المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٥

المهذب البارع في شرح المختصر النافع18%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 430

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52714 / تحميل: 7785
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فطوبى لك يا قرّة العين بما كتبت يراعك المباركة ، وستلقى الأجر من اُمّنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ، إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم ، والسلام عليك وعلى أعزّائي طلاّب العلوم الدينية ورجال العلم والفضيلة ، وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ، ودمتم بخير وسعادة ، وتقبّلوا تحيّات(1) .

العبد

عادل العلوي

قم المقدّسة ـ الحوزة العلميّة

__________________

(1) سماحة آية الله العلاّمة الأستاذ السيّد عادل العلوي.

ولد في مدينة الكاظميّة المقدّسة بين الطلوعين في السادس من شهر رمضان المبارك عام 1955 م ـ 1375 ه‍ ويتصل نسبه ب‍ (38) واسطة إلى مولانا الإمام علي بن الحسين ( زين العابدينعليه‌السلام ).

والده العلاّمة آية الله السيّد علي بن الحسين العلوي ، من علماء الكاظميّة والنجف وبغداد ، تلقّى دروسه في العراق على يد والده المرحوم وعلى غيره ، وفي قم المقدّسة على يد كبار المراجع العظام والعلماء الأجلاء أمثال السيّد المرعشي النجفيقدس‌سره والسيّد محمد رضا الكلبايكانيقدس‌سره والشيخ محمد فاضل اللنكراني ( دام ظلّه ) والشيخ جواد التبريزي ( دام ظلّه ) وغيرهم.

يُعَد اليوم من المدرسين الكبار في حوزة قم المقدّسة ، يقوم بتدريس الكفاية إضافة إلى دروسه في خارج الفقه وكذلك المكاسب والفلسفة والكلام ، مضافاً إلى محاضرات في التفسير والأخلاق ، وكتب رسالته ( زبدة الأفكار في نجاسة أو طهارة أهل الكتاب ) التي نال عليها درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلاميّة ، مضافاً إلى شهادات الأعلام باجتهاده في الفقه والأصول ، وقد اشتهر بكثرة تأليفاته المتنوعة ، فهو يسعى إلى تأسيس موسوعة إسلاميّة بقلمه الشريف في شتّى العلوم والفنون تقع في (120) كتاب ورسالة ، وقد طبع منها (64) كتاب ورسالة ، فضلاً عن المقالات ، هذا وقد عُرِف بخدماته الثقافيّة والإجتماعيّة ، مثل تأسيس مستوصف الإمام السجّاد الخيري والمؤسسة الإسلاميّة العامّة للتبليغ والإرشاد ، وجماعه العلماء والخطباء في الكاظميّة وبغداد ، ومكتبات عامّة ، وحسينيّات كحسينيّة الإمامين الجوادينعليهما‌السلام في مشهد الإمام الرضا عليه‌السلام ، ولقد أجازه في الرواية ما يقرب عن عشرين من مشايخ الرواية كالآيات العظام : السيّد المرعشي النجفي قدس‌سره والسيّد الكلبايكاني قدس‌سره والشيخ الآراكي قدس‌سره والشيخ اللنكراني ( حفظه الله ) والسيّد عبد الله الشيرازي ( حفظه الله ) والسيّد محمّد الشاهرودي ( حفظه الله ) وغيرهم.

٢١

٢٢

المقدمة

بسمه تعالى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين ، اللهم صلِّ على الصديقة فاطمة الزكية حبيبة حبيبك ونبيك وأمُّ احبائك وأصفيائك التي انتجبتها وفضلتها واخترتها على نساء العالمين ، اللهم كُن الطالب لها ممن ظلمها واستخف بحقها وكن الثائر اللهم بدم اولادها اللهم كما جعلتها أمُّ أئمة الهدى وحليلة صاحب اللواء والكريمة عند الملاء الأعلى فصلِّ عليها وعلى امها صلاة تكرم بها وجه أبيها محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وتقر بها اعين ذريتها وأبلغهم عني في هذه الساعة وفي كل ساعة افضل التحية والسلام واردد عليّ منهم السلام انك جواد كريم.

وبعد فانه لا يخفى على المتتبع لسيرة وحياة أهل البيتعليهم‌السلام انه قد كُتِبَت فيهم الكثير من الكتب وبالخصوص في شخصية فاطمةعليها‌السلام ومعرفتها حيث دارت في مجمل بحوثها على طريقة السرد التأريخي او المقارنة الموضعية ـ بين حياتها سلام الله عليها وبين باقي النساء المؤمنات اللآئي ذكرهن القرآن الكريم ـ أو على طريقة الاستنتاج والتحليل الواقعي والموضوعي لجميع مواقفها الاسلامية التي اتخذتها خلال مسيرتها الحياتية والتي كانت مليئة بالدروس والعبر والعظات الإنسانية البليغة.

على أن هذا الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ الكريم قد جاء ليمثل مجموعة السبل التي لابد من الكتاب أو المؤلف أن يجمعها ويصبها في قالب حسن وهو يعرض شخصية مثل شخصية الصديقة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام ، حيث فيه الأسرار الغامضة التي جاءت على شكل عناوين لبعض هذه البحوث مثل : حقيقة السر المستودع ، أصل يوم العذاب ، فاطمة حجة الله الكبرى ، وأيضا فيه المقارنة الموضوعية ، والإستنتاج العلمي ، والتحليل المثمر ، وكما سيظهر لك من خلال قراءة هذه البحوث والمحاضرات.

٢٣

على أنني أُنبه القارئ العزيز أنني قد وضعت في الكتاب بعض المواضيع التي ذكرتها بعض الكتب من باب اتمام الفائدة في الكتاب على امل ان يكون شاملاً لكثير من القضايا الحساسة والعقائدية في حياة فاطمة سلام الله عليها ، وليرجع اليها الكاتب والخطيب والباحث حين تعوزه المصادر والكتب ، وقد توجت كل بحث في بدايته بقصيدة شعرية في حياة فاطمةعليها‌السلام لتكون محطات ادبية فاطمية يستفيد منها القارئ اثناء ترحاله من بحث إلى آخر ، لذا جاء هذا الكتاب ليمثل مصباحاً جديداً في معرفة فاطمةعليها‌السلام انشاء الله راجياً أن أكون قد أديت بعض الحق الذي عليّ في توضيح بعض القضايا العقائدية في شخصيتها الاسلامية الفذة ، والحمد لله رب العالمين.

محمد فاضل المسعودي

قم المقدسة

18 ذي الحجة ـ عيد الغدير المبارك(1)

1419 ه‍

__________________

(1) من اللطائف الجميلة والصدف الحميدة التي شاهدناها خلال الإنتهاء من العمل في هذا الكتاب المبارك إن شاء الله تعالى ، أننا تفألنا بالقرآن الكريم في يوم الإنتهاء من وضع اللمسات الأخيرة عليه وذلك يوم الغدير الأفعم ، فخرجت لنا الآية المباركة المختصّة بيوم الغدير ويوم تنصيب أمير المؤمنينعليه‌السلام بالولاية العظمى ، وهي قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

٢٤

التمهيد

( اللهم أني أسألك بحق فاطمة وأبيها

وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها )

قبل الدخول في مضامين هذا الدعاء لابد من الإشارة إلى عدة أسئلة مهمة تتعلق بسند هذا الحديث ، وهل ورد فيه سند ؟ وفي أي كتاب مذكور ؟ وهل جاء هذا الحديث على لسان المعصوم أم لا ؟

كل هذه الأسئلة لابد من الإجابة عليها قبل الدخول في صميم هذا البحث ، فنقول : أن هذا الحديث لم نرَ له سنداً في أي كتاب من الكتب المتداولة ولم يروَّ عن أي معصوم من أهل بيت العصمة ، ولكن وجدناه مكتوباً في كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفىٰ تحت عنوان ( دعاء التوسل بهاعليها‌السلام ) حيث رواه مؤلف الكتاب الشيخ الهمداني بقوله : سمعت شيخي ومعتمدي آية الله المرحوم ملاّ عليّ المعصومي يقول في التوسل بالزهراءعليها‌السلام « الهي بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها (1) » .

وأيضاً وجدنا هذا الدعاء ضمن الوصايا المهمة التي أوصىٰ بها آية الله المرعشي النجفي أبناءه بالمداومة على قراءته وبالخصوص ابنه الكبير حيث يقول : ( وأوصيه ـ أي ابنه الأكبر ـ بمداومة قراءة هذا الدعاء الشريف في قنوتات فرائضه اللهم أني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله »(2) .

__________________

(1) فاطمة بهجة قلب المصطفى 252.

(2) قبسات من حياة سيّدنا الأستاذ المرعشي النجفيرحمه‌الله : ص 124.

ولقد ذكر مؤلّف هذا الكتاب السيد العلوي : إنّ هذا الدعاء قد تلقّاه السيد المرعشي في ضمن الوصايا المهمة التي أعطاها الإمام المهدي (عج) للسيّد المرعشي في إحدى تشرفاته بلقاء الإمام (عج).

٢٥

فما أعظمه من دعاء بحيث يذكره السيد المرعشي النجفيرحمه‌الله في ضمن وصاياه المهمة التي أوصى بها ، وأي فضيلة لهذا الدعاء والتوسل بحق الزهراءعليها‌السلام كي يَكونَ من أهم الأدعية في قنوتات فرائض السيد المرعشيرحمه‌الله .

لابد له من كرامة عظيمة وأهمية جليلة بحيث لا يترك من الوقوف معه والإستضاءة من نوره وبيان مضامينهُ وتجليت حقائقه لكي نعرف فاطمة حق معرفتها وعلى القدر المتيسر منه.

وهذا الحديث وان لم يكتب له سند في كتب الحديث ، ولكن جاء مضمونه مطابقاً لكثير من الروايات الشريفه المأثورة في حق الصديقة الكبرى فاطمةعليها‌السلام ، وعلى مضمونه وحقائقه توجد أدلة وشواهد تؤكد حقيقته وان لم يرد في كتب الأدعية ، ولكن يكفي في نقله على ما استفدناه من الكتابين المذكورين اللذين ذكرا هذا الدعاء ، ومن باب التسامح في أدلّة السنن يهون الخطب في سنده ، وعلى ضوء ما نفهمه من هذا الدعاء سوف يكون حديثنا حوله في بحثين :

البحث الأول : التوسل والإستغاثه بالزهراءعليها‌السلام .

البحث الثاني : حقيقة السر المستودع في فاطمةعليها‌السلام .

٢٦

٢٧
٢٨

التوسل بفاطمةعليها‌السلام

للخطيب الشيخ محسن الفاضلي

توسَّلت بالحوراء فاطمةَ الزّهرا

لتلهمني حتى أقولَ بها شِعرا

فجاء بحمدِ الله ما كنت أبتغي

فأبديتُ للمعبودِ خالقي الشّكرا

أجل هي روح المصطفى كُفءُ حيدرٍ

وأمُّ أبيها هل ترى مثلَه فخرا

أو المثلِ الأعلى بكلَّ خصالها

جلالاً كمالاً عفّةً شرفاً قدرا

حوت مَكرُماتٍ قطُّ لم يحو غيرُها

فمن بالثّنا منها ألا قُلْ لَنا أحرىٰ

وسيلتُنا والله خيرُ وسيلةٍ

بحقًّ كما وهي الشفيعةُ في الأخرىٰ

أيا قاتل اللهُ الذي راعها وقد

عليها قسىٰ ظلماً وروّعها عصْرا

وسوّد متنيها وأحرقَ بابَها

وأسقطها ذاكَ الجنينَ على الغبرا

أيا مَن تواليها أتنسىٰ مُصابَها

وتَسلو وقد أمست ومقلتُها حمرا

من الضّربِ ضرِب الرّجس يومِ تمانعت

بأن يذهبوا بالمرتضىٰ بعلِها قَسرا

وعادت تعاني هظمَها ومصابَها

بفقدِ أبيها وهي والهفتا عَبرىٰ

الى أن قضت روحي فداها ولا تَسل

عن أحوالها واللهُ من كلِّنا أدرىٰ

٢٩
٣٠

البحث الأوّل

حقيقة التوسل والاستغاثة بالزهراءعليها‌السلام

منذ أن خلق الله البشرية وبالتحديد منذ أن خلق آدم وحواء جعل لهم وسيلة يتوسلون بها إليه لقضاء حوائجهم خصوصا أن أبينا آدمعليه‌السلام عندما أذنب بترك الأولى قد توسَّل إلى الله تعالى بغفران ذنبه « تركه الاولى » وكان من جملة ما توسل به الكلمات التي تلقاها من الله تعالى وتاب بها عليه تبارك وتعالى ولقد فسرت هذه الكلمات بأصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين كما جاء ذلك في تفسير قوله تعالى( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (1) ، إن آدم رأى مكتوباً على العرش أسماء معظمة مكرمة ، فسأل عنها فقيل له : هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى والأسماء هي : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فتوسل آدمعليه‌السلام إلى ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته.

به قد أجاب الله آدم إذ دعا

ونُجي في بطن سفينة نُوحُ

قومُ بهم غفرت خطيئة آدم

وهُمُ الوسيلة والنجوم الطُلَّع(2)

وعلى هذا الأساس كان التوسل بأولياء الله وأحبائه من الأمور المتعارفة والمتسالمة عليها عند المسلمين بل يتعدى ذلك إلى غير المسلمين فنحن نجد ان الكثير من الديانات الأخرى غير الإسلامية تتوسل بشيء ما للتقرب إلى الله تعالى أو إلى الآلهة التي يعتقدون بها وهذا ما وجدنا في مشركي قريش حيث كانوا يعبدون اللات والعزىٰ ليقربونهم إلى الله زلفى وكما صرح بذلك القرآن الكريم في بعض آياته ، وعلى كل حال فقد وردت عدة آيات قرآنية تؤكد هذه المسألة في القرآن الكريم منها قوله تعالى :

__________________

(1) البقرة : 37.

(2) البرهان : 1 / 86 ، مجمع البيان 1 / 89.

٣١

( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (1) ، حيث كان القرآن موافقاً في هذه المسألة للعقلاء أنفسهم وهذا ما نجده في طلب حوائجهم من الذين هم في موضع القيادة أو المسؤولية فيسألونهم قضاء حوائجهم وهم أما زعيم أو رئيس أو حتى رجل كريم وهذا ليس من الشرك في شيء ، فهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي فنحن عندما نذهب إلى الطبيب نلتمس لديه الشفاء والعلاج وصولاً إلى الصحة والسلامة ، وما الطبيب الحقيقي إلاَّ الله تعالى فهل هذا يعتبر شركاً بالله عز وجل ؟ ويدل على هذا الأمر ما روي في قصة أبناء يعقوب على لسان القرآن الكريم عندما أدركوا انهم قد ارتكبوا ذنوباً كثيرة بحق أخيهم يوسف حيث جاءوا أباهم يعقوب قائلين :( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) (2) على أساس أن أباهم هو وسيلة الغفران لهم من قبل رب العالمين( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) .

وعلى هذا الأساس كان التوسل أمراً دينياً قد تعارف عليه الناس منذ أن خلق الله البشرية وقد جاء الإسلام ليؤكد على ضرورة هذا الأمر وذلك من خلال إتخاذ الوسيلة التي نتوسل بها إلى الله تعالى ، ولم نجد من وقف ضد هذا الأمر ـ أي التوسل ـ إلاّ ما أسسه ابن تيمية وتلاميذه في القرن الثامن الهجري ، وتلاه في عقائده الباطلة والتي لا تمتلك دليل منطقي برهاني محمد بن عبد الوهاب الذي أسس أضل واطغى جماعة على الدين الإسلامي ألا وهي الوهابية العمياء فأعتبر التوسل بأولياء الله تعالى من الأنبياء والأوصياء وعباد الله الصالحين بدعة ـ تارة ـ وعبادة للأولياء أنفسهم تارة أخرىٰ.

وقد خالفت الوهابية كل المرتكزات العقلائية في هذا المضمار وخصوصاً نحن نؤمن بأن القرآن الكريم قد أكد على حقيقة اتخاذ الوسيلة وبأشكال متعددة ، وليس هذا على ما يدعيه محمد بن عبد الوهاب نوعاً من أنواع الشرك بالله تعالى ، والقرآن الكريم نفسه أكد على ضرورة اتخاذ الوسيلة إلى الله تعالى.

والتوسل يكون على قسمين أو صورتين :

__________________

(1) المائدة : 25.

(2) يوسف : 97.

٣٢

1 ـ التوسل بالأولياء أنفسهم ، كأن نقول : ( اللهم أني أتوسل إليك بنبيك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تقضي حاجتي ).

2 ـ التوسل بمنزلة الأولياء وجاههم عند الله تعالى كأن نقول ( اللهم أني أتوسل إليك بجاه محمد وحرمته وحقه أن تقضي حاجتي ).

أما الوهابية فإنهم يُحرمون الصورتين معاً ، في حين أن الأحاديث الشريفة وسيرة المسلمين تشهدان بخلاف ما تدعيه الوهابية وتؤكدان جواز الصورتين معاً(1) . فلقد جاء الحديث الشريف عن عثمان بن حنيف ليؤكد على هذه الحقيقة حقيقة جواز التوسل بأولياء الله تعالى حيث يقول : « إن رجلاً ضريراً أتىٰ إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أُدُع الله يعافيني.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن شئتَ دعوت ، وأن شئت صبرت وهو خير ؟

فقال : فادعُه ـ فأمره ـ ان يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء : اللهم أني اسئلك واتوجِّه إليك بنبيك نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله في حاجتي لتقضى ! ، اللهم شفعه فيَّ.

قال ابن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ.

ويعتبر هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة السند وقد أثبتته كتب العامة قبل الخاصة حتى ابن تيمية نفسه اعتبر ناقل هذا الحديث ثقة(2) .

أن هذا الحديث من خلال التأمل الدقيق في ألفاظه يظهر معناه واضحاً جلياً. حيث دل على ان الإنسان له أن يتوسل إلى الله تعالى بالذين جعلهم أدلاء على مرضاته وسبل نجاته ألا وهم الأنبياء وأفضلهم وأحسنهم خاتمهم نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ، والتوسل يكون بحرمتهم وكرامتهم وحقهم على الله تعالى. أما التوسل بالأنبياء وبحقهم فهذا ما جاء على لسان الحديث المروي في وفاة فاطمة أُم أمير المؤمنين حيث يقول الحديث « لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس عند رأسها

__________________

(1) الوهابية في الميزان : 163.

(2) سنن ابن ماجة : 1 / 441 ، الوهابية في الميزان 164.

٣٣

فقال : رحمك الله يا أمي بعد أمِّي ثم دعا رسول الله أسامَة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون ، فحفروا قبرها ، فلما بلغوا اللحد حفر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده وأخرج ترابه فلما فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه ، ثم قال : والله الذي يُحي ويميت وهو حَيٌّ لا يموت إغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي(1) .

أما ما ورد في التوسل بالنبي نفسه ، فقد روىٰ جمع من المحدثين ان اعرابياً دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : « لقد أتيناك وما لنا بعيرٌ يئط ـ أي مثل صوت البعير ـ ولا صبي يغط ـ وهو صوت النائم ـ ثم أنشأ يقول :

أتيناك والعذراء تدمىٰ لبانُها

وقد شغلت أم الصبيِّ عن الطفلِ

ولا شيء ممِّا يأكل الناس عندنا

سوى الحنظل العامي والعلهز الفسْلِ

وليس لنا إلا إليك فرارُنا

وأين فرارُ الناس إلا إلى الرسلِ

فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يَجُر رداءه ، حتى صعد المنبر فرفع يديه وقال : اللهم اسقنا غيثاً فما ردا النبي حتى ألقت السماء

ثم قال : لله دَرُّ أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه من ينشدنا قولَهُ ؟

فقام علي بن أبي طالبعليهما‌السلام وقال : كأنك تريدُ يا رسول الله ـ قَولَهُ :

وأبيض يُستسقىٰ الغمامُ بوجهه

ثِمال اليتامى عصمَةٌ للأراملِ

يطوف به الُهلاِّك من آل هاشمٍ

فهم عنده في نعمةٍ وفواضلِ

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أجل فانشد عليعليه‌السلام أبياتاً من القصيدة ، والرسول يستغفر لأبي طالب على المنبر ، ثُمِّ قام رجل من كنانة وأنشد يقول :

لك الحمد والحمد ممن شكر

سقينا بوجه النبي المَطَر(2)

ولنعم ما قال سواد بن قارب في القصيدة التي يتوسل بها بالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله

وأشهد أن الله لا ربًّ غيرُه

وانك مأمون على كل غائبِ

وانك أدنى المرسلين وسيلة

إلى الله يابن الأكرمين الاطائب

__________________

(1) كشف الإرتياب : 312 ، حلية الأولياء : 121 ، وفاء الوفا 3 : 899.

(2) شرح نهج البلاغة 14 / 80 ، السيرة الحلبية : 3 / 263.

٣٤

فمرنا بما يأتيك يا خير مُرسلٍ

وان كان فيما فيه شيبُ الدوائِب

وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعةٍ

بِمُضض فتيلاً عن سواد بن قاربِ(1)

أما التوسل بأولياء الله تعالى فهذا ما اثبتته الكتب الكثيرة وخاصة الموجودة في كتب العامة حيث ورد في كيفية استقساء المسلمون بعم النبي « العباس » واستسقى عمر بن الخطاب بالعباس عام الرمادة ، لما اشتَدَّ القحط فسقاهم الله تعالى به ، وأخصبت الأرض ـ فقال عمر هذا ـ والله ـ الوسيلة إلى الله والمكان منه.

وقال حسّان :

سأل الأمام وقد تتابع جد بنا

فسقى الغمام بغُرّة العَّباسِ

عم النبي وصفو والِدهِ الذي

وَرث النبي بذاك دون الناس

أحيى الإله به البلاد فأصبحت

مخضرة الأجانب بعد اليأس

ولما سقي الناس طفقوا يتمسحون بالعباس ويقولون هنيئاً لك ساقي الحرمين(2) .

أقول : بعد هذا البيان يظهر لنا ان التوسل بالأولياء الصالحين مما جرت به السنة الشريفة فضلا عن القرآن الكريم نفسه ، وعلى هذا الأساس جاء هذا الدعاء المروي عن علمائِنا الأفاضل :

« اللهم إني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والذي يظهر من خلال استقراء الروايات المأثورة في حق الزهراء أن هذا الدعاء وارد في حق التوسل بالصديقة الطاهرة الزهراءعليها‌السلام فتارة نجد بعض الأحاديث تبين كيفية التوسل بالزهراء وتارة أخرى تبين كيفية الاستغاثة بالصديقة الشهيدة سلام الله عليها.

فقد ورد عن لسان العلامة المتبحر المجلسي ما نصه : وجدت نسخة قديمة من مؤلفات بعض أصحابنا رضي الله عنهم ما هذا لفظه :

هذا الدعاء رواه محمد بن بابويهرحمه‌الله ، عن الأئمةعليهم‌السلام وقال : ما دعوت في أمر إلاّ رأيت سرعة الإجابة وهو

(يا فاطمة الزهراء يا بنت محمد ، يا قرة عين الرسول ، يا سيدتنا ومولاتنا ، إنّا

__________________

(1) الدرر السنية : 27 زيني دحلان ، التوصل إلى حقيقة التوسل : 300.

(2) تاريخ اُسد الغاية في معرفة الصحابة : 3 / 111.

٣٥

توجهنا واستشفعنا ، وتوسلنا بك إلى الله ، وقدمناك بين يدي حاجتنا ، يا وجيهة عند الله أشفعي لنا عند الله )(1) .

وروي في كيفية التوسل بالزهراء ، أن تصلي ركعتين ، فاذا سلمت فكبر الله ثلاثاً ، وسبح تسبيح الزهراءعليها‌السلام واسجد وقل مائة مرة : يا مولاتي ، يا فاطمة أغيثيني ، ثم ضع خدّك الأيمن ، وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك ، ثم خدك الأيسر على الأرض وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك مائة مرة وعشر مرات ، أذكر حاجتك تقضى(2) . أما صلاة الاستغاثة بالبتول فهو نفس العمل السابق إضافة إلى ذلك تقول في السجود :

(يا آمناً من كلّ شيء وكل شيء منك خائف حذر ، أسألك بأمنك من كل شيء وخوف كلّ شيء منك ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعطيني أماناً لنفسي وأهلي ومالي وولدي حتى لا أخاف أحداً ولا أحذر من شيء أبداً ، إنك على كل شيء قدير ).

والدعاء الذي افتتحنا به البحث يؤكد على مسألة مهمة أخرى وهي حق فاطمةعليها‌السلام والذي يهمنا في هذا المقام هو معرفة حق فاطمة وما المقصود منه ، والذي نراه بعد تتبع بعض روايات أهل البيتعليهم‌السلام أنّ حق أهل البيت عظيم وحقوقهم كثيرة ، ولكن الأهم من هذا كله هو معرفة الحق الأكبر ، والذي عبرت عنه الروايات حق المعرفة ، وبعبارة أخرى اهم حق هو معرفة كونهمعليهم‌السلام مفترضوا الطاعة وهذا ما أشارت إليه الكثير من الروايات المروية في المقام.

حيث فسرت حق الأئمة تارة بأنهم حجة الله على الخلق والباب الذي يؤتى منه والمأخوذ عنه ، وأنهم مفترضوا الطاعة ، وهكذا بالنسبة للأئمةعليهم‌السلام ، أمّا الصديقة الشهيدة ، فحقها كبير على الناس وخصوصاً الأنبياء ، حيث ورد أنه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى ، وكذلك ورد أنها مفترضة الطاعة على جميع البشر وهذا حقها الأكبر

__________________

(1) البحار : 12 / 247.

(2) البلد الأمين : 159 ، البحار : 102 / 254 ح 13 ، مستدرك الوسائل : 6 / 331 ح 3 مثله.

٣٦

على الناس حيث يقول الحديث :

« ولقد كانتعليها‌السلام مفروضة الطاعة ، على جميع من خلق الله من الجن والإنس والطير ، والوحش ، والأنبياء ، والملائكة »(1) . على أنه كلما ثبت من حقوق للأئمةعليهم‌السلام فهو ثابت للصديقة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام وخصوصا نحن نعلم انه ورد عن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام انه قال : ( نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا ).

اذن من خلال هذا الموضوع نفهم ان لحقيقة التوسل بالصديقة الشهيدةعليها‌السلام لقضاء الحاجات بوجاهتها عند الله دوراً مهماً في ترسيخ عقيدة الإنسان المؤمن بها حيث بعد قضاء الحاجة على يديها يجد المؤمن ايماناً راسخاً بها هذا من جهة ، وان حقيقة التوسل بها يضعنا أمام جملة من الحقائق لابد من الوقوف معها والتأمل في مغزاها من جهة اُخرى.

وأوَّل هذه الحقائق المنزلة العظيمة والجليلة والفريدة التي كانت تتمتع بها بضعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مما جعلها موئلاً لكل مستغيث ومقصداً لكل طالب حاجة ضاق بحاجته ذرعاً وهو لا يدري باب من يطرق حتى تقضى حاجته وتجاب استغاثته ، فاذا بالإمام الصادقعليه‌السلام يقول لنا : عليكم بالزهراء ، استغيثوا بإسمها ونادوا مولاتكم فاطمة ، وحينئذ تقضى حاجتكم ، وتنالون مطلبكم ويكفي في مقام بيان منزلتها انها كانت المرجع لأبيها حيث كنّاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله باُمّ أبيها ، وانها كانت بضعة منه فمن أغضبها فقد أغضبهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويكفي في منزلتها أيضاً أنها سيدة نساء أهل الجنة ،بل سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة ، وأنها أم الأئمة المعصومين وانها حليلة سيد الأوصياء علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وأما الحقيقة الثانية التي أثبتتها أحاديث التوسل بالصديقة الشهيدة ، هو مسألة الشفاعة ، ولما لها من الأهمية الكبرى في حياة الفرد المؤمن ، حيث نجد مسألة الشفاعة لها دور كبير في بعث الأمل في روح المذنبين وأن لهم أملاً يظهر خلال الدنيا على نحو التوسل وفي الآخرة على نحو الشفاعة وهذا ما أكده القرآن الكريم في كثير من آياته

__________________

(1) دلائل الإمامة : 28.

٣٧

حيث يقول سبحانه وتعالى :( يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ ) (1) ،( وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) (2) ،( لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا ) (3) . فإذا كان الله سبحانه وتعالى يأذن لبعض عباده بأن يشفعوا لغيرهم من الناس فمن أولى من بضعة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الخصوصية.

والحقيقة الأخرى التي كشفت عنها روايات التوسل والإستغاثة بالصديقة الشهيدة هي مسألة تسبيح الزهراءعليها‌السلام ، ذلك التسبيح الذي علمه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لابنته بأن تكبر الله سبحانه أربعاً وثلاثين وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتسبحه ثلاثاً وثلاثين ، عندما جاءته والإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام تشكو لهصلى‌الله‌عليه‌وآله إجهادها ونصبها ومعاناتها في عمل البيت ، فطلبت منهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعينها بخادمة تكون معواناً لها ، فكان أن علمها هذا التسبيح الذي عملت به سلام الله عليها وعنها أخذ المؤمنون يسبحون به ويتعبدون بعد كل صلاة ، وكأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد ان تصبح الزهراءعليها‌السلام حاضرة في كل صلاة يؤديها مؤمن ، إذ كلما تَعَبَّد بهذا التسبيح متعَبِد تذَكَّر الزهراء ومكانتها من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن الله سبحانه وتعالى.

__________________

(1) طه آية 109.

(2) سبأ آية 23.

(3) مريم آية 87.

٣٨

٣٩
٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

خربة وبيده سكين متلطخ بالدم، فإذا رجل مذبوح متشحط في دمه، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام ما تقول يا غلام؟ فقال: يا أمير المؤمنين أنا قتلته، قال: اذهبوا به فاقيدوه، فلما ذهبوا به ليقتلوه اقبل رجل مسرعا فقال: لا تعجلوا وردوه إلى امير المؤمنينعليه‌السلام فردوه، فقال: والله يا أميرالمؤمنين ما هذا قتل صاحبه، انا قتلته، فقال امير المؤمنينعليه‌السلام للاول: ما حملك على الاقرار على نفسك؟ فقال: يا أميرالمؤمنين وما كنت أستطيع أن اقول، وقد شهد علي أمثال هؤلاء الرجال، وأخذوني وبيدي سكين ملطخ بالدم، والرجل متشحط في دمه، وانا قائم عليه، وخفت الضرب، فاقررت، وانا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة، فاخذني البول، فدخلت الخربة فوجدت الرجل يتشحط في دمه، فقمت متعجبا، فدخل علي هؤلاء فاخذوني، فقال: اميرالمؤمنينعليه‌السلام : خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسنعليه‌السلام ، وقولوا له: ما الحكم فيهما؟ فذهبوا إلى الحسنعليه‌السلام وقصوا عليه قصتهما، فقال الحسنعليه‌السلام : قولوا لاميرالمؤمنينعليه‌السلام : ان هذا ان كان ذبح ذلك فقد أحيا هذا، وقد قال الله تعالى (ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا)(١) فخلى عنهما واخرج دية المذبوح من بيت المال(٢) .

فقد استفيد من هذا الحديث فوائد: (أ) الاكتفاء بالمرة الواحد في الاقرار بالقتل. (ب) سقوط القصاص عن المقر مع رجوع الاول. (ج) وجوب الدية من بيت المال.

____________________

(١)النساء / ٩٣.

(٢)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٧٣ الحديث ١٩.

[*]

٢٠١

[أما البينة: فهي شاهدان عدلان، ولا يثبت بشاهد ويمين، ولا بشاهد وامرأتين، ويثبت بذلك ما يوجب الدية، كالخطاء، ودية الهاشمة، والمنقلة، والجائفة، وكسر العظام. ولو شهد اثنان ان القاتل زيد، واخران ان القاتل عمرو، قال الشيخ في النهاية: يسقط القصاص ووجبت الدية نصفين. ولو كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما، ولعله احتياط في عصمة الدم لما عرض من تصادم البينتين.] والحق: ان هذه قضية في واقعة، وقضايا الوقائع لا يجب تعديها إلى نظائرها، لجواز اطلاعهعليه‌السلام على ما يوجب ذلك الحكم في تلك الواقعة، فالآن لو وقعت مثل هذه القضية، لم يجز للفقيه ان يحكم بمثل هذا الحكم، لجواز التواطئ من المقرين على قتل المسلم، واسقاط القصاص والدية بحيلة الاقرارين، بل الحكم فيهما تخير الولي وتصديق أيهما شاء، لان رجوع المقر غير مقبول.

قال طاب ثراه: ولو شهد اثنان: ان القاتل زيد، وآخران: ان القاتل عمرو، قال الشيخ في النهاية: سقط القصاص ووجبت الدية نصفين ولو كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما، ولعله احتياط في عصمة الدم لما عرض من تصادم البينتين. أقول: حكم الشيخ في النهاية بسقوط القود في العمد، وبوجوب الدية عليهما نصفين. وكذا في شبيه العمد، وبوجوبها على العاقلتين في الخطأ(١) وتبعه

____________________

(١)النهاية، باب البينات على القتل ص ٧٤٢ س ١٨ قال: ومتى شهد نفسان على رجل بالقتل، وشهد اخران على غير ذلك الشخص إلى قوله: وان كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما نصفين.

[*]

٢٠٢

القاضي(١) وهو مذهب المفيد(٢) واختاره العلامة(٣) .

وقال ابن ادريس: يتخير الولي في تصديق احدى البينتين وتكذيب الاخرى، ولا يسقط القود لوجهين.

(أ) قوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا)(٤) . (ب) لو شهدت البينة على واحد بقتله عمدا، وأقربه آخر، تخير الولي في قتل أيهما شاء اجماعا، فكذا هنا، لتساوي البينة والاقرار في اثبات الحقوق الشرعية(٥) .

احتج الاولون على سقوط القود بثلاثة اوجه. (أ) تعارض البينتين اوجب سقوطهما، لا ستحالة العمل بهما، لتضادهما، وباحداهما، لانه ترجيح بلا مرجح، فتعين تساقطهما. (ب) ان القود منوط باليقين، لان اراقة الدم من دم ما لا يعلم ثبوت سبب وجوبه فيه، ولا يظن، غير جائز، وهو هنا كذلك، لعدم مرجح في احدى البينتين. (ج) ان الحد يسقط بالشبهة، والدم أعظم خطرا، فسقوطه مع الشبهة اولى.

وعلى ايجاب الدية بينهما: بان البينتين لو سقطتا، لزم احدى محالات ثلاثة

____________________

(١)المهذب: ج ٢ باب البينات على القتل ص ٥٠٢ س ٧ قال: واذا كان القتل عمدا وشهد شاهدان إلى قوله: كانت الدية فيه على عاقلتهما نصفين.

(٢)المقنعة: باب البينات على القتل ص ١١٥ س ٣ قال: وان تكافأت البينات إلى قوله: وكان دية المقتول على النفسين بالسوية.

(٣)المختلف: ج ٢ فيما يثبت به القتل ص ٢٣٧ س ٢٥ قال بعد نقل الاقوال: والوجه ما افتى به الشيخان.

(٤)الاسراء / ٣٣.

(٥)السرائر: باب البينات على القتل ص ٤٢١ س ٣٦ قال بعد نقل قول الشيخ: والذي يقتضيه اصول المذهب، ان اولياء المقتول بالخيار إلى قوله: لان الاقرار كالبينة، والبينة كالاقرار في ثبوت الحقوق الشرعية.

[*]

٢٠٣

اما طلي دم المسلم. او ايجاب شئ بغير سبب. او الترجيح بلا مرجح.

وبيان الملازمة: انه ان لم يجب لهذا الدم عوض لزم الامر الاول. والا فان وجب على غيرهما لزم الامر الثاني. وان وجب على احدهما بعينه لزم الامر الثالث. فبقي: اما على احدهما لا بعينه، او عليهما. والثاني: المطلوب. والاول ان لم نوجبه على أحدهما، فهو الامر الاول، والا فهو عليهما.

فان قيل: لا وجه لا شتراكهما في الدية، لان البينة عليهما بخلاف ذلك، فان بينة كل واحد منهما تشهد عليه بالقتل منفردا، فقسمة الدية خلاف ما شهدت به البينات، ولا يعلم سببه، اذ هو الاجتماع، وهو غير معلوم من البينتين. قلنا: نمنع عدم علم الاجتماع، اذ كل واحدة من البينتين اثبتت لواحد عليته في القتل، فالتعارض انما هو في كونها منفردة، فهو امر سلبي، فلا يقبل كرد شهادة النفى.

وحاصله: ان كل واحد من البينتين تشهد لشيئين منطوقا، وهو اثبات القتل على من شهدت عليه به، ويلزمه عدم الشركة، والاخير شهادة النفي، فلا يقبل فيه، ويقبل في الاول لعدم المانع. فالظن حاصل بكون كل واحد منهما قاتلا، ولا يجب اكثر من دية واحدة، فيقسم عليهما.

فرع

لو ادعى الاولياء القتل على احدهما، كان لهم قتله لقيام البينة بالدعوى،

٢٠٤

[ولو شهدا بانه قتله عمدا، فأقر اخر: انه هو القاتل دون المشهود عليه، ففي رواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام للولي قتل المقر، ثم لا سبيل على المشهود، عليه، وله قتل المشهود عليه ويرد المقر على اولياء المشهود عليه نصف الدية، وله قتلهما ويرد على اولياء المشهود عليه خاصة نصف الدية. وفي قتلهما اشكال، لانتفاء العلم بالشركة، وكذا في الزامهما بالدية نصفين، لكن الرواية من المشاهير.] واهدرت البينة الاخرى فلا يكون لهم على الاخر سبيل. وانما المباحث المذكورة في الكتاب على تقدير أن يقولوا: لا نعلم.

قال طاب ثراه: ولو شهدا أنه قتله عمدا، واقر آخر: انه هو القاتل دون المشهود عليه، ففي رواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام للولي قتل المقر إلى قوله: لكن الرواية من المشاهير.

أقول: روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن رجل قتل، فحمل إلى الوالي وجاء قوم فشهدوا عليه انه قتله عمدا، فدفع الوالي القاتل إلى اولياء المقتول ليقادوا به، فلم يبر حوا حتى اتاهم رجل فاقر عند الوالي انه قتل صاحبهم عمدا، وان هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود برئ من قتل صاحبهم، فلا تقتلوه وخذوني بدمه، قال: فقال ابوجعفرعليه‌السلام : ان اراد اولياء المقتول ان يقتلوا الذي اقر على نفسه، فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الاخر، ولا سبيل لورثة الذي اقر على نفسه على ورثة الذي شهد عليه، فان ارادوا ان يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الذي اقر، ثم ليؤدي الذي اقر على نفسه إلى الذي شهد عليه نصف الدية، قلت: ارأيت ان ارادوا ان يقتلوهما جميعا؟ قال: ذلك لهم، وعليهم ان يؤدوا إلى اولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصة دون صاحبه، ثم يقتلوهما به، قلت: فان

٢٠٥

ارادوا ان ياخذوا الدية؟ قال: فقال: الدية بينهما نصفان، لان احدهما أقر، والاخر شهد عليه، قلت: فكيف جعل لاولياء الذي شهد عليه على الذي أقربه نصف الدية حين قتل، ولم يجعل لاولياء الذي أقر على اولياء الذي شهد عليه ولم يقر؟ قال: فقال: لان الذي أشهد عليه ليس مثل الذي اقر، الذي شهد عليه لم يقر، ولم يبرأ صاحبه، والاخر أقر وأبرأ صاحبه مالم يلزم الذي شهد عليه ولم يقر، ولم يبرأ صاحبه(١) . واعلم ان الشيخ في النهاية عمل بهذه الرواية(٢) وتبعه القاضي(٣) وهو مذهب التقي(٤) وأبي علي(٥) . قال ابن ادريس: ولي في قتلهما جميعا نظر، ثم استقر رأيه في آخر البحث على تخيير الولي كالبينتين(٦) واختاره العلامة(٧) .

____________________

(١)التهذيب ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٧٢ الحديث ١٨.

(٢)النهاية باب البينات على القتل وعلى قطع الاعضاء ص ٧٤٣ س ١٤ قال: ومتى أتهم رجل بانه قتل نفسا، فأقر إلى قوله: وهذه قضية الحسن بن عليعليهما‌السلام في حياة ابيهعليه‌السلام .

(٣)المهذب ج ٢ باب البينات على القتل والقسامة ص ٥٠٢ س ١٢ قال: واذا أتهم رجل بانه قتل رجلا واقر هو بذلك إلى قوله: ودفعت الدية إلى اولياء الدم من بيت المال.

(٤)الكافي، القصاص، ص ٣٨٧ س ٣ قال: واذا قامت البينة على قاتل، واقر اخر بذلك القتل وبرأ المشهور عليه الخ.

(٥)المختلف ج ٢ فيما يثبت به القتل ص ٢٣٧ س ٣٨ قال: وقال ابن الجنيد: ولو قامت بينة بقتل عمد فاقر غيره الخ.

(٦)السرائر باب البينات على القتل وقطع الاعضاء ص ٤٢٢ س ٨ قال بعد تقرير المسالة: هكذا اورده شيخنا ابوجعفر في نهايته ولي في قتلهما نظر، إلى قوله بعد اسطر: والاولى عندي: ان يرد الاولياء اذا قتلوهما معا الخ(٧) المختلف ج ٢ فيما يثبت به القتل ص(٢٣٨) س ٩ قال بعد نقل قول ابن ادريس برمته: وقول ابن ادريس لا بأس به.

[*]

٢٠٦

وهذه الرواية من الصحاح ومن المشاهير بين الاصحاب، لكنها مشتملة على مخالفة الاصول المقررة من وجهين. (الاول) جواز قتلهما، ولا موجب له، لان كل واحد من البينة والاقرار يقتضي الانفراد وعدم الاشتراك، قال فخر المحققين: فالاشتراك قوله بلا دليل، فيكون خطأ(١) . (الثاني) تضمنها استيفاء الولي اكثر من ماله، لانه على تقدير قتلهما يكون الواجب عليه رد دية كاملة، لانه قتل اثنين، وله واحد. وقد تضمنت الرواية: ان عليه رد نصف ديته إلى ورثة المشهود عليه خاصة، ووجهه: ان المقر اسقط حقه من الرد، فبقي المشهود عليه. وهذا كله على تقدير ان يقول الولي: لا اعلم، اما لو ادعى القتل على احدهما، فانه له قتله وسقط حكم الاخر.

تذنيب: الحجة اما اقرار واما شهود

الحجة اما اقرار واما شهود، ولا كلام. في العمل بأحديهما مع انفرادها.

وإن اجتمع حجتان: فاما اقراران، او بينتان، او اقرار وبينة، فالاقسام ثلاثة.

(أ) الاقراران: فان اجتمعا، فان برأ الثاني الاول ورجع الاول، فهو قضاء الحسنعليه‌السلام ، وقد مر بيانه. وان لم يبرئه كان له قتلهما، سواء رجع الاول أولا، ويرد عليهما دية يقتسمانها. وان برئه ولم يرجع الاول، كان له قتل الثاني ولا شئ له، لمضي اقرار العاقل

____________________

(١)الايضاح: ج ٤ كتاب الجنايات، في البينة ص ٦٠٩ س ٢٢ قال: فالقول بالاشتراك قول بلا دليل فيكون خطأ.

[*]

٢٠٧

على نفسه، ثم لا شئ له على الاخر، وله قتل الاول، وفي تسلط ورثته على المقر الثاني نظر، ويجئ على رواية زرارة(١) استحقاق ورثة الاول الرجوع على الثاني بالنصف. وله قتلهما على الرواية على اشكال. ويحتمل قويا منعه من قتلهما، وتخيره فيهما.

(ب) البينتان: فابن ادريس طرد الحكم فيهما، واوجب تخيير الولي(٢) والشيخ اوجب الدية نصفين(٣) وقد تقدم البحث فيه.

(ج) الاقرار والبينة: والاقوى التخيير كمذهب العلامة(٤) وابن ادريس(٥) والشيخ اجاز قتلهما ويدفع نصف ديته على اولياء المشهود، وقتل المشهود ويرد المقر على اوليائه نصف الدية، وقتل المقر ولا شئ لورثته على المشهود عليه(٦) وهو صحيحة زرارة المتقدمة.

____________________

(١)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٧٢ الحديث ١٨.

(٢)السرائر: باب البينات على القتل ص ٤٢١ س ٣٦ قال: والذي يقتضيه اصول المذهب: ان اولياء المقتول بالخيار، في تصديق احدى البينتين وتكذيب الاخرى الخ.

(٣)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤٢ س ١٨ قال: ومتى شهدنفسان إلى قوله: وكانت الدية على المشهود عليهما نصفين.

(٤)المختلف: ج ٢ فيما يثبت به القتل ص ٢٣٧ س ٢٣ قال بعدنقل تصادم البينات، ويؤيد هذه المسألة ما ياتي: من ان من شهد عليه بالقتل ثم اقر اخر بالقتل، للاولياء ان يقتلوا من شاؤا منهما بغير خلاف.

(٥)السرائر: باب البينات على القتل ص ٤٢٢ س ٤ قال: فاذا قامت البينة على رجل بانه قتل رجلا عمدا وأقر اخر إلى قوله: كان اولياء المقتول مخيرين الخ.

(٦)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤٣ س ٣ قال: واذا قامت البينة على رجل بانه قتل رجلا عمدا واقر رجل اخر بانه قتل ذلك المقتول إلى قوله: وليس لاولياء المقر على نفسه على الذي قامت عليه البينة سبيل.

[*]

٢٠٨

[(الاولى) قيل: يحبس المتهم بالدم ستة ايام، فان ثبتت الدعوى، والا خلى سبيله، وفي السند ضعف، وفيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها.] قال طاب ثراه: قيل: يحبس المتهم بالدم ستة أيام، فان ثبتت الدعوى، والا خلي سبيله، وفي السند ضعف، وفيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها.

أقول: التحقيق: ان في المسألة خمسة اقوال: الاول، قال الشيخ في النهاية: المتهم بالقتل يبنغي ان يحبس ستة ايام، فان جاء المدعي ببينة، والا خلي سبيله(١) وتبعه القاضي(٢) . والمستند ما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام قال: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحبس في تهمة الدم ستة ايام، فان جاء اولياء المقتول ببينة، والا خلي سبيله(٣) .

(الثاني) قال ابن حمزة: يحبس ثلاثة أيام(٤) ولعله نظر إلى انه المهلة الشرعية.

(الثالث) قال ابن ادريس: لا يحبس بمجرد التهمة(٥) واختاره المصنف(٦)

____________________

(١)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤٤ س ٤ قال: والمتهم بالقتل يبنغي ان يحبس ستة ايام الخ.

(٢)المهذب: ج ٢ باب البينات على القتل ص ٥٠٣ س ٥ قال: واذا اتهم انسان بالقتل وجب ان يحبس ستة ايام الخ.

(٣)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٧٤ الحديث ٢٣.

(٤)الوسيلة: في بيان احكام الشهادة على الجنايات ص ٤٦١ س ١ قال: والمتهم بقتل اخر إلى قوله: فان انكر حبس ثلاثة ايام.

(٥)السرائر: باب البينات على القتل ص ٤٢٢ س ١٧ قال بعد نقل الحديث: وليس على هذه الرواية دليل يعضدها.

(٦)لاحظ عبارة النافع في قوله: وفي السند ضعف، وفيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها.

[*]

٢٠٩

والعلامة(١) وفخر المحققين(٢) . وردوا الرواية بوجهين.

(أ) ضعف السند، لان السكوني عامى.

(ب) اشتمالها على عقوبة لم يثبت لها موجب، لان الموجب للحبس ثبوت حق على المحبوس، وسببه ظاهر، اما الاقرار، أو البينة، وكلاهما مفقود.

(الرابع) قال العلامة في المختلف: ونعم ما قال، ان حصلت التهمة للحاكم بسبب لزم الحبس ستة ايام، عملا بالرواية، وتحفظا للنفوس عن الاتلاف، وان حصلت لغيره، فلا، عملا بالاصل(٣) .

قلت: ويجب على الحاكم: البحث والاستقصاء في تحصيل امارة التهمة، فان حصلت، والا اطلقه، صونا للنفوس، ومبالغة في حقن الدماء.

(الخامس) قال ابوعلي: ان ادعى الولي ان له بينة حبس سنة(٤) وهو متروك. ولعله نظر إلى انه غاية الاحتياط في الدماء واقرب إلى تحقق عدم البينة.

واعلم: ان الخلاف وارد على تقدير عدم قيام البينة، وعلى تقدير قيام بينة لم تثبت عدالتها، لكن الظن هنا ربما حصل للحاكم، فيحبس على قول العلامة، لكن

____________________

(١)القواعد: ج ٢ في احكام القسامة ص ٢٩٨ س ١٥ قال: وقيل: ويحبس المتهم في الدم مع التماس خصمه حتى يحضر البينة.

(٢)الايضاح: ج ٤ في احكام القسامة ص ٦١٩ س ٢٠ قال: ومنع بن ادريس حبسه بمجرد التهمة إلى قوله: وانا به افتى.

(٣)المختلف: ج ٢ فيما يثبت به القتل، ص ٢٣٨ س ٢١ قال: والتحقيق ان نقول: ان حصلت التهمة للحاكم الخ.

(٤)غاية المراد ونكث الارشاد، قال في ذيل قوله: (ولو التمس الولى حبس المتهم): قال ابن الجنيد: ان ادعى الولى البينة حبس إلى سنة.

[*]

٢١٠

[(الثانية) لو قتل وادعى انه وجد المقتول مع امرأته، قتل به الا ان يقيم البينة بدعواه. (الثالثة) خطأ الحاكم في القتل والجرح على بيت المال، ومن قال: حذار، لم يضمن. وان اعتدى عليه فاعتدى بمثله لم يضمن، وان تلفت.] لا إلى سنة، بل ستة ايام.

قال طاب ثراه: لو قتل وادعى انه وجد المقتول مع امرأته، قتل به الا ان يقيم البينة بدعواه.

أقول: روى اصحابنا: ان علياعليه‌السلام اتي برجل قتل رجلا وادعى انه وجده مع امرأته فقال لهعليه‌السلام : ان عليك القود الا ان تاتي بالبينة(١) .

قال الشيخ في النهاية: ومن قتل رجلا ثم ادعى انه وجده مع امرأته، او في داره، قتل به، او يقيم البينة على ما قال(٢) وتابعه المصنف(٣) والعلامة(٤) .

وقال ابن ادريس: الاولى ان يقيدذلك: بان الموجود كان يزنى بالمرأة، وكان محصنا، فحينئذ لا يجب على قاتله القود ولا الدية، لانه مباح الدم، فاما ان اقام البينة انه وجده مع المرأة، لا زانيا بها، او زانيا بها ولا يكون محصنا، فانه يجب على من قتله القود، ولا ينفعه بينته(٥) .

____________________

(١)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٦٠٠ الحديث ٥٩ ورواه في القواعد ج ٢ في التساوي في الدين ص ٢٩٠ س ١٦.

(٢)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤٤ س ٦ قال: ومن قتل رجلا ثم ادعى انه وجده مع امرأته قتل به الخ.

(٣)لاحظ عبارة النافع.

(٤)نقل الحديث في القواعد كما نقلناه آنفا استدلالا به، ونقل قوله الشيخ في المختلف ج ٢ ص ٢٣٨ س ٢٢ رضا به فلا حظ.

(٥)السرائر: باب البينات في القتل ص ٤٢٢ س ١٨ قال: والاولى عندي ان يقيد ذلك بان الموجود كان يزنى بالمرأة وكان محصنا.

[*]

٢١١

قال العلامة في المختلف: وهذا النزاع لفظي، ومقصود الشيخرحمه‌الله سقوط القود في القتل المستحق او تقول: جاز ان يكون وجدانه مع امرأته أو في داره شبهة مسوغة لقتله، فلهذا سقط القود، ولا يلزم منه سقوط الضمان(١) . وهذا الكلام يعطى ثلاثة احكام.

(أ) الجنوح إلى ما شرطه ابن ادريس.

(ب) صلاحية وجدانه مع امرأته، او في داره، للشبهة المسوغة للقتل.

(ج) كون هذه الشبهة غير مسقطة للدية، وان اسقطت القود.

احتج ابن ادريس: باصالة عصمة الدم الا في موضع اليقين، ولا يقين بدون المشاهدة، ومعها لا يقتل غير المحصن بالزنا، فلا يباح دمه. ويؤيده ما رواه داود بن فرقد قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قالوا لسعد بن عبادة: أرايت لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به؟ قال: كنت اضربه بالسيف، قال: فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ما ذا يا سعد؟ قال سعد: قالوا: لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت تصنع به؟ فقلت: أضربه بالسيف، فقال: يا سعد، فكيف بالاربعة شهود؟ فقال: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد رأي عينى، وعلم الله ان قد فعل؟ ! قال: أي والله بعد رأي عينيك وعلم الله انه فعل، لان الله قد جعل لكل شئ حدا، وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا(٢) . وزاد في بعضها: وجعل ما دون الاربعة شهداء مستورا على المسلمين(٣) .

____________________

(١)المختلف: ج ٢ فيما يثبت به القتل، ص ٢٣٨ س ٢٥ قال: وهذا النزاع لفظي الخ.

(٢)الكافي: ج ٧ باب التحديد ص ١٧٦ الحديث ١٢.

(٣)الكافي: ج ٧ باب التحديد ص ١٧٤ قطعة من حديث ٤.

[*]

٢١٢

احتج الاخرون بما روي عن عليعليه‌السلام (١) وقد تقدم. وهو على عمومه. وبما رواه الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسنعليه‌السلام في رجل دخل دار غيره للتلصص، أو الفجور، فقتله صاحب الدار، أيقتل به ام لا؟ فقال: اعلم ان من دخل دار غيره فقد أهدر دمه، ولا يجب عليه شئ(٢) .

تنبيه: هل يشترط في البينة عدد شهود الزنا؟

وهل يشترط في البينة عدد شهود الزنا، أو يكفي العدلان؟ قال في التحرير: الاقرب الاكتفاء بالشاهدين(٣) لان البينة يشهد على وجوده مع المرأة، لا على الزنا. ويحتمل اعتبار الاربعة، لقولهعليه‌السلام : (فكيف بالاربعة شهود)(٤) : ولما رواه سعيد بن المسيب: ان رجلا من اهل الشام يقال له: ابن أبي الجسرين، وجد على بطن امرأته رجلا فقتله وقد اشكل حكم ذلك على القضاة، فكتب معاوية إلى أبي موسى الاشعري يسأل له عن ذلك علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال له عليعليه‌السلام : ان هذا الشئ ما هو بأرضنا، عزمت عليك لتخبرني، فقال أبوموسى الاشعري: كتب إلى في ذلك معاوية، فقال علي

____________________

(١)عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٠٠ الحديث ٥٩ ورواه في القواعد ج ٢، في التساوي في الدين، ص ٢٩٠ س ١٦.

(٢)الكافي ج ٧ باب من لا دية له ص ٢٩٤ الحديث ١٦.

(٣)التحرير ج ٢ كتاب الحدود، في حد المحارب ص ٢٢٤ س ٣٢ قال: (يح) لو وجد مع زوجته إلى قوله: والاقرب الاكتفاء بالشاهدين.

(٤)الكافي ج ٧ باب التحديد ص ١٧٦ قطعة من حديث ١٢ وقد تقدم ايضا.

[*]

٢١٣

[واما القسامة: فلا تثبت الا مع اللوث.]عليه‌السلام : أنا أبوالحسن، ان لم يأت باربعة شهداء فليعط برمته(١) . والتحقيق أن نقول: إن شرطنا المشاهدة فلا بد من الاربعة، وان اكتفينا بالوجدان كفى الشاهدان. (ذكر القسامة)(٢) .

مقدمة

القسامة عند الفقهاء: كثرة الايمان وتعددها، واشتقاقها من القسم، وهو الحلف، وسميت قسامة، لتكثر اليمين فيها. وقال اهل اللغة: القسامة عبارة عن اسماء الحالفين من أولياء المقتول، فعبر بالمصدر عنهم، واقيم مقامهم(٣) . وهي تثبت مع اللوث.

وهو امارة يغلب معها ظن الحاكم بصدق المدعي، كما اذا كان القتيل في دار المدعي عليه، او محلته، وكان بينهما عداوة. وكشهادة الواحد، فأجاز الشارع هنا سماع الدعوى من المدعي واثبات حقه بخمسين يمينا، ثم ياخذ المدعي عليه، فيقتله في العمد، ويأخذ منه الدية في عمد الخطأ، ومن عاقلته في الخطأ المحض، فاجاز الشارع هنا اثبات حق المدعي بيمينه، وان لم تقم البينة. وحجية اليمين اضعف من حجية البينة، فاجاز الشارع في اثبات الدم قبول هذه الحجة الضعيفة، كما اجاز شهادة الصبيان في الجراح والقصاص، تحقيقا لقوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة)(٤) .

____________________

(١)الفقيه ج ٤ باب نوادر الديات ص ١٢٧ الحديث ٩.

(٢)هكذا في جميع النسخ المخطوطة التي عندي، وفي النافع المطبوع (واما القسامة) كما اثبتناه.

(٣)لسان العرب ج ١٢ ص ٤٨١ كلمة (قسم) قال: والقسامة الجماعة يقسمون على الشئ، ويمين القسامة منسوبة اليهم، إلى قوله: ابوزيد: جاء‌ت قسامة الرجل سمى بالمصدر الخ.

(٤)سورة البقرة / ١٧٩.

[*]

٢١٤

فقد خالفت القسامة غيرها من الدعاوي والحقوق في امور.

(أ) كون اليمين ابتداء على المدعي.

(ب) جواز حلف الانسان لا ثبات حق غيره، ولنفي الدعوى عن غيره.

(ج) تعدد الايمان فيها.

(د) ان من توجهت عليه اليمين اذا نكل، لا يسقط الحق بنكوله، بل يرد على غيره من باقي القسامة. وهي ثابتة بالنص والاجماع.

قال الصادقعليه‌السلام : القسامة حق، وهي مكتوبة عندنا، ولو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضا ثم لم يكن شئ، وانما القسامة نجاة للناس(١) .

والبينة في الحقوق كلها على المدعي واليمين على المدعى عليه الا في الدم خاصة.

فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو بخيبر اذا فقدت الانصار رجلا منهم، فوجدوه قتيلا، فقالت الانصار: ان فلان اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للطالبين: اقيموا رجلين عدلين من غيركم، افيدوه برمته، فان لم تجدوا شاهدين، فاقيموا قسامة خمسين رجلا افيدوه برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا، وانا لنكره ان نقسم على مالم نره، فوداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عنده، وقال: انما حقن دماء المسلمين بالقسامة، لكي اذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه، حجزه مخافة القسامة ان يقتل به، فكف عن قتله، والا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلا ما قتلناه، ولا علمنا قاتلا، والا اغرموا الدية اذا وجدوا قتيلا بين اظهرهم، اذا لم يقسم المدعون(٢) .

____________________

(١)الكافي: ج ٧ باب القسامة ص ٣٦٠ الحديث ١ وفيه: عن الحلبي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن القسامة كيف كانت؟ فقال: هي حق الخ.

(٢)الكافي: ج ٧ باب القسامة ص ٣٦١ الحديث ٤.

[*]

٢١٥

[وهو امارة يغلب معها الظن بصدق المدعي، كما لو وجد في دار قوم، او محلتهم، او قريتهم، او بين قريتهم، او بين قريتين، وهو إلى احدهما اقرب، فهو لوث، ولو تساوت مسافتهما كانتا سواء في اللوث. اما من جهل قاتله، كقتيل الزحام، والفزعات، ومن وجد في فلات، او في معسكر، او سوق، او جمعة، فديته من بيت المال. ومع اللوث يكون للاولياء اثبات الدعوى بالقسامة. وهي في العمد: خمسون يمينا، وفي الخطأ خمسة وعشرون على الاظهر] وقد دل هذا الخبر على احكام.

(أ) مشروعية القسامة، وبيان علتها.

(ب) كون اليهودي يقاد برمته كالعبد، وفيه دلالة على جواز استرقاقه.

(ج) توجه الدعوى فيها مع التهمة، لقولهم: (على ما لم نره) ولم تبطل دعواهم بذلك.

(د) القضاء بالنكول من المدعى عليه، وذلك لانها مردودة.

(ه‍) رد الشهادة مع التهمة، لانهعليه‌السلام طلب الشاهدين من غيرهم.

واما اداء‌ه الدية من ماله، فتبرع منه صلوات الله عليه وآله.

واما الاجماع: فمن الامة لا يختلفون فيها على الجملة، وان اختلفوا في آحاد مسائلها.

قال طاب ثراه: وفي الخطأ خمسة وعشرون على الاظهر.

أقول: اختلف الاصحاب في عدد القسامة من الخطأ المحض وعمده على قولين.

(الاول) مساواتهما في العدد لقسامة العمد، وهو خمسون يمينا، قاله المفيد(١)

____________________

(١)المقنعة، باب البينات على القتل ص ١١٤ س ٣١ قال: اقسم اولياء المقتول خمسين يمينا ووجبت لهم الدية بعد ذلك.

[*]

٢١٦

وتلميذه(١) وابن ادريس(٢) واختاره العلامة في القواعد(٣) لانه احوط، وادعى ابن ادريس عليه اجماع المسلمين(٤) .

(ب) خمسة وعشرون: قاله الشيخ في كتبه الثلاثة، النهاية(٥) وكتابي الفروع(٦) (٧) وتبعه القاضي(٨) وابن حمزة(٩) واختاره المصنف(١٠) والعلامة في المختلف(١١) لانه أدون من قتل العمد، فيناسب تخفيف القسامة فيه، اذا التهجم بالدم على القود اضعف من التهجم على الدية، فكان التشدد في اثبات الاول اولى.

____________________

(١)المراسم: ذكر احكام البينات ص ٢٣٢ س ١١ قال: قسامة قتل النفس وماله حكم النفس في الجنايات إلى قوله: وهو خمسون.

(٢)و(٣) السرائر باب البينات على القتل ص ٤٢١ س ٧ قال: والاظهر عندنا: ان القسامة خمسون رجلا سواء كان القتل عمدا او خطأ محضا او خطأ شبيه العمد إلى قوله: وما اخترناه عليه اجماع المسلمين.

(٤)القواعد ج ٢ في كيفية القسامة ص ٢٩٧ س ٢ قال: وفي عدد القسامة في الخطأ وعمد الخطأ قولان اقربهما مساواتهما للعمد.

(٥)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤٠ س ١٧ قال: وان كان خطأ فخمسة وعشرون رجلا يقسمون مثل ذلك.

(٦)كتاب الخلاف: كتاب القسامة، مسألة ٤ قال: القسامة في قتل الخطأ خمسة وعشرون رجلا.

(٧)المبسوط: ج ٧ كتاب القسامة ص ٢١١ س ١٨ قال: وقتل الخطأ فيه خمسة وعشرون يمينا على شرح يمين العمد سواء.

(٨)المهذب: ج ٢ باب البينات على القتل والقسامة ص ٥٠٠ س ٤ قال: واما قتل الخطأ فقسامته خمسة وعشرون رجلا.

(٩)الوسيلة: في بيان احكام الشهادة واحكام القسامة ص ٤٦٠ س ٥ قال: وان كان معه شاهد واحد كان القسامة خمسة وعشرين الخ.

(١٠)لاحظ عبارة النافع حيث يقول: وفي الخطأ خمسة وعشرون على الاظهر.

(١١)المختلف: ج ٢، فيما يثبت به القتل ص ٢٣٧ س ١ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية: والوجه ما قاله الشيخ، لنا انه ادون الخ.

[*]

٢١٧

[ولو لم يكن للمدعي قسامة، كررت عليه الايمان. ولو لم يحلف وكان للمنكر من قومه قسامة، حلف كل منهم حتى يكملوا، وان لم يكن له قسامة كررت عليه الايمان حتى يأتي بالعدد، ولو نكل الزم الدعوي عمدا أو خطأ. ويثبت الحكم في الاعضاء بالقسامة مع التهمة، فما كانت ديته دية النفس كالانف واللسان، فالاشهر: ان القسامة ستة رجال، يقسم كل منهم يمينا، ومع عدمهم يحلف الولي ستة ايمان، ولو لم يكن قسامة، او امتنع احلف المنكر مع قومه سته، ولو لم يكن له قوم، احلف هو الستة. وما كانت ديته دون دية النفس، فبحسابه من ستة.] ولصحيحة عبدالله بن سنان عن الصادقعليهم‌السلام قال: القسامة خمسون رجلا في العمد، وفي الخطأ خمسة وعشرون رجلا، وعليهم ان يحلفوا بالله(١) .

ومثلها حسنة يونس عن الرضاعليه‌السلام : ان اميرالمؤمنينعليه‌السلام جعل القسامة في النفس على العمد خمسين رجلا، وجعل في النفس على الخطأ خمس وعشرون(٢) والتفصيل قاطع للشركة.

قال طاب ثراه: ويثبت الحكم في الاعضاء بالقسامة مع التهمة، فما كانت ديته دية النفس كالانف واللسان فالاشهر: ان القسامة ستة رجال.

أقول: تثبت القسامة في الاعضاء كما تثبت في النفس، فما بلغ دية النفس كانت القسامة فيه ستة رجال عن المشهور، وما كانت ديته دونها فبحسابه من

____________________

(١)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٦٨ الحديث ٧.

(٢)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٦٩ الحديث ٨ س(٨) قال: وجعل في النفس على الخطأ خمسة وعشرين رجلا.

[*]

٢١٨

ستة، قاله الشيخ في الكتب الثلاثة(١) (٢) (٣) وتبعه القاضي(٤) وابن حمزة(٥) واختاره المصنف(٦) والعلامة في المختلف(٧) .

وقال سلار: يوجب الخمسين في العمد وخمس وعشرين في الخطأ(٨) واختاره ابن ادريس(٩) ونقله عن المفيد(١٠) . احتج الاولون: بان الجناية هنا اخف، فكان الحلف فيها اخف، عملا بالتناسب.

____________________

(١)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤١ س ١٥ قال: والبينة في الاعضاء مثل البينة في النفس إلى قوله: وفيها نقص من الاعضاء القسامة فيها على قدر ذلك الخ.

(٢)المبسوط: ج ٧ كتاب القسامة ص ٢٢٣ س ١٣ قال: فاما اذا كانت الدعوى دون النفس إلى قوله: وان كانت الجناية ما يجب فيها دون الدية الخ.

(٣)كتاب الخلاف: كتاب القسامة، مسألةقال: يثبت عندنا في الاطراف قسامة إلى قوله: وان كانت الجناية ما يجب فيها دون الدية الخ.

(٤)المهذب: ج ٢ باب البينات على القتل ص ٥٠١ س ١٢ قال: والبينة في الاعضاء مثل البينة في النفس إلى قوله: وفيما نقص من الاعضاء الخ.

(٥)الوسيلة: في بيان احكام الشهادة على الجنايات واحكام القسامة ص ٤٦٠ س ٧ قال: وان كانت الجناية على النفس إلى قوله: وان اوجبت نصف الدية ففيها ثلاث ايمان، وان اوجبت سدس. الدية ففيها يمين واحدة الخ.

(٦)لاحظ عبارة النافع حيث يقول: وما كانت ديته دون النفس فبحسابه من سته.

(٧)المختلف: ج ٢، فيما يثبت به القتل ص ٢٣٧ قال بعد نقل قول الشيخ: والوجه ما قاله الشيخ.

(٨)المراسم: ذكر احكام البينات ص ٢٣٢ س ١٠ قال: فاعداد القسامة على ضربين إلى قوله: والثاني قسامة ما دون ذلك وهو بحسابه.

(٩)و(١٠) السرائر باب البينات على القتل ص ٤٢١ س ١٧ قال: وكل شئ من اعضاء الانسان إلى قوله: وبحسبه من الايمان من حساب الخمسين يمينا ان كانت الجناية عمدا، او خمسة وعشرين ان كانت الجناية خطأ إلى قوله: وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد.

[*]

٢١٩

وبحسنة يونس عن الرضاعليه‌السلام ، وقال في حديث عن اميرالمؤمنينعليه‌السلام : وعلى ما بلغت ديته من الجوارح الف دينار، ستة نفر، وما كان دون ذلك فبحسابه من ستة نفر(١) .

واحتج الاخرون بالاحتياط.

فروع حول القسامة

(الاول) القسامة يثبت في العبد كما يثبت في الحر، ويثبت السيد بها دعواه. ومنعه ابوعلي(٢) لانه مال فحكمه حكم البهيمة، قال في الخلاف: لسيد العبد القسامة اذا كان هناك لوث(٣) ، لعموم الاخبار الواردة بالقسامة في القتل(٤) .

(الثاني) القسامة خمسون مع اللوث، سواء كان اللوث شاهدا أو غيره، وقال ابن حمزة: يحلف مع الشاهد خمسة وعشرون يمينا(٥) .

(الثالث) المشهوران كلا من المدعي والمدعى عليه يتعدد عليه الايمان خمسون يمينا ان كان واحدا، وان كانوا اكثر توزعت عليهم الايمان بالنسبة، وهو مذهب

____________________

(١)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٦٨ الحديث ٧.

(٢)المختلف: ج ٢، في اللواحق ص ٢٦٦ س ١٦ قال: مسألة قال ابن الجنيد: ولا قسامة في بهيمة ولا في عبد مقتول.

(٣)لوث بفتح اللام وتسكين الواو، وهو التهمة القاهرة، لان اللوث القوة، يقال: ناقة ذات لوث، أي قوة (نقلا من السرائر ص ٤٢١ س ٥).

(٤)كتاب الخلاف: كتاب القسامة مسألة ١١ قال: اذا قتل عبد وهناك لوث فلسيده القسامة إلى قوله: لنا عموم الاخبار الواردة.

(٥)الوسيلة، في بيان احكام الشهادة على الجنايات واحكام القسامة ص ٤٦٠ س ٥ قال: وان كان معه شاهد واحد كان القسامة خمسة وعشرين يمينا.

[*]

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430