدهما، ومسائله عشرة.

(أ) تشبثا ولكل بينة، قضي لكل بالنصف، لكن هل هو الذي في يده، او في يد غريمه؟ مر البحث فيه وما يترتب عليه.

(ب) تشبث أحدهما ولكل بينة بالملك المطلق، قضى للخارج على مذهب]

____________________

(١)التحرير: ج ٢ في تصادم الدعاوي ص ١٩٥ س ١٠ قال: ولو شهدت بالملك المطلق للخارج او بالسبب لذي اليد، حكم لذي اليد سواء كان السبب مما يتكرر او لا يتكرر كالنتاج.

(٢)السرائر: في سماع البينات وكيفية الحكم بها ص ١٩٤ س ٣٤ قال: اذا تنازعنا عينا إلى قوله: انتزعت العين من يد الداخل واعطيت الخارج الخ.

٤٦٧

[النهاية(١) والخلاف(٢) في البيوع، وللداخل على مذهب الخلاف في الدعاوي(٣) .

(ج) تشبث احدهما وله بينة وتقديم ملك، او سبب، وللاخر بينة بالملك المطلق رجح الداخل والخارج بالعكس فيهما، وهو اربع مسائل.

(د) تشبث احدهما وللآخر بينة بقديم الملك، أو باليد، اختلف قولا الشيخ في كتابيه، فرجح في موضع منهما القديم(٤) ، وفي الآخر منهما اليد(٥) .

(ه‍) تشبثا، او احدهما، او خرجا، ولاحدهما بينة بالقديم، وللآخر بينة بالسبب، رجح القديم، وابن ادريس رجح الخارج(٦) وان اطلق على الداخل. وان قيد بسبب القدم.

(و) انفراد احدهما بالبينة، قضى له، متشبثين، او احدهما، او خارجين قولا واحدا].

____________________

(١)النهاية: باب سماع البينات وكيفية الحكم بها ص ٣٤٤ س ٥ قال: ومتى كان مع واحد منهما يد متعرفة إلى قوله انترع الحق من اليد المتصرفة واعطى اليد الخارجة.

(٢)كتاب الخلاف: كتاب البيوع مسألة ١٧ قال: اذا ادعى عمرو عبدا في يد زيد واقام البينة إلى قوله: فالبينة بينة الخارج وهو عمرو.

(٣)كتاب الخلاف: كتاب الدعاوي والبينات مسألة ٢ قال: اذا ادعيا ملكا مطلقا ويد احدهما على العين كانت بينة اولى.

(٤)المبسوط: ج ٨ تعارض البينتين ص ٢٦٩ س ١٠ س ٩ قال: واقام كل واحد منهما بينة، فانا نقضى لصاحب اليد بالدار.

(٥)كتاب الخلاف: كتاب الدعاوي والبينات، مسألة ١٥ قال: وان كانت في يد حديث الملك فصاحب اليد اولى.

(٦)السرائر: في سماع البينات وكيفية الحكم بها ص ١٩٤ س ٣٤ قال: اذا تنازعا عينا وهي في يد احدهما إلى قوله: انتزعت العين من يد الداخل واعطيت الخارج، سواء شهدت بينة الداخل بالملك بالاطلاق او بالاسباب، او بقديمه او بحديثه الخ.

٤٦٨

الفصل الثاني: خرجا عن العين، فيقضي في الظاهر لمن هي في يده وان لم يقم احدهما بينة. ففيه أربع مسائل: (الاول) دفعهما فهي له، ولكل احلافه.

(الثاني) وان صدق احدهما قضي للمصدق، وللآخر تحليفهما.

(الثالث) وان صدقهما فهو كما لو كانت في ايديهما، ولكل احلافه أيضا.

(الرابع) وان قال: لا ادري اختصما وكانا خارجين ولهما احلافه.

وان قاما بينتين وصدق احدهما فهو لغو، وهل يكون التصديق كاليد لمن صدقه حتى يرجح بها؟ ان قلنا بترجيح ذي اليد، الاقرب لا، لان هذه اليد مستحقة للازالة بالبينتين.

ثم البينتان: ان شهدت بينة كل واحد له بالملك المطلق، فان أطلقتا التاريخ، او قيدتا، او اطلقت واحدة وقيدت الاخرى تحقق التعارض، وان تقدم تاريخ احداهما حكم للسابقة.

واعلم ان الشهادة باليد، اولى من الشهادة بالسماع، وبالملك اولى من اليد، وبسبب الملك اولى من الملك المطلق، وبالقديم اولى من الحادث.

ومع تحقق التعارض يتشعب البحث إلى تسع مسائل:(١) قامت بيناتهما بالملك مطلقا، والقضاء بالقرعة، وكذا لو قامت البينتان باليد.

(ب) قامت بيناتهما بالسبب، والاظهر مساواة الاولين، وقال في المبسوط: يقسم بلا قرعة(١) ].

____________________

(١)المبسوط: ج ٨ كتاب الدعاوي والبينات ص ٢٥٨ س ٥ قال: وان كان مقيدا قسم بينهما نصفين.

٤٦٩

[(ج) قامت بينة واحد باليد والآخر بالملك مطلقا، او قامت بينة واحد بالملك المطلق، وبينة الآخر بالسبب، فالثاني في المسألتين ارجح.

(د) قامت بيناتهما باليد او الملك المطلق، أو احدهما اقدم، أو اشتركتا في السبب واختلفتا في التاريخ، او اختصت احداهما بالسبب والمطلقة اقدم تاريخا، فالترجيح لجانب الاقدم في المسائل الاربع.

كتاب الشهادات والنظر في أمور أربعة: النظر الاول: في صفات الشاهد

وهي ستة:

مقدمة

الشهادة لغة الحضور، يقال: شهد فلان موضع كذا، اي حضره، وشهدت الواقعة، اي حضرتها.

واصطلاحا: اخبار عن علم المخبر بثبوت أمر او نفيه، يلزم غيره لغيره، لاثباته عند الحاكم.

فقولنا: (يلزم غيره) احتراز عما يلزم نفسه، فانه اقرار، وقولنا: (لغيره) احتراز عما لو كان اللزوم له، فانه يكون دعوى، وقولنا: (بثبوت امر) لكونه اعم من المال او الحق، كالقصاص، والقذف، والشفعة، والولاية وغير ذلك، وقولنا: (او نفيه) لان الشهادة كما تكون بالاثباب، تكون بالاسقاط، وقولنا: (لاثباته عند الحاكم) لانها حالة جزم لا تسامح بها.

٤٧٠

[ولو عوض ذلك: (هي اخبار عن علم المخبر بثبوت أمر أو نفيه يلزم غيره لغيره قصدا للاثبات لا على جهة الدعوى) لكان احسن، ليدخل فيه الشهادة للشهادة، واحترزنا بقولنا: (لا على جهة الدعوى) عن الوكيل فانه يخبر: بلزوم حق على المدعى عليه لموكله، لكه على جهة الدعوى.

والاصل فيه: الكتاب، والسنة، والاجماع.

أما الكتاب فقوله تعالى: " واشهدوا اذا تبايعتم "(١) " واقيموا الشهادة لله "(٢) " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان ممن ترضون من الشهداء "(٣) .

وتوعد على كتمانها: فقال: " ولا يأب الشهداء اذا ما دعوا "(٤) " ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه اثم قلبه "(٥) ، " ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله "(٦) . ولولا انها حجة لما أمر بها، ولا تواعد على كتمانها.

ومثل هذا قولهعليه‌السلام : من سئل عن علم فكتمه الجمه الله يوم القيامة بلجام من نار(٧) .

وأما السنة: فمثل ماروى ابن عباس ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن الشهادة؟ فقال: ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد او دع(٨) .

وقضى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالشهادة(٩) وكذلك عليعليه‌السلام ]

____________________

(١)البقرة: ٢٨٢.

(٢)الطلاق: ٢.

(٣)البقرة: ٢٨٢.

(٤)البقرة: ٢٨٢.

(٥)البقرة: ٢٨٣.

(٦)البقرة: ١٤٠.

(٧)مسند احمد بن حنبل: ج ٢ ص ٣٥٣ س ١٩.

(٨)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٥٢٨ الحديث ١ ولاحظ ما علق عليه لاحظ.

(٩)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٥٢٨ الحديث ٢ ولاحظ ما علق عليه، والتهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات، ففيه احاديث كثيرة في هذا المعنى.

٤٧١

(الاول) البلوغ: فلا تقبل شهادة الصبي مالم يصر مكلفا، وقيل: تقبل اذا بلغ عشرا، وهو شاذ.

[بعده(١) وبعده الخلفاء.

وأما الاجماع: فمن سائر المسلمين لا يختلفون في ذلك.

قال طاب ثراه: الاول: البلوغ، فلا تقبل شهادة الصبي مالم يصر مكلفا، وقيل: تقبل اذا بلغ عشرا وهو شاذ.

أقول: اذا ميز الصبي وله دون العشر لا تقبل شهادته في غير الجراح والقصاص اجماعا.

وهل يقبل في غير ذلك؟ معظم الاصحاب على المنع، وهو ظاهر النهاية(٢) وقال في الخلاف يقبل(٣) وبه قال ابوعلي(٤) .

وان بلغ العشر، فهل يقبل مطلقا؟ الجمهور من الاصحاب: لا، لوجوه: (الاول) قولهعليه‌السلام : رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى ينتبه(٥) وفي رفع القلم عنه دلالة على ان لا عبرة بافعاله واقواله.

(الثاني) علمه بعدم المؤاخذة له، يرفع الوثوق بقوله، فلا يحصل الظن بصدقه،]

____________________

(١)التهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٦١ الحديث ٩٧.

(٢)النهاية: باب شهادة العبيد والاماء والمكاتبين والصبيان ص ٣٣١ س ١٨ قال: ويجوز شهادة الصبيان اذا بلغوا عشر سنين، إلى قوله ولا تقبل شهادتهم فيما عدى ذلك من الديون والحقوق والحدود.

(٣)كتاب الخلاف: كتاب الشهادات، مسألة ٢٠ قال: تقبل شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح مالم يتفرقوا الخ.

(٤)الايضاح: ج ٤ في الشهادات ص ٤١٧ س ١٨ قال: وقال في الخلاف: يقبل، وهو اختيار ابن الجنيد.

(٥)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٥٢٨ الحديث ٣ ولاحظ ماعلق عليه.

٤٧٢

واختلف عبارة الاصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات، ومحصلها: القبول في الجراح مع بلوغ العشر مالم يختلفوا، ويؤخذ باول قولهم.

وشرط الشيخ في الخلاف: الا يتفرقوا.

[لعدم المانع له حينئذ عن الكذب.

(الثالث) ان قوله على نفسه لا تقبل بالاقرار، فلا تقبل على غيره بالشهادة، لكونه اكثر شروطا، ولعدم التهمة في الاقرار وتجويزها في الشهادة، فهو من باب التنبيه بالادنى على الاعلى.

وقيل: يقبل مطلقا في كل شئ من غير استثناء، نقله المصنف(١) والعلامة(٢) وحكاه صاحب كشف الرموز عن الشيخ في النهاية(٣) .

والتعويل فيه على رواية رواها محمد بن يعقوب في كتابه: اذا بلغ الغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته(٤) .

قال طاب ثراه: واختلفت عبارة الاصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات، ومحصلها: القبول في الجراح مع بلوغ العشر، مالم يختلفوا، ويؤخذ باول قولهم، وشرط الشيخ في الخلاف: الا يتفرقوا.

أقول: نسب الخلاف إلى العبارة(٥) لاتفاقهم على القبول في الجملة.

فذهب المفيد إلى قبولها في الجراح والقصاص(٦) ومثله قال الشيخ في]

____________________

(١)لاحظ عبارة النافع.

(٢)القواعد: ج ٢، المقصد التاسع في الشهادات ص ٢٣٥ س ٢٥ قال: وقيل: تقبل مطلقا اذا بلغ عشر سنين.

(٣)كشف الرموز: ج ٢، كتاب الشهادات ص ٥١٤ س ٩ قال: وافتى عليها في النهاية.

(٤)الكافي: ج ٧ باب شهادة الصبيان ص ٣٨٨ الحديث ١.

(٥)اي في قوله: (واختلف عبارة الاصحاب).

(٦)المقنعة: باب البينات ص ١١٢ س ٣٦ قال: وتقبل شهادة الصبيان في الشجاح والجراح اذا كانوا يعقلون ما يشهدون به الخ.

٤٧٣

[النهاية(١) .

وروى جميل بن دراج عن أبي عبداللهعليه‌السلام : تقبل شهادتهم في القتل، ويؤخذ باول كلامهم(٢) وهو اختيار ابن ادريس(٣) وذهب في الخلاف إلى انه تقبل في الجراح مالم يتفرقوا، اذا اجتمعوا على مباح(٤) قال المصنف في الشرائع: والاولى القبول بالشروط الثلاثة: بلوغ العشر، وبقاء الاجتماع، اذا كان على مباح(٥) وهو اختيار العلامة(٦) . فقد تلخص من عبارة المصنف اعتبار أربع قيود:

(أ) بلوغ العشر، وادعى صاحب كشف الرموز عليه الاجماع(٧) ودعوى الاجماع فيه ممنوع، وقد بينا الخلاف فيه فيما تقدم.

(ب) الاجتماع لمباح].

____________________

(١)النهاية: باب شهادة العبيد والاماء والمكاتبين والصبيان ص ٣٣١ س ١٨ قال: ويجوز شهادة الصبيان إلى قوله في الشجاج والقصاص.

(٢)عوالى اللئالي: ج ٣ ص ٥٢٩ الحديث ٥ ولاحظ ما علق عليه.

(٣)السرائر: باب شهادة والصبيان واحكامهم ص ١٨٧ س ٦ قال: ويجوز شهادة الصبيان إلى قوله: الشجاج والقصاص ويؤخذ باول كلامهم.

(٤)كتاب الخلاف: كتاب الشهادات مسألة ٢٠ قال: تقبل شهادة الصبيان في الجراح مالم يتفرقوا اذا اجتمعوا على امر مباح كالرمي وغيره.

(٥)الشرائع: كتاب الشهادات، في صفات الشهود، قال: فالاولى الاقتصار على القبول في الجراح بالشروط الثلاثة الخ.

(٦)القواعد: ج ٢ ص ٢٣٦ الشهادات س ١ قال: وتقبل شهادتهم في الجراح بشروط ثلاثة الخ.

(٧)كشف الرموز: ج ٢ كتاب الشهادات ص ٥١٥ س ١٦ قال: والقدر المجمع عليه القبول في الجراح مع بلوغ العشر الخ.

٤٧٤

(الثاني) كمال العقل: فالمجنون لا تقبل شهدته. ومن يناله الجنون ادوارا، تقبل في حال الوثوق باستكمال فطنته.

(الثالث) الايمان: فلا تقبل شهادة غير المؤمن. وتقبل شهادة الذمي في الوصية خاصة مع عدم المسلم، وفي اعتبار الغربة تردد. وتقبل شهادة المؤمن على اهل الملل، ولا تقبل شهادة احدهم على المسلم، ولا غيره. وهل تقبل على اهل ملته؟ فيه رواية بالجواز ضعيفة، والاشبه المنع.

[(ج) ان لا يفترقوا، حذرا ان يلقنوا.

(د) كون الحكم في الشجاج والجراح دون النفس.

واختار فخر المحققين عدم القبول مطلقا، لقوله تعالى: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم "(١) (٢) وهو نادر، والاقرب القبول بالشروط المذكورة.

تنبيه

على القول بانه يؤخذ باول كلامه، لا بثانيه لو ناقض الاول الثاني عمل بالاول، ومع عدم اشتراط هذا القيد ينبغي القول ببطلان الشهادة، لان التناقض فيها يوجب ابطالها، ولا نفتقر في حقه من الشروط سوى الصغر، للنص عليه، فيبقى الباقي من الشروط على اصالة اعتباره.

قال طاب ثراه: وتقبل شهادة الذمي في الوصية خاصة، وفي اعتبار الغربة تردد.

أقول: اجمع الاصحاب على منع شهادة الذمي على المسلم في غير الوصية، ومنع]

____________________

(١)البقرة: ٢٨٢.

(٢)الايضاح: ج ٤ في الشهادات ص ٤١٧ س ٢١ قال: والاصح انه لا تقبل شهادته مطلقا.

٤٧٥

[شهادة غير المؤمن مطلقا.

والتحقيق: ان شهادة الذمي اما ان يكون على مسلم، او ذمي، فهنا مسألتان: (الاولى) شهادته على المسلم، وهي مقبولة اذا جمع خمس شرائط:

(أ) تعذر عدول المسلمين.

(ب) كونه عدلا في ملته.

(ج) اعتقاده تحريم الكذب في الشهادة على مثله، او مسلم.

(د) كون الشهادة بالوصية.

(ه‍) كون الوصية بالمال.

وهل يشترط سادس، وهو كون الموصي في غربة؟ قال في المبسوط: نعم(١) وبه قال التقي(٢) وابوعلي(٣) واطلق في النهاية(٤) وكذا المفيد(٥) والحسن(٦) وسلار(٧) ]

____________________

(١)البسوط: ج ٨، فيما يجب على المؤمن من القيام بالشهادة ص ١٨٧ س ١٦ قال: الا بما يتفرد به اصحابنا في الوصية خاصة في حال السفر.

(٢)الكافي: فصل في الشهادات ص ٤٣٦ س ٧ قال: الا عدول اهل الذمة في الوصية في السفر خاصة.

(٣)المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٧٠ س ٦ قال: وقال ابن الجنيد: إلى قوله: الا في الوصية في السفر وعند عدم المسلمين.

(٤)النهاية: باب شهادة من خالف الاسلام ص ٣٣٤ س ٣ قال: ويجوز قبول شهادتهم في حال الضرورة في الوصية خاصة.

(٥)المقنعة: باب البينات ص ١١٢ س ٣٤ قال: وتقبل شهادة رجلين من اهل الذمة على الوصية خاصة اذا لم يكن حضر الميت احد من المسلمين.

(٦)المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٦٩ س ٣٣ قال بعد نقل قول المقنعة: وكذا ابن أبي عقيل.

(٧)المراسم: ذكر احكام البينات ص ٢٣٣ س ١٨ قال: وانما مع عدمهم (اي المسلمين) تجوز في الوصية للمسلمين لا عليهم.

٤٧٦

[ابن ادريس(١) والقاضي(٢) واختاره المصنف(٣) والعلامة(٤) .

احتج الاولون: بقوله تعالى: " او اخران من غيركم ان انتم ضربتم في الارض "(٥) شرط في القبول الضرب في الارض، وهو السفر.

ولصحيحة حمزة بن حمران عن الصادقعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزوجل: " ذوا عدل منكم او اخران من غيركم "(٦) فقال: (اللذان منكم) مسلمان، و (اللذان من غيركم) من اهل الكتاب قال: وانما ذلك اذا مات الرجل المسلم في ارض غربة، فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصية، فلم يجد مسلمين، اشهد فلى وصية رجلين ذميين من اهل الكتاب مرضيين عند اصحابهم(٧) .

وفي معناها حسنة هشام بن الحكم(٨) .

احتج الآخرون: بان المناط في القبول اما هو تحصيل غرض الموصي وبلوغ حاجته، لعدم استدراكها بفوات المسلمين، فلا أثر للضرب في القبول وعدمه.

وبرواية ضريس الكناسي عن الباقرعليه‌السلام قال: سألته عن شهادة اهل]

____________________

(١)السرائر: باب شهادة من خالف الاسلام ص ١٨٧ س ٣٠ قال: لا يجوز إلى قوله: الا في الوصية بالمال في حال الاضطرار خاصة.

(٢)المهذب: ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٧ س ١٣ قال: فان كانت حال ضرورة قبلت شهادتهم في الوصية دون غيرها.

(٣)لاحظ عبارة النافع.

(٤)المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٦٩ س ٣٠ قال: مسألة، تجوز شهادة اهل الذمة على المسلمين في الوصية خاصة عند عدم المسلمين.

(٥)المائدة: ١٠٦.

(٦)المائدة: ١٠٦.

(٧)التهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٥٣ الحديث ٦٠.

(٨)الكافي: ج ٧ باب شهادة اهل الملل ص ٣٩٨ الحديث ٦.

٤٧٧

[ملة، هل يجوز على رجل من غير اهل ملتهم؟ فقال: لا، الا ان لا يوجد في تلك الحال غيرهم، فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية، لانه لا يصلح ذهاب حق امرء مسلم(١) .

واجابوا عن حجة الاولين: بان التقييد في الآية والاخبار خرج مخرج الاغلب، لا انه شرط.

تنبيه

هذا القدر من البحث والشروط، هو الذي ذكره الاصحاب في هذا الباب، ولم يزيدوا عليه.

وقال العلامة: الاقرب احلاف الشاهدين من اهل الذمة بعد العصر: انهما ماخانا، ولا كتما، ولا اشتريا به ثمنا قليلا، ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله انا اذا لمن الاثمين، على ما تضمنته الآية، قال: ولم اقف فيه لعلمائنا على قول(٢) .

(الثانية) شهادة الذمي على غير المسلم، فتقبل في كل ماتقبل فيه على المسلمين، وهل تقبل في غير ذلك؟ ثلاثة أقوال:

(أ) القبول مطلقا، اي سواء اتفقت ملتا الشاهد والمشهود عليه، او اختلفت، بشرط عدالته في ملته وهو قول أبي علي(٣) ].

____________________

(١)الكافي: ج ٧ باب شهادة اهل الملل ص ٣٩٩ الحديث ٧.

(٢)التحرير: ج ٢ كتاب الشهادات ص ٢٠٨ س ٦ قال: (د) الاقرب احلاف الشاهدين إلى قوله: ولم اقف فيه لعلمائنا على قول.

(٣)المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٧٠ س ٦ قال: وقال ابن الجنيد: إلى قوله: وشهادة اهل العدالة في دينهم جائزة من بعضهم على بعض وان اختلفت الملتان.

٤٧٨

[(ب) عدمه مطلقا وهو ظاهر المفيد(١) والحسن(٢) وقواه القاضي(٣) واختاره المصنف(٤) والعلامة(٥) .

(ج) القبول بشرط اتفاق الملتين، وهو قول الشيخ في النهاية(٦) .

وقال في الخلاف: بالقبول اذا ترافعوا الينا وعدلوا الشهود ولا يلزمهم ذلك لو لم يختاروا(٧) واختاره العلامة في المختلف(٨) .

احتج المجوزون مطلقا: بان الكفر كالملة الواحدة، فلا تفاوت فيه. واحتج للقائل باشتراط العدالة في الشاهد، وعدم تحققها في الكافر، خرج منه الوصية للنص والضرورة، فيبقى البافي على اصله.

وبرواية ضريس وقد تقدمت(٩) ].

____________________

(١)المقنعة: باب البينات ص ١١٢ س ٣٤ قال: وتقبل شهادة رجلين من اهل الذمة على الوصية خاصة.

(٢)المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٦٩ س ٣٣ قال بعد نقل قول المقنعة: وكذا ابن أبي عقيل.

(٣)المهذب: ج ٢ كتاب الشهاده ص ٥٥٧ س ١٤ قال: ولا يجوز شهادة اهل الملل المختلفة بعضها على بعض، بل يقبل شهادة اهل الملة الواحدة بعضهم على بعض الخ ولا يخفى انه غير واف بمقصود المصنف.

(٤)لاحظ عبارة النافع.

(٥)القواعد: ج ٢ في الشهادات ص ٢٣٦ س ٦ قال: ولا تقبل شهادة الكافر، لا على مسلم ولا على مثله على رأي الا الذمي في الوصية.

(٦)النهاية: باب شهادة من خالف الاسلام ص ٣٣٤ س ٦ قال: ولا تقبل شهادة اهل ملة منهم لغير اهل ماتهم ولا عليهم.

(٧)الخلاف: كتاب الشهادات، مسألة ٢٢ قال: ان كانت الملة واحدة قبلت إلى قوله: اذا اختاروا الترافع الينا الخ.

(٨)المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٧٠ س ١٤ قال: كما اختاره الشيخ في الخلاف، وهو انه اذا ترافعوا الينا الخ.

(٩)الكافي: ج ٧ باب شهادة اهل الملل ص ٣٩٩ الحديث ٧.

٤٧٩

(الرابع) العدالة: ولا ريب في زوالها بالكبائر، وكذا في الصغائر مصرا، واما الندرة من اللمم فلا، ولا يقدح اتخاذ الحمام للانس، وانفاذ الكتب، اما الرهان عليها فقادح، لانه قمار. واللعب بالشطرنج ترد به الشهارة، وكذا الغناء وسماعه، والعمل بآلات اللهو وسماعها، والدف الا في الاملاك والختان، ولبس الحرير للرجل الا في الحرب، والتختم بالذهب، والتحلي به للرجال. ولا تقبل شهادة القاذف، وتقبل لو تاب، وحد توبته ان يكذب نفسه، وفيه قول آخر متكلف.

[واحتج الشيخ على قول النهاية برواية سماعة عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن شهادة اهل الملة؟ قال: فقال: لا تجوز الا على أهل ملتهم، فان لم تجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية، لانه لا يصلح ذهاب حق احد(١) .

واجيب بمنع السند(٢) .

قال طاب ثراه: ولا تقبل شهادة القاذف، وتقبل لو تاب، وحد توبته ان يكذب نفسه، وفيه قول آخر متكلف.

أقول: للاصحاب في كيفية التوبة أربعة أقوال:

(أ) قال في النهاية: وحقيقة توبته اكذاب نفسه فيما كان قذف به(٣) وقال في]

____________________

(١)الكافي: ج ٧ باب شهادة اهل الملل ص ٣٩٨ الحديث ٢.

(٢)سند الحديث كما في الكافي (علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن زرعة، عن سماعة) والجواب عن الايضاح، لاحظ ج ٤ ص ٤١٩ س ١٦.

(٣)النهاية: باب تعديل الشهود ومن تقبل شهادته ومن لا تقبل، ص ٣٢٦ س ٩ قال: وحد توبته من القذف ان يكذب نفسه.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553