المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٥

المهذب البارع في شرح المختصر النافع13%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 430

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52708 / تحميل: 7782
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والتصديق هما قسما العلم، وكلاهما يعرَّفان بحصول الصورة لدى العقل، والفَرق بينهما أن التصور لا يوجب الإذعان والحكم، بينما التصديق يوجب حصول الإذعان والحكم؛ ولذا فالحكم خارج عن التصديق وليس هو جزء القضية، وإنما هو فعل تقوم به النفس، فبعد تصور الموضوع والمحمول والنسبة، تصل إلى الحكم، وهو الدمج بين الموضوع والمحمول، وهذه وظيفة العقل العملي الذي يقوم بالحكم والإذعان بما أدركه وتصوَّره العقل النظري، وهذا فعل غير الإدراك، تقوم به قوة غير القوة التي وظيفتها الإدراك.

ومن هنا نقول: إن العقل له أمر ونهي تكويني؛ أي بعث وزجر للقوى الأخرى الكُلِّية.

* بناء على هذا التفكيك بين القوتين تتَّضح لنا حقيقة العقل النظري؛ فهو يدرك نمطين من القضايا، أحدهما: لا يرتبط بالعمل كالقول بان الوجود المادي متناهي، والأخرى: ترتبط بالعمل، وهذا القسم من الإدراكات يتناوله العقل العملي بعدئذ ويؤثِّر على القوى المادُون لتنصاع إليها، فهو الرابط بين العقل النظري والقوى السفلية، وكمال العقل العملي هو الانصياع إلى إدراكات العقل النظري الصادقة.

* بالبيان السابق اتضحت النقاط التي كنا أثرناها في مقدِّمة الفصل الأوَّل؛ من أن معنى الإيمان والتسليم هو الإذعان، وهو وظيفة العقل العملي، وأنه ليس إدراكاً صرفا، فهناك ثلاث مراحل: فحص، و إدراك، وإذعان وإيمان.

* قال العرفاء: إن الإنسان في حالة صعود وهبوط دائمين. ومقصودهم من ذلك: أن الإنسان في حركاته اليومية وطريقة تفكيره ينتقل في درجات وجودية مختلفة أدناها هي المتصلة بعالم المادة وأعلاها هي المجرَّدة تجرُّداً تامَّا، فيبدأ من الدرجات الحسية، وهي المجردة عن المادة - دون أحكام المادة - إلى الخيال، وهي مجردة عن المادة - لا عن المقدار - ولا ترتبط بالجزئي الحقيقي كالحسي، إلى الوهم،

٦١

وهو إدراك المعاني الخالية عن المقدار كالحب والبغض، وهي مع تجرُّدها عن المادة وأحكامها إلاّ أنها متعلِّقة ومضافة إلى جزئي معين؛ إلى العقل ذي التجرُّد التامِّ عن المادة وأحكامه، وهذه كلها درجات وجودية في الإنسان.

والإنسان المهذَّب والكامل في صَلاته يتوجَّه بقلبه إلى ما فوق عالم العقل؛ حيث الصقع الربوبي والرؤية القلبية، وإلى هذا نمط من الإدراك، لكنَّه ليس بالقوة العاقلة، ويطلق عليه: الإدراك القلبي؛ وهو ذو درجات أربع: سر، وخفي، وأخفى، وهي ليست من سنخ الإدراكات الحصولية، بل إدراكات حضورية، وهذا استدراك لتوضيح درجات الإنسان الوجودية ومعرفة النفس البشرية، وسوف يأتي مزيد بيان للعلاقة والارتباط بين هذه المراتب.

* من النقاط السابقة يتَّضح لنا تعريفاً آخر للعقل العملي؛ وذلك لأننا قلنا: إن مهمته الأساسية هي الإذعان والحكم، وهذا قد يكون بقضايا ترتبط بالعمل، وحينئذٍ يترتَّب على الحكم والإذعان بها تأثُّر القوى السفلية، وقد يكون بالحكم والإذعان بقضايا لا ترتبط بالعمل كحدوث العالم وعدم تناهيه.

٦٢

التنبيه الأوَّل:

الحسن والقبح العقليَّان

هذه المسألة من أمهات مسائل علم الفلسفة وعلم الكلام والتي جرى البحث عنها منذ القدم في بداية عهد الفلسفة الإسلامية وقبلها الفلسفات الهندية الفهلوية واليونانية. وقد ذهب الأشاعرة إلى كونهما اعتباريين بجعل العقلاء، وأيَّدهم في ذلك بعض الإمامية وذهب كثير منهم إلى القول بعقليَّـتهما وتكوينيَّـتهما. ويبتني على هذه المسألة ثمرات عدَّة؛ إذ أن أغلب البراهين تعود إلى حسن العدل وقبح الظلم، فإذا كان الحسن والقبح اعتباريين، فإن الاستدلالات سوف تكون خطابية لا برهانية. وتظهر خطورة المسألة أكثر حيث يذهب كثير من المتأخرين إلى اعتبارها من المشهورات التي لا واقع لها وراء تطابق آراء العقلاء، وينتج عن ذلك اختلال البنية التحتية للشريعة؛ وذلك لأن المتكلمين يقولون: إن الأحكام الشرعية ألطاف في الأحكام العقلية؛ أي أن العقل لو علم بمِلاكات الأحكام الشرعية، لحكم بها، فهي موضوعات لطف في الكمال يحكم بها العقل لو اطلع عليها. فإذا كانت البنية التحتية للشريعة هي الأحكام العقلية، وهي مسألة الحسن والقبح، وهي مسألة اعتبارية بيد المعتبر وتتَّبع نظره، فينتج من ذلك تغيير الأحكام تبَعاً لتغيير الأفكار، وهو ما يُعرف حديثا بنظرية: تغيُّر المعرفة الدينية أو بسط وقبض الشريعة، فلا

٦٣

تتَّصف الشريعة حينئذ بالثبات، ولكن بحمد للَّه ومنّه هذا الإشكال وغيره مدفوع حتّى على القول باعتبارية الحسن والقبح كما سوف يأتي بيانه.

من الناحية التاريخية المسألة مرَّت بمراحل متعدِّدة:

1 - إن الفلاسفة القدمى قبل الإسلام، سواء في الهندية أم البهلوية أم الحرانية أم اليونانية، كلُّهم قائلون بعقلية المسألة، وممَّن أشار إلى عقليَّـتهما من المسلمين الفارابي في كتابه المنطقيات.

2 - إن ابن سينا الذي قام بمهمة ترجمة كتب القدماء عدل عن هذا الرأي ولم يبيِّن عدوله ولم يشر إليه، وهكذا أثَّر في مَن أتى مِن بعده؛ حيث تعاملوا مع كتبه على أنها ترجمة أمينة لكتب القوم. وقد تأثَّر هو في ذلك بما ذكره أبو الحسن الأشعري في التفكيك بين معاني الحسن والقبح.

وابن سينا تتضارب كلماته، فهو في منطق الشفاء والإشارات يمثِّل للمشهورات بالحسن والقبح؛ وهي الآراء المحمودة التي تطابقت عليها آراء العقلاء، وفي مقام أخر في النمط الثالث من الإشارات يقول: (إن أحكام العقل العملي تستعين بالنظري وقضاياه، إما أوَّليَّات أو مشهورات)، وكذلك عبارات أخرى كما في إلهيات الشفاء في مسألة استجابة الدعاء يذكر فيها: أن قضايا الحسن والقبح قضايا حقَّة يمكن إقامة البرهان عليها.

3 - بعض المتأخرين كالمحقق اللاّهيجي في كتابة (گوهر مراد)، والسبزواري في (شرح الأسماء الحسنى)، ذهب إلى أنها تكوينية ولا ينافي كونها مشهورة من جهة أخرى.

4 - المحقَّق الأصفهاني ومَن بعده ذهب إلى أنها اعتبارية مطلقاً ولا يمكن إقامة البرهان عليها، وهذا هو المذهب السائد إلى الآن.

٦٤

من خلال هذا السبر التاريخي نلاحظ كيف تحوَّلت هذه القضية من عقلية تكوينية إلى اعتبارية جعْلية.

أمَّا الأسباب التي دعت ابن سينا إلى القول بالاعتبارية:

1 - المغالطة التي ذكرها أبو الحسن الأشعري بالتفكيك بين معاني الحسن والقبح وجعل بعض المعاني تكوينية، أمّا معنى المدح والذم، فليس كذلك؛ وذلك لأنه لو كان بديهيا لأذعن به الجميع، فمن ثَمّ أدرجه في المشهورات. ولم يكن هو أول من ذكر هذه المغالطة، بل أن السوفسطائيين اليونانيين معاصرو سقراط قالوا بهذه المقالة وردهم سقراط في مؤلَّفاته.

2 - تعريفه للعقل العملي؛ حيث إنه قد عرَّفه بتعريف هو عين العقل النظري والاختلاف بينهما في المُدرَك، وأن العقل، مطلقاً، شأنه الإدراك، وليس من شأنه التأثير والانفعال، فكيف يمكن تصوّر أنَّ العقل له تدخُّل في أعمال الأفعال النفسانية! بل العمليات ليست إلاّ تأديبات وعادات، وهذا المبنى على خلاف مبنى الفلاسفة المتقدِّمين كالفاربي وتقسيمهم الحكمة إلى نظرية وعملية.

3 - غضَّ ابن سينا النظر عن أحد قسمي البرهان الذين ذكرهما أرسطو، وهو البرهان العياني أو الشهودي، ويمتاز هذا البرهان بأنه يقام على إثبات الجزئيات الحقيقية، واكتفى بالقسم الأول المعروف في باب البرهان، وهو مختص بالكليَّات؛ لذا يشترط فيه الأبدية وعدم التغيير.

ولا بأس بذكر نبذة عن هذا البرهان:

هناك قوة في الإنسان تسمَّى: قوَّة الفطنة، وهذه قوة تُرَوِّي أعمال الإنسان وتُراعي صدور الإرادة على طبق الحكمة، فهي قوة تكون محيطة بأحوال الأمور الواقعية الجزئية فتوجب انطباق الكليات على الجزئيات والوصول إلى الكمال المنشود.

٦٥

توضيح ذلك:

أن إدراك القضايا، حتّى العملية، لا يكفي للوصول إلى الكمال، وإنما هذا هو كمال لقوة خاصة وهي العقل النظري، وكمال العقل العملي والقوى السفلى يكون بالانصياع إلى القوة العملية، ولكن هذا وحده لا يكفي، بل يجب أن تكون هناك آلة وأداة تميِّز حال الجزئيات الحقيقية، لا سيما في الأمور الاجتماعية. وعدم إدراك الواقع الجزئي على ما هو عليه يؤثِّر في عدم الوصول للكمال المنشود؛ لأن تنزُّل القضايا الكلية إلى الجزئية لا يتمُّ إلاّ بأداة قادرة على استكشاف حال الجزئي على ما هو عليه وتطبيق الكلي عليه، فيكون تسلسل الادراكات بالنحو التالي:

* - مرحلة إدراك الكمال في الأعمال والبرهان عليها، وهذا يقوم به العقل النظري.

* - ثُم مرحلة الإذعان في العقل العملي والتأثير على القوى السفلى.

* - ثُم مرحلة تشخيص الأمور الجزئية بالدقة وتطبيق تلك الكليات عليها.

وشبيه هذا التسديد عند التنزُّل من الأعلى إلى الأسفل قوله تعالى: ( بِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبالْحَقِّ نَزَلَ ) فهو إشارة إلى السداد والعصمة في مراحل التنزيل؛ حيث كونه حقَّاً لوحده لا يكفي، بل يجب أن يكون السداد في النزول، وفي النفس الإنسانية الإدراك والإذعان وحده غير كافٍ، بل يجب أن يحصل التسديد في التنفيذ على الأمور الخارجية الجزئية، وهذا لا يكون إلاّ بقوة الفطنة، وهي قوة فوق القوى المادون (الغضبية والعمّالة والشهوية)، فهي تستخدم هذه القوى للوصول إلى الجزئي الحقيقي المندرج تحت الأجناس العالية، فتصدر بعد ذلك أوامرها في عالم النفس لتولِّد الشوق والإرادة وصدور الفعل بعد ذلك.

وقوة الفطنة هي التي تقوم بالبرهان العياني الذي يحتاجه الإنسان في تطبيق الكليات على الجزئيات، والكمال في الواقعة الجزئية مبتنٍ على هذا البرهان.

فتلخص الفارق بين البرهان العياني والبرهان النظري:

٦٦

1 - إن البرهان النظري هو مختص بالكليات، والعياني للجزئيات.

2 - إن النظري يتوسَّط العقل النظري والعملي، أمّا العياني، فيتوسَّط العقل النظري والعملي والفطنة.

أمَّا كيف أدَّت الغفلة عن هذا القسم من البرهان إلى إنكار الحسن والقبح العقلي، فبيانه:

إنه لو أذعنَّا بلزوم كون الأعمال برهانية، فلا بدَّ من القول بارتكاز الجزئيات على أنها قضايا برهانية، والذي يمكنه البرهنة على أن الجزيئات حسنة وحكيمة إمّا الحسن والقبح وإمّا التشريع؛ أي أنّ إدراك حسن وكمال الأفعال الجزئية يكون بأحد هذين، والأحكام الشرعية ألطاف في الأحكام العقلية.

وبتعبير أخر: أن البرهان العياني يبرهن على أن العمل الجزئي على وفق الحكمة والكمال، ولا يمكن البرهنة على كل واقعة جزئية إلاّ بتوسط استناد البرهان إلى قضايا يقينية، لا قضايا مشهورة لا أساس لها إلاّ الاعتبار، فحينئذ يحصل الالتفات إلى أن قضايا العقل العملي والحسن والقبح تكوينية لا مشهورة.

ـ وحينئذٍ نقول: إن التوحيد النظري وحده - من دون تنزُّله إلى توحيد عملي - هو توحيد أجوف، ولا يحصل هذا التنزُّل من التوحيد النظري إلى التوحيد في الطاعة إلاّ بالبرهان العياني وقوة الفطنة.

ومن هنا أن التوحيد والاعتقاد بالنبوة من دون الولاية لا يُقبل: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) وسيأتي بسط الكلام فيه.

فهذه الأمور الثلاثة هي التي سبَّبت الخلط الحاصل لدى ابن سينا، وعليه ابتنى اشتباه المتأخرين.

بعد اتضاح هذا الخلط التاريخي في مسألة القبح والحسن، نعرض للأدلة التي أُقيمت على اعتباريَّتهما ومناقشتها، ثُم نعرض إلى الأدلة التي ذكرها صدر

٦٧

المتألهين.

أدلَّة اعتبارية الحسن والقبح:

1 - اختلاف العقلاء في تحسين بعض الأمور وتقبيحها باختلاف الأزمنة والأمكنة، فهذا يعني عدم وجود واقع تكويني ثابت؛ بحيث يبقى الشي‏ء حسناً دائماً أو قبيحاً دائما.

2 - نفس وقوع التشاجر بين العلماء حول اعتباريتهما أو عقليَّتهما.

3 - يذكرون في إثبات النفس: أن الإنسان لو خلق من دون أعضاء أصلا، فإنه سوف يدرك ذاته، وهذا يدل على مغايرة الذات للبدن، وهكذا فيما نحن فيه، فلو خُلق الإنسان وحيداً في هذا العالم ولم يؤدَّب على العادات الحسنة ولم يلاقِ أيَّ إنسان آخر، فإنه سوف لن يحكم بحسن العدل وقبح الظلم، فهذا يدل على أنهما ليسا تكوينين، بل هما أمران جعليَّان.

4 - إن العقلاء إنما يحكمون بهذا الحكم من أجل مصلحة اجتماعهم ونظامهم، فلو انعدم الاجتماع والنظام، لَمَا حكم العقلاء بذلك وبعبارة أخرى: أنّ هذه الأحكام للوصول لإغراض أخرى بواسطة هذا الاعتبار.

5 - ما ذكره المحقِّق الأصفهاني: أن الفعل المقتضي للمدح والذم على أحد نحوين، إمّا بنحو اقتضاء السبب لمسبَّبه والمقتضي لمقتضاه، وإمّا بنحو اقتضاء الغاية لذي الغاية.

أما السببية والمسبَّبية، فهي تكوينية، لكنَّها ليست ناشئة عن النزعة العقلية وقوى الإنسان العقلية؛ بل هي ناشئة بدواع حيوانية كالانتقام والتشفِّي والغيظ. أما الغاية وذي الغاية، فإنها إذا ثبتت، فهي تعني وتدل على الاعتبارية؛ لأن الغاية لهيئة الاجتماع الاعتبارية، والمدح والذم،موجب لِمَا فيه صلاح العامة، فهو اعتباري محض.

٦٨

6 - ما ذكره ابن سينا والأصفهاني: أن الحسن والقبح لو كانا عقليين تكوينيين، لَمَا خرجا عن إحدى البديهيات الست وهما ليسا بواحدة منها، فيبطل كونها من البديهيَّات.

7 - إن المدح والذم يعدُّه العقلاء من الإنشائيات، والإنشاء من سنخ الاعتباريات.

8 - ما ذكره الشهيد الصدر: أن تعريف العدل هو إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه، والظلم هو منع الحق، والحق أمر اعتباري قانوني، فكذلك العدل والظلم. ومن هذا القبيل ما ذكره العلامة الطباطبائي من عروض الحسن والقبح على الأمور الاعتبارية كالتوقير والاحترام.

و هذه الأدلة كلها مردودة. و قبل أن نستعرضها نتعرض لِمَا ذكره الأشعري بالتفكيك بين معاني الحسن والقبح، و هو كما ذكرنا أحد الأسباب التي أدَّت إلى مغالطة ابن سينا.

* إننا يجب أن نلاحظ الحد الماهوي للمدح و الذم؛ فالمدح هو القضية المتكفِّلة لحمل كمال معين على موضوع معين، والذم بخلافه. وعليه يُعلم أنه يجب أن يكون الممدوح آتٍ بكمالٍ، فيكون المدح هو التوصيف بالكمال، والذم هو التوصيف بالنقص، ولا يمكن أن يُمدح بغير كمال أو يذم بغير نقص؛ فيجب أن يكون هناك واقع يطابقه المدح والذم.

وبتعبير أخر: إن وظيفة المدح هو الحكاية الحقيقية عن الكمال، أي المحمول الذهني الحاكي عن الكمال الحقيقي الخارجي، والذم كذلك، فالارتباط بينهما هو الارتباط بين الحاكي والمحكي عنهما، وهما متَّحدان هويةً ومختلفان وجودا، فالكمال الحقيقي وجود خارجي، والمدح وجود ذهني. وحكاية وجود عن وجود أمر متسالم عليه، وأكمل صورة هو حكاية

٦٩

الموجودات عن وجود الخالق؛ إذ أنها آيات عظمته وقدرته، وكلَّما كان الوجود أكمل، فحكايته عن الوجود الإلهي أعظم وأتم. وقد قال عليه‌السلام : (ما للَّه آية أكبر منّي) باعتبار أن الكمالات التي وصل إليها عليه‌السلام ( بغير وجوده البدني) حاكية عن وجود الحق أكثر من حكاية السماوات والأرضين. فالوجود الخارجي يكون حاكياً عن وجود خارجي آخر أكمل وأتم من الأول. فالحكاية ليست مقتصرة على الوجود الذهني، بل إن الأفعال القبيحة الصادرة من الفاعل البشري المختار حاكية عن الهيئات الرديئة في النفس.

* ثُم إنه لا مضايقة في أن يخلق الإنسان وجودات اعتبارية للأمور الخارجية العينية؛ وذلك لغرض الاحتياج إلى هذا الاعتبار من أجل الاجتماع والتفاهم، وهذا الوجود الاعتباري لا يلغي الوجود التكويني الخارجي العيني، ومثاله الواضح: الوجود اللفظي والوجود الكتبي، فهما وجوادن اعتباريان دعت إليهما الحاجة، وهذان الوجودان الاعتباريان يكونان حاكيين عن الوجود العيني الخارجي. وقد تدعو الحاجة إلى اعتبار وجودات أخرى حاكية عن الوجود الغيبي.

وهكذا نستطيع ملاحظة الهجاء الوارد في القرآن، فهو وإن كان إنشائياً، لكنَّه حاكٍ عن أمور تكوينية وواقع خارجي، وإنما أظهره القرآن بإنشاء الهجاء؛ لإعلام الآخرين بما حصل في الأقوام الآخرين.

* ثُم إن الشجار في الأمر البديهي لا يؤدِّي إلى عدم البداهة؛ نوضح ذلك من خلال علم المنطق: إنه قد تعتري الإنسان أسباب تؤدِّي إلى إنكار البديهة كالمغالطة والشبهة في قبال البديهة، وهذا الإنكار لا يؤدِّي إلى إنكار بديهية القضية.

وقد يكون الإنكار في بعض الأحيان نتيجة حالة مرضية تصيب القوة العاقلة؛ حيث لا ينصاع العقل العملي لمدرَكات العقل النظري، فيصاب بحالة التشكيك الدائم كما وقع للرازي. فهذا كلُّه لا يؤدِّي إلى عدم بداهة القضية.

٧٠

هذا كلُّه جواب إجمالي عن أدلة اعتبارية الحسن والقبح، أمَّا الجواب التفصيلي:

1 - إن اختلاف العقلاء في التحسين والتقبيح حسب اختلاف الأزمنة والأمكنة إما أن يكون ناشئاً من اختلاف التشخيص؛ أي عدم إصابة الكمال الواقعي والنقص الواقعي، وذلك لاختلاف الافهام والعقول، وإما أن يكون ناشئاً من اختلاف الظروف البيئية المختلفة كالاختلاف بين الأماكن الباردة والحارة، فإنه في الأولى يقبح لبس الملابس الخفيفة بخلاف الثانية.

2 - أمّا وقوع التشاجر والخلاف بين العلماء، فيُعلم جوابه مما مر.

3 - أمّا ما ذكروه من أن الإنسان لو خُلق وحيداً أو لم يؤدب، لَمَا حَكم بحسن أو قبح، فإن هذا كالمصادرة على المطلوب، بل إن العقل يحكم بحسن العدل وقبح الظلم ولو لم يكن هناك اجتماع أو لم يؤدب، فإن الظلم - كما سوف نبيِّن - هو ممانعة شخص لكمال آخر، فلو عرِف العقل بذلك التعريف وفكّر به، فإنه سوف يحكم لا محالة بقبحه.

وابن سينا نفسه وقع في التناقض؛ حيث قال في إلهيات الشفاء في مسألة استحابة الدعاء والتضرُّع والتوسُّل: إن أكثر ما في أيدي الناس من الحسن والقبح حقٌّ يقام عليه البرهان.

4 - أمّا ما ذكره المحقق الأصفهاني؛ من أن سببية الفعل للمدح والذم تكون من مناشئ حيوانية، فهو غير تام؛ وذلك لأن للعقل ملائمات ومنافرات، وبالتالي يمكن أن يكون المنشأ هو داعٍ عقلي محض، ويكون العقل سبباً للمدح والذم، وهذا واضح في الكُمّلين من البشر، حيث نلاحظ أن انفعالاتهم ومدحهم وذمهم ليس ناشئاً من دواع حيوانية؛ وذلك لأن قواهم كلّها منصاعة تماماً للقوى العقلية، فتكون كل تصرفاتهم منبعثة عن العقل، فعندما يذمُّون ظالماً - مثلاً - لا يكون الذم بداعي

٧١

الغريزة الحيوانية. ويمكن أن يكون تعبير القرآن عن موسى: ( وَلَمّا سَكَتَ عَنْ مُوسى الغَضَبُ ) إشارة إلى

ذلك؛ إذ أن النطق والسكوت من خصائص الإنسان، بخلاف الحركة والسكون العامة لمطلق الحيوان، فقد استخدم تعبير السكوت للدلالة على أن غضبه لم يكن ناشئاً من القوى الحيوانية، بل من القوى العاقلة؛ وسرُّه هو ما ذكرناه.

وهذا التحليل هو الذي يفسِّر لنا كيف أن الإنسان الكامل يكون رضاه رضا اللَّه وغضبه غضب اللَّه؛ لأن قواه كلها منصاعة لقواه العقلية التي هي معصومة في ما تتلقَّاه من مدرَكات عن العوالم العلْوية من مشيئة اللَّه.

ومن الجهة الأخرى؛ أي عندما نُخبَر بأن رضا اللَّه في رضا فاطمة (إن اللَّه يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها) فإن هذا يعني عصمتها؛ لأن هذا يعني سلامة النفس والانقياد إلى القوة العاقلة التي هي في اختيار مشيئة اللَّه، والتعبير المزبور إنما يُطلق ويصدق عندما يكون العبد تمام مظهر الطاعة والتبعية لربِّه.

5 - أمّا إشكال الشهيد الصدر، فجوابه بمخالفته لتعريف الظلم والعدل، فإن التعريف الصحيح للعدل هو: وصول كل موجود إلى كماله المطلوب من دون إعاقة وممانعة موجود آخر. والظلم هو: ممانعة موجود من وصول موجود آخر لكماله. فالعدالة الاجتماعية - مثلاً - هي: وصول كل أفراد المجتمع في حسن نظام المجتمع إلى كمالاته الممكنة من دون إعاقة الأفراد الآخرين، أما عندما تصل طبقة لكمالها على حساب طبقة أخرى، فإنه يكون من الظلم الاجتماعي. والتشريع إنما يكون عادلاً؛ لأنه يكون كاشفاً عن الكمالات المخبوءة في الأفعال والتي بها يصل الإنسان لكمالاته.

فالعدل كمال والظلم نقص، فيكون توصيف العدل والظلم بالحسن والقبح تكوينياً لا اعتباريا.

٧٢

أما الاحترام والتعظيم، فنفس الاحترام والتعظيم ليس بشي‏ء، بل المهم هو الداعي للاحترام والداعي للتعظيم؛ لِمَا فيه من ترويض النفس، وهو في الواقع تقديس واحترام للكمال المخبوء في ذلك الشخص، فالتقديس ليس للبدن، بل للصفات العالية، ومن هنا نقول: إن التقديس إذا كان للحقائق والكمالات، فهو دعوة نحوهما وسير حثيث اتجاههما.

وبهذا يختلف عن تقديس الأباطيل والخرافات، فهذه قدسية باطلة. وبتعبير آخر، يمكن القول: إن القدسية والتقديس هو خضوع قوى الإنسان السفلى إلى قواه العقلية العملية، فإذا كانت تلك القوى العملية مصابة بحالة مرضية وتنصاع للأباطيل، فتكون قدسية مذمومة. أمّا لو كانت القوة العملية منصاعة للكمالات العالية والتي بها تكبح جماح القوى المادون، فإنها قدسية محمودة.

6 - أمّا ما ذكر من أن المدح والذم من الإنشائيات، فقد ذكرنا أن الإنشاء لا يصدر إلاّ من داعي، وهذا الداعي أمر تكويني؛ فالهجاء هو إظهار للنقص التكويني، والمدح إبراز للكمال الخارجي الحقيقي، والبلاغيُّون قد أذعنوا بأن أقسام الإنشاء هي عناوين لماهيَّات الدواعي.

فتبيَّن من كل ما سبق: أن الحسن والقبح أمران تكوينيان واقعيان، وليسا اعتباريين كما ذهب إليه جلّ المتأخرين.

أدلَّة واقعية الحسن والقبح:

ونلفت أخيراً إلى براهين أقامها صدر المتألهين تثبت تكوينية الحسن والقبح؛ ذكرها بعد أن كان قد أنكر واقعيتهما عندما تعرض لهما ابتداءً، وهذا يلفت إلى الخلط والتردد الحاصل لدى مَن أتى بعد ابن سينا، بسبب الاضطراب الحاصل في كلماته.

والبراهين التي ذكرها للدلالة على واقعية الحسن والقبح ثلاثة:

٧٣

1 - العناية الإلهية:

أي أن للحق تعالى عناية بخلقه. والقاعدة الفلسفية المثبَتة هنا هي: أن علمه بالنظام الأتم والأكمل ورضاه به لهذا النظام. توضيح ذلك:

أن الباري يكون على أكمل وأشرف وأعلى ما يمكن أن يكون في مقام ذاته، فالصادر من الحق يكون كذلك؛ حيث أن آيات ومخلوقات اللَّه تدل على صفة الكمال في الباري، والنظام الذاتي يكون علة للنظام الخلقي، وإفاضة الكمال على ما دون هو من العناية.

وهكذا يستفيد الملا صدرا أنّ علم الباري هو منشأ إفاضة الكمالات للمخلوقات، وصفة العناية هذه هي التي تفيض ما يعرف بالنظام الأحسن والأكمل، حيث يكون كل عالم من العوالم بنحو يؤدي إلى تحقيق الكمالات الوجودية بنحو أكثر وأرفع، فعناية الحق توصل تلك الموجودات الفاعلة بالإرادة إلى أكمل ما يمكن أن تكون عليه، ومن هنا يستدل على ضرورة التشريع والتقنين الإلهي؛ حيث إنه يرشد الفاعل الإرادي إلى طريق هذا الكمال.

ومؤدّى هذه القاعدة (العناية) يمكن أن يستبدل بقاعدة اللطف المعروفة إلاّ أن الأولى الحاكم بها هو العقل النظري، والثانية الحاكم بها هو العقل العملي.

ونعود فنقول: إن الأفعال يجب أن تؤدي إلى الكمال المطلوب، وهذا يقتضي أن يكون لهذه الأفعال في الواقع كمال مُعين (العلم تابع للمعلوم الذاتي) وهو النظام الكمالي الذاتي، فالعلم (فعله الصادر) يتحدَّد طبقاً للكمال الذي في المعلوم، وهذا يعني أن في الأفعال الإرادية، في حد نفسها، كمال ونقص، وأن الخير والشر نابع من واقع الفعل الإرادي، وأن الحكم التشريعي الإلهي على طبق ما في الأفعال من خير وشر، فهو كاشف عمّا هي عليه في الواقع، لا كما يقوله الأشعري: إن واقع الفعل تابع لنمط التشريع، ولا هوية له في نفسه. أو لك أن تقول ما قدَّمناه؛ من أن حقيقة المدح: الإخبار عن الكمال. والذم: الإخبار عن النقص، فللأفعال الإرادية في نفسها مدح وذم؛ أي حسن وقبح.

٧٤

2 - تجسُّم الإعمال:

وهي قاعدة مهمة نقَّحها بوضوح فائق فلاسفة الإمامية مسترشدين بالروايات الواردة في ذلك؛ ومؤداها: أن تكرار الفعل يولِّد ملكات إما حسنة نورانية أو ملكات رديئة، وكلّما ازدادت، ترسَّخت في النفس أكثر حتّى تصبح جوهرية. من هنا قالوا: إن الإنسان ليس هو النوع الأخير، بل يتلبَّس بعد الصورة الإنسانية بصورة وفعل إما ملكي أو شيطاني أو بهيمي أو سبعي. وهكذا - وفي كل نوع - هناك شعب أخرى. بيان ذلك:

إن الإنسان في سعيه نحو الكمال إنما يبتغي أن يحصل على ما له ثبات، والكمال العرضي يكون في معرض الزوال، فيعود حاله إلى ما كان عليه قبل تحصيله. فهو يسعى لأن يحصل على كمال ذاتي يكون بنحو جوهري لا أن يكون معرَّضاً للزوال، وبهذا يتكامل ويصعد في سُلّم الكمالات ويثبت عند كل درجة، ويحصل هذا التغيير الجوهري عن طريق الأفعال المؤدية للكمال؛ حيث يُحدث الفعل - عند تكراره والمواظبة عليه - حالات في النفس تنتقل إلى هيئات، ثُم تتنقل إلى ملكات، فتشتد حتّى تصل وتصبح فصولاً جوهرية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن البدن يكون بشكل يتناسب مع القوة التي يتملَّكها الإنسان وغيره، فمثلاً في الذئب الهيئة الجسمانية لها تناسب مع القوة التي يمتلكها، ودلَّت الروايات على أن الأجسام الأخروية هيئتها تابعة للفصول الجوهرية التي يتكامل بها الإنسان أو يتناقص.

أمّا تطبيق القاعدة على ما نحن فيه، فهو أن موارد الحكم بالحسن هي نفسها في موارد الفضائل والكمالات، حيث يتبين أنها توجب تجسُّم تلك الأعمال بصورة نورانية، وموارد الحكم بالقبح هي نفسها موارد النقص التي تتجسَّم بصور رديئة ظلمانية، فيظهر من ذلك أن الحكم بالحسن والقبح ليس اعتبارياً، بل أمراً عقلياً له من مناشئ تكوينية.

٧٥

3 - قاعدة الغاية:

وهذه قاعدة تُبحث في أبحاث العلل، وهي تعني وجود ارتباط بين صدور الفعل وغايته؛ بمعنى أن تصور النتيجة المترتبة على الفعل القصدي تكون دافعاً لرغبته للقيام بذلك الفعل، فهناك ارتباط بين الوجود العلمي للغاية وفاعلية الفاعل، وهناك ارتباط بين الوجود الخارجي للفعل والتوصل للغاية، فالوجود العلمي هو في سلسلة العلل المتقدِّمة على الفعل والثانية متأخرة عن وجود الفعل. وقد وردت هذه القاعدة في بيانات عدّة ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) فهناك تقدير مقدّم على الخلق وهداية لهم بعد الخلق، فالمخلوقات في سير تكاملي، وهو الغاية التي من اجلها خُلقت. وهذا البرهان بهذا النحو يختلف عن برهان النظم وإن اقتربا من بعضهما. وإنكار العلة الغائية يساوق إنكار العلة الفاعلية.

أما تطبيق ذلك على الحسن والقبح، فبيانه: أن الفاعل الإرادي لا يفعل فعلاً إلاّ لأجل غاية، وهذه الغاية هي تحقيق الكمال، فالكمال يتحقق بهذا الفعل، وهذه هي الموارد التي يحكم بها العقل بالحسن، فالحسن راجع لكمالٍ يتحقق بواسطة هذا الفعل، فهو أمر واقعي، والكمال المقصود هو: كمال للقوة العاقلة وما فوقها من درجات النفس، وتكون موجِبة للقرب الإلهي. أما في موارد القبح، فإن الكمال الذي تحققه بالأفعال هي كمالات للقوى الشهوانية والغضبية، فدعوى الأشعري: أن لا حسن ولا قبح واقعي في الأفعال، يساوق إنكار العلة الغائية، وإنكار العلة الغائية يؤدي إلى إنكار العلة الفاعلية.

فتلخَّص من مجمل البحث أن الحسن والقبح العقليين أمران تكوينيان واقعيان بالأدلة المثبِتة، سواء على مبنى المتقدِّمين كابن سينا أو على مبنى صدر المتألهين.

٧٦

التنبيه الثاني:

الخطأ في الفكر البشري

ومن الأمور المهمة التي يجب الإشارة إليها هو في كيفية نشأة الخطأ في الفكر البشري، وقد أثار هذا التساؤل كثير من الفلاسفة والمناطقة وأجابوا بإجابات متعدِّدة:

منها: أن علوم المنطق تتكفَّل عصمة الفكر عن الخطأ، ويبقى على عاتق الإنسان مراعاته عند

التطبيق، فالخطأ الناشئ هو من سوء التطبيق.

ومنها: أن الخطأ ينشأ بسبب خطأ نفس مواد الأقيسة؛ حيث أن بعضها نظري، وكلَّما ابتعدت القضايا عن البداهة زادت نسبة الخطأ.

ومنها: أن الخطأ هو نتيجة عدم توازن في أفعال النفس؛ فقد ذكرنا سابقاً أن الإذعان والجزم الحاصل لدى النفس هو غير النتيجة، وأن وظيفة العقل النظري هو الإدراك، فالخلل يحصل عندما يحصل جزم وإذعان غير متناسب مع درجة الإدراك الحاصلة لدى العقل النظري.

وقد سعى الفلاسفة والمفكرون لإزالة هذا الخطأ، أو على الأقل تقليل نسبة الخطأ، ومن تلك المحاولات ما دعى إليه السيد الشهيد الصدر(رحمه الله) باعتماد منهج الاستقراء وتراكم الاحتمالات في الفكر البشري بدلاً من القياس الأرسطي، والاستقراء طريقة رياضية عملية، حيث تتضاءل احتمالات الخلاف حتّى تصل إلى نسبة قليلة جداً بحيث تقوم النفس بإلغاء احتمال الخلاف، وتتعامل مع النتيجة

٧٧

معاملة اليقين الصحيح التام، وتكون النتيجة حينئذ يقينية برهانية.

ولنا على هذه النظرية تعليق لا يتَّصل بجوهرها، فهي متينة وتامة، لكن:

1 - إن ما توصل إليه السيد الشهيد بحساب الاحتمال وكيفية تضاؤله، ومن كون النتيجة الحاصلة من الاستقراء برهانية،خطأ؛ إذ إن النتيجة ليست برهانية، بل العمل بهذه النتيجة برهاني؛ بمعنى أنه أقام البرهان على تعين العمل بهذه النتيجة، كما يقوم البرهان في علم الأصول عبر دليل الانسداد على وجوب العمل بالظن. وبعبارة أخرى: النتيجة ليست يقينية وإن كان العمل بها لابدَّ منه بالدليل اليقيني.

2 - لقد ذكر السيد أن بإمكان استخدام هذه النظرية لإثبات الغيبيات وما وراء الطبيعة، وهذا غير تام؛ لأن هذه الطريقة تظل غير يقينية ونحن لا نحتاج إليـها في إثبـات الغيـب، إذ لدينـا كثير من البراهين - كبرهان

الصديقين - التي تورث اليقين.

3 - إن احتمال الخلاف يظل قائماً، وجزم النفس على خلافه - وهو قليل جدَّاً - لا ينفيه من أساسه، ولا يتحول إلى يقين.

٧٨

التنبيه الثالث:

الثابت والمتغيِّر

من المسائل المهمة التي تبتني على مسألة الحسن والقبح هي ثبات التشريع وتغيُّره، فبناء على اعتبارية الحسن والقبح وإنه لا واقع حقيقي وراء تطابق آراء العقلاء، فإن الحسن والقبح يتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان، وبالتالي لا يوجد ما هو ثابت في التشريع، بل هو متغيِّر. أمّا بناء على أنهما أمران واقعيَّان، فالنتيجة خلافها.

ـ وقد يصاغ هذا البحث بصياغة أخرى، وهي: أن ختم النبوة يعني أنْ لا حاجة إلى النبوة حتّى يوم

القيامة؛ وذلك لأنَّ العقول تكون قد تكاملت بواسطة تلك النبوة الخاتمة، ولا تحتاج إلى رعاية نبي ولا وصي، ولا هدايتهما.

ـ وقد تصاغ بنحو ثالث، كما ذكره العلاّمة الطباطبائي، وخلاصته: أن الإرادة تنبعث من جهات اعتبارية لا حقيقية، وحسب تغيُّر هذا الاعتبار تتغيَّر وجهة سير هذا الإنسان.

أمّا جواب هذه الصياغات:

فأوَّلاً: بما مرَّ من البراهين التي أثبتت تكوينية الحسن والقبح.

ثانياً: أن دعوى تكامل العقول تعني وقوف السير والبحث والفحص العلمي لدى البشرية؛ لاطلاعهم على الحقائق وإصابتهم لها، والحال أنَّا نجد من أنفسنا الإذعان بعدم توقُّف هذا السير ولن يتوقف هذا السعي الحثيث لدى الفطرة

٧٩

البشرية، وهذا يدل على أمرين:

الأول: وجود واقعية وحقيقة ثابتة تسعى البشرية للوصول إليها.

الثاني: عدم إمكان وصول البشرية إلى الإحاطة بتمام تلك الحقيقة الواقعية وإن كانت الإصابة النسبية مستمرة، وهذا وإن لم يزلزل الحقائق المتوصَّل إليها، إلاّ أنها لا تعني تمام الواقع.

وهذان الأمران يستلزمان دوام حاجة البشرية إلى التشريع السماوي والنبوة المحمدية؛ لأن ربَّ الواقعية هو المحيط تماماً بها. كما يثبت بذلك عدم إحاطة البشرية بكنه غايات التشريع السماوي والمصالح المخبوّة فيه.

ثالثاً: أمّا جواب ما يُدَّعى من انبعاث الإرادة دوماً من الاعتبار، وهو الذي ذهب إليه العلامة الطباطبائي، فهو يستدعي أن نُلقي نظرة على ما سطَّره يراعه الشريف في رسالة الاعتبار والتي تُعتبر حصيلة البحث الأصولي في ذلك الوقت.

تحليل مختصر لنظرية الاعتبار:

وملخَّص ما ذكره العلاّمة:

أ - إن الاعتبار يمثِّل جانباً من نشاطات العقل العملي ومدرَكاته، وشأناً من شؤونه.

ب - إن كل موجود يسعى نحو كماله؛ فالفاعل غير الإرادي يوجد له صراط معيَّن يسير فيه. أمَّا الموجود الإرادي، فإنه يسعى نحو كماله من خلال إرادته.

ج - إن الفاعل الإرادي في تحريك إرادته يسعى نحو تحقيق ما هو غير موجود. أمَّا ما هو موجود، فلا يسعى لتحصيله كما هو واضح.

د - إن الإرادة تنطلق من قضايا غير حقيقية؛ أي لا واقع خارجي فعلي لها، فلا محالة تكون القضايا اعتبارية وهي التي تولِّد الإرادة، ومن دونها لا يمكن للإرادة أن تنطلق.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

[ولو قتلت المرأة فمات ولدها معها، فللاولياء دية المرأة ونصف الديتين على الجنين ان جهل حاله، وان علم ذكرا كان او انثى كانت الدية بحسابه، وقيل: مع الجهالة يستخرج بالقرعة، لانه مشكل، وهو غلط لانه لا اشكال مع النقل.] (د) تفسير ذلك بمبدء خلق العلقة والمضغة والعظم، وتربي اجزائها وابتداء نشوها، واجتماع اجزائها واتلافها في كل مرة حتى يصير إلى ما بعدها، فيعتبر في مبدء العلقة بالقطرات من الدم، وفي المضغة بالعروق، وفيما يصير إلى العظم بالعقد، ففي القطرة من الدم ديناران، وفي الثلاث ستة، وفي الخمس عشرة دنانير، فيكمل ثلاثين دينارا وهي النصف. ثم في العرق من اللحم، في العلقة ديناران زيادة عن الاربعين وهكذا حتى يكمل مضغة ثم في العقد اربعة دنانير، وفي العقد تين ثمانية وهكذا حتى يكمل الثمانين، ذهب اليه الصدوق في المقنع(١) .

والمصنف الزم ابن ادريس بالزامات ثلاثة.

(أ) عدم استناده إلى شاهد يرفع عذره، ولا يجوز القول في الدين بالتشهي.

(ب) ان المروي في المكث بين المراتب اربعين يوما، وقد رأيته في رواية أبي جرير ومحمد بن مسلم.

(ج) على تقدير كون المكث اياما معلومة، اما اربعون كما اوردناه، او عشرون كما قاله، من اين له ان الدية مقسومة على الايام؟ ! ولم لا يجوز ان يكون مقسومة على حالات النشؤ واجزاء العلقة والمضغة كما تضمنه رواية يونس الشيبانى(٢) .

قال طاب ثراه: وقيل: مع الجهالة يستخرج بالقرعة، لانه مشكل، وهو غلط، لانه لاشكال مع النقل.

____________________

(١)تقدم نقله عن المقنع.

(٢)الشرائع ج ٤ في الجنين قال بعد نقل قول ابن ادريس تحت عنوان (قال بعض الاصحاب): ونحن نطالبه بصحة ما ادعاه الاول إلى قوله: مع انه يحتمل ان يكون الاشارة بذلك إلى ما رواه يونس الشيباني.

[*]

٣٨١

أقول: القائل بذلك ابن ادريس، قال: الاولى استعمال القرعة في ذلك هل هو ذكر او انثى، لان القرعة مجمع عليها في كل مشكل، وهذا من ذلك(١) . ونصف الديتين مذهب الشيخين(٢)(٣) وسلار(٤) وابن حمزة(٥) والقاضي(٦) وابي علي(٧) . وقال التقي: وان مات الجنين المعلوم كماله وحياته من الضرب في بطنها فنصف ديته(٨) . واختار المصنف(٩) والعلامة(١٠) مذهب الشيخين. احتجوا بتطابق الرواية وتظافرها بذلك. فمنها صحيحة عبدالله بن سنان(١١) . ومنها صحيحة يونس المتضمنة لكون ذلك في قضاء عليعليه‌السلام (١٢) .

____________________

(١)السرائر باب دية الجنين ص ٤٣٩ س ٣٠.

(٢)المقنعة باب الحوامل والحمول ص ١٢٠ س ٧٦ قال: ودية ولدها بحساب دية الرجال والنساء نصفين.

(٣)النهاية باب دية الجنين، ص ٧٧٨ س ١٧ قال: وفي ولدها بنصف دية الرجل ونصف دية المرأة.

(٤)المراسم ذكر ضمان النفوس ص ٢٤٢ س ٥ قال: فإن مات في جوفها ولم يعلم ما هو فديته عليها نصفين.

(٥)الوسيلة في بيان دية الجنين والميت ص ٤٦٥ س ١٧ قال: ونصف دية حر ونصف دية حرة من جهة الولد.

(٦)المهذب ج ٢ باب دية الجنين ص ٥١٠ س ٥ قال: وفي ولدها نصف دية ونصف دية امرأة.

(٧)المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٢ س ٢٣ قال بعد نقل قول المشهور: وهو ايضا قول ابن الجنيد.

(٨)الكافي، الديات ص ٣٩٣ س ٦ قال: فان مات الجنين إلى قوله: فنصف ديته.

(٩)لاحظ عبارة النافع حيث يقول: ونصف الديتين على الجنين ان جهل حاله.

(١٠)المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٢ س ٢٦ قال بعد نقل قول المشهور: لنا انه (أي التنصيف) قضاء اميرالمؤمنينعليه‌السلام .

(١١)عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٥٣ الحديث ١٢٥ ونقله في المختلف ج ٢ ص ٢٦٢ س ٢٩.

(١٢)التهذيب ج ١٠(٢٥) باب الحوامل والحمول ص ٢٥٨ قطعة من حديث ٩.

[*]

٣٨٢

[ولو القته مباشرة او تسبيبا، فعليها دية ما القته، ولا نصيب لها من الدية، ولو كان بافزاع مفزع فالدية عليه. ويستحق دية الجنين وراثه ودية جراحاته بنسبة ديته. ومن افزع مجامعا فعزل فعليه عشرة دنانير. ولو عزل عن زوجته اختيارا، قيل: يلزمه دية النطفة عشرة دنانير، والاشبه الاستحباب.] ومنها رواية عبدالله بن مسكان عمن ذكره عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: دية الجنين اذا تم مائة دينار، فاذا أنشئ فيه الروح فديته الف دينار، أو عشرة الاف درهم ان كان ذكرا، وان كان انثى فخمسمائة دينار، وان قتلت امرأة وهي حبلى ولم يدر أذكر هو ام انثى، فدية الولد نصفين نصف دية الذكر ونصف دية الانثى، وديتها كاملة(١) . والظاهر ان مراد التقي مذهب الاصحاب(٢) .

قال طاب ثراه: ولو عزل عن زوجته اختيارا، قيل: يلزمه دية النطفة عشرة دنانير، والاشبه الاستحباب. أقول: القائل بذلك الشيخان(٣) (٤) والقاضي(٥) والتقي(٦) وتبعه ابن

____________________

(١)التهذيب ج ١٠(٢٥) باب الحوامل والحمول ص ٢٨١ الحديث ١.

(٢)تقدم آنفا.

(٣)المقنعة: باب الحوامل والحمول.. ص ١٢٠ س ٢٥ قال: وكذلك اذا عزل الرجل عن زوجته إلى قوله: عشرة دنانير.

(٤)النهاية، باب دية الجنين والميت.. ص ٧٧٩ س ١٥ قال: وكذلك اذا عزل الرجل عن زوجته إلى قوله: كان عليه عشر دية الجنين يسلمه اليها.

(٥)المهذب ج ٢ باب دية الجنين والميت، ص ٥١٠ س ١٥ قال: فان عزل الرجل عن زوجته الحرة إلى قوله: عشره دنانير.

(٦)الكافي، الديات ص ٣٩٢ س ١٩ قال: واذا عزل عن زوجته الحرة بغير اذنها إلى قوله: عشرة دنانير.

[*]

٣٨٣

ادريس(١) والمصنف هنا القولان(٢) وقد تقدم البحث في هذه المسألة في كتاب النكاح.

تتمة

قد جرت عادة الفقهاء بالحث عن دية قطع رأس الميت والجناية عليه عقيب البحث عن دية الجنين للمشاكلة بينهما، فان كل واحد منهما صورة ادمي خلا من الروح، وسوى الشارع بينهما في الدية.

روى الحسن بن خالد عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال: دية الجنين اذا ضربت امه فسقط من بطنها قبل ان تنشأ فيه الروح مائة دينار، وهي لورثته، وان دية هذا (أي الميت) اذا قطع رأسه او شق بطنه فليس هي لورثته، انما هي له دون الورثة، فقلت: وما الفرق بينهما؟ فقال: ان الجنين مستقبل مرجونفعه، وان هذا قد مضى فذهبت منفعته، فلما مثل به بعد موته صارت ديته بتلك المثلة له لا لغيره، يحج بها عنه، يفعل بها ابواب الخير والبر من صدقة او عيرها الحديث(٣) ولم يذكرها المصنف هنا. ولما كان كتابنا هذا قد اشتمل على مطالب مهمة، وعلى غرائب لم يوجد في غيره من المطولات وتحقيقات تميزبها عن غيره من المصنفات، وكانت المسألة خلافية، وكاد كتابنا هذا ان يحيط باكثر خلافيات الفقه، احببت ان لا يخلو

____________________

(١)السرائر باب دية الجنين والميت ص ٤٤٠ س ٣ قال: وقد روى إلى قوله: وهذه الرواية شاذة لا يعول عليها ثم قال: ان العزل عن الحرة مكروه ليس بمحظور.

(٢)النافع، كتاب النكاح ص ١٧٢ قال: (الثالثة) العزل عن الحرة بغير اذنها قيل: يحرم، وقيل: انه مكروه وهو اشبه، ولا حظ ما هنا من قوله: والاشبه الاستحباب.

(٣)التهذيب ج ١٠(٢٣) باب دية عين الاعور.. وقطع رأس الميت ص ٢٧٤ قطعة من حديث ١٨.

[*]

٣٨٤

الكتاب من ايرادها.

فنقول: لا تجوز الجناية على الميت لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الله حرم من المسلم ميتا ما حرمه منه حيا(١) . وقال الصادقعليه‌السلام : أبى الله ان يظن بالمؤمن الا خيرا وكسرك عظامه حيا وميتا سواء(٢) . اذا عرفت هذا فالبحث هنا في مقامين.

(الاول) كمية الدية:

والمشهور أنها مائة دينار. وروى عبدالله بن مسكان عن الصادقعليه‌السلام في قطع رأس الميت قالعليه‌السلام : الدية، لان حرمته ميتا كحرمته حيا(٣) .

قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: يحمل هذا على ما اذا اراد قتله في حياته، فانه يلزمه الدية وان لم يرد قتله في الحياة كان عليه مائة دينار(٤) .

وقال في المقنع: وروي في حديث اخر: انه اذا كان اراد قتله في حياته فعليه الدية كاملة(٥) .

وتأولها الشيخ: بان المراد بالدية في قولهعليه‌السلام : (الدية) دية الجنين، لانه

____________________

(١)عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٥٣ الحديث ١٢٧ ولاحظ ما علق عليه وفي التهذيب ج ١٠(٢٣) باب دية عين الاعور.. ص ٢٧٤ قطعة من حديث ١٨.

(٢)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٦٥٣ الحديث ١٢٨ وفي التهذيب ج ١٠(٢٣) باب دية عين الاعور وقطع راس الميت ص ٢٧٢ الحديث ٢.

(٣)من لا يحضره الفقيه ج ٤(٥٣) باب ما يجب على من قطع رأس ميت ص ١١٧ الحديث ٣.

(٤)من لا يحضره الفقيه ج ٤(٥٣) قال بعد نقل حديث ٣: وكان ممن اراد قتله في حياته فعليه الدية الخ.

(٥)المقنع باب الديات ص ١٨٤ س ٨ وفيه: وسأله اسحاق بن عمار عن رجل قطع راس ميت؟ قال: عليه الدية.

[*]

٣٨٥

ليس في ظاهر الخبر الالزام بدية النفس(١) .

واحتج على هذا التأويل بما رواه مرفوعا إلى الحسين بن خالد، قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام فقلت: انا روينا عن أبي عبداللهعليه‌السلام حديثا، أحب أن أسمعه منك، فقال: وما هو؟ قلت: بلغني انه قال في رجل قطع رأس رجل ميت: قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الله حرم من المسلم ميتا ما حرمه منه حيا، فمن فعل بميت ما يكون في ذلك احتياج نفس الحي فعليه الدية، فقال: صدق ابوعبدالله هكذا قال رسول الله، قلت: من قطع رأس رجل ميت، او شق بطنه، او فعل به ما يكون في ذلك الفعل احتياج نفس الحي فعليه دية النفس كاملة؟ فقال: لا، ثم اشار الي باصبعه الخنصر فقال لي: أليس لهذه دية؟ فقلت: بلى، قال: فتراه دية النفس؟ فقلت: لا، قال: صدقت، فقلت: وما دية هذه اذا قطع رأسه وهو ميت؟ فقال: ديته دية الجنين في بطن امه قبل ان ينشا فيه الروح وذلك مائة دينار، قال: وسكت وسرنى ما اجابنى فيه، قال: لم لا تستوفي مسألتك؟ فقلت: ما عندي فيها اكثر مما اجبتني فيه الا ان يكون شئ لا اعرفه، قال: دية الجنين اذا ضربت امه فسقط من بطنها قبل ان تنشأ فيه الروح مائة دينار، وهي لورثته، وان دية هذا اذا قطع رأسه أو شق بطنه فليس هي لورثته، انما هي له دون الورثة، فقلت: وما الفرق بينهما؟ فقال: ان الجنين مستقبل مرجو نفعه، وان هذا قد مضى فذهبت منفعته، فلما مثل به بعد موته صارت ديته بتلك المثلة له، لا لغيره، يحج بها عنه أو يفعل بها ابواب الخير والبر من صدقة او غيرها، قلت: فان اراد رجل ان يحفر له ليغسله في الحفرة فسدر الرجل مما يحفر، فدير به فمالت مسحاته في يده فاصاب بطنه فشقه فما

____________________

(١)التهذيب ج ١٠ ص ٢٧٣ قال بعدنقل حديث ابن مسكان: ليس في ظاهر شئ منها كمية تلك الدية، وهل هي دية النفس أو دية الجنين إلى قوله: حملناها على ان في ذلك دية الجنين.

[*]

٣٨٦

عليه؟ قال: اذا كان هكذا فهو خطأ، وكفارته عتق رقبة، او صيام شهرين متتابعين، او صدقة على ستين مسكينا، مدلكل مسكين بمد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

واعلم ان هذاالبحث على تقدير كون الميت حرا مسلما، ولو كان ذميا أو عبدا فعشر دية الذمي وعشر قيمة العبد كالجنين. ولفخر المحققين في الايضاح عبارة موهمة، وحكايتها: دية قطع رأس الميت مائة دينار مطلقا(٢) تبعا لعبارة والده في المختلف(٣) ، ومرادهما بهذا الاطلاق الاضراب عن تفصيل الصدوق، وقدمر. نعم لا فرق بين الذكر والانثى، والكبير والصغير، والعاقل والمجنون.

(الثاني) ما يصنع بهذه الدية؟ قال المرتضى: هي لبيت المال(٤) واختاره ابن ادريس(٥) .

وقال الشيخان في النهاية والمقنعة: يتصدق بها عنه(٦) (٧) وبه قال التقي(٨)

____________________

(١)التهذيب ج ١٠(٢٣) باب دية عين الاعور.. وقطع رأس الميت ص ٢٧٣ الحديث ١٨.

(٢)الايضاح ج ٤ (المطلب الثاني في الاختلاف ودية الميت ص ١٢٨) س ١٠ قال: دية قطع رأس الميت مائة دينار مطلقا.

(٣)المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ١٧ قال: المشهور أن دية قطع رأس الميت مائة دينار مطلقا.

(٤)الانتصار، في الحدود ص ٢٧٢ س ٢ قال: (مسألة) ومما انفردت به الامامية إلى قوله: فعليه مائة دينار لبيت المال.

(٥)السرائر باب دية الجنين ص ٤٤٠ س ١١ قال: وقال السيد المرتضى: لبيت المال، وهو الذي يقوى في نفسي.

(٦)النهاية باب دية الجنين ص ٧٨٠ س ٤ قال: بل تكون له خاصة يتصدق بها عنه.

(٧)المقنعة باب دية عين الاعور.. وقطع رأس الميت ص ١١٩ س ٣٤ قال: ومن قطع رأس ميت فعليه مائة دينار إلى قوله: يتصدق عن الميت بها.

(٨)الكافي، الديات ص ٣٩٣ س ١٠ قال: ودية قطع رأس الميت عشر دية إلى قوله: يتصدق بها عنه.

[*]

٣٨٧

واختاره المصنف(١) والعلامة(٢) .

احتج الاولون بما رواه اسحاق بن عمار عن الصادقعليه‌السلام قال: من تأخذ ديته؟ قال: الامام هذا الله(٣) . واجيب: بعدم المنافاة بين الصدقة وبين كونها لله.

احتج الاولون بما قدمناه من الحديث، وبما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن الحسن بن موسى، عن محمد بن الصباح، عن بعض اصحابنا قال: اتى الربيع ابا جعفر المنصور وهو خليفة في الطواف فقال: يا أميرالمؤمنين مات فلان مولاك البارحة، فقطع فلان مولاك رأسه بعد موته، قال: فاستشاط وغضب، قال: فقال لابن شبرمة وابن أبي ليلى وعدة من القضاة والفقهاء ما تقولون في هذا؟ فكل قال: ما عندنا في هذا شئ،قال: فجعل يردد المسألة ويقول: أقتله أم لا؟ فقالوا: ما عندنا في هذا شئ، قال: فقال له بعضهم: قد قدم رجل الساعة، فان كان عند احد شئ، فعنده الجواب في هذا، وهو جعفر بن محمدعليه‌السلام ، وقد دخل المسعى فقال للربيع: اذهب اليه فقل له لولا معرفتنا بشغل ما انت فيه لسألناك أن تأتينا، ولكن اجبنا في كذا وكذا قال: فاتاه الربيع وهو على المروة فابلغه الرسالة، فقال ابوعبداللهعليه‌السلام : قد ترى شغل ما انا فيه، وقبلك الفقهاء والعلماء فسلهم، قال: فقال له: قد سألهم فلم يكن عندهم فيه شئ قال: فرده اليه فقال: أسألك الا اجبتنا فيه فليس عند القوم في هذا شئ، فقال له ابوعبداللهعليه‌السلام : حتى افرغ مما انا فيه، قال: فلما فرغ جاء فجلس في جانب المسجد

____________________

(١)الشرائع ج ٤ في اللواحق: (الثانية) في قطع رأس الميت إلى قوله: ولا يرث وارثة منها شيئا، بل تصرف في وجوه القرب.

(٢)المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ١٣ قال: والوجه ما قاله الشيخ، أي يتصدق بها عنه.

(٣)التهذيب ج ١٠(٢٣) باب دية عين الاعور.. وقطع رأس الميت ص ٢٧٢ الحديث ١٤.

[*]

٣٨٨

الحرام، فقال للربيع: اذهب فقل له: عليه ما ئة دينار، قال: فابلغه ذلك، فقالوا له: فسله كيف صار عليه مائة دينار؟ فقال ابوعبداللهعليه‌السلام : في النطفة عشرون دينارا، وفي العلقة عشرون، وفي المضغة عشرون، وفي العظم عشرون، وفي اللحم عشرون، ثم انشأناه خلقا اخر، وهذا هو ميت بمنزلته قبل ان ينفخ فيه الروح في بطن امه جنين، قال: فرجع اليه فاخبره، بالجواب، فاعجبهم ذلك، وقالوا: ارجع اليه فسله: الدنانير لمن هي؟ لورثته اولا؟ فقال ابوعبداللهعليه‌السلام : ليس لورثته فيها شئ، انما هذا شئ صار اليه في بدنه بعد موته، يحج بها عنه، او يتصدق بها عنه، او يصير في سبيل من سبل الخير، قال: فزعم الرجل انهم ردوا الرسول اليه، فاجاب فيها ابوعبداللهعليه‌السلام بستة وثلاثين مسألة ولم يحفظ الرجل الا قدر هذا الجواب(١) .

فرع

لو كان على هذا الميت دين هل يقضى من هذه الدية؟ استشكله العلامة(٢) وفخر المحققين(٣) من حيث انها ليست تركه، لو رود النص بالصدقة بها(٤) والا لورثته. ومن حيث ورود النص بالصدقة بها عنه، فيكون في حكم ماله، وكلما كان كذلك فهو تركة فيقضى منه الدين.

____________________

(١)التهذيب ج ١٠(٢٣) باب دية عين الاعور.. وقطع رأس الميت ص ٢٧٠ الحديث ١٠.

(٢)القواعد ج ٢ في الاختلاف ودية الميت ص ٣٣٩ س ١٥ قال: وهل يقضى منه ديته، واجبا اشكال.

(٣)الايضاح ج ٤ ص ٧٢٨ س ١٨ قال: قال المصنف: فيه اشكال إلى اخره ثم اورد وجوه الاشكال فالظاهر موافقته لما قاله المصنف.

(٤)تقدم في حديث ١٠.

[*]

٣٨٩

[(الثاني) في الجناية على الحيوان.

من اتلف حيوانا مأكولا كالنعم بالذكاة، لزمه الارش، وهل لما لكه دفعه والمطالبة بقيمته؟ قال الشيخان: نعم، والاشبه: لا، لانه اتلاف لبعض منافعه فيضمن التالف. ولو اتلفه لا بالذكاة لزمه قيمته يوم اتلافه. ولو قطع بعض جوارحه، او كسر شيئا من عظامه، فللمالك الارش. وان كان مما لا يؤكل ويقع عليه الذكاة كالاسد والنمر ضمن ارشه. وكذا في قطع اعضائه من استقرار حياته. ولو اتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيا.] والمعتمد القضاء لوجوه.

(أ) تصريح الرواية باضافتها اليه بقوله: (فدية تلك المثلة له)(١) .

(ب) تصريح الرواية الثانية بقوله: (يتصدق بها عنه) فالقصد العود بها على مصالحه وما ينتفع به، وتفريغ ذمته من الديه اصلح له وامنع.

(ج) ان وجوه الصدقة غير محصورة، ومن جملة صنوفها قضاء ديون الغارمين، ولهذا جعل للغارم سهما في الصدقة الواجبة، وتفريغ ذمة هذا المديون مندرج تحت مطلق الصدقة، فليس بمناف لما دلت عليه الاحاديث، ويلزم السيد على قوله قضاء الدين، لان الامام يأخذها بالولاية، والدين مقدم على الولاء اجماعا، قال المصنف على قول المرتضى في بعض كتبه انها للامام، فلزمه قضاء الدين، لان الامام يأخذها على رأيه بالولاء، والدين مقدم على الولاء(٢) .

قال طاب ثراه: من اتلف حيوانا مأكولا كالنعم، بالذكاة لزمه الارش، وهل لمالكه دفعه والمطالبة بقيمته؟ قال الشيخان: نعم، والاشبه: لا، لانه، اتلاف لبعض منافعه

____________________

(١)تقدم في حديث ١٨.

(٢)نكت النهاية (في الجوامع الفقهيه) ص ٤٧٠ س ٧ قال: ويلزمه على هذا ان يقضي بها الدين الخ.

[*]

٣٩٠

أقول: قال الشيخان في النهاية والمقنعة: كان صاحبه مخيرا بين ان يلزمه قيمته يوم التلف ويسلم اليه ذلك الشئ، او يطالبه بقيمته ما بين كونه متلفا وبين كونه حيا(١) (٢) واختاره القاضي(٣) وسلار(٤) ولعلهم نظروا إلى كونه اتلف عليه معظم منافعه وصيره كالتالف.

وقال في المبسوط: له المطالبة بالارش خاصة، وليس له دفعه لبقاء المالية بعد الذبح، فيضمن التالف، وهو تفاوت ما بين قيمته حيا ومذبوحا(٥) ولاصالة بقاء الملك على مالكه وعدم انتقاله عنه إلى غيره الا بالتراضي منهما، ولا صالة براء‌ة ذمة الجاني ممازاد عن الارش، لانه المتيقن وما زاد عليه مشكوك فيه، وبه قال ابن ادريس(٦) واختاره المصنف(٧) والعلامة(٨) .

____________________

(١)النهاية باب الجناية على الحيوان ص ٧٨٠ س ١٠ قال: ومتى اتلف عليه شيئا مما تقع عليه الذكاة إلى قوله: كان صاحبه مخيرا الخ.

(٢)المقنعة باب الجناية على الحيوان، ص ١٢١ س ٢٩ قال: وان أتلف ما يحصل مع تلف نفسه لصاحبه الانتفاع إلى قوله: كان صاحبه مخيرا.

(٣)المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان ص ٥١٢ س ٢ قال: فان اتلفه على وجه يمكنه الانتفاع به كان لصاحبه الخيار الخ.

(٤)المراسم، ذكر الجناية على البهائم ص ٢٤٣ س ٥ قال: فأن أتلف انسان حيوانا لغيره مما يقع عليه الذكاة، فلمالكه أن يعطيه إياه إلى آخره.

(٥)المبسوط ج ٨ كتاب السرقة ص ٣٠ س ٦ قال: اذا نقب ودخل الحرز فذبح شاة، فعليه مابين قيمتها حية ومذبوحة، وفي ج ٣ كتاب الغصب ص ٨٥ س ٢ قال: فان غصب شاة إلى قوله: كان للمالك ان ياخذها وله ما بين قيمتها حية ومذبوحة.

(٦)السرائر باب الجنايات على الحيوان ص ٤٤٠ س ١٧ قال: فان اتلف شيئا على مسلم مما يقع عليه الذكاة إلى قوله: ما بين قيمتها صحيحا ومعيبا.

(٧)لاحظ قوله في النافع: فعليه الارش.

(٨)المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ٢٥ قال: وقوله في المبسوط: من الرجوع بالتفاوت هو المعتمد.

[*]

٣٩١

[ولو كان مما لا يقع عليه الذكاة كالكلب والخنزير. ففي كلب الصيد اربعون درهما، وفي رواية السكوني: يقوم. وكذا كلب الغنم وكلب الحائط، والاول اشهر. وفي كلب الغنم كبش، وقيل: عشرون درهما. وكذا قيل: في كلب الحائط، ولا اعرف الوجه. وفي كلب الزرع قفيز من بر، ولا يضمن المسلم ما عدا ذلك، اما ما يملكه الذمي كالخنزير، فالمتلف يضمن قيمته عند مستحليه. وفي الجناية على اطرافه الارش. ويشترط في ضمانه استتار الذمي به.] قال طاب ثراه: ولو كان مما لا يقع عليه الذكاة كالكلب والخنزير، ففي كلب الصيد اربعون درهما، وفي رواية السكوني: يقوم إلى اخره.

أقول: الكلاب على خمسة اضرب: كلب الصيد، وكلب الغنم، وكلب الحائط (الماشية خ ل) وكلب الزرع وكلب الدار، وما عدا هذه الخمسة يسمى العطل(١) وكلب الهراش. ولا شك في جواز تملك الخمسة والانتفاع بها، وجواز اجارتها، وتحريم الجناية عليها من الغير، وانما الخلاف في مقامين.

(أ) جواز البيع وقد ذكرناه مستوفى في كتاب البيع. (ب) في تقدير دياتها قو قتلت، والكلام في الخمسة، ولنذكر البحث في كل صنف منهما على انفراده.

(الاول) كلب الصيد، ويسمى السلوقي، منسوب إلى سلوق قرية باليمن(٢)

____________________

(١)في (گل): يسمى العكلي، كذا في النسخة.

(٢)السلوق قرية باليمن، والكلاب السلوقية منسوبة اليها، وفي كتاب ابن الفقيه: سلوق هي مدينة الان ينسب اليها الكلاب السلوقية، وقال ابن الحائك وهو يذكر اليمن: سلوق كانت مدينة عظيمة بارض الجديد إلى قوله: والها كانت العرب تنسب الدروع السلوقية والكلاب السلوقية (تلخيص من معجم البلدان ج ٣ ص ٢٤٢).

[*]

٣٩٢

اكثر كلابها معلمة، فنسب ما علم الصيد من الكلاب اليها، وان لم يكن منها للمشابهة، وفيه قولان.

(احدهما) اربعون درهما، وهو الاكثر في الاقوال والروايات، وبه قال الشيخان(١) (٢) في النهاية والمقنعة، والصدوق(٣) وابويعلى(٤) والقاضي(٥) وابن ادريس(٦) .

(الثاني) قيمته، ولا يتجاوز به اربعين درهما قاله ابوعلي(٧) واستحسنه العلامة(٨) .

احتج الاولون: بما رواه الوليد بن الصبيح عن الصادقعليه‌السلام قال: دية الكلب السلوقي اربعون درهما أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك لبني جذيمة(٩) (١٠) .

____________________

(١)النهاية باب الجنايات على الحيوان ص ٧٨٠ س ١٦ قال: ودية الكلب السلوقي اربعون درهما.

(٢)المقنعة باب الجنايات على الحيوان ص ١٢١ س ٣٤ قال: قد وظف في قيمة السلوقي المعلم اربعون درهما.

(٣)المقنع باب الديات ص ١٩٢ س ١ قال: واعلم ان دية كلب الصيد اربعون درهما.

(٤)المراسم ذكر الجناية على البهائم ص ٢٤٣ س ٩ قال: وقد وظف في دية الكلب المعلم اربعون درهما.

(٥)المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان ص ٥٢ س ٤ قال: ودية الكلب السلوقي اربعون درهما.

(٦)السرائر باب الجنايات على الحيوان ص ٤٤٠ س ٢١ قال: ودية كلب الصيد سواء كان سلوقيا او غير ذلك إلى قوله: اربعون درهما.

(٧)و(٨) المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ٢٩ قال: وقال ابن الجنيد: دية الكلب الذي للصيد قيمته ولا يتجاوز به اربعين درهما ثم قال بعد اسطر: وقول ابن الجنيد عندي حسن.

(٩)التهذيب ج ١٠(٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣٠٩ الحديث ٦.

(١٠)في (گل): لبني خزيمة.

[*]

٣٩٣

ومثله روى ابوبصير عن احدهماعليهما‌السلام قال: دية الكلب السلوقي اربعون درهما جعل له ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودية كلب الغنم كبش، ودية كلب الزرع جريب من بر، ودية كلب الاهل قفيز من تراب لاهله(١) . احتج الاخرون: برواية السكوني عن الصادقعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : فيمن قتل كلب الصيد قال: يقومه، وكذلك البازي، وكذلك كلب الغنم، وكذلك كلب الحائط(٢) .

(الثاني) كلب الغنم، وفيه ثلاثة اقوال. (أ) عشرون درهما قاله الشيخان(٣)(٤) والصدوق(٥) وابن ادريس(٦) . لرواية ابن فضال عن بعض اصحابه عن أبي عبداللهعليه‌السلام (٧) .

(ب) كبش: وهو ظاهر المصنف(٨) لرواية ابي بصير المتقدمة(٩) .

____________________

(١)التهذيب ج ١٠(٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣١٠ الحديث ٧.

(٢)التهذيب ج ١٠(٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣١٠ الحديث ٨.

(٣)المقنعة باب الجنايات على الحيوان ص ١٢١ س ٣٤ قال: وقيمة كلب الحائط والماشية عشرون درهما.

(٤)النهاية باب الجنايات على الحيوان ص ٧٨٠ س ١٦ قال: ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما.

(٥)المقنع باب الديات ص ١٩٢ س ١ قال: ودية كلب الماشية عشرون درهما.

(٦)السرائر باب الجنايات على الحيوان ص ٤٤٠ س ٢٣ قال: ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما.

(٧)من لا يحضره الفقيه ج ٤(٧١) باب نوادر الديات ص ١٢٦ الحديث ٤ وفيه: ودية كلب الماشية عشرون درهما.

(٨)لاحظ عبارة النافع حيث يقول: وفي كلب الغنم كبش.

(٩)تقدم آنفا.

[*]

٣٩٤

(ج) القيمة: وهو ظاهر العلامة في المختلف(١) لرواية السكوني(٢) كديات الاربعة وقد تقدمت.

(الثالث) كلب الحائط، وهو البستان، وفي الحديث: ان فاطمةعليها‌السلام وقفت حوائطها بالمدينة(٣) والمراد بذلك بساتينها، وفيه قولان:

(أ) عشرون درهمآ قاله الشيخان(٤)(٥) والقاضي(٦) وابويعلى(٧) وابن ادريس(٨) قال المصنف: ولا اعرف مستنده(٩) .

(ب) القيمة: وهو ظاهر العلامة في المختلف(١٠) ومستنده رواية السكوني المتقدمة.

(الرابع) كلب الزرع، وهو الذي يتخذه اهل الزرع في مزارعهم، للانس به، وليحرسهم وما عندهم من العوامل من الذئاب والخنازير وصفير السباع، وفيه ثلاثة اقوال.

(أ) قفيز من طعام قاله ابن ادريس(١١) قال: واطلاق الطعام في العرف يرجع

____________________

(١)المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ٣٧ وذلك لا ستدلاله برواية السكوني(٢) تقدم آنفا.

(٣)الكافي ج ٧ كتاب الوصايا باب صدقات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة.. ص ٤٨ الحديث ٥.

(٤)و(٥) و(٦) تقدم ارائهم قدس الله اسرارهم آنفا.

(٧)المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان ص ٥١٢ س ٤ قال: ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما.

(٨)المراسم ذكر الجناية على البهائم ص ٢٤٣ س ١٠ قال: وفي كلب الماشية والحائط عشرون درهما.

(٩)لاحظ عبارة النافع حيث يقول: ولا اعرف الوجه.

(١٠)المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ٣٦ وذلك لاستحسانه قول ابن الجنيد واعتماده برواية السكوني وقدتقدما.

(١١)السرائر باب الجنايات على الحيوان ص ٤٤٠ س ٢٤ قال: وفي كلب الزرع قفيز من طعام، واطلاق الطعام في العرف الخ.

[*]

٣٩٥

إلى الحنطة، وهو قول الشيخ النهاية(١) وتبعه القاضي(٢) واختاره المصنف(٣) وهو في رواية ابي بصير المتقدمة(٤) .

(ب) لا شئ، وهو ظاهر المفيد حيث قال: وقد وظف في قيمة السلوقي المعلم للصيد اربعون درهما وفي قيمة كلب الحائط والماشية عشرون، وليس في شئ من الكلاب سوى ما سميناه غرم، ولا لها قيمة(٥) وكذا قال تلميذه ابويعلى(٦) .

(ج) زنبيل من تراب، وهو ظاهر اطلاق الصدوق حيث قال: ودية كلب الماشية عشرون درهما ودية الكلب الذي ليس لصيد ولا ما شية زنبيل من تراب على القاتل ان يعطي وعلى صاحب الكلب ان يقبله(٧) .

(الخامس) الكلب الاهلي، وهو كلب الدار، وهو الذي يتخذه اهل البوادي لحراستهم، وكذا اهل الحضر يقتنونه ايضا للحراسة، وللانس، وفيه قولان:

(أ) زنبيل من تراب قاله ابوعلي(٨) .

وفي رواية ابي بصير عن احدهماعليهما‌السلام : ودية كلب الاهل قفيز من

____________________

(١)النهاية باب الجنايات على الحيوان ص ٧٨٠ س ١٧ قال: وفي كلب الزرع قفيز من طعام.

(٢)المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان ص ٥١٢ س ١٥ قال: وفي كلب الزرع قفيز من طعام.

(٣)لاحظ عبارة النافع حيث يقول: وفي كلب الزرع قفيز من بر.

(٤)التهذيب ج ١٠(٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣١٠ الحديث ٧ وقد تقدم.

(٥)المقنعة باب الجنايات على الحيوان ص ١٢١ س ٣٤ قال: وقد وظف في قيمة السلوقي المعلم إلى قوله: ولا لها قيمة.

(٦)المراسم، ذكر الجناية على البهائم ص ٢٤٣ س ٩ قال: وقد وظف في دية الكلب المعلم الخ.

(٧)المقنع باب الديات ص ١٩٢ س ٢ قال: ودية الكلب الذي ليس للصيد إلى قوله: وعلى صاحب الكلب ان يقبله.

(٨)المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ٢٩ قال: وقال ابن الجنيد: إلى قوله: ودية الكلب الاهلي قفيز من تراب.

[*]

٣٩٦

تراب(١) وهو ظاهر الصدوق(٢) .

(ب) لا دية له وهو ظاهر المفيد(٣) وتلميذه(٤) وابن ادريس حيث قال: وليس في شئ من الكلاب غير هذه الاربعة دية على حال(٥) .

تنبيه: هذه الديات مقدرة على القاتل، زادت على القيمة السوقية او نقصت اذا لم يكن غاصبا، أما الغاصب فيجب عليه اكثر الامرين من القيمة السوقية والمقدر الشرعي، ان قلنا بجواز بيعها، وإلا وجب المقدر الشرعي قطعا.

خاتمة

يكره اقتناء الكلاب. روى زرارة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ما من احد يتخذ كلبا الا نقص كل يوم من عمله قيراط(٦) . وروى جراح المدايني عنهعليه‌السلام قال: لا تمسك كلب الصيد في الدار الا ان يكون بينك وبينه باب(٧) .

____________________

(١)التهذيب ج ١٠(٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣١٠ الحديث ٧ وقد تقدم.

(٢)تقدم نقله قبيل ذلك.

(٣)و(٤) تقدما آنفا.

(٥)السرائر باب الجنايات على الحيوان ص ٤٤٠ س ٢٥ قال: وليس في شئ من الكلاب غير هذه الاربعة دية على كل حال.

(٦)الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٢ الحديث ٢.

(٧)الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٢ الحديث ٥.

[*]

٣٩٧

وعن سماعة قال: سألته عن كلب الصيد يمسك في الدار؟ قال: اذا كان يغلق دونه الباب فلا بأس(١) .

وروى زرارة عن احدهماعليهما‌السلام قال: الكلاب السود البهيم من الجن(٢) .

وروى مالك بن عطية عن أبي حمزة قال: كنت مع أبي عبداللهعليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة اذا التفت عن يساره فاذا كلب اسود بهيم فقال: مالك؟ قبحك الله ما أشد مسارعتك !؟ فاذا هو شبيه بالطائر، فقلت: ما هذا جعلت فداك؟ فقال: هذا غيثم بريد الجن، مات هشام الساعة، فهو كطير ينعاه في كل بلدة(٣) . وروى عبدالله بن عبدالرحمان، عن مسمع، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الكلاب من ضعفة الجن، فاذا اكل احد كم الطعام فليطعمه، او ليطرده، فان لها انفس سوء(٤) .

وعن الباقرعليه‌السلام قال جبرئيلعليه‌السلام : يا رسول الله انا لا ندخل بيتا فيه كلب(٥) .

وعن الصادقعليه‌السلام عن ابائهعليهم‌السلام عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام قال: بعثنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة، فقال: لاتدع صورة ال امحوتها، ولا قبرا الا سويته، ولا كلبا الا قتلته، قال: فانتهيت إلى اقصى المدينة إلى امرأة ولها كلب فناشدتني الله فيه فرحمتها وتركته، وخبرت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١)الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٢ الحديث ٦.

(٢)الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٢ الحديث ٧.

(٣)الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٣ الحديث ٩٨.

(٤)الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٣ الحديث ٩.

(٥)الكافي ج ٦ باب تزويق البيوت ص ٥٢٨ الحديث ١٢ وتمام الحديث (إنا لاندخل بيتا فيه صورة انسان، ولا بيتا يبال فيه، ولا بيتا فيه كلب).

[*]

٣٩٨

فقال: انطلق واقتله، ففعلت، وأتيته وخبرته، ثم بسط وجهه فقال: الحمدلله، الان استرحت وادارت بي الملائكة(١) .

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان يعرف اتيان جبرئيلعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسترسال عينيه ورشح جبينيه ورده السلام، ولا نرى شيئا، وقال عليعليه‌السلام : بينا معه اذ سمعت: السلام عليك يا رسول الله، فرد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم اعاد بمثلها مرتين اخرتين، فخرج رسول الله وتركنى في البيت فما لبث ان دخل علي فقال: يا علي اما سمعت التسليمات الثلاث والرد مني؟ قلت: نعم يا رسول الله، فقال: كان ذلك جبرئيل، وانكرت ما صنع، فخرجت اليه فقلت: ما ردك باجبرئيل عنا؟ فقال جبرئيلعليه‌السلام يا رسول الله انا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة انسان(٢) .

وروى علي بن إبراهيم عن ابيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبداللهعليه‌السلام : ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رخص لاهل الماشية في كلب يتخذونه(٣) .

وعن الصادقعليه‌السلام : لا خير في الكلاب الا كلب صيد او ماشية(٤) .

____________________

(١)الكافي ج ٦ باب تزويق البيوت ص ٥٢٨ الحديث ١٤ إلى قوله: (ولا كلبا الا قتلته) واورد تمامه في عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٦٠ الحديث ١٤٥.

(٢)مع الفحص الشديد لم اضفر عليه الا في عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٦٠ الحديث ١٤٦.

(٣)الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٣ الحديث ١١ وفيه (لا هل القاصية) بدل (لا هل الماشية)، وفي العوالي ج ٣ ص ٦٦١ الحديث ١٤٧ كما في المتن.

(٤)الكافي ج ٦ باب الكلاب ص ٥٥٢ الحديث ٤ وفيه (عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام ).

[*]

٣٩٩

(مسائل)

(الاولى): قيل: قضى عليعليه‌السلام في البعير بين اربعة، عقله احدهم فوقع في بئر فانكسر: ان على الشركاء حصته، لانه حفظه وضيع الباقون، وهو حكم في واقعة فلا يعدى.] قال طاب ثراه: قيل: قضى عليعليه‌السلام في بعير بين اربعة عقله احدهم فوقع في بئر فانكسر: ان على الشركاء حصته، لانه حفظه، وضيع الباقون، وهو حكم في واقعة فلا يعدى.

أقول: هذه احد المسائل التي يوردها الاصحاب بلفظ الرواية لا الفتوى، والقاضي اوردها بصيغة الفتوى(١) . وهي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قضى عليعليه‌السلام في بعير بين اربعة عقله احدهم فوقع في بئر فانكسر: ان على الشركاء حصته، لانه حفظ وضيع الباقون، فاوثق حظه فذهب حظهم بحظه(٢) .

قال المصنف في النكت: ان صحت هذه الرواية فهي حكاية في واقعة ولا عموم للوقائع، فلعله عقله وسلمه اليهم ففرطوا، او غير ذلك، اما اطراد الحكم على ظاهر الواقعة فلا(٣) .

____________________

(١)المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان، ص ٥١٢ س ١١ قال: واذا كان البعير بين اربعة نفر إلى قوله: وضيع عليه الباقون بترك عقالهم اياه.

(٢)التهذيب ج ١٠(١٨) باب ضمان النفوس وغيرها ص ٢٣١ الحديث ٤٣.

(٣)نكت النهاية (في الجوامع الفقهية) ص ٤٧٠ س ٢٥ قال: فان صحت هذه الرواية فهى حكاية في واقعة إلى قوله: اما ان يطرد الحكم على ظاهر الواقعة فلا.

[*]

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430