الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 361
المشاهدات: 205718
تحميل: 7811


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205718 / تحميل: 7811
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حيث يشير القرآن الكريم في الآيات المباركة إلى هذه السنّة التاريخية وتعميمها لتشمل الآباء والإخوان ، كما في قوله تعالى ومن آبائهم وذريتهم وإخوانهم ، وكذلك ما ورد في سورة مريم عندما تحدث القرآن عن عدد من الأنبياء ، وهم إبراهيم وبعض ذريته ، وإدريس من قبل إبراهيم ، وبعد ذلك يذكر القانون العام في الذرية( أُولئِكَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِنَ النّبِيّينَ مِن ذُرّيّةِ آدَمَ وَمِمّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرّيّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى‏ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرّحْمنِ خَرّوا سُجّداً وَبُكِيّاً ) (١) ، ويشير القرآن الكريم إلى هذا المعنى عندما يتحدث عن نوح وإبراهيم ، وأنّه تعالى جعل في ذريّتهما النبوّة ، قال تعالى :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِمَا النّبُوّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) (٢) .

وغيرها من الموارد الكثيرة التي لا يسع المجال لاستعراضها .

وبعد أن اتضح أنّ هذه سنّة إلهية تحكم مسيرة وحركة الأنبياء ، ويبرز لنا عنوان آخر في عدد من الآيات القرآنية ، ولعلّه يعد السبب الرئيس من وراء جعل هذه السنّة في حركة الأنبياء وكونهم من ذرية واحدة ، وهو ما تحدث عنه القرآن الكريم في مناسبات متعددة ، ذلك هو الاصطفاء والاجتباء .

ما هو الاصطفاء ؟

الاصطفاء لغة هو الاختيار والاجتباء ، فمعنى اصطفاهم أي جعلهم

ـــــــــــــ

(١) مريم : ٥٨ .

(٢) الحديد : ٢٦ .

٣٠١

صفوة خلقه ، كما في قوله تعالى لموسىعليه‌السلام :( قَالَ يَا مُوسَى‏ إِنّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى الْنّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ ) (١) ، وقال في إبراهيمعليه‌السلام :( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبصَارِ * إِنّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ * وَإِنّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ ) (٢) ، فالاصطفاء يمثّل ظاهرة واضحة في حركة الأنبياء ، كما جاء ذلك أيضاً في قوله تعالى :( إِنّ اللهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٣) ، فنلاحظ أنّ الله تعالى اصطفى آدم اصطفاءً واختياراً خاصاً ثم اختار نوحاً ، ثم اختار إبراهيم وآل إبراهيم ثم عمران ، وآل عمران مضافاً إلى تأكيد القرآن الكريم إنّ هذا الاختيار والاصطفاء ليس أمراً واقفاً على هذه الأسماء وهذه الجماعات ، وإنّما هي قضية ذات امتداد في هذه الذرية( ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) .

الاصطفاء والعدالة الإلهية

إنّ اصطفاء واختيار الله تعالى للأنبياء ، إنّما جاء وفقاً للعدالة الإلهية ووفقاً لقوله تعالى : ( وَأَن ليْسَ للإنسان إِلاّ مَا سَعَى ) (٤) و ( إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (٥) إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالالتفات ، هي أنّ الكيفية والآلية التي اختارهم الله عزّ وجلّ على أساسها ، إنّما جاءت نتيجة علمه تعالى بأن هؤلاء الأنبياء مطيعون له طاعة لا نظير لها دون غيرهم ، ويمتلكون إرادة واستعداداً خاصاً لتحمّل المسؤولية ، والفناء في ذات الله تعالى وإرادته ، بحيث يعجز غيرهم عن الوصول لما وصلوا إليه .

ـــــــــــــ

(١) الأعراف : ١٤٤ .

(٢) ص : ٤٥ ـ ٤٧ .

(٣) آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤ .

(٤) النجم : ٣٩ .

(٥) الحجرات : ١٣ .

٣٠٢

إذن ، لعلمه تعالى السابق بهم وبكفاءتهم في تحمّل المسؤولية اصطفاهم واختارهم دون غيرهم من الناس ؛ لأنّه تعالى يعلم بأفعال المكلّفين قبل حصولها ؛ ولا ينافي ذلك اختيارهم كما هو واضح .

وعلى هذا الأساس ، فإنّ الله تعالى ، بعد علمه السابق بهم ، وأنّهم يفوقون غيرهم ، سوف يوليهم عناية خاصة لكي يكونوا قادرين على تحقيق ما كانوا مستعدين لتحقيقه .

ولا ريب أنّ هذا المنطق هو منطق عقلائي ، يمارسه العقلاء في حياتهم ، ألا ترى لو وجد بين طلاب مدرسة ، طالب يمتاز بنبوغ عال ، فهل من العدالة والإنصاف أن يترك مع بقية الطلبة ، ويعامل بمستواهم العلمي الذي يقلّ عن مستواه بمراتب ؟ طبعاً لا ، وإنّما من العدالة أن يحضى برعاية استثنائية ، ويُوفّر له من الإمكانيات ما يجعله قادراً على الإنتاج وتحقيق الغايات المرجوة من نبوغه بحسب قابليته ، بل لو كان لديك أولاد ، وكان لأحدهم نبوغ وكفاءة ، فالمنطق العقلائي يُحتم عليك أن توفّر وتهيّئ له الظروف وتهتم به وترعاه ، ومن الظلم له أن تتركه وتساويه مع غيره في العناية ؛ لأنّ قوام العدل وأساسه ليس التساوي ، وإنّما هو إعطاء كل ذي حق حقّه ، فمن حق الذي تتوفّر فيه القابلية والكفاءة أن تهيّئ له ما يستلزم استثمار كفاءته واستعداده .

وعلى ضوء هذا نجد أنّ الله تعالى أولى عناية خاصة بالأنبياء والمرسلين ، لعلمه السابق تعالى بهم وبقابليتهم على طاعته بتلك الدرجة دون غيرهم ، بل نجد الآن في علم الهندسة الوراثية أنّهم يدرسون جينة الشخص ؛ ليتمكنوا من تشخيص قابلياته ، ومعرفة كفاءته واستعداده ليضعوه في الموضع المناسب ، وأنّه هل له قدرة على القيادة والعطاء أم لا ؟ وهذا هو منهج الاصطفاء .

الذرية الصالحة للأنبياء عناية إلهية

من الواضح أنّ الوراثة والأبوّة والجدودة من الأمور التي لها نوع تأثير ومدخلية على تركيبة وشخصية الإنسان ومزاجه ، بما ينسجم مع عالم الدنيا المادي الذي نعيش فيه ؛ ولذلك شاء الله تعالى لهؤلاء الأنبياء والمرسلين والأئمة الذين اصطفاهم واختارهم أن يجعلهم من ذرية صالحة وأرحام مطهّرة ، وهذا ما نلمسه في روايات متضافرة في هذا الصدد .

٣٠٣

تقلّبهم في الأرحام المطهّرة

وهو ما يسمّى بأخبار الطينة والأصلاب المطهّرة ، فقد أخرج بن مردويه عن ابن عباس ، قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : بأبي أنت وأمي أين كنت وآدم في الجنة ؟ فتبسّم حتى بدت نواجذه ، ثم قال :( إنّي كنت في صلبه وهبط إلى الأرض وأنا في صلبه ، وركبت السفينة في صلب أبي نوح ، فقذفت في النار في صلب أبي إبراهيم ، لم يلتق أبواي قط على سفاح ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطاهرة ، مصفّى مهذباً ، لا تتشعب شُعبتان إلاّ كنت في خيرهما ، قد أخذ الله بالنبوّة ميثاقي ، وبالإسلام هداني ، وبيّن في التوراة والإنجيل ذكري ، وبيّن كل شيء من صفتي في شرق الأرض وغربها ، وعلّمني كتابه في سمائه ، وشق لي من أسمائه ، فذو العرش محمود وأنا محمد ، ووعدني أن يحبوني بالحوض وأعطاني الكوثر ، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفّع ، ثم أخرجني في خير قرون أُمّتي ، وأُمّتي الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) (١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( ما بال أقوام ينتقصون عليّاً ، مَن تنقّص عليّاً فقد تنقّصني ، ومَن فارق عليّاً فقد فارقني وإنّ عليّاً منّي وأنا منه ، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم وأنا أفضل من إبراهيم ، ذريّة بعضها من بعض ، والله سميع عليهم ) (٢) .

وعن رسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( خُلقت أنا وهارون ابن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة ) (٣) .

أبعاد أُخرى

إذن ظاهرة اختيار واصطفاء الأنبياء والمرسلين والأئمّة ، وجعلهم في ذرية واحدة ، لا ينحصر أثرها في عناية الله تعالى بهم وجعلهم في أصلاب وأرحام مطهّرة فحسب ، وإنّما نجد لهذه الظاهرة أبعاداً وأهدافاً أخرى ذات أهمية فائقة ، منها :

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٦ ص ٣٣٢ ؛ تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر: ج ٣ ص ٤٠٨ ، وكذلك البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٢ ص ٣١٨ ، وكذلك اليرة النبوية : ابن كثير : ج ١ ص ١٩٦ .

(٢) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٢٨ .

(٣) تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ج ٦ ص ٥٦ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٦٣ .

٣٠٤

أوّلاً : البعد التاريخي

وهذا واضح كما في اختيار الله تعالى أوصياء الأنبياء ، حيث نجد أنّ اختياره تعالى للأوصياء يتركّز على أولئك المقرّبين للأنبياء من أقاربهم أو ذراريهم ممّن يرتبطون بالنبي أو الرسول القائد ارتباطاً نسبياً ، كما في قوله تعالى :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِمَا النّبُوّةَ وَالْكِتَابَ ) (١) وغيرها من الآيات(٢) .

ثانياً : البعد الرسالي

ونقصد بذلك ما يترتّب على الذرية الصالحة للأنبياء من تحقيق مصالح الرسالة ، وإعداد الأفراد المؤهّلين للقيام بمهامّها وتحمّل أعبائها الثقيلة ؛ وذلك لأنّ عُمر الرسول ـ عادة ـ يكون أقصر من عمر الرسالة ، ومن ثمّ يحتاج إلى مَن يقوم بتحمّل أعبائها ومسؤولياتها ، وهذا إنّما يحتاج إلى إعداد يتناسب مع طبيعة وحكم هذه الأعباء والمسؤوليات الضخمة ، ولا ريب أنّ الإعداد الأفضل والأكمل لا يتم إلاّ في داخل البيت الرسالي ، ومن الأفراد الذين انحدروا من صاحب الرسالة الذين لم يروا النور إلاّ في كنفه وفي إطار تربيته ، دون غيرهم من الأفراد الذين يفتقرون إلى الكفاءة والاستعداد ، وإن كانوا من نفس ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) الحديد : ٢٦ .

(٢) الأنعام : ٨٣ ـ ٨٧ .

(٣) البقرة : ١٢٤ .

٣٠٥

ما هي حقيقة وراثة الأنبياء ؟

على ضوء ما سلف آنفاً يتضح أنّ وراثة الأنبياء أعم من الوراثة المتعارفة ، فهي شاملة لوراثة العلم والنور والملك ، ومن هنا نجد الفخر ، الرازي يفسّر آية( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) (١) على أنّها أعمّ من وراثة النبوّة والمال حيث قال : ( الله تعالى جعل سبب الإرث فيمن يرث الموت على شرائط ، وليس كذلك النبوّة ؛ لأنّ الموت لا يكون سبباً لنبوة الولد فمن هذا الوجه يفترقان ، وذلك لا يمنع من أن يوصف بأنّه ورث النبوة لما قام به عند موته ، كما يرث الولد المال إذا قام به عند موته ) ، ثم ذكر وجوهاً عديدة لشمول الإرث للمال والنبوّة والمقامات الرسالية ، إلى أن قال : ( فبطل بما ذكرنا قول مَن زعم أنّه لم يرث إلاّ المال )(٢) .

فمن أبرز ما يورث في أُسرة التوحيد بين الأنبياء والمرسلين والأئمّة هو العلم ، ولا يخفى ما في العلم من فضل ومزية ، ولذا فإنّ الفخر الرازي في ذيل الآية المباركة :( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ للهِ‏ِ الّذِي فَضّلَنَا عَلَى‏ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) (٣) ، قال : ( في الآية دليل على علوّ مرتبة العلم ؛ لأنّهما أوتيا من الملك ما لم يؤت غيرهما ، إن تلك الفضيلة ليست إلاّ ذلك العلم )(٤) .

وبهذا يتبيّن أنّ الأنبياء والمرسلين والأئمّة وراثتهم نورية ، فضلاً عن الوراثة المتعارفة ، وأن أبرز شيء متوارث فيما بينهم هو العلم والنبوة والحكمة ، كما في قوله تعالى :( ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) قال الثعلبي في مراثي المجالس في آية( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد ) : ( يعني نبوّته وحكمته وملكه ) .

ـــــــــــــ

(١) النمل : ١٦ .

(٢) التفسير الكبير ، للفخر الرازي : المجلد الثاني عشر ج ٢٤ ص ١٨٧ .

(٣) النمل : ١٥ .

(٤) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : المجلّد الثاني عشر : ج ٢٤ ص ١٨٦ .

٣٠٦

أهل البيتعليهم‌السلام ورثة الأنبياء

وحيث إنّ أهل البيتعليهم‌السلام من تلك الشجرة المباركة ، ومن أسرة التوحيد ، ومن تلك الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة المصطفاة المجتباة المتمثّلة بالأنبياء والمرسلين ، وعلى رأسهم سيّدهم وأفضلهم نبيّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهمعليهم‌السلام ورثة الأنبياء وممّن اصطفاهم واختارهم واجتباهم الله سبحانه وتعالى لسابق علمه بطاعتهم وحبّهم وفنائهم في ذات الله تعالى .

وإليك نموذجاً من الشواهد الروائية المؤكّدة لوراثة أهل البيتعليهم‌السلام للأنبياء :

١ ـ الإمام علي وذرّيتهعليهم‌السلام وارثو رسول الله

ففي المناقب للخوارزمي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند المؤاخاة أنّه قال :( والذي بعثني بالحق ما أخّرتك إلاّ لنفسي فأنت عندي بمنزلة هارون من موسى ووارثي ، فقال :يا رسول الله ما أرث منك ؟ قال :ما ورثت الأنبياء ، قال :وما أورثت الأنبياء قبلك ؟ قال :كتاب الله وسنة نبيّهم ) (١) .

وفي ينابيع المودّة ، عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام قال :قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني: ج ٥ ص ٢٢١ ؛ وذكره ابن حبان في الثقات : ج ١ ص ١٤٢؛ تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ج ٢١ ص ٤١٥، ج ٤٢ ص ٥٣؛ مناقب الخوارزمي : ص ١٥٢ .

٣٠٧

علي أنت أخي ووارثي ووصيي ، محبّك محبّي ، ومبغضك مبغضي ، يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة ، يا علي أنا وأنت والأئمّة من ولدك سادات في الدنيا وملوك في الآخرة ، مَن عرفنا فقد عرف الله عزّ وجلّ ، ومَن أنكرنا فقد أنكر الله عزّوجلّ ) (١) .

وعن أبي ذررضي‌الله‌عنه أنّه قال :

( أيّها الناس مَن عرفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، أنا جندب بن جنادة الربذي ، إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم ، محمد الصفوة من نوح ، فالأوّل من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمد ، إنّه شرف شريفهم ، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة وكالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ، أو كالشجر الزيتونية أضاء زيتها ، وبورك زبدها ، ومحمد وارث علم آدم وما فضل به النبيون ، وعلي بن أبي طالب وصيّ محمد ، ووارث علمه ، أيّتها الأمة المتحيّرة بعد نبيها ! أما لو قدّمتم مَن قدّم الله ، وأخّرتم مَن أخّر الله ، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ، ومن تحت أقدامكم ، ولما عال ولي الله ، ولا طاش سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله ، إلاّ وجدتم على ذلك عندهم من كتاب الله وسنّة نبيّه ، فأمّا إذ فعلتم ما فعلتم ، فذوقوا وبال أمركم ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )(٢) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٣٧٠ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي : ج ٢ ص ١٧١ .

٣٠٨

٢ ـ الأنبياء يقرّون بولاية على وذرّيتهعليهم‌السلام

أخرج الحاكم الحسكاني في شواهده : ( إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة أُسري به جمع الله تعالى بينه وبين الأنبياء ، ثم قال : سلهم يا محمد على ماذا بُعثتم ؟ [ فسألهم ] فقالوا : بُعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله ، وعلى الإقرار بنبوّتك ، والولاية لعلي بن أبي طالب )(١) .

وأخرج أيضاً عن أنس أنّه قال : ( قلنا لسلمان : سل النبي مَن وصيّه فقال له سلمان : يا رسول الله مَن وصيّك ، قال :( يا سلمان مَن كان وصيّ موسى ؟ فقال : يوشع بن نون قال :فإنّ وصيّي ووارثي يقضي ديني وينجز موعودي علي بن أبي طالب ) (٢) .

وعن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( إنّ الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذرّيته فلا تذهب بكم الأباطيل ) (٣) ، ونحوها من الروايات الكثيرة .

وهذه الروايات فيها دلالة صريحة على وراثة الإمام علي وأهل البيتعليهم‌السلام لعلم النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن الواضح أنّ إقرار الأنبياء بولاية الإمام عليعليه‌السلام يستلزم كونه حامل علم الأنبياءعليهم‌السلام وإلاّ فلا معنى لكونه وليّاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣ ـ أهل البيتعليهم‌السلام ورثة الكتاب

لقد وردت جملة من الروايات تؤكّد على أنّ أهل البيتعليهم‌السلام هم ورثة الكتاب الكريم .

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٢٢٤ .

(٢) المصدر نفسه : ج ١ ص ٩٩ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٧٨ .

٣٠٩

منها : ما أخرجه السيوطي في تفسيره عن قتادة في قوله تعالى :( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قال : ( هم أهل بيت طهّرهم الله من السوء واختصهم برحمته ، قال : وحدّث الضحاك بن مزاحم أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول :نحن أهل بيت طهّرهم الله ، من شجرة النبوّة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم )(١) .

ومنها : ما أخرجه الحاكم الحسكاني في شواهده ، عن الحرث ، قال سألت أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام عن هذه الآية:( فَسْأَلُوا أَهْلَ الذّكْرِ ) قال :( والله إنّا أهل الذكر ، ونحن أهل العلم ، ونحن معدن التأويل والتنزيل ، وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمَن أراد العلم فليأت من بابه ) (٢) .

ومنها : ما ورد عن عبد الله بن أعين قال : سمعت جعفر الصادقعليهم‌السلام يقول :( قد ولدني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أعلم كتاب الله ، وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وفيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر الجنة وخبر النار ، وخبر ما كان وخبر ما يكون ، وأنا أعلم ذلك كلّه كأنّما أنظر إلى كفّي ، وأنّ الله يقول : ( تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ ) ويقول تعالى : ( ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) فنحن الذين اصطفانا الله جلّ شأنه ، وأورثنا هذا الكتاب ، فيه تبيان لكل شيء ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٦ ص ٦٠٦ .

(٢) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٣٢ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٨١ .

٣١٠

ومنها : ما جاء عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قال :( لا يقاس بآل محمد صلّى الله عليه من هذه الأمة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصيّة والوراثة ، الآن إذ رجع الحق إلى أهله ونقل إلى منتقله ) (١) .

ومنها : ما في ينابيع المودّة عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال :( ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن العلم المرفوع للحق ) (٢) .

وغيرها من الروايات التي لا يسع المجال لذكرها ، ولا يخفى ما في دلالتها على أنّ أهل البيتعليهم‌السلام ورثة علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن هنا نجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤكّد على بيان منزلة أهل البيت وفضلهم في الأُمّة ، كما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذرّيّته فلا تذهبنّ بكم الأباطيل ) (٣) .

أعلميّة أهل البيت في القرآن الكريم

من الأدلة القرآنية على أعلمية أهل البيتعليهم‌السلام مضافاً إلى ما تقدّم :

قوله تعالى :( كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (٤) .

ففي هذه الآية المباركة يبيّن الله تعالى لرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفية الإجابة والمحاججة مع الكفّار الذين ينكرون نبوّته ورسالته ، بقوله تعالى :( وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) حيث لقّن الله تعالى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقام إثبات نبوّته بأن يستشهد بشهادتين :

ـــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي حديد : ج ١ ص ٣٠ .

(٢) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٧٧ .

(٣) نظم درر السمطين ، الزرندي : ص ٢٠٨ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٧٨، ج ٢ ص ٤٥، ٣٨٢، ٤٦٥ .

(٤) الرعد : ٤٣ .

٣١١

الشهادة الأُولى : وهي شهادة الله تعالى :( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) وأنّه تعالى هو الذي أوحى إليه القرآن الكريم ، وأنّه معجزة خالدة ، وهذه شهادة إلهية عظيمة لا تعدلها شهادة ، ولا يضر معها جحود هؤلاء الكافرين .

الشهادة الثانية : شهادة من عنده علم الكتاب:( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فجعل شهادة الذي عنده علم الكتاب لإثبات رسالته وصحّة دعوته ، وكفى بهذه الشهادة كرامة وفضلاً ، لاقترانها بشهادة الله تعالى .

ولكي نقف على عظمة هذه الشهادة ينبغي التعرّف على حقيقة علم الكتاب :

حقيقة علم الكتاب

لمعرفة حقيقة علم الكتاب ينبغي أن نقف متأمّلين قليلاً عند قوله تعالى :( قَالَ يَا أَيّهَا الملأ أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مّنَ الْجِنّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مّقَامِكَ وَإِنّي عَلَيْهِ لَقَوِيّ أَمِينٌ * قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبّي لِيَبْلُوَنِي ءَأَشْكُرُ أَم أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنّ رَبّي غَنِيّ كَرِيمٌ ) (١) .

فإنّ هذه الآية المباركة تبيّن أنّ وصي سليمانعليه‌السلام كان عنده بعض علم الكتاب وليس علم الكتاب كلّه ، كما هو واضح من قوله :( قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ منَ الْكِتَابِ ) حيث إنّ ( من ) في الآية الكريمة تبعيضية ، أي عنده بعض علم الكتاب ، وبهذا البعض من العلم من الكتاب كان لوصي سليمان ( آصف بن برخيا ) القدرة على الإتيان بعرش بلقيس من سبأ في اليمن إلى بيت المقدس في أقل من طرفة عين ، فكيف بمَن عنده علم الكتاب كلّه ؟!

ـــــــــــــ

(١) النمل: ٣٨ ـ ٤٠ .

٣١٢

حدود علم الكتاب

وُصِف الكتاب في القرآن الكريم بأنّه يحتوي على كل شيء ، قال تعالى :( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى‏ لِلْمُسْلِمِينَ ) (١) .

وكلمه ( شيء ) في الآية مفهوم مطلق لا يوجد أعم منه ، فلا يخرج من هذا التعميم مخلوق من الأزل إلى الأبد ، لا سيّما مع ملاحظة أنذ الشيء في الآية جاء مشفوعاً بكلمة ( كل ) التي تؤكّد العموم ، إذن الكتاب بيان لكل شيء .

ومن البديهي أنّ هذا الضرب من العلم بالكتاب الذي تشير إليه الآية الكريمة آنفة الذكر : ( قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ ) والآية المباركة : ( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَاب ) (٢) أنّ هذا العلم ليس هو العلم المتعارف بين الناس المسمّى بالعلم الحصولي ، بل هو سنخ آخر من العلم ميزته أنّ لصاحبه القدرة على التصرّف بنظام التكوين ، وبواسطته استطاع وصي سليمان ـ الذي عنده علم من الكتاب ـ أن يأتي بعرش بلقيس من سبأ إلى بيت المقدس في أقلّ من طرفة عين .

ـــــــــــــ

(١) النحل : ٨٩ .

(٢) الرعد : ٤٣ .

٣١٣

مَن الذي عنده علم الكتاب ؟

استفاضت الروايات ، واحتشدت دلالاتها على أنّ المراد بمَن عنده علم الكتاب في الآية :( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَاب ) أنّه الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقد جاءت هذه الشواهد الروائية بألسنة مختلفة ملتقية في نقطة واحدة ، وهي أنّ الذي عنده علم الكتاب في الآية هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، منها :

الإمام عليعليه‌السلام أحصى علم كلّ شيء

١ ـ أخرج القندوزي في ينابيع المودّة بسنده عن الحسين بن عليعليه‌السلام :لما نزلت هذه الآية : ( وَكُلّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) قالوا يا رسول الله هو التوراة أو الإنجيل أو القرآن ؟ قال : ( لا ، فأقبل أبي عليه‌السلام فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا هو الإمام الذي أحصى الله فيه علم كل شيء ) (١) .

٢ ـ أخرج الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، في هذا المجال ستة أحاديث عن ابن عباس ، وأبي صالح ، والإمام الباقرعليه‌السلام ومحمد بن الحنفية ، وأبي سعيد الخدري ، نكتفي بنقل حديث واحد منها ، وهو ما جاء عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : ( سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قول الله تعالى :( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) قال :ذاك أخي علي بن أبي طالب )(٢) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٢٣٠ .

(٢) شواهد التنزيل ، الحسكاني عبد الله بن أحمد : ج ١ ص ٤٠٠ ـ ٤٠٥ .

٣١٤

٣ ـ أخرج أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره حديثين ، الأول عن ابن عبد الله بن عطاء أنّه قال : ( كنتُ جالساً مع أبي جعفر في المسجد فرأيت ابن عبد الله بن سلام جالساً في ناحية ، فقلت : لأبي جعفر : زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام ، فقال :إنّما ذلك علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، والثاني ؛ عن أبي عمر زاذان ، عن أبن الحنفية : (( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) ، قال : هو علي بن أبي طالب )(١) .

٤ ـ أخرج القرطبي في تفسيره ، عن عبد الله بن عطاء أنّه قال : ( قلت : لأبي جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام ، فقال : (إنّما ذلك علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وكذلك قال محمد بن الحنفية )(٢) .

٥ ـ أخرج الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتابه ( ما نزل من القرآن في عليعليه‌السلام ، عن إسماعيل بن سليمان : عن [محمّد] بن الحنفية في قوله عزّ وجلّ :( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) قال : ( هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام )(٣) .

٦ ـ قال الآلوسي في تفسيره : ( قال محمد بن الحنفية ، والباقر كما في البحر : المراد بـ ( من ) ، علي (كرّم الله تعالى وجهه) ، الظاهر أنّ المراد بالكتاب حينئذٍ القرآن ، ولعمري إنّ عندهرضي‌الله‌عنه علم

ـــــــــــــ

(١) الكشف والبيان ، الثعلبي أبو إسحاق أحمد : ج ٥ ص ٣٠٣ ـ ٣٠٢ .

(٢) الجامع الأحكام القرآن ، القرطبي محمد بن أحمد : ج ٩ ص ٣٣٦ .

(٣) النور المشتعل من كتاب ما نزل من القرآن في عليعليه‌السلام ، الأصبهاني ؛ أحمد بن عبد الله بن أحمد (أبو نعيم) : ص ١٢٥ ؛ تحقيق محمد باقر المحمودي .

٣١٥

الكتاب كملاً )(١) ! .

٧ ـ ابن مردويه(٢) روى في كتابه ( مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، عن ابن عباس في قوله تعالى :( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) قال : ( هو علي بن أبي طالب )(٣) .

اختصاص أهل البيتعليهم‌السلام بعلم الكتاب

بعد أن اتضح أنّ الذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام بمقتضى الروايات الآنفة الذكر ، فهنالك عدّة آيات قرآنية تشير إلى اختصاص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيتعليهم‌السلام علم الكتاب فضلاً عن الروايات الصحيحة ، ومن جملة هذه الآيات ما يلي :

أولاً : قوله تعالى :( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ ) (٤) ، وقوله تعالى :( مَا فَرّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْ‏ءٍ ) ، حيث دلّت هاتان الآيتان على أنّ القرآن فيه تبيان كل شيء ، ثم إنّنا لو سألنا القرآن الكريم عن سبب وجود الاختلافات الكثيرة بين المسلمين مع أنّ القرآن الكريم موجود بين أيديهم ؟ لأجابنا بأنّ هذا الكتاب الذي فيه تبيان لكل شيء يحمله ثلّة

ـــــــــــــ

(١) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، الآلوسي : ج ١٣ ص ١٧٦ .

(٢) قال الذهبي في حقّه : ابن مردويه الحافظ ، المجوّد ، العلاّمة ، محدّث أصبهان ، كان من فرسان الحديث ، فهماً يقظاً متقياً كثير الحديث جداً ، ومن نظر في تواليفه عرف محلّه من الحفظ ، راجع : الذهبي : سير أعلام النبلاء : ج ١٧ : ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩ .

(٣) مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، الأصبهاني ؛ ابن مردويه أحمد بن موسى : ص ٢٦٨ ؛ جمعه وقد له عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين .

(٤) النحل : ٨٩ .

٣١٦

مطهّرة من الأمة ، وهم الثقل الآخر للقرآن الكريم بتعبير حديث الثقلين وهو :( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ) وهذا الحديث متواتر سنداً ومضموناً ، وصريح من حيث الدلالة على أنّ أهل البيتعليهم‌السلام هم الثقل الآخر في الأمة ، وأنّهم عِدل للقرآن ، وهذا المعنى يلتقي مع قوله تعالى ـ الذي يدلنا على مكان وموضع علم الكتاب ـ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاّ الظّالِمُونَ ) (١) ولم يدّعِ أحد من المسلمين أنّه عنده علم ما في القرآن إلاّ همعليهم‌السلام لا يفترقون عنه إلى قيام الساعة ، فقد ورد عن عمر أنّه قال : ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ قوله تعالى :( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) ، وسمعته يقول :( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) ، وقد أثبتنا أنّ الذي عنده علم الكتاب هو الإمام علي وولدهعليهم‌السلام وهذه دلالة واضحة على أنّ المراد بـ( صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) هم أهل بيت النبيعليهم‌السلام وفي مقدّمتهم أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ثانياً : قوله تعالى :( إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ ) .

ولأجل أن نتفهّم الآية المباركة ينبغي بيان مقدّمة تساهم في الوصول إلى المطلوب : وملخّص هذه المقدّمة : هي أنّ لكلّ شيء أربعة وجودات :

الوجود الأوّل : وهو الوجود الكتبي مثل كتابة ( زيد ) .

الوجود الثاني : الوجود اللفظي كما لو تلفّظنا بكلمة ( زيد ) فقط .

الوجود الثالث : الوجود الذهبي كوجود صورة زيد في ذهننا .

الوجود الرابع : الوجود الخارجي وهو وجود زيد حقيقة في الخارج .

ـــــــــــــ

(١) العنكبوت : ٤٩ .

٣١٧

والقرآن الكريم لا يخرج عن هذه الحقيقة التكوينية ، فهو له أربعة وجودات أيضاً ، فوجوده اللفظي هو القرآن المصوت به ، وكذا له وجود كتبي وهو هذه النسخة الشريفة الموجودة والتي لها أحكام شرعية خاصة بها .

ووجوده الذهني الذي هو عبارة عن تدبّر معانيه السامية ، والتأمّل فيها ، وهي ما دعانا الباري تعالى إلى التدبّر والتأمّل فيها .

ووجوده الخارجي هو نفس حقيقة القرآن الكريم ، وهي التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى :( لَوْ أَنزَلْنَا هذَا الْقُرْآنَ عَلَى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ) ، فتصدع الجبل لا يحصل بوجود القرآن اللفظي أو الكتبي بتلاوته أو كتابته أو وضعه على الجبل ، ولا بوجود القرآن الذهني بل تصدّع الجبل فيما إذا نزلت حقيقة القرآن الخارجية على الجبل ، وهذا هو ما نصّت عليه الآية المباركة .

وبعد أن اتضحت هذه المقدمة وهي أنّ للقرآن حقيقة خارجية تكوينية سامية ، فإنّ هذه الحقيقة لا يمكن أن يصل إليها إلاّ المطهّرون ، كما في قوله تعالى :( إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ ) ومعنى ( مكنون ) أي محفوظ ؛ ولذا قال الراغب الأصفهاني في مفرداته في معنى قوله تعالى: (( لا يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ ) أي لا يبلغ حقائق معرفته إلاّ مَن طهّر نفسه وتنقّى من درن الفساد )(١) .

ـــــــــــــ

(١) المفردات في غريب القرآن ، الراغب : ص ٣٠٨ .

٣١٨

مَن هم المطهّرون ؟

لقد بادر القرآن الكريم لبيان ماهية وحقيقة المطهّرين ، وأنّهم أهل البيتعليهم‌السلام ، قال تعالى :( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وقد بيّن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات متضافرة بأنّ المطهّرين هم أهل بيتهعليهم‌السلام ، ومن هذه الروايات :

١ ـ ما ورد عن عبد الله بن جعفر لمّا نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الرحمة هابطة قال :( ادعوا لي ، ادعوا لي ، فقالت صفية : مَن ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أهل بيتي : عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، فجيء بهم فألقى عليهم كساءه ، ثم رفع يديه ، ثم قال :اللّهمّ هؤلاء آلي فصلّ على محمد وعلى آل محمد ، وأنزل الله عزّ وجلّ ،( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ) ، [قال الحاكم] : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقد صحّت الرواية على شرط الشيخين ، أنّه علّمهم الصلاة على أهل بيته كما علّمهم الصلاة على آله )(١) .

٢ ـ ما ورد عن أبي سلمة : فدعا حسناً وحسيناً ، وفاطمة ، فأجلسهم بين يديه ، ودعا عليّاً فأجلسه خلفه فتجلّل هو وهم بالكساء ، ثم قال :( هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ) (٢) .

ومنها : ما رواه ابن كثير في تفسيره قال : ( حدثنا شداد بن عمار قال دخلت على واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ، وعنده قوم فذكروا عليّاً رضي

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ : ص ١٤٨ .

(٢) جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ : ص ١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٩ : ص ٢٦ ؛ شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج ٢ : ص ١٢٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ١٤ ص ١٤٥ .

٣١٩

الله عنه فشتموه ، فشتمته معهم ، فلمّا قاموا قال لي شتمت هذا الرجل ؟ قلت : قد شتموه فشتمته معهم ، ألا أخبرك بما رأيت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلت : بلى ، قال : أتيت فاطمة رضي الله عنها أسألها عن علي رضي الله عنه ، فقالت توجّه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجلست أنتظره ، حتى جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه علي وحسن وحسين رضي الله عنهم آخذاً كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة رضي الله عنهما وأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسناً وحسيناً رضي الله عنهما كل واحد منهما على فخذه ثم لفّ عليهم ثوبه ، أو قال : كساءه ، ثم تلىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وقال :اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق )(١) .

٣ ـ وعنه أيضاً في رواية أخرى عن أُمّ سلمة قالت : ( فأخذصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل الكساء فغطاهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ، ثم قال :اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، قالت ـ أم سلمة ـ : فأدخلت رأسي البيت ، فقلت وأنا معكم يا رسول الله ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّك إلى خير ، إنك إلى خير )(٢) .

٤ ـ وفي رواية ثالثة عنها أيضاً قالت : ( فلمّا رآهم مقبلين مدّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده إلى كساء كان على منامه ، فمدّه وبسطه ، وأجلسهم عليهم ، ثم أخذ بأطرف الكساء الأربعة بشماله فضمّه فوق رؤوسهم وأومأ به بيده اليمنى إلى ربّه ، فقال :اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير، ابن كثير : ج ٣ : ص ٤٩٢ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٣ ص ٤٩٢ .

٣٢٠