الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 361
المشاهدات: 205621
تحميل: 7811


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205621 / تحميل: 7811
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الخلاصة

١ ـ لا ريب أنّ الإمامة جعل إلهي ، كما نصّ على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (١) .

٢ ـ من خلال الآية السابقة يتضح أنّ منصب الإمامة غير منصب النبوّة ؛ وذلك من خلال دعاء إبراهيمعليه‌السلام الذي طلب هذا المنصب لذرّيته وهو في أواخر عمره الشريف ، مع أنّه كان نبيّاً في بداية حياته .

٣ ـ استمرار الإمامة في ذرّية إبراهيم كما في قوله تعالى :( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) (٢) ، وقوله تعالى :( وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٣) ، وممّن ذهب إلى هذا القول من أهل السنّة القندوزي في ينابيع المودّة(٤) .

وقد أكّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّ الهادي من بعده هو عليعليه‌السلام .

٤ ـ بمقتضي قوله تعالى( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٥) ، يتضح أنّ الإمام المنصوب من قبل الله تعالى لابد أن يكون معصوماً ؛ لأنّ الظالم لا ينال هذا العهد الإلهي ، ومن المعلوم أنّ المذنب والعاصي ولو مرة في حياته فهو ظالم لنفسه ، فلا يشمله العهد الإلهي .

٥ ـ إنّ منصب الإمامة شامل لكل المناصب القيادية التي ترتبط بهداية

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

(٢) الزخرف : ٢٨ .

(٣) الرعد : ٧ .

(٤) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ، ج ٢ ص ٢٤٨ ـ ٢٤٩ .

(٥) البقرة: ١٢٤ .

٤١

الناس من المرجعية الدينية والفكرية والاجتماعية والسياسية والقضائية ونحوها ، كما هو الحال في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي شغل جميع المناصب القيادية ، وعلى هذا الضوء فليس من الصحيح اختزال دور الإمام في القيادة السياسية فحسب ، وهذه نقطة مهمّة جداً في معرفة الإمام .

٦ ـ ممّا تقدم يتضح أن إقصاء أهل البيتعليهم‌السلام عن موقعهم وقيادتهم للجانب السياسي لا يعني تخلّيهم عن دور الإمامة ؛ لأنّ الإمامة لا يمكن أن تزول ؛ لكونها جعلاً إلهيّاً ، فهي ذات أدوار ومناصب متعددة في كل المجالات القيادية في الأمة ، كالجانب العلمي وجانب الهداية ونحوها ، وممّا يشهد لذلك ما خلّفوهعليهم‌السلام من تراث ضخم جداً في مختلف العلوم على الرغم من شدّة وقساوة الظروف التي عاشوها .

٧ ـ وردت شهادات كثيرة جداً من أعلام السنّة في حق أهل البيتعليهم‌السلام تبيّن أفضليتهم وأعلميتهم بين الأمة ، وأنّ لهم دوراً كبيراً في هداية وتوعية الأمة .

٤٢

الإمامة في القرآن

الشبهة :

عدم وجود الإمامة في القرآن الكريم دعا الشيعة إلى القول بتحريفه .

الجواب :

تمهيد :

إنّ تهمة التحريف التي حاول البعض مراراً وتكراراً إلصاقها بمذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، تهمة لا أساس لها من الصحّة ؛ إذ إنّ من الحقائق الأساسية الثابتة عند الشيعة أنّها لا تقول بالتحريف ، وهذا ما نراه واضحاً وجليّاً عند مراجعة ما كتبه علماء الشيعة في هذا المجال .

وحاصله : إنّ القرآن الذي بين أيدينا اليوم هو القرآن ذاته الذي نزل على نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكيف يمكن أن يدّعي أحد من المسلمين التحريف وهو يتلو قوله تعالى :( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١) .

وكيف يدّعي أحد من المسلمين التحريف وهو يقرأ ما تواتر عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ) ؟!! .

وكيف تقول الشيعة بالتحريف وقد أمرهم أئمّتهمعليهم‌السلام بترك ما خالف

ـــــــــــــ

(١) فصلت : ٤٢ .

٤٣

كتاب الله من الروايات ، كما ورد ذلك صحيحاً في كتبهم المعتبرة ، وعلى سبيل المثال ما ورد : ( عن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :كل شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف )(١) .

فالحكم والفيصل في قبول رواية أو ردّها هو كتاب الله تعالى ؛ لحقّانيّته وعصمته عن الخطأ والتحريف .

ولذا أطبق مشهور علماء الشيعة على أنّ القرآن جاءنا متواتراً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزّهاً عن كل نقص وتحريف .

فالسيد الخوئي مثلاً في تفسيره ( البيان في تفسير القرآن ) يقول : ( وممّا ذكرناه : قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلاّ مَن ضعف عقله ، أو مَن لم يتأمّل في أطرافه حق التأمّل )(٢) .

هذه إطلالة سريعة تمهّد لنا الدخول في البحث ، أمّا البحث المفصّل عن عدم تحريف القرآن الكريم فسيأتي في محلّه الخاص به ( عندما نجيب عن شبهة تحريف القرآن )

إذن رمي الشيعة بتهمة القول بتحريف القرآن ينبثق من أصحاب النفوس المريضة والمغرضة ، الذين لا يجدون غير الاتهامات والافتراءات ملجأً .

بعد هذا التمهيد المختصر نجيب بما يلي :

ـــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ، الحر العاملي : ج ٢٧ت : ص ١١١ .

(٢) البيان في تفسير القرآن ، السيد الخوئي : ص ٢٥٩ .

٤٤

أوّلاً : القرآن ينصّ على الإمامة

إنّ القرآن لم يفقد هدايته للإمامة لكي نلتجئ إلى القول بتحريفه ، بل القرآن يهدي إليها بالصراحة والنص وقبل أن نطلعك على الآيات التي صرّحت بالإمامة ، لابد من التنبيه على مفهوم الإمام ، وما هو المراد منه في القرآن الكريم ؟ وإليك إيجازاً في ذلك :

عُرّف الإمام في اللغة : بالإنسان الذي يؤتمّ به ويقتدى بقوله أو فعله محقّاً كان أو مبطلاً(١) ، وبهذا المعنى جاء قوله تعالى :( يَوْمَ نَدْعُوا كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) (٢) ، وقوله تعالى :( فَقَاتِلُوا أَئِمّةَ الْكُفْرِ إِنّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلّهُمْ يَنتَهُونَ ) (٣) .

أمّا الإمام الحق في الإسلام فهو الهادي إلى سبيل الله بأمر منه عزّ وجل ، سواء كان إنساناً ، كما في قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٥) .

أم كان كتاباً ، كما في قوله تعالى :( وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى‏ إِمَاماً وَرَحْمَةً ) (٦) .

ـــــــــــــ

(١) انظر : لسان العرب ، ابن منظور : ج ١٢ ص ٢٤ ـ ٢٥ .

(٢) الإسراء : ٧١ .

(٣) التوبة : ١٢ .

(٤) البقرة : ١٢٤ .

(٥) الأنبياء : ٧٣ .

(٦) هود : ١٧ .

٤٥

ومن حصيلة هذه النصوص القرآنية يتضح أنّ من شروط الإمام الحق في القرآن الكريم ؛ إن كان كتاباً فلابد أن يكون منزلاً من قبل الله تعالى على رسله لهداية الناس ، كما كان ذلك شأن كتاب خاتم الأنبياء محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن قبله كتاب موسىعليه‌السلام ، وذلك أيضاً شأن سائر كتب الأنبياءعليهم‌السلام وإن كان إنساناً فلابد أن تكون إمامته مجعولة من قبل الله تبارك وتعالى ، كما في قوله تعالى :( إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً ) (١) وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٢) وكذلك لابد أن يكون هذا الإنسان غير ظالم لنفسه ولا لغيره ، أي منزّه عن عصيان الله تعالى كما هو مقتضى قوله تعالى :( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٣) ، وإطلاق الظالمين شامل لكل ظلم سواء كان على الغير ، أو على النفس ، وكل معصية صغيرة أو كبيرة تُعد ظلماً ، لا يصلح مرتكبه لهذا المقام الشامخ ، ومن أبرز مصاديق الظلم هو الشرك بالله وعبادة غيره حيث قال تعالى : ( إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (٤) .

وبذلك يتضح أنّ الإمام في الاصطلاح القرآني هو :

الإنسان المعصوم من الذنوب والمجعول من قِبَل الله تعالى لهداية الناس .

الكتاب المنزل من قِبل الله تعالى على رسله لهداية الناس .

هذا إيجاز ، وتفصيله قد ذُكر في الجواب عن الشبهة السابقة ؛ فراجع .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

(٢) الأنبياء : ٧٣ .

(٣) البقرة : ١٢٤ .

(٤) لقمان : ١٣ .

٤٦

وإذا اتضح ذلك ، نذكر لك جدولة سريعة على سبيل الاختصار لبعض الآيات القرآنية التي هدت وأرشدت إلى الإمام والإمامة ، وصرّحت بهما ، والتي ترسم وتحدد معالم أطروحة الإمامة في القرآن الكريم :

قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (١) ، ومن الواضح من لحن الآية وسياقها أنّ الله تعالى جعل إبراهيم إماماً في أواخر عمره الشريف ، بعد أن كان نبيّاً ورسولاً وخليلاً ، فكيف يقال إنّ القرآن لا يهدي إلى الإمامة ؟!! .

قوله تعالى :( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (٢) ، فإنّ هذه الآية تدلّ على أنّ الإمامة جعل وتنصيب من قِبل الله تعالى .

٣ ـ قوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (٣) .

٤ ـ قوله تعالى :( وَنُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٤) .

٥ ـ قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ ) (٥) ، وهذه الآية تشرح مفهوم الإمامة وتشبعه إشباعاً رائعاً ، حيث قرنت طاعة أُولي الأمر بطاعة الله تعالى ، ممّا يكشف عن أنّ هذه الولاية

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

(٢) السجدة : ٢٤ .

(٣) الأنبياء : ٧٣ .

(٤) القصص : ٥ .

(٥) النساء : ٥٩ .

٤٧

متفرّعة عن ولاية الله وولاية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي شاهد على أنّ الولاية والإمامة ، وقيادة الناس ليس من صلاحيتهم ولا بتنصيبهم ؛ لأنّ ما هو اللازم عليهم المتابعة والانقياد في ذلك وحسب ، وعلى هذا الأساس نقول أيضاً : كيف أنّ القرآن لا يهدي إلى الإمامة ؟!! .

٦ ـ قوله تعالى :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، وتحتشد في هذه الآية الكريمة دلالات كثيرة لإثبات الإمامة ، وبشكل خاص إمامة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهذا ما نجده واضحاً عندما نرجع إلى مصادر الفريقين في هذا المجال ، وملاحظة الروايات الواردة في شأن نزول الآية المباركة(٢) .

٧ ـ قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (٣) ، حيث تكشف هذه الآية بشكل صريح وواضح النقاب عن أهمّيّة وجود الإمام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّ عدم وجود الإمام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوق انتفاء الرسالة( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) ، فلولا الإمامة يغدو كل شيء وكأنّه لم يكن ، أي لا يبقى نسيج متماسك للإسلام ، بل يهوي ويتمزّق ، وأروع ما يرشدنا

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٥٥ .

(٢) انظر : الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٥ ـ ١٠٦ ؛ تفسير المنار ، محمد رشيد رضا : ج ٦ ص ٤٦٣ ؛ تنزيل الآيات : ص ٥٤ ؛ التهذيب في التفسير : ج ٣ ص ١٠٦ ؛ توضيح الدلائل : ص ١٥٨ ؛ مودّة القربى : ص ٥٥ ؛ ينابيع المودّة : ج ١ ص ١١ ـ ١٢ ، ص ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، الفصول المهمّة : ص ١١٧ ـ ١١٨ ؛ تفسير الثعلبي : ج ٤ : ص ٨٠ ـ ٨١ ؛ أسباب النزول ، الواحدي : ص ١٥٣ ؛ أرجح المطالب : ص ٦٧ ، ص ٢٠٣ ؛ مناقب المغازلي : ص ١٨ ؛ تفسير القرطبي : ج ٢ ص ٧٣ ـ ٧٤ ، وغيرها من المصادر .

(٣) المائدة : ٦٧ .

٤٨

إلى اهتمام القرآن بالإمامة هو التعبير الذي ورد في الآية المباركة بإكمال الدين ورسالة الله تعالى ، ورضاه عزّ وجلّ بالإسلام ديناً بعد تنصيب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام خلفاً وإماماً بعده ، حيث قال تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (١) .

فهذه لمحة عامة تكشف عن اهتمام القرآن بالإمامة ، فهل بعد هذا كلّه يمكن أن يقال : إنّ القرآن الكريم لا يهدي إلى الإمامة ؟!! .

ثانياً : السنّة النبويّة تنصّ على الإمامة

إنّ القرآن الكريم أمرنا وبكل صراحة أن نأخذ بما يأمرنا به رسوله الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال عزّ وجلّ :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٢) ؛ وذلك لأنّ النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ، وعلى هذا الأساس فإنّ هناك الكثير من النصوص الواردة عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي نلمس منها عمق اهتمامه بالإمامة والخلافة من بعده ، وقد طفحت بها كتب الفريقين ، كحديث الغدير والثقلين وحديث المنزلة والدار ، وغيرها من الأحاديث الكثيرة المتواترة من طرق الفريقين ؛ فراجع .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٣ .

(٢) الحشر : ٧ .

٤٩

الخلاصة

أوّلاً : إنّ شبهة القول بتحريف القرآن لا أساس لها من الصحّة عند مشهور الطائفة الشيعية الإمامية ، وسيوافيك الكلام عنها مفصّلاً مشفوعاً بالأدلة القطعية عند الجواب عنها في محلّه .

ثانياً : تبيّن ممّا تقدّم أنّ القرآن الكريم يهدي بصراحة للإمامة ، وبيان معالمها ، ويحدّد أطروحتها بشكل واضح لا غبار عليه .

ثالثاً : إنّ السنّة النبوية قد هدى إليها القرآن وأمر بوجوب التمسّك بها ، وهي بدورها تهدي أيضاً إلى الإمامة بنحو صريح ومفصّل ومتواتر .

٥٠

آية الولاية لا تختصّ بعليعليه‌السلام

الشبهة :

إنّ قوله تعالى :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، لا تدل على ولاية وإمامة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ لأنّ الآية جاءت بصيغة الجمع ( الذين ) مع أنّ أقل الجمع ثلاثة ، فكيف تدّعي الشيعة أنّ المراد من الآية هو عليعليه‌السلام ؟

الجواب :

أولاً : كثرة استعمال الجمع وإرادة المفرد في القرآن

إنّ استعمال لفظ الجمع وإرادة الواحد المفرد ورد في القرآن الكريم في موارد متعدّدة : منها قوله تعالى :( الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ) (٢) ، ذكر المفسّرون أنّ المراد به في الآية شخص واحد ، وهو نعيم بن مسعود الأشجعي(٣) ، قال النسفي في تفسيره : ( هو جمع أريد به الواحد )(٤) وقال القرطبي في تفسيره : ( واللفظ عام ومعناه خاص كقوله :( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ) يعني محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٥) ، وقوله تعالى :( يَقُولُونَ لَئِن رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأَعَزّ مِنْهَا الأَذَلّ ) (٦) ، وقد صحّ أنّ القائل به هو

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٥٥ .

(٢) آل عمران : ١٧٣ .

(٣) انظر : تفسير القرطبي : ج ٤ ص ٢٧٩ ؛ تفسير الجلالين ، السيوطي : ص٩١ .

(٤) تفسير النسفي ، النسفي : ج ١ ص ١٩٢ .

(٥) تفسير القرطبي : ج ٤ : ص ٢٧٩ .

(٦) المنافقون : ٨ .

٥١

عبد الله ابن أُبي بن سلول(١) ، وهكذا جاء في آية المباهلة ، قوله تعالى :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) ، حيث جاء لفظ ( أنفسنا ) بصيغة الجمع مع أنّ المراد به واحد ، وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وكذا ( نساءنا ) جاء بلفظ الجمع مع أنّ المراد منه امرأة واحدة ، وهي فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكذا ( أبناءنا ) مع أنّهما اثنان ، وهما الحسن والحسينعليهما‌السلام (٣) ، وكذا قوله تعالى :( الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) (٤) ، فقد ذكر الحسن : ( أنّ قائل هذه المقالة هو يحيى بن أخطب ، وقال عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق : هو فنحاص بن عازوراء )(٥) ، وقوله تعالى :( وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤْذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ) (٦) ، نزلت في رجل من المنافقين : ( إما في الجلاس بن سويد ، أو في نبتل بن الحرث ، أو عتاب بن قشير )(٧) ، وقوله تعالى :( وَالّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) (٨) ، نزلت في صبيح مولى حويطب بن عبد العزى(٩) ، وغيرها من

ـــــــــــــ

(١) جامع البيان : الطبري : ج ٢٨ ص ١٣٨ ح ٢٦٤٦٣ ؛ تفسير القرطبي : ج ٨ ص ٢٠٦ ؛ وغيرها من كتب التفسير الأخرى الكثيرة .

(٢) آل عمران : ٦١ .

(٣) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨٧١ ح ٢٤٠٤ ؛ تفسير الطبري : ج ٣ ص ٤٠٤ ـ ٤١٠ ؛ تفسير الكشاف ، الزمخشري : ج ١ ، ٣٦٨ ـ ٣٧٠ ؛ تفسير القرطبي : ج ٤ ص ١٠٤ ؛ سنن الترمذي : ج ٥ ص ٣٠١ ـ ٣٠٢ : ح ٣٨٠٨ ؛ أحكام القرآن ، للجصاص : ج ٢ ص ١١٥ ؛ فرائد السمطين : ج ١ ص ٣٧٧ : ب ٦٩ : ح ٣٠٧ ؛ الإصابة ، ابن حجر العسقلاني : ج ٢ ص ٥٠٩ ؛ وغيرها من كتب الفريقين .

(٤) آل عمران : ١٨١ .

(٥) انظر تفسير القرطبي : ج ٤ ص ٢٩٤ .

(٦) التوبة : آية ٦١ .

(٧) انظر تفسير القرطبي : ج ٨ ص ١٩٢ ؛ تفسير الخازن : ج ٢ ص ٢٥٣ ؛ الإصابة : ج ٣ ص ٥٤٩ .

(٨) النور : ٣٣ .

(٩) انظر تفسير القرطبي : ج ١٢ ص ٢٤٤ ؛ أسد الغابة ، ابن الأثير : ج ٣ ص ١١؛ الإصابة تمييز الصحابة ، ابن حجر : ج ٢ ص ١٧٦ [ ورد هذا الهامش في الكتاب المطبوع في الصفحة التالية ورقمه في متن هذه الصفحة فأدرجناه هنا تلافياً لهذا الخطأ الفني ] [ الشبكة ] .

٥٢

الاستعمالات القرآنية الكثيرة في ذلك ، وعلى هذا الأساس لا مجال للإشكال والاعتراض على التعبير عن الواحد بلفظ الجمع .

ثانيا : استعمال الجمع وإرادة المفرد سائغ في لغة العرب

إنّ استعمال لفظ الجمع وإرادة الواحد استعمال سائغ في لغة العرب ، وليس استعمالاً مستهجناً ، لا سيّما إذا كان الواحد معظّماً ، كما في قوله تعالى :( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١) ، وقوله تعالى :( وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) (٢) .

ثالثاً : الاعتراض المذكور يتنافى مع الروايات المتواترة

إنّ نفس الاعتراض على التعبير عن الواحد بلفظ الجمع ، يتضمّن أن لا تكون الآية المباركة ـ آية الولاية ـ نازلة بحق علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالخصوص ، وهذا تكذيب ورفض لما تضافر من الروايات من طرق الفريقين في كونها نزلت في حق عليعليه‌السلام ، فقد روى الثعلبي في تفسيره : ( بينما عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم إذ أقبل رجل متعمّم بالعمامة ، فجعل ابن عباس لا يقول : قال رسول الله ، إلاّ قال الرجل : قال رسول الله ؟ فقال ابن عباس : سألتك بالله مَن أنت ؟ قال : فكشف العمامة عن وجهه وقال : يا أيّها الناس ، مَن عرفني فقد عرفني ومَن لم يعرفني فأنا

ـــــــــــــ

(١) الحجر : ٩ .

(٢) السجدة : ١٣ .

٥٣

جندب بن جنادة البدري ، أبو ذر الغفاري : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهاتين وإلاّ صمّتا ، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا ، يقول :علي قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور مَن نصره ، مخذول مَن خذله ، أما إنّي صلّيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً من الأيام صلاة الظهر ، فدخل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللّهمّ اشهد ، إنّي سألت في مسجد رسول الله ، فلم يعطني أحد شيئاً ، وكان علي راكعاً فأومى إليه بخنصره اليمنى ، وكان يتختّم فيها ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا فرغ النبي من الصلاة ، فرفع رأسه إلى السماء وقال :( اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك ، فقال : ( رَبّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ) (١) الآية .

فأنزلت عليه قرآنا ناطقاً : ( سَنَشُدّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً ) (٢) اللّهمّ وأنا محمداً نبيّك وصفيّك ، اللّهمّ فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أشدد به ظهري ) .

قال أبو ذر : فو الله ما استتمّ رسول الله الكلمة حتى أنزل عليه جبرئيل من عند الله ، فقال :يا محمد ، اقرأ ، فقال :وما أقرأ ؟ قال :إقرأ : ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٣) ،(٤) .

وفي الدرّ المنثور أخرج عن الطبري في الأوسط وابن مردويه عن

ـــــــــــــ

(١) طه : ٢٥ ـ ٣١ .

(٢) القصص : ٣٥ .

(٣) المائدة : ٥٥ .

(٤) تفسير الثعلبي : ج ٤ ص ٨٠ ـ ٨١ .

٥٤

عمار بن ياسر قال : ( وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعلمه ذلك فنزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، فقرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أصحابه ، ثم قال :مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه ، وعاد مَن عاداه )(١) .

وأخرج أيضاً عن ابن مردويه عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : ( نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ ) إلى آخر الآية ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدخل المسجد ، جاء والناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي ، فإذا سائل فقال : يا سائل ، هل أعطاك أحد شيئاً ؟ قال : لا ، إلاّ ذاك الراكع ـ لعلي بن أبي طالب ـ أعطاني خاتمه .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل ، قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ ) ، وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله .

وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : إذ نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، ونودي بالصلاة صلاة الظهر ، وخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :أعطاك أحد شيئاً ؟ قال نعم ، قال :من ؟

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٥ .

٥٥

قال : ذاك الرجل القائم ، قال :على أيّ حالٍ أعطاكه ؟ قال : وهو راكع قال :وذلك علي بن أبي طالب ، فكبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذلك وهو يقول :( وَمَن يَتَوَلّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) .

وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي رافع قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو نائم يوحى إليه فاستيقظ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) الحمد لله الذي أتمّ لعلي نعمه ، وهيّأ لعلي بفضل الله إيّاه )(١)

وأخرج هذه الأحاديث أيضاً آخرون(٢) .

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٥ وما بعد .

(٢) أخرج بعض تلك الروايات الطبري في تفسيره : ص ٣٨٩ ـ ٣٩٠ من طريق ابن عباس وعتبة بن حكيم ومجاهد .

وهكذا أخرجها الإسكافي في كتابه المعيار والموازنة : ص ٢٢٨ .

والزمخشري في الكشاف : ج ١ ص ٦٤٩ ، ولم يضعّف الحافظ ابن حجر العسقلاني هذه الروايات في حاشيته على الكشاف مع أنّه ضعّف غيرها .

والواحدي في أسباب النزول : ص ١٣٣ من طريقين ؛ والرازي في تفسيره : مج ٢ ج ١٢ ص ٢٨ عن عطاء عن عبد الله بن سلام وابن عباس وأبي ذر ؛ وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة : ص ١١٧ ـ ١١٨ .

وسبط ابن الجوزي في التذكرة : ص ٢٤ ـ ٢٥ ؛ والخوارزمي في مناقبه : ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥ بطريقين ؛ والقاضي عضد الدين الإيجي في المواقف ج ٣ ص ٦١٤ ؛ وفي الذخائر ص ١٠٢ من طريق الواقدي وابن الجوزي .

وابن كثير في تفسيره ج ٢ ص ٧٤ بطريق عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن طريق ابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل عن ابن جرير الطبري بإسناده عن مجاهد والسدي ، وعن الحافظ عبد الرزاق بإسناده عن ابن عباس وبطريق الحافظ ابن مردويه بالإسناد عن سفيان الثوري عن ابن عباس ، ومن طريق الكلبي عن ابن عباس .

وحديث ابن سعيد الأشج الذي ذكره ابن كثير رواته كلهم ثقات ، فالحديث صحيح على المباني الرجالية =

٥٦

=وأخرجه ابن كثير أيضاً في البداية والنهاية : ج ٧ ص ٣٩٤ ـ ٣٩٥ عن الطبراني بإسناده عن أمير المؤمنين ومن طريق ابن عساكر عن سلمة بن كهيل ؛ والصواعق ، ابن حجر : ص ٦٣ ؛ وأحكام القرآن ، للجصاص : ج ٢ ص ٥٥٨ وقد ذكرها في باب العمل اليسير في الصلاة ، وقال : ( وقوله تعالى : ( ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) يدل على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً ) ، فأرسل ذلك إرسال المسلمات ؛ والآلوسي في روح المعاني : ج ٦ ص ١٦٧ وقال : ( وغالب الأخباريين على أنّها نزلت في علي عليه‌السلام ، وقال في : ج ٦ ص ١٨٦ : ( والآية عند معظم المحدّثين نزلت في علي كرّم الله وجهه ) ؛ والحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث : ص ١٠٢ ؛ والقرطبي في تفسيره : ج ٦ ص ٢٢١ ؛ والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل : ج ١ ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ؛ والزرندي الحنفي في نظم درر السمطين : ص ٨٨؛ والسيوطي في كتابه لباب النقول في أسباب النزول ص ٨١ ، وقال بعد نقل عدة كثيرة من الروايات : ( فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً ) ؛ وفي فتح القدير : ج ٢ ص ٥٣ قال المناوي : ( أخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس ) .

ولحسّان بن ثابت أشعار في ذلك منها قوله :

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً

فدتك نفوس القوم يا خير راكعِ

بخاتمك الميمون يا خير سيّدٍ

ويا خير شارٍ ثمّ يا خير بايعِ

فأنزل فيك الله خير ولايةٍ

فبيّنها في محكمات الشرائعِ

ذكرها الخوارزمي في المناقب : ص ٣٩٦ ؛ وسبط ابن الجوزي في تذكرته : ص ٢٥ ؛ ونظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص ٨٨ .

٥٧

رابعاً : الاعتراض غريب لهم يعهد من الصحابة ولا من التابعين

بعد أن ثبت أنّ الآية نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّ الكثير من الناقلين لهذه الأخبار هم من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتابعين المتصلين بهم زماناً ، وهؤلاء من العرب ، ولم تفسد لغتهم ، ولم تختلط بغيرها من اللغات بحيث أصبحوا لا يميّزون بين الصحيح والسقيم من الاستعمالات اللغوية ، ولو كان هذا الاستعمال لا تبيحه اللغة ، ولا يعهده أهلها ولم تقبله طباعهم لكانوا أحق بالاعتراض عليه ، ولم يؤثر ولم ينقل عن أحد منهم ذلك .

خامساً : جواب الزمخشري

إنّ هذا التساؤل مطروح قديماً ، وقد ردّه مفسّرو أهل السنّة كالزمخشري ، حيث يقول في معرض جوابه عنه : ( فإن قلت : كيف صحّ أن يكون لعليرضي‌الله‌عنه واللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً ؛ ليرغّب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء ، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلى الفراغ منها )(١) .

ـــــــــــــ

(١) الكشاف ، الزمخشري : ج ١ ص ٦٤٩ .

٥٨

الخلاصة

١ – إنّ استعمال لفظ الجمع وإرادة الواحد استعمال سائغ في القرآن في موارد كثيرة .

٢ – استعمال لفظ الجمع وإرادة الواحد استعمال سائغ في لغة العرب ، لا سيّما إذا كان الواحد معظّماً ، كما في قوله تعالى :( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، وقوله تعالى :( وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) .

٣ – إنّ الاعتراض على تعبير الآية بلفظ الجمع وإرادة الواحد ، يعني إنكاراً لما تسالمت وأجمعت عليه الأمة من نزول الآية بحق عليعليه‌السلام .

٤ – إنّ الناقلين للأخبار الواردة في نزول الآية في حق عليعليه‌السلام هم من الصحابة والتابعين والمتصلين بهم ، وهؤلاء من العرب الفصحاء ، فلو كان هذا الاستعمال غير سائغ في اللغة لاعترضوا عليه ، مع أنّه لم ينقل عن أحد منهم ذلك .

٥ – أجاب الزمخشري عن هذا السؤال بأنّ هذا الاستعمال لأجل ترغيب الناس في مثل هذا الفعل من البر والإحسان والحرص عليه والمسارعة إليه ، وعدم تأخيره بحيث إنّ الصلاة أيضاً لا تحول دون فعل الخير إن لزم أمر لا يقبل التأخير .

٥٩

آية الولاية لا تعني الأولى بالتصرّف

الشبهة :

إنّ كلمة المولى في قوله تعالى :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) لا تعني الأولى بالتصرّف ، فلا تدلّ على الإمامة ؟

الجواب :

في مقام الإجابة على ذلك ، ولإثبات أنّ معنى الولي هو الأولى بالتصرّف ، لدينا مديات واسعة للاستدلال وعلى كل المستويات ، سواء على المستوى اللغوي أم على مستوى الاستدلال القرآني أم الروائي .

الاستدلال على المستوى اللغوي :

عند التدبّر فيما ذكره اللغويون من المعاني المتعددة لكلمة المولى ؛ يتجلّى لنا أنّ هذا اللفظ ليس له إلاّ معنى واحد فقط ، وهو الأولى بالشيء ، وتختلف هذه الأولوية بحسب الاستعمال في كل مورد من موارده ، كذلك كلمة الولي لها معنى واحد فقط ، وهو الأولى ، وهذا المعنى الواحد جامع لكل المعاني الأخرى ، من الناصر والمحب و ، ولم يطلق لفظ المولى على شيء منها إلاّ بمناسبة لهذا المعنى ، فالعبد مثلاً أولى بالانقياد لمولاه من غيره ، والجار أولى بالقيام بحفظ حقوق الجوار من البُعداء ، وهكذا .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٥٥ .

٦٠