تذكرة الفقهاء الجزء ١

تذكرة الفقهاء19%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 246451 / تحميل: 9737
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وقال الشافعي : يستحب أن يكون ثلاثاً ، وبه قال عطاء(١) ، وقال ابن سيرين : يمسح مرتين فريضة ، ومرة سنة(٢) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ مرّة مرّة ، إلى أن قال : وتوضأ ثلاثاً وقال : ( هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي )(٣) . وقد تقدم جوابه.

فإن كرر معتقداً وجوبه فعل حراماً ولم يبطل وضوؤه ، ولو لم يعتقد وجوبه فلا بأس.

ح ـ الدعاء عند كلّ فعل وعند الفراغ بالمنقول.

ط ـ الوضوء بمد ، وهو قول علمائنا وأكثر أهل العلم(٤) ، والواجب المسمى لحصول الامتثال ، وروى عبد الله بن زيد أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ بثلثي مد(٥) .

ومن طريق الخاصة قول عليعليه‌السلام : « الغُسل من الجنابة والوضوء يجزي فيه ما جرى »(٦) .

____________

١ ـ الاُم ١ : ٢٦ ، المجموع ١ : ٤٣٢ ، فتح العزيز ١ : ٤٠٨ ، مغني المحتاج ١ : ٥٩ ، المغني ١ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ١ : ١٧١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢ ، تفسير القرطبي ٦ : ٨٩ ، نيل الأوطار ١ : ١٩٧.

٢ ـ الموجود في المصادر التالية ، أن ابن سيرين قائل بالمسح مرتين ، مع أن عبارة المتن تنسب إليه القول بالثلاث ، ولعلّ العبارة كانت هكذا : يمسح مرتين ، مرّة فريضة ، ومرة سنة. اُنظر : المجموع ١ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ١ : ١٢٤ ، تفسير القرطبي ٦ : ٨٩.

٣ ـ سنن ابن ماجة ١ : ١٤٥ / ٤٢٠ ، مسند أحمد ٢ : ٩٨ ، سنن الدارقطني ١ : ٨١ / ٦ ، سنن البيهقي ١ : ٨٠.

٤ ـ المهذب للشيرازي ١ : ٣٨ ، المجموع ٢ : ١٨٩ ، المغني ١ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ١ : ٢٥٤.

٥ ـ المستدرك للحاكم ١ : ١٤٤ ، وروي عن ام عمارة كما في سنن النسائي ١ : ٥٨ ، وسنن ابي داود ١ : ٢٣ / ٩٤.

٦ ـ ورد الحديث في التهذيب ١ : ١٣٨ / ٣٨٥ ، والاستبصار ١ : ١٢٢ / ٤١٤ ، هكذا : الغُسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزأ من الدهن الذي يبل الجسد.

٢٠١

وقال محمد : يجب المد ، وهو محكي عن أبي حنيفة(١) .

والغسل بصاع ، والواجب أقل المسمى ، والخلاف للدليل ، كما تقدم.

والاستحباب لقول الباقرعليه‌السلام : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضأ بمد ويغتسل بصاع ، والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال »(٢) ، يعني بالمدني.

ي ـ بدأة الرجل في غسل يديه بظاهر ذراعيه في الاُولى ، وبالباطن في الثانية ، والمرأة بالعكس فيهما بإجماع علمائنا ، لما رواه الشيخ عن محمد ابن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال : « فرض الله على النساء في الوضوء ان يبدأن بباطن أذرعهن ، وفي الرجال بظاهر الذراع »(٣) والمراد بالفرض هنا التقدير لا الوجوب.

خاتمة :

تشتمل على مباحث :

أ ـ يكره التمندل ، وبه قال جابر(٤) ، وابن عباس كرهه في الوضوء دون الغُسل(٥) ، وللشيخ قول : إنّه لا بأس به(٦) .

وللشافعي قولان كهذين(٧) ، لأنّ الحسينعليه‌السلام كان يأخذ

__________________

١ ـ المغني ١ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٥٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٥ ، فتح العزيز ٢ : ١٩١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٤٥.

٢ ـ التهذيب ١ : ١٣٦ / ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ١٢١ / ٤٠٩.

٣ ـ التهذيب ١ : ٧٦ / ١٩٣ ، الكافي ٣ : ٢٨ / ٦.

٤ ـ المجموع ١ : ٤٦٢ ، المغني ١ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ١ : ١٧٧.

٥ ـ المجموع ١ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ١ : ١٧٧ ـ ١٧٨.

٦ ـ النهاية : ١٦ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٣.

٧ ـ المجموع ١ : ٤٦١ ، فتح العزيز ١ : ٤٤٦ ـ ٤٤٧ ، كفاية الأخيار ١ : ١٧ ، مغني المحتاج١ : ٦١.

٢٠٢

المنديل(١) ، وله قول آخر : الفرق بين الصيف والشتاء(٢) .

ب ـ تكره الاستعانة بصب الماء عليه ـ وبه قال أحمد(٣) ـ لأنّهعليه‌السلام قال : ( لا أستعين أنا على وضوئي بأحد )(٤) .

ومن طريق الخاصة : إنّ علياًعليه‌السلام كان لا يدعهم يصبون الماء عليه ، وقال : « لا احب أن اشرك في صلاتي أحدا »(٥) ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : أنّه غير مكروه(٦) ، لأنّه روي أنّهعليه‌السلام قد استعان أحياناً(٧) .

ج‍ ـ يحرم التولية ، لأنّه مأمور بالغسل ، فلا يخرج عن العهدة بفعل غيره ، ولو اضطر جاز ، وبه قال داود(٨) ، وقال الشافعي : يجوز(٩) .

د ـ يجب الاستقصاء في الغُسل بحيث لا يبقى من محل الفرض شيء وإن قل فيبطل.

هـ ـ يستحب تجديد الوضوء لكلّ صلاة ، فرضاً كانت أو نفلاً ،

____________

١ ـ المجموع ١ : ٤٦٢ : المغني ١ : ١٦١ ، الشرح الكبير ١ : ١٧٧ ، سنن البيهقي ١ : ١٨٥. وفيها الحسن بن عليعليهما‌السلام .

٢ ـ المجموع ١ : ٤٦٢ ، فتح العزيز ١ : ٤٤٨ ، كفاية الأخيار ١ : ١٧.

٣ ـ المغني ١ : ١٦١ ، الشرح الكبير ١ : ١٧٧.

٤ ـ فتح العزيز ١ : ٤٤٣ ، نيل الأوطار ١ : ٢١٩.

٥ ـ التهذيب ١ : ٣٥٤ / ١٠٥٧ ، الفقيه ١ : ٢٧ / ٨٥ ، علل الشرائع : ٢٧٩ باب ١٨٨.

٦ ـ المجموع ١ : ٣٤١ ، فتح العزيز ١ : ٤٤٣ ـ ٤٤٤ ، كفاية الأخيار ١ : ١٦ ـ ١٧ ، مغني المحتاج ١ : ٦١.

٧ ـ صحيح البخاري ١ : ٥٦ ، سنن الدارمي ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣٧ ـ ١٣٨ /٣٨٩ ـ ٣٩٢.

٨ ـ المجموع ١ : ٣٤١ ، حلية العلماء ١ : ١١٤.

٩ ـ الاُم ١ : ٢٨ و ٢٩ ، المجموع ١ : ٣٤١ ، فتح العزيز ١ : ٤٤٤ ، كفاية الأخيار ١ : ١٧ ، مغني المحتاج ١ : ٦١.

٢٠٣

وللشافعي وجهان في النفل ، أحدهما : عدم الاستحباب ، قال : ولا يستحب التجديد لسجود التلاوة والشكر ، قال : ولو توضأ ولم يصل كره له التجديد ، وكذا لو توضأ وقرأ كره له التجديد(١) ، وليس بجيد ، لعموم الاستحباب.

* * *

__________________

١ ـ المجموع ١ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠.

٢٠٤

الفصل الخامس : في أحكامه.

مسألة ٥٧ : يجوز أن يصلّي بوضوء واحد جميع الصلوات فرائضها وسننها ما لم يحدّث ، سواء كان الوضوء فرضاً أو نفلاً ، وسواء توضأ لفريضة أو نافلة ، قبل الوقت وبعده ، مع ارتفاع الحدث بلا خلاف ، أما مع بقاء الحدث كالمستحاضة ، فقولان سيأتي بحثهما.

وقال بعض الظاهرية : لا يجوز أن يجمع بين صلوات كثيرة بوضوء واحد(١) ، نعم يستحب التجديد كما تقدم ، لقولهمعليهم‌السلام : « الوضوء على الوضوء نور على نور ، ومن جدد وضوء لغير حدث جدد الله توبته من غير استغفار »(٢) وروي « أن تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا والله وبلى والله »(٣) .

مسألة ٥٨ : قال الشيخ : من به سلس البول يجوز أن يصلّي بوضوء واحد صلوات كثيرة ، لعدم دليل وجوب التجديد ، وحمله على المستحاضة قياس لا نقول به ، ويجب أن يجعله في كيس ويحتاط لذلك(٤) .

وقال الشافعي : لا يجمع بين فريضتين بوضوء ، ويجوز أن يجمع بين

__________________

١ ـ المجموع ١ : ٤٧٠ ، الميزان ١ : ١٢٠ ، رحمة الامة ١ : ٢٠ ، عمدة القارئ ٣ : ١١٢ و ١١٣ ، إرشاد الساري ١ : ٢٨٦.

٢ ـ الفقيه ١ : ٢٦ / ٨٢ ، ثواب الأعمال ٣٣ / ٢.

٣ ـ الفقيه ١ : ٢٦ / ٨١ ، ثواب الأعمال : ٣٣ / ١.

٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٢٠٥

فريضة ونوافل(١) .

والوجه عندي أنّه لا يجوز أن يجمع بين صلاتين بوضوء واحد ـ وهو قول للشيخ(٢) أيضاً ـ لوجود الحدث ، فيبقى الأمر بالغسل عند القيام ثانياً فلا يخرج عن العهدة بدونه والتحفط ، لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن تقطير البول قال : « يجعل خريطة إذا صلّى »(٣) .

فروع :

أ ـ المبطون : وهو الذي به البطن ، وهو الذرب(٤) كصاحب السلس.

ب ـ لو كان لصاحب السلس ، أو البطن حال انقطاع في وقت الفريضة ، وجب الصبر إليه ، وإزالة النجاسة عن ثوبه وبدنه ، والوضوء بنيةرفع الحدث.

ج‍ ـ لا فرق في الأحداث الثلاثة ، أعني البول والغائط والريح.

د ـ لو تلبس المبطون أو صاحب السلس أو الريح بالصلاة ثم فجأهالحدث ، فإن كان مستمرا فالوجه عندي الاستمرار لأنّها طهارة ضرورية كالمستحاضة ، وإن كان يمكنه التحفظ استأنف الطهارة والصلاة.

وقيل في المبطون : إن كان الحدث مستمراً يتطهر ويبني على صلاته لقول الباقرعليه‌السلام : « صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي »(٥) ويحمل على ما بقي من الفرائض لا من الفريضة الواحدة.

هـ ـ يجب أن يوقع الصلاة عقيب الطهارة لئلّا يتخلل الحدث.

__________________

١ ـ المجموع ١ : ٤٧١.

٢ ـ الخلاف ١ : ٢٤٩ مسألة ٢٢١.

٣ ـ التهذيب ١ : ٣٥١ / ١٠٣٧.

٤ ـ ذربت معدته : فسدت. الصحاح ١ : ١٢٧ « ذرب ».

٥ ـ التهذيب ١ : ٣٥٠ / ١٠٣٦.

٢٠٦

مسألة ٥٩ : الجبائر إن أمكن نزعها نزعت واجباً وغسل ما تحتها إن أمكن أو مسحت ، وان لم يمكن وأمكنه إيصال الماء إلى ما تحتها بأن يكرره عليه ، أو يغمسه في الماء وجب ، لأنّ غسل موضع الفرض ممكن ، فلايجزي المسح على الحائل.

وإن لم يمكنه مسح عليها ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، ولا نعرف فيه مخالفاً ، لأنّ علياًعليه‌السلام قال : « انكسرت إحدى زنديّ ، فسألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ـ فأمرني أن أمسح على الجبائر »(١) والزند عظم الذراع.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل »(٢) ولأنّه في محل الضرورة ، فكان أولى بالجواز من التيمم.

فروع :

أ ـ إذا كانت الجبائر على جميع أعضاء الغُسل وتعذر غسلها ، مسح على الجميع مستوعباً بالماء ، ومسح رأسه ورجليه ببقية البلل ، ولو تضرر بالمسح تيمم.

ب ـ لو كان عليه دواء يتضرر بإزالته ، ويتعذر وصول الماء إلى ما تحته أجزأه المسح عليه ، فإن تضرر مسح على خرقة مشدودة عليه ، وحكم الخرقة حكم الجبيرة.

ج ـ لو كان على الجرح خرقة مشدودة ، ونجست بالدم ، وتعذر نزعها وضع عليها خرقة طاهرة ومسح عليها.

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٢١٥ / ٦٥٧ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٢٦ / ٣ ، سنن البيهقي ١ : ٢٢٨.

٢ ـ التهذيب ١ : ٣٦٣ / ١١٠٠.

٢٠٧

د ـ المقارب لمحل الكسر مما لا بدّ من وضع الجبيرة عليه كمحل الكسر ، أما ما منه بدّ فكالصحيح ، فلو وضع على يده وتعذرت الإزالة فالوجه المسح ، والإعادة لما صلّى بذلك الوضوء إنّ فرط في الوضع ، وإلّا فلا.

هـ ـ الجبيرة إنّ استوعبت محل الفرض مسح عليه أجمع ، وغسل باقي الأعضاء ، وإلّا مسح على الجبيرة وغسل باقي العضو ، ولو تعذر المسح على الجبيرة تيمم ، ولا يجب غسل باقي الاعضاء.

و ـ يجب أن يستوعب الجبيرة بالمسح ليصدق المسح عليها ، إذ الجزء مغاير ، ولأن محل أصلها يجب مسحه فوجب ، وهو أحد قولي الشافعي ، والآخر : يمسح ما يقع عليه الاسم ، لأنّه مسح على حائل دون العضو ، فأجزأ ما يقع عليه الاسم كالمسح على الخفّين(١) .

والأصل ممنوع ، والفرق بأنّ محل أصل المقيس عليه لا يجب استيعابه ، بخلاف الفرع.

ز ـ المسح على الجبائر لا يتقدر بمدة ، بل يجوز ما دام الضرر بنزعها أو المسح عليها باقياً ، ولا فرق بين أن يكون جنباً أو محدثاً ، ولا بين أن يكون لبس الجبائر على طهارة أو لا ، فلا يجب عليه إعادة الصلاة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أحمد في إحدى الروايتين(٢) للعموم.

وقال الشافعي : إن كان لبس الجبيرة محدثاً مسح عليها ، ووجب عليه الإعادة قولاً واحداً ، وإن لبسها متطهرا فقولان ، لأنّه عذر نادر(٣) ، وبعض الشافعية قال : في الأول أيضاً قولان(٤) .

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٣٢٦ ، فتح العزيز ٢ : ٢٨٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٤٤.

٢ ـ المغني ١ : ٣١٤ ، الشرح الكبير ١ : ١٨٦.

٣ ـ المجموع ٢ : ٣٢٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٠٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٤٤.

٤ ـ المجموع ٢ : ٣٢٩.

٢٠٨

ح ـ لا يجب على ماسح الجبيرة التيمم لاصالة البراء‌ة ، ولأنّه لا يجب عليه بدلان عن مبدل واحد.

وللشافعي قولان ، أحدهما : الوجوب(١) ، لحديث جابر [ في ](٢) الذي أصابته الشجة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إنّما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده )(٣) ويحمل على جعل الواو بمعنى أو.

ط ـ لو كانت الجبائر على موضع التيمم ، ولم يتمكن من نزعها مسح على الجبيرة وأجزأه ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : يمسح بالماء ويتيمم ويمسح بالتراب على الجبائر ، قال : ويعيد الصلاة قولاً واحدا(٤) وعندنا لا إعادة عليه ، لأنّه فعل المأمور به فخرج عن العهدة لما ثبت من أن الأمر للاجزاء.

ي ـ لا فرق بين أن يكون ما تحت الجبيرة طاهراً أو نجساً اذا لم يتمكن من غسله.

يا ـ لو زال الحائل ففي وجوب الاستئناف إشكال ، ينشأ من أن الحاضرة يجب أن تصلى بطهارة يقع فيها الغسل مباشرة مع المكنة ، وهي حاصلة هنا ، ومن أن الحدث ارتفع أولاً فلا مانع.

مسألة ٦٠ : من تيقن أحد فعلي الطهارة أو الحدث ، وشك في الآخر ، عمل على المتيقن وألغى الشك ، والأصل فيه ما روي أنّ النبيّ صلّى الله

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٣٢٧ ، فتح العزيز ٢ : ٢٨٤ و ٢٨٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٤٤.

٢ ـ زيادة يقتضيها السياق.

٣ ـ سنن ابي داود ١ : ٩٣ / ٣٣٦.

٤ ـ المجموع ٢ : ٣٢٧ ـ ٣٣٠ ، فتح العزيز ٢ : ٢٨٧.

٢٠٩

عليه وآله قال : ( إنّ الشيطان ليأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فيقول : أحدثت أحدثت فلا ينصرفن عن صلاته حتى يسمع صوتا أو يجد ريحاً )(١) .

ومن طريق الخاصة نحوه(٢) ، وقول الصادقعليه‌السلام : « ولا ينقض اليقين أبداً بالشك ، ولكن ينقضه بيقين آخر مثله »(٣) .

ولأنّه حرج ، لعدم انفكاك الانسان من الشك فيما فعله في الماضي ، فإن شك في الحدث لا يلتفت ، وإن شك في الطهارة تطهّر ، ولا نعرف فيه خلافاً إلّا من مالك فإنّه قال : إذا شك في الحدث مع تيقن الطهارة تطهر ، وهو أحد وجهي الشافعية(٤) .

وقال الحسن البصري : إن كان في الصلاة بنى على اليقين ، وإن كان خارجها توضأ ، لأنّه يدخل في الصلاة مع شك الطهارة فلم يجز ، كما لو شك في طهارته وتيقن الحدث(٥) .

وهو غلط ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن الرجل يخيل إليه في الصلاة فقال : ( لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )(٦) ، ويخالف المقيس عليه ، لأنّ في الأصل بقاء الحدث ، وفي الفرع بقاء الطهارة.

__________________

١ ـ لم نعثر على نصها في كتب الحديث التي بأيدينا ، وهي موجودة في فتح العزيز ٢ : ٧٩ وورد مايقرب منه في عوالي اللآلي ١ : ٣٨٠ / ١ ، نقلاً عن الشهيد في بعض مصنفاته وبمضمونه في مسند أحمد ٣ : ٩٦ وكنز العمال ١ : ٢٥١ / ١٢٦٩ و ٢٥٢ / ١٢٧٠.

٢ ـ الكافي ٣ : ٣٦ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٤٧ / ١٠١٧ ، الاستبصار ١ : ٩٠ / ٢٨٩.

٣ ـ التهذيب ١ : ٨ / ١١.

٤ ـ المجموع ٢ : ٦٤ ، فتح الباري ١ : ١٩٢ ، فتح العزيز ٢ : ٧٩ و ٨٠ ، الوجيز ١ : ١٦ ، المدونة الكبرى ١ : ١٣ ، الشرح الصغير ١ : ٥٦ ، نيل الأوطار ١ : ٢٥٦.

٥ ـ عمدة القارئ ٢ : ٢٥٣ ، فتح الباري ١ : ١٩٢ ، نيل الأوطار ١ : ٢٥٦ ، المجموع ٢ : ٦٤ ، المغني ١ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٢٧.

٦ ـ صحيح البخاري ١ : ٤٦ ، صحيح مسلم ١ : ٢٧٦ / ٣٦١ ، سنن البيهقي ١ : ١٦١.

٢١٠

مسألة ٦١ : لو تيقنهما وشك في المتأخر ، قال أكثر علمائنا : يعيد الطهارة مطلقاًً لحصول الشك(١) ، وهو أحد وجوه الشافعية(٢) .

وقيل : إن لم يسبق له وقت يعلم حاله فيه أعاد ، وإن سبق بنى على ضد تلك الحال ، فلو عرف بعد الزوال أنّه تطهر وأحدث ، وعلم أنّه قبل الزوال كان متطهرا ، فهو الآن محدث ، لأنّ تلك الطهارة بطلت بالحدث الموجود بعد الزوال.

والطهر الموجود بعده يحتمل تقدمه على الحدث لإمكان التجديد ، وتأخره فلا يرفع حكماً تحققناه بالشك ، ولو لم يكن من عادته التجديد فالظاهر أنّه متطهر بعد الحدث ، فتباح له الصلاة.

وان كان قبله محدثاً ، فهو الآن متطهر لارتفاعه بالطهر الموجود بعد الزوال ، والحدث الموجود يحتمل سبقه ، لإمكان توالي الاحداث ، وتأخره فلا تبطل طهارة متحققة بحدث موهوم(٣) .

وقيل : يراعى الأصل السابق ، فإن كان قبل الزوال متطهرا أو محدثاً فهو كالسابق ، ويحكم بسقوط حكم الحدث والطهر الموجودين بعده لتساوي الاحتمالين ، وللشافعية الوجوه الثلاثة(٤) .

والأقرب أن نقول : إنّ تيقن الطهارة والحدث متحدين متعاقبين ولم يسبق حاله على علم زمانهما تطهر ، وإن سبق استصحب.

مسألة ٦٢ : لو شك في شيء من أفعال الوضوء ، فإن كان على حاله لم

__________________

١ ـ منهم المفيد في المقنعة : ٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٥٢ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٤ ، وسلّار في المراسم : ٤٠.

٢ ـ كفاية الأخيار ١ : ٢٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣٩ ، المجموع ٢ : ٦٤ ، فتح العزيز ٢ : ٨٣.

٣ ـ القائل هو المحقق في المعتبر : ٤٥.

٤ ـ المجموع ٢ : ٦٤ ، فتح العزيز ٢ : ٨١ ـ ٨٢ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣٩.

٢١١

يفرغ منه أعاد على ما شك فيه وعلى ما بعده ، ولو كان السابق قد جفّ استأنف من رأس ، لأنّ الأصل عدم الفعل ، فلا يدخل في الصلاة بطهارة غير مظنونة.

ولو كان الشك بعد الفراغ والانصراف لم يلتفت إلى الشك ، لقضاء العادة بالانصراف من الفعل بعد استيفائه ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا ، فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه ، وإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت في حالة اُخرى في الصلاة أو غيرها ، وشككت في شيء مما سمى الله عليك وضوء‌ه فلا شيء عليك فيه »(١) وهو نصّ في الحكمين.

وبعض الشافعية سوى بين الحكمين ، وأوجب الاتيان بالمشكوك فيه وبما بعده لئلا يدخل إلى الصلاة بطهارة مشكوك فيها(٢) ، ولا شك بعد الحكم لعدم الالتفات.

تذنيب : لو كان الشك في شيء من أعضاء الغُسل ، فإن كان في المكان أعاد عليه وعلى ما بعده ، وإن كان بعد الانتقال فكذلك ، بخلاف الوضوء ، لقضاء العادة بالانصراف عن فعل صحيح ، وإنّما يصح هناك لو كمّل الافعال ، للبطلان مع الإخلال بالموالاة ، بخلاف الغسل.

وفي المرتمس ، ومن عادته التوالي ، إشكال ينشأ من الالتفات إلى العادة وعدمه.

والتيمم مع اتساع الوقت ، إنّ أوجبنا الموالاة فيه فكالوضوء ، وإلا فكالغسل.

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٣٣ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ / ٢٦١.

٢ ـ المجموع ١ : ٤٦٨.

٢١٢

مسألة ٦٣ : لو تيقن ترك عضو ، أتى به وبما بعده مطلقاًً بلا خلاف ، ولو جفّ السابق استأنف ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « اذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ، ومسح رأسه ورجليه ، غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه ، وإن كان إنّما نسي شماله فليعد الشمال ولا يعيد على ما كان توضأ »(١) ومن أسقط الترتيب أوجب الإتيان بالمنسي خاصة.

ومع الجفاف يجب الجميع عند من أوجب الموالاة.

ولو كان المتروك مسحاً مسح ، فإن لم يبق على يده نداوة أخذ من لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه ، ومسح برأسه ورجليه ، لتحريم الاستئناف ، فإن لم يبق على شيء من ذلك نداوة استأنف.

فروع :

أ ـ لو جدد ندباً وصلّى ثم ذكر إخلال عضو من إحداهما أعاد الطهارة والصلاة ، على ما اخترناه من اشتراط نيّة الوجوب أو الندب ، او الاستباحة أو الرفع ، أما من اكتفى بالقربة فلا يعيد شيئاً لأنّه من أي الطهارتين كان سلمت الاخرى.

ولو صلّى بكل منهما صلاة أعاد الجميع عندنا ، وعند الشيخ يعيد الاُولى خاصة(٢) ، لاحتمال أن يكون من طهارتها فتبطل ، وتصح الثانية بالثانية ، وأن يكون من الثانية فيصح الجميع ، فالاولى مشكوك فيها دون الثانية.

ولو جدّد واجباً بنذر وشبهه ، فإن اكتفينا بالوجه فكالشيخ ، وإلّا فكالمختار.

ب ـ لو توضأ وصلّى وأحدث ثم توضأ وصلّى أخرى ، ثم ذكر الاخلال

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٣٤ / ٤ ، التهذيب ١ : ٩٩ / ٢٥٩.

٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٤ ـ ٢٥.

٢١٣

المجهول تطهر وأعادهما مع الاختلاف عدداً ، وإلّا العدد ينوي به ما في ذمته على الأقوى ، وقيل : الجميع مطلقاًً(١) ، وكذا لو ذكر أنّه نقض إحدى الطهارتين وجهل تعيينها.

ج ـ لو صلّى الخمس بخمس طهارات من غير حدث ، ثم ذكرالحدث عقيب أحدها ، قال الشيخ : يعيد الجميع(٢) وهو حق عندنا ، أما عنده(٣) فالأقرب إعادة صبح ومغرب ، وأربع ينوي ما في ذمته ، وكذا لو تحقق الاخلال المجهول ، أما لو تطهر لكلّ من الخمس عقيب حدث وتيقن الإخلال المجهول أو النقض ، قال الشيخ : يعيد الجميع(٤) والمعتمد الثلاث.

د ـ لو توضأ للخمس خمساً عن حدث وتيقن الاخلال المجهول من طهارتين ، أعاد أربعا ، صبحاً ومغربا وأربعاً مرتين ، فله إطلاق النيّة فيهما والتعيين فيأتي بثالثة ويتخير بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء ، فيطلق بين الباقيتين وله الإطلاق الثاني ، فيكتفي بالمرتين.

هـ ـ لو كان الترك من طهارتين في يومين ، فإن ذكر التفريق صلّى عن كلّ يوم ثلاث صلوات أربعا وثلاثا واثنين.

وإن ذكر جمعهما في يوم واشتبه صلّى أربعاً ، ولو جهل الجمع والتفريق صلّى عن كلّ يوم ثلاث صلوات.

والبحث فيما لو توضأ خمساً لكلّ صلاة طهارة عن حدث ثم ذكر النقض المجهول بين الطهارة والصلاة كذلك.

__________________

١ ـ قال به الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٤.

٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٥.

٣ ـ الصحيح « عندي » كما هو رأي المصنف في منتهى المطلب ١ : ٧٥ وتحرير الاحكام : ١١ ، وذيل الفرع شاهد على ذلك ، مضافاً إلى أن هذا الرأي ليس في المبسوط.

٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٥ ـ ٢٦.

٢١٤

و ـ لو صلّى الخمس بثلاث طهارات عن حدث ثم ذكر الإخلال المجهول فإن جمع بين الرباعيتين بطهارة صلّى أربعا ، صبحاً ومغرباً وأربعاً مرتين ، وإلّا اكتفى بالثلاث.

* * *

٢١٥
٢١٦

الباب الثالث : في الغسل

و هو قسمان : واجب ونفل ، فالواجب ستة : غسل الجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومس الأموات بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم بالغسل ، وغسل الموتى ، فهنا فصول :

٢١٧
٢١٨

الفصل الأول : في غسل الجنابة.

ومطالبه ثلاثة :

الأول : في السبب وهو أمران : الإنزال والجماع.

أما الإنزال : فهو خروج المني ، وله ثلاث خواص : أن تكون رائحته كرائحة الكثر(١) ما دام رطبا ، وكرائحة بياض البيض إذا جفّ ، وأن يندفق بدفعات ، وأن يتلذذ بخروجه ، وتنكسر الشهوة عقيبه ، وأما الثخانة والبياض فلمنيّ الرجل ، ويشاركه فيها الوذي ، والرقة والصفرة في مني المرأة ، ويشاركه فيهما المذي لقولهعليه‌السلام : ( الماء من الماء )(٢) .

وأما الجماع : فحدّه التقاء الختانين ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل )(٣) .

مسألة ٦٤ : إنزال الماء الدافق كيف كان يقظة ونوماً ، بشهوة وغيرها ، بدفق أو لا يوجب الغُسل ، الرجل والمرأة في ذلك سواء ، ذهب إليه علماؤنا

__________________

١ ـ الكثر : جمار النخل ويقال طلعها. الصحاح ٢ : ٨٠٣ مادة « كثر ».

٢ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ / ٣٤٣ ، سنن النسائي ١ : ١١٥ ، مسند أحمد ٣ : ٢٩ ، سنن الدارمي١ : ١٩٤ ، سنن الترمذي ١ : ١٨٦ / ١١٢ ، سنن ابي داود ١ : ٥٦ / ٢١٧. سنن ابن ماجة ١ : ١٩٩ / ٦٠٧.

٣ ـ مسند أحمد ٦ : ٢٣٩ ، سنن البيهقي ١ : ١٦٣.

٢١٩

أجمع ، وبه قال الشافعي(١) للحديث(٢) ، ولأنّه منيّ آدمي خرج من محله من المخرج المعتاد فيجب الغُسل ، كالملتذ والنائم.

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد : لا يجب الغُسل إلّا إذا خرج الماء على وجه الدفق والشهوة ، لأنّه بدونهما كالمذي(٣) .

والفرق ظاهر ، فإن المذي لا يوجب الغُسل بحال.

فروع :

أ ـ إذا اغتسل من الماء ثم خرج منيّ آخر منه ، فإن كان يعلم أنّه منيّ وجب عليه الغُسل ، سواء بال أو لا ـ وبه قال الشافعي(٤) ـ للنص(٥) .

وقال أبو حنيفة : إنّ خرج قبل البول وجب أن يعيد الغُسل ، لأنّه بقية ما خرج بالدفق والشهوة ، وإن خرج بعده لم يجب ، لأنّه خرج بغير دفق ولا

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٢ : ١٢٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٣ ـ ٢٤ ، الوجيز ١ : ١٧ ، مختصرالمزني : ٥ ، الاُم ١ : ٣٧ ، المحلى ٢ : ٥ ـ ٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٦٧ ، بداية المجتهد١ : ٤٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٦ ، شرح العناية ١ : ٥٣ ، المغني ١ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٠.

٢ ـ مسند أحمد ٣ : ٢٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ / ٣٤٣ ، سنن النسائي ١ : ١١٥ ، سنن الدارمي ١ : ١٩٤ ، سنن الترمذي ١ : ١٨٦ ، ذيل الحديث ١١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩٩ / ٦٠٧ ، سنن أبي داود ١ : ٥٦ / ٢١٧.

٣ ـ المجموع ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٢ : ١٢٥ ، الوجيز ١ : ١٧ ، المحلى ٢ : ٦ المبسوط للسرخسي ١ : ٦٧ ، بداية المجتهد ١ : ٤٧ ، الشرح الصغير ١ : ٦١ ، المغني ١ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٠ ، اللباب ١ : ١٦ ، شرح فتح القدير ١ : ٥٣.

٤ ـ الاُم ١ : ٣٧ ، المجموع ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٢ : ١٢٥ ، الوجيز ١ : ١٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٤ ، المحلى ٢ : ٧ ، المغني ١ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٤.

٥ ـ مسند أحمد ٣ : ٢٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ / ٣٤٣ ، سنن النسائي ١ : ١١٥ ، سنن

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

النبيّ يخبر الزهراء عن أحداث المستقبل

من الطبيعي أنّ السيدة فاطمةعليها‌السلام مع منزلتها القريبة ومكانتها الخاصة عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان الرسول يخبرها عن المستقبل الخاص والعام.

إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخبر الناس عمّا يجري بعده ويخبرهم عن أشراط الساعة، وعلائم آخر الزمان ومشاهد القيامة.

أتراه لا يعلم بما سوف يجري على أهل بيته من بعده، وعلى ابنته العزيزة فاطمة الزهراء؟!

أو تراه يعلم ذلك ولا يخبرهم بما يتعلّق بمستقبلهم ومصيرهم؟!

نعم... كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يخبر أهل بيته بما سيجري عليهم من الناس من بعد وفاته مباشرة، وبعد ذلك على طول خط التاريخ، فكم أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه وزوجاته بشهادة الحسينعليه‌السلام ؟

ومن اليقين أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر ابنته الحبيبة فاطمة بمصائبها ونوائبها واضطهادها، وما يجري عليها من المآسي.

وخاصة في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة، وعلى الأخص في الليلة الأخيرة واليوم الأخير من حياته؛ فقد ضاق المجال وحضرت الساعة الحرجة

٢٤١

ليكشف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النقاب عن الواقع لابنته، ويخبرها بكل صراحة، فيبشرّها أنّها لا تلبث بعده إلاّ قليلاً، ثم تلتحق بأبيها الرسول في الدرجات العلا والرفيق الأعلى، ثم يخبرها بتبدّل الأحوال وتغيّر الأوضاع:

فقد رُوي عن عبد الله بن العباس قال: لما حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة بكى حتى بلّت دموعه لحيته،

فقيل له: يا رسول الله ما يبكيك؟

فقال: أبكي لذرّيّتي، وما تصنع بهم شرار أُمَّتي من بعدي، كأنّي بفاطمة بنتي وقد ظُلمت بعدي وهي تنادي يا أبتاه فلا يعينها أحد من أُمّتي.

فسمعت ذلك فاطمةعليها‌السلام فبكت، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تبكينّ يا بنيّة.

فقالت: لست أبكي لما يُصنع بي من بعدك، ولكنّني أبكي لفراقك يا رسول الله.

فقال لها: أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي؛ فإنّك أوّل مَن يلحق بي من أهل بيتي(1) .

وعن ابن عبّاس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال:... وإنّي لما رأيتها(فاطمة) ذكرت ما يُصنع بها بعدي، كأنّي وقد دخل الذلّ بيتها وانتهكت حرمتها، وغُصب حقُّها، ومُنع إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمّداه. فلا تُجاب، وتستغيث فلا تُغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة، وتتذكر فراقي أُخرى، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43 ص 156 عن الأمالي للشيخ المفيد.

٢٤٢

الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة... إلى آخره(1) .

هذا والأخبار والأحاديث الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في إخباره أهل بيته بما يجري عليهم من بعده كثيرة جداً، وآخر مرة أخبر النبي أهل بيته (وهم عليّ والزهراء والحسن والحسين) في مرض موته، وقبل وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بساعات قلائل.

فقد رُوي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) - في مرضه الذي قُبض فيه لفاطمةعليها‌السلام -: بأبي وأُمّي أنتِ! أرسلي إلى بعلك فادعيه لي.

فقالت فاطمة للحسين أو الحسن: انطلق إلى أبيك فقل: يدعوك جدّي. فانطلق إليه الحسين فدعاه. فأقبل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام حتى دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة عنده وهي تقول:

وا كرباه لكربك يا أبتاه!

فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم(2) : تدمع العينان وقد يوجع القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون(3) .

ورُوي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وقال لمـَن في بيته: أخرجوا عني. وقال لأُم

____________________

(1) بحار الأنوار ج43 ص 172 عن أمالي الصدوق / 99.

(2) ابراهيم بن رسول الله، وامّه مارية القبطية، توفي وله من العمر سنة ونصف.

(3) تفسير فرات بن ابراهيم، رواه عنه في البحار ج 22.

٢٤٣

سلمة: كوني على الباب فلا يقربه أحد.

ثم قال لعلي: أُدنُ منّي، فدنا منه فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلاً وأخذ بيد عليّ بيده الأخرى، فلمّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام غلبته عبرته، فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة بكاءً شديداً وبكى عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام لبكاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت فاطمة: يا رسول الله قد قطّعت قلبي، وأحرقت كبدي لبكائك يا سيّد النبيّين من الأوّلين والآخرين، ويا أمين ربّه ورسوله، ويا حبيبه ونبيّه.

مَن لولدي بعدك؟

ولذُلٍّ ينزل بي بعدك؟ مَن لعليّ أخيك وناصر الدين؟

مَن لوحي الله وأمره؟

ثم بكت وأكبَّت على وجهه فقبّلته، وأكبَّ عليه عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام فرفع رأسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم، ويد فاطمة في يده فوضعها في يد عليّ وقال له:

يا أبا الحسن وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك، فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنّك لفاعل هذا.

يا عليّ هذه - والله - سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، هذه - والله - مريم الكبرى (1) .

أما - والله - ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم، فأعطاني ما سألته.

يا عليّ أنفذ ما أمرتك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل.

____________________

(1) أي من حيث الشبه أو المنزلة.

٢٤٤

واعلم يا عليّ أنّي راضٍ عمّن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربّي وملائكته.

يا عليّ: ويل لمـَن ظلمها، ويل لمـَن ابتزّها حقّها، وويل لمـَن هتك حرمتها...

ثم ضمّصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة إليه وقبّل رأسها وقال: فداك أبوك يا فاطمة... إلى آخره(1) .

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام - في حديث طويل -: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لابنته فاطمةعليها‌السلام : (أما ترضين أن تنظري إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليكِ والى ما تأمرين به، وينظرون إلى بَعلك قد حضَر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله، فما ترين الله صانعاً بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك...) إلى آخر الحديث(2) .

إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبر ابنته - بكل صراحة - بأنّها سوف تُقتل، كما يُقتل زوجها ووُلدها أيضاً.

وسوف تقرأ - في فصل قادم - ما جرى على سيّدة النساء من المصائب والآلام، التي أدّت إلى شهادتها ووفاتها.

وروي عن الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام قال: قلت لأبي عبد الله[ الصادق ] عليه‌السلام : أليس كان أمير المؤمنين كاتب الوصيّة، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المملي عليه، وجبرئيل والملائكة المقرّبونعليهم‌السلام شهوداً؟

قال: فأطرق[ الإمام الصادق ] طويلاً(1) ثم قال[ الإمام ] : يا أبا الحسن

____________________

(1) بحار الأنوار ج 22 / 484.

(2) بحار الأنوار ج 44 ص 265.

(3) وفي نسخة: مليّاً.

٢٤٥

[ الكاظم ] قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأمر (1) نزلت الوصيّة من عند الله كتاباً مُسجّلاً (2) نزل به جبرئيل مع أمناء الله (تبارك وتعالى) من الملائكة.

فقال جبرئيل: يا محمد! مُر بإخراج مَن عندك، إلاّ وصيَّك، ليقبضها منّا، وتُشهِدنا بدَفعك إيّاها إليه، ضامناً لها - يعني عليّاًعليه‌السلام .

فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بإخراج مَن كان في البيت ماخلا عليّاًعليه‌السلام وفاطمة فيما بين الستر والباب؛

فقال جبرئيل: يا محمد! ربُّك يقرؤك السلام، ويقول:

(هذا كتاب ما كنتُ عهدتُ إليك، وشرطت عليك، وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي، وكفى بي - يا محمد - شهيداً.

قال [ الإمام الصادق ] : فارتعدت مفاصل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا جبرئيل؛ ربّي هو السلام، ومنه السلام، وإليه يعود السلام، صدق (عزّ وجلّ) وبرَّ، هاتِ الكتاب.

فدفعه إليه، وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال له: اقرأه. فقرأه حرفاً حرفاً؛ فقال [ النبي ]: يا علي، هذا عهد ربّي (تبارك وتعالى) إليّ، وشرطه عليّ، وأمانته، وقد بلّغت ونصحتُ وأدّيتُ!

فقال عليعليه‌السلام : وأنا أشهد لك - بأبي وأمّي أنت - بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت، ويشهد لك سمعي وبصري ولحمي ودمي!

فقال جبرئيل: وأنا لكما على ذلك من الشاهدين.

____________________

(1) لعلّ المقصود من الأمر - هنا -: الموت.

(2) مُسجّلاً: أي محكماً مستوثقاً.

٢٤٦

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، أخذتَ وصيَّتي وعرفتها، وضمنتَ لله ولي الوفاء بما فيها؟

فقال عليعليه‌السلام : نعم بأبي أنت وأُمّي، عليّ ضمانُها، وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي، إنّي أريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة!!

فقال عليعليه‌السلام : نعم، أشهد.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن، وهُما حاضران، معهما الملائكة المقرّبون، لأشهدهم عليك!

فقال: نعم، ليشهدوا، وأنا - بأبي أنت وأُمّي - أشهدهم!

فأشهدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان فيما اشترط عليه النبي - بأمر جبرئيلعليه‌السلام فيما أمر الله به (عزّ وجلّ) أن قال له:

(يا علي، تفي بما فيها من موالاة مَن والى الله ورسوله، والبراءة والعداوة لمـَن عادى الله ورسوله، والبراءة منهم على الصبر منك [ و ] على كظم الغيظ، وعلى ذهاب حقّي، وغصب خُمسك (1) وانتهاك حُرمتك؟

فقال: نعم، يا رسول الله.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : والذي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة، لقد سمعت جبرئيلعليه‌السلام يقول للنبي:

(يا محمد! عرِّفه أنّه ينتهك الحرمة، وهي حرمة الله، وحرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط!).

____________________

(1) وفي نسخة: غصبك.

٢٤٧

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : فصعقت حين فهمتُ الكلمة من الأمين جبرئيل حتى سقطتُ على وجهي، وقلتُ:

(نعم، قبلتُ ورضيتُ، وإن انتهكت الحرمة! وعُطّلت السّنن، ومزّق الكتاب [ القرآن ] وهدّمت الكعبة، وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط، محتسباً أبداً، حتى أقدم عليك).

ثم دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة والحسن والحسين، وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين، فقالوا مثل قوله؛ فَخُتِمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسّه النار، ودفعت إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

قال الراوي: فقلت لأبي الحسن [ الكاظم ]عليه‌السلام : بأبي أنت وأُمّي! ألا تذكر ما كان في الوصيّة؟

فقال: سنن الله وسنن رسوله.

فقلت: أكان في الوصيّة توثّبهم(1) وخلافهم على أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟

فقال: نعم، والله، شيئاً شيئاً، وحرفاً حرفاً، أما سمعتَ قول الله (عزّ وجلّ):( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) ؟

والله لقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين وفاطمةعليهما‌السلام : أليس قد فهمتُما ما تقدّمت به إليكما وقبلتماه؟

فقالا: بلى، وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا (2) .

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك الساعة الأخيرة

____________________

(1) التوثُّب: الاستيلاء على الشيء ظلماً.

(2) الكافي: ج1 ص281.

٢٤٨

واضعاً رأسه على صدر عليّعليه‌السلام وقلبه لا يطاوعه إلاَّ أن يضمّ فاطمة إلى صدره مرة بعد مرة ودموعه تجري كالمطر، حتى ابتلت لحيته الشريفة وابتلّت الملاءة التي كانت عليه، وأقبل الحسن والحسين يقبّلان قدميه ويبكيان بأعلى أصواتهما.

وأراد عليّعليه‌السلام أن يرفعهما، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : دَعهما يشمّاني وأشمّهما، ويتزوّدا منّي وأتزوّد منهما، فسيلقيان من بعدي زلزالاً، وأمراً عضالاً، فلعن الله مَن يحيفهما، اللّهمّ إنّي أستودعكهما وصالح المؤمنين.

ولا تسأل عن بكاء السيدة فاطمة الزهراء في تلك اللحظات، وهي ترى أباها الرسول العظيم ووالدها البار العطوف الحنون على أعتاب المنيّة، فكانت تخاطب أباها بدموع جارية: نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء، يا أبتاه ألا تكلّمني كلمة، فإنّي أنظر إليك وأراك مفارق الدنيا، وأرى عساكر الموت تغشاك شديداً.

فقال لها: بُنية إنّي مفارقك، فسلام عليك منّي.

وفي كشف الغمّة: ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بنية أنتِ المظلومة بعدي، وأنت المستضعفة بعدي، فمَن آذاك فقد آذاني، ومَن جفاكِ فقد جفاني، ومَن وصلك فقد وصلني، ومَن قطعك فقد قطعني، ومَن أنصفك فقد أنصفني؛ لأنّك منّي وأنا منك، وأنت بضعة منّي وروحي التي بين جَنبيّ.

ثم قال: إلى الله أشكو ظالميك من أُمّتي.

فما مضت سوى فترة قصيرة إذ قام عليّعليه‌السلام قائلاً: أعظم الله أجوركم في نبيّكم فقد قبضه الله إليه.

٢٤٩

فارتفعت الأصوات بالضجّة والبكاء، فكان أعظم يوم في تاريخ البشر، وأوجع صدمة على قلوب المسلمين، ولم ير يوم أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم.

وهكذا مرّت تلك الساعة المـُرة العصيبة التي كانت أصعب ساعة في حياة الزهراء.

فكيف انقضت تلك الدقائق على قلب فاطمة وهي ترى أباها مسجّى لا حراك به؟!

فكانت الزهراء تقول: يا أبتاه من ربه ما أدناه!

وا أبتاه جنّة الفردوس مأواه!

وا أبتاه إلى جبرئيل ننعاه!

وا أبتاه أجاب ربّاً دعاه (1) .

وكان عليّ يقول: يا رسول الله!

والحسنان يبكيان يقولان: وا جدّاه وا جدّاه(2) .

وقامعليه‌السلام بتغسيل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحنيطه وتكفينه وحضر وقت الصلاة عليه، فكانت السيدة فاطمة الزهراء من جملة المصلّين على جثمان أبيها العظيم في الوجبة الأُولى(3) .

وإلى أن دُفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بكاء الزهراء مستمرّاً متصلاً، ورجعت إلى بيتها واجتمعت النساء فقالت: إنّا لله وإنا إليه راجعون، انقطع عنّا خبر السماء.

ثم قالت في مرثيّة أبيها أبياتاً نذكرها قريباً.

____________________

(1) البخاري ج 5 ص 15.

(2) المنتقى ص 178.

(3) الاحتجاج، للطبرسي.

٢٥٠

وقالت لأنس بن مالك: أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله التراب؟

وفي كشف الغمّة عن الإمام الباقرعليه‌السلام : ما رُؤيت فاطمةعليها‌السلام ضاحكة مستبشرة منذ قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قُبضت.

وفي رواية أخرى:إلاّ يوماً افترت بطرف نابها (1).

وعن عمران بن دينار: إنّ فاطمة لم تضحك بعد النبي حتى قُبضت؛ لِما لحقها من شدّة الحزن على أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

(1) أي: ابتسمت ابتسامة خفيفة.

٢٥١

فَاطِمةُ الزهَراءعليها‌السلام

بَعَدَ وَفَاةِ الرسُول (صلى الله عليه وآله وسلَّم)

في كل يوم من أيام الدنيا آباء يموتون، وبناتهم يُفجعن بهم، ويبكين في مصابهم، ويحزنَّ لفقدهم إلاَّ أنّ نسبة الحزن والبكاء وألم المصيبة تختلف باختلاف الآباء والبنات، وباختلاف العلاقات الودّيّة بين الأب وابنته، فهناك العدد الكثير من البنات اللاتي لا نصيب لهنّ من الآباء إلاّ الأُبوّة، فلا عطف ولا حنان ولا محبّة، فكأنّه لا معرفة بينهما ولا صلة.

وهناك آباء يمطرون بناتهم بالعطف والدلال والاحترام والمحافظة على البنت لئلاّ تنخدش عواطفها، ولئلاّ يحدث شيء يمسّ بكرامتها.

ويجد الأب من ابنته نفس الشعور المتبادل والاحترام والتقدير.

وفي هذه الصورة تكون العلاقات الودّيّة بين الأب وابنته وثيقة جداً، وعلى هذا تكون مصيبة الأب على قلب ابنته أليمة وعميقة.

وقد مرّ عليك موقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ابنته الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وسوف يسهل عليك أن تدرك علاقة السيدة فاطمة الزهراء بأبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ومحبّتها إيّاه لم تكن بدافع الأبوّة والنبوّة فقط، بل كانت السيدة فاطمة تعتبره أباً عطوفاً، ووالداً رؤوفاً، شفيقاً رحيماً.

وفي الوقت نفسه تعتبره رسول الله، وسيّد الأنبياء والمرسلين، فهي تحترم أباها كما تحترم المرأة المسلمة العارفة نبيّها، وتعظّمه أقصى

٢٥٢

أنواع التعظيم، وأعلى درجات التفخيم والتجليل.

والسيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام أعلم امرأة في الإسلام، وأعرف أُنثى بعظمة نبي الإسلام.

وبعد هذه المقدّمة يتضح لنا أنّ مصيبة وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله سلبت عن ابنته البّارة كل قرار واستقرار، وكل هدوء وسكون.

فالزهراء تعرف عِظم المصاب، ومدى تأثير الواقعة في الموجودات كلّها.

وهنا تحدّثنا فضّة خادمة الزهراء عن الحزن المسيطر على السيدة فاطمة بسبب وفاة أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت:

(ولمّا تُوفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله افتجع له الصغير والكبير وكثر عليه البكاء، وعظُم رزؤه على الأقرباء والأصحاب والأولياء والأحباب، والغرباء والأنساب.

ولم تلق إلاّ كل باكٍ وباكية، ونادب ونادبة، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب والأقرباء والأحباب أشدّ حزناً وأعظم بكاءً وانتحاباً من السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام وكان حزنها يتجدّد ويزيد، وبكاؤها يشتد، فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين، ولا يسكن منها الحنين، وكل يوم كان بكاؤها أكثر من اليوم الذي قبله.

فلمّا كان اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تطق صبراً، إذ خرجت وصرخت، وضجَّ الناس بالبكاء، فتبادرت النسوة، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن وجوه النساء.

كانت السيدة فاطمة تنادي وتندب أباها قائلة:

وا أبتاه، وا صفياه، وا محمداه، وا أبا القاسماه، وا ربيع الأرامل واليتامى!

مَن للقبلة والمصلّى؟

٢٥٣

ومَن لابنتك الوالهة الثكلى؟

ثم أقبلت تعثر في أذيالها، وهي لا تبصر شيئاً من عبرتها، ومن تواتر دمعتها، حتى دنت من قبر أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المئذنة أغمي عليها، فتبادرت النسوة، فنضحن الماء عليها وعلى صدرها، وجبينها حتى أفاقت، فقامت وهي تقول:

رُفعت قوتي، وخانني جَلَدي، وشمت بي عدوي، والكمد قاتلي.

يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة.

فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغَّص عيشي، وتكدَّر دهري.

فما أجد - يا أبتاه - بعدك أنيساً لوحشتي، ولا راداً لدمعتي، ولا معيناً لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرئيل، ومحل ميكائيل.

انقلبت - بعدك - يا أبتاه الأسباب.

وتغلَّقت دوني الأبواب.

فأما الدنيا بعدك قالية، وعليك ما تردّدت أنفاسي باكية.

لا ينفد شوقي إليك، ولا حزني عليك.

إنّ حزني عليك حزنٌ جديد

وفؤادي والله صبّ عنيدُ

كل يوم يزيد فيه شجوني

واكتئابي عليك ليس يبيدُ

جلّ خطبي، فبان عنّي عزائي

فبكائي في كل وقتٍ جديدُ

إنّ قلباً عليك يألف صبراً

أو عزاءً فإنّه لجليدُ

ثم نادت:

يا أبتاه، انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وذوتْ زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة.

يا أبتاه، لا زلت آسفة عليك إلى التلاق.

٢٥٤

يا أبتاه، زال غمضي منذ حقَّ الفراق.

يا أبتاه، مَن للأرامل والمساكين؟

ومَن للأُمّة إلى يوم الدين؟

يا أبتاه، أمسينا بعدك من المستضعفين!

يا أبتاه، أصبحت الناس عنّا معرضين!

ولقد كنَّا بك معظَّمين في الناس غير مستضعفين!

فأي دمعة لفراقك لا تنهمل؟

وأي حزن بعدك لا يتصل؟

وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل؟

وأنت ربيع الدين، ونور النبيّين.

فكيف بالجبال لا تمور؟ وللبحار بعدك لا تغور؟

والأرض كيف لم تتزلزل؟

رُميتُ - يا أبتاه - بالخطب الجليل.

ولم تكن الرزيّة بالقليل.

وطُرِقتُ - يا أبتاه - بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول.

بكتك - يا أبتاه - الأملاك.

ووقفتِ الأفلاك.

فمنبرك بعدك مستوحش.

ومحرابك خالٍ من مناجاتك.

وقبرك فرِحٌ بمواراتك.

والجنّة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك.

يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك!!

فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك.

٢٥٥

وأُثكل أبو الحسن المؤتمن، أبو ولديك الحسن والحسين.

وأخوك ووليّك، وحبيبك، ومَن ربيّته صغيراً وآخيته كبيراً.

وأحلى أحبابك وأصحابك إليك.

مَن كان منهم سابقاً ومهاجراً وناصراً.

والثكل شاملنا! والبكاء قاتلنا! والأسى لازمنا.

ثم زفرت، وأنَّت أنيناً يخدش القلوب، ثم قالت:

قلَّ صبري وبان عنّي عزائي

بعد فقدي لخاتم الأنبياءِ

عين يا عين اسكبي الدمع سحّاً

ويك لا تبخلي بفيض الدماءِ

يا رسول الإله يا خيرة الله

وكهف الأيتام والضعفاءِ

قد بكتك الجبال والوحش جمعاً

والطير والأرض بعد بكي السماءِ

وبكاك الحجون والركن والمشـ

ـعر - يا سيّدي - مع البطحاءِ

وبكاك المحراب والدرس

للقرآن في الصبح معلناً والمساءِ

وبكاك الإسلام إذ صار في النا

س غريباً من سائر الغرباءِ

لو ترى المنبر الذي كنت تعلو

ه علاه الظلام بعد الضياءِ

يا إلهي عجّل وفاتي سريعاً

(فلقد عِفْتُ الحياة يا مولائي)

وأخذت فاطمة الزهراءعليها‌السلام شيئاً من تراب قبر أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعلت تشمّه وهي تقول:

ماذا على مَن شمّ تربة أحمدٍ

إن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

قل للمغيّب تحت أطباق الثرى

إن كنت تسمع صرختي وندائيا

صُبَّت عليَّ مصائب لو أنّها

صُبَّت على الأيام صرن لياليا

قد كنت ذات حمى بظلّ محمّدٍ

لا أخش من ضيم وكان حمىً ليا

فاليوم أخضع للذليل وأتّقي

ضيمي، وأدفع ظالمي بردائيا

٢٥٦

فإذا بكت قمريّة في ليلها

شجناً على غصنٍ بكيت صباحيا

فلأجعلنّ الحزن بعدك مؤنسي

ولأجعلنّ الدمع فيك وِشاحيا (1)

وروى زيني دحلان في السيرة النبوية هذه الأبيات لها في رثاء أبيها بعد دفنهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

اغبرَّ آفاق السماء وكوّرت

شمس النهار وأظلم العصرانِ

والأرض من بعد النبيّ كئيبة

أسفاً عليه كثيرة الرجفانِ

فليبكه شرق البلاد وغربها

وليبكه مضرٌ وكل يماني

وليبكه الطود المعظّم جوّه

والبيت ذو الأستار والأركانِ

يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه

صلّى عليك منزّل القرآنِ

ثم رجعت إلى منزلها، وأخذت بالبكاء والعويل، وكانت - سلام الله عليها - معصبة الرأس، ناحلة الجسم منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة.

وتقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّة بعد مرّة؟

أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما، فلا يدعكما تمشيان على الأرض.

لا أراه يفتح هذا الباب أبداً، ولا يحملكما على عاتقه، كما لم يزل يفعل بكما! !

ولمّا توفّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله امتنع بلال من الأذان قال: لا أؤذن لأحد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وإنّ فاطمةعليها‌السلام قالت ذات يوم: إنّي أشتهي أن أسمع

____________________

(1) بحار الأنوار ج43.

٢٥٧

صوت مؤذّن أبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالأذان.

فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الأذان فلما قال: الله أكبر الله أكبر، ذكرت أباها وأيامه، فلم تتمالك من البكاء.

فلما بلغ إلى قوله: أشهد أنّ محمّداً رسول الله شهقت فاطمةعليها‌السلام وسقطت لوجهها وغشي عليها.

فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال فقد فارقت ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الدنيا، وظنّوا أنّها قد ماتت؟ فقطع أذانه، ولم يتمّه.

فأفاقت فاطمةعليها‌السلام وسألته أن يتمّ الأذان فلم يفعل وقال لها: يا سيّدة النسوان إنّي أخشى عليك ممّا تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان. فأعفته عن ذلك(1) .

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : غسّلت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في قميصه. فكانت فاطمة تقول: أرني القميص. فإذا شمّته غشي عليها. فلمّا رأيت ذلك غيّبته(2) .

ورُوي عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام أنّه قال: عاشت فاطمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة وسبعين يوماً، لم تُرَ كاشرةً ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرّتين: الاثنين والخميس، فتقول، ها هنا كان رسول الله، وها هنا كان المشركون(3).

وعن محمود بن لبيد قال: لما قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت فاطمةعليها‌السلام تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43 عن مَن لا يحضره الفقيه.

(2) مقتل الحسين للخوارزمي.

(3) بحار الأنوار ج 43 ص 195 عن الكافي.

٢٥٨

وتبكي هناك.

فلمّا كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة فوجدتُها تبكي هناك، فأمهلتها حتى سكنت، فأتيتها وسلّمت عليها وقلت: يا سيّدة النسوان قد - والله - قطعتِ نياط قلبي من بكائك.

فقالت: يا أبا عمرو، ويحقّ لي البكاء، فلقد أصبتُ بخير الآباء: رسول الله.

وا شوقاه إلى رسول الله.

ثم أنشأت تقول:

إذا مات يوماً ميّتٌ قلَّ ذكره

وذكر أبي مذ مات - والله - أكثر (1)

أقول: المستفاد من التاريخ والأحاديث أنّ السيدة فاطمةعليها‌السلام كانت تبكي - علي أبيها - في بيتها، فلمّا منعوها عن البكاء، خرجت إلى أُحد، فلمّا اشتدّ بها المرض صعب عليها الخروج إلى أُحد، فكانت تخرج إلى البقيع وبيت الأحزان - كما ستقرأ ذلك -.

____________________

(1) بيت الأحزان للقمّي ص 141.

٢٥٩

فَاطِمَةُ الزهْرَاءعليها‌السلام في مهبِّ الأعَاصِير

أيّها القارئ:

لقد وصلنا - في حديثنا هذا - إلى موضع حساس جدّاً، حساس تاريخياً ودينياً وعقائدياً، ولا أعلم ما يكون صدى هذه الجملات التي سأذكرها هنا؟

ولا أعلم ردود الفعل التي تنشأ من مطالعة هذه الكلمات؟

ولا أعرف نوعية الحكم الذي سيحكم به القارئ عليَّ؟

وما هي التهم التي سيوجّهها إليَّ؟

الطائفية؟ التفرقة؟ إثارة الفتن؟ المسّ بكرامة الصحابة؟

وغيرها من الكلمات التي سأحظى بها من حضرات المطالعين!!

ولعلّك - أيّها القارئ - لا ترضى بهذه الحقائق، وتظنّها كذباً وافتراءً ثم تحكم عليَّ حكماً غيابيّاً بما جاد به لسانك وقلمك.

لا يهمّني هذا بمقدار ما يهمّني أن تعلم أنّني لا أذكر لك - هنا - شيئاً من المصادر الشيعية، ولا من كتب الإمامية، وإنّما أذكر لك بعض القضايا من مصادر سُنّية بحتة محضة فقط، معتبرة عند أهل السنّة والجماعة.

فإن كانت هذه الأخبار صحيحة وصادقة فنعم المطلوب.

وإن كانت سقيمة أي غير صحيحة فليست المسؤولية عليَّ.

وإنّما المسؤولية على تلك المصادر.

وبعبارةٍ أُخرى: ليس الذنب ذنبي، بل الذنب ذنب التاريخ الذي ذكر

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403