تذكرة الفقهاء الجزء ١

تذكرة الفقهاء14%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 246412 / تحميل: 9737
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قال : ( ويومين ) قلت : وثلاث؟ قال : ( نعم وما شئت )(١) .

وابتداء المدة عند الشافعي من حين يُحدث اللابس للخفين ، فاذا تطهر بغسل أو وضوء ، ثم أدخل رجليه الخفّين وهما طاهرتان ثم أحدث ، فانه يمسح من وقت ما أحدث يوماً وليلة أو ثلاثة أيام(٢) ، لأنّ في حديث صفوان ابن عسّال : من الحدث إلى الحدث(٣) .

وقال الأوزاعي ، وأحمد ، وأبو ثور ، وداود : إبتداء المدة من حين يمسح على الخفّين(٤) ، لما رووه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( يمسح المسافر ثلاثة أيام )(٥) وهو يقتضي أن يكون ابتداء المدة من حين المسح.

فاذا انقضت المدة ، قال الشافعي : لم يجز له أن يصلّي بالمسح ، وعليه نزع الخفّين وغسل الرجلين ، لأنّ الواجب غسل الرجلين قام مقامه

__________________

١ ـ سنن ابي داود ١ : ٤٠ / ١٥٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٨٥ / ٥٥٧ ، سنن الدارقطني ١ : ١٩٨ / ١٩ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٠.

٢ ـ الاُم ١ : ٣٥ ، مختصر المزني : ٩ ، المجموع ١ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٢ : ٣٩٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٣١ ، مغنى المحتاج ١ : ٤٦ ، الوجيز ١ : ٢٤ ، السراج الوهاج : ١٩ ، التفسير الكبير ١١ : ١٦٣.

٣ ـ اتفقت المصادر الحديثية التالية على عدم ذكر لفظة ( من الحدث إلى الحدث ) في ذيل الحديث ، ويؤيد ذلك قول النووي في المجموع ١ : ٤٨٧ من انها زيادة غريبة ليست ثابتة اُنظر سنن ابن ماجة ١ : ١٦١ / ٤٧٨ ، سنن الترمذي ١ : ١٥٩ / ٩٦ ، سنن النسائي ١ : ٨٣ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٤١ ـ ٤٢ / ١٢٢ ، مسند أحمد ٤ : ٢٣٩ ، و ٢٤٠ ، سنن الدارقطني ١ : ١٩٦ / ١٥ ، مسند الطيالسي : ١٦٠ ، موارد الظمآن : ٧٣ / ١٨٦ ، المحرر في الحديث ١ : ١١٢ / ٦٧.

٤ ـ المحرر في الفقه ١ : ١٢ ، المجموع ١ : ٤٨٧ ، شرح العناية ١ : ١٣١.

٥ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٣٢ / ٢٧٦ ، سنن ابي داود ١ : ٤٠ / ١٥٧ ، سنن ابن ماجة ، ١ : ١٨٣ / ٥٥٢ ، سنن النسائي ١ : ٨٤ ، سنن الترمذي ١ : ١٥٨ / ٩٥ ، سنن الدارقطني ١ : ١٩٤ / ١ ، سنن البيهقي ١ : ٢٧٨.

١٨١

مسح الخفّين في المدة ، فاذا انقضت لم يجز إلّا بدليل(١) .

وقال الحسن البصري : لا يبطل المسح ، ويصلي إلى أن يحدّث ، فاذا أحدث لم يمسح(٢) .

وقال داود : يجب نزع الخفّين ولا يصلّي فيهما ، فاذا نزع الخفّين صلّى بطهارته إلى أن يحدّث ، لأنّ الطهارة قد صحت فلا تبطل إلّا بالحدث ، وانقضاء المدة ليس بحدث(٣) .

قال الشافعي : لو لبس ثم سافر قبل أن يحدّث ، ثم أحدث في السفر ومسح ، فانه يمسح مسح مسافر ، وإن سافر بعد ما أحدث وقبل أن يمسح ومسح في السفر فإنه يتمّ مسح مسافر أيضاً(٤) ، وقال المزني : يتمّ مسح مقيم لأنّه قد اجتمع الحضر والسفر في وقت المسح(٥) .

ولو أحدث في وقت الصلاة ولم يمسح حتى خرج وقتها ، ثم سافر ، قال أبوإسحاق : يمسح مسح مقيم ، لأنّ خروج وقت الصلاة كالتلبس بها في وجوب إتمامها ، فكذا في المسح(٦) ، وقال أبو علي بن أبي هريرة : يمسح مسح مسافر ، لأنّه سافر قبل التلبس بالمسح فكان كما لو سافر في الوقت(٧) .

ولو أحدث ومسح في الحضر ثم سافر ، فانه يتمّ مسح مقيم ، عنه

__________________

١ ـ المجموع ١ : ٥٢٦ ، مغني المحتاج ١ : ٦٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٢ ، المحلى ٢ : ٩٤.

٢ ـ المجموع ١ : ٥٢٧ ، المغني ١ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٠٣ ، المحلى ٢ : ٩٤.

٣ ـ المجموع ١ : ٥٢٧ ، المغني ١ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٠٣ ، المحلى ٢ : ٩٤.

٤ ـ الاُم ١ : ٣٥ ، المجموع ١ : ٤٨٨ ، فتح العزيز ٢ : ٣٩٩ ، الوجيز ١ : ٢٤.

٥ ـ المجموع ١ : ٤٨٨ ، فتح العزيز ٢ : ٣٩٩.

٦ ـ فتح العزيز ٢ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢٧.

٧ ـ المجموع ١ : ٤٨٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢٧.

١٨٢

الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، لأنّها عبادة تتغير بالسفر والحضر ، فاذا تلبس بها في الحضر ثم سافر ، كان الاعتبار بحكم الحضر ، كالصلاة إذا تلبس في الحضر ثم سارت السفينة ، فإنه يتمّ صلاة حاضر(١) .

وقال أبو حنيفة ، والثوري : يتمّ مسح مسافر(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن )(٣) وهذا مسافر.

ولو ابتدأ المسح في السفر ثم أقام ، فإنه يتمّ مسح مقيم عند الشافعي ، وأبي حنيفة ، لأنّها عبادة تتغير بالحضر والسفر ، فاذا اجتمعا غلب حكم الحضر كالصلاة(٤) .

وقال المزني : إذا مسح يوماً وليلة في السفر ثم أقام مسح ثلث يومين وليلتين ، وهو ثلثا يوم وليلة ، وإن مسح يومين ، وليلتين في السفر ثم أقام مسح ثلث يوم وليلة(٥) ، لأنّه لو مسح في السفر ثم أقام في الحال مسح يوماً وليلة ، وذلك ثلث ما كان له مسحه ، كذا هنا إذا مضى بعض المدة ينبغي أن يمسح ثلث ما بقي له.

وإذا نزع الخفّين أو أحدهما ، وهو على طهارة ، إمّا قبل انقضاء المدة

__________________

١ ـ الاُم ١ : ٣٥ ، المجموع ١ : ٤٨٨ ، الوجيز ١ : ٢٤ ، مغني المحتاج ١ : ٦٤ ـ ٦٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٣١ ، المغني ١ : ٣٢٨ ، الشرح الكبير ١ : ١٩٠.

٢ ـ المبسوط للسرخسي ١ : ١٠٣ ـ ١٠٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٢٩ ، الكفاية ١ : ١٣٧ ، اللباب ١ : ٣٩ ، المجموع ١ : ٤٨٨ ، فتح العزيز ٢ : ٤٠٠ ، المغني ١ : ٣٢٨.

٣ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٣٢ / ٢٧٦ ، سنن النسائي ١ : ٨٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٨٤ / ٥٥٦ ، سنن الدارمي ١ : ١٨١ ، سنن البيهقي ١ : ٢٧٦ ، سنن الدارقطني ١ : ١٩٧ / ١٨ ، مسند حميدي ١ : ٢٠٧ / ٤٣٤.

٤ ـ مختصر المزني : ٩ ، المجموع ١ : ٤٨٩ ، فتح العزيز ٢ : ٤٠١ ، الوجيز ١ : ٢٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٣١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٠٤ ، اللباب ١ : ٣٩ ، المغني ١ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ١ : ١٩٠.

٥ ـ المجموع ١ : ٤٩٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤٠١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢٧.

١٨٣

أو بعدها فعليه غسل الرجلين عند الشافعي(١) ، وفي استئناف الوضوء قولان ، أصحهما عنده : عدم الوجوب ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك ، والثوري ، وأبو ثور ، والمزني ، لأنّ مسح الخفّين ناب عن غسل الرجلين خاصة فظهورهما يبطل به ما ناب عنهما دون غيرهما(٢) .

والثاني : يستأنف ، وبه قال الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، لأنّه لما بطل الوضوء في الرجلين بنزع الخفّين يبطل في جميع الطهارة ، لأنّها لا تتبعض(٣) .

وقال مالك ، والليث بن سعد : يغسل قدميه مكانه ، فإن أخر استأنف الطهارة ، لوجوب الموالاة ، وهي معتبرة بين المسح والغسل(٤) .

وقال الزهري : إذا نزع أحد الخفّين غسل القدم الذي نزع الخف منه ومسح الآخر(٥) .

والباقون على أن نزع أحدهما كنزعهما(٦) .

ولو أخرج رجله إلى ساق الخف فهو كخلعه ، وبه قال إسحاق ،

__________________

١ ـ المجموع ١ : ٥٢٣ ، مختصر المزني : ١٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢٩.

٢ ـ المجموع ١ : ٥٢٤ ـ ٥٢٦ ، مختصر المزني : ١٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤٠٤ ، فتح الباري ١ : ٢٤٨ ، اللباب ١ : ٣٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢ ، تفسير القرطبي ٦ : ١٠٣ ، المغني ١ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

٣ ـ الاُم ١ : ٣٥ ، مختصر المزني : ١٠ ، المجموع ١ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧ ، فتح العزيز ٢ : ٤٠٤ ، فتح الباري ١ : ٢٤٨ ، تفسير القرطبي ٦ : ١٠٣ ، المغني ١ : ٣٢٤ ، الشرح الكبير ١ : ٢٠٢.

٤ ـ بداية المجتهد ١ : ٢٢ ، بُلغة السالك ١ : ٥٩ ، تفسير القرطبي ٦ : ١٠٣ ، المجموع ١ : ٥٢٧ ، فتح الباري ١ : ٢٤٨ ، المغني ١ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٠٢.

٥ ـ المجموع ١ : ٥٢٧ ، المغني ١ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٠٣.

٦ ـ المجموع ١ : ٥٢٧ ، المغني ١ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٠٣.

١٨٤

وأحمد ، وأصحاب الرأي ، ومالك ، والثوري ، لأنّ استقرار الرجل في الخف شرط جواز المسح ، فانه لو أحدث قبل استقراره لم يكن له المسح(١) .

وقال الشافعي : لا يبطل المسح ما لم يخرج من الساق(٢) .

وهذه الفروع كلها ساقطة عندنا ، لأنّا نحرم المسح على الخفين.

البحث السادس : في الترتيب والموالاة

مسألة ٥٥ : الترتيب واجب في الوضوء وشرط في صحته ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وأوجبه أيضاً الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد(٣) لقوله تعالى :( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) (٤) ، جعل المرافق غاية الغسل ، وكذا الكعبان جعلهما غاية المسح.

ولأنّ الفراء قال : الواو تفيد الترتيب(٥) ولقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إبدأوا بما بدأ الله به وبالميامن )(٦) ولأنّه توضأ مرّة مرة مرتباً ثم قال : ( هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلّا به )(٧) .

__________________

١ ـ بدائع الصنائع ١ : ١٣ ، المجموع ١ : ٥٢٨ ، بُلغة السالك ١ : ٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٥٩ ، المغني ١ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٠٤.

٢ ـ المجموع ١ : ٥٢٧ ، الاُم ١ : ٣٦ ، المحلى ٢ : ١٠٦ ، المغني ١ : ٣٢٦.

٣ ـ التفسير الكبير ١١ : ١٥٣ ، الاُم ١ : ٣٠ ، المجموع ١ : ٤٤٣ ، مغني المحتاج ١ : ٥٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٥٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٣ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٦٠ ، المغني ١ : ١٥٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٧ ، الشرح الكبير ١ : ١٤٩.

٤ ـ المائدة : ٦.

٥ ـ مغني اللبيب ١ : ٤٦٤.

٦ ـ سنن الدارقطني ٢ : ٢٥٤ / ٨١ ، ٨٢ ، الدر المنثور ١ : ١٦٠ ، الجامع الصغير ١ : ٨٥ / ٥٣٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٤١ / ٤٠٢ ، سنن ابي داود ٤ : ٧٠ / ٤١٤١ ، مسند أحمد ٢ : ٣٥٤.

٧ ـ سنن ابن ماجة ١ : ١٤٥ / ٤١٩ ، سنن البيهقي ١ : ٨٠ ، سنن الدارقطني ١ : ٨٠ / ٤.

١٨٥

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « تابع ، كما قال الله تعالى ، إبدأ بالوجه ، ثم باليدين ، ثم امسح الرأس والرجلين »(١) ولأنّه المُخرج عن العهدة بيقين ، بخلاف غيره فيتعين.

وقال الأوزاعي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والمزني ، وداود : لا يجب الترتيب ، ونقله الجمهور عن عليعليه‌السلام ، وابن مسعود ، ومن التابعين عن سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وعطاء ، والزهري ، والنخعي(٢) ، ومكحول ، لأنّ الواو تفيد الجمع من غير ترتيب(٣) ، ولأنّه قول عليعليه‌السلام (٤) .

والآية لا تنافي الترتيب ، فيصار إليه للدليل لو سلّمنا أن الواو للجمع المطلق

والمروي عن عليعليه‌السلام خلاف ما نقلوه ، أما عندنا فظاهر ، وأما عندهم فلأنّهم رووا أن علياًعليه‌السلام سئل فقيل : أحدنا يستعجل فيغسل شيئاً قبل شيء فقال : « لا ، حتى يكون كما أمر الله تعالى »(٥) .

فروع :

أ ـ يبدأ بوجهه بلا خلاف بين المشترطين ، ثم بيديه ، ثم يمسح

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٣٤ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٨ / ٨٩ ، الاستبصار ١ : ٧٣ / ٢٢٣ ، التهذيب ١ : ٩٧ / ٢٥١.

٢ ـ إلى هنا ينتهي السقط في النسخة ( ش ).

٣ ـ المجموع ١ : ٤٤٣ ، فتح العزيز ١ : ٣٦١ ، التفسير الكبير ١ : ١٥٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢ ـ ١٣ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٥٥ ، فتح القدير ١ : ٣٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢١ ـ ٢٢ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٦٠ ، بدايد المجتهد ١ : ١٧ ، اللباب ١ : ١١ ، بُلغة السالك ١ : ٤٧ ، الشرح الصغير ١ : ٤٧ ، تفسير القرطبي ٦ : ٩٨ ، ٩٩ ، مقدمات ابن رشد ١ : ٥٤ ، المحلى ٢ : ٦٧ ، الشرح الكبير ١ : ١٤٩ ، المغني ١ : ١٥٦ ، سبل السلام ١ : ٧٥.

٤ ـ المغني ١ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ١٤٩.

٥ ـ الشرح الكبير ١ : ١٤٩ ، المغني ١ : ١٥٧.

١٨٦

رأسه ، ثم رجليه ، واختلفوا في اليدين ، فعند علمائنا أجمع ـ وبه قال أحمد(١) ـ تقديم اليمنى على اليسرى واجب ، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اذا توضأتم فابدأوا بميامنكم )(٢) والأمر للوجوب.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين ، قال : « يغسل اليمين ويعيد الشمال »(٣) والباقون لم يوجبوه.

ب ـ لا يجب الترتيب في الرجلين على الاظهر ، فيجوز مسحهما دفعة والبدأة باليسار ، لكن الأفضل البدأة باليمين لقولهعليه‌السلام : ( إنّ الله يحب التيامن )(٤) .

ج ـ لو نكس الوضوء صحّ غسل الوجه ، فإن نكس ثانياً صحت اليمنى ، فإن نكس ثالثاً صحت اليسرى ما دامت النيّة والموالات.

د ـ لو غسل أعضاء‌ه دفعة حصل بالوجه ، وكذا لو غسّله أربعة دفعة لعجزه ، وللشافعي قول بالجواز لأنّه لم يقدم على الوجه شيئاً(٥) .

هـ ـ لو كان في ماءً جار وتعاقبت عليه جريات ثلاث صحت الأعضاء المغسولة ، ولو نزل في الماء الواقف ناوياً فانغسلت الأعضاء دفعة حصل بالوجه ، فإن أخرج أعضاء‌ه مرتبا حصل باليدين أيضاً ، ولو لم يرتّب حصل

__________________

١ ـ التفسير الكبير ١١ : ١٥٩ ، ١٦٠ ، فتح العزيز ١ : ٤٢١.

٢ ـ سنن ابن ماجة ١ : ١٤١ / ٤٠٢ ، مسند أحمد ٢ : ٣٥٤ ، الجامع الصغير ١ : ٨٥ / ٥٣٩.

٣ ـ التهذيب ١ : ٩٧ / ٢٥٣ ، الاستبصار ١ : ٧٣ / ٢٢٥.

٤ ـ عوالي اللآلي ٢ : ٢٠٠ / ١٠١ ، وفي شرح فتح القدير ١ : ٣١ ، قال : وهو معنى ما روى الستة عن عائشة : كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب التيامن في كلّ شيء حتى في طهوره وتنعله وترجله وشأنه كله.

٥ ـ المجموع ١ : ٤٤٧ ، فتح العزيز ١ : ٣٦٢.

١٨٧

بالوجه نزولاً ، وباليمنى خروجاً.

و ـ لو غسل عضوا قبل الوجه بطل ، أما الوجه فإن عزبت النيّة حال غسله بطل أيضاً ، وإلّا فلا.

ز ـ لو أخل بالترتيب ناسياً بطل وضوؤه ، وللشافعي وجهان(١) ، ولو كان عامدا أعاد مع الجفاف وإلّا على ما يحصل معه الترتيب.

مسألة ٥٦ : الموالاة واجبة في الوضوء عند علمائنا أجمع ، وهو القول القديم للشافعي في الوضوء والغسل معاً ـ وبه قال قتادة ، والأوزاعي(٢) ـ وأحمد بن حنبل وافقه في الوضوء خاصة(٣) ، لأنّ الأمر للفور خصوصا مع إيجاب التعقيب بالفاء ، ولأنّهعليه‌السلام تابع بين وضوئه وقال : ( هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلّا به )(٤) .

ورووا أنّهعليه‌السلام رأى رجلاً يصلّي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبّه الماء ، فأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة(٥) ، ولولا اشتراط الموالاة لاجزأه غسل اللمعة.

ومن طريق الخاصة : سأل معاوية بن عمار الصادقعليه‌السلام : ربما توضأت ونفد الماء ، فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء ، فيجف وضوئي ، قال : « أعد »(٦) .

__________________

١ ـ المجموع ١ : ٤٤١ ، فتح العزيز ١ : ٣٦٢.

٢ ـ المجموع ١ : ٤٥٢ ـ ٤٥٥ ، فتح العزيز ١ : ٤٣٨ ، مغني المحتاج ١ : ٦١ ، السراج الوهاج : ١٨ ، المغني ١ : ١٥٨ ، الشرح الكبير ١ : ١٥٠ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٥٦ ، نيل الأوطار ١ : ٢١٨.

٣ ـ المغني ١ : ١٥٨ ، الشرح الكبير ١ : ١٥٠.

٤ ـ سنن ابن ماجة ١ : ١٤٥ / ٤١٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٨٠ / ٤ ، سنن البيهقي ١ : ٨٠.

٥ ـ سنن أبي داود ١ : ٤٥ / ١٧٥ ، سنن البيهقي ١ : ٨٣ ، مسند أحمد ٣ : ٤٢٤.

٦ ـ الكافي ٣ : ٣٥ / ٨ ، التهذيب ١ : ٨٧ / ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٧٢ / ٢٢١.

١٨٨

وقال مالك ، والليث بن سعد : إنّ تعمد التفريق بطلت طهارته ، وإن كان لعذر جاز في قول مالك ما لم يجف العضو ، والعذر انقطاع الماء(١) .

وقال الشافعي في الجديد : يجوز التفريق ، وبه قال سعيد بن المسيب ، والنخعي ، والحسن البصري ، وعطاء ، وطاووس ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، لأنّه تعالى لم يوجب الموالاة(٢) .

فروع :

أ ـ اختلف علماؤنا في تفسير الموالاة ، فقال المرتضى والشيخ : إنّها المتابعة ، فإذا فرغ من عضو انتقل عنه إلى ما بعده وجوباً(٣) ، ولهما قول آخر : اعتبار الجفاف ، فإذا غسل عضواً جاز أن يؤخر التالي له ما لم يجف(٤) .

وعلى كلا القولين ، لو أخر حتى يجف السابق استأنف الوضوء ، ولو لم يجف لم يستأنف ، بل فعل محرماً على الأول خاصة ، والأقوى عندي الأول ، لقول الصادقعليه‌السلام : أتبع وضوء‌ك بعضه بعضا(٥) .

__________________

١ ـ المدونة الكبرى ١ : ١٥ ، بداية المجتهد ١ : ١٧ ، تفسير القرطبي ٦ : ٩٨ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٥٨١ ، مقدمات ابن رشد ١ : ٥٤ ، الشرح الصغير ١ : ٤٤ ، المجموع ١ : ٤٥٥ ، المغني ١ : ١٥٨ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ١٥٠.

٢ ـ الاُم ١ : ٣١ ، المجموع ١ : ٤٥٢ و ٤٥٤ ، السراج الوهاج : ١٨ ، مختصر المزني : ٣ ، الوجيز ١ : ١٤ مغني المحتاج ١ : ٦١ ، فتح العزيز ١ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ١ : ١٥٠ ، التفسير الكبير ١١ : ١٥٥ ، بداية المجتهد ١ : ١٧ ، تفسير القرطبي ٦ : ٩٨ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٥٨١ ، نيل الأوطار ١ : ٢١٨ ، المحلى ٢ : ٦٩.

٣ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٣ ، الخلاف ١ : ٩٣ مسألة ٤١ ، وحكى المحقق في المعتبر : ٤١ قول السيد المرتضى عن المصباح.

٤ ـ الناصريات : ٢٢١ ، مسألة ٣٣ ، الجمل والعقود : ١٥٩.

٥ ـ الكافي ٣ : ٣٤ / ٤.

١٨٩

ب ـ لو أخر لعذر أو لأنّقطاع ماءٍ جاز على القولين ، فإن جفّ السابق أعاد عليهما.

ج‍ ـ هل يشترط في الموالاة عدم جفاف السابق ، أو جميع ما تقدم من الاعضاء؟ الأقوى الثاني ، لقول الصادقعليه‌السلام في الرجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة ، قال : « إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل »(١) .

د ـ لو نذر الوضوء وجبت الموالاة ، فإن أخل بها ، فالأقرب صحة الوضوء ووجوب الكفارة.

المطلب الثاني : في مندوباته.

وهي عشرة :

أ ـ السواك : وقد أجمع العلماء(٢) إلّا داود(٣) على استحبابه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لولا أن أشقّ على اُمتى لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة )(٤) ، وللأصل ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٨٩ / ٢٣٥ ، الاستبصار ١ : ٧٤ / ٢٢٩.

٢ ـ الاُم ١ : ٢٣ ، المجموع ١ : ٢٧١ ، التفسير الكبير ١١ : ١٥٧ ، المغني ١ : ١٠٨ ، فتح العزيز ١ : ٣٦٥ ، بدائع الصنائع ١ : ١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٥٥ ، مقدمات ابن رشد ١ : ٥٦ ، بُلغة السالك ١ : ٤٨ ، الشرح الصغير ١ : ٤٨ ، عمدة القارئ ٣ : ١٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، شرح فتح القدير ١ : ٢٢ ، نيل الأوطار ١ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، المحلى ٢ : ٢١٨.

٣ ـ المجموع ١ : ٢٧١ ، المغني ١ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ١٣١ ، التفسير الكبير ١١ : ١٥٧ ، نيل الأوطار ١ : ١٢٦.

٤ ـ صحيح البخاري ٢ : ٥ ، صحيح مسلم ١ : ٢٢٠ / ٢٥٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٠٥ / ٢٨٧ ، سنن ابي داود ١ : ١٢ / ٤٧ ، سنن النسائي ١ : ١٢ ، سنن البيهقي ١ : ٣٧ ، الكافي ٣ : ٢٢ / ١.

١٩٠

يكثر السواك »(١) وليس بواجب ، وهو من العشرة الحنيفية(٢) .

وكذا المضمضة والاستنشاق ، وقصّ الشارب والفرق ، والاستنجاء ، والختان ، وحلق العانة ، وقصّ الاظفار ، ونتف الابطين.

واستحبابه متأكد ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خشيت أن أحفي(٣) أو أدرد(٤) )(٥) وقال عليعليه‌السلام : « إنّ أفواهكم طرق القرآن ، فطهروها بالسواك »(٦) وقال الباقر ، والصادقعليهما‌السلام : « صلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك »(٧) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « في السواك اثنتا عشرة خصلة : هو من السنة ، ومطهرة للفم ، ومجلاة للبصر ، ويرضي الرحمن ، ويبيض الأسنان ، ويذهب بالحفر(٨) ويشد اللثة ، ويشهي الطعام ، ويذهب بالبلغم ، ويزيد في الحفظ ، ويضاعف الحسنات ، وتفرح به الملائكة »(٩) .

وهو مستحب في كلّ وقت ، للمفطر والصائم ، أول النهار وآخره ، بالرطب واليابس ، للعموم(١٠) . وبه قال أبو حنيفة(١١) .

__________________

١ ـ الفقيه ١ : ٣٣ / ١١٧ ، المحاسن : ٥٦٣ / ٩٦٠ ، مكارم الأخلاق : ٤٩.

٢ ـ الفقه المنسوب للامام الرضاعليه‌السلام : ٦٦ ، الخصال ١ : ٢٧١ / ١١ ، تفسير القمي ١ : ٥٩.

٣ ـ الحفاوة : المبالغة والاستقصاء. النهاية لابن الاثير ١ : ٤١٠ ، الصحاح ٦ : ٢٣١٦ « حفا ».

٤ ـ رجل أدرد : ليس في فمه سن. الصحاح ٢ : ٤٧٠ « درد ».

٥ ـ الكافي ٦ : ٤٩٥ / ٣ ، الفقيه ١ : ٣٢ / ١٨٠ ، المحاسن : ٥٦٠ / ٩٤٠.

٦ ـ الفقيه ١ : ٣٢ / ١١٢.

٧ ـ الفقيه ١ : ٣٣ / ١١٨ ، مكارم الاخلاق : ٥٠ ، وعن الامام الصادقعليه‌السلام في الكافي ٣ : ٢٢ / ١.

٨ ـ الحفر : داء في اصول الاسنان. الصحاح ٢ : ٦٣٥ « حفر ».

٩ ـ الكافي ٦ : ٤٩٦ / ٦ ، الفقيه ١ : ٣٤ / ١٢٦ ، الخصال ٢ : ٤٨١ ، ثواب الأعمال : ٣٤ / ١ ، المحاسن : ٥٦٢ / ٩٥٣.

١٠ ـ صحيح البخاري ٢ : ٥ ، سنن النسائي ١ : ١٠ ـ ١٢ ، سنن الترمذي ١ : ٣٤ / ٢٢ ـ ٢٣ ، سنن البيهقي ١ : ٣٤ ـ ٣٧.

١١ ـ بدائع الصنائع ١ : ١٩ ، فتح العزيز ١ : ٣٦٥.

١٩١

وقال الشافعي : يكره بعد الزوال مطلقاًً(١) وقال مالك : إن كان السواك رطباً كره ، وإلّا فلا(٢) ، وقال أحمد : يكره في الفرض دون النفل(٣) .

ب ـ وضع الإناء على اليمين إنّ كانت مما يغترف منها ، لأنّه أمكن.

ج ـ الاغتراف باليمين ، لأنّهعليه‌السلام كان يحب التيامن في طهوره ، وتنعله وشأنه كله(٤) ، ولأنّ الباقرعليه‌السلام لما وصف وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره(٥) .

د ـ التسمية ، ذهب إليه أكثر العلماء(٦) ، لأنّه تعالى عقب القيام بالغسل ، وللأصل ، ولأنّهعليه‌السلام قال : ( من توضأ فذكر اسم الله عليه كان طهورا لجميع بدنه ، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله تعالى عليه كان طهوراً لاعضاء وضوئه )(٧) ومعناه الطهارة من الذنوب ، فإن رفع الحدث لا يتبعض ، فدل على أن التسمية موضع الفضيلة.

____________

١ ـ الاُم ٢ : ١٠١ ، المجموع ١ : ٢٧٥ ، مختصر المزني : ٥٩ ، فتح العزيز ١ : ٣٦٥ و ٦ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ ، مغني المحتاج ١ : ٥٦ ، السراج الوهاج : ١٧ ، الوجيز ١ : ١٣ ، المغني ١ : ١١٠ ، نيل الأوطار ١ : ١٢٧ و ١٣١.

٢ ـ المدونة الكبرى ١ : ٢٠١ ، بُلغة السالك ١ : ٤٨.

٣ ـ فتح العزيز ٦ : ٤٢٣.

٤ ـ صحيح البخاري ١ : ٥٣ ، صحيح مسلم ١ : ٢٢٦ / ٢٦٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٤١ / ٤٠١ ، سنن النسائي ١ : ٢٠٥.

٥ ـ الكافي ٣ : ٢٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ٥٦ / ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٨.

٦ ـ المجموع ١ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ١ : ٣٧٣ ، مغني المحتاج ١ : ٥٧ ، كفاية الأخيار ١ : ١٤ ، التفسير الكبير ١١ : ١٥٧ ، الاُم ١ : ٣١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٥٥ ، اللباب ١ : ٩ ، بُلغة السالك ١ : ٤٧ ، الشرح الصغير ١ : ٤٧ ، المغني ١ : ١١٤ ، الشرح الكبير ١ : ١٤١ ، عمدة القارئ ٢ : ٢٦٩.

٧ ـ سنن الدارقطني ١ : ٧٤ / ١٣ ، سنن البيهقي ١ : ٤٤.

١٩٢

و من طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل »(١) ، ولأنّ العبادة إن لم يكن في آخرها نطق واجب ، لم كن في أولها كالصوم.

وقال أحمد في إحدى الروايتين : إنّها واجبة ، فإن تركها عمداً بطلت طهارته ، وسهوا لا تبطل ـ وبه قال إسحاق بن راهويه(٢) ـ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه )(٣) وهو محمول على السنة أو الفضيلة ، إذ نفي الحقيقة ممتنع.

وصورتها ما قال الصادقعليه‌السلام : « إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، فإذا فرغت فقل : الحمد لله رب العالمين »(٤) .

فرعان :

الأول : لو نسي التسمية في الابتداء فعلها في الاثناء ، كما لو نسيها في ابتداء الاكل يأتي بها في أثنائه.

الثاني : لو تركها عمداً ففي مشروعية التدارك في الاثناء احتمال.

هـ ـ غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ، من حدث النوم والبول مرّة ، ومن الغائط مرتين ، ومن الجنابة ثلاثاً ، وليس واجباً عند علمائنا أجمع ،

__________________

١ ـ الفقيه ١ : ٣١ / ١٠١ ، التهذيب ١ : ٣٥٨ / ١٠٧٣ ، الاستبصار ١ : ٦٧ / ٢٠٣.

٢ ـ التفسير الكبير ١١ : ١٥٧ ، المجموع ١ : ٣٤٦ ، نيل الأوطار ١ : ١٦٧ ، سبل السلام ١ : ٨٠ ، كفاية الأخيار ١ : ١٤ ، عمدة القارئ ٢ : ٢٦٩ ، المغني ١ : ١١٤ ، الشرح الكبير ١ : ١٤٠.

٣ ـ سنن ابن ماجة ١ : ١٤٠ / ٣٩٨ ، سنن ابي داود ١ : ٢٥ / ١٠١ ، سنن الدارقطني ١ : ٧٢ ـ ٧٣ / ٥ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٤٦.

٤ ـ التهذيب ١ : ٧٦ / ١٩٢ ، وفيه عن الامام الباقرعليه‌السلام .

١٩٣

وأكثر أهل العلم(١) ، لقوله تعالى :( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ) (٢) ولم يذكر غسلهما ، وللأصل ، وسأل محمد بن مسلم أحدهماعليهما‌السلام عن الرجل يبول ولم تمس يده شيئاً أيغمسها في الماء؟ قال : « نعم »(٣) .

وقال داود : إذا قام من نوم الليل فلا يجوز له غمس يديه في الإناء حتى يغسلهما ، ولا يجب غسلهما ، لأنّه لو صب الماء في يده وتوضأ ولم يغسل يديه أجزأه(٤) .

وقال أحمد في إحدى الروايتين : إذا قام من نوم الليل وجب عليه أن يغسل يديه ثلاثاً ، فإن غمسهما في الماء قبل أن يغسلهما أراق الماء ، وهو محكي عن الحسن البصري(٥) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلهما ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يده )(٦) وهو محمول على الاستحباب، وأصحاب ابن مسعود أنكروا على أبي هريرة الراوي فقالوا : فما تصنع بالمهراس؟!(٧) (٨) .

__________________

١ ـ المجموع ١ : ٣٥٠ ، فتح العزيز ١ : ٣٩٤ ، كفاية الأخيار ١ : ١٤ ، مغني المحتاج ١ : ٥٧ ، الميزان ١ : ١١٦ ، السراج الوهاج : ١٧ ، تفسير الرازي ١١ : ١٥٧ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٥ ، فتح الباري ١ : ٢٩٧ ، شرح فتح القدير ١ : ١٨ ، المغني ١ : ١١٠ ، بداية المجتهد ١ : ٩ ، بُلغة السالك ١ : ٤٦.

٢ ـ المائدة : ٦.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٢ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦ / ٩٨ ، الاستبصار ١ : ٥٠ / ١٤٣.

٤ ـ المجموع ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ١ : ١١٥.

٥ ـ حلية العلماء ١ : ١١٥ ، المجموع ١ : ٣٥٠ ، فتح العزيز ١ : ٣٩٥ ، نيل الأوطار ١ : ١٧١ ، بداية المجتهد ١ : ٩ ، المغني ١ : ١١٠ ـ ١١٢ ، الشرح الكبير ١ : ١٤٢.

٦ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٣٣ / ٢٧٨ ، سنن ابي داود ١ : ٢٥ / ١٠٣ ، سنن النسائي ١ : ٦ ، مسند أحمد ٢ : ٢٤١ و ٢٥٣ و ٢٥٩.

٧ ـ المهراس : هو حجر منقور يدق فيه ويتوضأ منه. الصحاح ٣ : ٩٩٠ « هرس ».

٨ ـ مسند أحمد ٢ : ٣٨٢.

١٩٤

فروع :

أ ـ لا فرق بين نوم الليل والنهار في الاستحباب ، لثبوت المقتضي فيهما ، وسوّي الحسن بين نوم الليل والنهار في الوجوب(١) ، وقال أحمد : يجب من نوم الليل دون النهار ، لأنّ المبيت يكون في الليل(٢) .

ب ـ الظاهر أن اليد من الكوع(٣) ، لأنّه المراد في التيمم وفي الدية.

ج‍ ـ غمس بعضها كغمس جميعها ، لاتحادهما في المقتضي ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، والاُخرى بالجواز في البعض ، وبه قال الحسن البصري لتناول النهي غمس الجميع(٤) ، وغمسها بعد المرة في الغائط كقبلها.

د ـ لا فرق بين كون اليد مطلقة أو مشدودة ، وكون النائم مسرولا أو لا.

هـ ـ هذا الخطاب للمكلّف المسلم ، أما الصبي والمجنون فلا ، لعدم توجه الخطاب إليهما ، وأما الكافر فلأنّ الماء ينجس بمباشرته ، وعن أحمد روايتان إحداهما : أن هولاء كالبالغ العاقل المسلم ، لأنّه لا يدري أين باتت يده(٥) .

و ـ الحكم معلق على مطلق النوم ، وقال بعض الحنابلة : على الزائد على نصف الليل(٦) .

__________________

١ ـ المغني ١ : ١١١.

٢ ـ المغني ١ : ١١١ ، الشرح الكبير ١ : ١٤٢ ، كشاف القناع ١ : ٩٢ ، الإنصاف ١ : ١٣٠.

٣ ـ الكوع : طرف الزند الذي يلي الإبهام. الصحاح ٣ : ١٢٧٨ « كوع ».

٤ ـ المغني ١ : ١١٢.

٥ ـ المغني ١ : ١١٣.

٦ ـ وهو ابن عقيل كما في المغني ١ : ١١٣.

١٩٥

ز ـ في افتقاره إلى النيّة وجهان ، من حيث إنّها عبادة ، أو لتوهم النجاسة.

و ـ المضمضة والاستنشاق ، وليسا بواجبين في الوضوء والغسل ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، والزهري ، وربيعة ، والأوزاعي(١) ، لأنّه تعالى عقب غسل الوجه ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( عشر من الفطرة ـ وعدّ ـ المضمضة والاستنشاق )(٢) والفطرة : السُنة.

ومن طريق الخاصة ، قول الصادقعليه‌السلام : « ليس عليك مضمضة ولا استنشاق إنّهما من الجوف »(٣) وقولهعليه‌السلام : « المضمضة والاستنشاق مما سنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٤) .

وقال أحمد ، وإسحاق ، وابن أبي ليلى : هما واجبان فيهما(٥) ، لأنّ عائشة روت قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّهما من الوضوء الذي لا بدّ منه )(٦) .

____________

١ ـ المجموع ١ : ٣٦٢ ، فتح العزيز ١ : ٣٩٦ ، كفاية الأخيار ١ : ١٥ ، التفسير الكبير ١١ : ١٥٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٠ ، الشرح الصغير ١ : ٤٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٦٢ ، عمدة القارئ ٣ : ٨ ، المغني ١ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ١ : ١٥٧ ، نيل الأوطار ١ : ١٧٣ ، تفسير ابن كثير ٢ : ٢٥ ، المحلى ٢ : ٥٠.

٢ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٢٣ / ٢٦١ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٠٧ / ٢٩٣ ، سنن النسائي ٨ : ١٢٦ ، سنن ابي داود ١ : ١٤ / ٥٣ ، مسند أحمد ٦ : ١٣٧.

٣ ـ الكافي ٣ : ٢٤ / ٣ ، التهذيب ١ : ٧٨ / ٢٠١.

٤ ـ التهذيب ١ : ٧٩ / ٢٠٣ ، الاستبصار ١ : ٦٧ / ٢٠٢.

٥ ـ التفسير الكبير ١١ : ١٥٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٠ ، كفاية الأخيار ١ : ١٥ ، المغني ١ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ١ : ١٥٦ ، عمدة القارئ ٣ : ٨ ، المجموع ١ : ٣٦٣ ، فتح العزيز ١ : ٣٩٧ ، نيل الأوطار ١ : ١٧٢.

٦ ـ سنن الدارقطني ١ : ٨٤ / ١ ، سنن البيهقي ١ : ٥٢.

١٩٦

قال الدارقطني : إنّه مرسل ، من وصله فقد وهم(١) ، ويحمل على الاستحباب.

وقال أبو ثور ، وداود : الاستنشاق واجب فيهما ، والمضمضة غير واجبة(٢) ، لقولهعليه‌السلام للقيط بن صبرة : ( وبالغ في الاستنشاق إلّا أن تكون صائماً )(٣) ولا يدل على الوجوب.

وقال أبو حنيفة ، والثوري : هما واجبان في الجنابة دون الوضوء(٤) ، لرواية أبي هريرة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثاً فريضة )(٥) .

ورواية بركة بن محمد الحلبي(٦) ـ وهو كذاب(٧) ، والفرض : التقدير(٨) ـ متروكة الظاهر ، لأنّه أوجب ثلاثاً.

__________________

١ ـ سنن الدارقطني ١ : ٨٤ ذيل الحديث ٢.

٢ ـ المغني ١ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ١ : ١٥٦ ، المجموع ١ : ٣٦٣ ، نيل الأوطار ١ : ١٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ١٠.

٣ ـ سنن ابن ماجة ١ : ١٤٢ / ٤٠٧ ، سنن ابي داود ١ : ٣٦ / ١٤٢ ، سنن النسائي ١ : ٦٦ ، سنن الترمذي ٣ : ١٥٥ / ٧٨٨.

٤ ـ اللباب ١ : ٩ و ١٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢ و ١٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٦٢ ، بداية المجتهد ١ : ١٠ و ٤٥ ، المحلى ٢ : ٥٠ ، نيل الأوطار ١ : ١٧٣ ، المجموع ١ : ٣٦٣ ، المغني ١ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ١ : ١٥٦ ـ ١٥٧ ، تفسير ابن كثير ٢ : ٢٥ ، عمدة القارئ ٣ : ٨.

٥ ـ سنن الدارقطني ١ : ١١٥ / ٣.

٦ ـ سنن الدارقطني ١ : ١١٥ / ٣.

٧ ـ نصّ على ذلك جمع منهم الدارقطني في السنن ١ : ١١٥ ذيل الحديث ٣ ، وابن حجر في لسانه ٢ : ٨ ، والذهبي في ميزانه ١ : ٣٠٣ / ١١٤٩ ، وابن حبان في المجروحين ١ : ٢٠٣ ، وابن عدي في كامله ٢ : ٤٧٩.

٨ ـ لسان العرب ٧ : ٢٠٣ « فرض ».

١٩٧

فروع :

أ ـ يستحب الاتيان بكل واحد منهما ثلاثاً.

ب ـ ينبغي أن يتضمض ثلاث مرات بثلاث أكف ، ثم يستنشق كذلك ، ولو قصر الماء تمضمض ثلاثاً بكف ، واستنشق ثلاثاً بكف.

ج‍ ـ ينبغي أن يكون الاستنشاق بعد إكمال المضمضة ، وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ، والثاني : انه يتمضمض ثم يستنشق هكذا ثلاث مرات(١) .

د ـ ينبغي المبالغة فيهما ، فيدير ماءً المضمضة في جميع فمه ثم يمجه ، ويجذب ماءً الاستنشاق إلى خياشيمه ، إلّا الصائم.

ز ـ تثنية الغسلات ، ذهب إليه أكثر علمائنا(٢) ، لأنّ أبا هريرة روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ مرتين مرتين(٣) ، ومن طريق الخاصة ، قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الوضوء : « أنّه مثنى »(٤) وليس المراد الوجوب بالإجماع.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « الغرفة الواحدة تجزي »(٥) .

____________

١ ـ المجموع ١ : ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، فتح العزيز ١ : ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ، مغني المحتاج ١ : ٥٨ ، عمدة القارئ ٢ : ٢٦٤.

٢ ـ منهم الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٣ ، وسلار في المراسم : ٣٨ ، والمحقق في المعتبر : ٤١ ، وابو الصلاح في الكافي : ١٣٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٥١.

٣ ـ سنن أبي داود ١ : ٣٤ / ١٣٦ ، سنن الترمذي ١ : ٦٢ / ٤٣ المستدرك للحاكم ١ : ١٥٠.

٤ ـ التهذيب ١ : ٨٠ / ٢٠٨ ، الاستبصار ١ : ٧٠ / ٢١٣.

٥ ـ الكافي ٣ : ٢٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ٨١ / ٢١١ ، الاستبصار ١ : ٧١ / ٢١٦ ، وفيها عن الامام الباقرعليه‌السلام .

١٩٨

وقال الصدوق : لا يؤجر على الثانية(١) ، وبه قال مالك(٢) ، لأنّه تعالى أمر بالغسل(٣) .

وأما الثالثة ، فعندنا أنها بدعة ، وهو اختيار الشيخ والصدوق(٤) لتحريم اعتقاد مشروعية ما ليس بمشروع ، وقال المفيد : الثالثة تكلف(٥) ، لأنّ الأمر بالمطلق لا يمنع الجزئيات.

وقال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي : المستحب ثلاثاً ثلاثا(٦) ، لأنّ ابي ابن كعب روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ مرّة مرّة وقال : ( هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلّا به ) وتوضأ مرتين مرتين وقال : ( من توضأ مرتين مرتين آتاه الله أجره مرتين ) وتوضأ ثلاثاً ثلاثا وقال : ( هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ، ووضوء خليل الله إبراهيم )(٧) .

ويحتمل عدم استيعاب الغسل في الاوليين فتجوز الثالثة ، بل تجب ، أو يكون من خصائصهعليه‌السلام وخصائص الأنبياء ، ولأن ابن عباس روى أنّهعليه‌السلام توضأ مرّة(٨) ، وأبوهريرة روى أنّهعليه‌السلام توضأ مرتين(٩) ، ولو كان وضوء‌ه لما أخل به ، ولأن مالكاً لم يصححه مع أن الخبر مدني.

__________________

١ ـ المقنع : ٤ ، الهداية : ١٧.

٢ ـ المدونة الكبرى ١ : ٢ ، المغني ١ : ١٥٩.

٣ ـ المائدة : ٦.

٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٣ ، المقنع : ٤ ، الهداية : ١٧.

٥ ـ المقنعة : ٥.

٦ ـ كفاية الأخيار ١ : ١٦ ، مغني المحتاج ١ : ٥٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٣ ، مسائل أحمد : ٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢ ، المغني ١ : ١٥٩ ، فتح الباري ١ : ٢٠٩ ، المجموع ١ : ٤٣١.

٧ ـ مسند أبي يعلى ٩ : ٤٤٨ / ٥٥٩٨.

٨ ـ سنن ابي داود ١ : ٣٤ / ١٣٨ ، سنن النسائي ١ : ٦٢ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٥٠ ، صحيح البخاري ١ : ٥١ ، سنن الترمذي ١ : ٦٠ / ٤٢.

٩ ـ سنن ابي داود ١ : ٣٤ / ١٣٦ ، سنن الترمذي ١ : ٦٢ / ٤٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٥٠.

١٩٩

فروع :

أ ـ هذا البحث على تقدير الاستيعاب في الاُولى ، أما لو تخلّف شيء من غسل محل الفرض فإنه يجب غسله ثانياً ، ولو لم يعلم موضعه وجب إعادة غسل العضو ثانياً ، وهكذا لو لم يأت في الثانية على الجميع وجبت الثالثة فما زاد.

ب ـ لو استعمل الثلاثة بطل الوضوء ، لأنّ المسح حينئذ بغير ماءً الوضوء.

ج‍ ـ لو خالف في الأعضاء ، فغسل بعضها مرّة والباقي أزيد جاز.

د ـ لو أعتقد وجوب المرتين أبدع ، وبطل وضوؤه ، لأنّ المسح بغير ماءً الوضوء ، لعدم مشروعيته على إشكال.

هـ ـ لو شك في العدد احتمل البناء على اليقين ، والأكثر ، لئلا تحصل ثالثة.

و ـ لا تكرار في المسح ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك ، والثوري ، وأحمد ، وأبو ثور ، والحسن ، ومجاهد(١) ، لأنّ علياًعليه‌السلام وصف وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ومسح رأسه مرّة واحدة(٢) ، وكذا من طريق الخاصة عن الباقر(٣) والصادق(٤) عليهما‌السلام حيث وصفاه.

__________________

١ ـ المبسوط للسرخسي ١ : ٧ ، شرح فتح القدير ١ : ٢٧ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢ ، اللباب ١ : ١٠ ، القوانين الفقهية : ٢٩ ، الشرح الصغير ١ : ٤٩ ، المغني ١ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ١ : ١٧١ ، المجموع ١ : ٤٣٢ ، فتح العزيز ١ : ٤٠٨ ، نيل الأوطار ١ : ١٩٨.

٢ ـ سنن الترمذي ١ : ٦٧ / ٤٨ ، سنن أبي داود ١ : ٢٧ و ٢٨ / ١١١ و ١١٢ ، سنن النسائي ١ : ٦٩ ، مسند أحمد ١ : ١٢٥.

٣ ـ الكافي ٣ : ٢٤ و ٢٥ / ١ ـ ٥.

٤ ـ التهذيب ١ : ٨١ / ٢١٠.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

اللازم ممتنع الانفكاك عن الملزوم، وحكم المنجّم بما سيقع، والطبيب الحاذق حيث يقول: الشيء الفلاني ينذر بكذا وكذا من هذا الباب(١) .

الدليل الثاني: بسيط الحقيقة كلّ الأشياء

ربّما يستدل على علمه سبحانه بالأشياء قبل الايجاد بالقاعدة الشريفة التي تفطّن إليها الفيلسوف الكبير صدر الدين الشيرازي وهي: « بسيط الحقيقة كلّ الأشياء على النحو الأتم الأكمل الأبسط » وهذه القاعدة تثبت علمه سبحانه بالأشياء قبل الايجاد في مرتبة الذات بالتوضيح التالي :

إذا لاحظنا الوجودات الخاصة كالسماء والأرض ونحوهما نرى ثمّة وجوداً كوجود السماء ـ مثلاً ـ ولهذا الوجود حداً، وينتزع من حدّه ماهيّة، وهي ماهيّة السماء، فيلاحظ حينئذ أشياء ثلاثة: ذات الوجود، وحدّه، والماهية المنتزعة من حد، فينحلّ الملحوظ إلى ثلاثة :

١ ـ حقيقة الوجود.

٢ ـ حد ذلك الوجود، والمراد من الحد: فقدان تلك المرتبة من حقيقة الوجود الثابت لمرتبة اُخرى.

٣ ـ الماهيّة المنتزعة من ذلك الحد التي تكون قالباً للوجود الخاص به.

فيكون الموجود ـ بعد الانحلال ـ مركباً من أشياء ثلاثة لا يكون المتحقّق منها إلّا نفس الوجود.

وأمّا الحدّ فهو راجع إلى الفقدان، كما أنّ الماهيّة أمر عدمي أيضاً ولكنّه صار موجوداً بالوجود، ولولاه لما كان لها وجود.

فكلّ موجود كان مركّباً من هذه الاُمور الثلاثة أي من ( وجود وعدم وعدمي )

__________________

(١) المنظومة قسم الفلسفة: ص ١٦٤.

٣٢١

فهو مركّب بأسوء أنواع التركيب الذي لا ينفك عنها الامكان.

إذا عرفت هذا، فالله سبحانه بما أنّه لا كثرة في ذاته أبداً، يجب أن يجمع في مقام ذاته كلّ وجود، بحيث لا يشذّ عن وجوده وجود، إذ لو صدق أنّه شيء، وذلك الوجود شيء آخر مسلوب عنه سبحانه لصار محدوداً، والمحدود يلازم الإمكان، وكلّ محدود مركّب، وكلّ مركّب ممكن، فينتج أنّه لا شيء من الواجب ممكناً.

فعلى ذلك فوجوده سبحانه يجب أن يكون مع صرافته وبساطته جامعاً لكلّ وجود يتصوّر، بحيث لا يمكن سلب وجود عن مرتبة ذاته، وإلّا يلزم تركيبه من: أمر وجودي ( وهو ذاته )، وأمر عدمي ( وهو سلب ذلك الوجود عن ساحة ذاته )، وكان استجماعه لكلّ شيء لا بنحو الكثرة والتعدّد حتى يلزم التركيب بصورة أسوء وأبشع، بل ذلك الاستجماع يكون بنحو أتم وأعلى، أي بشكل جمعي رتقي بحيث يكون في وحدته كلّ الوجودات، ولا يكون اشتماله على هذه الكثرات والوجودات موجباً لإنثلام وحدته وانتقاض بساطته.

فوجوده سبحانه مشتمل وجامع لكلّ وجود، لكن كلّ وجود ملغى عنه حده، الذي تنتزع عنه ماهيّته وإن كان كماله موجوداً فيه.

وإن شئت توضيح هذا المطلب أكثر من ذلك فلاحظ حال الملكات بالنسبة إلى الأفعال الصادرة عنها.

فإنّ الملكة حالة بسيطة جامعة ـ على نحو الأتم والأبسط ـ فكان كلّ فعل يصدر منها وكلّ ظهور ينشأ منها، فالإنسان الواجد لملكة النحو قادر على الإجابة عن كلّ سؤال يرد عليه، وهذه الأجوبة الكثيرة الصادرة عنه بفضل تلك الملكة، كانت موجودة في نفس الملكة، لكن لا بتفاصيلها وخصوصيّاتها وحدودها وقيودها، بل بكمالها ووجودها الأتم والأبسط، إذ لولاها لكان معطي الكمال فاقداً له.

فكما أنّ الملكة ـ مع بساطتها ـ واجدة لكمال كلّ الأجوبة، وكمال وجودها

٣٢٢

لكن لا على نحو التمايز والخصوصيّات، وإلّا تلزم الكثرة ويلزم التركيب بشرّ صورها في « الملكة ».

فكذلك كلّ علّة واجدة لكمال معلولها ولبّ كمالها على النحو الأتم والأبسط.

إذا عرفت هذا، فاستوضح للوقوف على استجماع ذاته تعالى لكلّ كمال صدر منه ولكلّ وجود ظهر منه، من حديث الملكة.

فإنّ ما سوى الله من أرض وسماء ومن إنسان وحيوان، ومن شجر وحجر، كلّها موجودات تفصيليّة، وتحقّقات امكانيّة، لا يعقل أن تكون موجودة في ذاته سبحانه بهذه الكثرات والتفصيلات، وإلّا يلزم انقلاب البسيط إلى المركّب، وانقلاب الواجب إلى الممكن، وهو أمر لا يصح لأي حكيم أن يتفوّه به.

ومع ذلك كلّه فذاته سبحانه ذات كاملة مشتملة لكلّ كمال موجود في هذه الموجودات، بل جامعة كذلك لجميع الوجودات لكن لا بخصوصيّاتها بل هي ـ بما أنّها وجود أتم وتحقّق أكمل ـ جامعة لتلك الكمالات بأشدّها وأكملها وأحسنها.

فكما أنّ « المائة » بوحدتها مشتملة على التسعين والثمانين مع شيء زائد، لا بمعنى أنّ التسعين والثمانين موجودتان في المائة بنحو التفصيل بل بمعنى أنّ وجود المائة ببساطته تشتمل على كمال كلّ من الرقمين بنحو أتم وأكمل.

فالله سبحانه بحكم البرهان المذكور من أنّه لا يمكن سلب مرتبة من مراتب الوجود عنه، وإلّا لزم التركّب في ذاته، وبفضل برهان آخر هو أنّ معطي الكمال لا يكون فاقداً له، وجوده أكمل الموجودات، وأتمّها، فإذا فرض العلم بذاته وحضور ذاته لديه، كان ذلك عبارة اُخرى عن علمه بالوجودات الامكانيّة لكن لا بوجه التفصيل، بل بنحو البساطة والوحدة.

٣٢٣

وهذا هو ما يقال من: « أنّ وجوده سبحانه كشف إجمالي عن الأشياء بلا طروء تركيب وحدوث امكان ».

وعلى الجملة فالله سبحانه ـ بفضل هذين البرهانين ـ لا يمكن أن يشذّ عنه أيُّ كمال وأيّ وجود وإليك إعادة البرهانين :

١ ـ لو صحّ سلب وجود عنه، أو سلب كمال للزم تركيب ذاته سبحانه من « أمر وجودي وأمر عدمي » وهذا ممّا ينافي بساطته، ويستلزم التركيب في ذاته تعالى، وهو ملازم للامكان الموجب للاحتياج إلى العلّة.

٢ ـ إنّ معطي الكمال لا يمكن أن يكون فاقداً له فالله الصادر منه كلّ الأشياء، لا يصحّ أن يكون فاقداً لكمالات تلك الأشياء.

فعلى ذلك لا يمكن أن يكون وجوده سبحانه مثل سائر المراتب من الوجود بأن يكون وجدان ذاته عين فقدانه لوجود آخر، ومع ذلك كلّه لا يمكن أن تكون تلك الكثرات الامكانية موجودة فيها بحدودها وخصوصيّاتها، وإلّا يلزم تركيب أسوأ من التركيب السابق.

فلا محيص من أن يكون ذلك الوجود البسيط مشتملاً على وجود أقوى، وآكد من الوجودات الخاصّة، المتشتتة، المحدودة، التي من حدودها يحصل التركيب من « الوجدان والفقدان » والعلم بهذا الوجود الآكد الأقوى، نفس العلم بكلّ الكمالات، وكلّ الوجودات التالية الصادرة منه.

فهو بوجوده الجمعي الواحد واقف على ذاته، وواقف على كلّ ما يصدر منه.

وإن شئت فقل: إنّ صرف الوجود يجمع كلّ وجود، ولا يشذّ عنه شيء، ولكن المشتمل عليه هو ذات الوجود من كلّ شيء لا بخصوصيّته الخاصّة الناشئة عن حدّه. فالوجودات الخاصّة بخصوصيّاتها والماهيّات الموجودة بها غير متحقّقة في الأزل، وإذ لم يكن المعلوم بخصوصيّته في الأزل لا يتصور العلم به كذلك، ولكن

٣٢٤

هناك وجوداً أكمل ومعلوماً أتمّ يكون العلم به أتمّ أنواع العلم بهذه الوجودات الصادرة منه.

إن قلت: كيف يصحّ أن يقال إنّ النحو الأدنى من كلّ وجود، معلوم له سبحانه في الأزل حسب الفرض إذ كيف يصير النحو الأعلى من كلّ وجود، والنحو الأظهر من كلّ تحقّق، علماً بالنحو الأدنى، مع أنّ النحو الأدنى من كلّ وجود لا يكون موجوداً في الأزل.

غير أنّ الاجابة عن هذا السؤال، بعد التوجّه إلى ما مثّلنا من حديث « الملكة » واضح فإنّ العلم بتمام الشيء وكماله، علم بمراتبه النازلة مثل كون العلم بالإنسان الذي هو عبارة عن الحيوان الناطق نفس العلم بالمراتب التالية من النبات والجماد.

وحينئذ يكون الوجود بالنحو الأعلى نفس التحقق للوجود الأدنى مع كمال آخر، وجمال زائد.

وعلى ذلك فالمعلوم الامكاني، وان لم يكن في الأزل بخصوصيّاته وتفاصيله لكنّه كمال وجوده وتمام تحقّقه موجود في الأزل بوجوده سبحانه فهو سبحانه ـ ببساطته ـ جميع الكمالات والجمالات، والعلم بالذات لا ينفك عن العلم بتلك الكمالات التي لا تنفك عن العلم بما صدر عنه من الكمالات.

قال صدر المتألّهين :

لـمّا كان وجوده تعالى وجود كلّ الأشياء ـ لما حققنا سابقاً من أنّ البسيط الحقيقي من الوجود يجب أن يكون كلّ الأشياء ـ فمن عقل ذلك الوجود عقل جميع الأشياء، وذلك الوجود هو بعينه عقل لذاته، وعاقل، فواجب الوجود عاقل لذاته بذاته، فعقله لذاته عقل لجميع ما سواه، وعقله لذاته مقدّم على وجود جميع ما سواه، فعقله لجميع ما سواه سابق على جميع ما سواه، فثبت أنّ علمه تعالى بجميع الأشياء حاصلة في مرتبة ذاته بذاته قبل وجود ما عداه فهذا هو العلم الكمالي التفصيلي بوجه والاجمالي بوجه، وذلك لأنّ المعلومات على كثرتها وتفصيلها

٣٢٥

بحسب المعنى موجودة بوجودة واحد بسيط، ففي هذا المشهد الالهي والمجلي الأزلي ينكشف وينجلي الكلّ من حيث لا كثرة فيها، فهو الكلّ في وحده(١) .

قال العلّامة الطباطبائي: « إنّ ذاته المتعالية حقيقة الوجود الصرف البسيط الواحد بالوحدة الحقّة الذي لا يداخله نقص ولا عدم، فلا كمال وجوديّاً في تفاصيل الخلقة بنظامها الوجودي إلّا وهي واجدة له بنحو أعلى وأشرف، غير متميّز بعضها من بعض لمكان الصرافة والبساطة فما سواه من شيء فهو معلوم له تعالى في مرتبة ذاته المتعاليّة علماً تفصيليّاً في عين الإجمال وإجماليّاً في عين التفصيل(٢) .

إلى هنا تمّ الكلام في علمه بأفعاله أي الأشياء قبل وجودها. بقي البحث عن علمه بها بعد الايجاد. وإليك الكلام فيه.

علمه سبحانه بالأشياء بعد الايجاد

يستدل على علمه بالأشياء بعد ايجادها بوجوه :

الأوّل: قيام الأشياء به يستلزم علمه بها

إنّ الأشياء أعمّ من المجرّدات والماديّات ـ معلولة لله سبحانه على سبيل ترقّب الأسباب والمسبّبات، وكلّ معلول حاضر بوجوده العيني عند علّته غير غائب ولا محجوب عنه، فالأشياء في عين معلوليّتها نفس علمه العقلي بعد الإيجاد(٣) .

وتوضيحاً لهذا الدليل نقول :

إنّ كلّ موجود سواه فهو ممكن في وجوده، معلول في تحقّقه ـ له سبحانه ـ و

__________________

(١) الاسفار: ج ٦، ص ٢٧٠ ـ ٢٧١.

(٢) نهاية الحكمة: ص ٢٨٩.

(٣) نهاية الحكمة: ص ٢٩٠، الطبعة الجديدة.

٣٢٦

ليس معنى المعلوليّة إلّا تعلّقه وجوداً بالعلّة، وقيامه بها قياماً حقيقيّاً، كقيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي.

فكما أنّ المعنى الحرفي قائم ـ حدوثاً وبقاءً ـ بالمعنى الاسمي، بحيث لو قطع النظر عن المعنى الاسمي لما كان للمعنى الحرفي تحقّق في وعاء الوجود، فهكذا المعلول، فصلته بالعلّة أشدّ من صلة المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي.

فإذا قلنا « سرت من البصرة » فهناك معنىً اسميا من: السير، والبصرة، وهناك معنىً حرفيّاً وهو ابتداء السير من ذلك البلد.

فحقيقة الابتداء الحرفي ليس شيئاً مستقلاًّ، بل هو أمر مندكّ قائم بالطرفين، وهكذا مثل المعلول الصادر من العلّة، بمعنى مفيض الوجود، فليس للمعلول واقعيّة سوى قيامه بالعلّة، واندكاكه فيها وتعلّقه وتدلّيه بها.

وما هذا هو شأنه لا يخرج عن حيطة وجود العلّة، ومجال ثبوتها، إذ الخروج عن ذلك المجال مساوٍ للانعدام ومساوق للبطلان.

وعلى الجملة: فالمعلول بالنسبة إلى العلّة كالوجود الرابط بالنسبة إلى « الوجود المستقل » فكما أنّ الوجود الرابط لا يستغني عن « الوجود المستقل » آناً واحداً من الآنات، بل يستمد منه وجوده ـ كلّ وقت وحين ـ فهكذا المعلول يستمد وجوده ـ حدوثاً وبقاءً ـ من العلّة، وما هذا شأنه لا يمكن أن يخرج عن حيطة وجود العلّة، ومجال تحقّقه. ومعنى ذلك حضوره لدى العلّة وما نعني من العلم سوى الحضور.

ويتّضح من ذلك القاعدة أنّ الموجودات الامكانية بما أنّها فعله، هي علمه أيضاً فهي بوجوداتها الامكانية علم لله علماً فعلياً.

وإن أردت مزيد توضيح فلاحظ الصور الذهنية، فإنّ الصورة الذهنيّة أفعال للنفس مع أنّها في نفس الوقت علوم فعليّة لها، فالعلم والفعل مجتمعان.

وهذا البرهان هو المنقول عن شيخ الاشراق وقد أوضحه المحقّقون.

٣٢٧

قال العلّامة الحلّي; :

« إنّ كلّ موجود سواه، ممكن، وكلّ ممكن فإنّه مستند إليه، فيكون عالماً به سواء أكان جزئياً أم كلّياً، كان موجوداً قائماً بذاته أو عرضاً قائماً بغيره، وسواء أكان موجوداً في الأعيان أو متعقّلاً في الأذهان، لأنّ وجود الصورة في الذهن من الممكنات أيضاً فسيتند إليه، وسواء كانت الصورة الذهنية صورة أمر وجودي أو عدمي ممكن، أو ممتنع، فلا يعزب عن علمه شيء من الممكنات ولا من الممتنعات.

ثمّ إنّ العلّامة; وصف هذا الدليل بأنّه برهان شريف قاطع(١) .

والحاصل: انّ وزان الممكن بالنسبة إلى الواجب وزان المعنى الحرفي بالنسبة إلى المعنى الاسمي، ووزان الوجود الرابط بالنسبة إلى الوجود التام المستقل، فليس للمعلول واقعيّة سوى القيام والارتباط والتدلّي بالعلّة.

فما سوى الله ـ ماديّاً ومجرّداً، جوهراً وعرضاً ـ مخلوق له، فهو في عين الوجود قائم به قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي ومرتبط به، وما هذا هو حاله لا يمكن أن يكون غائباً عن الله مستوراً عليه، لأنّه وجوده قائم بوجود العلّة، كما يكون المعنى الحرفي قائماً بالمعنى الاسمي.

وإن شئت قلت: إنّ وزان الممكن بالنسبة إلى الواجب وزان الفقير المطلق بالنسبة إلى الغني، فالعالم بحكم فقره المطلق محتاج إليه في وجوده وتحقّقه، في حدوثه وبقائه، وما هذا شأنه لا يمكن غيابه، لأنّ غيابه عن العلّة مساوق للإنعدام.

الثاني: سعة وجوده دليل على علمه بالاشياء

لقد أثبتت البراهين القاطعة على أنّ وجوده سبحانه مجرّد عن المادة والمدّة ،

__________________

(١) كشف المراد: ص ١٧٥.

٣٢٨

مجرّد عن الزمان والمكان، فوجوده فوق كلّ قيد زماني أو مكاني، وكلّ من كان كذلك فوجوده غير محدود وغير متناه لأنّ المحدوديّة والتقييد فرع كون الشيء سجيناً في الزمان والمكان، فهذا هو الذي لا يتجاوز إطار محيطه، وزمانه، وأمّا الموجود المجرَّد عن ذينك القيدين، المتجرّد من إطار الزمان والمكان بل الخالق لهما، وللمادّة، فهو فوق الزمان والمكان، والمادّة، والمدّة، لا يحدّه شيء من ذلك العوارض ولا يحصر حاضر منها، ولهذا لا يمنعه المكان من الإحاطة والسيطرة على ما قبله، وما بعده.

ولتوضيح هذه الحقيقة نأتي بالأمثلة التالية :

١ ـ إنّ النملة الصغيرة الماشية على سجّادة منسوجة بألوان مختلفة لا يمكنها بحكم صغر جسمها ومحدوديّة حواسّها أن تشاهد إلّا اللّون الذي تسير عليه دون بقية الألوان.

أمّا الإنسان الواقف على طاولة، المشرف على تلك السجّادة فإنّه يرى جميع ألوانها ويحيط بكلّ نقوشها دون إستثناء، لأنّه لا ينظر إليها من زاوية دون زاوية كما هي في تلك النملة.

٢ ـ إنّ الإنسان الجالس في غرفة، الناظر إلى خارجها من كوة صغيرة، لا يمكنه مشاهدة إلّا ناقة واحدة من قافلة النوق والابل التي تمرّ أمام الغرفه بعكس من يقف على سطح تلك الغرفة المشرف على الطريق من شاهق، فإنّه يرى كلّ ما في تلك القافلة من الإبل والنوق جملة واحدة، ومن دون أن يمنعه عن ذلك قيد المكان.

٣ ـ إنّ الإنسان الجالس على حافة نهر جار لا يرى إلّا بعض الأمواج المائيّة التي تمرّ أمام عينيه دون بقيّة الأمواج الكائنة في منبع النهر أو مصبّه بخلاف من يراقب ذلك النهر من طائرة هليكوبتر أو من فوق مكان شاهق، فإنّه يرى جميع التعرّجات والتموّجات في ذلك النهر جملة واحدة وفي وقت واحد.

٣٢٩

وإنّما يرى هؤلاء الأشياء جميعها بخلاف غيره لأنّه لا ينظر إليها من خلال المكان المحدود.

هذه الأمثلة وإن كانت أقلّ بكثير عمّا يناسب ساحته سبحانه غير أنّها تكفي لإلقاء بعض الضوء على الحقيقة، وتقريب سعة علمه إلى الذهن.

وعلى الجملة فالله المجرّد عن الزمان والمكان، المجرّد عن كلّ حدّ وقيد، بما أنّه لا يحيط به شيء، بل هو المحيط بالأشياء جميعاً، لا يصحّ في مجال علمه تقديم وتأخير، وماض وحاضر، أو حاضر ومستقبل، بل العالم بأجمعه حاضر لديه وهو يحيط بجميع ما خلق دونما استثناء.

وقد عرفت أنّه لا معنى لحقيقة العلم إلّا حضور المعلوم لدى العالم، فبما أنّ وجوده سبحانه وجود غير متناه، لا يحدّه حدّ ولا يقيّده قيد، فهو في كلّ الأزمنة والأمكنة، وحاضر مع كلّ الأشياء والموجودات، والّا يلزم أن يكون وجوده محدوداً متناهياً، وعند ذلك يتحقّق علمه بكلّ حاضر لديه، وبكلّ ماثل فلا يغيب عن وجوده شيء ولا ذرّة.

وقد أشار الإمام علي7 إلى هذه الحقيقة إذ قال :

« إنّ الله عزّ وجلّ أيّنَ الأين فلا أين له، وجلّ أن يحويه مكان، وهو في كلّ مكان، بغير مماسة ولا مجاورة، يحيط علماً بما فيها ولا يخلو شيء منها من تدبيره »(١) .

الثالث: إتقان المصنوع دليل علمه

إنّ الكون ـ من حيث سعته، واشتماله على أسرار ورموز ـ أشبه ما يكون بمحيط لا تعرف سواحله التي قد غمرته الظلمة، وغابت شواطيه في جنح المجهول ،

__________________

(١) الارشاد للمفيد: ص ١٠٨، قضايا أمير المؤمنين7 .

٣٣٠

ولم يوفّق الإنسان إلّا إلى كشف بعض سطوحه بما سلّطه من أضواء كاشفة له، فيما لا تزال أعماقه غير مكشوفة له بل لا يزال القسم الأعظم من سطوحه مجهولة.

إنّ عالم الخلقة أشبه ما يكون بهذا المحيط فإنّ الإنسان رغم ما قام به من جهود جبّارة للتعرّف على حقائقه، ورموزه، لم يقف إلّا على قدر قليل من أسراره بينما لا تزال أكثرها غير معلومة له.

يقول أحد الاختصاصيين في الطبيعة الحيوية والأبحاث النووية :

« لقدكنت عند بدء دراستي للعلوم شديد الاعجاب بالتفكير الإنساني، وبقوّة الأساليب العلميّة إلى درجة جعلتني اَثِقُ كلّ الثقة بقدرة العلوم على حلّ أية مشكلة في هذا الكون بل على معرفة منشأ الحياة، والعقل وادراك معنى كلّ شيء، وعندما تزايد علمي ومعرفتي بالأشياء من الذرة إلى الأجرام السماوية، ومن الميكروب الدقيق إلى الإنسان، تبيّن لي أنّ هناك كثيراً من الأشياء التي لم تستطع العلوم حتّى اليوم اَنْ تجدَ لها تفسيراً أو تكشف عن أسرارها النقاب، وتستطيع العلوم أن تمضي في طريقها ملايين السنين ومع ذلك فسوف تبقى كثير من المشكلات حول تفاصيل الذرّة والكون والعقل كما هي لا يصل الإنسان إلى حلّ لها أو الاحاطة بأسرارها »(١) .

وقال أنيشتاين ـ عند ما كان واقفاً على درج مكتبته ـ: « إنّ نسبة ما أعلم إلى ما لا أعلم كنسبة هذا الدرج إلى السماء »(٢) .

ويقصد بذلك: انّه لم يتسلّق من درجات العلم والمعرفة سوى درجات معدودة جداً، وإنّ المسافة بين معلوماته إلى مجهولاته كالمسافة بين الأرض والسماء.

حقاً إنّ الإنسان عند ما يقيس حجمه بأحجام الأجسام والأجرام السماوية، و

__________________

(١) الله يتجلى في عصر العلم: ص ٣٥ ـ ٣٦، بول كلارنس ابرسولد.

(٢) رسالة الاسلام، السنة الرابع العدد الاول ٢٤.

٣٣١

ما بينها من فواصل وأبعاد، يدرك مدى صغر حجمه وضآلة معلوماته وضحالة معارفه.

إنّ أضخم مكتبة توصلّت البشرية إلى تأسيسها في الوقت الحاضر هي الآن في أمريكان حيث تضم عشرة ملايين كتاباً، وما يقوم في « لينينغراد »، وما يوجد في متاحف بريطانيا ومع ذلك فإنّ كلّ هذه الكتب لا تتجاوز معلومات البشر حول الأرض وقليل جداً من الفضاء الخارجي.

إنّ ملاحظة كلّ جهاز بسيط أو معقد ـ كقلم أو كومپيوتر ـ يدلّنا على أنّ صانعه عالم بما يسود ذلك الجهاز من القوانين والعلاقات، كما تدل دائرة معارف ضخمة على علم مؤلّفها وجامعها بما فيها.

إنّ المصنوع بما فيه من اتقان ودقّة، وتركيب عجيب ونظام بديع، ومقادير معيّنة يحكي عن أنّ صانعه مطّلع على هذه القوانين والرموز، عارف بما يتطلبه ذلك المصنون من مقادير وأنظمة.

ومن هنا يشهد الكون ابتداءً من الذرّة الدقيقة إلى المجرّة الهائلة، ومن الخليّة الصغيرة إلى أكبر نجم، بما يسوده من أنظمة وقوانين، وتخطيط بالغ الدقّة، وتركيب بالغ الاتقان، على أنّ خالق الكون عالم بكلّ ما تنطوي عليه هذه الأشياء وما يسودها من أسرار وقوانين، وانّ من المستحيل الممتنع أن يكون جاهلاً.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الدليل بقوله :

( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) ( الملك / ١٤ ).

وقال تعالى:( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) ( سورة ق / ١٦ ).

ومن وقف على علم التشريح ظهر له ذلك ظهوراً تامّاً.

__________________

(١) الملك: ١٤.

(٢) ق: ١٦.

٣٣٢

كلام للمحقق الطوسي

ثمّ إنّ المحقّق الطوسي استدلّ على علمه سبحانه بوجوه ثلاثة نذكر منها اثنين :

١ ـ الإحكام.

٢ ـ استناد كلّ شيء إليه.

حيث قال: والإحكام واستناد كل شيء إليه من دلائل العلم.

وقال العلّامة في شرح الدليل الأوّل: إنّه تعالى فعل الأفعال المحكمة، كلّ من هو كذلك فهو عالم.

أمّا المقدّمة الأُولى فحسّية، لأنّ العالم إمّا فلكي أو عنصري، وآثار الحكمة والإتقان فيهما ظاهر مشاهد.

وأمّا الثانية فضروريّة لأنّ الضرورة قاضية بأنّ غير العالم يستحيل منه وقوع الفعل المحكم المتقن مرّة بعد اُخرى.

وقال في شرح الدليل الثاني: إنّ كلّ موجود سواه ممكن، وكلّ ممكن فإنّه مستند إلى الواجب إمّا ابتداءً أو بوسائط، وقد سلف أنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول، والله تعالى عالم بذاته، فهو عالم بغيره(١) .

جمل درّية لأئمة أهل البيت:

إنّ لأئمّة أهل البيت جملاً وكلماً درّية حول علمه سبحانه نقتبس منها ما يلي :

__________________

(١) كشف المراد: ص ١٧٤ ـ ١٧٥ ـ طبعة صيدا ١٣٥٣ ه‍.ق، ولاحظ: كشف الفوائد له أيضاً: ص ٤٣، طبعة طهران ١٣١١ ه‍.ق.

٣٣٣

١ ـ قال الإمام علي7 :

« علم ما يمضى وما مضى. مبتدع الخلائق بعلمه ومنشئها بحكمته(١) .

٢ ـ سأل منصور بن حازم الصادق7 : أرأيت ما كان وما هوكائن إلى يوم القيامة، أليس فيعلم الله ؟ فقال: بلى قبل أن يخلق السماوات والأرض(٢) .

٣ ـ سأل الحسين بن بشار أبا الحسن علي بن موسى الرضا7 : أيعلم الله الشيء الّذي لم يكن، أن لو كان كيف يكون ؟ ولا يعلم إلّا ما يكون ؟

فقال: إنّ الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء. قال الله عزّ وجلّ:( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٣) .

وقال لأهل النار:( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (٤) .

فقد علم الله عزّ وجلّ أنّه لو ردّهم لعادوا لما نهوا عنه.

وقال للملائكة لـمّا قالوا:( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) . قال:( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) (٥) . فلم يزل الله عزّ وجلّ علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها فتبارك ربّنا تعالى علوّاً كبيراً. خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء كذلك لم يزل ربّنا عليماً سميعاً بصيراً(٦) .

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ١٩١.

(٢) التوحيد للصدوق: ص ١٣٥ باب العلم الحديث ٥.

(٣) الجاثية: ٢٩.

(٤) الأنعام: ٢٨.

(٥) البقرة: ٣٠.

(٦) التوحيد: ص ١٣٦ الحديث ٨.

٣٣٤

مراتب علمه سبحانه

قد تبيّن ممّا ذكرنا انّ علمه سبحانه بالأشياء ذا مراتب هي :

الأُولى: علمه سبحانه بالأشياء بنفس علمه بالذات، وما عرفت من أنّ العلم بالذات علم بالحيثيّة الّتي تصدر بها المعاليل منه سبحانه، والعلم بنفس الحيثيّة علم بنفس الأشياء.

وقد عرفت انّ هناك بياناً آخر لعلم الله سبحانه بالأشياء في مرتبة الذات قبل الإيجاد والخلق، ويرجع أصلها إلى القاعدة الفلسفيّة: « بسيط الحقيقة كل الأشياء » والّذي معناه أنّه جامع كل كمال وجمال ولا يشذّ عن حيطته شيء.

الثانية: إنّ الأشياء بنفسها فعله وعلمه وانّه لا مانع من أن يكون فعل الفاعل نفس علمه، كما أنّ الصور المرتسمة في الذهن فعل الذهن وعلمه، وانّ القائم بوجوده الخارجي مرتبة من مراتب فعله.

هذا كلّه حسب البراهين الفلسفيّة الكلامية غير أنّ الذكر الحكيم دلّ على أنّ لعلمه سبحانه مظاهر خاصّة، عبّر عنه :

تارة باللوح المحفوظ.

وثانية بالكتاب المسطور.

وثالثة بالكتاب المبين.

ورابعة بالكتاب المكنون.

وخامسة بالكتاب الحفيظ.

وسادسة بالكتاب المؤجّل.

وسابعة بالكتاب المطلق.

وثامنة بالإمام المبين.

٣٣٥

وتاسعة باُمّ الكتاب.

وعاشرة بلوح المحو والأسباب

وعن اللوح المحفوظ قال سبحانه :

( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ *فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ( البروج / ٢١ و ٢٢ ).

وعن الكتاب المسطور قال سبحانه :

( وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ *فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ ) ( الطور / ٢ و ٣ ).

وقال سبحانه :

( إلّاأَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) ( الأحزاب / ٦ ).

وقال عزّ اسمه:( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ *وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ *وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ ) ( القمر / ٥١ ـ ٥٣ ).

وعن الكتاب المبين قال سبحانه :

( وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إلّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( الأنعام / ٥٩ ).

وقال سبحانه :

( وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلا أَكْبَرَ إلّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( يونس / ٦١ ).

وقال سبحانه :

( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إلّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( النمل / ٧٥ ).

وعن الكتاب المكنون قال سبحانه :

( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ) ( الواقعة / ٧٧ و ٧٨ ).

٣٣٦

وعن الكتاب الحفيظ قال سبحانه :

( قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ) ( ق / ٤ ).

وعن الكتاب المؤجّل قال سبحانه :

( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إلّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلاً ) ( آل عمران / ١٤٥ ).

وعن الكتاب المطلق قال سبحانه :

( وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) ( الاسراء / ٤ ).

وقال سبحانه :

( لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( الأنفال / ٦٨ ).

وقال سبحانه :

( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ) ( الحج / ٧٠ ).

وقال سبحانه :

( قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى ) ( طه / ٥٢ ).

وقال سبحانه :

( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إلّا فِي كِتَابٍ ) ( الحديد / ٢٢ ).

وعن الإمام المبين قال تعالى :

( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ) ( يس / ١٢ ).

٣٣٧

وعن لوح « اُمّ الكتاب » قال تعالى :

( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ( الرعد / ٣٩ ).

( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) ( الزخرف / ٤ ).

وعن لوح المحو والاثبات، يقول سبحانه:( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ( الرعد / ٣٩ ).

ثم إنّ المفسّرين ومثلهم الحكماء اختلفوا في حقيقة هذه الكتب وخصوصيّاتها، فذهب الحكماء إلى أنّها موجودات مجرّدة كالعقول والنفوس المستتر فيها كل صغيرة وكبيرة.

وذهب آخرون إلى أنّها ألواح ماديّة سطّرت فيها الأشياء بكيفيّاتها وأسبابها الموجبة لها وأوقاتها المضروبة لها.

وقد استشكل عليه بأنّ ذلك يقتضي عدم تناهي الأبعاد، وقد قامت البراهين العقليّة والنقليّة على خلاف ذلك، فلابدّ من تخصيص ذلك بموجودات بعض النشآت.

فأجاب آخرون إلى أنّ الأشياء سطرّت فيها على نحو الرمز لا بالتفصيل.

غير أنّ كل هذه المذاهب والأقوال ممّا لا يصحّ الركون إليه فالمسألة من المعارف العليا التي يجب الايمان بها ولا يمكن التعرّف عليها.

القضاء من مراتب علمه

ثم إنّه ربّما يعد من مراتب علمه سبحانه « القضاء ».

والقضاء عندهم عبارة عن الوجود الإجمالي لجميع الأشياء، كما أنّ القدر عبارة عن الوجود التفصيلي لها.

٣٣٨

فبما أنّ الصادر الأوّل حاوٍ لكلّ كمال موجود في الكائنات والموجودات التالية، هو قضاء الله سبحانه عندهم ومن مراتب علمه تعالى، فالعلم به، بجميع ما دونه من المراتب، كما أنّ القدر عبارة عن الوجود التفصيلي للأشياء سواء كانت بصورها العلميّة القائمة الموجودات المجرّدة، أم بوجودها الخارجي الشخصي.

فهذه مراتب علمه سبحانه، غير أنّ الغور والتعمّق في بيان حقائقها من الاُمور العويصة التي لا يتمكن الإنسان من الوقوف عليها والتطلّع إليها من خلال هذه العلم.

نعم، القضاء والقدر من المعارف العليا التي نطق بها القرآن الكريم، وسنبحث عنها لدى الحديث عن عدله سبحانه سواء أصحّ تفسيرهما بالوجود الاجمالي للأشياء، أو بالوجود التفصيلي لها أم لا.

وأخيراً نقول: إنّ هذه التعابير العشرة الواردة في القرآن الكريم، يمكن ارجاع بعضها إلى البعض الآخر، كما يمكن عدّ كل منها مرتبة مستقلة من مراتب علمه، ويظهر ذلك بالغور في الآيات الواردة في هذا المجال.

شمول علمه تعالى للجزئيات

إنّ للباحثين في علمه سبحانه بالأشياء مذاهب شتّى حتّى إنّ بعضهم أنكره من أصله.

كما أنّ للمثبتين آراء مختلفة أنهاها المحقق السبزواري إلى أحد عشر رأياً نشير إلى بعضها هنا :

الأوّل: إنّ له تعالى علماً بذاته دون معلولاتها لأنّ الذات المتعالية أزليّة، وكل معلول حادث، فلا يمكن أن يكون الحادث معلوماً في الأزل.

وقد عرفت بطلان هذا الرأي من وجوه مختلفة، منها :

٣٣٩

١ ـ إنّ العلم بالذات من الجهة الّتي تنشأ عنها المعلولات علم بنفس المعلول، وقد أوضحنا هذا البرهان في ما سبق.

٢ ـ إنّ بسيط الحقيقة كل الأشياء وإنّ العلم بالذات علم إجمالي بنفس المعاليل قبل الايجاد، وقد أوضحنا هذا الدليل أيضاً.

الثاني: ما ينسب إلى شيخ الاشراق وتبعه فيه جمع من المحقّقين بعده، هو أنّ الأشياء أعمّ من المجرّدات، والماديّات حاضرة بوجودها العيني لديه سبحانه وغير غائبة عنه تعالى ولا محجوبة، وهو علمه التفصيلي بالأشياء بعد الإيجاد.

وقد عرفت إتقان هذا القول، غير أنّ علمه سبحانه بالأشياء لا يختصّ بهذا القسم إذ هو علم بالأشياء بعد الايجاد بالعلم الحضوري.

الثالث: إنّ ذاته المتعالية علم تفصيلي بالمعلول الأوّل، واجمالي بما دونه، وذات المعلول الأوّل علم تفصيلي بالمعلول الثاني، وإجمالي بما دونه وعلى هذا القياس.

وقد عرفت أنّ خلو الذات الإلهية المقدّسة عن كمال العلم بما دون المعلول الأوّل غير تامّ، كيف وهو وجود صرف لا يسلب عنه كمال.

الرابع: ما ينسب إلى المشائيين من أنّ له علماً حضورياً بذاته المتعالية، وعلماً تفصيلياً حصولياً بالأشياء قبل إيجادها، بحضور ماهيّاتها ( الصورة المرتسمة ) على النظام الموجود في الخارج لذاته تعالى، وهذه الماهيّات قائمة به سبحانه نحو قيامها بأذهاننا فهوعلم عنائي له.

وفيه أنّ لازم ذلك خلو الذات عن العلم بالأشياء في مرتبة الذات. وقد عرفت ثبوته بالبرهانين المتقدّمين.

الخامس: إنّ علمه سبحانه بالمعلول الأوّل حضوري لحضور هويته الخارجية

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403