المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116697 / تحميل: 7646
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ) (١) .

وأمّا أصناف الشهداء ، فمنهم الشهداء الأولياء المقرّبون من البشر ، كالأنبياء والصالحين من الأولياء ، قال سبحانه : ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء ) .

وتمييز النبيّين من الشهداء كأنّه نوع تشريف لهم كما قيل .

وقال سبحانه : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمّة شَهِيداً ثمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) (٢) ، والأُمّة : الجماعة من النّاس ، وإذا أُضيفت إلى شيء كنبيّ أو زمان أو مكان تميّزت به ، فالآية عامّة لجميع الأولياء ولو اجتمع عدّة منهم في أُمّة نبي ، وقال سبحانه : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّة وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٣) .

والبيان السابق في معنى الشهيد يوضّح أنّ هذه العطيّة والكرامة منه سبحانه ليست عامّة لجميع أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل هي خاصّة لبعض الأُمّة والخطاب الواقع لجمع الأُمّة بظاهره باعتبار وجودهم فيها ، وهو ذائع دائر في الخطابات كقوله سبحانه : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء ) (٤) إلى آخر الآية ، فإنّه شامل بظاهره لجميع مَن معه ، وفيهم المنافقون والفاسقون بإجماع الأُمّة ، وأمثاله كثيرة .

وبالجملة : فالشهداء من هذه الأُمّة شهداء على الناس ، والرسول شهيد عليهم ، فالأُمّة الشهيدة وسط بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنّاس كما ذكره سبحانه .

وكذلك قوله سبحانه : ( هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ

ـــــــــــــ

(١) سورة الزمر : الآيتان ٦٩ و ٧٠ .

(٢) سورة النحل : الآية ٨٤ .

(٣) سورة البقرة : الآية ١٤٣ .

(٤) سورة الفتح : الآية ٢٩ .

١٢١

أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ) (١) ، وهذه الآية في اختصاص الشهداء أصرح من سابقتها .

وفي قوله سبحانه :( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ ) إشارة إلى دعاء إبراهيم مع ولده إسماعيلعليهما‌السلام عند بناء الكعبة :( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمّة مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) (٢) .

ودعاؤهعليه‌السلام حيث إنّه لولْد إبراهيم وإسماعيل معاً ، ولمَن في مكّة ؛ فهو لقريش وحيث إنّهعليه‌السلام دعا أوّلاً بإسلامهم لله ، (وإراءة) الله إيّاه مناسكهم وتوبته لهم ، ثمَّ دعا ببعث رسول يطهّرهم ويزكّيهم ، فهم جمع من قريش جمعوا بين طهارة الذات(٣) والهداية والاهتداء إلى عهود الله ، وبين الإيمان برسوله والتزكّي والتطهّر بتزكيته وتطهيره ، فهم أشخاص مخصوصون بكرامة الله سبحانه من بين الأُمّة .

وقوله :( لِيَكُونَ الرَّسُولُ ) ، بيان لغاية قوله :( هُوَ اجْتَبَاكُمْ ) .

وما ذكرناه في معنى الآية هو الذي تفسّره به الأخبار الواردة عن أئمّة أهل البيت .

ففي (الكافي)(٤) ، و(تفسير العيّاشي)(٥) عن الباقرعليه‌السلام :(نحن الأُمّة الوسطى ، ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه) .

وعن (شواهد التنزيل) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :(إيّانا عنى بقوله : ( وَتَكُونُوا شُهَدَاء

ـــــــــــــ

(١) سورة الحجّ : الآية ٧٨ .

(٢) سورة البقرة : الآيتان ١٢٨ و ١٢٩ .

(٣) أهل السعادة الذاتية والسعادة المكتسبة ، وبعبارة أُخرى : طهارة الذات والتبعيّة (منه قُدِّس سرُّه) .

(٤) الكافي : ١ / ٢١٣ ، الحديث ٢ .

(٥) تفسير العيّاشي : ١ / ٨١ ، الحديث ١١٠ ، مع اختلاف يسير .

١٢٢

عَلَى النَّاسِ ) ، فرسول الله شاهد علينا ، ونحن شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه ، ونحن الذين قال الله : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّة وَسَطاً ) (١) .

وفي المناقب عن الباقرعليه‌السلام ـ في حديث :(ولا يكون شهداء على الناس إلاّ الأئمة والرُّسل فأمّا الأُمّة ، فإنّه غير جائز أن يستشهدها الله وفيهم مَن لا تجوز شهادته في الدنيا على خرمة بقل) (٢) .

وفي (تفسير العيّاشي) عن الصادقعليه‌السلام قال :(ظننتَ أنّ الله تعالى عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين ؟! افترى أنّ مَن لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر ، يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأُمم الماضية ؟! كلا ، لم يعنِ الله مثل هذا من خلقه ، يعني الأئمّة الذين وجبت لهم دعوة إبراهيم ، وهم الأُمّة الوسطى ، وهم خير أُمّة أُخرجت للنّاس) (٣) .

والأخبار في هذا المعنى كثيرة مستفيضة .

ومن هنا يظهر معنى قوله سبحانه( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمّة بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً ) (٤) ، فحيث إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس شاهداً على النّاس من أُمّته بلا واسطة ، بل على الشهداء منهم ، فالمشار إليهم بقوله : ( عَلَى هَـؤُلاء ) هم الشهداء من كلّ أُمّة المذكور في الآية .

وأصرح منها قوله سبحانه :( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمّة شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء ) (٥) ؛ وذلك لمكان قوله تعالى :( مِّنْ أَنفُسِهِمْ ) ، وقوله : ( نَبْعَثَ ) و( وَجِئْنَا ) .

فرسول الله كما أنّه شهيد على الشهداء من أُمّته ، شهيد على جميع الشهداء .

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل : ١ / ١١٩ ، الحديث ١٢٩ .

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ١٩٤ .

(٣) تفسير العيّاشي : ١ / ٨٢ ، الحديث ١١٤ .

(٤) سورة النساء : الآية ٤١ .

(٥) سورة انحل : الآية ٨٩ .

١٢٣

وروى القمّي في قوله تعالى : ( شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء ) ، يعني على الأئمّة ، فرسول الله شهيد على الأئمّة ، وهم شهداء على الناس(١) .

وفي (الاحتجاج) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، في حديث يذكر فيه أحوال أهل الموقف ، قال :(فيقام الرُّسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها إلى أُممهم ، فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أُممهم ، ويسأل الأُمم فيجحدون كما قال الله : ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) (٢) ، فيقولون : ( مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ ) (٣) .

فيستشهد الرُّسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيشهد بصدق الرُّسل ويكذِّب مَن جحدها من الأُمم فيقول لكلّ أُمّة منهم : بلى ، قد جاءكم بشير ونذير ، واللهُ على كل شيء قدير ، أي مقتدر بشهادة جوارحكم بتبليغ الرُّسل إليكم رسالاتهم ؛ ولذلك قال الله لنبيّه : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمّة بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً ) ) (٤) ـ الحديث .

وروى العيّاشي في تفسيره عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في صفة يوم القيامة ، قالعليه‌السلام :(يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق ، فلا يتكلّم أحد إلاّ مَن أذن له الرحمن وقال صواباً ، فيقام الرُّسل فيسأل ، فذلك قوله لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمّة بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً ) وهو الشهيد على الشهداء ، والشهداء هم الرُّسل) (٥) .

وقد مرّ كلام في معنى الجحد والحلف والكذب الواقع في هذه الأحاديث .

ـــــــــــــ

(١) تفسير القمّي : ١ / ١٦٧ .

(٢) سورة الأعراف : الآية ٦ .

(٣) سورة الأعراف : الآية ١٩ .

(٤) الاحتجاج : ١ / ٣١٨ .

(٥) تفسير العيّاشي : ١ / ٢٦٨ ، الحديث ١٣٢ .

١٢٤

ومن الشهداء الملائكة الكَتَبَة ، قال سبحانه :( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) (١) ، وقال :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (٢) ، إلى أن قال :( وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ) (٣) ، وقال سبحانه : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات .

ومن الشهداء : الجوارح والأعضاء ، قال سبحانه : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٥) ، وقال سبحانه وتعالى :( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٦) ، وقال سبحانه :( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم

ـــــــــــــ

(١) سورة يونس : الآية ٦١ .

(٢) سورة ق : الآيات ١٦ ـ ١٨ .

(٣) سورة ق : الآية ٢١ .

(٤) سورة الانفطار : الآيات ١٠ ـ ١٢ .

(٥) سورة يس : الآية ٦٥ .

(٦) سورة النُّور : الآية ٢٤ .

١٢٥

مِّنْ الْخَاسِرِينَ ) (١) .

وسياق الآيات واردة في أهل النار ، فشهادة الجوارح مخصوصة بهم ، وهي من الشواهد على شمول خطابات الفروع لغير المؤمنين .

وقوله تعالى : ( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ ) ، وجه تخصيصهم السؤال بالجلود دون الجميع ، أنّ السمع والبصر أرفع من المادة ، وأقرب إلى الحياة والفهم ، بخلاف الجلود ـ وهي الفروج وما يتلوها في الحكم ـ فهي أوغل في المادة ، وشهادتها أعجب وأقطع .

وقوله تعالى : ( قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) ، جوابها لهم .

وقد عدلوا عن الشهادة إلى النطق ، ثمَّ إلى الإنطاق ؛ إشعاراً بأنّ الأمر إلى الله لا إليهم ، فلا وجه لعتابهم له بوضعهم موضع المستقلّ التامّ الاختيار في أمرهم ، بعد ما كان نطق كلّ شيء منه سبحانه وليس لشيء من الأمر شيء ؛ ولذا أردف ذلك بقوله : ( وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .

فالبدء والعَوْد كلاهما له سبحانه ، وهو القائم على كلّ نفس فليس سبحانه غائباً عن شيء ، بل هو الرقيب ، وإنّما يرقب الشيء بالشيء ، ويحتجب بالشيء عن الشيء ؛ ولذا أردفه سبحانه بقوله :( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ ) كأنّه يقول : ما كنتم تحتجبون عن شهادة الجوارح ، لا لأنّكم لا تحذرون منها ، ومن نتيجة شهادتها ، ولكن ظننتم استقلال الأشياء وغيبة الحقّ سبحانه عنها ، وأنّ كلّ واحد منها منفصل عن الحقّ ، ليس مرصاداً له سبحانه ، فظننتم أنّه لا يعلم كثيراً ممّا تعملون .

وهذه هي الغفلة عن الحقّ سبحانه ، وأنّه على كلّ شيء شهيد ، وأنّ كلّ ما يحضر عند شيء أو يعلمه شيء ، فهو حاضر عنده بعينه ، معلوم له بعينه :( وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ) .

واعلم أنّ هذا الأصل ـ وهو أنّ علم الوسائط وقدرتها وسائر كمالاتها بعينها له سبحانه ـ كثير الفروع في القرآن ، كقوله سبحانه :( وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ

ـــــــــــــ

(١) سورة فصّلت : الآيات ١٩ ـ ٢٣ .

١٢٦

فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (١) ، وقوله :( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) (٢) ، وقوله : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات ، فترى أنّه سبحانه خلط علمه بعلم الألواح والكتبة .

وبما مرّ من المعنى يظهر معنى قوله : ( ثمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٤) ، وقد تكرّر هذا اللفظ في القرآن كثيراً .

ثمَّ اعلم أنّه يتحصّل من الآيات المزبورة ، أنّ الحياة سارية في جميع الأشياء ؛ إذ إيجاد النطق والكلام عند شيء ليس شهادة منه إلاّ إذا كان الكلام له ، وهو الحياة وكذلك إفاضة الحياة يوم القيامة ـ فحسب ـ لشيء ، وإنبائه عن واقعة قبل اتّصافه بالحياة كوقائع الدنيا ، ليس شهادة منه ؛ إذ لا حضور ولا تحمّل .

وبهذا يظهر معنى قوله سبحانه وتعالى :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ) (٥) ، وقوله تعالى في وصف آلهتهم :( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (٦) .

ـــــــــــــ

(١) سورة يونس : الآية ٦١ .

(٢) سورة الزخرف : الآية ٨٠ .

(٣) سورة ق : الآيات ١٦ ـ ١٧ .

(٤) سورة التوبة : الآية ٩٤ .

(٥) سورة الأحقاف : الآيتان ٥ و ٦ .

(٦) سورة النحل : الآية ٢١ .

١٢٧

وفيما مرّ من المعاني أخبار كثيرة :

ففي (الكافي) عن الباقر في حديث : (وليست تشهد الجوارح على مؤمن ، إنّما تشهد على مَن حقّت عليه كلمة العذاب فأمّا المؤمن ، فيؤتى كتابه بيمينه) (١) الحديث .

أقول : يشيرعليه‌السلام إلى ما في ذيل آيات الشهادة المذكورة :( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) (٢) .

وفي (تفسير القمّي)(٣) و(الفقيه)(٤) عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى :( شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ ) (٥) الآية ، قال : (يعني بالجلود : الفرج والأفخاذ) .

وفي (تفسير القمّي) ، قالعليه‌السلام :(إذا جمع الله الخلق يوم القيامة ، دُفع إلى كلّ إنسان كتابه ، فينظرون فيه فينكرون أنّهم عملوا من ذلك شيئاً ، فتشهد عليهم الملائكة ، فيقولون : يا ربّ ، ملائكتك يشهدون لك ، ثمَّ يحلفون أنّهم لم يعملوا من ذلك شيئاً ، وهو قوله : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ) . فإذا فعلوا ذلك ، ختم على ألسنتهم وتنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون) (٦) .

ومن الشهداء : الزمان والمكان والأيّام الشريفة والشهور والأعياد والجمع

ـــــــــــــ

(١) الكافي : ٢ / ٥٨ ، الباب ٢٠٣ ، الحديث ١ .

(٢) سورة فصّلت : الآية ٢٥ .

(٣) تفسير القمّي : ٢ / ٢٦٨ .

(٤) ورد الحديث في وصيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام لابنه محمّد بن الحنفيّة (رضي الله عنه) ، حيث استشهد الإمام بقوله تعالى : (( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ ) ، يعني بالجلود : الفروج ) راجع : مَن لا يحضره الفقيه : ٢ / ٣٧٠ ، الباب ٢٢٧ ، الحديث ١ .

(٥) سورة فصّلت : الآية ٢٠ .

(٦) تفسير القمّي : ٢ / ٢٦٧ .

١٢٨

والأرض والبقاع والمساجد وغيرها ، قال سبحانه :( وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (١) .

والبيان المذكور آنفاً يوضّح هاهنا أنّ الأيّام من الشهود ، ويظهر به أنّ كلمة (من) في قوله : ( مِنْكُمْ ) ، ابتدائيّة لا تبعيضيّة ، والشهداء هي الأيّام .

وقال سبحانه :( ثمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) (٢) ، والبيان السابق عائد هاهنا أيضاً وقال سبحانه : ( وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) (٣) .

وفي الكافي : عن الصادق ، قال :(إنّ النهار إذا جاء قال : يا بن آدم ، اعمل فيَّ يومك هذا خيراً أشهدُ لك به عند ربّك يوم القيامة ، فإنّي لم آتكَ فيما مضى ، ولا آتكَ فيما بقي وإذا جاء الليل قال مثل ذلك) (٤) .

وروي هذا المعنى ابن طاووس في كتاب (محاسبة النفس) عن الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام (٥) .

وروى الصدوق في (العلل) عن عبد الله الزرّاد ، قال : سأل كهمس أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فقال : يصلّي الرجل نوافله في موضع أو يفرّقها ؟ فقال : (لا بل هاهنا وهاهنا ،

ـــــــــــــ

(١) سورة آل عمران : الآية ١٤٠ .

(٢) سورة لقمان : الآيتان ١٥ و ١٦ .

(٣) سورة الزلزلة : الآيات ٢ ـ ٥ .

(٤) الكافي : ٢ / ٤٤٧ ، الباب ٣٨٩ ، الحديث ١٢ .

(٥) محاسبة النفس : ١٥ .

١٢٩

فإنّها تشهد له يوم القيامة) (١) .

ومن الشهداء : القرآن والأعمال والعبادات ، وسيأتي ملخّص الكلام فيها في (فصل : الشفاعة) إن شاء الله .

واعلم أنّ البرهان أيضاً يفيد ما مرّ من شهادة الشهود ؛ فإنّ الأعمال لا تتحقّق بينها وبين شيء من الموجودات نسبة ، إلاّ وهي متحقّقة بين الذات وبين ذلك الموجود ، فإنّ الأعمال من تنزّلاتها ووجوداتها قائمة الذات بتلك الذوات فببقاء الذات تبقى الصادرات عنها بحسب ما يتحقّق بها من الوجود ، وببقائها تبقى النسب التي إلى الأشياء ، وببقاء النسب تبقى الأشياء ؛ ضرورة كون وجوداتها رابطة لا تتحقّق إلاّ بطرفين ، وبحياتها تحيي الجميع ، وبحضورها عن الحقّ سبحانه وبين يديه تعالى بتمام ذاتها وشهادتها وبيانها ما عندها له سبحانه يفعل الجميع ذلك ، والله العالم .

من المعلوم أنّ الحساب ـ وهو : كشف المجهول العددي باستعمال الطرق الموصلة إليه ـ إنّما يتأتّى بلحاظ ظرف العلم والجهل وأمّا إذا فرض نفس الواقع ـ مع الغضّ عن العلم والجهل ـ فلا موضوع لهذا المعنى الذي نسمّيه حساباً وإنّما الذي في الواقع والخارج هو ترتّب النتيجة على المقدّمات ، والمعلوم على العلّة ، فالوضع الذي هو (٦ × ٨ ـ ٣ × ٦) ، يتدرّج فيه باستعمال الأسباب والأعمال الحسابيّة للحصول على النتيجة ، وهي (٣٠) بالنسبة إلينا لجهلنا أوّلاً بذلك ، وتحصيلنا العلم بالحساب ثانياً ، إنّ النتيجة هي الثلاثون .

ـــــــــــــ

(١) علل الشرائع : ٢ / ٣٩ ، الباب ٤٦ ، الحديث ١ .

١٣٠

الفصل العاشر : في الحساب

وأمّا ما في الخارج ، فإنّما هو عدد مع عدد ، لا انفكاك بينهما ولا فصل ، أو ترتّب النتيجة على تراكم أُمور واقعيّة موجودة في الخارج، ليس بينهما فرجة زمانيّة ولا فاصلة مكانيّة .

وعلمه سبحانه بالأشياء الواقعيّة حيث كان عين تلك الأشياء الواقعيّة على ما تعطيه الأُصول البرهانية ، دون الصور المنتزعة عن الخارج مثل علومنا الحصوليّة ، كان القول في علمه سبحانه عين القول في الأُمور الواقعيّة ، فحسابه سبحانه عين حساب الواقع ، وهو ترتّب نتائج الأُمور عليها فيما كان هناك أثر مترتّب .

وقد أخبر سبحانه أنّ لكلّ شيء أثراً في جانبي السعادة والشقاوة يترتّب عليه في الدنيا ، قال سبحانه :( قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) (١) ، قال :( نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) (٢) ، وقال :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ ) (٣) ، وقال : ( ثمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ) (٤) ، وقال :( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ) (٥) ، وقال : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) (٦) .

ومن هذا الباب قوله سبحانه :( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) (٧) ، وقوله : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) (٨) .

والآيات في هذا المعنى كثيرة جدّاً ، وهي على كثرتها تفيد : أنّ نتائج الأُمور تتبعها لا محالة في الدنيا والآخرة ، كما أنّ البرهان أيضاً يفيد ذلك .

ـــــــــــــ

(١) سورة يوسف : الآية ٩٠ .

(٢) سورة يوسف : الآية ٥٦ .

(٣) سورة الأعراف : الآية ٩٦ .

(٤) سورة الروم : الآية ١٠ .

(٥) سورة الطلاق : الآيات ٨ ـ ١٠ .

(٦) سورة الزلزلة : الآيتان ٧ و ٨ .

(٧) سورة الشورى : الآية ٣٠ .

(٨) سورة التغابن : الآية ١١ .

١٣١

ثمَّ إنّ الأُمور ونتائجها لا توجد بنفسها ولا بإيجادها ، بل بإفاضة منه سبحانه لوجودها ، فاستتباعها نتائجها استفاضتها منه سبحانه لنتائجها المترتّبة عليها كما أنّ ارتزاق المرزوقين استفاضتها منه سبحانه ما يديم به بقاؤها من الوجود ، فالحساب كالرزق بوجه ، فلا تزال سحابة الفيض تشرب من بحر الرحمة وتمطر مطر الفيض على بحر الإمكان ، فكلّ قطرة لاحقة تستمدّ بها سابقتها ، وهو الرزق ، وترفع بها حاجتها التي تستحقّها وتقتضيها ، وهو الحساب فكما أنّ إفاضة الرزق لها دائم مستمرّ ضروري ، كما قال سبحانه : ( إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ) (١) ، فكلّ الحساب بينهما دائم مستمرّ ضروري .

وفي (النهج) سُئِلعليه‌السلام : كيف يحاسب الله الخلق على كثرتهم ؟ فقالعليه‌السلام :(كما يرزقهم على كثرتهم) ، فقيل : فكيف يحاسبهم ولا يرونه ؟ قال : (كما يرزقهم ولا يرونه) (٢) ، وهو أنفس كلام في هذا الباب .

وبالجملة : الأُمور ـ ومنها الأعمال ـ لا تنفكّ عن حسابها عند تحقّقها في الخارج أدنى انفكاك ، قال سبحانه : ( وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (٣) ، وقال سبحانه :( أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ) (٤) ، إذ مع اختصاص الحكم به سبحانه وعدم وجود حاكم غيره يضادّ بحكمه حكمَه ، ويدفع به أمرَه بنحو من الأنحاء : بإبطال وتعويق ، وتضعيف وإنظار ، لا يتصوّر لحكمه سبحانه بطء وتعويض وتأخير ، ولا يمكن فيه مساءة ولا صعوبة ولا يسر ولا عسر ولا غيرها .

فهذه المعاني إذا أُطلقت ، يراد بها حصول معانيها بالنسبة إلى إدراك المحاسَبيِن (بصيغة المفعول) كقوله سبحانه :( وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) (٥) ،

ـــــــــــــ

(١) سورة الذاريات : الآية ٢٣ .

(٢) نهج البلاغة : ٥٢٨ ، حِكم أمير المؤمنين ، رقم ٣٠٠ .

(٣) سورة الرعد : الآية ٤١ .

(٤) سورة الأنعام : الآية ٦٢ .

(٥) سورة الرعد : الآية ٢١ .

١٣٢

وقوله :( فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً ) (١) ، وقوله :( تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٢) .

وروى في (المجمع) عن أبي سعيد الخدري ، قال : قيل : يا رسول الله ، ما أطول هذا اليوم ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(والذي نفس محمّد بيده ، إنّه ليخفّف على المؤمن حتّى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا) (٣) .

وفيه ـ أيضاً ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال :(لو وَلِيَ الحساب غيرُ الله ، لمكثوا فيه خمسين ألف سنة من قبل أن يفرغوا ، واللهُ سبحانه يفرغ من ذلك في ساعة) (٤) .

أقول : وبهذين الخبرين يظهر معنى قوله تعالى : ( كَانَ ) الآية .

فيُخفّف ذلك على المؤمنين ؛ لأنّ وجوههم( يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ، فيرون الأمر على حقيقته( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ ) ، ويطول على الكافرين والفاسقين ؛ لـ( إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) . فالاختلاف من جانب الناس وغيره وأمّا بالنسبة إلى سبحانه ، فأمره واحد لا اختلاف فيه .

وبالجملة : فأمر الحساب كما عرفت جارٍ دائماً وأمّا اختصاص يوم القيامة بوقوع الحساب فيه ، فهو من قبيل اختصاصه في كلامه تعالى بخصال أُخرى غير مختصّة به ظاهراً ، كاختصاص المُلك يومئذٍ لله ، وبروز الناس يومئذٍ لله ، وكون الأمر يومئذٍ لله ، وغير ذلك وقد عرفت ـ فيما مرّ ـ معنى ذلك ، فوقوع الحساب فيه هو ظهور النتيجة حقيقةً بتمام المعنى ، فهو ظهور نتيجة الخِلقة ، ووصول الممكن إلى غاية سيره في سبيله من الله إليه ، قال سبحانه :( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ

ـــــــــــــ

(١) سورة الطلاق : الآية ٨ .

(٢) سورة المعارج : الآية ٤ .

(٣) و (٤) تفسير مجمع البيان : ١٠ / ٥٣١ .

١٣٣

مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) (١) ، وقال :( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) (٢) ، وقال :( وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ) (٣) .

ومن هنا يظهر أنّ الإنسان كلّما قرب من طريق السعادة ، ملازماً للصراط المستقيم ، كان الحساب عليه يسيراً ، فإنّه أقرب إلى النتيجة المقصودة من الخِلقة ، قال سبحانه :( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ) (٤) .

وكلّما بعد عن الحقّ ونكب عن مستقيم الصراط ، كان الحساب عليه عسيراً ؛ فإنّه أبعد عمّا أودع الله عزّ وجلّ في فطرته من نتيجة الخِلقة وغاية الوجود ، قال سبحانه :( فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ) (٥) ، وقال :( وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ) (٦) ، وقال :( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ ) (٧) .

وينتهي الأمر من الطرفين إلى مَن لا حساب له ، ممَّن لا يليه إلاّ ربّه ، فلا عمل له ، فلا كتاب ولا حساب ، وهم المخلَصون المقرّبون ، قال سبحانه : ( فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) (٨) .

وممّن لا مولى لهم فحبطت أعماهم ، فلا كتاب لهم فلا وزن ولا حساب .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأنبياء : الآية ٤٧.

(٢) سورة المؤمنون : الآية ١١٥ .

(٣) سورة النجم : الآية ٤٢ .

(٤) سورة الانشقاق : الآيتان ٧ و ٨ .

(٥) سورة المدّثر : الآيتان ٩ و ١٠ .

(٦) سورة النبأ : الآية ٤٠ .

(٧) سورة الحاقّة : الآيتان ٢٥ و ٢٦ .

(٨) سورة الصافّات : الآيتان ١٢٧ و ١٢٨ .

١٣٤

روي في (المعاني) عن الباقرعليه‌السلام ، قال :( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ محاسَب معذَّب ، فقال قائل : يا رسول الله ، فأين قول الله : ( فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ) ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذلك العرض يعني التصفّح) (١) .

أقول : وهذا حديث أطبق الفريقان على رواية معناه واتّفقوا على صحّته .

وروى العيّاشي وغيره بطُرق متعدّدة عن الصادقعليه‌السلام في قوله سبحانه :( وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) (٢) (إنّ معناه الاستقصاء (والمداقّة) ، وأنّه يحسب لهم السيّئات ، ولا يحسب لهم الحسنات) (٣) .

وممّا مرّ يتّضح أمر السؤال ، وهو من توابع الحساب ، فإنّ السؤال ، وهو استيضاح ما عند المسئول من حقيقة الأمر والأمر يومئذٍ يدور مدار تفريغ ما عند النفس بحسب الحقيقة من تبعاتها ولواحقها وأذنابها ، التي اكتسبتها من السعادة والشقاوة ، وتفريغ حسابها وتوفية نتيجته لها ، قال سبحانه : ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) (٤) ، وهي مكامن النفوس ، وقال سبحانه :( بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ) (٥) ، وقال سبحانه :( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ) (٦) ، وقال سبحانه :( وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ) (٧) .

ـــــــــــــ

(١) معاني الأخبار : ٢٦٢ ، باب كلّ محاسب معذّب ، الحديث ١ .

(٢) سورة الرعد : الآية ٢١ .

(٣) تفسير العيّاشي : ٢ / ٢٢٥ ، الحديث ٣٩ .

(٤) سورة الطارق : الآية ٩ .

(٥) سورة الأنعام : الآية ٢٨ .

(٦) سورة النساء : الآية ٤٢ .

(٧) سورة البقرة : الآية ٢٨٤ .

١٣٥

وما ورد أنّ الآية منسوخة بقوله تعالى :( إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) (١) ، فمعنى النسخ هو التفسير والبيان ، دون بيان غاية الكم وانقضائها ، فإنّ ذلك مختصّ بالشرائع والأحكام غير جائز في الحقائق .

وقال سبحانه :( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقال :( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) (٣) ، وقال :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) (٤) .

واعلم أنّ هذه الآيات تعطي عموم السؤال والحساب لجمع الأعمال والنِّعم ، وهو المحصّل من جماعة الأخبار .

ففي نوادر الراوندي بإسناده عن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(كلّ نعيم مسئول عنه يوم القيامة ، إلاّ ما كان في سبيل الله) (٥) .

وفي أمالي المفيد مسنداً عن ابن عيينة ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :(ما من عبد إلاّ ولله عليه حجّة ، إمّا في ذنبٍ اقترفه ، وإمّا في نعمةٍ قصّر عن شكرها) (٦) .

وفي كتاب الحسين بن سعيد ، عن الصادقعليه‌السلام :(الدواوين يوم القيامة ثلاثة : ديوان فيه النِّعم ، وديوان فيه الحسنات ، وديوان فيه الذنوب فيقابل بين ديوان النعم وديوان الحسنات ، فتستغرق عامّة الحسنات وتبقى الذنوب) (٧) ، والأخبار في هذه المعاني كثيرة .

ـــــــــــــ

(١) سورة النجم : الآية ٣٢ .

(٢) سورة الحجر : الآيتان ٩٢ ـ ٩٣ .

(٣) سورة الأعراف : الآية ٦ .

(٤) سورة الصافّات : الآية ٢٤ .

(٥) نوادر الراوندي : ١٣٧ ، الحديث ١٨٢ .

(٦) ورد في بحار الأنوار نقلاً عن أمالي المفيد : ٧ / ٢٦٢ ، باب ١١ محاسبة العباد ، الحديث ١٣ .

(٧) بحار الأنوار : ٧ / ٢٦٧ ، الباب ١١ كتاب العدل ، ح٣٤ .

١٣٦

وأجمعها معنى ما رواه الصدوق في (التوحيد) عن ابن أُذينة ، عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك ، ما تقول في القضاء والقدر؟ قال :(أقول : إنّ الله إذا جمع العباد يوم القيامة ، سألهم عمّا عهد إليهم ، ولم يسألوا عمّا قضي عليهم) (١) الحديث .

نعم ، روى أصحابنا عن عليّ والباقر والصادق والرضاعليهم‌السلام في قوله سبحانه :( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) (٢) أنّ المراد بالنعيم هو الولاية ، لا ما ترتفع به الحوائج الإنسانية من مأكول ومشروب وملبوس وغيرها .

فعن الصادقعليه‌السلام أنّه قال لأبي حنيفة :(بلغني أنّك تفسّر النعيم في هذه الآية بالطعام الطيّب والماء البارد في اليوم الصائف) ، قال : نعم ، قالعليه‌السلام :(لو دعاك رجل وأطعمك طعاماً طيباً ، وسقاك ماء بارداً ، ثُمَّ امتنّ عليك به ، إلى ما كنت تنسبه؟) قال : إلى البخل ، قالعليه‌السلام :(أفيبخل الله تعالى ؟! ) ، قال : فما هو ؟ قالعليه‌السلام :(حبّنا أهل البيت) (٣) .

وفي (الاحتجاج) عن عليّعليه‌السلام ـ في حديث ـ أن النعيم الذي يسأل عنه العباد :( رسول الله ومَن حلّ محلّه من أصفياء الله فإنّ الله أنعم بهم على من اتّبعهم من أوليائهم) (٤) .

وفي (المحاسن) عن أبي خالد الكابلي ، عن الباقرعليه‌السلام في حديث بعد ذكر الآية ، قالعليه‌السلام :(إنّما تسألون عمّا أنتم عليه من الحقّ) (٥) الحديث .

والاعتبار العقلي يساعد هذا المعنى ، فإنّ الولاية ـ وهي معرفة الله والتحقّق بها ـ

ـــــــــــــ

(١) التوحيد : ٣٥٤ ، الباب ٦٠ ، الحديث ٣ .

(٢) سورة التكاثر : الآية ٨ .

(٣) بحار الأنوار : ٧ / ٤٩ ، باب ١١ كتاب العدل ، مع اختلاف يسير .

(٤) الاحتجاج : ١ / ٣٣٢ .

(٥) المحاسن : ٢ / ١٦٣ ، الباب ٦ ، الحديث ٨٣ .

١٣٧

حيث كانت غاية الخلقة ، فلا غاية غيرها فكلّ إفاضة إنّما تكون نعمة وملائمة للكمال والراحة إذا وقعت في طريق الغاية ، أو لوحظت من حيث صحّة وقوعها في طريقها ، لكنّها بعينها إذا وقعت في طريق يضادّ الغاية صارت نقمة ، وإذا لم تقع في طريق أصلاً كانت لغواً باطلاً فكلّ شيء نعمة من حيث إيصاله الإنسان إلى ساحة الولاية وأمّا مع الغضّ عن ذلك ، فلا نعمة .

فصحّ أنّ النعمة المطلقة هي التوحيد والنبوّة والولاية كما في بعض الروايات وصحّ أنّ النعمة بالنسبة إلينا هي الولاية كما في بعض آخر ، فافهم والله الولي الحقّ .

الفصل الحادي عشر : في الجزاء

قال سبحانه :( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (١) .

ومجازاة المحسن بالجنّة والمسيء بالنّار فيها آيات كثيرة جدّاً ، وقد جعلها سبحانه أحد الدليلين على وقوع الحشر ، فقال :( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (٢) .

فإنّ الحكيم من حيث هو حكيم ، كما يستحيل أن يفعل فعلاّ لا غاية له ولا نتيجة متولّدة من فعله كما هو مفاد الدليل الأوّل ، كذلك يستحيل عليه أن يهمل أمر جماعة فيهم الصالح والطالح ، والظالم والمظلوم ، فلا يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .

ثمَّ إنّك ترى أنّه سبحانه أقرّ النسبة بين العمل والجزاء ، فالإحسان يجزى بالإحسان ، والإساءة تجازى بالإساءة .

ثمَّ جاوز وعده ووعيده مطلق الإحسان والإساءة ؛ فأيّد بذلك أنّ بين الأعمال وجزائها نِسباً خاصّة وارتباطات مخصوصة .

ـــــــــــــ

(١) سورة النجم : الآية ٣١ .

(٢) سورة ص : الآيتان ٢٧ و ٢٨ .

١٣٨

ثمَّ جاز كلامه سبحانه ذلك بأن أخبر بالعينيّة والإتّحاد بين العمل وجزائه ، قال سبحانه : ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) (١) .

فصدر الآية يحكي عن النسبة المذكورة ، ووسطها عن الاتّحاد بين العمل والجزاء ، وذيلها عن الجزاء العادل ، وهو سبب النسبة والعينيّة المذكورتين .

وما ذكرناه من معنى الحساب وحقيقته في الفصل السابق ، عائد هاهنا أيضاً إليه تعالى ، وقال سبحانه :( وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) (٢) ، وقال : ( وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) (٣) ، وقال :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالّة على أنّ ما يعمله الإنسان من خير أو شرّ سيُرَدّ إليه بعينه .

ثمَّ شرح سبحانه معنى هذه العينيّة فقال :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٥) ، فبيّن أنّ معصيتهم على كونها في هذه النشأة في صورة كتمان ما أنزل الله وشراء الثمن القليل بذلك ، فهي بعينها متصوّرة في الباطن بصورة أكل النّار كما ورد مثله في أكل مال اليتيم ظلماً .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأحقاف : الآية ١٩ .

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٨١ .

(٣) سورة البقرة : الآية ٢٨١ .

(٤٩ سورة الزلزلة : الآيتان ٧ و ٨ .

(٥) سورة البقرة : الآية ١٧٤ .

١٣٩

ثمَّ أردف سبحانه ذلك بقوله : ( أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) (١) ، فبيّن أنّ هؤلاء بدّلوا الهدى والمغفرة بهذا الضلال والعذاب والهدى والمغفرة مرتَّبان على الاستقامة والتقوى ، كما أنّ أكل النّار والضلالة والعذاب تترتّب على الكتمان والشراء المذكورين فالتعرّض منه سبحانه بالتبديل فيما يترتّب على المعاصي ، دون ظاهر نفس المعاصي ، وتبديله سبحانه أكل النّار وأخواته بمعنى عامّ ـ وهو الضلال والعذاب ـ بيان منه تعالى لكون تبديل صورة الأفعال مطّرداً في جانبي الطاعات والمعاصي جميعاً ، فافهم وتدبّر .

ثمَّ بيّن سبحانه ذلك في المؤمنين خاصّة فقال :( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ) (٢) ، وقال :( أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ) (٣) ، وهو روح الإيمان وقال : ( وَلَكِن جَعَلْنَاهُ) أي النور المنزل على رسول الله ( نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا ) (٤) ، وهو روح القدس وقال :( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) (٥) ، وقال :( لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) (٦) ، إلى غير ذلك من الآيات .

ـــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ١٧٥ .

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٥٧ .

(٣) سورة المجادلة : الآية ٢٢ .

(٤) سورة الشورى : الآية ٥٢ .

(٥) سورة الحديد : الآية ٢٨ .

(٦) سورة الحديد : الآية ١٩ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

[اختيار ابن ادريس(١) .

والقبول: ذهب اليه الشيخ في كتاب الشهادات من المبسوط(٢) وبه قال المفيد(٣) وتلميذه(٤) وابن حمزة(٥) وهو ظاهر الحسن(٦) وأبي علي(٧) واختاره المصنف(٨) والعلامة(٩) .

احتج المانعون: باصالة الاباحة، فلا تعارضها شهادة النساء الضعيفة.

واجيب: بالمنع من اصالة الاباحة، بل الاصل عصمة الفرج، والمعارضة بالاحتياط.

احتج الآخرون: بانه من الامور الخفية عن الرجال، وانما يعاينه النساء غالبا، فمست الحاجة إلى قبولها فيه، كغيرها من العيوب الخفية على الرجال كالعذرة].

____________________

(١)السرائر: باب شهادة النساء ص ١٨٧ س ٩ قال: ضرب لا يجوز قبولها على وجه، إلى قوله: والرضاع.

(٢)المبسوط: ج ٨ كتاب الشهادات ص ١٧٢ س ١٥ قال: والثالث إلى قوله: واربع نسوة وهو الوالدة والرضاع.

(٣)المقنعة: باب البينات ص ١١٢ س ٣١ قال: وتقبل شهادة امرأتين مسلمتين إلى قوله: والاستهلال والرضاع.

(٥)الوسيلة: فصل في بيان اعداد البينة ص ٢٢٢ س ٦ قال: وخامسها شهادة اربع نسوة إلى قوله: الرضاع.

(٦)و(٧) المختلف: ج ٢ فيما يقبل شهادة منفردات ص ١٦٤ قال: وقال شيخنا المفيد: يقبل شهادة النساء منفردات في الرضاع إلى قوله: وهو الظاهر من كلام ابن جنيد وابن أبي عقيل: إلى قوله: والوجه عندي القبول.

(٨)لاحظ عبارة النافع.

(٩)تقدم قوله آنفا.

٥٠١

[وبرواية عبدالله بن بكير عن بعض أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام في امرأة ارضعت غلاما وجارية؟ قال: يعلم ذلك غيرها؟ قلت: لا، قال: لا تصدق ان لم يكن غيرها(١) دل بمفهومه على تصديقها مع غيرها، وهو اعم من الرجال والنساء. وقدح فيه فخر المحققين من ثلاثة اوجه:

(أ) ضعف السند من ابن بكير.

(ب) ارسالها.

(ج) كونها دلالة مفهوم(٢) .

(المقام الثاني) على القول بقبولها في الرضاع، هل يفتقر فيه إلى اربع، ام لا؟ قيل فيه: اربعة أقوال: (الاول) اعتبار الاربع، ولا يكفي ما نقص عن ذلك، قاله العلامة(٣) وهو ظاهر المصنف، حيث قال في الشرائع: وكل موضع تقبل فيه شهادة النساء لا تقبل فيه اقل من اربع(٤) .

(الثاني) يقبل مادون الاربع ويقضي فيه بحسابه من ذلك كالوصية، وقد ذكرناها فيما مضى، وهو قول أبي علي وعبارته، وكل امر لا يحضره الرجال ولا يطلعون عليه فشهاة النساء فيه جائزة كالعذرة والاستهلال والحيض، ولا تقضى بالحق الا]

____________________

(١)التهذيب: ج ٧(٢٧) باب مايحرم من النكاح ومن الرضاع وما لا يحرم منه ص ٣٢٣ الحديث٣٨.

(٢)الايضاح: ج ٤ كتاب الشهادات ص ٣٤٥ س ١٩ قال: وفيه نظر الخ.

(٣)المختلف: ج ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٤ س ٦ قال: تنبيه، الظاهر انه لا يقبل في الرضاع الا شهادة اربع.

(٤)الشرائع: كتاب الشهادات، واما حقوق الآدمي، الثالث: ما يثبت بالرجال والنساء، قال في آخره، وكل موضع تقبل فيه شهادة النساء الخ.

٥٠٢

[باربعة منهن، فان شهد بعضهن فبحساب ذلك(١) .

(الثالث) قبول المرأتين فيما لا يراه الرجال كالعذرة وعيوب النساء والنفاس والحيض والاستهلال والرضاع، واذا لم يوجد على ذلك الا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه، قاله المفيد(٢) .

(الرابع) قبول الواحدة في الرضاع والحيض والنفاس والاستهلال والولادة والعذرة وعيوب النساء، قاله الحسن(٣) وسلار(٤) ولم يقيدا بحال الضرورة.

احتج العلامة: بان عادة الشرع في باب الشهادات، اعتبار المرأتين بالرجل، وانما تثبت الحقوق غالبا بشهادة رجلين، فيثبت ما لا يطلع عليه الرجال بما يساوى الرجلين اعتبارا بباقي الحقوق(٥) .

احتج الآخرون بصحيحة الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال: تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس(٦) .

وفي معناها روايات اخر(٧) ].

____________________

(١)و(٣) المختلف: ج ٢ فيما لاتقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٤ س ٧ قال: وقال ابن الجنيد: وكل امر لا يحضره الرجال إلى قوله: فان شهد بعضهن فبحساب ذلك إلى ان قال: وقال ابن أبي عقيل: اذا شهدت القابلة وحدها في الولادة، فشهادتها جائزة الخ.

(٢)المقنعة: باب البينات ص ١١٢ س ٣٢ قال: واذا لم يوجد على ذلك الا شهادة امرأة واحدة مامونة قبلت شهادتها.

(٤)المراسم: ذكر احكام البينات ص ٢٣٣ س ١٧ قال: وتقبل فيه (اي فيما لا يراه الرجال) شهادة امرأة واحدة اذا كانت مامونة.

(٥)المختلف: ج ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء ص ١٦٤ س ١٢ قال: لنا ان عادة الشرع في باب الشهادات الخ.

(٦)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٥٣٦ الحديث ٣٠ ولاحظ ما علق عليه.

(٧)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٩ الحديث ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ و ٢٩ وغيرها.

٥٠٣

[واجيب: بالقول بالموجب، فانا نقبلها في ربع الحق لصريح روايات.

منها صحيحة عمر بن يزيد عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل، فوضعت بعد موته غلاما، ثم مات الغلام بعدما وقع على الارض، فشهدت المرأة التي قبلها: انه استهل وصاح حين وقع على الارض، ثم مات قال: على الامام ان يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام(١) .

فالحاصل: ان المفيد اكتفى بالمرأتين مع القدرة وبالواحدة مع التعذر(٢) وسلار(٣) والحسن(٤) اختيارا، وابوعلي اعتبر الاربع(٥) واجاز بعضهن اختيارا لكن تقضى بحساب الشهادة، والعلامة اعتبر الاربع والغى مادونهن الا في الوصية والاستهلال فاجاز بالنسبة(٦) .

تنبيه: قبول النساء في الوصية

المشهور قبول النساء في الوصية والاستهلال وان وجد الرجال، والروايات دالة عليه وخالية عن قيد الاشتراط(٧) وقال في النهاية: وذلك لا يجوز الا عند عدم]

____________________

(١)الكافي: ج ٧ باب ما يجوز من شهادة النساء وما لا يجوز ص ٣٩٢ الحديث ١٢.

(٢)المقنعة: باب البينات ص ١١٢ س ٣١ قال: وتقبل شهادة امرأتين إلى قوله: واذا لم يوجد الا شهادة امرأة واحدة قبلت شهادتها.

(٣)المراسم: ذكر احكام البينات ص ٢٣٣ س ١٧ قال: وتقبل فيه شهادة امرأة واحدة.

(٤)و(٥) و(٦) المختلف: ج ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٤ س ٧ قال: وقال ابن الجنيد: إلى قوله: ولا يقضي به بالحق الا باربع منهن إلى قوله: وقال ابن أبي عقيل: اذا شهدت القابلة وحدها، فشهادتها جائزة، إلى قوله: لنا ان عادة الشرع في باب الشهادات اعتبار المرأتين بالرجل ثم قال: فيثبت ما لا يطلع عليه الرجال بما يساوي الرجلين الخ.

(٧)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٨ الحديث ٢٠ و ٢١ و ٢٤ وغير ذلك.

٥٠٤

وتقبل مع الرجال في الرجم على تفصيل يأتي. وفي الجراح والقتل بان يشهد رجل وامراتان، ويجب بشهادتهن الدية، لا القود، وفي الديون مع الرجال، ولو انفردن كامرأتين مع اليمين، فالاشبه عدم القبول.

[الرجال(١) وتبعه القاضي(٢) وابن ادريس(٣) .

قال طاب ثراه: وفي الديون مع الرجال. ولو انفردن كامرأتين مع اليمين فالاشبه عدم القبول.

أقول: مذهب الشيخ في الكتب الثلاثة القبول(٤) (٥) (٦) وبه قال القاضي(٧) وابن حمزة(٨) وابوعلي(٩) وهو ظاهر التقي(١٠) واختاره العلامة في المختلف(١١) ].

____________________

(١)النهاية: باب شهادة النساء ص ٣٣٣ س ١٥ قال: وذلك (اي القبول في الوصية) لا يجوز الا عند عدم الرجال.

(٢)المهذب: ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٩ س ٧ قال: وذلك لا يجوز التعويل عليه الا مع عدم الرجال.

(٣)السرائر: باب شهادة النساء ص ١٨٧ س ٢٤ قال: وتقبل شهادة امرأة واحدة إلى قوله: وذلك عند عدم الرجال.

(٤)النهاية: باب شهادة النساء ص ٣٣٣ س ٦ قال: وتقبل شهادتهن في الديون مع الرجال وعلى الانفراد.

(٥)المبسوط: ج ٨ كتاب الشهادات ص ١٧٤ س ٦ قال: اذا ادعى حقا هو مال إلى قوله: او بشاهد وامرأتين حكم له بذلك الخ.

(٦)الخلاف: كتاب الشهادات مسألة ٦٦ قال: لا تقبل شهادة النساء على الشهادة الا في الديون الخ.

(٧)المهذب: ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٨ س ٢٠ قال: وتقبل شهادتهن في الديون مع الرجال وعلى الانفراد الخ.

(٨)الوسيلة: فصل في بيان اعداد البينة وغيرها ص ٢٢٢ س ٤ قال: ورابعا شهادة رجلين او رجل وامرأتين إلى قوله: في المال، وما كان وصلة اليه، وس ١٤ قال: وتقبل شهادة النساء إلى قوله: ومع اليمين اذا لم يكن رجال وهى في موضعين في المال الخ.

(٩)و(١١) المختلف: ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٤ س ٢٥ قال: وهل يثبت بشهادة امرأتين ويمين المدعى إلى قوله: وبه قال ابن الجنيد ثم قال بعد اسطر: والوجه ما قاله الشيخ في النهاية.

(١٠)الكافي: فصل في الشهادات: ص ٤٣٦ س ٥ قال: ويقبل فيما عدى ذلك امرأتان برجل.

٥٠٥

[ومذهب ابن ادريس المنع(١) واختاره المصنف(٢) .

احتج الاولون: بان شهادة المرأتين كشهادة الرجل الواحد، وقد ثبت الحق بشهادته مع اليمين فكذا مساويه.

اما الاولى: فلقبول الرجل والمرأتين اجماعا في الدين.

ولوقوع التعادل في باب التعارض بين الشاهدين والشاهد والمرأتين، ولولا التساوي لما صح ذلك.

واما الثانية: فلقضاء العقل بتساوى حكم المتساويين، فأي دليل منع من ذلك؟ !.

واحتج ابن ادريس: باصالة براء‌ة الذمة.

وبأن جعلهما بمنزلة الرجل في هذا الموضع يحتاج إلى دليل شرعي، والاصل ان لا شرع، وحملهما على الرجل قياس، وهو عندنا باطل(٣) .

تحقيق وينقسم الحقوق إلى اقسام: (الاول) رؤية الاهلة، وثبوت ولاية القاضي.

والرشد في الذكور، ولا تقبل الا بشاهدين ذكرين، وهو اجماع.

اما الرشد في النساء، فتقبل فيه شهادة النساء قطعا.

وهل تقبل في بلوغهن؟ قال في باب الحجر من التحرير، نعم(٤) ، واطلق في باب]

____________________

(١)السرائر: كتاب الشهادات ص ١٨٢ س ٥ قال: والذي يقتضي النظر: انه لا يقبل شهادة امرأتين مع يمين المدعى وجعلهما بمنزلة الرجل يحتاج إلى دليل الخ.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

(٣)تقدم آنفا.

(٤)التحرير: ج ١، المقصد الرابع في الحجر ص ٢١٨ س ٣٠ قال: (يب) يثبت البلوغ والرشد إلى قوله: بشهادة النساء في النساء.

٥٠٦

[الشهادات منه(١) ومن القواعد: الاقتصار على الرجال في البلوغ(٢) ولم يفصل بين الذكور والاناث، وكذا الشهيد(٣) .

وفي صحيحة الحلبي عن الصادقعليه‌السلام : ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اجاز شهادة النساء في رؤية الهلال(٤) .

(الثاني) الجنايات

وفيها ثلاثة أقوال: (الاول) قبول المرأتين مع الرجل، ويثبت بذلك القود قاله المفيد(٥) وهو ظاهر الحسن(٦) .

(الثاني) عدم القبول اصلا قاله الشيخ في الخلاف(٧) وتبعه ابن ادريس(٨) .

(الثالث) القبول ويثبت بذلك مايوجب الدية ابتداء، كالخطا، وكسر العظام،]

____________________

(١)التحرير: ج ٢، الفصل الرابع في تفصيل الحقوق، ص ٢١٢ س ١٧ قال: (ب) حقوق الآدمي ثلاثة، منها ما لا يثبت الا بشاهدين إلى قوله: والبلوغ.

(٢)القواعد: ج ٢ في الشهادات ص ٢٣٨ س ٢١ قال: الثانية ماعدا الزنا مما فيه حق إلى قوله: ولا يثبت الا بشاهدين ثم قال: وكذا البلوغ.

(٣)اللمعة: ج ٣ في تفصيل الحقوق ص ١٤٢ س ١ قال: ومنه الاسلام والبلوغ.

(٤)عوالي اللئالي: ج ٣ س ٥٣٧ الحديث ٣٢ ولاحظ ماعلق عليه، واورده في المختلف: ج ٢ ص ١٦٣ س ٨.

(٥)لم اظفر عليه مع الفحص الطويل.

(٦)المختلف: ج ٢ فيما لا يقبل فيه شهادة النساء منفردا ص ١٦٣ س ٢ قال: وشهادة النساء مع الرجال جائزة اذا كن ثقات.

(٧)الخلاف: كتاب الشهادات مسألة ٤ قال: لا يثبت النكاح إلى قوله: والقتل الموجب للقود إلى قوله: ولا يثبت بشهادة رجل وامرأتين.

(٨)السرائر: باب شهادة النساء ص ١٨٧ س ١٧ قال: فان شهد رجل وامرأتان على رجل بالقتل او الجراح فقد ذهب شيخنا ابوجعفر في نهايته إلى قبولها والذي يقوى في نفسي خلاف ذلك وانها غير مقبولة الخ.

٥٠٧

[وكذا العمد وتجب به الدية دون القصاص قاله الشيخ في النهاية(١) وتبعه القاضي(٢) والتقي(٣) وهو مذهب أبي علي(٤) واختاره العلامة في المختلف(٥) .

احج الاولون: بما رواه الكناني عن الصادقعليه‌السلام : قال تجوز شهادة النساء في الدم(٦) .

ومثلها روايتي جميل بن دراج(٧) وزيد الشحام(٨) .

احتج المانعون: بما رواه ربعي عن الصادقعليه‌السلام قال: لا تجوز شهادة النساء في القتل(٩) .

ومثلها رواية محمد بن الفضيل(١٠) .

احتج المفصلون:، باشتمال ذلك على الجمع، والعمل بالقولين جميعا، فيمنع من القصاص اقتصارا في التسلط عليه موضع الاجماع، ولان فائت الدماء غير]

____________________

(١)النهاية: بيان شهادة النساء ص ٣٣٣ س ٢ قال: ويجوز شهادة النساء في القتل والقصاص اذا كان معهن رجال الخ.

(٢)المهذب: ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٨ س ١٨ قال: ويقبل شهادتهن في القتل والقصاص، ولا يقاد بها الخ.

(٣)الكافي: فصل في الشهادات ص ٤٣٦ س ٥ قال: ويقبل فيما عدى ذلك امرأتان برجل ولا يقتص بشهادتهن الخ.

(٤)و(٥) المختلف: ح ٢ في الشهادات ص ١٦٢ س ٢٥ قال: وابن الجنيد وافق كلام شيخنا في النهاية إلى قوله: وهو المعتمد.

(٦)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٧ قطعة من حديث١٦.

(٧)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٦ الحديث ١٤.

(٨)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٧ الحديث ١٥.

(٩)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٧ الحديث ١٩.

(١٠)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٣ قطعة من حديث٥.

٥٠٨

[مستدرك، ويحمل اخبار المنع عليه، ويوجب الدية حقنا للدم، لكيلا يطل دم امرء مسلم، ولمبالغة الشارع في التحفظ على الدماء، وصيانتها عن الاستهانة بامرها، ولهذا قيل فيها قسامة المدعي، واجازة شهادة الصبيان كيلا يجد الفاسق فرصة الخلوة بعدوه، فيثبت المدعي، حقه بالقسامة وبالصبيان، فالنساء اولى لرفع التهمة عن شهادتهن، وثبوت التكليف في حقهن، ويحمل اخبار القبول عليه.

تذنيب

وعلى القبول يشترط الضميمة مع الرجال في المشهور من فتاوى علمائنا.

وقال التقي: يقبل شهادة المرأتين في نصف دية النفس، او العضو، او الجراح، والواحدة في الربع(١) وهو غريب.

(الثالث) الحدود

فيها اربعة اقوال:

(الاول) المنع مطلقا قاله المفيد(٢) وهو ظاهر الحسن(٤) .

(الثاني) القبول مع الضميمة مطلقا، وان كان رجلا مع ستة نسوة ثبت الجلد لا الرجم، ولو كن اربع نسوة مع رجلين ثبت الرجم قاله في الخلاف(٥) وهو نادر،]

____________________

(١)الكافي: التكليف الثالث من الشهادات ص ٤٣٩ س ١٣ قال: وتقبل شهادة امرأتين في نصف دية النفس او العضو الخ.

(٢)المقنعة: باب البينات ص ١١٢ س ٣٣ قال: ولا تقبل شهادة النساء في النكاح والطلاق والحدود.

(٣)المراسم: ذكر احكام البينات ص ٢٣٣ س ١١ قال: وما تقبل فيه شهادة النساء إلى قوله: فالديون والاموال (ومن هذا الكلام يستفاد الانحصار).

(٤)المختلف: ج ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء منفردا ص ١٢٦ س ٣٩ قال: وقال ابن أبي عقيل: إلى قوله: وشهادة النساء مع الرجال جائزة في كل شئ اذا كن ثقات، قال: وهذا يعطي منع قبول شهادتهن في الزنا منفردات ومنضمات.

(٥)الخلاف: كتاب الشهادات مسألة ٢ قال: حقوق الله تعالى كلها لا تثبت بشهادة النساء الا

٥٠٩

[وقال في النهاية: اذا شهد رجل وست نسوة، حد الشهود للفرية(١) وهو المشهور.

(الثالث) القبول اذا زادت الضميمة على الواحد، فاذا شهد رجلان واربع نسوة ثبت الجلد على الزاني وان كان محصنا، لا الرجم، وان شهد امرأتان وثلاثة رجال ثبت الرجم قاله الشيخ في النهاية(٢) وتبعه القاضي في احد قوليه(٣) وابن حمزة(٤) وابن ادريس(٥) والمصنف(٦) والعلامة(٧) .

(الرابع) لا يقبل الا ثلاثة رجال وامرأتين، ويجب الرجم، وهو مذهب القاضي(٨) ]

____________________

الشهادة بالزنا فانه روى اصحابنا الخ.

(١)و(٢) النهاية: باب شهادة النساء ص ٣٣٢ س ١٦ قال: فان شهد رجل وست نسوة إلى قوله: جلدوا حد الفرية، وقال قبل ذلك بسطرين: وان شهد رجلان واربع نسوة بذلك إلى قوله: بل يحد حد الزاني.

(٣)المهذب: ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٨ س ١٧ قال: فان شهد ثلاثة رجال وامرأتان باحدهما لزم بها الرجم، وان شهد رجلان الخ.

(٤)الوسيلة: في بيان اعداد البينة ص ٢٢٢ س ١٨ قال: فان شهد ثلاثة رجال وامرأتان باحدهما لزم بها الرجم، وان شهد رجلان الخ.

(٥)السرائر: باب شهادة النساء ص ١٨٧ س ١١ قال: اذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان إلى قوله: وان شهد رجلان واربع نسوه الخ.

(٦)الشرائع: في اقسام الحقوق، حق الآدمي، قال: ويثبت الزنا خاصة بثلاثة رجال وامرأتين، ورجلين واربع نساء، غير ان الاخير لا يثبت به الرجم.

(٧)القواعد: ج ٢، الفصل الثاني في العدد ص ٢٣٨ س ١٨ قال: ويثبت الزنا خاصة بشهادة ثلاث رجال وامرأتين ويجب الرجم مع الاحصان الخ.

(٨)المهذب: ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٨ س ١٧ قال: وان شهد رجلان واربع نسوة، او رجل وست نساء بالزنا لم تقبل شهادتهم الخ.

٥١٠

[وظاهر الصدوقين(١) (٢) والتقي(٣) .

احتج المفيد بصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق قال: اذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان في الرجم لم يجز(٤) .

وروى غياث بن ابراهيم عن الصادق عن الباقر عن عليعليهم‌السلام قال: لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا قود(٥) .

واحتج الشيخ على دعوى الخلاف بعموم قولهعليه‌السلام للمرأة التي سألته عن حال نقصهن: اما نقص عقولكن فشهادة امرأتين بشهادة رجل(٦) ولم يخص بذلك في دين ولا غيره.

وبعموم هذا الحديث يتمسك كل من قبلها في النكاح والقصاص والوصية اليه، ويجريه على عمومه.

واحتج القاضي: بما رواه محمد بن الفضيل عن الرضاعليه‌السلام : ويجوز شهادتهن في حد الزنا اذا كانوا، ثلاثة رجال وامرأتان، ولا تجوز شهادة رجلين واربع نسوة في الزنا والرجم(٧) .

واحتج الشيخ على دعوى النهاية بحسنة الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال:]

____________________

(١)المختلف: ج ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٣ س ٦ قال: وقال علي بن بابويه في رسالته: ويقبل في الحدود اذا شهد امرأتان الخ.

(٢)المقنع: باب القضاء والاحكام ص ١٣٥ س ٢ قال: ولا بأس بشهادة النساء في الحدود اذا شهد امرأتان وثلاثة رجال.

(٣)الكافي: الشهادات ص ٤٣٨ س ١٥ قال: او ثلاثة وامرأتان في الزنا خاصة.

(٤)التهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٦٥ الحديث ١١٣.

(٥)التهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٦٥ الحديث ١١٤.

(٦)صحيح مسلم: ج ١(٣٤) باب بيان نقصان الايمان بنقصان الطاعات ص ٨٦ قطعة من حديث ١٣٢ ولفظه (قال: اما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل).

(٧)التهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٦٤ قطعة من حديث ١١٠.

٥١١

[سألته عن شهادة النساء في الرجم؟ فقال: اذا كان ثلاثة رجال وامرأتان(١) فهذه الرواية وامثالها تدل على وجوب الرجم بشهادة الثلاثة.

واما ما يدل على وجوب الجلد مع الرجلين والاربع فصحيحة الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اجاز شهادة النساء في الهلال، ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين واربع نسوة(٢) وهي بمفهومها تدل على ثبوت الجلد. التمسك بهما في غاية الضعف.

اما اولا: فلاشتمالها على قبول النساء في الهلال، وهو خلاف الاجماع.

واما ثانيا: فلضعف دلالة المفهوم.

والاقرب الاقتصار على الحكم الاول، وحد الشهود في الثاني لدم الدليل عليه، ولرواية محمد بن الفضيل عن الرضاعليه‌السلام : ويجوز شهادتهن في حد الزنا اذا كانوا ثلاثة رجال وامرأتان، ولا يجوز شهادة رجلين واربع نسوة في الزنا والرجم(٣) .

تذنيب

كلام الشيخ في النهاية يقتضي اختصاص القبول بالزنا دون غيره من الحدود كاللواط والسحق(٤) وهو اختيار الاكثر، وبه قال الصدوق(٥) ]

____________________

(١)التهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٦٤ الحديث ١٠٨.

(٢)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٥٣٧ الحديث ٣٢ وص ٥٣٨ الحديث ٤١ ورواه في المختلف: ج ٢ ص ١٦٣ س ٨.

(٣)التهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٦٤ قطعة من حديث ١١٠.

(٤)النهاية: باب شهادة النساء ص ٣٣٢ س ٧ قال: وضرب يجوز قبولها اذا كان معهن رجال، فانهقدس‌سره تعرض في هذا القسم باختصاص القبول في مورد الزنا ولم يتعرض لسائر الحدود.

(٥)المقنع: باب القضاء والاحكام ص ١٣٥ س ٢ قال: ولا بأس بشهادة النساء في الحدود الخ وهذا الكلام وان كان عاما الا ان في المختلف: ج ٢ ص ١٦٣ س ١٨ قال: أما الصدوق فقال: لا بأس بشهادة النساء في الزنا اذا شهد امرأتان وثلاثة رجال.

٥١٢

[والقاضي(١) والتقي(٢) والعلامة(٤) .

وعداه ابن حمزة إلى السحق(٥) وكلام الفقيه وأبي علي يقتضي التعميم في الحدود(٦)(٧) .

والاقرب: الاقتصار على الزنا، لعموم المنع من قبول شهادتهن في الحدود(٨) خرج الزنا بالنص(٩) فبقي الباقي على الاصل، ولان حصول الخلاف في ايجاب الجلد وعدمه لشبهة، دارئه للحد.

وهل يلحق الاقرار بالزنا بغيره من الاقارير، أو باصله في اعتبار الاربع؟ وجهان:]

____________________

(١)المهذب: ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٨ س ١٦ قال: واما الثاني فرجم المحصن بان يشهد ثلاثة رجال وامرأتان الخ ولم يذكر غيره.

(٢)الكافي: الشهادات ص ٤٣٨ س ١٥ قال: او ثلاثة رجال وامرأتان في الزنا خاصة.

(٣)الشرائع: كتاب الشهادات في اقسام الحقوق، قال: ويثتب الزنا خاصة بثلاثة رجال وامرأتين إلى قوله: ولا يثبت شي ء من حقوق الله تعالى بشاهد وامرأتين الخ.

(٤)و(٦) و(٨) المختلف: ج ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٣ س ٢٢ قال: والمعتمد مااختاره الشيخ في النهاية من الاقتصار في ذلك على الزنا خاصة، وقال قبل ذلك باسطر: قال علي بن بابويه: تقبل في الحدود اذا شهد امرأتان وثلاثة رجال، ثم قال: وكلام ابن الجنيد يقتضي التعميم.

(٥)الوسيلة: فصل في بيان اعداد البينة ص ٢٢٢ س ١٨ قال: والآخر في الزنا والسحق الخ.

(٧)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب مايجوز شهاة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٤ الحديث ٩ و ١٠ وفيهما: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا قود.

(٩)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٣ الحديث ٤ و ٥ وفيهما (تجوز شهادتهن في حد الزنا) وغيرهما لمن تتبع.

٥١٣

[الاول: مختار الشيخ في المبسوط(١) واختاره ابن ادريس(٢) والعلامة في التحرير(٣) .

والثاني: مذهبه في المختلف(٤) واختاره فخر المحققين(٥) .

وفائدة القبول: نشر الحرمة، وسقوط الحد عن القاذف لا ثبوت الحد عليه.

(الرابع) الاطلاق، وفي معناه الخلع، وفيه مذهبان.

المنع من قبول النساء فيه منفردات ومنضمات، نص عليه في النهاية(٦) والخلاف(٧) وبه قال الفقيهان(٨) (٩) والمفيد(١٠) وتلميذه(١١) والقاضي(١٢) ]

____________________

(١)المبسوط: ج ٨ كتاب الشهادات ص ١٧٢ س ٢٣ قال: والثالث ما اختلف فيه وهو الاقرار بالزنا، إلى قوله: وقال آخرون: يثبت بشاهدين كسائر الاقرارات وهو الاقوى عندي.

(٢)السارئر: كتاب الشهادات ص ١٨٢ س ٣ قال: يثبت بشاهدين كسائر الاقرارات وهو الاليق بمذهبنا الخ.

(٣)التحرير: ج ٢ كتاب الشهادات ص ٢١٦ س ٧ قال: (ط) لو اقر بالزنا إلى قوله: ثبت بالشاهدين ثم قال: ولا يثبت الحد الخ.

(٤)المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٧٥ س ٢٥ قال: والمعتمد: انه لا يثبت الا بشهادة اربعة عدول كالزنا.

(٥)الايضاح: ج ٤ كتاب الشهادات ص ٤٣٢ س ١٠ قال: والاول (اي الاقرار كالزنا) اختيار المصنف في المختلف وهو الاقوى عندي.

(٦)النهاية: باب شهادة النساء ص ٣٣٢ س ٩ قال: فاما ما لا يجوز قبول شهادة النساء فيه على وجه، إلى قوله: والطلاق.

(٧)الخلاف: كتاب الشهادات مسألة ٤ قال: لا يثبت النكاح والخلع والطلاق إلى قوله: الا بشهادة رجلين الخ.

(٨)المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٦٢ س ١٤ قال: وقد نص في الخلاف على المنع إلى قوله: وكذا ابنا بابويه.

(٩)المقنع: باب القضاء والاحكام ص ١٣٥ س ٣ قال: ولا تجوز شهادتهن في رؤية الهلال ولا في الطلاق.

(١٠)المقنعة: باب البينات ص ١١٢ س ٣٣ قال: ولا تقبل شهادة النساء في النكاح والطلاق والحدود.

(١١)المراسم: ذكر احكام البينات ص ٢٣٣ س ٩ قال: واما ما لا تقبل فيه الا شهادة الرجال، النكاح والطلاق والحدود الخ

(١٢) المهذب: ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٨ س ١٥ قال: فاما الاول (اي لا تقبل فيها شهادة النساء) فرؤية الهلال والطلاق والحدود.

٥١٤

[والتقي(١) وابن حمزة(٢) وابن ادريس(٣) واختاره المصنف(٤) والعلامة(٥) .

والقبول: قواه في المبسوط(٦) وهو ظاهر القديمان(٧) (٨) .

واحتج الاولون بقوله تعالى: " واشهدوا ذوي عدل منكم "(٩) والاقتصار في الذكر في معرض الارشاد، يفيد الاقتصار في الحكم على المذكور، ولاصالة بقاء النكاح.

وما رواه محمد بن الفصيل عن الرضاعليه‌السلام قال: لا يجوز شهادتهن في الطلاق ولا في الدم(١٠) .

وفي معناه روايات(١١) .

احتج الآخرون: بانه ازالة قيد النكاح فاشتبه اثباته، وهو قياس باطل].

____________________

(١)الكافي: فصل في الشهادات ص ٤٣٦ س ٤ قال: ولا تقبل شهادة النساء إلى قوله: ولا الطلاق.

(٢)الوسيلة: فصل في بيان اعداد البينة وغيرها ص ٢٢٢ س ٢١ قال: ولا تقبل شهادة النساء إلى قوله: والنكاح والطلاق.

(٣)السرائر: باب شهادة النساء ص ١٨٧ س ١٠ قال: فالاول (اي لا يجوز لها) رؤية الاهلة والطلاق والرضاع.

(٤)لاحظ عبارة النافع.

(٥)و(٧) و(٨) المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٦٢ س ١٦ قال: والمعتمد المنع، وقال قبله: وقوى في المبسوط قبول شهادتهن فيه (اي في الطلاق) مع الرجال، وهو ظاهر كلام القديمين ابن أبي عقيل وابن الجنيد.

(٦)المبسوط: ج ٨ كتاب الشهادات ص ١٧٢ س ٦ قال: احدها، لا يثبت الا بشاهدين ذكرين إلى قوله: كالنكاح والخلع والطلاق إلى قوله: وقال بعضهم: يثبت جميع ذلك بشاهد وامرأتين وهو الاقوى.

(٩)الطلاق: ٢.

(١٠)التهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٦٤ قطعة من حديث ١١٠.

(١١)التهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٦٤ الحديث ١٠٩ و ١١١ و ١١٢.

٥١٥

[(الخامس) النكاح وفيه قولان: المنع من قبول قولهن، قاله في الخلاف(١) وبه قال المفيد(٢) وتلميذه(٣) وابن حمزة(٤) وابن ادريس(٥) .

والقبول، قاله الصدوقان(٦) (٧) وابوعلي(٨) والشيخ في كتابي الاخبار(٩) (١٠) واختاره العلامة(١١) .

احتج الاولون: بما رواه اسماعيل بن عيسى قال: سألت الرضاعليه‌السلام : هل يجوز شهادة النساء في التزويج من غيره ان يكون معهن رجل؟ قال: هذا لا يستقيم(١٢) .

وفي معناها رواية السكوني(١٣) .

وحملها العلامة على القبول على الانفراد، ونحن نقول به، بل لابد من انضمامهن إلى الرجال(١٤) ].

____________________

(١)و(٢) و(٣) و(٤) تقدمت آنفا في المنع من قبول قولهن في الطلاق.

(٥)السرائر: باب شهادة النساء ص ١٨٧ س ٢٧ قال: ولا يقبل شهادة النساء في عقد النكاح.

(٦)و(٨) و(١١) المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٦١ س ٣٥ قال: واما ابنا بابويه وابن الجنيد فانهم قبلوا شهادتهن فيه (اي في النكاح) إلى قوله: وهو الاقوى.

(٧)المقنع: باب القضاء والاحكام ص ١٣٥ س ١ قال: ولا بأس بشهادة النساء في النكاح والدين.

(٩)التهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٨٠ قال بعد نقل حديث ١٧٤: قال محمد بن الحسن: هذا الخبر محمول على احد وجهين: احدهما ان يكون ورد مورد التقية الخ.

(١٠)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٥ قال بعد نقل حديث ١١ فلا ينافي ما تقدم إلى قوله: والوجه الآخر ان نحمله على التقية.

(١٢)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٥ الحديث ١١.

(١٣)الاستبصار: ج ٣(١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لايجوز ص ٢٥ الحديث ١٢.

(١٤)المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٦٢ س ٦ قال: والجواب انا نقول بالموجب فانا نمنع من قبول شهادتهن على الانفراد.

٥١٦

[والشيخ على خروجها مخرج التقية(١) .

احتج الاخرون بما رواه محمد بن الفضيل قال: سألت الرضاعليه‌السلام قلت له: تجوز شهادة النساء في نكاح، او طلاق، او في رجم؟ قال: يجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال ان ينظروا اليه وليس معهن رجل، ويجوز شهادتهن في النكاح اذا كان معهن رجل(٢) .

ومثلها رواية زرارة عن الباقرعليه‌السلام قال سألته عن شهادة النساء يجوز في النكاح؟ قال: نعم، ولا تجوز في الطلاق(٣) .

تذنيب: هل يقبل الشاهد واليمين

وهل يقبل الشاهد واليمين؟ اكثر الاصحاب على المنع وقال العلامة: نعم اذا كان المدعي المرأة(٤) لانها تدعي المهر والنفقة. وينبغي ان يقيد ذلك بكون الدعوى بعد التسمية، او الدخول، فلو كان قبل الدخول ولا تسمية لم تستحق احدهما.

والاقرب المنع: لان المال غير مقصود في النكاح، بل المقصود السنة والاحصان وحصول النسل، ويتبعه مذهب فخر المحققين(٥) ].

____________________

(١)تقدم آنفا.

(٢)التهذيب ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٦٤ قطعة من حديث ١١٠.

(٣)التهذيب: ج ٦(٩١) باب البينات ص ٢٦٥ قطعة من حديث ١١١.

(٤)القواعد: ج ٢، في اليمين مع الشاهد ص ٢١٣ س ٢٢ قال: اما النكاح فاشكال اقربه الثبوت ان كان المدعي الزوجة.

(٥)الايضاح: ج ٤ في اليمين مع الشاهد ص ٣٤٨ س ١٥ قال بعد نقل قول المصنف: فيه نطر، فان المقصود من النكاح الاحصان واقامة السنة الخ.

٥١٧

[(السادس) الرضاع، وفيه مذهبان.

القبول: منضمات ومنفردات قال الشيخ في المبسوط(١) وبه قال المفيد(٢) وتلميذه(٣) وابن حمزة(٤) وهو ظاهر القديمين(٥)(٦) واختاره المصنف(٧) والعلامة(٨) .

والمنع: قاله الشيخ في الخلاف(٩) وموضع من المبسوط(١٠) وبه قال ابن ادريس(١١) .

احتج الاولون بما رواه عبدالله بن بكير عن بعض اصحابنا عن الصادقعليه‌السلام في امرأة رضعت غلاما وجارية؟ قال: تعلم ذلك غيرها؟ قلت: لا قال:]

____________________

(١)المبسوط: ج ٨ كتاب الشهادات ص ١٧٢ س ١٥ قال: والثالث مايثبت بشاهدين وشاهد وامرأتين واربع نسوة وهو الولادة والرضاع.

(٢)المقنعة: باب البينات ص ١١٢ س ٣١ قال: وتقبل شهادة امرأتين إلى قوله: والولادة والاستهلال والرضاع.

(٣)المراسم: ذكر احكام البينات ص ٢٣٣ س ١٥ قال: واما ماتوخذ فيه شهادة النساء إلى قوله: والولادة والاستهلال والرضاع.

(٤)الوسيلة: فصل في بيان اعداد البينة ص ٢٢٢ س ٦ قال: وخامسها: شهادة اربع نسوة إلى قوله: الرضاع والولادة.

(٥)و(٦) و(٨) المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٦٤ س ١ قال: وهو (اي القبول في الرضاع) الظاهر من كلام ابن الجنيد وابن أبي عقيل، إلى قوله: والوجه عندي القبول.

(٧)لاحظ عبارة النافع.

(٩)الخلاف: كتاب الشهادات مسألة ٩ قال: ولا تقبل في الرضاع اصلا.

(١٠)المبسوط: ج ٥ كتاب الرضاع ص ٣١١ س ٧ قال: شهادة النساء لا تقبل في الرضاع عندنا.

(١١)السرائر: باب شهادة النساء ص ١٨٧ س ١٠ قال: فالاول رؤية الاهلة والطلاق والرضاع إلى قوله: لا يجوز قبول شهادة النساء في ذلك وان كثرن.

٥١٨

[لا تصدق ان لم يكن غيرها(١) .

دل بمفهومه على الحكم بصدقها لو كان غيرها، وهو اعم من الرجال والنساء.

ومفهوم قولهعليه‌السلام في بيان نقص عقولهن: كون المرأتين برجل(٢) ولم يخص بذلك حكما دون حكم.

ولانه مما يتعسر اطلاع الرجال عليه في الاغلب، فالاقتصار على الرجال عسر وحرج، فيكون منفيا لالآية(٣) والرواية(٤) .

احتج الآخرون: باصالة الاباحة حتى يحصل اليقين بالحرمة، ولا يقين مع حصول الخلاف.

ولعموم قوله تعالى: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء "(٥) .

واجيب بمعارضة الاصل بالاحتياط، والآية مخصوصة.

(السابع) التوكيل والوصية اليه والعتق والنسب والكتابة، وفيه قولان: المنع: قاله في الخلاف(٦) وهو المشهور.

والقبول مع الرجال: قواه في المبسوط(٧) واختاره العلامة في العتق والكتابة ومنع في الباقي(٨) ].

____________________

(١)التهذيب: ج ٧(٢٧) باب مايحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ص ٣٢٣ الحديث ٣٨.

(٢)صحيح مسلم: ج ١(٣٤) باب بيان نقصان الايمان بنقصان الطاعات ص ٧٦ قطعة من حديث ١٣٢ قال: شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل.

(٣)البقرة: ١٨٥ والحج: ٧٨.

(٤)الكافي: ج ٣ باب الجبائر والقروح والجراحات ص ٣٣ الحيدث ٤.

(٥)النساء ٣.

(٦)الخلاف: كتاب الشهادات مسألة ٤ قال: لا يثبت إلى قوله: والوكالة والوصية اليه والعتق النسب إلى قوله: الا بشهادة رجلين.

(٧)المبسوط: ج ٨ كتاب الشهادات ص ١٧٢ س ٨ قال: وقال بعضهم يثبت جميع ذلك بشاهد وامرأتين، وهو الاقوى الا القصاص.

(٨)المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٦٤ س ٢١ قال: ومنع في الخلاف من القبول فيتعين العمل به الا العتق والكتابة فان الاقرب القبول.

٥١٩

[فرع لو علق عتق العبد في النذر بالولادة، فشهد بها اربع نساء يثبت الولادة ولم يثبت العتق قاله العلامة في القواعد(١) بناء منه على عدم ثبوت العتق بالنساء. وفيه نظر.

(الثامن) الوديعة والجناية الموجبة للقود.

قوى في المبسوط قبول المرأتين مع الشاهد(٢) ومنع في الخلاف(٣) لانهما ليسا مالا ولا المقصود منه المال، قال العلامة: والوجه القبول لان الوديعة مال ان ادعاها المالك، وان ادعى الايداع المستودع كان الحق ما قاله الشيخ. والجناية الموجبة للقود يثبت بها الدية خاصة، هذا آخر كلامه(٤) .

(التاسع) المال سواء كان دينا كالقرض، او عينا، يثبت بشاهد وامرأتين اجماعا، وبشاهد ويمين، وهل يقبل شهادة امرأتين مع يمين المدعي؟ تقدم البحث فيه وحققناه.

(العاشر) الولادة والاستهلال، والوصية بالمال، وعيوب النساء تحت الثياب]

____________________

(١)القواعد: ج ٢ في الشهادات ص ٢٣٩ س ١٢ قال: ولو علق العتق بالنذر على الولادة فشهد اربع نساء بها يثبت ولم يقع النذر.

(٢)المبسوط: ج ٨ كتاب الشهادات ص ١٧٢ س ٨ قال: والوديعة والجناية الموجبة للقود إلى قوله يثبت جميع ذلك بشاهد وامرأتين.

(٣)الخلاف: كتاب الشهادات مسألة ٤ قال: لا يثبت القتل الموجب للقود والوديعة الا بشهادة رجلين.

(٤)المختلف: ج ٢ في الشهادات ص ١٦٤ س ٢٣ قال: والوجه القبول، لان الوديعة إلى آخره.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553