الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 361
المشاهدات: 205711
تحميل: 7811


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205711 / تحميل: 7811
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال :كلّهم من قريش )(١) .

٤ ـ وأخرج مسلم أيضاً ، وأحمد ، والطيالسي ، وابن حبان ، والخطيب التبريزي ، وغيرهم ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ، ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي : ما قال ؟ فقال :كلّهم من قريش ) (٢) .

٥ ـ وأخرج مسلم ـ واللفظ له ـ وأحمد ، وابن حبان ، عن جابر بن سمرة ، قال : انطلقت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعي أبي فسمعته يقول : (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة ، فقال كلمة صمّنيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال :كلّهم من قريش )(٣) .

٦ ـ وأخرج مسلم ـ واللفظ له أيضاً ـ وأحمد ، عن جابر بن سمرة قال : ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم جمعة ، عشيّة رجم الأسلمي يقول :لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) المصدر السابق نفسه : وكذا مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٥ ص ٩٨ ص ١٠١ ؛ قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ج ١ ق ٢ ص ٧١٩ : ( وهذا إسناد صحيح على شرطهما ) .

(٢) صحيح مسلم ، النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٥٣ ؛ كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش ؛ ومسند أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ٩٠ ص ١٠٠ ؛ مسند أبي داود الطيالسي : ص ١٠٥ ص ١٨٠ ؛ مشكاة المصابيح ، الخطيب التبريزي : ج ٣ ص ١٦٨٧ ؛ وقال التبريزي : ( متفق عليه ) ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ٤٤ .

(٣) صحيح مسلم ، النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٥٣ ؛ كتاب الإمارة ؛ مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٥ ص ٩٨ ص ١٠١ ؛ وفي ص ٩٦ قال : ( عزيزاً منيعاً ظاهراً على مَن ناواه ، ولا يضرّه مَن فارقه أو خالفه ) ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ٤٤ .

(٤) صحيح مسلم ، النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٥٣ ؛ كتاب الإمارة ؛ مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٥ ص ٨٨ ص ٨٩ ؛ سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : ج ١ ق ٢ ص ٧٢٠ .

١٠١

* اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يكون من بعدي اثنا عشر أميراً ، ثم تكلّم بشيء لم أفهمه ، فسألت الذي يليني ، فقال : قال :كلّهم من قريش )(١)

٨ ـ وأخرج أبو داود حديث الخلفاء الاثني عشر بطريقين صحيحين(٢) ، قال في أحدهما : ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ، قال : فكبّر الناس وضجوا ، ثم قال كلمة خفيّة ، قلت لأبي ، يا أبه ما قال ؟ قال :كلّهم من قريش )(٣) .

٩ ـ وأخرج أحمد ، وأبو نعيم ، والبغوي عن جابر بن سمرة، قال : ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :يكون بعدي اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش )(٤) .

١٠ ـ وأخرج أحمد بن حنبل في المسند ـ واللفظ له ـ والحاكم النيسابوري في المستدرك ، عن جابر بن سمرة ، قال : ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حجّة الوداع :لا يزال هذا الدين ظاهراً على مَن ناواه ، لا يضرّه مخالف ، ولا مفارق ، حتى يمضي من أُمّتي اثنا عشر أميراً كلّهم ، ثم خفي من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يقول :كلّهم من قريش )(٥) .

١١ ـ وأخرج أبو عوانة أيضاً في مسنده ، عن جابر بن سمرة، قال : ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا يزال هذا الأمر عزيزاً منيفاً لا يضرّه مَن ناوأه حتى تقوم الساعة

ـــــــــــــ

* الحديث رقم ٧ لم يرد كاملاً في متن الكتاب [ الشبكة ] .

(١) سنن الترمذي : ج ٣ ص ٣٤٠ ؛ قال الترمذي : (هذا حديث حسن صحيح) ؛ مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٥ ص ٩٢ ص ٩٤ ص ٩٩ ص ١٠٨ .

(٢) صححهما الألباني في صحيح سنن أبي داود : ج ٣ ص ١٩ ح ٤٢٨٠ .

(٣) سنن أبي داود : ج ٤ ص ٨٦ ؛ كتاب المهدي وفيه : ( ثم لغط القوم وتكلّموا ) وفي نفس الصفحة ( فجعل الناس يقومون ويقعدون ) .

(٤) مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ١٥ ص ٩٢ ؛ حلية الأولياء : ج ٤ ص ٣٣٣ ؛ شرح السنّة ، البغوي : ج ٧ ص ٤٢٢ ح ٤١٣١ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ٤٣ ؛ قال البغوي : (هذا حديث صحيح) .

(٥) مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ـ ٨٨ ؛ المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ص ٦١٨ .

١٠٢

إلى اثني عشر خليفة ، كلّهم من قريش )(١) .

١٢ ـ وأخرج ابن حجر والقسطلاني والخطيب البغدادي قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا تهلك هذه الأمة حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة ، كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) (٢) .

١٣ ـ وأخرج أحمد ، والحاكم في المستدرك ، والهيثمي في مجمع الزوائد عن الطبراني في المعجم الأوسط ، والكبير ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا يزال أمر أُمّتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة ) (٣) .

١٤ ـ وأخرج أحمد في مسنده ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، وابن حجر في المطالب العالية ، والبوصيري في مختصر الإتحاف ، عن مسروق، قال : ( أما سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ قال : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك [ثم] قال : نعم ولقد سألناها ، فقال : اثنى عشر كعدة نقباء بني اسرائيل )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) مسند أبي عوانة : ج ٤ ص ٣٦٩ ح ٦٩٧٦ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٤ ؛ تاريخ بغداد : ج ٤ ص ٢٥٨ .

(٣) المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ص ٦١٨ ؛ مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٥ ص ٩٧ ص ١٠٧ ؛ مجمع الزوائد : ج ٥ ص ١٩٠ ؛ قال الهيثمي : ( رجال الطبراني رجال الصحيح ) ، ورواه عن جابر في ص ١٩١ وقال : ( رجاله ثقات ) .

(٤) مختصر الإتحاف ، البوصيري : ج ٦ ص ٤٣٦ ح ٤٩٣٣ ؛ وكذا انظر مسند أحمد ، ابن حنبل ج ١ ص ٣٩٨ ؛ المستدرك ، ج ٤ ص ٥٠١ ؛ المطالب العالية : ج ٥ ص ٤٦ ؛ مجمع الزوائد : ج ٥ ص ١٩٠ ؛ وهذا حديث حسنه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : ج ١٣ ص ٨٣ ؛ وابن حجر الهيثمي في تطهير الجنان واللسان (ضمن الصواعق المحرقة) : ص ١٩ ، ونقله السيوطي في تاريخ الخلفاء : ص ١٥ .

١٠٣

* الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق أهل البيتعليهم‌السلام حول الخلفاء الاثني عشر ، إلاّ أنّ ما تقدّم يكفي لإثبات المطلوب .

وعلى ضوء ما سلف يتضح أنّ حديث الاثني عشر خليفة حقيقة إسلامية صادرة عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مسلّمة لا غبار عليها ، فلا مجال لما يقال من أنّها فكرة يهودية أخذها الشيعة من كتاب دانيال ! .

ولعلّ المستشكل لم يكن مطّلعاً على الشخص الذي رجع إلى كتب اليهود وأخذ منها ، بعد عجزه عن تفسير حديث الاثني عشر ، كما نقل ذلك ابن حجر العسقلاني ، عن أبي الحسين ابن المنادي ، حيث قال : ( قال أبو الحسين ابن المنادي ، في الجزء الذي جمعه في المهدي : ( يحتمل في معنى حديث( يكون اثنا عشر خليفة ) أن يكون هذا بعد المهدي ، الذي يخرج في آخر الزمان ، فقد وجدت في كتاب دانيال ، إذا مات المهدي )(١) .

ومن هنا لا نجد مجالاً لإنكار هذه الروايات المتواترة ، ولذا التجأ العلماء من الفريقين إلى تفسيرها دون تكذيبها .

مَن هم الخلفاء الاثنا عشر ؟

بعد أن اتفق المسلمون على هذه الحقيقة التي كشف النقاب عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ الخلفاء من بعده اثنا عشر خليفة ، نجد أنّ الكثير من محدّثي ومفسّري أهل السنّة واجهوا إشكالية صعبة في تعيين الخلفاء الاثني عشر ؛ لأنّهم من جهة إن أخذوا بظواهر النصوص ـ الواردة في الخلفاء الاثني عشر ـ فإنّ ذلك يتناقض ، ويتنافى مع ما تسالموا عليه في

ـــــــــــــ

* يوجد كلام قبل كلمة الأكرم ! [ الشبكة ] .

(١) نقلاً عن فتح الباري: ج ١٣ ص ١٨٤ .

١٠٤

مسألة الخلافة لديهم ، ولما رووه صحيحاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الخلافة من بعده ثلاثون عاماً ، ثم تكون ملكاً عضوضاً من جهة أخرى إنّ رفض هذه النصوص لا تسمح به القوّة السنَدية التي تملكها ؛ وعلى هذا الأساس تباينت الآراء وتناقضت التفاسير حول هذه الحقيقة وتضاربت التصريحات والردود بعضها مع البعض الآخر ، فتجدهم تارة يعبّرون بـ ( وقع لي فيه شيء ) أو ( قيل ) أو ( الذي يغلب على الظن ) ، أو ( والله أعلم بمراد نبيّه ) ، وإكثارهم من قول ( والله أعلم ) بين الحين والآخر ، ممّا يكشف عن تخبّطهم ، وحيرتهم في تفسير حديث الخلفاء تفسيراً واقعياً صحيحاً، وإليك أبرز تلك المحاولات التفسيرية :

محاولات أهل السنّة في تفسير حديث الخلفاء

المحاولة الأُولى : لابن العربي

قال : ( فعددنا بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثني عشر أميراً فوجدنا أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً والحسن ومعاوية ويزيد ومعاوية بن يزيد ، ومروان وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسليمان وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك ومروان بن محمد بن مروان والسفاح ) إلى أن قال : ( وإذا عددنانهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان ، وإذا عددناهم بالمعنى كان معنا منهم خمسة : الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز ، ولم أعلم للحديث معنى !! )(١) .

ـــــــــــــ

(١) شرح صحيح الترمذي ، ابن العربي : ج ٩ ص ٦٨ .

١٠٥

المحاولة الثانية : لابن المهلب

قال : ( لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث ـ يعني بشيء معيّن ـ فقوم قالوا يكونون بتوالي إمرتهم ، وقوم قالوا يكونون في زمن واحد كلهم يدعي الإمارة ، قال : والذي يغلب على الظن أنّه (عليه الصلاة والسلام) أخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن ، حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميراً ، قال : ولو أراد غير هذا لقال يكون اثنا عشر أميراً يفعلون كذا ، فلمّا أعراهم من الخبر عرفنا أنّه أراد أنّهم يكونون في زمن واحد ) ، وعلّق ابن حجر على ذلك بقوله : ( وهو كلام مَن لم يقف على شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة )(١) .

المحاولة الثالثة : للسيوطي

قال فيها : ( فقد وجد من الثاني عشر خليفة : الخلفاء الأربعة ، والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز ، هؤلاء ثمانية ، ويحتمل أن يضم إليهم المهتدي من العبّاسيين ؛ لأنّه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية ، وكذلك الطاهر لما أوتيه من العدل ، وبقي الاثنان المنتظران أحدهما المهدي ؛ لأنّه من آل بيت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

وقد علّق عليه الأستاذ أبو ريّة بقوله : ( ولم يبيّن المنتظر الثاني !! ورحم الله مَن قال في السيوطي : إنّه حاطب ليل )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) فتح الباري ، ابن حجر : ج ١٣ ص ١٨٢ .

(٢) تاريخ الخلفاء ، جلال الدين السيوطي : ص ١٦ .

(٣) أضواء على السنّة المحمّدية : ص ٢٣٥ .

١٠٦

المحاولة الرابعة : لأبي الحسين ابن المنادي

قال في الجزء الذي جمعه في المهدي : ( يحتمل في معنى حديث : ( يكون اثنا عشر خليفة ) أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان ، فقد وجدت في كتاب دانيال : إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر ، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر ، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر ، ثم يملك بعده ولده ، فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً كل واحد منهم إمام مهدي )(١) ، وقد ردّه ابن حجر بقوله : ( والوجه الذي ذكره ابن المنادي ليس بواضح )(٢) .

المحاولة الخامسة : للقاضي عياض

قال النووي : ( وقال القاضي عياض في جواب القول : إنّه ولي أكثر من هذا العدد ؟ ، قال : وهذا اعتراض باطل ؛ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل : لا يلي إلاّ اثنا عشر خليفة ، وإنّما قال : يلي ، وقد ولي هذا العدد ، ولا يضر كونه وجد بعدهم غيرهم ، ويحتمل أوجهاً أُخر ، والله أعلم بمراد نبيّه )(٣) .

المحاولة السادسة : لابن الجوزي

حيث قال في كشف المشكل : ( قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلّبت مظانّه ، وسألت عنه فلم أقع على المقصود به ؛ لأنّ ألفاظه مختلفة ، ولا أشك أنّ التخليط فيها من الرواة ، ثم وقع لي فيه شيء )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) نقلاً عن فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٤ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٥ .

(٣) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠١ ـ ٢٠٣ .

(٤) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٣ .

١٠٧

* أمية قال : ( وأوّل بني أميّة يزيد بن معاوية ، وآخرهم مروان الحمار ، وعدّتهم ثلاثة عشر ، ولا يعدّ عثمان ومعاوية ، ولا ابن الزبير ؛ لكونهم صحابة ، فإذا أسقطنا منهم مروان بن الحكم ـ للاختلاف في صحبته ، أو لأنّه كان متغلّباً بعد أن اجتمع الناس على عبد الله بن الزبير ـ صحّت العدّة )(١) .

وقال ابن حجر في معرض تعليقه على كلام ابن الجوزي : ( وأمّا محاولة ابن الجوزي ظاهر التكلّف )(٢) .

المحاولة السابعة : للبيهقي

قال فيها : ( وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة ، ثم ظهر ملك العباسية ، وإنّما يزيدون على العدد المذكور ، إذا تركت الصفة المذكورة فيه أو عدّ منهم مَن كان بعد الهرج المذكور فيه )(٣) .

وردّه ابن كثير بقوله : ( فهذا الذي سلكه البيهقي وقد وافقه عليه جماعة ، من أنّ المراد بالخلفاء الأثني عشر المذكورين في هذا الحديث هم المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق ، الذي قدّمنا الحديث فيه بالذم والوعيد فإنّه مسلك فيه نظر وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر ، قبل عمر بن عبد العزيز ، فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الاثني عشر يزيد بن معاوية ، ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز ، الذي أطبق الأئمّة على شكره وعلى مدحه ، وعدّوه من

ـــــــــــــ

* يوجد كلام سابق ؛ لأنه كلام مبتور [ الشبكة ] .

(١) فتح الباري ، ابن حجر : ج ١٣ ص ١٨٣ .

(٢) المصدر نفسه : ج ١٣ ص ١٨٥ .

(٣) نقله عن البيهقي ابن كثير في البداية والنهاية : ج ٦ ص ٢٧٩ .

١٠٨

الخلفاء الراشدين )(١) .

وفي نهاية المطاف يتضح تعثّر المحاولات التي تحرّكت في إنجاز هدفها ، وأنتجت تفسيرات تختزل في داخلها التكلّف والحيرة والارتباك .

التفسير الواقعي لحديث الاثني عشر

أمّا الشيعة الإمامية ، فلم يحتاجوا إلى مزيد بحث وعناء ، في تفسير أحاديث الخلفاء الاثني عشر ، وأنّهم العترة الطاهرة ، المتمثّلة في أهل البيتعليهم‌السلام بشكل واضح ، لا سيّما بملاحظة الروايات التي وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما تضمّنته من روح استدلالية لا تقبل الترديد في إثبات المطلوب .

وقبل أن نلج في البحث ، لابد من تقديم نقطة منهجية تساهم في بناء إطار واضح ومحدد للموضوع وتحول دون الوقوع في الاشتباه .

وهي أنّنا يتوجّب علينا أن نلقي الضوء على تلك الروايات الواردة في الخلفاء الاثني عشر ؛ لنبصر ما تضمّنته تلك الروايات من خصائص ومواصفات ومميّزات للخلفاء الاثني عشر ، حيث نجد في بعضها التعبير بأنّ ( عزّة الإسلام ونصرته تكون بهم ) ، وأنّ ( بقاء الدين إلى قيام الساعة بهم ) ، وأنّ ( وجودهم مستمر إلى آخر الدهر ) ، وأنّ ( قيام الدين إلى قيام الساعة بهم ) ، وأنّهم ( القيّمين على الدين ) ، و( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، وأنّ ( صلاح أمر الأمة والناس بهم ) ، وأنّهم ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ، وأنّهم ( كلّهم من قريش ) ، وأنّهم ( لا يضرّهم خذلان ولا عداوة مَن عاداهم ) ، وأنّهم ( كعدّة نقباء بني إسرائيل ) ، والأهم من ذلك كلّه تحديدهم بعدد ( اثني عشر ) بلا زيادة أو نقصان .

ـــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠ .

١٠٩

وبملاحظة هذه الامتيازات ، والخصوصيات ، التي يتصف بها الخلفاء الاثنا عشر ، لا يتردد أحد في صدقها ، وانطباقها على أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ولكي تكون الإجابة واضحة لا تحتمل اللبس ، والإيهام ، نشير إلى عدّة قرائن وشواهد ، نلمس من خلالها جوهر وحقيقة الأحاديث ، وتفسيرها تفسيراً واقعياً ، وإليك جملة من تلك الشواهد والقرائن التي توجب القطع واليقين بأنّ المراد بالخلفاء الاثني عشر هم أهل البيتعليهم‌السلام :

جملة من الشواهد على المراد الواقعي

١ ـ إذا أنعمت النظر في بعض الخصائص والمميّزات التي تضمّنتها نصوص الاثني عشر خليفة ، من قيام الدين بهم ، وقيموميتهم على الدين فهم ( اثنا عشر قيّماً من قريش ، لا يضرّهم مَن خذلهم ، ولا عداوة مَن عاداهم )(١) ، ( لا يزال الدين قائماً )(٢) ، وكونهم ( أمان لأهل الأرض )(٣) ، ( أمان لأُمّتي )(٤) ، ( فإذا

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢ ص ١٩٦ ، وفي ص ٢٥٦ نقل فيها عبارة ( لا يضرهم عداوة مَن عاداهم ) ؛ المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٣ ص ٢٠١ ، نقل فيه عبارة ( لا يضرهم مَن خذلهم ) ؛ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩١ وذكر ( أنّ رجاله ثقات ) ونقل فيه عبارة ( عداوة مَن عاداهم ) ؛ الحد الفاصل ، الرامهرمزي : ص ٤٩٤ .

(٢) صحيح مسلم ، النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٥٣ ؛ كتاب الإمارة ؛ مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٥ ص ٨٦ ص ٨٨ ص ٨٩ ؛ سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : ج ٢ ص ٦٥٤ ح ٩٦٤ .

(٣) المستدرك : ج ٣ ص ١٤٩ ؛ وقال فيه : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ، وغير ذلك من المصادر.

(٤) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص ١٧ .

١١٠

هلكوا ماجت الأرض بأهلها )(١) ، لا سيّما إذا ضممنا إليها ما ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحيحاً ومتواتراً ، أنّ( الأرض لا تخلو من حجّة ) (٢) ، وكذا( مَن مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ) (٣) ، وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان ) (٤) ، يتجلّى لنا أنّها تسجّل بمجموعها معنى مشتركاً فيما بينها ، وهو أنّ هذه الخصوصيات لا يمكن أن تتحقق إلاّ إذا كان أولئك الخلفاء الاثنا عشر على شكل سلسلة واحدة متكاملة ومتناسقة ومتوالية زماناً ، وهذا لا ينسجم ولا ينطبق إلاّ على العترة الطاهرةعليهم‌السلام ، على العكس من تفاسير علماء السنّة المتقدّمة ، التي تطغى عليها حالة من التشويش والتكّلف وعدم التناسق ، والتواصل فيما بينها .

٢ ـ من الخصوصيات الأخرى التي سجلتها روايات الاثني عشر إلى جانب الخصوصية الأولى ، هي صفة ( بقاؤهم ما بقي الدين ، حتى تقوم الساعة ) ، وهذه الحقيقة لا تتجسّد إلاّ في أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، ومن أوضح ما يثبت ذلك :

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير الطبراني : ج ٢ ص ١٩٦ ح ١٧٩٤ ؛ كنز العمال : ج ١٢ ص ٣٤ ح ٣٣٨٦١ .

(٢) انظر : تاريخ مدينة دمشق : ج ٥٠ ص ٢٥٥ ؛ انظر : المناقب ، الخوارزمي : ص ٣٦٦ ؛ انظر : تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ص ٢٠٦ ؛ انظر : ينابيع المودة : ج ١ ص ٨٩ .

(٣) صحيح ابن حبان : ج ١٠ ص ٤٣٤ ، انظر : مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٣ ص ٤٤٦ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ١٩ ص ٣٨٨ ؛ سنن البيهقي : ج ٨ ص ١٥٦ ؛ المعيار والموازنة : ص ٢٤ ؛ المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٧٠ ؛ مجمع الزوائد : ج ٥ ص ٢١٨ ص ٢٢٤ ج ٩ : ص ١١١ ص ١٢١ ؛ مسند الطيالسي : ص ٢٥٩ ؛ مسند أبي يعلى : ج ١٣ ص ٣٦٦ ح ٧٣٧٥ .

(٤) صحيح مسلم ، النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٥٢ ح ١٨٢٠ ؛ مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٢ ص ٢٩ ص ٩٣ ؛ السنن الكبرى : البيهقي : ج ٣ ص ١٢١ ؛ فتح الباري : ج ١٣ ص ١٠٤ ؛ الجامع الصغير : ج ٢ ص ٧٥٦ ح ٩٩٦٩؛ وغيرها من المصادر الأخرى .

١١١

أ ـ حديث الثقلين( إنّي تارك فيكم ما أن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ؛ أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ؛ فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ) (١) ، والنفي التأبيدي للافتراق بين الكتاب والعترة الطاهرة لا يتحقق إلاّ بديمومة أهل البيتعليهم‌السلام ، وبقائهم ما بقي القرآن والدين ، وإلاّ فلو فرض افتقاد أهل البيتعليهم‌السلام في فترة معيّنة ، يلزم من ذلك افتراق القرآن عن العترة ، وهو ينافي حديث الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ب ـ الاعتقاد بوجود الإمام الثاني عشر ، وأنّه الإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام ، وأنّه من ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه حيّ يرزق ـ كما هو معتقد الشيعة الإمامية ـ يسجّل التقاءً جليّاً مع مضمون روايات الخلفاء الاثني عشر في خصوصيّة كون بقائهم ما بقي الدين إلى قيام الساعة ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الأحاديث السابقة الذكر :( لا تخلو الأرض من حجّة ) ، و( مَن مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ) .

٣ ـ تشبيه الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخلفاء الاثني عشر من بعده بنقباء بني إسرائيل ، وحواريي عيسى ـ كما تقدم ـ يدل على كون الخلفاء أوصياء منصّبين بتعيين خاص ، كما هو الحال بالنسبة لنقباء موسى وحواريي عيسىعليه‌السلام ، وهذا التنصيب والتعيين يفرضه عظم وحجم المسؤولية الملقاة على عاتق النقيب ، بحسب تعبير الآية ؛ لأنّ النقيب هو الأمين والرئيسالكبير ، المقدّم على القوم ، الذي يتعرّف أخبارهم ، وينقّب عن أحوالهم ، ويعرف مناقبهم ، ودخيلة أمرهم ، ويدبّر مصالحهم ، وقد أخرج السيوطي في تفسيره عن ابن

ـــــــــــــ

(١) أخرج الحديث مسلم في صحيحه : ج ٤ ص ١٨٧٣ ح ٢٤٠٨ ؛ والترمذي في سننه : ج ٥ ص ٣٢٨ ، ٣٢٩ ؛ وأحمد في مسنده : ج ٣ ص ٥٩ ؛ وغيرها من المصادر العديدة جداً ، والحديث متفق على صحّته بين الفريقين ، بل إنّ له طرقاً عديدة جداً تصل إلى حد التواتر .

١١٢

جرير بن الربيع : ( قال : النقباء ، الأُمناء )(١) ، ونقل الفخر الرازي في ذيل آية ( اثني عشر نقيباً ) : ( إنّ النقيب هاهنا فعيل بمعنى مفعول ، يعني اختارهم على علم بهم ، قال الأصم : هم المنظور إليهم ، والمسند إليهم أمور القوم وتدبير مصالحهم )(٢) .

كما ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( اثنا عشر خليفة ، كلهم يعمل بالهدى ودين الحق ، لا يضرّهم مَن خذلهم ) (٣) ، وهذا هو الدور الذي أُنيط بأهل البيتعليهم‌السلام ، كما روي عن عمر ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ فانظروا مَن توفدون ) (٤) .

وعلى هذا الأساس يثبت لأوصياء وخلفاء نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ثبت لأوصياء موسى وعيسىعليهما‌السلام من التنصيب والتعيين الخاص ، وهو ما لم يثبت لغير أهل البيتعليهم‌السلام .

٤ – المؤهّلات والخصائص الاستثنائية ، التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام ، والتي يفرضها واقعهم وسيرتهم العملية بين المسلمين بإجماع أهل العلم ، وعلى جميع المستويات الفكرية ، والإيمانية والروحية والنفسية والرسالية وغيرها ، تحتّم على الباحث المنصف تفسير الحديث بهم ، ويمكن أن نلمس ذلك من خلال ما يأتي :

أوّلاً : النصوص القرآنية كآية المودّة ، وآية هل أتى ، وآية التطهير والاصطفاء وغيرها ، وكذلك الأحاديث النبوية ، من حديث الثقلين ، وحديث السفينة ، وحديث الكساء ، وغيرها .

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي : ج ٣ ص ٤٠ .

(٢) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : ج ٦ ص ١٨٨ ـ ١٨٩ .

(٣) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢ ص ١٩٦ ، ٢٥٦ ؛ المعجم الأوسط : ج ٣ ص ٢٠١ ؛ انظر : فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٤ .

(٤) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٢٣١ ؛ انظر : ذخائر العقبى ، محب الدين الطبري : ص ١٧؛ انظر : ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

١١٣

ثانياً : الواقع التاريخي الذي برهن وبكل وضوح وصدق على عمق تجسيدهمعليهم‌السلام للمفاهيم الإسلامية والرسالية ، وعمق تحمّلهم لأدوارهم ، وقيامهم بالمسؤوليات التي أُوكلت لهم ، فإنّ كل الدراسات التي عنيت بتدوين ودراسة التاريخ تؤكّد حقيقة التميّز في شخصيّاتهم ، ومؤهّلاتهم العلمية والقيادية والأخلاقية والاجتماعية وغيرها ، لا سيّما إذا أبصرنا تلك التصريحات الصادرة من رجاليين ومؤرّخين وباحثين ممّن عاصروا الأئمّةعليهم‌السلام ، وممّن لم يعاصروهم ، فقد أجمعت هذه الكلمات على الاعتراف لأهل البيتعليهم‌السلام بالموقع المتفرّد والاستثنائي في العلم والورع والخُلُق والفضل والشرف والسمو والكمال والحسب والنسب وأهليّتهم للإمامة والخلافة ، كما نقلنا ذلك مفصّلاً في الجواب عن شبهة متقدّمة ، وإليك بعض تلك الشواهد :

١١٤

أ ـ قول أحمد بن حنبل : ( ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ، ما جاء لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام )(١) ، وفضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ودوره في الإسلام غني عن البيان فلا نطيل فيه الحديث .

ب ـ وأمّا فضل الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام ودورهما في الإسلام ، ودفاعهما عن شريعة جدّهماصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما قاما به من إصلاح في الأمة الإسلامية ، ووقوفهما سداً منيعاً أمام كل المحاولات التي تستهدف النيل من الرسالة الإسلامية ، لما يحملانه من خصائص ومميّزات ، وقد تواترت الروايات في علو شأنهما وسمو مقامهما ، كل ذلك جعل لهما الدور الفاعل في التأثير البليغ في المسلمين ، سواء على الصعيد الفكري ، أو الاجتماعي ، أو غيرهما ، كل ذلك في زمن أصبحت الحياة الإسلامية فيه مسرحاً للخلافات ، والجرائم والآثام ، وأصبحت فيه الحكومة ملكاً عضوضاً يتوارثه بنو أمية فيما بينهم بالقهر والغلبة ، وقد انبرى الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام في ذلك الحين لمعالجة الواقع المرير ، وقد جاء في مجامع أحاديث السنّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حق ابنه الحسنعليه‌السلام : ( إنّ ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )(٢) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق ابنه الحسينعليه‌السلام :( حسين منّي وأنا منه ، أحبّ الله مَن أحبّه الحسن والحسين سبطان من الأسباط ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٧ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٢ ص ١٧٩ ح ٢٧٠٤ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر : ص ٢٩١ ، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً من الفريقين .

(٣) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٣ ص ٣٢ ج ٢٢ ص ٢٧٤ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٥٧٥ ؛ فيض القدير في شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج ٣ ص ٥١٣ ؛ التاريخ الكبير ، البخاري : ج ٨ ص ٤١٥ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٨ ص ٢٢٤ ؛ وفي صحيح الجامع الصغير ، الألباني : ج ١ ص ٦٠٢ ح ٣١٤٦ ، قال عن الحديث بأنّه : ( حسن ) ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

١١٥

ولذا قام الإمام الحسينعليه‌السلام ثائراً على الظلم آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، مضحّياً بنفسه وأهل بيته في سبيل إعلاء كلمة الحق ، طالباً الإصلاح في أمة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما لاحظ الممارسات البعيدة عن روح الدين والأخلاق من قبل الحكومة آنذاك ، حينما اتخذت الإسلام ستاراً لتغطية جرائمها وممارساتها المتهتكة ، ولذا قالعليه‌السلام عندما خرج متوجها إلى الكوفة :( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدّي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (١) ، وقد قال الذهبي في مدحهما وبيان موقعهما القيادي في الأمّةعليهما‌السلام : ( فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك )(٢) ، ولا نطيل الحديث في ذلك بعد أن ثبت أنّهماعليهما‌السلام إمامان قاماً أو قعداً .

ج ـ قول مالك في الإمام زين العابدين : ( سُمّي زين العابدين لكثرة عبادته )(٣) .

د ـ قول أبي حنيفة عندما سُئل : مَن أفقه مَن رأيت ؟ قال : ( ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد )(٤) .

هــ قول الذهبي في ترجمته للإمام المهدي المنتظر عليه‌السلام : ( ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنّه الخلف الحجّة ، وأنّه صاحب الزمان ، وأنّه حي لا يموت حتى يخرج ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً فوددنا ذلك ـ والله ـ فمولانا علي : من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك ) .

ـــــــــــــ

(١) مقتل الحسين ، الخوارزمي : ص ٢٧٣ ، الفتوح ، ابن أعثم الكوفي : ج ٥ ص ٢١.

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) نور الأبصار ، الشبلنجي : ص ١٩١ .

(٤) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٦ ص ٢٥٧ ، تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ١ ص ١٦٦ .

١١٦

وزين العابدين : كبير القدر ، ومن سادة العلماء العاملين يصلح للإمامة .

وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر : سيّد إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة .

وكذا ولده جعفر الصادق : كبير الشأن ، من أئمّة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور .

وكان ولده موسى : كبير القدر ، جيّد العلم ، أولى بالخلافة من هارون .

وابنه علي بن موسى الرضا : كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون وليّ عهده لجلالته .

وابنه محمد الجواد : من سادة قومه .

وكذلك ولده الملقّب بالهادي : شريف جليل .

وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري ، رحمهم الله تعالى )(١) .

٥ – إنّ من الملاحم التي نصّت عليها أحاديث الاثني عشر خليفة ، هو حصول المعاداة والخذلان لأولئك الخلفاء بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كالتعبير بأنّهم ( لا يضرّهم مَن خذلهم )(٢) ، ( ولا تضرّهم عداوة مَن عاداهم )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ ، ١٢١ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢ ص ١٩٦ ، تاريخ ابن كثير : ج ٦ ص ٢٨٧ .

(٣) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢ ص ٢٥٦ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩١ ؛ فتح الباري ، ابن حجر : ج ١٣ ص ١٨٢ .

١١٧

ولا يخفى أنّه جرى على أهل البيتعليهم‌السلام ما لم يجر على غيرهم من خذلان ومعاداة ، ابتداءً من أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والإمام الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ومن بعدهم العترة الطاهرة من أبناء الحسينعليه‌السلام ، وقد تنبّأ بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما قال :( إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً ) (١) .

وهذا شاهد آخر ، يدعم كون الخلفاء الاثني عشر هم أهل البيتعليهم‌السلام ، حيث خُذل أمير المؤمنين بعد أن عهد إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالولاية أمام جموع الناس في واقعة الغدير وغيرها ، وقد تنبّأ أيضاً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك الخذلان عندما قال وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالبعليه‌السلام :( هذا أمير البررة قاتل الفجرة منصور مَن نصره مخذول من خذله ) (٢) ، وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له :( إنّ الأُمّة ستغدر بك بعدي ) (٣) ، وكذا الإمام الحسنعليه‌السلام ، حيث خذلته الأمة ، حتى تمكّن معاوية من السلطة ، ودسّ إليه السمّ فقُتل شهيداً مظلوماً .

وأمّا الإمام الحسينعليه‌السلام ، فلا يخفى كيفيّة خذلان الأمة له ولأصحابه السبعين نفراً ، حتى قتلوهم ، وسبوا نساءهم وذراريهم ، وحملوهم إلى طاغية عصره يزيد بن معاوية ، وأمّا بقية الأئمّةعليهم‌السلام فلا يخفى ما عافوه من جرّاء الظلم ، والتضييق عليهم ، وزجهم في السجون من قبل السلطات الحاكمة ، فكانوا ما بين مسموم وسجين و...

ـــــــــــــ

(١) سنن ابن ماجه : ج ٢ ص ١٣٦٦ وقد قوّاه من طريق صاحب المستدرك ، المصنف : ابن أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٢٧ ؛ كتاب السنّة : ص ٦١٩ ح ١٣٩٩ ؛ الدر المنثور ، السيوطي : ج ٦ ص ٥٨ ، ميزان الاعتدال : ج ٢ ص ٤١٦ ذكرها بطرق مختلفة ومتعددة ولم يضعّفها ، سير أعلام النبلاء : ج ٦ ص ١٣١ ؛ لسان الميزان ، ابن حجر : ج ٣ ص ٢٨٢ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم : ج ٣ ص ١٢٩ قال : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ؛ تاريخ بغداد : ج ٣ ص ١٨١ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ١٥ ص ٨٨ .

(٣) المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ص ١٤٢ ، ١٤٣ قال : ( صحيح ) ؛ البداية والنهاية : ج ٦ ص ٢٤٤ ؛ دلائل النبوّة : ج ٦ ص ٤٤٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٤٤٧ ـ ٤٤٨ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٤ ص ١٠٧ .

١١٨

وعلى الرغم من كل المحاولات التي استهدفت طمس معالمهم ، وإخفاء حقيقتهم ودورهم ، إلاّ أنهمعليهم‌السلام مارسوا دورهم على أكمل وجه ، وحافظوا على الخط الإسلامي الأصيل المتمثّل بتربية أمة صالحة على العكس من الحكومات الظالمة آنذاك ، التي اكتفت برفع شعار الإسلام ؛ لتمرير مخطّطاتها وأهدافها .

٦ – من الشواهد التي تكشف عن كون المقصود من الخلفاء الاثني عشر هم أهل البيتعليهم‌السلام ، هو أنّ بعض روايات الاثني عشر خليفة نصّت على أنّ الخلفاء الاثني عشر كلّهم من بني هاشم ، حيث جاء عن جابر بن سمرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : (بعدي اثنا عشر خليفة ، ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي : ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال :كلّهم من بني هاشم )(١) .

ولعلّنا لا نجانب الصواب إذا قلنا : إنّ لفظ ( كلّهم من بني هاشم ) ؛ إمّا أن يكون قد أسقط من أسقط من باقي الروايات ، أو أنّه خفي على الراوي جرّاء حصول الضجة واللغط في ذلك المجلس ، الذي ذكر فيه الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الحديث ، كما خفي عليه لفظ ( كلّهم من قريش ) فسأل مَن بجنبه ، فأثبت له لفظ ( كلّهم من قريش ) فقط ، ولعلّ الشخص الذي أثبت له اللفظ لم يسمع قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( كلّهم من بني هاشم ) فلم يثبته له ، أو لأجل مآرب وغايات في صدور القوم ، منعت من إثبات بقيّة الحديث لجابر ، وهذا يعني أنّ لفظ

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة : ج ٢ ص ٣١٥ ح ٩٠٨ .

١١٩

 ( كلّهم من قريش ) لم يسمعها الراوي من لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة ، وهذا هو ما فهمه القسطلاني في شرحه لصحيح البخاري ، حيث قال : ( وعن أبي داود من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة : لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ، قال : فكبّر الناس وضجّوا ، فلعلّ هذا هو سبب خفاء الكلمة المذكورة على جابر )(١) .

ولذا نقول : إنّ الرواية الواردة عن جابر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي بعض حديث ، ويشهد على ذلك نفس الواقعة ، وكيفية إثبات الحديث لجابر ، حيث جاء فيه : (لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ، قال فكبّر الناس وضجّوا فقال كلمة خفية ، فقلت لأبي يا أبه ما قال ؟ فقال أبي : إنّه قال :كلّهم من قريش )(٢) .

وفي رواية أخرى بلفظ ( صمّنيها الناس )(٣) ، قال النووي في شرحه لصحيح مسلم : ( قوله : فقال كلمة صمّنيها الناس ) هو بفتح الصاد وتشديد الميم المفتوحة ، أي أصمّوني عنها ، فلم أسمعها ؛ لكثرة الكلام ووقع في بعض النسخ ( صمّتنيها الناس ) أي سكّتوني عن السؤال عنها )(٤) ، وجاء ذلك المعنى بألفاظ أخرى من قبيل : ( فكبّر الناس وضجّوا )(٥) ، ( فضجّ الناس )(٦) ، وفي لسان آخر ( اثنا عشر كلّهم ، ثم لغط القوم ، وتكلموا ، فلم أفهم قوله بعد كلّهم )(٧) ، وممّا

ـــــــــــــ

(١) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري : ج ١٥ ص ٢١٢ ح ٧٢٢٢ .

(٢) فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ابن حجر العسقلاني : ج ١٣ ص ١٨١ ؛ انظر : سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٨٦ ح ٤٢٨٠ .

(٣) صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٤٥٣ .

(٤) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٣ .

(٥) سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٨٦ ح ٤٢٨٠ ؛ مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٨ ؛ تاريخ بغداد : ج ٢ ص ١٢٤ ج ١٤ ص ٣٩٦.

(٦) مسند أبي عوانة : ج ٤ ص ٣٦٩ .

(٧) مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٩ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢ ص ١٩٦ .

١٢٠