الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 361
المشاهدات: 205767
تحميل: 7811


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205767 / تحميل: 7811
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

المجلّد الأول

تأليف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية

١

لجنة التحقيق: الشيخ قيصر التميمي، الشيخ علي حمود العبادي، الشيخ شاكر عطية الساعدي

تصحيح: الشيخ عبد السادة الساعدي والشيخ أمير كاظم حسون

مراجعة وتقويم: السيد حاتم البخاتي والسيد ميثم الخطيب

الناشر: دهكده جهاني آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

الطبعة الأولى: / ١٤٢٨ هجري قمري

التنضيد والإخراج الفني : مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية / محسن الجابري

الطبع: أميران ـ قم المقدسة

سعر الدوره : ٩٠٠٠ تومان

العدد: ٢٠٠٠

شابك: ٤ ـ ٧ ـ ٩٤٣٨٨ ـ ٩٦٤ ـ ٩٧٨

جميع حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية

هاتف: ٧٧٣٠٩٤٤ ـ ٢٥١ ـ ٠٠٩٨

سايت: www.Annalat.org

العنوان : قم / الشارع سمية / زقاق ١٨ / رقم الدار ١٥

٢

مقدّمة الكتاب

الحوار والمناظرة من الفنون العريقة وذات الجذور المتأصّلة في التاريخ ، وقد يصعب على الباحث ـ بحسب ما بحوزته من التراث ـ أن يعطي صورة واضحة عن انطلاقة هذا الفن وبداياته .

ولكن القرآن الكريم أطلعنا على حوار جرى بين الله تعالى وبين ملائكته ، حينما أراد أن يخلق الإنسان ويجعله خليفة في الأرض ، وذلك في قوله تعالى :( وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (١) ، فالله تعالى قد فسح المجال أمام الملائكة للإدلاء برأيهم في خلافة الإنسان ، وقد افترضوا أنّ خليفة الله عزّ وجلّ لا يمكن أن يكون مفسداً ولا سفّاكاً للدماء ، فأقرّهم الله تعالى على ذلك ولم يبطل حجّتهم ، إلاّ أنّه أجابهم من جهة أخرى ، وهي أنّهم لم يطّلعوا على الحقيقة كاملة ، وأنّ هناك أهدافاً وغايات سامية تترتب على خلافة الإنسان في الأرض قد خفيت عليهم ، ولا يحقّ لهم أن يدخلوا الحوار والمناظرة إلاّ عن علم واطلاع ، وقد أذعنوا بذلك عندما قالوا :( سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاّ مَا عَلّمْتَنَا إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (٢) .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ٣٠ .

(٢) البقرة : ٣١ .

٣

ونفهم من ذلك أنّ الحوار من الأبواب التي فتحها الله تعالى أمام كل مفكّر عاقل قادر على إدراك الحقائق والاطلاع على مجريات الأحداث ؛ ومن هذا المنطلق أيضاً نجد أنّ الله تعالى قد أعطى إبليس حرية الرأي وإبداء الملاحظات في المسألة ذاتها ، مع سابق علمه تعالى ببطلان حجته ، وقد حكى لنا القرآن الكريم حواراً ومناظرة استدلالية قد دارت ـ في ذلك الحين ـ بين الله تعالى وبين إبليس عندما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدمعليه‌السلام :( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ أَن يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَالَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ ) (١) .

هذه الحرية في الحوار وإبداء الرأي تعطينا صورة واضحة عن أهمية هذا المبدأ الذي تقوم عليه ركائز العلاقة بين الله تعالى وبين مخلوقاته .

ثم إنّنا عندما نتابع سيرة الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى لهداية الخلق ، نجدها قائمة على التمسّك بمبدأ الحوار والحرص على إيصال الرأي الآخر إلى الطرف المخالف ، من قبيل ما جرى بين إبراهيمعليه‌السلام وبين النمرود ، قال تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَاجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّيَ الّذِى يُحْيِيْ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنّ اللهَ يَأْتِي بِالشّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ ) (٢) .

وهذا ما أمر الله تعالى به نبيّه الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ

ـــــــــــــ

(١) الحجر : ٣٠ ـ ٣٤ .

(٢) البقرة : ٢٥٨ .

٤

أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (١)

إذن فالنتيجة التي نخلص إليها : أنّ الحوار ومبدأ المناظرة مقدّس ديني وإلهي قبل أن يكون من مقدّسات البشر .

ولكن المؤسف هو أنّ بعض القنوات الفضائية قد أساءت إلى هذا المقدّس الديني والبشري ، عندما استضافت للحوار أشخاصاً لا يؤمنون به ، بل يرفعون شعار التكفير والقتل والإرهاب بوجه كل مَن يخالفهم الرأي .

وقناة المستقلّة الفضائية ـ سيّئة الصيت ـ من تلك القنوات التي كانت ولا زالت تستدعي للحوار المتعجرفين من أتباع الفرقة الوهابيّة الضالّة ، من أمثال عثمان الخميس والدمشقية والبلوشي ، وغيرهم من التكفيريين ، الذين ما فتئوا يكفّرون المسلمين بكافة طوائفهم ، مستندين في ذلك إلى حجج واهية أملتها عليهم نفوسهم الضعيفة .

وبهذا أصبحت قناة المستقلّة الفضائية من القنوات المشبوهة ؛ إذ ابتعدت عن عنوانها الذي تسمّت به ، محاولة ـ بواسطة أولئك الضالّين ـ أن تزرع الحقد والكراهية في نفوس المسلمين ، وهدفها من وراء ذلك إثارة النعرات الطائفية ، وإحداث الفرقة بين أبناء أمتنا الإسلاميّة الواحدة ، مع أنّ المسلمين في وقتنا الحاضر بأمس الحاجة إلى التماسك والوحدّة ، ورصّ الصفوف ؛ للوقوف أمام التحدّيات التي يواجهونها .

ـــــــــــــ

(١) النحل : ١٢٥ .

٥

ومن منطلق الشعور بالمسؤولية كانت مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلامية تتابع ما يجري على تلك القناة عن كثب وحرص شديدين ، وكانت تسعى جادّة أيضاً لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة والهدّامة ، وقد ساهمت في ذلك الحين للعمل على إزاحة الشبهات التي قد تستحدثها أبواق الضلال في نفوس المسلمين .

ولكي تكون هذه المؤسسة المباركة فاعلة في هذا الميدان ، ومؤثّرة في أداء ما تشعر به من المسؤولية تجاه ما يجري في العالم الإسلامي ؛ بادرت ـ من خلال قسم البحوث والدراسات ـ إلى دراسة أهم الشبهات العقائدية التي أثارها التكفيريون من الفرقة الضالة ، ثم تصدّت وبكل جدارة للإجابة عن هذه الشبهات بأجوبة محكمة ورصينة ، كشفت القناع عن زيف ما يزعمه المبطلون .

وقد استجاب لإنجاز هذه المبادرة الطيبة كل من : فضيلة الشيخ علي حمود الشطري العبادي ، وفضيلة الشيخ قيصر التميمي ، وفضيلة الشيخ شاكر عطية الساعدي ، فجزاهم الله عن الإسلام خيراً ، وجعل عملهم هذا خالصاً لوجهه الكريم ، ونافعاً في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم .

وحاولوا في أجوبتهم هذه جاهدين أن يبتعدوا عن لغة السب والتكفير والتجاوز على آراء وعقيدة المذاهب الإسلامية الأخرى ، ومعتمدين في كل ذلك على الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة ، مستنيرين بهدي الكتاب الكريم والسنّة النبوية المباركة ، التي وردت في الكتب المعتمدة عند أبناء الطائفة السنّيّة .

٦

منهج البحث

لقد التزمنا في الإجابة عن الشبهات في فصول هذا الكتاب منهجاً واضحاً يستند إلى الأساليب العلمية والمعتمدة في مجال البحث والتحقيق ، ويمكن تلخيص تلك الأساليب بالنقاط التالية :

١ ـ اعتماد التحليل والوصف في عرض الأجوبة ، ثم الحكم عليها من خلال نصوص القرآن الكريم والسنّة النبوية المباركة .

٢ ـ اعتماد المصادر الحديثية والروائية المعتمدة والمعتبرة عند علماء الطائفة السنّية .

٣ ـ اعتماد الكتب الرجالية والدرائية في تصحيح طرق الروايات والأحاديث الواردة عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والاستناد في توثيق أو تضعيف الرواة على أصحّ المباني المعتمدة لدى كبار علماء الطائفة السنّية .

٤ ـ اعتماد أقوال علماء الطائفة السنية من خلال الرجوع إلى أهم المصادر والكتب المعتبرة .

٥ ـ الابتعاد عن لغة السب والتكفير والتجاوز على آراء وعقيدة المذاهب الإسلامية الأخرى ، معتمدين في ذلك كلّه على الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة في سبيل الوصول إلى الحقيقة ، بعيداً عن التعصّب المذهبي والجدال بالباطل .

خطّة البحث

جاء البحث على النحو التالي :

تقسيم البحث إلى جزئيين ، وكل جزء يتضمّن على عدّة فصول .

وقد تضمّن الجزء الأول الفصول التالية :

الفصل الأول : وقد تناول الإجابة عن شبهة عدم الجعل الإلهي للإمامة .

أمّا الفصل الثاني : فقد اختصت الإجابة فيه عن الشبهة القائلة بأن حديث الأثني عشر فكرة يهودية .

٧

وأمّا الفصل الثالث : فقد تضمّن الإجابة عن الشبهات الواردة حول الإمام المهديعليه‌السلام ، والفائدة من وجوده وغيبتهعليه‌السلام .

وأمّا الفصل الرابع : فأجبنا فيه عن شبهة استبعاد عصيان الصحابة لما أوصى به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أمّا الفصل الخامس : فقد اعتني بالإجابة عن الشبهة القائلة بوجود النص على خلافة أبي بكر .

وأمّا الفصل السادس : فقد خصّصناه للإجابة عن شبهة الغلو في مسألة إمامة أهل البيتعليهم‌السلام .

أمّا الجزء الثاني فتضمّن الفصول التالية :

الفصل الأول : وقد كُرّس للإجابة عن الشبهة القائلة بأنّ الشعائر الحسينية بدعة .

أمّا الفصل الثاني : فتضمّن الإجابة عن الشبهة القائلة بأنّ التوسّل بأهل البيتعليهم‌السلام شرك .

وأمّا الفصل الثالث : فهو يجيب عن شبهة عدم مشروعية اللعن في القرآن الكريم والسنّة الشريفة .

٨

أمّا الفصل الرابع : فقد تصدّى للإجابة عن شبهة تحريف القرآن المنسوبة إلى الشيعة .

وأمّا الفصل الخامس : فقد أجاب عن شبهة عدم مشروعيّة التقيّة .

وأمّا الفصل السادس : فقد اعتني بالإجابة عن شبهة عدم مشروعية الزواج المؤقّت ( المتعة ) .

ولا يفوتنا أن نتقدّم بالشكر الجزيل لكل مَن ساهم في إنجاز هذا الكتاب ، لا سيّما الأخ السيد حاتم الموسوي ، والشيخ فلاح عبد الحسن الدوخي ، لما بذلاه من جهد ومتابعة .

وأخيراً نرجوا الله تعالى أن نكون قد وفقنا فيما قصدناه من الدفاع عن العقيدة والحرص على وحدة الأمة الإسلامية ، والله من وراء القصد .

لجنة التأليف في قسم الدراسات والبحوث

مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية

٢٥ / ذي القعدة / ١٤٢٨ هـ

٩

الفصل الأوّل: هل الإمامة جعل إلهي؟

١ ـ شبهات حول الإمامة

هل الإمامة جعل إلهي ؟

الإمامة في القرآن

٢ ـ شبهات حوله آية الولاية

١ ـ آية الولاية لا تختصّ بعليعليه‌السلام .

٢ ـ آية الولاية لا تعني الأولى بالتصرّف

٣ ـ آية الولاية لا تشمل بقيّة الأئمّة

٤ ـ كيف يستدل الشيعة بشأن النزول ؟

٥ ـ المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟

٣ ـ آية البلاغة تدل على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً

٤ ـ لا وجود لاسم علي في القرآن

٥ ـ آية التطهير لا تختصّ بأئمّة الشيعة

١٠

الفصل الأوّل: هل الإمامة جعل إلهي ؟

الشبهة :

إنّ الإمامة غير مجعولة من الله تعالى ؛ لأنّها لو كانت كذلك فإمّا أن يكون المراد منها الحكومة أو الهداية ، مع أنّنا نعلم أنّ الأئمّة لم يحكموا ، إلاّ الإمام علي والحسن ، وإن كانت الإمامة هي إمامة هداية فأين آثارهم وأقوالهم ؟

الجواب :

ينبغي لكل إنسان أن يؤسّس عقيدته على قواعد معرفية صحيحة ؛ لأنّ العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ، لا يزيده سرعة السير إلاّ بعداً(١) .

وكما قال الله عزّ وجلّ :( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (٢) .

وعلى ضوء ذلك يجب علينا أن نعي ونتفهّم بيانات القرآن الكريم جيداً ، الذي هو تبيان لكل شيء ، قال تعالى:( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى‏ لِلْمُسْلِمِينَ ) (٣) .

ومن أبرز المفاهيم التي أولاها القرآن الكريم عناية خاصة ، هي مسألة الإمامة ، وقد طفحت النصوص القرآنية بذكرها والتأكيد عليها ، والمهمّة ذاتها تنهض بها النصوص النبوية الشريفة .

فالقول بأنّ الإمامة لا ذكر لها في القرآن ، أو أنّها لا فائدة منها ، أو لا

ـــــــــــــ

(١) انظر : أصول الكافي ، محمد بن يعقوب الكليني : ج ١ ص ٤٣ .

(٢) فاطر : ١٠ .

(٣) النحل : ٨٩ .

١١

معنى لها ، أو غير ذلك ، لا يستبطن إلاّ الجهل بالقرآن الكريم .

وقبل الدخول في البحث ـ الذي نستهدف فيه إعطاء لمحة تصوّرية عامة عن الإمامة في القرآن الكريم ـ نبدأ بتقديم نقطة منهجية تساهم في إيضاح المطلوب ، ضمن العناوين التالية :

الإمامة جعل وعهد إلهي :

عندما نقف على نصّ قرآني واحد يلتقي في الدلالة على المطلوب مع عدّة نصوص قرآنية أخرى ، وهو قاله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (١) ، نجد أنّه يكشف وبكل وضوح عن كون الإمامة عهداً وجعلاً واصطفاءً واختياراً من الله تعالى لذلك الإنسان الذي يرى الله عزّ وجلّ فيه القابلية والاستعداد لتسنّمه هذا المنصب الإلهي .

من ذلك يتضح أنّ الرؤية القرآنية للإمام الهادي أن يكون بجعل وعهد من الله تعالى :( إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٢) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (٣) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتّقِينَ إِمَاماً ) (٥) ، وقوله تعالى :

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

(٢) البقرة : ١٢٤ .

(٣) السجدة : ٢٤ .

(٤) الأنبياء : ٧٣ .

(٥) الفرقان : ٧٤ .

١٢

( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (١) .

الإمامة غير النبوّة :

وكذلك تكشف الآية المباركة( إِنّي جَاعِلُكَ ) عن أنّ الإمامة غير النبوّة ، وممّا يؤكّد هذا المعنى :

أوّلاً : أنّ نبي الله إبراهيمعليه‌السلام مُنِحَ هذا المقام بعد تعرّضه لسلسلة من الابتلاءات والاختبارات ، وكان ذلك في أواخر عمره الشريف ؛ لأنّه طلبها لذرّيته ، وهو لا يتناسب إلاّ مع حصول الذرّية له ، وتجاوزه مرحلة الشباب والفتوّة ، خصوصاً وأنّهعليه‌السلام لم يُرزق الذريّة إلاّ بعد فترة مديدة من الزمن تجاوز فيها تلك المرحلة ، في حين أنّهعليه‌السلام عندما أعلن دعوته كان شاباً يافعاً ، كما هو مفاد قوله تعالى :( قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ) (٢) .

ثانياً : إنّ اسم الفاعل في ـ الآية المباركة ـ ( جاعل ) لا يعمل في المفعول ( إماماً ) إلاّ إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، ولا يعمل في الماضي ، وحيث إنّ النبوّة كانت ثابتة مسبقاً لإبراهيمعليه‌السلام ، فلابد أن يكون إعطاء الإمامة لإبراهيمعليه‌السلام في الحال أو الاستقبال ، أي بعد نبوّته(٣) .

وبالتأمّل في حصيلة ما ذكرناه يحصل الاطمئنان بأنّ منصب الإمامة أُعطي لإبراهيم بعد أن كان رسولاً نبيّاً ، ولم يكن إماماً .

ـــــــــــــ

(١) القصص : ٥ .

(٢) الأنبياء : ٦٠ .

(٣) شرح الرضي على الكافية ، رضي الدين الأسترابادي : ج ٣ ص ٤١٥ .

١٣

أهمّيّة الإمامة واستمرارها :

إنّ الإمامة والهداية الإلهية استمرار وامتداد لمهام الرسالات السماوية ، المتمثّلة بذكر تفاصيلها وبيان مبهماتها ومحكمها ومتشابهها وتفعيلها في الأمة وغير ذلك ؛ وذلك لأنّ عمر الرسول عادة يكون أقصر من عمر الرسالة ، ومن هنا فقد تستمر الرسالة من خلال الأنبياء التابعين للرسل من أُولي العزم ، أو من خلال الأئمّة والأوصياء عندما تنقطع النبوّة ويرتفع الوحي ، كما في الرسالة الخاتمة ، فلابد من بقاء الهداية واستمرارها ، قال تعالى :( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (١) ؛ وذلك هو مفاد آيات البلاغ والولاية وحديث الثقلين وحديث الاثني عشر وحديث لا تخلو الأرض من حجّة وغيرها ، فيكون الإمام هو الهادي للأمة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا تقتصر إمامته على عصر دون آخر ، وإنّما هي دائمة مستمرّة ، وهذا ما يمليه عليه موقعه من الدين الإسلامي ، وكونه هادياً للأمة بجعل ربّاني دائم ، لا أنّه أمر مؤقّت يتعلّق بمقطع خاص من الزمان والمكان ، وإنّما هو سنّة إلهية ثابتة ، وحجّة لله في الأرض ، قال تعالى :( وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٢) .

قال الآلوسي في تفسيره : ( ولم تزل تلك الخلافة في الإنسان الكامل إلى قيام الساعة وساعة القيام ، بل متى فارق هذا الإنسان العالِم مات العالَم ؛ لأنّه الروح الذي به قوامه ، فهو العماد المعنوي للسماء ، والدار الدنيا جارحة من جوارح جسد العالم الذي الإنسان روحه ، ولمّا كان هذا الاسم الجامع قابل الحضرتين بذاته ؛ صحّت له الخلافة وتدبير العالم ، والله

ـــــــــــــ

(١) الزخرف : ٢٨ .

(٢) الرعد : ٧ .

١٤

سبحانه الفعّال لما يريد ولا فاعل على الحقيقة سواه )(١) ، ويلتقي هذا المعنى مع قوله تعالى :( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (٢) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (٣) ، ويؤكّد ذلك أيضاً ما ذكره السيوطي في تفسيره ، قال : ( أخرج ابن مردويه عن برزة الأسلمي ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( إِنّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ) ، ووضع يده على صدر نفسه ، ثم وضعها على صدر عليعليه‌السلام ويقول :( وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٤) ، وفي موضع آخر عن ابن جرير وابن مردويه و... أنّه قال : ( وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صدره ، فقال :أنا المنذر ، وأومأ بيده إلى منكب عليرضي‌الله‌عنه فقال :أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي )(٥) ، وأخرج الحاكم في المستدرك : ( عن علي :( إِنّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، قال علي :رسول الله المنذر ، وأنا الهادي ، ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )(٦)

إذن تبيّن من جميع ما تقدّم ضرورة وجود الإمام الهادي في كل زمان ، وهذا ما أجمع عليه المسلمون كافة إلاّ أنّهم اختلفوا في أنّ الإمام

ـــــــــــــ

(١) روح المعاني ، الآلوسي : ج ١ ص ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٢) السجدة : ٢٤ .

(٣) الأنبياء : ٧٣ .

(٤) الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي : ج ٤ ص ٦٠٨ ؛ وكذا ما في شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٣٨٦ ؛ وجامع البيان ، محمد بن جرير الطبري : ج ١٣ ص ١٤٢ ؛ وقال الشوكاني في فتح القدير : ج ٣ ص ٧٠ ، ( وصحّحه ابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب ) .

(٥) الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي : ج ٤ ص ٦٠٨ .

(٦) لاحظ : جامع البيان ، محمد بن جرير الطبري : ج ١٣ ص ١٤٢ ؛ الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي : ج ٤ ص ٦٠٨ ؛ المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٥

الذي يخلف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هل هو بجعل ونص إلهي أم لا ؟ وقد صرّح بذلك ابن حجر المكّي في ( صواعقه ) ، حيث قال : ( اعلم أيضاً أنّ الصحابة (رضوان الله عليهم) اجمعوا على أنّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوّة واجب واختلافهم في التعيين لا يقدح في الإجماع المذكور )(١) .

عصمة الإمام

كذلك كشفت الآية المباركة :( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٢) النقاب عن قاعدة أساسية وسنّة إلهية مُحكمة ، وهي أنّ العهد والجعل لا ينال الظالمين ، ومن الواضح أنّ إطلاق ( الظالمين ) شامل لكل ظلم ، سواء كان على الغير أم على النفس ، وشامل أيضاً لكل معصية صغيرة أو كبيرة ارتكبها الإنسان في بعض مراحل حياته ، ومن أظهر مصاديق الظلم هو الشرك بالله تعالى وعبادة غيره ، قال عزّ وجلّ :( إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (٣) ، فإذا انطبق عليه عنوان الظلم يكون غير صالح لهذا المقام الإلهي ؛ وبذلك اتضح أن الإمام ـ بعد كون إمامته مجعولة من الله عزّ وجلّ ـ لابد أنّ يكون معصوماً ، وهذا الشرط ـ وهو العصمة ـ قد أكّدته آية التطهير ، وحديث الثقلين وغيرهما ، حيث دلّت على عصمة الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام بعد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٥ .

(٢) البقرة : ١٢٤ .

(٣) لقمان : ١٣ .

١٦

دور الإمام في الأمة :

وانطلاقاً من تسالم المسلمين على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يشغل جميع مناصب القيادة والإمامة من الحكومة السياسية ، والمرجعية الدينية والفكرية والقضائية والإجرائية وغيرها ، فالولاية الثابتة لرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاملة لجميع تلك المناصب ، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، والذي ينهض بأعباء هذه المهمّة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هم أهل بيتهعليهم‌السلام ، الذين نصّبهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجعلهم هداة من بعده ، وأمر المسلمين بالتمسّك بهديهم ، كما نصّ على ذلك حديث الغدير ، الذي جاء فيه قول الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) (١) ، وكذا ما جاء في حديث الثقلين ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أنا تارك فيكم الثقلين : أولاهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فاخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) (٢) ، ليكملوا مسيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترشيد

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد بن حنبل : ج ١ ص ٨٤ ، ص ١١٨ ، ص ١١٩ ، ص ١٥٢ ، ج ٤ ص ٢٨١ ، ص ٣٧٠ ، ص ٣٧٢ ، ج ٥ ص ٣٤٧ ، ص ٣٦٦ ، ص ٣٧٠ ؛ سنن ابن ماجه : ج ١ ص ٤٣ ؛ سنن الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ـ ١١٦ ، ص ١٣٤ ، ص ٣٧١ ، ص ٥٣٣ ؛ مجمع الزوائد ، نور الدين الهيثمي : ج ٧ ص ١٧ ، ج ٩ ص ١٠٤ ؛ وقال فيه : (عن سعيد بن وهب راوه أحمد ورجاله رجال الصحيح) ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٦١ ؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان: ج ١٥ ص ٣٧٦ وما بعد ، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً ، فراجع .

(٢) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨٧٣ ح ٢٤٠٨ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ١ ص ١٧٠ ، قال الهيثمي : رواه الطبري في الكبير ورجاله ثقات ؛ ج ٩ ص ١٦٢ ـ ١٦٣ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، وقال : ( وفي رواية صحيحة : كأنّي قد دعيت ) ، تفسير ابن كثير : ج ٤ ص ١٢٢ ، قال فيه : ( وقد ثبت في الصحيح أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في خطبته بغدير خم ( الحديث ) ؛ صحيح الترمذي ، الألباني : ج ٣ ص ٥٤٣ ح ٣٧٨٨ ، قال : ( صحيح ) ؛ وصحّحه أيضاً في صحيح الجامع الصغير : ج ١ ص ٨٤٢ ، ح ٢٤٥٧ ؛ والمصادر في ذلك كثيرة جداً ، وبطرق تبلغ حد التواتر ؛ فراجع .

١٧

الأمة الإسلامية من بعده ، وهدايتها وقيادتها في جميع المجالات ، كما كان ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّ هذا هو ما تقتضيه عصمتهمعليهم‌السلام ، ومع وجود المعصوم لا يحق لغيره التقدم ؛ فإنّ العقل والفطرة السليمة تأبى تقديم من يجوز فيه الخطأ على مَن لا يخطأ أبداً وهو المعصوم .

وكيف يجوز أن يقدّم أحد على إنسان طاعته طاعة الله ، ومعصيته معصية الله ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاع عليّاً فقد أطاعني ومَن عصى عليّاً فقد عصاني ) ، قال الحاكم النيسابوري في المستدرك : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) .

وعلى هذا الأساس تكون هداية الإمام المعصومعليه‌السلام شاملة لكل المناصب القيادية التي ترتبط بهداية الناس ، من المرجعية الدينية والفكرية والاجتماعية والسياسية والقضائية ، ولا ينحصر دور الإمام في الحكومة السياسية فقط ، وهذه نقطة مهمّة كانت وما زالت محل التباس في الوعي الإسلامي عند أهل السنّة ؛ ظنّاً منهم أنّ الشيعة تقول بانحصار دور الإمام في الحكم السياسي فحسب ، فإذا لم يكن حاكماً لم يكن إماماً ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، بل الإمامة قيادة وهداية للأمة في كل مجالات الحياة وعلى جميع الأصعدة ، فأهل البيتعليهم‌السلام الذين ثبتت عصمتهم وشرافة علمهم هم الأجدر والأحق في تسنّم تلك المناصب ؛ ولذلك نصّب الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام من بعده للإمامة بكافّة أبعادها ومن ذلك كلّه يتضح أنّ إقصاء أهل البيتعليهم‌السلام عن موقعهم ، وهو القيادة والحكومة السياسية ـ التي تعتبر أحد أبعاد الإمامة ـ لا يعني زوال إمامتهم التي ثبتت بجعل إلهي وتنصيب نبوي ، بل على الأمة تقديمهم واتباعهم والإقتداء بهم .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢١ ، ص ١٢٨ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٣٠٧ .

١٨

ومن هنا نعلم أنّ الإمامة من المسائل الأساسية في الإسلام وذات مناصب متعددة ، ولكن مع ذلك قد يعتدى على بعض تلك المناصب فيقع التجاوز على حق الإمام المعصوم ، كما في الجانب الحكومي والجانب العلمي والقضائي في الأمة ، وذلك باستحداث مرجعيات حكومية مزيّفة في قبال مرجعية المعصوم الإلهية الحقّة ، وقد تحوّل بسبب ذلك نظام القيادة والخلافة في الإسلام إلى قشور لا لباب فيها ، لا سيّما في العصر الأموي ، الذي أصبح الحكم الإسلامي فيه ملكاً عضوضاً لا يحمل من الإسلام إلا اسمه ، ولكن هذا لا يعني سقوط ذلك الحق وإيقاف مسيرة الهداية ، التي تسير بقيادة أهل البيتعليهم‌السلام ، كما هو الحال في الأنبياءعليهم‌السلام ، فهم هداة للبشرية جمعاء ، وإعراض أكثر الناس عنهم لا يسقطهم عن كونهم هداة للبشرية ، فالإمامة هداية في كل تلك الجوانب ، والإمام يهدي مَن أراد الهداية والرشاد ، وأمّا الإعراض عن الاستهداء بالإمام المعصومعليه‌السلام فلا يعني ذلك إسقاط الإمام عن إمامته وهدايته ، ولا يخفى دور أهل البيتعليهم‌السلام في هداية الأمة والمحافظة على رسالة الإسلام ، فضلاً عمّا خلّفوه من تراث ثر في مختلف العلوم رغم قساوة الظروف وشدّتها عليهمعليهم‌السلام

وهذا التراث الشيعي زاخر بأحاديثهم وأقوالهم الشاملة لجميع مجالات الحياة المختلفة ، وهذا ما لا يكاد يخفى أيضاً على كبار أعلام أهل السنّة ، الذين استفادوا من هذا التراث ، وقد ورد في حق أئمّة أهل البيت شهادات كثيرة من قبل أهل السنّة تكشف وتبيّن فضلهم وعلو منزلتهم وصلاحيّتهم للخلافة والإمامة ، وكذا تبيّن دورهم المحوري والفاعل في الأمة ، نكتفي بذكر بعضها :

١٩

أقوال علماء السنّة في حق أهل البيتعليهم‌السلام

الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام

إنّ الروايات في فضل الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام وفضائله في الإسلام كثيرة جداً ، تجاوزت حدّ الإحصاء ، وقد أُلّفت الكتب وسطّرت الروايات في ذلك ، وقد قال أحمد بن حنبل : ( ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعليعليه‌السلام )(١) ، وقال ابن حجر في صواعقه : ( وهي كثيرة عظيمة شهيرة حتى قال أحمد ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي ، وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة في الأسانيد الحسان أكثر ما جاء في علي )(٢) ، ولا يخفى دور الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام في الإسلام في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده .

الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام

لا يخفى فضل الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام ودورهما في

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص ١٠٧ .

(٢) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٨٦ .

٢٠