المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116703 / تحميل: 7648
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والمدبر رق ويتحرر بموت المولى من ثلثه.والدين مقدم على التدبير، سواء كان سابقا على التدبير، او متأخرا، وفيه رواية بالتفصيل متروكة ويبطل باباق المدبر، ولو اولد له في حال اباقه كان اولاده رقا.

[(أ) حكم الصلح حكم البيع.

(ب) حكم الرهن كذلك، أي يكون الرهن منصرفا إلى الخدمة، فان باعه في دينه باع الخدمة خاصة.

(ج) لو ارتد المولى، فان كان عن غير فطرة لم يبطل قطعا لبقاء الملك، وان كان عن فطرة، فعلى قول الشيخ يكون التدبير باقيا، فان مات المدبر او قتل انعتق المدبر، ويكون المنتقل إلى الوارث بنفس الارتداد انما هو الخدمة لا غير، كما لو باعه، وعلى القول المختار يبطل التدبير، لخروج الملك عنه بالارتداد وانتقال تركته إلى الوارث، فهو كالبيع في اقتضائه البطلان لنقل الملك، ويحتمل عتقه بمجرد الارتداد لان الرده بمنزلة الموت، ولهذا يملك الوارث التركة فينعتق بها.

قال طاب ثراه: والدين مقدم على التدبير سواء كان سابقا على التدبير او متاخرا، وفيه رواية بالتفصيل متروكة.

أقول: الاصل ان التدبير بمنزلة الوصية، فلا يزاحم الديون، بل تقدم الديون عليه، ولا قرق بين ان يكون التدبير سابقا على تعلق الدين بالذمة، او متاخرا، وهو اختيار ابن ادريس(١) والمصنف(٢) والعلامة(٣) ].

خاتمة

اجمعت الامة على تحريم بيع ام الولد في غير ثمنها مع حياة ولدها، ويجوز التصرف فيها بغير البيع من الوطئ، والاستخدام، والاجارة، والتزويج، ويصح تدبيرها، وفي كتابتها قولان: اقواهما المنع.

وعلى القول بالصحة: لو مات السيد قبل الاداء تعجل عتقها من نصيب ولدها].

____________________

(١)السرائر: باب التدبير ص ٣٥١ س ١٠ فانه بعد نقل قول الشيخ في النهاية قال: لا خلاف بيننا ان التدبير بمنزلة الوصية يخرج من الثلث ولا يصح الا بعد قضاء الديون.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

(٣)المختلف: ج ٢ في احكام التدبير ص ٨٥ س ١٣ قال: والمعتمد ان التدبير ان كان واجبا بنذر وشبهه إلى قوله: وان كان تبرعا بطل الخ.

٨١

ويجوز بيعها عندنا في مواضع:

(الاول) اذا مات ولدها عادت إلى محض الرق عندنا، وعند المخالف حكم الاستيلاد باق وتنعتق بموت سيدها، ويجوز التصرف فيها عندهم بغير البيع كالاستخدام والتزويج.

(الثاني) اذا أفلس بثمنها وليس له وفاء الا منها بيعت في الدين، وهو المشهور عند علمائنا صرح به القاضي(١) وابن حمزة(٢) وابوعلي(٣) واختاره المصنف(٤) والعلامة(٥) ونقل ابن ادريس عن السيد: انه لا يجوز بيعها ما دام الولد حيا(٦) والروايات بالاول(٧) ولا فرق بين حياة السيد وموته، وفي النهاية: اذا لم يخلف غيرها وكان ثمنها دينا على مولاها قومت على ولدها ويترك إلى ان يبلغ، فاذا بلغ اجبر على ثمنها، فان مات قبل البلوغ بيعت في ثمنها وقضي منه الدين(٨) وبالغ ابن]

____________________

(١)لم اظفر به في كتاب المهذب الذي بايدينا ولعله اورده في كتاب الدين، وليس هو في المطبوع، ولكن قال في الايضاح: ج ٣ ص ٦٣٦ س ١٢ والشيخان وابن البراج اطلقوا القول بجواز بيعها في ثمن رقبتها مع إعسار المولى الخ.

(٢)الوسيلة: في بيان بيع الحيوان ص ٢٤٨ س ١ قال: وام الولد (أي يجوز بيعها) اذا مات ولدها، او في ثمن رقبتها مع بقاء الولد.

(٣)الايضاح: ج ٣ ص ٦٣٦ س ١١ قال: نص ابن الجنيد وابن ادريس على عدم اشتراط موت المولى في جواز بيعها في ثمن رقبتها اذا لم يكن لمولاها سواها.

(٤)لاحظ عبارة النافع.

(٥)المختلف: في الاستيلاد ص ٩٦ س ١٦ قال: مسألة المشهور انه لا يجوز بيع ام الولد إلى قوله: ونحن في هذه المسألة من المتوقفين، ولكن في الايضاح: نقلا عن القواعد ص ٦٣٦ س ٣ ما لفظه: وكذا يجوز بيعها مع وجود ولدها الخ ولا يخفى ان هذه الجملة في القواعد المطبوعة مسطور عليها.

(٦)السرائر: باب امهات الاولاد ص ٣٤٨ س ١٧ قال: وقال السيد المرتضى: لا يجوز بيعها مادام الولد باقيا الخ.

(٧)الوسائل: الباب ٢ من ابواب الاستيلاد الحديث ١.

(٨)النهاية: باب امهات الاولاد ص ٥٦٧ س ٤ قال: فان لم يخلق غيرها وكان ثمنها دينا على مولاها قومت على ولدها الخ.

٨٢

[ادريس في منع هذا الحكم بمخالفته الاصل من وجهين (أ): اجبار الولد ولا وجه له، والاصل عدمه.

(ب) تاخير الدين وفيه اضرار بصاحبه، وهو منفي لقولهعليه‌السلام : لا ضرر ولا ضرار(١) .

وصوبه العلامة(٢) لكن الشيخرحمه‌الله عول في ذلك على موثقة وهب بن حفص عن أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام (٣) .

(الثالث) اذا اسلمت تحت الذمي بيعت عليه عملا بالعموم الدال على بيع المسلم على الكافر(٤) واختاره الشيخ في المبسوط(٥) وابن ادريس(٦) وقال في الخلاف: تجعل عند امرأة مسلمة ويؤمر بالانفاق عليها حتى يسلم، او يموت هو فينعتق ولدها فتباع(٧) وقال العلامة: ونعم ما قال: تستسعى في قيمتها فاذا ادت القيمة اعتقت(٨) لان البيع مع وجود الولد منهي عنه، وكذا إبقائها في يد المولى لنص الاية(٩) وعتقها مجانا اضرار بالمولى، وكذا الحيلولة، فيتعين الاستسعاء].

____________________

(١)السرائر: باب امهات الاولاد ص ٣٤٨ س ٢٨ فانه بعد نقل قول الشيخ في النهاية قال: وهذا الذي ذكره غير صحيح ولا واضح الخ ولا يخفى انه اجاب عن النهاية به اجوبة ثلاثة نقضا وطردا فلاحظ.

(٢)المختلف: في الاستيلاد ص ٩٥ س ٢٢ فانه بعد نقل قول ابن ادريس قال: وقول ابن ادريس جيد.

(٣)التهذيب: ج ٨(٢) باب التدبير ص ٢٦١ الحديث ١٢.

(٤)الوسائل: ج ١٢، الباب ٢٨ من ابواب عقد البيع وشروطه ص ٢٨٢ الحديث ١ نقلا عن النهاية.

(٥)المبسوط: ج ٦ كتاب امهات الاولاد ص ١٨٨ س ٢١ قال: اذا كان لذمي ام ولد منه فاسلمت إلى قوله: وتباع عندنا.

(٦)السرائر: كتاب امهات الاولاد ص ٣٤٨ س ٢٤ قال: اذا كان لذمي ام ولد فاسلمت إلى قوله: فانها تباع عليه.

(٧)كتاب الخلاف: كتاب امهات الاولاد، مسألة ٢ قال: وتكون عند امرأة مسلمة تتولى القيام بحالها الخ.

(٨)تقدم آنفا.

(٩)قال تعالى: (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) سورة النساء / ١٤٠.

٨٣

[(الرابع) اذا مات سيدها وعليه دين يحيط بالتركة قال ابن حمزة: قومت على ولدها فاذا بلغ الزم اداء‌ه، وان لم يكن له مال استسعى فيه، فان مات قبل البلوغ بيعت في الدين(١) اعتمادا على رواية أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام (٢) ، وقيل: لا تباع لان الاستيلاد اتلاف، ولرواية عمر بن يزيد عن الكاظمعليه‌السلام إلى ان قال: قلت: فيباع سوى ذلك من دين قال: لا(٣) ، واختار الشهيد بيعها لنصهم على عتقها من نصيب الولد، ولا ارث الا بعد الدين(٤) وتوقف العلامة في المختلف(٥) .

وفي هذه المسألة اذن (اربعة خ) اقوال: (الاول) بيعها وهو قول الشهيد.

(الثاني) عدمه مطلقا قاله بعض الاصحاب.

(الثالث) بيعها مع تعذر استيفاء الدين من الولد ولو باستسعائه وهو قول ابن حمزة.

(الرابع) التوقف وهو قول العلامة.

(الخامس) اذا حملت بعد الارتهان لتعلق حق المرتهن بها سابقا على حق الاستيلاد].

____________________

(١)الوسيلة: فصل في بيان احكام امهات الاولاد ص ٣٤٣ س ١٣ قال: قومت على ولدها الخ.

(٢)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه ص ٢٣٨ الحديث ٩٤.

(٣)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه ص ٢٣٨ قطعة من حديث ٩٥.

(٤)اللمعة الدمشقية: الطبعة الحديثة ج ٣ ص ٢٥٧ س ٢ قال: اما مع حياته (أي حياة الولد) فلا يجوز بيعها الا في ثمانية مواضع، احدها في ثمن رقبتها مع اعسار مولاها الخ.

(٥)تقدم نقله عن المختلف: ص ٩٦ س ٢٣ فانه بعد نقل قول المشهور وابن حمزة قال: ونحن في هذه المسألة من المتوقفين.

٨٤

[(السادس) تباع لتحوز الارث وهو إجماع.

(السابع) تباع في الجناية على اصح القولين.

(الثامن) اذا اعسر مولاها بنفقتها، تفصيا من الضرر.

(التاسع) اذا حملت بعد التفليس والحجر على امواله، وفي هذه وفي المرهونة خلاف.

(العاشر) تباع على من تعتق بملكه لها.

(الحادي عشر) تباع بشرط العتق، لحصول المقصود، والاقرب المنع.

(الثاني عشر) اذا ارتد ولدها عن فطرة لانه في حكم الميت.

(الثالث عشر) اذا كان ولدها كافرا وهناك ورثة مسلمون.

(الرابع عشر) اذا كان قاتلا.

٨٥

٨٦

٨٧

فرع

لو مات ولدها من ولد، هل تباع؟ فيه ثلاثة اوجه: (الاول) البيع مطلقا لورود النص على الولد.

(الثاني) عدمه مطلقا، لانه ولد حر.

(الثالث) بيعها إن لم يكن وارثا، وهو المعتمد، لارثه نصيبا من جدته، فتعتق عليه.

كتاب الاقرار والنظر في الاركان واللواحق الركن الاول : الاقرار

وهو اخبار الانسان بحق لازم له، ولا يختص لفظا، وتقوم مقامه الاشارة.

مقدمة: ألاقرار اخبار الانسان عن حق لازم له، أى للمقر، وبالقيد الاخير ينفصل عن الشهادة، لاشتراك الشهادة والاقرار في مطلق الاخبار، وانفصل الاقرار بكون اللزوم للمخبر، والشهادة لغيره.

وحكمه ثابت بالكتاب، والسنة، والاجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى: (قال ء‌أقررتم..قالوا أقررنا قال فاشهدوا)(١) وقال تعالى: (فليملل وليه بالعدل)(٢) أي فليقر وليه بالحق غير زائد ولا ناقص،]

____________________

(١)سورة آل عمران / ٨١.

(٢)سورة البقرة / ٢٨٢.

٨٨

لو قال: لى عليك كذا، فقال: نعم أو أجل فهو اقرار.

وكذا لو قال: أليس لي عليك كذا؟ فقال: بلى، ولو قال: نعم قال الشيخ: لا يكون اقرارا، وفيه تردد.

[وقال تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم)(١) والشهادة على النفس هو الاقرار عليها.

وأما السنة فما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فانه من يبدي لنا صفحته نقم عليه حد الله(٢) وقولهعليه‌السلام : أغد يا أنيس على إمرأة هذا فان أقرت فارجمها(٣) وقولهعليه‌السلام لماعز بن مالك: ألان أقررت أربعا(٤) وايضا فانه رجم العامدية والجهنية باقرارهما كما رجم ماعزا باقراره(٥) .

واما الاجماع: فلا خلاف بين الامة في صحته ولزوم الحق به وان اختلفوا في مسائله.

قال طاب ثراه: وكذا لو قال: اليس لى عليك كذا؟ فقال: بلى، ولو قال: نعم قال الشيخ: لا يكون اقرارا وفيه تردد].

____________________

(١)سورة النساء / ١٣٥.

(٢)الموطأ: ج ٢ كتاب الحدود(٢) باب ماجاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا، الحديث ١٢ ورواه الشيخ في المبسوط: ج ٣ كتاب الاقرار.

(٣)صحيح مسلم(٣) كتاب الحدود(٥) باب من اعترف على نفسه بالزنا قطعة من حديث ٢٥.

(٤)صحيح مسلم(٣) كتاب الحدود(٥) باب من اعترف على نفسه بالزنا الحديث ١٧ و ١٩ ورواه الشيخ في المبسوط: ج ٣ كتاب الاقرار.

(٥)صحيح مسلم(٣) كتاب الحدود(٥) باب من اعترف على نفسه بالزنا، الحديث ٢٣ و ٢٤ ورواه الشيخ في المبسوط: ج ٣ كتاب الاقرار وروى الاخبار المذكور في عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٤١ الاحاديث(١ ٢ ٣ - ٤).

٨٩

[أقول: منشأ التردد النظر إلى العرف، ووضع اهل اللغة. فان العرف قيام كل واحدة من الصنفين مقام الاخرى. والاقرار انما يحمل على مفهوم اهل العرف، لا على دقائق العربية، فيكون اقرارا. ومن حيث ان (نعم) في جواب السؤال تصديق لما دخل عليه حرف الاستفهام، و (بلى) تكذيب له، لان اصل بلى (بل) زيدت عليها الياء، وهي للرد والاستدراك، واذا كان كذلك فقوله (بلى) رد لقوله (أليس لي عليك) لانه الذي دخل عليه حرف الاستفهام، ونفي له، ونفي النفي اثبات، وقوله (نعم) تصديق له فكأنه قال: ليس لك الف. هذا محصل ما قاله أهل اللغة(١) . وعلى وفاقه ورد القرآن.

قال تعالى: (الست بربكم قالوا بلى)(٢) ولو قالوا: (نعم) كفروا، وقال تعالى: (ام يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى)(٣) .

(ايحسب الانسان ان لن نجمع عظامه بلى)(٤) ].

____________________

(١)ونعم ونعم كقولك بلى، الا ان نعم في جواب الواجب، وهي موقوفة الاخر لانها حرف جاء لمعنى، وفي التنزيل (هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم) قال الازهري: انما يجاب به الاستفهام الذي لا جحد فيه، قال: وقد يكون نعم تصديقا ويكون عدة، وربما ناقض بلى اذا قال: ليس لك عندي وديعة، فتقول: نعم تصديق له وبلى تكذيب (لسان العرب ج ١٢ ص ٥٨٩ لغة نعم) وفيه ايضا: و (بلى) جواب استفهام فيه حرف نفي كقولك: الم تفعل كذا؟ فيقول: بلى، و (بلى) جواب استفهام معقود بالجحد، وقيل: يكون جوابا للكلام الذي فيه الجحد كقوله تعالى: (الست بربكم قالوا بلى).

التهذيب: وانما صارت بلى تتصل بالجحد، لانها رجوع عن الجحد إلى التحقيق، فهو بمنزلة (بل) وبل سيلها ان تأتى بعد الجحد، واذا قال الرجل للرجل الا تقوم؟ فقال له: بلى، اراد بل اقوم، فزادوا الالف على بل ليحسن السكوت عليها الخ (لسان العرب ج ١٤ ص ٨٨ لغة بلى).

(٢)سورة الاعراف / ١٥٢.

(٣)سورة الزخوف / ٨٠.

(٤)سورة القيامة / ٤.

٩٠

ولو قال: أنا مقر لم يلزمه الا ان يقول به.

ولو قال: بعنيه، او هبنيه فهو اقرار.

ولو قال: لي عليك كذا، أتزن لو انتقد؟ لم يكن شيئا.

وكذا لو قال: أتزنها او انتقدها. اما لو قال: أجلتني بها، او قضيتكها فقد أقر، وانقلب المقر مدعيا.

(الركن الثاني) المقر

ولا بد من كونه مكلفا حرا مختارا جائز التصرف.

فلا يقبل اقرار الصغير، ولا المجنون، ولا العبد بماله، ولا حد ولا جناية ولو اوجبت قصاصا.

(الركن الثالث) في المقر له

ويشترط فيه اهلية التملك. ويقبل لو اقر للحمل تنزيلا على الاحتمال وان بعد وكذا لو أقر لعبد ويكون للمولى.

(الركن الرابع) في المقر به

ولو قال: له علي مال قبل تفسيره بما يملك وان قل.

ولو قال: شئ فلا بد من تفسيره بما يثبت في الذمة.

ولو قال: الف ودرهم رجع في تفسير الالف اليه.

ولو قال: مأة وعشرون درهما، فالكل دراهم.

[وقال في (نعم) (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم)(١) (ان لنا لاجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم)(٢) . وعلى هذا اكثر الاصحاب، واختاره العلامة(٣) وفخر المحققين(٤) وتردد]

____________________

(١)سورة الاعراف / ٤٤.

(٢)سورة الشعراء / ٤١ و ٤٢.

(٣)التحرير: ج ٢ كتاب الاقرار، في الصيغة ص ١١٧ س ١٣ قال ولو قال: اليس عليك الف لي، فقال: بلى لزمه، ولو قال: نعم قيل: لا يلزمه والوجه اللزوم.

(٤)الايضاح: ج ٢ ص ٤٢٤ س ٦ فانه بعد نقل عبارة القواعد قال: هذا قول الشيخ واكثر الاصحاب، لان نعم في جواب الاستفهام تصديق لما دحل عليه حرف الاستفهام وبلى تكذيب له من حيث ان اصل بلى بل زيدت عليها الياء وهي للرد والاستدراك الخ.

٩١

وكذا كنايته عن الشئ.

ولو قال: كذا درهم، فالاقرار بدرهم.

وقال الشيخ: لو قال: كذا كذا درهما، لم يقبل تفسيره باقل من احد عشر.

ولو قال: كذا وكذا لم يقبل أقل من أحد وعشرين، والاقرب الرجوع في تفسيره إلى المقر ولا يقبل اقل من درهم. ولو أقر بشئ مؤجلا فانكر الغريم الاجل لزمه حالا، وعلى الغريم اليمين.

[المصنف(١) وقال في الشرائع، وفيه تردد من حيث يستعمل الامران استعمالا ظاهرا(٢) .

قال طاب ثراه: وكذا كنايته عن الشئ، فلو قال: كذا درهم فالاقرار بدرهم.

وقال الشيخ: لو قال: كذا كذا درهم، لم يقبل تفسيره باقل من احد عشر.

ولو قال: كذا وكذا لم يقبل اقل من احد وعشرين، والاقرب الرجوع في تفسيره إلى المقر.

أقول: يريد أن كذا كناية عن الشئ، أي قول المقر له كذا بمنزلة قوله: له شئ، وكما يقبل تفسير الشئ بما يقع عليه التمول، كذا يقبل تفسير (كذا) بما يقع به التمول قل او كثر وان فسره بشئ مدرجا له مع الاقرار الزم ذلك الشئ، ولو قال له: كذا كذا كان بمنزلة قوله: كذا، لان الشئ يقع على القليل والكثير، فلا فائدة في تضعيفه، وتكراره تاكيد لا تجديد.

ولو قال: كذا وكذا استدعي المغايرة، فلابد من تفسيره، بشيئين مختلفين او متفقين، يقبل كل واحد منهما في تفسير (كذا) لو لم يكن عطف، وكذا الحكم لو قال: شئ شئ او شئ وشئ الحكم واحد].

____________________

(١)الشرائع: المقصد الثالث في الاقرار المستفاد من الجواب قال: ولو قال: اليس لي عليك كذا؟ فقال: بلى كان اقرارا، ولو قال: نعم لم يكن اقرارا، وفيه تردد من حيث الخ.

٩٢

[اذا عرفت هذا فهنا مسائل.

(الاولى) اذا قال: علي كذا درهم، ووقف عليه ساكنا لزمه درهم بالاجماع، وان حركه نصبا او رفعا او جرا فكذلك، فالرفع على البدل، والنصب على التميز، والجر على الاضافة، وهو اختيار ابن ادريس(١) والمصنف(٢) والعلامة(٣) وفخر المحققين(٤) والشهيد(٥) وقال الشيخ في الكتابين: يلزمه مع النصب عشرون لان اقل عدد مفرد ينصب ما بعده على التميز، عشرون.

ومع الجر يلزمه مائة لان اقل عدد يخفض ما بعده على التميز ذلك نص عليه علماء العربية ولم يوجد في كلام العرب غير ذلك(٦) (٧) وهو بناء على ان كذا كناية عن العدد.

وفيه نظر من وجوه:

(أ) لا نسلم جعلها كناية عن العدد، بل عن شئ، وهو أعم].

____________________

(١)السرائر: باب الاقرار ص ٢٨١ س ٣٢ قال: وان قال: كذا درهم بالخفض إلى ان قال: والاولى عندى في هذه المسائل ان يرجع في التفسير إلى المقر..ولم يذكر هذه المسائل احد من اصحابنا الا شيحنا ابوجعفر في مبسوطه ومسائل خلافه الخ.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

(٣)التحرير: ج ٢ كتاب الاقرار، الثالث في المقر به ص ١١٧ س ٣ قال: (يب) اذا قال: له علي كذا درهم بالرفع لزمه درهم، وبالجر يلزمه جزء درهم الخ.

(٤)الايضاح: ج ٢ كتاب الاقرار، في الاقارير المجهولة ص ٤٤٢ س ٢١ قال: وهو الاصح عندي، اي لو قال: درهما بالنصب، يلزمه درهم واحد الخ.

(٥)اللمعة الدمشقية: ج ٦ كتاب الاقرار ص ٣٩٣ س ٢ قال: ولو قال: له علي كذا درهم بالحركات الثلاث إلى قوله: فواحد.

(٦)المبسوط: ج ٣ كتاب الاقرار ص ١٣ س ١٠ قال: ومن الناس من قال: اذا قال: له علي كذا درهما لزمه عشرون درهما إلى قوله: وهو الاصح عندي.

(٧)كتاب الخلاف: كتاب الاقرار مسألة ٨ قال: اذا قال: لفلان عندي كذا درهما فانه يكون اقرارا بعشرين درهما.وفي مسألة ١١ قال: اذا قال: له علي كذا درهم لزمه مائة درهم الخ.

٩٣

لواحق الاقرار (الاول) في الاستثناء

ومن شروطه الاتصال العادي، ولا يشترط الجنسي، ولا نقصان المستثني عن المستثنى منه، فلو قال: له علي عشرة الا ستة لزمه اربعة، ولو قال: ينتقص ستة لم يقبل منه.

ولو قال: له عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة لزمه ثمانية.

ولو قال: له عشرة الا ثلاثة الا [(ب) ان الاقرار لا يوازن المبهمات بالمعينات بواسطة الاعراب، لان اصل البراء‌ة اقوى في نظر الفقهاء من اصطلاح النحاة.

(ج) ان المخاطبات العامة بين اهل العرف العام لا يحمل على اصطلاحات اهل العرف الخاص.

(د) قال الشيخرحمه‌الله : متى احتملت الصيغة غير الاقرار بالشئ، لا يكون اقرارا بذلك الشئ، وهنا الاحتمال محقق من احتمال ارادة بعض الدرهم، ومن حصول الخلاف بين الفقهاء في ذلك.

(ه‍) أن دلالة الاعراب ظنية، ونقل الاموال مبني على الاحتياط فيناط بالتعيين.

(الثانية) لو قال: كذا كذا درهما نصبا قال الشيخ: يلزمه أحد عشر، لان أقل عددين تركبا وانتصب ما بعدهما على التمييز أحد عشر.والجواب والبحث كما تقدم.

(الثالثة) لو قال: كذا وكذا نصيبا، قال الشيخ: يلزمه احد وعشرون، لان اقل عددين عطف احدهما على الاخر وانتصب ما بعدهما على التميز احد وعشرون.

والبحث فيه كما مر.

قال طاب ثراه: ولو قال: له عشرة الا ستة لزمه اربعة، ولو قال: بنقص ستة لم يقبل.

٩٤

ثلاثة كان الاقرار بالاربعة.

ولو قال: درهم ودرهم الا درهمان لزمه درهمان.

ولو قال: له عشرة الا ثوبا سقط من العشرة قيمة الثوب، ويرجع إليه تفسير القيمة مالم يستغرق العشرة.

(الثاني) في تعقيب الاقرار بما ينافيه

فلو قال: هذا لفلان، بل لفلان، فهو للاول ويغرم القيمة للثاني.

ولو قال: له علي مال من ثمن خمر لزمه المال.

ولو قال: ابتعت بخيار وانكر البائع الخيار، قبل اقرار في البيع دون الخيار.

وكذا لو قال: من ثمن مبيع لم اقبضه.

(الثالث) الاقرار بالنسب

ويشترط في الاقرار بالولد الصغير امكان البنوة، وجهالة نسب الصغير، وعدم المنازع، ولا يشترط التصديق لعدم الاهلية.ولو بلغ فانكر لم يقبل، ولابد في الكبير من التصديق، وكذا في غيره من الانساب.واذا تصادقا توارثا بينهما، ولا يتعدى المتصادقين، ولو كان للمقر ورثة مشهورون لم يقبل اقراره بالنسب ولو تصادقا، فاذا اقر الوارث بآخر وكان اولى منه دفع اليه مافي يده، وان كان مشاركا دفع إليه بنسبة نصيبه من الاصل.ولو اقر باثنين فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما، ولو أقر بأولى منه ثم بمن هو اولى من المقر له، فان صدقه الاول دفع إلى الثاني، وان كذبه ضمن المقر ماكان نصيبه.ولو أقر بمساو له فشاركه ثم اقر بمن هو اولى منهما، فان صدقه المساوي دفعا اليه ما معهما، وان انكر غرم للثاني ما كان في يده.ولو اقر للميتة بزوج دفع اليه مما في [أقول: الفرق بينهما: انه في الصورة الاولى مستثنى، وفي الثانية مضرب، والاستثناء مقبول ومستعمل لغة وعرفا، فلزمه ما بقي بعد الاستثناء، سواء كان

٩٥

يده بنسبة نصيبه، ولو أقر لاخر لم يقبل الا ان يكذب نفسه، فيغرم له ان انكر الاول.وكذا الحكم في الزوجات اذا اقر بخامسة.ولو اقر اثنان عادلان من الورثة صح النسب وقاسم الوارث، ولو لم يكونا مرضيين لم يثبت النسب ودفعا إليه مما في ايديهما بنسبة نصيبه من التركه.الباقي اقل من المخرج او اكثر، فلو قال: له مائة الا تسعون لزمه عشرة، والاضراب [غير مقبول لانه انكار بعد الاقرار، فلا يكون مسموعا، فهذا فرق مابين الصورتين.

٩٦

٩٧

٩٨

٩٩

كتاب الايمان والنظر في امور ثلاثة النظر الاول ما به ينعقد

ولا ينعقد الا بالله وباسمائه الخاصة، وما ينصرف اطلاقه اليه كالخالق والبارئ، دون ما لا ينصرف اطلاقه اليه كالموجود.

ولا ينعقد لو قال: اقسم او احلف حتى يقول بالله. ولو قال لعمر الله كان يمينا، ولا كذا لو قال: وحق الله. ولا ينعقد الحلف بالطلاق والعتاق والظهار، ولا بالحرم ولا بالكعبة، ولا بالمصحف.

[مقدمة اليمين لفظ يقتضي تحقيق ما يمكن فيه الخلاف بذكر اسم الله تعالى، او صفاته المختصة به.

فالمراد بقولنا: (تحقيق) بالنسبة إلى داعى الحالف غالبا، فانه لما تعلق الاثم والكفارة بالمخالفة حصل له داعي الارادة إلى تحقيق الاتيان بمقتضى اليمين.

والتحقيق اعم من ان يكون اثباتا أو نفيا، وقال الشهيد: هي الحلف بالله أو بأسمائه

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

١٣ ـ القول في المفاضلة بين الأنبياء والملائكةعليهم‌السلام :

واتفقت الإمامية على أنّ أنبياء الله عزّ وجلّ ورسله من البشر أفضل من الملائكة ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

وأمّا المشتركات بين الشيعة والمعتزلة ، فمنها :

١ ـ القول في التوحيد :

إنّ الله عزّ وجلّ واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شيء ، ولا يجوز أن يماثله شيء ، وأنّه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كُلّها والأسباب ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

٢ ـ القول في الصفات :

إنّ الله عزّ وجلّ حيّ لنفسه لا بحياة ، وأنّه قادر لنفسه وعالم لنفسه ، وإنّ كلام الله تعالى محدث ، وإنّ القرآن كلام الله ووحيه ، وأنّه محدث كما وصفه الله تعالى ، وامنع من إطلاق القول عليه بأنّه مخلوق ، وإنّ الله تعالى مريد من جهة السمع والاتباع والتسليم ، وإنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله ، وإرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال ، وإنّه لا يجوز تسمية الباري تعالى إلاّ بما سمّى به نفسه في كتابه ، أو على لسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو سمّاه به حججهعليهم‌السلام من خلفاء نبيّه ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

٣ ـ القول في وصف الباري تعالى بأنّه سميع بصير وراء ومدرك :

إنّ استحقاق القديم سبحانه لهذه الصفات كُلّها من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول ، وإنّ المعنى في جميعها العلم خاصّة ، دون ما زاد عليه في المعنى ، إذ ما زاد عليه في معقولنا ومعنى لغتنا هو الحسّ ، وذلك ممّا يستحيل على القديم ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

٤ ـ القول في وصف الباري تعالى بالقدرة على العدل وخلافه ، وما علم كونه وما علم أنّه لا يكون :

٥٤١

إنّ الله عزّ وجلّ قادر على خلاف العدل ، كما أنّه قادر على العدل ، إلاّ أنّه لا يفعل جوراً ولا ظلماً ولا قبيحاً ، وإنّه سبحانه قادر على ما علم أنّه لا يكون ، ممّا لا يستحيل كاجتماع الأضداد ونحو ذلك من المحال ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

٥ ـ القول في نفي الرؤية على الله تعالى بالأبصار :

إنّه لا يصحّ رؤية الباري سبحانه بالأبصار ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

٦ ـ القول في العدل والخلق :

إنّ الله عزّ وجلّ عدل كريم ، خلق الخلق لعبادته ، وأمرهم بطاعته ، ونهاهم عن معصيته ، وعمّهم بهدايته ، بدأهم بالنعم ، وتفضّل عليهم بالإحسان ، لم يكلّف أحداً إلاّ دون الطاقة ، ولم يأمره إلاّ بما جعل له عليه الاستطاعة ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

٧ ـ القول في كراهة إطلاق لفظ « خالق» على أحد من العباد :

إنّ الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ، ويصنعون ويكتسبون ، ولا أطلق القول عليهم بأنّهم يخلقون ، ولا أقول أنّهم خالقون ، ولا أتعدى ذكر ذلك فيما ذكر الله تعالى ، ولا أتجاوز به مواضعه من القرآن ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

٨ ـ القول في اللطف والأصلح :

إنّ الله تعالى لا يفعل بعباده ماداموا مكلّفين ، إلاّ أصلح الأشياء لهم في دينهم ودنياهم ، وإنّه لا يدّخرهم صلاحاً ولا نفعاً ، وإنّ من أغناه فقد فعل به الأصلح في التدبير ، وكذلك من أفقره ومن أصحه ومن أمرضه فالقول فيه كذلك ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول(١) .

____________

١ ـ المصدر السابق : ٥٩.

٥٤٢

( مصطفى البحراني ـ عمان ـ ٢٥ سنة ـ طالب ثانوية )

الفرق بين الأُصولية والإخبارية والشيخية :

س : هل يوجد اختلاف في العقائد بين الفرق الشيعية الاثني عشرية الإمامية الجعفرية « الأُصولية ، الإخبارية ، الشيخية »؟ وإذا كان هناك اختلاف فما هو؟ وبماذا يستدلّ كُلّ في معتقده إذا كان هناك اختلاف؟

ج : يوجد هناك فروق بين الطرق والمسالك التي ذكرتموها ـ بعد اتفاقهم على أُسّس المذهب من الإمامية وغيرها ـ فالأُصولية تعتقد بحجّية الاجتهاد في الرأي داخل نطاق الروايات ، والإخبارية تخالفهم وتسدّ باب الاجتهاد لكي تعمل بروايات الكتب الأربعة ، إذ تراها صحيحة السند بأكملها ، ومن هنا يظهر الفرق بين الفقهين الأُصولي والإخباري ، ففي الشبهة الحكمية التحريمية يتشدّد الإخباري ، ويحكم بالاحتياط ، بينما يرى الأُصولي أنّها مجرى قاعدة البراءة.

وأمّا الشيخية ـ أتباع الشيخ أحمد الأحسائي ـ يرون أنّ أُصول الدين تبتني على أربع أُسّس : التوحيد والنبوّة والإمامة والركن الرابع.

وهذا اعتقادهم بالركن الرابع هو الفارق الرئيسي بينهم وبين غيرهم من الطوائف الأُخرى ، فهم يعتقدون بأنّ الإنسان الكامل في كُلّ عصر في زمان الغيبة هو الوسيط بين الحجّةعليه‌السلام والشيعة ، ومن جهة أُخرى يرون أنّ الغيبة هي بمعنى غياب الإمامعليه‌السلام من عالمنا اليوم وانتقاله إلى عالم المثال ، وعليه فلا مناص من حجّية رأي الركن الرابع بتمام الكلمة ، فطاعته طاعة الإمامعليه‌السلام .

وأيضاً لهم كلام في المعاد الجسماني ، فيعتقدون بعدم إعادة هذا الجسم الدنيوي في النشأة الآخرة ، هذا مجمل الاختلاف بين هذه الطوائف ، ولكُلّ منهم دلائل ـ بين الصحيح والسقيم ـ لا مجال للبحث والأخذ والردّ فيها بهذه العجالة ، فليراجع في مظانّها.

٥٤٣

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كُلّية الدراسات التجارية )

الفرق بين المعتزلة والأشاعرة :

س : أُريد أن أعرف من هم المعتزلة والأشاعرة؟

ج : تنقسم السنّة ـ في مقابل الشيعة ـ من جهة الفقه والأحكام إلى مذاهب أربعة ، وهي الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية.

وتنقسم السنّة من جهة العقائد والكلام إلى معتزلة وأشاعرة.

فالمعتزلة : فرقة من فرق السنّة ، ظهرت في أوائل القرن الثاني ، وسلكت منهجاً عقلياً في بحث العقائد الإسلامية ، ومؤسّسها واصل بن عطاء الغزال ، المتوفّى ١٣١ هـ.

وقيل : سمّيت بالمعتزلة لأنّ واصل من تلامذة التابعي الحسن البصري اعتزل عن أُستاذه.

ثمّ أنّ المعتزلة قد افترقوا إلى ما يقارب اثنتين وعشرين فرقة ، منها : الواصلية ، النظامية ، الهشامية ، الصالحية ، الجبائية ، الحمارية.

وكُلّ فرق المعتزلة تجمع على أُمور يسمّونها الأُصول الخمسة ، وهي : التوحيد ، العدل ، الوعد والوعيد ، المنزلة بين المنزلتين ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأمّا الأشاعرة : فهي فرقة من فرق السنّة ، ظهرت في أواخر القرن الثالث ـ أو في بدايات القرن الرابع ـ وسلكت منهجاً نقلياً وعقلياً في بحث العقائد الإسلامية ، ومؤسّسها أبو الحسن الأشعري ، المتوفّى ٣٢٤ هـ.

وكان الأشعري شافعي المذهب ، وكان تلميذاً متحمّساً للجبائي الفقيه المعتزلي ، ثمّ انفصل عن أُستاذه ، وسلك طريقه الخاصّ.

٥٤٤

وكانت الحنفية تؤثر رأي الماتردي الذي عاصر الأشعري ، وكان يخالفه في بعض مسائل الفروع ، واستمسك الحنابلة بآراء السلف ، وظلّوا خصوماً لمذهب الأشعري(١) .

( حسين قرقور ـ البحرين ـ ٣٠ سنة ـ مهندس معماري )

معنى المرجئة :

س : أرجو منكم التكرّم بشرح موجز عن معنى المرجئة ، وشكراً.

ج : المرجئة لغة : من أرجيت الشيء وأرجأته إذا أنت أخَّرته ، ومنه قول الله تعالى :( تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ ) (٢) ، وإنّما سُمّوا بذلك لأنّهم زعموا أنَّ الإيمان قول ، وأرجئوا العمل : أي قدّموا الإيمان على العمل.

أو : هم يعتقدون بأنّه لا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما أنّه لا ينفع مع الكفر طاعة.

سُمّوا مرجئة لاعتقادهم أنّ الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي : أي أخَّره عنهم.

فاصطلاح الإرجاء : إمّا أن يكون مأخوذاً من التأخير ، وإمّا أن يكون مأخوذاً من الرجاء ، أي الأمل.

( جعفر سلمان عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

الديانة الأحمدية وعقائدها :

س : ما هي الديانة الأحمدية؟

ج : الأحمدية : فرقة تنسب إلى الميرزا غلام أحمد القادياني ، يرجع نسبه إلى تيمور الكوركاني ، كانوا يسيطرون على ولاية كش من بلاد ما وراء النهر ،

____________

١ ـ دائرة المعارف الإسلامية ٢ / ٢١٩.

٢ ـ الأحزاب : ٥١.

٥٤٥

ثمّ هاجروا إلى خراسان ثمّ إلى الهند ، وسكنت منطقة نهر بياس ، وقام عميد الأُسرة بتشييد قرية سمّاها اسلامبول بالقرب من النهر.

ولد غلام أحمد في سنة ١٢٥٥ هـ ـ ١٨٣٩ م ، ودرس العلوم الإسلامية ، وبعد أن أكمل الدراسة الدينية دخل في خدمة الحكومة الإنجليزية ، وعمل في خدمتها إلى سنة ١٨٦٥ م ، ثمّ اعتزل الخدمة وأختار العزلة في مسقط رأسه قاديان ، وفي سنة ١٨٨٠ م أصدر كتابه الديني « البراهين الأحمدية » ، وهو في الأربعينيات من عمره.

وعندما ناهز الخمسين بشّر بنفسه ، وزعم أنّه يوحى إليه ، كما أدّعى أنّه مأذون بقبول البيعة ، وفي سنة ١٩٠٤ م أطلق على نفسه المسيح والمهدي الموعود ، وكان يقول : إنّ المسيح لم يصلب ، وإنّما فرّ من أعدائه ، وسافر إلى الهند ، وأقام في كشمير ، وأنبرى لتعليم الإنجيل ، وعمّر مائة وعشرين سنة ثمّ مات ، ودفن في سري تكر ، ومرقده معروف « يوذاسف ».

توفّي غلام أحمد سنة ١٣٢٦ هـ ـ ١٩٠٨ م ، فانتخب أتباعه شخصاً يدعى مولوي نور الدين ، وبعد فترة انتخبوا نجله الميرزا بشير الدين محمود بصفته خليفة المسيح الثاني ، حكم هذا أربعين سنة ، وأضفى على المذهب أُمور أُخرى جديدة.

أمّا عقائدهم : فهم يفترقون عن المسلمين بثلاثة أُمور :

الأوّل : طبيعة المسيح ؛ فإنّ الأحمدية يؤمنون بأنّ المسيح لم يصلب ، ولكنّه مات في الظاهر فقط ، ودفن في قبر خرج منه بعد ذلك ، وهاجر إلى الهند ، وبالتحديد إلى كشمير ليعلّم الإنجيل ، ويقال : إنّه توفّي هناك بالغاً من العمر مائة وعشرين عاماً ، ودفن في سري تكر.

الثاني : المهدي ؛ حيث يعتقدون أنّ المهدي يتجسّد فيه المسيح والنبيّ في وقت واحد ، والاعتراف به من الإيمان.

٥٤٦

الثالث : الجهاد ؛ فإنّ الأحمدية يؤمنون بأنّ الوظيفة الأُولى هي الدعوى إلى الإسلام والجهاد ، يجب أن لا يقوم على امتشاق الحسام ، بل يجب أن يقوم على وسائل سليمة.

يقول غلام أحمد : لا يجب أن يكون الجهاد في عصرنا بالحرب والسيف ، بل يجب أن يكون جهاداً يقوم به أتباع ذلك المذهب لنشر عقائدهم وتوسيعها بسلام وهدوء.

( عباس الشيخي ـ العراق ـ ٢٨ سنة ـ ماجستير فيزياء ـ شيعي شيخي كرماني )

بحث موضوعي عن الشيخية :

س : من أين لكم هذه الافتراءت على الشيخية الكرمانية ، وما هو دليلكم الشرعي والعقلي على بطلان عقيدتهم ، وشكراً مسبقاً على الإجابة.

ج : سنذكر لكم بحثاً مفصّلاً حول الشيخية وعقائدهم , والذي حاولنا أن نلتزم فيه بالموضوعية الكاملة , ليكون مرجعاً إلى كُلّ من يريد معرفة حقيقة الأمر , فنقول :

الشيخية : فرقة من الشيعة الإمامية ظهرت في أواخر النصف الأوّل من القرن الثالث عشر الهجري ـ التاسع عشر الميلادي ـ وسمّيت بذلك نسبة إلى زعيمها الأوّل شيخ أحمد الأحسائي ، المتوفّى ١٢٤١ هـ ـ ١٨٢٥ م ، وتسمّى بالكشفية أيضاً لما يصرّح به زعيمها من الكشف والإلهام ، أو لأنّ الله سبحانه قد كشف غطاء الجهل وعدم البصيرة في الدين عن بصائرهم ، كمّا تسمّى بالركنية أيضاً لقولها بالركن الرابع ، والشيعي الكامل ، واعتباره من أُصول الدين ، كما سيأتي ، وهذه الأفكار التي أدّت إلى حوادث نزعها بينها وبين الشيعة الأُصولية ، الذين أنكروا هذه المسائل.

وهذه المسائل التي طرحها الشيخ أحمد الأحسائي أدّت إلى البعض بتبنّيها ، وبالأخصّ تلميذه المقرّب السيّد كاظم الرشتي ، إذ بعد وفاة الشيخ أحمد عهد

٥٤٧

إليه بالخلافة لأُستاذه ، أو بالركنية والمرجعية لأُمور الدين ، واستمر أمر هذه الفرقة متبنّياً لأراء الأحسائي ، وتلميذه السيّد الرشتي إلى أن حصل الافتراق بينهما بعد حسن جوهر ، وهكذا برزت إلى الوجود مدرستان ، مدرسة تبريز والمسمّاة بشيخية تبريز ، ومشيخة كرمان ، ووقع نازع بينهما.

وزعيم الشيخية التبريزية الآن عبد الله عبد الرسول الإحقاقي وموطنه الكويت ، وزعيم الشيخية الكرمانية الآن عبد الرضا خان الإبراهيمي ، وموطنه كرمان ، ولهم مركز واسع في العراق في البصرة ، وأكثرهم في منطقة التنّومة ، والمدينة ، وينوب عن الزعيم الخان السيّد علي الموسوي.

وقد بثّت هذه الطائفة بعض الآراء والأفكار التي أدّت إلى حدوث النزاع بينهم وبين الطرف الآخر ، وقد ذكروا عدّة فروق بينهم وبين الشيعة الأُصولية ، تزيد على ثلاثين فرقاً ، إلاّ أنّها في الحقيقة مسائل جزئية لا يمكن جعلها من الخصائص المكوّنة للفرقة الشيخية ، وأهمّ المسائل التي طُرحت ، وهي محلّ الخلاف بين الطرفين هي أربع : المعاد الجسماني ، والغلوّ والتفويض ، والمعراج ، والركن الرابع ، فإنّ هذه المسائل هي أهمّ نقاط الخلاف بين الشيخية وغيرهم.

وقد أدّت الأفكار التي طرحتها الشيخية إلى حصول نزاع شديد بينهم وبين خصومهم ، واتخاذ بعض المواقف من قبل ما تبنّونه من آراء وأفكار ، وعموماً فإنّ من يرجع إلى أفكار التي طرحها الجانبان الكرمانية والتبريزية يجدها تحتوي على أُمور غريبة ، لا تمتّ إلى الدين بصلة ؛ حيث جعلوا الفروع من الأُصول ، بل وأضافوا إلى الأُصول أشياء لم يقم عليها دليل قرآني أو روائي ، كمسألة الركن الرابع ، والتي جعلوها من أُصول الدين ، ومن لم يؤمن بها أو لم يعرفها ، فهو لم يعرف التوحيد ولا النبوّة ولا الإمامة.

وسندرس هذه النقاط الأربعة تباعاً ، ونطرح ما يؤمن به الشيخية فيها ، ثمّ التعقيب عليها بما أمكن.

٥٤٨

النقطة الأُولى : المعاد الجسماني : يعتقد الشيعة الإمامية كما يعتقد سائر المسلمين أنّ الله عزّ وجلّ يعيد الخلائق ويحييهم بعد موتهم يوم القيامة للحساب والجزاء ، وأنّ المعاد هو الشخص بعينه وجسده وروحه لو رآه الرائي لقال : هذا فلان ، فهم ممّن يقول بإتيان المعادين الجسماني والروحاني.

لكن الشيخية قالوا : إنّ الجسم جسمان ، والجسد جسدان : جسد عنصري دنيوي ، وهو مخلوق من عناصر هذه الدنيا التي تحت فلك القمر ، وهذه تفنى ويلحق كُلّ شيء إلى أصله ويعود إليه ، فيعود ماؤه إلى الماء ، وهواؤه إلى الهواء ، وناره إلى النار ، وترابه إلى التراب ، ولا يرجع ولا يعود ; لأنّه كالثوب يلقى من الشخص.

والثاني : جسد أصلي من عناصر « هورقليا» ، وهو كامن في هذا المحسوس ، وهو مركّب من الروح فيقوم للحساب ، وهو الجسد الذي يتألّم ويتنعّم ، وهو الباقي وبه يدخل الجنّة والنار.

وهكذا تلميذه كاظم الرشتي كما ذكر ذلك في كتابه « دليل المتحرين : ٧٩» ، والشيخ حسن جوهر في كتابه « المخازن : ١٢٣ ».

فالشيخ الأحسائي وتلامذته من بعده ومن اتبعهم يؤمنون بأنّ هذا الجسد لا يرجع في الآخرة ، وإنّما هناك مادّة « هورقليا» هي التي تعاد يوم القيامة ، وهي التي تنعم بعد الموت ، فقال يتأكّل حتّى لا يبقى منه إلاّ الطينة ، فقد فسّرها الأحسائي ‎ بـ « الهورقليا» إلى المادّة الأصلية الباقية التي لا تُفنى.

وهذا الكلام خلاف ما عليه الشيعة الإمامية الأُصولية ، وكذلك فلاسفتهم ومتكلّميهم ، فهم يؤمنون بما نطقت به الشريعة الحقّة ، من أنّ المعاد للروح والجسد معاً ; لأنّ ذلك ما أخبر به الصادق الأمين ، وكُلّ أخباره حقّ لا ريب فيها.

وعليه ، فيكون منكر ذلك منكر لأمر متّفق عليه بين الشيعة ، ومسلّم عندهم ، لكن على أيّ حال لا يمكن القول بأنّ الشيخ أحمد الأحسائي ينكر المعاد الجسماني ، وإنّما هو وقع في خطأ في فهم المعاد الجسماني ، وبعد ورود

٥٤٩

الإشكالات على مسألة المعاد الجسماني ، وإضافة إلى روايات الطينة وغيرها اخترع الشيخ أحمد للإنسان جسماً آخر سمّاه « هورقليا » ، وبيّن أنّه هو الجسم الحقيقي دون غيره ، وأنّه هو الذي يتألّم ويمرض وغير ذلك ، وأمّا هذا الجسم العنصري فلا قيمة له لا في ألم أو حسّ أو غير ذلك.

النقطة الثانية : المعراج النبوي : اتفق المسلمون عموماً على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عرج إلى السماء ، وأُسري به من مكّة إلى المسجد الأقصى ، ومن هناك كان عروجه إلى السماء.

وقد اختلفوا في كيفية عروجهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ربّه ، فهل كان بجسده وروحه معاً ، أم كان بروحه دون جسده؟ ذهب عموم المسلمين إلاّ ما شذّ منهم إلى أنّ عروجه كان بروحه وجسده معاً ، وأنّ ذلك من المعجزات الإلهية التي تثبت نبوّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشذّ بعض إلى الذهاب بعروج روحه دون جسده فقط.

والشيعة الإمامية تؤمن بأنّ المعراج كان بالروح والجسد لقوله تعالى :( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ) (١) ، فقد أطلق المعراج على الظاهر من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو هيكله المادّي والروحي ، وأيضاً لكون المعراج معجزة من المعاجز ، فلذلك كان بروحه وجسده معاً ، هذا ما تعتقده الشيعة الإمامية الاثني عشرية.

وأمّا الشيخية فهم لا يعتقدون بالعروج الجسماني للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وينكرون كون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عرج بروحه وجسده المادّي الذي كان متلبّساً به ، وإنّما عرج بروحه وبمادّة.

قال الشيخ أحمد الأحسائي : « إنّ الصورة البشرية عند إرادة صعوده يجوز فيها احتمالان ، في الواقع هما سواء ، وفي الظاهر الأوّل أبعد من المعقول والآخر أقرب!!

____________

١ ـ الإسراء : ١.

٥٥٠

فالأوّل : إنّ الصاعد كُلّما صعد ألقى منه عند كُلّ رتبة ما منها فيها ، مثلاً : إذا أراد تجاوز الهواء ألقى ما فيه من الهواء فيها ، وإذا أراد تجاوز كرة النار ألقى ما فيه منها فيها ، فإذا رجع أخذ ما له من كرة النار ، وإذا وصل الهواء أخذ ما له الهواء.

لا يقال على هذا : إنّ هذا قول بعروج الروح خاصّة ، من لأنّه إذا ألقى ما فيه عند كُلّ رتبة لم يصل منه إلاّ الروح؟

لأنا نقول : إنّا لو قلنا بذلك ، فالمراد بها إعراض ذلك ؛ ذوات تلك لو ألقاها بطلت بنيّته بالكُلّية ، فيجب أن لا يكون ذلك موتاً ; لأنّ القائلين بعروج الروح يقولون : إنّ بنيّته باقية لا تتفكّك ، وإنّما مرادنا أنّ الجسم بالنسبة إلى عالم الفساد يتلطّف إذا صعد إلى عالم الكون ، وإلاّ فهو على ما هو عليه من التجسّد والتخطيط.

والثاني : إنّ الصورة البشرية التي هي المقدار والتخطيط تابعة للجسم في لطافته وكثافته ، وإنّ الأجساد اللطيفة النورانية تكون بحكم الأرواح لا تزاحم فيها ولا تضايق ، ولهذا يبلغ المعصوم من مشرق الدنيا إلى مغربها في أقل من طرفة عين »(١) .

وهو هنا أن حاول التقسيم واللف والدوران ، لكن رأيه واضح في أنّ العروج لم يكن بهذا الجسد الكثيف ; لأنّ صعود العناصر تقضي الخرق والالتئام.

ولذلك ردّ عليه الشيخ محمّد رضا الهمداني بقوله : « وقالت الشيخية بما هو لفظ الشيخ في رسالته المسمّاة بالقطيفية قال : أنّه لمّا أراد العروج ألقى في كُلّ كرة ما منها ، فألقى ترابه في التراب ، وماءه في الماء ، وهواءه في الهواء ، وناره في النار ، وكُلّ قبضة في تلك السماء ، ثمّ لما رجع أخذ من كُلّ كرة ما ألقى

____________

١ ـ الرسالة القطيفية ضمن كتاب جوامع الكلم ١ / ١٨١.

٥٥١

فيها »(١) ، وقد خالف بذلك ما عليه الشيعة الإمامية ، من أن عروجه كان بهذا الجسم الكثيف ، وهو من معجزات النبوّة.

وأمّا مسألة الخرق والالتئام ، وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند عروجه ألقى كُلّ ما فيه من هواء وماء وحرارة وتراب في فلكها السماوي المخصوص به ، فهو كلا غير صحيح.

وذلك : أوّلاً : إنّ نظرية الأفلاك ، وإنّ هناك أفلاك نارية ، وأفلاك مائية ، وأفلاك ترابية وغير ذلك غير صحيحة ، خصوصاً بعد ملاحظة أنّ الأفلاك تكتسب حرارتها من غيرها ، فهي غير نارية بالذات ، وإنّما النارية عارضة لها ، وكذلك المائية والهوائية.

ثانياً : إنّ نزع ذلك في حقيقته هو نزع للجسد ; لأنّه يؤمن أنّ الجسد مكوّن من هذه العناصر الأربع ، فإذا نزعها انتفت عنه وانتهت ».

النقطة الثالثة : الغلوّ : الدين الإسلامي دين سماوي ، مبنيّ على أُصول شرعية وعقلائية ، جاء موافقاً للفطرة وللذوق العقلائي ، وجاء هادياً الناس إلى أنّ يعتقدون بأُلوهية الله سبحانه وتعالى ، ولا يشركون به شيئاً ، فهو الموجد للكون وخالقه ، ومجري حركاته وسكناته ، وهو رازق من فيه ، ومحي كُلّ حيّ ، ومميت كُلّ ميّت ، وهو الذي يشفي ، وهو الذي يمرض ، وبمشيئته يحصل كُلّ شيء ، قال تعالى :( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ) (٢) .

وبيّن أنّه القاهر فوق عباده فقال :( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ) (٣) ، وبيّن أنّ كُلّ من في الأرض عبيده ، وكُلّ آتيه طوعاً أو كرهاً :( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) (٤) ، وصوّر للإنسان أنّه هو الخالق له

____________

١ ـ هدية النملة إلى مرجع الملّة : ٢٣.

٢ ـ الزخرف : ٨٤.

٣ ـ الأنعام : ١٨.

٤ ـ مريم : ٩٣.

٥٥٢

ولكُلّ شيء فقال :( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (١) .

وقال مبيّناً خلق الإنسان وكيفية إنشائه :( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ) (٢) .

وقد ذمّ الله سبحانه وتعالى غلوّ المسيحيين في عيسى فقال :( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الحقّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكُلّمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) (٣) .

وبيّن الله سبحانه وتعالى أنّه المتفرّد بالعلم بالغيب فقال :( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (٤) ، وقال :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (٥) .

وبيّن الله سبحانه وتعالى اختصاصه بالرزق والإحياء والإماتة والإمراض والاشفاء ، وغيرها ممّا هي من شؤون ربوبية الله سبحانه وتعالى ، والتي أكّدها أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام بشكل واضح وصريح.

فقد ورد في الاحتجاج ردّاً على المفترين الغلاة ، قال فيه الإمام المهديعليه‌السلام : « يا محمّد بن علي تعالى الله عزّ وجلّ عمّا يصفون ، سبحانه وبحمده ، ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته ، بل لا يعلم الغيب غيره ، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه :( قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ ) (٦) ، وأنا وجميع آبائي من الأوّلين : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم

____________

١ ـ الصافات : ٩٦.

٢ ـ السجدة : ٧ ـ ٩.

٣ ـ النساء : ١٧١.

٤ ـ الأنعام : ٥٩.

٥ ـ الجنّ ٢٦ ـ ٢٧.

٦ ـ النمل : ٦٥.

٥٥٣