الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 361
المشاهدات: 205706
تحميل: 7811


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205706 / تحميل: 7811
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بأنبائكم ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم ) (١) ، وقولهعليه‌السلام :( إنّا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء ، واصطلمكم الأعداء ، اتقوا الله جلّ جلاله ، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة ، قد أنافت عليكم ، يهلك فيها مَن حمّ أجله ، ويحمى عنها مَن أدرك أمله ) (٢) .

دور الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في درء الفساد

من الأدوار الأساسية التي يقوم بها خليفة الله في الأرض ، هو منع البشرية من الانحدار في الهاوية ، ودرء خطر استئصالها ، والإبادة التامة والشاملة لها ، سواء كان ذلك نتيجة للحروب ، أم لتفشّي الظلم والجور والفساد ، وانتشار الأمراض والأوبئة وغيرها من الأمور التي تهدّد البشرية بالانقراض .

وهذا المعنى أشار إليه القرآن الكريم ، عند ذكره لاعتراض الملائكة ، في معرض تعريفه للخليفة ، وذلك في قوله تعالى ـ حكاية عن الملائكة :( قَالُوا أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (٣) ، فالملائكة افترضت أنّ خليفة الله لا يفسد ، ولا يسفك الدماء ، بل هو الذي يقف حائلاً أمام ذلك ، وقد أقرّهم الله تبارك وتعالى على ذلك ، وأجابهم من جهة أخرى ، حيث قال :( إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) .

إذن أوّل دور من الأدوار الأساسية التي يقوم بها خليفة الله في الأرض ، هو درء الفساد ، وممانعة سفك الدماء وهذا ما يلتقي مع التصريحات الكثيرة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المجال ، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا تخلوا الأرض من حجّة ) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ) وغير ذلك من التصريحات النبويّة ، التي تؤكّد على أنّ من بين الأدوار الأساسية للخلفاء حفظ البشرية من الهلاك ، ومنع وقوعها في الفساد .

ـــــــــــــ

(١) الاحتجاج ، الطبرسي : ج ٢ ص ٣٢٣ ، الخرائج والجرائح ، قطب الدين الراوندي : ج ٢ ص ٩٠٢ .

(٢) الاحتجاج ، الطبرسي : ج ٢ ص ٣٢٣ .

(٣) البقرة : ٣٠ .

١٦١

ثم إنّ السؤال الأساس يقع عمّا هو المراد بالفساد ؟ وهل يشمل كل فساد ولو كان جزئياً ؟

وفي مقام الإجابة عن ذلك نقول : ليس المراد من الفساد ما يشمل الفساد الجزئي والمقطعي ، وذلك بمقتضى اعتراف الملائكة ، حيث إنّهم لم يعترضوا على الفساد القليل ؛ لأنّ الفساد القليل يقابله الخير الكثير ، فاعتراض الملائكة إنّما كان على الفساد المطبق ، والشامل للأرض ومَن عليها ، المستأصل للبشرية ، والموجب لاجتثاثها وهلاكها .

فدور الخليفة إذاً لا يقتصر على فئة معيّنة من الناس ، أو على المسلمين فحسب ، وإنّما هو شامل لكل البشرية ؛ لذا قال تعالى شأنه :( إنّي جاعل في الأرض ) ، وكذا قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا تخلو الأرض من حجّة ) (١) وقوله :( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، وقوله :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ) ، فلم يقل هلك أو ذهب المسلمون خاصة ، أو ماجت الأرض بهم .

فالإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) الذي هو خليفة الله في الأرض ، يمارس دوراً كبيراً في حياة البشرية ، وإن لم يتقلّد الحكومة الرسمية الظاهرة ، فهو (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) كما هو الحال في الخضرعليه‌السلام ، الذي هو وليّ من أولياء الله تعالى ، وعبد من عباده ، قلّده مناصب عالية وحكومة رائدة ، يديرها بالسر والخفاء .

فقصّة الخضرعليه‌السلام ـ الذي هو عبد من مجموعة عباد جعلهم الله أوتاداً للأرض ـ ذكرها الله عزّ وجلّ في قرآنه الخالد ، عظة وعبرة لنا ، وليست هي مجرّد قصة خيالية لا واقع لها ، وإنّما الغاية من هذه القصّة هي الاعتقاد بوجود أولياء وحجج لله تعالى ، يقومون بمهام إلهية ، ويديرون دفّة الحكم الإلهي في الأرض .

إذن ليست الغيبة بمعنى التعطيل والجمود ، كما قد يتخيلها البعض .

إذن فالإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) له دور كبير في فترة غيبته .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢ ص ١٩٦ ح ١٧٩٤ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٢ ص ٣٤ ح ٣٣٨٦١ ؛ وانظر : تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٥٠ ص ٢٥٥ ؛ وانظر تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي : ج ٢ ص ٢٠٦ ؛ وانظر ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : ج ١ ص ٨٩ ؛ وانظر المناقب ، الخوارزمي : ص ٣٦٦ .

١٦٢

أضف إلى ذلك كله ، أنّ هناك أعمالاً وأفعالاً أوكل الإمامعليه‌السلام مهمّة القيام بها إلى من قلّدهم النيابة العامة في زمن الغيبة ، وهم العلماء والفقهاء العدول ؛ ليكونوا بذلك ممثّلين لهعليه‌السلام ، ينوبون عنه في بعض المهام التي أُوكلت إليهم ، كما ورد ذلك عنهعليه‌السلام ، حيث قال :( وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله عليهم ) (١) .

وقد أشار باقي الأئمّةعليهم‌السلام أيضاً إلى هذا الدور المهم للعلماء في عصر الغيبة الكبرى ـ فمثلاً ـ ما عن الإمام الهاديعليه‌السلام أنّه قال :( لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه الصلاة والسلام من العلماء الداعين إليه ، والذّابين عن دينه بحجج الله ، المنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ، ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلاّ ارتد عن دينه ، ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله ) (٢) .

ونقتصر في هذا المجال على ما أفاده الشيخ المفيدرحمه‌الله ، حيث قال بعد تعرّضه لبعض مهام الغيبة : ( ولا يحتاج هوعليه‌السلام إلى تولّي ذلك بنفسه ، كما كانت دعوة الأنبياءعليهم‌السلام تظهر بأتباعهم والمقرّين بحقّهم ، وينقطع العذر بها فيما ينأى عن ملتهم ومستقرهم ، ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم ، وقد قامت أيضاً بأتباعهم بعد وفاتهم وكذلك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام ، وقد يتولاّها أُمراء الأئمّة ، وعمّالهم دونهم ، كما كان يتولّى ذلك أُمراء الأنبياءعليهم‌السلام وولاتهم ، ولا يخرجون هم إلى ذلك بأنفسهم ، وكذلك القول في الجهاد ، ألا ترى أنّه يقوم به الولاة من قبل الأنبياء والأئمّة دونهم ، ويستغنون عن توليه بأنفسهم ، فعُلم بما ذكرناه أنّ الذي أحوج إلى وجود الإمام ، ومنع من عدمه ، ما أختص به من حفظ الشرع ، الذي لا يجوز ائتمان غيره عليه ، ومراعاة الخلق في أداء ما كلّفوه

ـــــــــــــ

(١) الغيبة ، الطوسي : ص ٢٩١ ؛ الاحتجاج : الطبرسي : ج ٢ ص ٢٨٣ ؛ الخرائج والجرائح ، قطب الدين الراوندي : ج ٣ ص ١١١٤ .

(٢) الاحتجاج ، الطبرسي : ج ٢ ص ٢٦٠ .

١٦٣

من أدائه )(١) .

والحاصل : إنّ للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) طوراً آخر من أطوار الإدارة والحكم في زمن الغيبة ، وأمّا تنفيذ الكثير من الأمور التي تحتاج إلى إجراء بحسب ما هو الظاهر والمعلن ، فقد أوكل ذلكعليه‌السلام إلى العلماء والفقهاء .

خلفيات وفوائد أُخرى للغيبة

أوّلاً : حفظ شخصية الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)

من أهم فوائد غيبة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هي حفظ شخصيته (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) من القتل والاغتيال ؛ لأنّ هذه الأمة الإسلامية لا تعدو خطى الأمم السابقة ، كما صرّح بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ هذه الأمة ستتبع خطى الأمم السالفة ، حذو النعل ، والقذّة بالقذّة ، وقد وقعت الغيبة لكل من إدريس وصالح وإبراهيم ويوسفعليهم‌السلام ، وقد اضطّر موسىعليه‌السلام إلى الهرب من قومه( فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ ) (٢) ، وكذلك رفع الله عيسىعليه‌السلام ، عندما أراد بنو إسرائيل قتله ، قال تعالى :( بَل رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً ) (٣) كذلك كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحتجب عن قومه في غار حراء فترة مديدة من الزمن ، وقد اضطر للاعتزال عنهم في الشعب ثلاث سنين ، وأخرج أحمد بن حنبل عن عكرمة قوله : مكث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمس عشرة سنة ، منها أربع أو

ـــــــــــــ

(١) مسائل عشر ، الشيخ المفيد : ص ١٠٦ ـ ١٠٧ .

(٢) الشعراء : ٢١ .

(٣) النساء : ١٥٨ .

١٦٤

خمس يدعو إلى الإسلام سرّاً وهو خائف(١) .

فإذا كانت غيبة واحتجاب أولئك الأنبياءعليهم‌السلام لا تضر ، ولا تقدح في نبوّتهم وبعثتهم للأمم ، بل يعد ذلك من الأساليب المهمة في سبيل انجاز وتحقيق الغاية ، لا سيّما وأنّه امتثال لمشيئة الله تعالى وإرادته ، كذلك ما نجده في غيبة الإمام المهديعليه‌السلام ، إذ إنّ غيبته كغيبتهمعليهم‌السلام ، وظروفه كظروفهم ، من متابعته ومحاولة قتله والقضاء عليه ، بل ما نجده في حياة الإمام المهديعليه‌السلام من الظروف التي تستدعي الغيبة كثيرة جداً ، وفي غاية الوضوح ، حيث كانت السلطات العباسية تسعى حثيثاً للقبض عليه وقتله ، كما نصّ على ذلك المؤرخون والمحدثون :

منهم : ابن الصباغ المالكي ، حيث قال : ( خلّف أبو محمد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر لدولة الحق ، وكان قد أخفى مولده ، وستر أمره ، لصعوبة الوقت ، وشدّة طلب السلطان ، وتطلّبه للشيعة ، وحبسهم ، والقبض عليهم )(٢) .

ومنهم : ابن أبي الفتح الإربلي في كتابه ( كشف الغمّة ) ، وعبارته قريبة من عبارة ابن الصباغ المتقدمة ، وينقل بالإضافة إلى ذلك رواية أحمد بن عبيد الله بن خاقان ، والي الضياع والخراج بقم ، وجاء فيها : ( وخرجنا وهو على تلك الحال ، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي اليوم ، وهو لا يجد إلى ذلك سبيلاً ، والشيعة مقيمون على أنّه مات وخلّف ولداً ، يقوم مقامه بالإمامة ) (٣) وغيرهم كثير ؛ فراجع .

ـــــــــــــ

(١) كتاب العلل ، أحمد بن حنبل : ج ٢ ص ٥٩٠ ج ٣ ص ٤٢٦ ، وكذا في الدر المنثور السيوطي ج ٥: ص ١٠٢ ، المصنف : الصنعاني ج ٥ ص ٣٦١ .

(٢) الفصول المهمة ، ابن الصباغ المالكي : ص ١٠٩١ .

(٣) كشف الغمة ، الإربلي : ج ٣ ص ٢٠٥ .

١٦٥

وهذا السبب وإن كان غير مختص به دون آبائهعليهم‌السلام ، حيث تعرّضوا للمطاردة والقتل والاغتيال ، إلاّ أنّ السبب الأساس الذي يقف وراء اختصاص الإمام المهدي بالغيبة دونهمعليهم‌السلام ، هو أنّهعليه‌السلام مكلّف بإقامة الدولة الإسلامية العالمية ، وعلى يديه يحقق الله تعالى العدل والقسط على هذه الأرض ، وبواسطته يُظهر الله عزّ وجلّ الإسلام على الدين كلّه ولو كره المشركون ، فلا بد من المحافظة على وجوه المبارك لإنجاز هذه المهمة التي جعلها الله تعالى الغاية الأساسية من بعثة الأنبياء والرسل .

ولا تعني غيبتة واختفاؤه (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) انتفاء إمامته ، أو تخلّيه عن المسؤوليات المُناطة به ، بل هو الحجّة القائمة لله على خلقه ، ولكن ستره الله تعالى عن خلقه خوفاً على حياته من الظالمين ، كما صرّح بذلك أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، حيث قال :( اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجّة ، إما ظاهر مشهور ، وإما خائف مغمور ، لأن لا تبطل حجج الله ، وبيّناته ) (١) ، وخائف مغمور أي خائف مختف ، وقد بيّنا سابقاً أنّ الغيبة لا تعني أنّه ناءٍ وبعيد وعديم الدور في الأمّة ، وإنّما الغيبة هي إدارة الأمور والعمل بالخفاء .

ومعنى الخوف من القتل ليس ما يتبادر إلى الأذهان الساذجة ، من المعاني الأوّلية للخوف ؛ لأنّ هذا النوع من الخوف غير متصوّر في أولياء

ـــــــــــــ

(١) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٥٠ ص ٢٥٥ ، وانظر تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ص ٢٠٦ ، وانظر كنز العمال : ج ١٠ ص ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ( أخرجها عن ابن الأنباري في المصاحف والمرهبي في العلم ونصر في الحجّة ) ، المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٨١ ؛ مناقب أمير المؤمنين ، محمد بن سليمان القاضي : ج ٢ ص ٩٦ ؛ دستور معالم الحكم : ابن سلامة : ص ٨٤ ، ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ١: ص٨٩ .

١٦٦

الله تعالى وحججه الذين يأنسون بالموت ولقاء الله عزّ وجلّ ، وإنّما المقصود من خوف القتل هنا هو الخوف على ضياع الغرض والهدف الإلهي الذي أنيط بهعليه‌السلام ، حيث إنّ مسؤوليتهعليه‌السلام جسيمة وعظيمة تشبه مسؤولية الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي صدع بأمر الله تعالى ، لنشر الدين على وجه الأرض ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هو رجل من عترتي ، يقاتل على سنّتي ، كما قاتلت أنا على الوحي ) (١) .

فالخوف المقصود إنّما هو الخوف من استئصال الحجج الإلهية على الخلق ، كما ورد ذلك في الروايات متضافراً :

منها : ما جاء عن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله يقول :إنّ للغلام غيبة قبل أن يقوم ، قال : ( قلت ولم ؟ قال :يخاف ، وأومأ إلى بطنه ، ثم قال :يا زرارة وهو المنتظر )(٢) .

ومنها : ما عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أيضاً قال : (للقائم غيبة قبل قيامه قلت : ـ أي زرارة ـ وَلِمَ ؟ قال :يخاف على نفسه الذبح )(٣) .

ومنها : ما جاء عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول :( في صاحب هذا الأمر أربعة ، من سنن أربعة أنبياء فأمّا من موسى : فخائف يترقب ) (٤) .

ـــــــــــــ

(١) كتاب الفتن ، المروزي : ص ٢٢٩ ؛ ينابيع المودة ، القندوزي : ج ٣ ص ٢٦٣ .

(٢) الكافي ، الكليني : ج ١ ص ٣٣٧ ؛ تاريخ آل زرارة ، أبو غالب الزراري : ج ١ : ص ٢١ ؛ كمال الدين ، الشيخ الصدوق : ص ٣٤٦ ؛ الغيبة : النعماني : ص ١٧٧ .

(٣) كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق : ص ٤٨١ .

(٤) الإمامة والتبصرة : ص ٩٤ ، كمال الدين ، الصدوق : ص ٢٨ ؛ دلائل الإمامة ، محمد بن جرير الطبري : ص ٤٧٠ ؛ كتاب الغيبة ، الطوسي : ص ٤٢٤ .

١٦٧

ومنها : ما عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ( إذا قام القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) قال : ففررت منكم لمّا خفتكم فوهب لي ربي حكماً )(١) .

ومنها : ما جاء في كشف الغمة للإربلي ، عن الإمام الحسينعليه‌السلام قال :( في القائم منّا سنن من الأنبياء ، سنّة من نوح ، وسنّة من إبراهيم ، وسنّة من موسى ، وسنّة من عيسى ، وسنّة من أيوب ، وسنّة من محمد وأمّا من موسى فالخوف ، والغيبة ) (٢) .

وكذلك في كشف الغمّة ، في حديث محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : ( إن قدام القائم بلوى من الله ، قلت : وما هو جعلت فداك ؟ فقرأ :( وَلَنَبْلُوَنّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالّثمَرَاتِ وَبَشّرِ الصّابِرِينَ ) (٣) ، ثم قال : الخوف من ملوك بني فلان ، والجوع من غلاء الأسعار ، ونقص الأموال من كساد التجارات ، وقلّة الفضل فيها ، ونقص الأنفس بالموت الذريع ، ونقص الثمرات بقلّة ريع الزرع ، وقلّة بركة الثمار ، ثم قال : وبشّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)(٤) .

ثانياً : التمحيص

معنى التمحيص : هو التطهير مع شدّة الاختبار ؛ لأنّ مادة ( محص ) تدلّ على الخلوص ، والتطهير من كل عيب ، كما يقال محّص الذهب بالنار ، أي خلّصه ممّا يشوبه .

ـــــــــــــ

(١) الغيبة ، محمد بن إبراهيم النعماني : ص ١٧٤ .

(٢) كشف الغمّة ، الإربلي : ج ٣ ص ٣٢٩ ، إكمال الدين وإتمام النعمة ، الصدوق : ص ٣٢٢ .

(٣) البقرة : ١٥٥ .

(٤) كشف الغمّة ، الإربلي : ج ٣ ص ٢٦٠ .

١٦٨

وعلى ضوء ذلك كان التمحيص والابتلاء والاختبار سنّة إلهيّة رافقت البشرية منذ بداية خلقها ، قال تعالى :( مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى‏ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى‏ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ ) (١) .

وكذا قال تبارك وتعالى :( وَلِيُمَحّصَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) (٢) ، وكقوله تعالى :( وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلُِيمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ ) (٣) ، فمن خلال التمحيص يتعيّن مركز الفرد وواقعه تجاه عقيدته وإيمانه ، استقامة أو انحرافاً ، كما يكشف التمحيص عن عناصر القوة والضعف في نفسية الإنسان ، فهو طريق لاستكمال النفوس ورقيّها ، فإذا ورد التمحيص على جماعة من الناس فإنّه يقتضي امتياز المؤمنين من المنافقين .

وتتضاعف أهميّة التمحيص في عصر الغيبة فيما إذا اقترن بالإعداد ليوم الظهور ، لتحمّل المسؤولية ، والمشاركة في إنقاذ العالم من الظلم والجور الذي يفترض فيه وجود عدد كاف ممحص ومطهر من شوائب الكفر والشرك والنفاق ، ليكونوا من المخلصين الذين لهم شرف المشاركة في الدولة الكريمة العادلة بقيادة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ومن هذا المنطلق نعرف أهمية التمحيص والاختبار الذي أشارت إليه الروايات بكثافة .

وممّا يشهد على أهمية التمحيص ودوره في تمييز الخبيث من الطيب ، ما لمسناه واضحاً من الردّة والانقلاب على الأعقاب بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث وجدنا أنّ الكثير ممّن رافقوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يصمدوا أمام غربال التمحيص والاختبار ، بل انحرفوا عمّا رسمه لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصاياه الكثيرة والمتعددة في شأن الإمامة والخلافة ، فضلاً عما صرّح به القرآن الكريم في هذا الشأن ، وهذا يدل على أن كثيراً من هؤلاء الأصحاب لم يكونوا ممحصين ، ولا قادرين على تحمل المسؤولية .

ـــــــــــــ

(١) آل عمران : ١٧٩ .

(٢) آل عمران : ١٤١ .

(٣) آل عمران : ١٥٤ .

١٦٩

ومن هنا نفهم سرّ عدم جعل الأئمةعليهم‌السلام الكفاح العسكري المسلح هو الخيار والحل الوحيد لإقامة الحق والعدل ؛ وذلك لأنّهم لا يرون القيام بالعمل العسكري وحده كافياً للانتصار وإقامة دعائم الحكم الصالح ، بل يتوقّف ذلك على إعداد جيش عقائدي ممحص مطهّر مخلص يؤمن بالإمام وعصمته وحاكميته إيماناً مطلقاً ، ويعي أهدافه الكبيرة ، ويدعم تخطيطه الواسع .

وعلى هذا الأساس نجد أنّ من شرائط ظهور الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) الأساسية هو ظهور عدد من الأصحاب والأنصار المخلصين للإسلام وللإمامعليه‌السلام القادرين على تحمّل المسؤولية ، وهذا لا يتحقّق إلاّ من خلال مرور البشرية بالظروف القاسية والفتن الشديدة .

وممّا ينبغي الإشارة إليه ، هو أنّ التمحيص المقصود الذي من خلاله تتهيّأ البشرية لليوم الموعود ، هو تمحيص البشرية بشكل عام ، وعلى طول امتدادها التاريخي ، بالنحو الذي ينتج أفراداً مخلصين قادرين على تحمّل المسؤولية في الدولة الكريمة .

أمّا روايات التمحيص والابتلاء في زمن الغيبة ، وقبل قيام الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) فهي كثيرة جداً ، وقد وردت في كتب الفريقين :

١٧٠

منها : رواية ابن عباس المتقدمة ، عندما قال جابر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة ؟ قال:إي وربي ، ليمحص الله الذين آمنوا ، ويمحق الكافرين )(١) .

ومنها : ماجاء على لسان الإمام عليعليه‌السلام ، عندما قال للإمام الحسينعليه‌السلام :( التاسع من ولدك يا حُسين هو القائم بالحق ، والمظهر للدين ، والباسط للعدل ، قال الحسينعليه‌السلام :فقلت : وإن ذلك لكائن ؟ فقال عليه‌السلام : أي والذي بعث محمّداً بالنبوّة ، واصطفاه على جميع البرية ، ولكن بعد غيبة وحيرة لا يثبت على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا ، وكتب في قلوبهم الإيمان ، وأيدهم بروح منه) (٢) ، فالمخلصون بحسب هذه الرواية هم حاصل ذلك الابتلاء والتمحيص .

ومنها : ما جاء أيضاً عن الإمام عليعليه‌السلام ، حيث قال للأصبغ بن نباته :( الحادي عشر من ولدي هو المهدي ، يملأها عدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً ، تكون له حيرة وغيبة ، يضلّ فيها أقوام ، ويهتدي فيها آخرون ، فقلت : يا أمير المؤمنين وإنّ هذا لكائن ؟ فقال :نعم ، كما أنّه مخلوق ، وأنّى لك بالعلم بهذا الأمر يا أصبغ ، أولئك خيار هذه الأمّة ، مع أبرار هذه العترة ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودة ، القندوزي : ج ٣ ص ٢٩٧ وص ٣٨٧ ، كشف الغمّة : الإربلي : ج ٣ ص ٣٢٨ .

(٢) كشف الغمة ، الإربلي : ج ٣ ص ٣٢٨ .

(٣) الإمامة والتبصرة ، ابن بابوية القمّي : ص ١٢١ ؛ الغيبة ، النعماني : ص ٦١ ؛ كفاية الأثر ، الخزاز القمّي : ص ٢٢٠ .

١٧١

ومنها : ما ورد عن الإمام محمد الباقرعليه‌السلام ، في قوله تعالى :( فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنّسِ * الْجَوَارِ الْكُنّسِ ) (١) ، قال :( هذا مولود في آخر الزمان ، هو المهدي من هذه العترة ، تكون له حيرة وغيبة ، يضلّ فيها أقوام ، ويهتدي فيها أقوام ) (٢) .

ومنها : ما ورد عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أيضاً ، قال:( والله لتميزنّ ، والله لتمحصنّ ، والله لتغربلنّ ، كما يغربل الزؤان من القمح ) (٣) .

ومنها : ما ورد عنه أيضاًعليه‌السلام ، قال :( هيهات هيهات ، لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتى تمحصوا ، هيهات ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم ، حتى تميزوا ، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تغربلوا ، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس ، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى يشقى مَن شقي ، ويسعد مَن سعد ) (٤) .

ومنها : ما ورد عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام :( والله لتُمحصنّ ، والله لتطيرن يميناً وشمالاً ، حتى لا يبقى منكم إلاّ كل امرئ أخذ الله ميثاقه ، وكتب الإيمان في قلبه ، وأيده بروح منه ) (٥) .

ومنها : ما ورد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أيضاً قال :( لابدّ للناس أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا ، وسيخرج من الغربال خلق كثير ) (٦) .

ـــــــــــــ

(١) التكوير : ١٥ ـ ١٦ .

(٢) إكمال الدين وإتمام النعمة ، الصدوق : ص ٣٣٠ ، انظر : الغيبة ، الطوسي : ص ٣٣٦ .

(٣) الغيبة ، الطوسي : ص ٣٤٠ ، الغيبة ، النعماني : ص ٢٠٥ .

(٤) الغيبة ، النعماني : ص ٢٠٩ .

(٥) المصدر نفسه : ص ٢٦ .

(٦) المصدر نفسه : ص ٢١٢ ؛ دلائل الإمامة : ابن جرير الطبري (الشيعي) : ص ٤٥٦ ؛ العدد القوية ، العلاّمة الحلّي : ص ٧٤ ؛ الكافي ، الكليني : ج ١ ص ٣٧٠ .

١٧٢

ومنها : ما جاء عنه أيضاًعليه‌السلام :( لتُمحصنّ يا شيعة آل محمد ، تمحيص الكحل في العين ) (١) .

ومنها : كذلك ما ورد عنهعليه‌السلام قوله : ( والله لتكسّرن تكسّر الزجاج ، وإنّ الزجاج ليعاد فيعود كما كان ، والله لتكسّرن تكسّر الفخار وإنّ الفخار ليتكسّر فلا يعود كما كان ، ووالله لتغربلن، والله لتميزن ، والله لتمحّصن حتى لا يبقى منكم إلا الأقل ، وصعّر كفه )(٢) .

ومنها : ما ورد عنه أيضاًعليه‌السلام ، قال :( والله لتمحصنّ ، والله لتميزن ، والله لتغربلن ، حتى لا يبقى منكم إلاّ الأندر ) (٣) .

ومنها : ما عن صفوان بن يحيى ، قال : قال أبو الحسن الرضاعليه‌السلام :( والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا ، وحتى لا يبقى منكم إلاّ الأندر ، فالأندر ) (٤) .

وأخيراً : يضرب الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام لنا مثلاً في ذلك ، حيث يقول :( وسأضرب لكم مثلاً ، وهو مثل رجل كان له طعام فنقّاه ، وطيّبة ثم أدخله بيتاً ، وتركه فيه ما شاء الله ، ثم عاد إليه ، فإذا هو قد أصابه السوس ، فأخرجه ونقّاه وطيّبه ثم أعاده إلى البيت ، فتركه ما شاء الله ، ثم عاد إليه ، فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس ، فأخرجه ونقّاه ، وطيّبه ، وأعاده ، ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة

ـــــــــــــ

(١) الغيبة ، النعماني : ص ٢٠٦ ؛ الغيبة ، الطوسي : ص ٣٣٩ .

(٢) المصدر نفسه : ص ٢٠٧ ؛ المصدر نفسه : ص ٣٤٠ .

(٣) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود العياشي : ج ١ ص ١٩٩ ؛ وانظر : الغيبة ، النعماني : ص ٢٠٨ ؛ وانظر : الغيبة ، الشيخ الطوسي : ص ٣٣٧ .

(٤) غيبة ، النعماني : ص ٢٠٨ ؛ الغيبة ، الشيخ الطوسي : ص ٣٣٧ ؛ الخرائج والجرائح : الراوندي : ج ٣ ص ١١٧٠ ؛ انظر : تفسير العياشي : ج ١ ص ١٩٩ .

١٧٣

كرزمة الأندر ، لا يضره السوس شيئاً ، وكذلك أنتم تُميزون ، حتى لا يبقى منكم إلاّ عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً ) (١) ، وبنفس المضمون ما جاء عن الإمام الباقرعليه‌السلام (٢) .

وكذلك ما جاء أيضاً على لسان حكيمة عمّه الإمامعليه‌السلام ، عندما قالت لمحمد بن عبد الله المطهري : (لا بد للأمّة من حيرة ، يرتاب فيها المبطلون ، ويخلص فيها المُحقّون ، كيلا يكون للناس على الله حجّة )(٣) .

هذا مضافاً إلى روايات الفتن ، والابتلاء في آخر الزمان التي نقلها الفريقان بنحو التواتر ، والتي لا يخلو منها كتاب واحد من كتب الحديث ، بل عُقدت لروايات الفتن في آخر الزمان كتب وأبواب خاصّة ، وهذا يكشف عن أهمية التمحيص والغربلة في عصر الغيبة لمعرفة وتمييز المخلصين الصالحين للقيام بشؤون الدولة العالمية ، تحت راية الإمام المهديعليه‌السلام عن غيرهم ، ومن تلك الروايات :

١ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم ، يصبح فيها الرجل مؤمناً ويُمسي كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ) (٤) .

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ثم فتنة الدهيماء ، لا تدع أحداً من هذه الأُمّة إلاّ

ـــــــــــــ

(١) الغيبة ، النعماني : ص ٢١٠ .

(٢) كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق : ص ٤٢٦ .

(٣) المصدر نفسه : ص ٤٢٦ .

(٤) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ٢٧٧ ، البداية والنهاية ، ابن كثير ج ٨ ص ٢٦٧ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٤ ص ٢٢٩ ؛ النهاية في الفتن والملاحم : ابن كثير الدمشقي : ج ١ ص ٥٩ ؛ سنن أبي داود ، السجستاني : كتاب الفتن ، ص ٧٠٨ ح ٤٢٥٣ ؛ سنن الترمذي ، الترمذي : كتاب الفتن ؛ باب ما جاء في اتخاذ سيف من خشب في الفتنة : ص ٢٣٠ ، ح ٢٢٩٣ ؛ كما أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن ، باب التثبيت في الفتنة : ص ١٣١٠ ، ح ٣٩٦١ .

١٧٤

لطمته ، حتى إذا قيل انقضت عادت ، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً حتى يصير الناس فسطاطين ، فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده) (١) .

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتن كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل ؛ المتمسّك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر ـ أو قال ـعلى الشوك ) (٢) .

ثالثاً : انكشاف عجز وبطلان الأطروحات الأخرى

لا ريب أنّ الغيبة تساهم في إثبات عجز أو فشل المدارس والأطروحات الأخرى التي تدعي تحقيق السعادة والعدل والكمال المنشود للمجتمع البشري ، وهذا بدوره يكون دافعاً للمجتمع عموماً للتفاعل الإيجابي مع المهمّة الإصلاحية الكبرى للإمام المهديعليه‌السلام .

ومن ثم يزيل العقبات التي تمنع عن حصول هذا التفاعل المطلوب ، لتحقيق الأهداف الإلهية ، التي يقوم بإنجازها الإمامعليه‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) النهاية في الفتن والملاحم : ابن كثير الدمشقي : ج ١ ص ٦١ ؛ وكذا لاحظ : سنن أبي داود ؛ كتاب الملاحم ، باب الأمر والنهي : ج ٢ ص ٢٢٩ ، ح ٤٣٤٢ ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج ٢٢ ص ٥٢٧ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٢ ص ١٣٣ باختلاف في اللفظ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٤ ص ٤٦٧ .

(٢) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٢ : ص ٣٩٠ ؛ النهاية في الفتن والملاحم : ابن كثير الدمشقي : ج ١ ص ٥٥ تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ج ٧٠ ص ٣٥ ؛ سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٢ ص ٦٢٣ ، ج ٨ ص ٢٨؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١١ : ص ١٥٨ ؛ انظر صحيح البخاري : كتاب أحاديث الأنبياء : باب قصة يأجوج ومأجوج : ج ٢ ص ٣٤٧ ح ٣٣٤٦ ؛ وانظر صحيح مسلم ؛ كتاب الفتن ، باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج : ص ٢٢٠٧ ح ٢٢٨٠ .

١٧٥

إذن فالغيبة تفسح المجال لكي يتضح بطلان كل ما يرفع من شعارات مُزيّفة ومُغرضة ، مهما كان مصدرها ، سواء أكانت من المدارس المادّية أم من مدارس ذات أصول سماوية منحرفة ؛ وبذلك يتبين فشل كل ما يرفع من الشعارات التي نراها براقة في يومنا هذا ، كأطروحة العدالة العالمية ، ومحاربة الإرهاب ، ومنظمة حقوق الإنسان وغيرها ، ومن ثم تسقط مصداقيتها لدى الناس ، وينكشف زيفها وكذبها ، وتتضح سياساتها العنصرية ونواياها السيئة ، وكذا يتضح عجز العقل البشري عن تلبية ما تطمح إليه الفطرة البشرية من السعادة الكاملة ، وإقامة العدل على هذه الأرض .

وهذا بدوره يشكّل عاملاً مهمّاً في نجاح الأطروحة الإلهية على يد الإمام المهديعليه‌السلام ، بإقامة دولته العالمية ، وتفاعل الناس معه .

ولعلّ روايات الفتنة والتمحيص المتقدمة تشير إلى ذلك ، وتؤكّد على عجز الإنتاج البشري عن تقديم ما تطمح إليه البشرية من العدل ، ورفاهية العيش والأمن في هذه الدنيا .

رابعاً : تجلّي مفهوم الانتظار في أحضان الغيبة

إنّ إحساس الفرد المؤمن بوجود الإمامعليه‌السلام ، واطّلاعه عن كثب على أوضاع المجتمع عموماً ، يساهم في حصول الاطمئنان والثبات النفسي عند المؤمنين ، وبذلك تزداد صلتهم بالإمامعليه‌السلام ، ويتغلغل إيمانهم به وبعقيدته إلى داخل أعماقهم ، ومن ثمّ تكون عقيدتهم بإمامهم عقيدة راسخة ، وهو معنى الانتظار الذي يعد من الركائز الأساسية التي اهتمّ بها القرآن الكريم

١٧٦

والرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام ، في عملية إعداد الفرد والمجتمع قال تعالى :( فَانْتَظِرُوا إِنّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) (١) .

وقد أولى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عناية خاصة بمفهوم الانتظار ، وهذا ما نجده واضحاً من خلال كثافة الروايات الواردة في هذا السياق ، فقد جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :( أفضل العبادة انتظار الفرج ) (٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( انتظار الفرج بالصبر عبادة ) (٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أحب الأعمال إلى الله انتظار الفرج ) (٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( انتظار الفرج من الله عبادة ) (٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج ) (٦) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أفضل جهاد أُمّتي انتظار الفرج ) (٧) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أفضل العبادة انتظار الفرج ، أي انتظار الفرج بظهور المهدي ) (٨) .

ـــــــــــــ

(١) الأعراف : ٧١ .

(٢) سنن الترمذي ، الترمذي : ج ٥ ص ٢٢٦ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ١٠ ص ١٤٧ ، الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ١٩٢ ؛ المعجم الكبير للطبراني : ج ١٠ ص ١٠١ ، المعجم الأوسط للطبراني : ج ٥ ص ٢٣٠ .

(٣) الجامع الصغير : الطبراني : ج ١ص ٤١٧ ؛ لسان الميزان ، ابن حجر : ج ٤ ص ٣٦٢ ، مسند ابن سلامة : ج ١ ص ٦٢ .

(٤) دستور معالم الحكم ، ابن سلامة : ص ١٠٣ .

(٥) الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٤١٧ .

(٦) الفرج بعد الشدّة ، القاضي التنوخي : ج ١ ص ٢٧ ؛ مناقب آل أبي طالب : ابن شهر آشوب : ج ٣ ص ٥٢٧ .

(٧) تحف العقول ، ابن شعبة : ص ٣٧ .

(٨) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٣٩٧ ؛ لسان الميزان ، ابن حجر : ج ٣ ص ٩٣ .

١٧٧

فالانتظار يمثّل عنصر التوازن في حياة المؤمن وحالة وسطى بين القنوط واليأس من روح الله ، وبين حرمة الأمن من مكر الله ، قال تعالى :( وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رّوْحِ اللهِ إِنّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) (١) .

ومن خلال الانتظار يتوجه الإنسان إلى ربّه ، ويتمسّك بإمامه ، ويطلب الفرج من الله تعالى ، وهذا ما كشف النقاب عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بقوله :( أفضل العبادة انتظار الفرج ) (٢) .

كذلك نجد أنّ الانتظار في واحدة من أبعاده هو الإيمان بالغيب ، ومن ثمّ يحمل الفرد على العمل والتعبد بعقيدته ، ويكون محبّاً للعدل كارهاً للظلم ، وبذلك يوجّه نفسه ، وسائر إخوانه المؤمنين إلى ما فيه الخير والصلاح للمجتمع .

وكذلك نجد أيضاً أنّ الانتظار يحمل في طيّاته دفع المؤمن وحثّه على الامتثال والالتزام الكامل بتطبيق الأحكام الإلهية ، ليكون فرداً صالحاً مؤهّلاً للعضوية في مجتمع العدالة الكبرى ، ومن ثمّ يكتسب المؤمن الإرادة القوية ، والإخلاص الحقيقي الذي يؤهّله للمشاركة والتشرّف بتحمل المسؤولية الكبيرة في اليوم الموعود ، فيزداد تعلّقه بالأنبياء ورسالاتهم ، وتجديد العهد معهم ، ومع الإمامعليه‌السلام الذي يحقق هدف الأنبياء على هذه الأرض ، وكل هذا إنّما يتجلّى وتشتعل جذوته إذا أحس الإنسان بوجود المصلح حيّاً يرزق قد حفظه الله تعالى وادخره لإنجاز مهمّة الإصلاح .

ـــــــــــــ

(١) يوسف : ٨٧ .

(٢) سنن الترمذي ، الترمذي : ج ٥ ص ٢٢٦ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ١٠ ص ١٤٧ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ١٩٢ ؛ المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٥ ص ٢٣٠ .

١٧٨

خامساً : عدم انقطاع سلسلة حجج الله في الأرض

إنّ الغيبة من الوسائل المهمة للحفاظ على وجود الحجّة الإلهية في الأرض ، وعدم خلوّها من تلك الحجّة ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا تخلو الأرض من قائم بحجّة ) (١) .

ولا يخفى الأثر المهم والدور الأساس لوجود حجّة الله في الأرض ، من كونها أماناً لأهل الأرض ، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل السماء ، إذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ) (٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لن يزال الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش ، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، مَن ركب فيها نجا ، ومَن تخلّف عنها غرق ، ومَن قاتلنا في آخر الزمان فكأنّما قاتل مع الدجال ) (٤) .

ـــــــــــــ

(١) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٥٠ ص ٢٥٥ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٨٩ ؛ المناقب ، الخوارزمي : ص ٣٦٦ ، وانظر تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي : ج ٢ ص ٢٠٦ .

(٢) فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : ج ٢ ص ١٦٥ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٧١ وح ٢ ص ١١٤ ؛ ذخائر العقبى ، محب الدين الطبري : ص ١٧ ؛ ونحوه في المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٢ ص ٤٤٨ ج ٣ ص ١٤٩ ص ٤٥٧ ؛ جواهر المطالب : ابن الدمشقي الشافعي : ج ١ ص ٣٤٣ .

(٣) المعجم الكبير ، الطبراني ج : ٢ ص ١٩٦ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٢ ص ٣٤ .

(٤) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٣ ص ٤٥ ، ح ٢٦٣٦ ؛ مسند ابن سلامة : ج ٢ ص ٢٧٣ .

١٧٩

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم جُعلت أماناً لأهل السماء ، وإنّ أهل بيتي أمان لأُمّتي ) (١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( كيف تهلك أمّة أنا أوّلها ، وعيسى بن مريم آخرها ، والمهدي من أهل بيتي في وسطها ) (٢) .

مضافاً إلى أنّ غيبة الإمامعليه‌السلام تؤمّن إتيانه بالإسلام الخالص ، كما أنزله الله تعالى حين الظهور ؛ لأنّه سوف يكون وارثاً عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإسلام الصحيح ، وتفاصيله التي أملاها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإمام عليعليه‌السلام وكتبها بخطّه .

بخلاف ما لو قلنا إنّ المهديعليه‌السلام لم يولد بعد ، فإنّه حينئذ كيف يمكنه الإتيان بالإسلام الخالص بعد انقطاع الوحي ، وكيف يحرز الإسلام الصحيح وسط هذه الاختلافات بين المذاهب ، وبعد تضييع سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أضف إلى ذلك أنّ وجود الحجّة والإمام في الأرض لطف من الله تعالى ـ كما تقدم ـ وإتمام للحجّة البالغة على خلقه ، أمّا الغيبة فهي لأسباب وظروف اقتضت ذلك ، وقد تقدم ذكر بعضها .

سادساً : لكي لا تكون في عنقه بيعة لظالم

وهذا من معطيات الغيبة أيضاً ؛ لأنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام كلّهم أُجبروا وأُكرهوا على البيعة للحكّام الظالمين ، ابتداءً من الإمام عليعليه‌السلام إلى الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

والبيعة من الإمام المعصوم تعني إعطاء عهد يطوق به عنقه ويكبله ويقضي بعدم محاربة الظالم في حال لزومها .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير : ج ٧ ص ٢٢ .

(٢) الدر المنثور : ج ٢ ص ٧٤٢ ؛ الجامع الصغير السيوطي : ج ٢ ص ٤٢٣ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٧ ص ٥٢٢ ، ونحوها في المستدرك : الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٤١ ؛ قال فيه : ( حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) ، فيض القدير : ج ٥ ص ٣٨٣ .

١٨٠