تذكرة الفقهاء الجزء ١

تذكرة الفقهاء14%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 246313 / تحميل: 9735
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟ فقتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤكّدة(١) جرأةً على الله واستخفافاً بعهده.

أوَ لستَ بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة؟ فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العُصمُ نزلت من سقف الجبال.

أوَ لستَ المدّعي زياداً في الإسلام، فزعمت انّه ابن ابي سفيان، وقد قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّ الولد للفراش وللعاهر الحَجَر، ثمَّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم و يقطّع أيديهم وارجلهم من خلاف، ويصلبهم على جُذوع النخل؟.

سبحان الله يا معاوية! لكأنّك لستَ من هذه الاُمّة، وليسوا منك، أوَ لستَ قاتل الحضرمي(٢) الذي كتب إليك فيه زياد انّه على دين عليّ كرم الله وجهه، ودين عليّ هو دين ابن عمّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، فوضعها الله عنكم بنا منّة عليكم، وقلتَ فيما قلتَ: لا تردنَّ هذه الاُمّة في فتنة. وإنّي لا أعلم لها فتنةً أعظم من أإمارتك عليها، وقلتَ فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولاُمّة محمّد.

وإنّي والله ما أعرف فضل من جهادك، فإن أفعل فإنّه قربةٌ إلى ربِّي، وإن لم أفعله فاستغفر الله لديني، وأسأله التوفيق لما يحبُّ ويرضى، وقلت فيما قلت: متى تكدني أكدك(٣) فكدني يا معاوية ما بدا لك، فلعمري لقديماً يُكاد الصالحون، وإنِّي لأرجو أن لا تضرّ إلّا نفسك ولا تمحق إلّا عملك، فكدني ما بدا لك، واتّق الله يا معاوية! واعلم أنَّ لِلّه كتاباً لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها، واعلم أنَّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة، وأخذك بالتُهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ما أراك إلّا قد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعيّة. والسَّلام.

الإمامة والسياسة ١: ١٣١ وفي ط ١٤٨، جمهرة الرسائل ٢: ٦٧.

٥٣ - خطب الإمام السبط الحسين الشهيد سلام الله عليه لمـَّا قدم معاوية المدينة

____________________

١ - سيأتي بيان العهود المعزوة اليها فى هذا الجزء انشاء الله.

٢ - سيوافيك تفصيل قتل الحضرمى فى هذا الجزء.

٣ - هذه الجملة لا توجد فى كلام معاوية.

١٦١

حاجّاً وأخذ البيعة ليزيد وخطب ومدح يزيد الطاغية ووصفه بالعلم بالسنّة وقراءة القرآن والحلم الذي يرجح بالصمِّ الصِّلاب. فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال:

أمّا بعد: يا معاوية! فلن يؤدِّي القائل - وإن أطنب - في صفة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع جزءاً، قد فهمت ما ألبست به الخلف بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ايجاز الصَّفة، والتنكّب عن استبلاغ البيعة، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى، وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضَّلت حتى أفرطت، واستأثرت حتى أجحفت، ومنعتَ حتّى بخلت، وجرتَ حتى جاوزت، ما بذلت لذي حقّ من أتمَّ حقّه بنصيب حتى أخذ الشيطان حظّه الأوفر، ونصيبه الأكمل، وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لاُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً أو تنعَتُ غائباً، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المتهارشة عند التحارش، والحمام السبّق لأترابهنَّ، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصراً ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق أكثر ممّا أنت لاقيه، فوالله ما برحتَ تقدّم باطلاً في جور، وحَنَقاً في ظلم، حتى ملأت الأسقية، وما بينك و بين الموت إلّا غمضة، فتقدَّم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً، ولقد - لعمر الله - أورثنا الرَّسول عليه الصَّلاة والسّلام ولادة، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام، فأذعن للحجّة بذلك، وردّه الإيمان إلى النصف، فركبتم الأعاليل، وفعلتم الأفاعيل، وقلتم: كان ويكون، حتى أتاك الأمر يا معاوية! من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا اولي الأبصار. الخطبة.

الامامة والسياسة ١: ١٥٣، جمهرة الخطب ٢: ٢٤٢.

٥٤ - من كلام لابن عباس ألقاه في البصرة: أيُّها النّاس! استعدّوا للمسير إلى أمامكم، وانفروا في سبيل الله خفافاً وثقالاً، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فإنّكم تقاتلون المحلّين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب، ولا يدينون

١٦٢

دين الحقّ، مع أمير المؤمنين. فقام إليه عمرو بن مرجوم العبدي فقال: وفَّق الله أمير المؤمنين وجمع له أمر المسلمين، ولعن المحلّين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن، نحن والله عليهم حنقون، ولهم في الله مفارقون.

كتاب صفين ص ١٣٠، ١٣١.

٥٥ - من كلام لعمّار بن ياسر يوم صفين: يا أهل الاسلام؟ أتريدون أن تنظروا إلى مَن عادى الله ورسوله وجاهدهما، وبغى على المسلمين، وظاهر المشركين، فلمّا أراد الله أن يُظهر دينه وينصر رسوله أتى النبيَّ صلّى الله عليه فأسلم، وهو والله فيما يرى راهبٌ غير راغب، وقبض الله رسول صلّى الله عليه وإنّا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودّة المجرم؟ ألا و انّه معاوية، فالعنوه لعنه الله، وقاتلوه فانّه ممَّن يطفىء نور الله، ويظاهر أعداء الله.

راجع تاريخ الطبري ٦: ٧، كتاب صفين ص ٢٤٠، الكامل لابن الأثير ٣: ١٣٦.

٥٦ - من مقال لعبد الله بن بديل يوم صفين: انَّ معاوية ادّعى ما ليس له ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله، وجادل بالباطل ليدحض به الحقَّ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب، وزيّن لهم الضلالة، وزرع في قلوبهم حبَّ الفتنة، ولبَّس عليهم الأمر، و زادهم رجساً إلى رجسهم، وأنتم والله على نور من ربِّكم وبرهان مبين، قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم، وكيف تخشونهم وفي أيديكم كتابٌ من ربِّكم ظاهرٌ مبرورٌ؟ أتخشونهم فالله أحقُّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، قاتلوهم يُعذِّبهم الله بأيديكم ويُخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين. قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الأمر أهله وقد قاتلتهم مع النبيّ صلّى الله عليه، والله ما هم في هذه بأزكى ولا أنقى ولا أبرّ، قوموا إلى عدوّ الله وعدوّكم رحمكم الله.

تاريخ الطبري ٦: ٩، كتاب صفين ص ٢٦٣، الاستيعاب في ترجمة عبد الله ١: ٣٤٠، شرح ابن ابي الحديد ١: ٤٨٣، جمهرة الخطب ١: ١٧٦.

٥٧ - من خطبة لسعيد بن قيس: فوالله الذي بالعباد بصيرٌ أن لو كان قائدنا حبشيّاً مجدَّعاً إلّا أنَّ معنا من البدريِّين سبعين رجلاً، وإنَّما رئيسنا ابن عمِّ نبيّنا، بدريُّ صِدق(١) ، صلّى صغيراً، وجاهد مع نبيّكم كبيراً، ومعاوية طليقٌ من وثاق الإسار و

____________________

١ - أشار الى ان كونه بدرياً ليس ككون عثمان بدرياً بالتمحّل والتصنّع كما مرّ حديثه فى هذا الجزء.

١٦٣

ابن طليق، ألا انّه أغوى جفاةً فأوردهم النار، وأورثهم العار، والله محلٌّ بهم الذلً و - الصغار، ألا إنّكم ستلقون عدوّكم غداً، فعليكم بتقوى الله والجدّ والحزم والصِّدق والصبر فإنَّ الله مع الصابرين، ألا إنَّكم تفوزون بقتلهم ويشقون بقتلكم، والله لا يقتل رجلٌ منكم رجلاً منهم إلّا أدخل الله القاتل جنّات عدن، وأدخل المقتول ناراً تلظّى لا يفتَّر عنهم وهم فيه مبلسون.

كتاب صفِّين ص ٢٦٦، شرح ابن ابي الحديد ١: ٤٨٣، جمهرة الخطب ١: ١٧٩.

٥٨ - من خطبة لمالك بن الحارث الأشتر يوم صفّين: واعلموا أنَّكم على الحقِّ وانَّ القوم على الباطل، يقاتلون مع معاوية، وأنتم مع البدريِّين قريبٌ من مائة بدريّ، ومن سوى ذلك من أصحاب محمّد صلّى الله عليه، أكثر ما معكم راياتٌ قد كانت مع رسول الله صلّى الله عليه ومع معاوية راياتٌ قد كانت مع المشركين على رسول الله صلّى الله عليه، فما يشكُّ في قتال هؤلاء إلّا ميِّت القلب، فإنَّما أنتم على إحدى الحسنيين: إمّا الفتح، وإمّا الشهادة.

كتاب صفّين ص ٢٦٨، شرح ابن ابي الحديد ١: ٤٨٤، جمهرة الخطب ١: ١٨٣

٥٩ - من مقال لهاشم بن عتبة المرقال: سر بنا يا أمير المؤمنين؟ إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله، فأحلّوا حرامه، وحرَّموا حلاله، واستهوى بهم الشيطان، ووعدهم الأباطيل، ومنّاهم الأمانيّ حتى أزاعهم عن الهدى، وقصد بهم قصد الرَّدى، وحبَّب إليهم الدنيا، ومنه: وهم يا أمير - المؤمنين؟ يعلمون منك مثل الذي نعلم، ولكن كُتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء، وكانوا ظالمين. جمهرة الخطب ١: ١٥١.

٦٠ - من خطبة لابن عبّاس بصفين: إنَّ ابن آكلة الأكباد قد وجد من طغام أهل الشام أعواناً على عليِّ بن أبي طالب ابن عمِّ رسول الله وصهره، وأوَّل ذَكر صلّى معه، بدريٌّ قد شهد مع رسول الله صلّى الله عليه كلّ مشاهده التي فيها الفضل، ومعاوية وأبو سفيان مشركان يعبدان الأصنام، واعلموا: والله الَّذي ملك الملك وحده فبان به وكان أهله، لقد قاتل عليُّ بن أبي طالب مع رسول الله صلّى الله عليه، وعليٌّ يقول: صدق الله ورسوله، ومعاوية وأبو سفيان يقولان: كذب الله ورسوله. فما معاوية في هذه بأبرّ ولا أتقى ولا أرشد ولا أصوب منه في تلكم، فعليكم بتقوى الله والجدّ والحزم والصبر، وإنَّكم لعلى الحقِّ وإنَّ القوم

١٦٤

لعلى الباطل.

كتاب صفّين ص ٣٦٠، شرح ابن ابي الحديد ١: ٥٠٤.

وسيوافيك حديث لعن ابن عبّاس معاوية يوم عرفة في المجتمع العامِّ.

٦١ - من أبيات لعلقمة بن عمرو يوم صفّين:

ما لابن صخر حرمةٌ تُرتجى

لها ثواب الله بل مندمهْ

لاقيت ما لاقى غداة الوغى

من أدرك الأبطال يا بن الأمهْ

ضيّعت حقَّ الله في نصرةٍ

للظالم المعروف بالمظلمهْ

إنّ أبا سفيان من قبله

( إلى آخر الأبيات )

٦٢ - من شعر مجزأة بن ثور السدوسي الصحابي العظيم ارتجز به يوم صفَّين:

أضربهم ولا أرى معاويه

الأبرج العين(١) العظيم الحاويه

هوت به في النار امٌّ هاويه

جاوره فيها كلابٌ عاويه

أغوى طغاماً لاهدته هاديه

يروى هذا الرجز لعليّعليه‌السلام في مروج الذهب ٢: ٢٥ وفيه: وقيل: انَّ هذا الشعر لبديل بن ورقاء، وكذلك عزاه إليه سلام الله عليه في لسان العرب ١٨: ٢٢٩، وذكر - الطبري البيت الأوّل في تاريخه ٦: ٢٣ ونسبه إلى أمير المؤمنين، وذكر ابن مزاحم ثلاثة أشطر في كتاب صفّين ص ٤٦٠ وعزاها إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وذكر الأشطر برمَّتها في ص ٤٥٤ ونسبها إلى مالك الأشتر، ورواها لمجزأة بن ثور في ص ٣٤٤ وذكرها ابن أبي الحديد في شرحه ١: ٥٠٠ لمحرز بن ثور نقلاً عن نصر بن مزاحم، وتعزى إلى الأخنس كما في الإشتقاق ص ١٤٨.

٦٣ - قال أبو عمر في الاستيعاب ١: ٢٥١: لمـّا قُتل عثمان وبايع الناس عليّاً دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال له: يا أمير المؤمنين؟ إنَّ لك عندي نصيحةٌ، قال: وما هي؟ قال: إن أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة بن عبيد الله على الكوفة، والزبير بن العوام على البصرة، وابعث معاوية بعهده على الشام حتى يلزمه طاعتك فاذا استقرَّت لك الخلافة فادرها كيف شئت برأيك. قال عليٌّ: أمّا طلحة والزبير فأرى رأيي فيهما، وأمّا معاوية فلا والله لا أراني مستعملاً له ولا مستعيناً به ما دام على حاله، ولكنّي أدعوه إلى الدخول

١٦٥

فيما دخل فيه المسلمون، فإن أبى حاكمته إلى الله، وانصرف عنه المغيرة مغضباً له لما لم يقبل عنه نصيحته، فلمّا كان الغداة أتاه فقال: يا أمير المؤمنين! نظرت فيما قلتُ لك بالأمس وما جاوبتني به فرأيت انّك وفّقت للخير وطلب الحقّ، ثمّ خرج عنه فلقيه الحسن رضي الله عنه وهو خارجٌ فقال لأبيه: ما قال لك هذا الأعور؟ قال: أتاني أمس هكذا وأتاني اليوم هكذا، قال: نصح لك والله أمس، وخدعك اليوم، فقال له عليٌّ: إن أقررتُ معاوية على ما في يده كنت متّخذ المضلّين عضدا.

راجع ما أسلفناه في الجزء السادس ص ١٤٢ ط ٢.

٦٤ - قال أبو عمر في الاستيعاب(١) عند ترجمة حبيب بن مسلمة ١: ١٢٣: وروينا انّ الحسن ابن علي قال لحبيب بن مسلمة في بعض خرجاته بعد صفّين: يا حبيب! ربّ مسير لك في غير طاعة الله. فقال له حبيب: أمّا إلى أبيك فلا. فقال له الحسن: بل والله لقد طاوعت معاوية على دنياه وسارعت في هواه، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، فليتك إذ أسأت الفعل أحسنت القول فتكون كما قال الله تعالى: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً، ولكنّك كما قال الله تعالى: كلّا بل ران على‏ قلوبهم ما كانوا يكسبون.

٦٥ - عن أبي سهيل التميمي قال: حجّ معاوية فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجون يقال لها: دارميّة الحجونيّة. وكانت سوداء كثيرة اللحم فاُخبر بسلامتها فبعث إليها فجيء بها فقال: ما جاء بك يا ابنة حام؟ فقالت: لست لحام إن عبتني، أنا امرأةٌ من بني كنانة، قال: صدقت أتدري لما بعثت إليك؟ قالت: لا يعلم الغيب إلّا الله، قال: بعث إليك لأسألك علام أحببت عليّاً وأبغضتني؟ وواليته وعاديتني؟ قالت: أوَ تعفيني؟ قال: لا أعفيك. قالت: أما إذا أبيت فانِّي أحببت عليّاً على عدله في الرعيّة، و قسمه بالسويَّة، وأبغضتك على قتال مَن هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحقّ، وواليت عليّاً على ما عقد له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الولاء، وحبّه المساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفك الدماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى. قال: فلذلك انتفخ بطنك وعظم ثدياك، وربت عجزتك؟ قالت: يا هذا بهند والله كان يضرب

____________________

١ - البرج: سعة العين.

١٦٦

المثل في ذلك لأ بي. قال معاوية: يا هذه اربعي فإنّا لم نقل إلّا خيرا، انّه اذا انتفخ بطن المرأة تمَّ خلق ولدها، وإذا عظم ثدياها تروي رضيعها، وإذا عظمت عجزتها رزن مجلسها فرجعت وسكنت، قال لها: يا هذه هل رأيت عليّاً؟ قالت: اي والله، قال: فكيف رأيته؟ قالت: رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك، قال: فهل سمعت كلامه؟ قالت: نعم والله، فكان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت صدأ الطست قال: صدقت، فهل لك من حاجة؟ قالت: أوَ تفعل إذا سألتك؟ قال: نعم. قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها، قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: أغذوا بألبانها الصغار، واستحيي بها الكبار، واكتسب بها المكارم، واصلح بها بين العشائر، قال: فإن أعطيتك ذلك فهل أحلّ عندك محلَّ عليَّ بن أبي طالب؟ قالت: سبحان الله أو دونه فأنشأ معاوية يقول:

إذا لم أعد بالحلم منّي عليكمُ

فمن ذا الذي بعدي يؤمّل للحلم؟

خذيها هنيئاً واذكري فعل ماجد

جزاك على حرب العداوة بالسِّلمِ

ثمَّ قال: أما والله لو كان عليُّ حيّاً ما أعطاك منها شيئاً، قالت: لا والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين. العقد الفريد ١: ١٦٢، بلاغات النساء لابن أبي طاهر ص ٧٢.

٦٦ - دخلت أروى بنت الحرث بن عبد المطلب على معاوية وهي عجوزٌ كبيرة فلمّا رآها معاوية قال: مرحباً بكِ وأهلاً يا خالة! فكيف كنت بعدنا؟ فقالت: يا ابن أخي لقد كفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمِّك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك، من غير دين كان منك ولا من آبائك، ولا سابقة في الإسلام بعد أن كفرتم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنفس الله منكم الجدود، وأضرع منكم الخدود، وردّ الحقّ إلى أهله ولو كره المشركون، وكانت كلمتنا هي العليا، ونبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المنصور، فوليتم علينا من بعده، وتحتجّون بقرابتكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن أقرب إليه منكم و أولى بهذا الأمر، فكنّا فيكم بمنزلة هارون من موسى، فغايتنا الجنّة وغايتكم النار. الحديث. العقد الفريد ١: ١٦٤، بلاغات النساء ص ٢٧.

٦٧ - من حديث طويل أسلفنا شطراً منه في ترجمة عمرو بن العاص ج ٢ ص ١٣٣ - ١٣٦ فتكلم الحسن بن عليعليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ قال: أمّا بعد: يا معاوية! فما هؤلاء شتموني ولكنّك شتمتني فحشاً ألفته، وسوء رأي

١٦٧

عُرفت به، وخلقاً سيِّئاً ثبتَّ عليه، وبغياً علينا عداوةً منك لمحمّد وأهله، ولكن اسمع يا معاوية! واسمعوا فلأقولنَّ فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم.

انشدكم الله أيّها الرّهط أتعلمون أنّ الذي شتمتموه منذ اليوم صلّى القبلتين كليهما وأنت بهما كافر، تراها ضلالة، وتعبد اللات والعزّى غواية؟ وأنشدكم الله هل تعلمون أنّه بايع البيعتين كليهما: بيعة الفتح وبيعة الرضوان؟ وأنت يا معاوية! باحداهما كافر، و بالاُخرى ناكث. وأنشدكم الله هل تعملون أنّه أوّل الناس ايماناً؟ وانّك يا معاوية! وأباك من المؤلّفة قلوبهم تسرُّون الكفر وتظهرون الإسلام، وتستمالون بالأموال. وأنشدكم الله ألستم تعلمون أنَّه كان صاحب راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر؟ وأنّ راية المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه، ثمَّ لقيكم يوم اُحد ويوم الأحزاب ومعه راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعك ومع أبيك راية الشرك، وفي كلِّ ذلك يفتح الله له، ويفلج حجّته، وينصر دعوته، ويصدّق حديثه، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك المواطن كلّها عنه راض، وعليك وعلى أبيك ساخط، وأنشدك الله يا معاوية! أتذكر يوماً جاء أبوك على جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: أللهمّ العن الراكب و القائد والسائق، أتنسى يا معاوية! الشعر الذي كتبته إلى أبيك لمـّا همَّ أن يسلم تنهاه عن ذلك.

يا صخر لا تسلمنْ يوماً فتفضحنا

بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا

خالي وعمِّي وعمّ الاُمّ ثالثهم

وحنظل الخير قد أهدى لنا الارقا

لا تركننّ إلى أمر يكلّفنا

والرّاقصات به في مكّة الخرقا

فالموت أهون من قول العداة لقد

عاد ابن حرب عن العزّى إذا فرقا

والله لما أخفيت من أمرك أكبر ممّا أبديت. وأنشدكم الله أيُّها الرهط! أتعلمون أنَّ عليّاً حرّم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنزل فيه: يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلَّ الله لكم. وإنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا فبعث عليّاً بالراية فاستنزلهم على حكم الله وحكم رسوله، وفعل في خيبر مثلها ثمَّ قال: يا معاوية! أظنّك لا تعلم أنّي أعلم ما دعا به عليك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا أراد أن يكتب كتاباً إلى بني جذيمة فبعث إليك ونهمك إلى أن تموت، وأنتم أيّها الرَّهط نشدتكم الله ألا تعملون أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن

١٦٨

أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردّها، أوَّلها [فعدَّ المواطن التي ذكرناها ص ٨١، ٨٢ من هذا الجزء]

راجع تذكرة السبط ص ١١٥، شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٠٢، جمهرة الخطب ١: ٤٢٨.

وفي لفظ سبط ابن الجوزي: وأنت يا معاوية! نظر النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليك يوم الأحزاب فرأى أباك على جمل يحرّض الناس على قتاله وأخوك يقود الجمل وأنت تسوقه فقال: لعن الله الراكب والقائد والسائق، وما قابله أبوك في موطن إلّا ولعنه وكنت معه، ولّاك عمر الشام فخنته، ثمَّ وّلاك عثمان فتربّصت عليه، وأنت الذي كنت تنهى أباك عن الإسلام حتّى قلت مخاطباً له:

يا صخر لا تسلمنْ طوعاً فتفضحنا

بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا

لا تركننَّ إلى أمر تقلّدنا

والراقصات بنعمان به الحرقا

وكنت يوم بدر واُحد والخندق والمشاهد كلّها تقاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد علمت الفراش الذي وُلدت عليه. الحديث.

قال السبط في التذكرة ص ١١٦، قال الأصمعي والكلبي في المثالب: معنى قول الحسن لمعاوية: قد علمت الفراش الذي وُلدت فيه. انَّ معاوية كان يقال انّه من أربعة من قريش: عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي. مسافر بن أبي عمرو. أبي سفيان. العبّاس بن عبد المطلب. وهؤلاء كانوا ندماء أبي سفيان وكان منهم من يتّهم بهند.

فأمّا عمارة بن الوليد كان من أجمل رجالات قريش.

وأمّا مسافر بن أبي عمرو فقال الكلبي: عامّة الناس على أنَّ معاوية منه لأنّه كان أشدّ الناس حبّاً لهند، فلمّا حملت هند بمعاوية خاف مسافر أن يظهر أنّه منه، فهرب إلى ملك الحيرة فأقام عنده، ثمَّ إنَّ أبا سفيان قدم الحيرة فلقيه مسافر وهو مريضٌ من عشقه لهند وقد سقى بطنه فسأله عن أهل مكة فأخبره، وقيل: إنَّ أبا سفيان تزوَّج هنداً بعد انفصال مسافر عن مكّة، فقال له أبو سفيان: إنّي تزوَّجت هنداً بعدك فازداد مرضه وجعل يذوب فوصف الكيّ فاحضروا المكّاوي والحجّام، فبينا الحجّام يكويه إذ حبق الحجّام فقال مسافر: قد يحبق العير والمكواة في النار. فسارت مثلاً، ثمَّ مات مسافر من عشقه لهند.

١٦٩

وقال الكلبي: كانت هند من المغيلمات وكانت تميل إلى السودان من الرّجال فكانت إذا ولدت ولداً أسود قتلته قال: وجرى بين يزيد بن معاوية وبين اسحاق بن طابة بين يدي معاوية وهو خليفة فقال يزيد لإسحاق: إنَّ خيراً لك أن يدخل بنو حرب كلّهم الجنّة. أشار يزيد إلى أنَّ اُم إسحاق كانت تتَّهم ببعض بني حرب، فقال له إسحاق إنَّ خيراً لك أن يدخل بنو العبّاس كلّهم الجنّة. فلم يفهم يزيد قوله وفهم معاوية، فلمّا قام إسحاق قال معاوية ليزيد: كيف تُشاتم الرّجال قبل أن تعلم ما يقال فيك؟ قال: قصدتُ شين إسحاق. قال: وهو كذلك أيضاً. قال: وكيف؟ قال: أما علمت أنَّ بعض قريش في الجاهليّة يزعمون انّي للعبّاس. فسقط في يدي يزيد. وقال الشعبي: وقد أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هند يوم فتح مكّة بشيىء من هذا فإنّها لمـّا جاءت تبايعه وكان قد أهدر دمها فقالت: على ما اُبايعك؟ فقال: على أن لا تزنين. فقالت: وهل تزني الحرَّة؟ فعرفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنظر إلى عمر فتبسّم.

وقال الزمخشري في ربيع الأبرار(١) ج ٣ باب القرابات والأنساب وذكر حقوق الآباء والاُمّهات وصلة الرحم والعقوق:

وكان معاوية يعزى إلى أربعة إلى أبي عمرو بن مسافر. وإلى عمارة بن الوليد. وإلى العبّاس بن عبد المطلب. وإلى الصباح مغنّى اسود كان لعمارة. قالوا: وكان أبو سفيان ذميماً، قصيراً، وكان الصباح عسيفاً لأبي سفيان شابّاً وسيماً فدعته هند إلى نفسها - وقالوا: إنَّ عتبة بن أبي عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضاً - وإنّما كرهت أن تضعه في منزلها فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك، وفي ذلك قال حسّان:

لمن الصبيُّ بجانب البطحاء

في الترب ملقى غير ذي مهد

نجلت به بيضاء آنسة

من عبد شمسٍ صلبة الخدِّ؟

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١: ١١١: كانت هند تذكر في مكّة بفجور وعهر وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار: كان معاوية. وذكر إلى آخر الكلمة المذكورة فقال: والذين نزَّهوا هنداً عن هذا القذف، فذكر حديث الفاكهة الذي ذكره أبو عبيد معمِّر بن المثنّى.

____________________

١ - وقفت منه على عدة نسخ منها نسخة فى مكتبة الاوقاف العامة ببغداد رقم ٣٨٨.

١٧٠

وفي كتاب لزياد بن أبيه مجيباً معاوية عن تعييره إيّاه بامّه سُميَّة: وأمّا تعييرك لي بسميَّة فإن كنتُ ابن سُميَّة فأنت ابن جماعة. شرح ابن أبي الحديد ٤: ٦٨.

٦٨ - أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه من طريق عبد الملك بن عمير قال: قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية فقال: من أنت؟ قال: جارية بن قدامة. قال: وما عسيت أن تكون هل أنت إلَّا نحلة؟ قال: لا تقل فقد شبّهتني بها حامية اللسعة حلوة البصاق، والله ما معاوية إلّا كلبة تعاوي الكلاب، وما اُميّة إلّا تصغير أمة.

وأخرج عن الفضل بن سويد قال: وفد جارية بن قدامة على معاوية، فقال له معاوية: أنت الساعي مع عليِّ بن أبي طالب، والموقد النار في شعلك تجوس قرى عربيَّة تسفك دماءهم. قال جارية: يا معاوية! دع عنك عليّاً فما أبغضنا عليّاً منذ أحببناه، ولا غششناه منذ صحبناه.

قال ويحك يا جارية! ما كان أهونك على أهلك إذ سمّوك جارية؟ قال: أنت يا معاوية! كنت أهون على أهلك إذ سمّوك معاوية. إلخ وذكره بطوله وما قبله السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ١٣٣.

وفي لفظ ابن عبد ربّه: قال معاوية لجارية: ما كان أهونك على أهلك إذ سمّوك جارية؟ قال: ما كان أهونك على أهلك إذ سمّوك معاوية وهي الاُنثى من الكلاب؟ قال: لا اُمّ لك. قال: اُمِّي ولدتني للسيوف التي لقيناك بها في أيدينا، قال: انّك لتهدّدني؟ - قال: أما والله إنَّ القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا إنّك لم تفتتحنا قسراً، ولم تملكنا عنوة، ولكنك أعطيتنا عهداً وميثاقاً، وأعطيناك سمعاً وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن فزعت إلى غير ذلك فانّا تركنا وراءنا رجالاً شداداً وألسنة حداداً. قال له معاوية: لا كثّر الله في الناس أمثالك. قال جارية: قل معروفاً وراعنا فإنَّ شرّ الدعاء المحتطب.

العقد الفريد ٢: ١٤٣ في مجاوبة الاُمراء والردّ عليهم، وذكره الأبشيهي قريباً من هذا اللفظ في المستطرف ١: ٧٣ وما ذكرناه بين الخطّين من لفظه.

٦٩ - دخل شريك بن الأعور على معاوية وكان دميماً فقال له معاوية: إنّك لدميم والجميل خيرٌ من الدميم، وانّك لشريك وما لِلَّه من شريك، وإنَّ أباك لأعور والصحيح خيرٌ من الأعور، فكيف سدت قومك؟ فقال له: إنّك معاوية وما معاوية إلّا كلبةٌ عوت فاستعوت الكلاب، وانّك لابن صخر والسهل خيرٌ من الصخر، وإنّك

١٧١

لابن حرب والسّلم خيرٌ من الحرب، وانّك لابن اُميّة وما اُميّة إلّا أمة صغرت، فكيف صرت أمير المؤمنين؟ ثمَّ خرج وهو يقول:

أيشتمني معاوية بن حرب

وسيفي صارمٌ ومعي لساني

وحولي من ذوي يزن ليوثٌ

ضراغمة تهشُّ إلى الطعانِ

يعيِّر بالدمامة من سفاه

وربّات الجمال من الغواني

المستطرف ١: ٧٢

قال الأميني: إنّ معاوية لمـّا كان تتوجّه إليه تلكم القوارص من ناحية اسمه، ولعلّه كان لا ينسى معناه عند توجيه الخطاب إليه بذلك، ولم يك له بدٌّ منه إذ سمّته به هند وما كان يسعه أن يخطّأها، فبذل ألف ألف درهم لعبد الله بن جعفر الطيّار أن يسمّي أحد أولاده ( معاوية )(١) زعماً منه بتخفيف الوطئة إن كان له سميٌّ في البيت الهاشمي. لكن خفي على المغفَّل انَّ فناء آل هاشم لا يقصر عن فناء أصحاب الكهف فإنَّ كلبهم ما دنّس ساحتهم، فانّي تدنِّس الأسماء تلك الأفنية المقدَّسة التي منها بيوتٌ أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه.

٧٠ - ومن خطبة لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكّنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كلّ غدرةِ فجرة، ولكلّ فجرة كفرة، ولكلّ غادر لواء يُعرف به يوم القيامة.

ولابن أبي الحديد في شرحه ٢: ٥٧٢ - ٥٨٩ كلمةٌ ضافيةٌ في شرح هذه الخطبة فيها فوائد جمّة من جهات شتّى، ومنها كلمة الجاحظ أبي عثمان حول معاوية، وقول أبي جعفر النقيب: إنَّ معاوية من أهل النار لا لمخافته عليّاً ولا بمحاربته إيّاه، ولكن عقيدته لم تكن صحيحة ولا ايمانه حقّاً، وكان من رؤوس المنافقين هو وأبوه، ولم يسلم قلبه قطّ، وإنَّما أسلم لسانه، وكان يذكر من حديث معاوية ومن فلتات قوله وما حفظ عنه من كلام يقتضي فساد العقيدة شيئاً كثيراً... إلخ.

٧١ – لمـّا قتل العبّاس بن ربيعة يوم صفّين عرار بن أدهم من أصحاب معاوية تأسَّف معاوية على عرار وقال: متى ينطف فحلٌ بمثله؟ أيُطلّ دمه؟ لاها الله ذا. ألا

____________________

١ - تاج العروس ١٠: ٢٦٠.

١٧٢

لِلَّه رجل يشري نفسه يطلب بدم عرار؟ فانتدب له رجلان من لخم. فقال: إذهبا فأيّكما قتل العبّاس برازاً فله كذا. فأتياه ودعواه إلى البراز فقال: إنّ لي سيّداً اُريد أن اُؤامره فأتى عليّاً فأخبره الخبر فقال عليٌّ: والله لودَّ معاوية انّه ما بقي من هاشم نافخ ضرمة إلّا طعن في نيطه(١) إطفاءً لنور الله ويأبى الله إلاً أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. الحديث عيون الأخبار لابن قتيبة ١: ١٨٠.

٧٢ – لمـّا سلّم الحسن الأمر إلى معاوية قال الخوارج: قد جاء الآن ما لا شكَّ فيه فسيروا إلى معاوية فجاهدوه. فأقبلوا وعليهم فروة بن نوفل حتّى حلّوا بالنخيلة عند الكوفة وكان الحسن بن علي قد سار يريد المدينة، فكتب إليه معاوية يدعوه إلى قتال فروة فلحقه رسوله بالقادسيّة أو قريباً منها فلم يرجع وكتب إلى معاوية: لو آثرت أن اُقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك فانّي تركتك لصلاح الاُمّة وحقن دمائها.

ألكامل لابن الأثير ٣: ١٧٧.

٧٣ - قال الأسود بن يزيد: قلت لعائشة: ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلافة؟ فقالت: وما تعجب من ذلك؟ هو سلطان الله يؤتيه البرّ والفاجر، وقد ملك فرعون أهل مصر أربعمائة سنة، وكذلك غيره من الكفّار.

تاريخ ابن كثير ٨ ص ١٣١ قال: أخرجه أبو داود الطيالسي وابن عساكر(٢) .

تشبيه امّ المؤمنين معاوية بفرعون وغيره من الكّفار في ملكه يُعرب عن جلّية حال ذلك الملك العضوض ومالك أزمَّته، وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، بئس الرفد المرفود.

٧٤ - أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه ٦: ٤٢٥ من طريق الشعبي قال: خطب الناس معاوية فقال: لو انّ أبا سفيان ولد الناس كلّهم كانوا أكياساً. فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال له: قد ولد الناس كلّهم من هو خيرٌ من أبي سفيان: آدمعليه‌السلام فمنهم الأحمق والكيِّس، فقال معاوية: إنّ أرضنا قريبةٌ من المحشر. فقال له: إنّ المحشر لا يبعد على

____________________

١ - النيط: الوسط بين الأمرين.

٢ - ترى ابن كثير حكى هذا الحديث عن أبى داود الطياسى وابن عساكر، وقد حرفته يد الطبع عن مسند الأول وتاريخ الثانى لما فيه من طعن ام المؤمنين على معاوية.

١٧٣

مؤمن ولا يقرب من كافر. فقال معاوية: إنّ أرضنا ارض مقدّسة. فقال له صعصعة: إنّ الأرض لا يقدّسها شيء ولا ينجّسها، إنّما تقدّسها الأعمال. فقال معاوية: عباد الله اتّخذوا الله وليّاً واتّخذوا خلفاءه جنّة تحترزوا بها. فقال صعصعة: كيف وكيف؟ وقد عطَّلت السنّة، وأخفرت الذمّة، فصارت عشواء مطلخمّة، في دهياء مدلهمّة، قد استوعبتها الأحداث، وتمكّنت منها الأنكاث. فقال له معاوية: يا صعصعة! لإن تقعى على ظلعك خير لك من استبراء رأيك، وإبداء ضعفك، تعرض بالحسن بن علي عليَّ، ولقد هممت أن أبعث إليه. فقال له صعصعة: اي والله وجدتهم أكرمهم جدودا، وأحياكم حدوداً، و أوفاكم عهوداً، ولو بعثت إليه فلوجدته في الرأي أريبا، وفي الأمر صليبا، وفي الكرم نجيبا، يلذعك بحرارة لسانه، ويقرعك بما لا تستطيع إنكاره. فقال له معاوية: والله لأجفينك عن الوساد، ولأشردنَّ بك في البلاد، فقال له صعصعة: والله إنّ في الأرض لسعة، وإنّ في فراقك لدعة، فقال معاوية: والله لأحبسنك عطاءك. قال: إن كان ذلك بيدك فافعل، إنّ العطاء وفضائل النعماء في ملكوت من لا تنفد خزائنه، ولا يبيد عطاءه، ولا يحيف في قضيّته. فقال له معاوية: لقد استقتلت. فقال له صعصعة: مهلاً، لم أقل جهلاً، ولم أستحلّ قتلاً، لا تقتل النفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ، ومن قتل مظلوماً كان الله لقاتله مقيما، يرهقه اليما، ويجرعه حميما، ويصليه جحيما.

٧٥ - لَمّا ولي معاوية بن يزيد بن معاوية صعد المنبر فقال: إنّ هذه الخلافة حبل الله وانَّ جدِّي معاوية نازعٌ الأمر أهله، ومن هو أحقّ به منه، عليّ بن ابي طالب، وركب بكم ما تعلمون حتّى أتته منيّته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمَّ قلّد أبي الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه ثمَّ بكى.

الصواعق لابن حجر ص ١٣٤.

٧٦ - قال الحارث بن مسمار البهراني: حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد الله بن الكواء اليشكري ورجالاً من أصحاب علي مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوماً فقال: نشدتكم بالله إلّا ما قلتم حقّاً وصدقاً أيّ الخلفاء رأيتموني؟ فقال ابن الكواء: لولا انّك عزمت علينا ما قلنا لانّك جبّارٌ عنيدٌ لا تراقب الله في قتل الأخيار و لكنّا نقول: إنّك ما علمنا واسع الدنيا، ضيّق الآخرة، قريب الثرى، بعيد المرعى،

١٧٤

تجعل الظلمات نوراً، والنور ظلمات. فقال معاوية: إنّ الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابِّين عن بيضته، التاركين لمحارمه، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق المنتهكين لمحارم الله والمحلّين ما حرّم الله والمحرِّمين ما أحلَّ الله. فقال عبد الله بن الكواء، يا ابن أبي سفيان انّ لكلّ كلام جواباً ونحن نخاف جبروتك، فإن كنت تطلق ألسنتنا ذبّينا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها في الله لومة لائم، وإلّا فإنّا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرجه. قال: والله لا يطلق لك لسان.

ثم تكلّم صعصعة فقال: تكلّمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت ولم تقصّر عمّا أردت و ليس الأمر على ما ذكرت، أنّى يكون الخليفة مَن ملك الناس قهراً، ودانهم كبراً، و استولى بأسباب الباطل كذباً ومكراً؟ أما والله مالك في يوم البدر مضربٌ ولا مرمى، و ما كنت فيه إلّا كما قال القائل ( لا حلى ولا سيرى ) ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممّن أجلب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما أنت طليقٌ ابن طليق، أطلقكما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنّى تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية لولا انّي أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول:

قابلت جهلهمُ حلماً ومغفرةً

والعفو عن قدرة ضربٌ من الكرم

لقتلتكم. « مروج الذهب ٢: ٧٨ »

٧٧ - عن أبي مزروع الكلبي قال: دخل صعصعة بن صوحان على معاوية فقال له يا ابن صوحان أنت ذو معرفة بالعرب وبحالها - إلى أن قال -: فاخبرني عن أهل الحجاز.

قال: أسرع الناس إلى فتنة، وأضعفهم عنها، وأقلّهم عناء فيها، غير انّ لهم ثباتاً في الدين وتمسّكاً بعروة اليقين، يتَّبعون الأئمّة الأبرار، ويخلعون الفسقة الفجّار. فقال معاوية: مَن البررة والفسقة؟ فقال: يا ابن أبي سفيان! ترك الخداع مَن كشف القناع، عليٌّ وأصحابه من الائمَّة الأبرار، وأنت وأصحابك من اولئك.

إلى أن قال معاوية: أخبرني عن أهل الشام. قال: أطوع الناس لمخلوق، وأعصاهم للخالق، عصاة الجبّار، وحلفة الأشرار، فعليهم الدمار، ولهم سوء الدار. فقال معاوية: والله يا ابن صوحان! انّك لحاملٌ مديتك منذ أزمان إلّا انّ حلم ابن أبي سفيان يردُّ عنك فقال صعصعة: بل أمر الله وقدرته، انَّ امر الله كان قدراً مقدوراً(١) .

____________________

١ - مروج الذهب ٢: ٧٨، ٧٩.

١٧٥

٧٨ - عن ابراهيم بن عقيل البصري قال: قال معاوية يوماً وعنده صعصعة وكان قدم عليه بكتاب عليّ وعنده وجوه الناس: الارض لِلَّه، وأنا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي وما تركت منه كان جائزاً لي فقال صعصعة:

تمنّيك نفسك ما لا يكو

ن جهلاً مُعاويَ لا تأثمِ

فقال معاوية: يا صعصعة! تعلّمت الكلام. قال، العلم بالتعلّم، ومن لا يعلم يجهل قال معاوية: ما أحوجك إلى أن اذيقك وبال أمرك. قال، ليس ذلك بيدك ذلك بيد الذي لا يؤخّر نفساً إذا جاء أجلها، قال، ومن يحول بيني وبينك؟ قال: الذي يحول بين المرء وقلبه. قال معاوية: اتّسع بطنك للكلام كما اتَّسع بطن البعير للشعير. قال: اتَّسع بطن من لا يشبع ودعا عليه من لا يجمع(١) .

٧٩ - سئل صعصعة بن صوحان عن معاوية قال: صانع الدنيا فاقتلدها، وضيّع الآخرة فنبذها، وكان صاحب من أطعمه وأخافه. تاريخ ابن عساكر ٦: ٤٢٤.

٨٠ - أخرج أبو الفرج الاصبهاني في الاغاني ٣: ١٨ قال: أخبرني احمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثني أحمد بن معاوية عن الهيثم بن عدي قال: حجّ معاوية حجّتين في خلافته وكانت له ثلاثون بغلة يحجُّ عليها نساؤه وجواريه قال: فحجّ في إحداهما فرأى شخصاً يصلّي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان فقال: مَن هذا؟ قالوا: شعبة بن غريض(٢) وكان من اليهود فأرسل إليه يدعوه فأتاه رسوله فقال: أجب أمير المؤمنين. قال: أوَ ليس قد مات أمير المؤمنين قبلُ؟ قال: فأجب معاوية فأتاه فلم يسلّم عليه بالخلافة فقال له معاوية: ما فعلت ارضك التي بتيماء؟(٣) قال: يكسى منها العاري ويردّ فضلها على الجار قال: أفتبيعها؟ قال: نعم. قال: بكم؟ قال: بستين ألف دينار ولولا خلّة أصابت الحيّ لم أبعها. قال: لقد أغليت. قال: أما لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستمائة ألف دينار ثمَّ لم تبل. قال: أجل: وإذ بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي نفسه فقال: قال أبي:

____________________

١ - مروج الذهب ٢: ٧٩، جمهرة الخطب ١: ٢٥٧.

٢ - كذا فى الاغانى والصحيح كما ضبطه ابن حجر فى الاصابة: سعنه. بالمهلة والنون. و يقال بالمثناة التحتانية وعريض بالمهملة ايضاً.

٣ - تيما: محل بين الحجاز والشام.

١٧٦

يا ليت شعري حين أندب هالكاً

ماذا تؤبّنني به أنواحي؟

أيقلن لا تعبد فربّ كريهة

فرّجتها ببشارة وسماحِ

ولقد ضربت بفضل مالي حقّه

عند الشتاء وهبَّة الأرواحِ

ولقد أخذت الحقَّ غير مخاصم

ولقد رددت الحقَّ غير ملاحِ

وإذا دُعيت لصعبة سهَّلتها

اُدعى بأفلح مرّة ونجاحِ

فقال: أنا كنت بِهذا الشعر أولى من أبيك قال: كذبت ولؤمت. قال أمّا كذبت فنعم، وأمّا لؤمت فِلمَ؟ قال: لأنَّك كنت ميت الحقِّ في الجاهليَّة وميته في الإسلام، أمّا في الجاهليَّة فقاتلت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوحي جعل الله كيدك المردود، وأمّا في الإسلام فمنعت ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخلافة، وما أنت وهي وأنت طليق ابن طليق؟ فقال معاوية: قد خرف الشيخ فأقيموه فاُخذ بيده فاُقيم.

وذكره ملخّصا ابن حجر في الإصابة ٢: ٤٣ من طريق آخر عن عبد الله بن الزبير وزاد: فقال: ما خرفت ولكن انشدك الله يا معاوية! أما تذكر لمـّا كنّا جلوساً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء عليٌّ فاستقبله النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: قاتل الله من يقاتلك، وعادى من يعاديك.

فقطع عليه معاوية حديثه وأخذ معه في حديث آخر.

١٧٧

معاوية فى ميزان القضاء

لعمر الحق إنّ واحدة من هذه الشَّهادات كافيةٌ في تحطيم قدر الرجل والاسفاف بمستواه إلى الحضيض الأسفل، فكيف بجميعها؟ فانّها صدرت من سادات الصّحابة وأعيانهم العدول جميعهم عند القوم فضلاً عن هؤلاء الذين لا يُشكّ في ورعهم وقداسة ساحتهم عن السقطة في القول والعمل، ولا سيّما وفيهم الإمام المعصوم الخليفة حقّاً المطهّر بلسان الذكر الحكيم عن أيّ رجاسة، الذي يدور الحقُّ معه حيثما دار، وهو مع القرآن والقرآن معه لن يفترقا حتى يردا الحوض(١) وقبل الجميع ما رويناه عن النبيِّ الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقِّ هذا الإنسان.

فالرجل أخذاً بمجامع تلكم الشّهادات الصادقة للسلف الصالح محكومٌ عليه نصّ أقوالهم من دون أيّ تحريف وتحوير منّا بأنّه امرئ ليس له بصرٌ يهديه ولا قائدٌ يرشده، دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال فاتّبعه، وما أتى به من ضلاله ليس ببعيد الشبه ممّا أتى به أهله المشركون الكفرة، مصيره إلى اللّظى، مبوّأه النار، اللعين ابن اللعين، الفاجر ابن الفاجر، المنافق ابن المنافق، الطليق ابن الطليق، الوثن ابن الوثن، الجلف المنافق، الأغلف القلب، القليل العقل، الجبان الرذل، يخبط في عماية، ويتيه في ضلالة، شديد اللزوم للأهواء المبتدعة، والحيرة المتّبعة، لم يكن من أهل القرآن ولا مريداً حكمه يجري إلى غاية خُسر، ومحلّة كفر، قد أولجته نفسه شرّاً، وأقحمته غيّاً، وأوردته المهالك وأوعرت عليه المسالك، غمص الناس، وسَفه الحقّ، فاسقٌ مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته، ابن آكلة الأكباد، الكذّاب العسوف، إمام الرَّدى، وعدوّ النبيِّ، لم يزل عدوًّا لله والسنّة والقرآن والمسلمين، رجل البدع والأحداث كانت بوائقه تُتّقى، وكان على الإسلام مخوّفاً، الغادر الفاسق، مثله كمثل الشيطان يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، لم يجعل الله له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الإسلام، القاسط النابذ كتاب الله وراء ظهره، كان شرّ الاطفال

____________________

١ - راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا.

١٧٨

وشرّ رجال، كهف المنافقين، دخل في الاسلام كرها، وخرج منه طوعاً، لم يقدم ايمانه ولم يحدث نفاقه، كان حرباً لِلَّه ولرسوله، حزباً من أحزاب المشركين، عدوَّا لِلَّه ولنبيِّه وللمؤمنين، أقوَل الناس للزور، وأضلّهم سبيلاً، وأبعدهم من رسول الله وسيلة، الغاوي اللّعين، ليس له فضلٌ في الدين معروف، ولا أثرٌ في الإسلام محمود، عادى الله ورسوله وجاهدهما، وبغى على المسلمين، وظاهر المشركين، فلمّا أراد الله أن يظهر دينه وينصر رسوله أتاه فأسلم وهو والله راهبٌ غير راغب، قُبض رسول الله والرجل يُعرف بعداوة المسلم ومودّة المجرم، يُطفي نور الله، ويُظاهر أعداء الله، أغوى جفاةً فأوردهم النار وأورثهم العار، لم يكن في إسلامه بأبرّ وأتقى ولا أرشد ولا أصوب منه في أيّام شركه وعبادته الأصنام.

هذا معاوية عند رجال الدّين الصحيح الأبرار الصادقين، وهذه صحيفة من تاريخه السوداء، وتؤكّد هذه الكلم القيّمة ما يؤثر عن الرَّجل من بوائق وموبقات هي بمفردها حججٌ دامغةٌ على سقوطه عن مبوّأ الصالحين، فإنّها لا تتأتّى إلّا عن تهاون بأمر الله ونهيه، وإغضاء عن نواميس الدين وشرايع الإسلام، وتزحزح عن سنّة الله، وتعدٍّ وشذوذٍ عن حدوده، ومَن يعتدّ حدود الله فاُولئك هُم الظالمون، وإليك نزرٌ منها:

- ١ -

معاوية والخمر

١ - أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده ٥: ٣٤٧ من طريق عبد الله بن بريدة قال: دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش ثمّ اُتينا بالطعام فأكلنا، ثمَّ اُتينا بالشراب فشرب معاوية ثمّ ناول أبي ثمّ قال: ما شربته منذ حرّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ قال معاوية: كنت أجمل شباب قريش، وأجودهم ثغراً، وما شيىء كنت أجد له لذّة كما كنت أجده وأنا شابٌ غير اللبن أو إنسان حسن الحديث يحدّثني.

٢ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٧: ٢١١ من طريق عمير بن رفاعة قال: مرّ على عبادة(١) بن الصامت وهو في الشام قطارة تحمل الخمر فقال: ما هذه؟ أزيت؟ قيل

____________________

١ - كان بدريا عقبياً أحد نقباء الانصار بايع رسول الله على أن لا يخاف فى الله لومة لائم. سنن البيهقى ٥: ٢٧٧.

١٧٩

لا، بل: خمرٌ تُباع لفلان، فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلّا بقرها وأبو هريرة إذ ذاك بالشام، فأرسل فلانٌ إلى أبي هريرة يقول له: أما تمسك عنّا أخاك عبادة؟ أمّا بالغدوات فيغدوا إلى السوق فيفسد على أهل الذمّة متاجرهم، وأمّا بالعشيِّ فيقعد في المسجد ليس له عملٌ إلّا شتم أعراضنا أو عيبنا، فأمسك عنّا أخاك، فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال له: يا عبادة! مالك ولمعاوية؟ ذره وما حمل، فإنّ الله يقول: تلك اُمَّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم. قال: يا أبا هريرة؟ لم تكن معنا إذ بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه ممّا نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ولنا الجنّة، فهذه بيعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي بايعناه عليها فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما بايع عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي الله له بما بايع عليه نبيّه. فلم يكلّمه أبو هريرة بشيىء.

٣ - وأخرج في التاريخ ٧ ص ٢١٣ من طريق عمرو بن قيس قال: إنّ عبادة أتى حجرة معاوية وهو بأنطرطوس(١) فألزم ظهره الحجرة وأقبل على الناس بوجهه وهو يقول: بايعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا اُبالي في الله لومة لائم، ألا إنَّ المقداد بن الأسود قد غلَّ بالأمس حماراً، وأقبلت أوسقٌ من مال، فأشارت الناس إليها فقال: أيّها الناس إنّها تحمل الخمر، والله ما يحلُّ لصاحب هذه الحجرة أن يعطيكم منها شيئاً، ولا يحلُّ لكم أن تسألوه، وإن كانت مقبلةً - يعني سهماً - في جنب أحدكم، فأتى رجلٌ المقداد وفي يده قرصافة، فجعل يتلّ الحمار بها وهو يقول: معاوية! هذا حمارك شأنك به، حتى أورده الحجرة.

٤ - وفد عبد الله(٢) بن الحارث بن اميّة بن عبد شمس على معاوية فقرَّ به حتّى مسَّت ركبتاه رأسه ثمَّ قال له معاوية: ما بقي منك؟ قال: ذهب والله خيري وشرّي،

____________________

١ - بلدة من سواحل بحر الشام، هى آخر أعمال دمشق من البلاد الساحلية وأول أعمال حمص. معجم.

٢ - أدرك الاسلام وهو شيخ كبير ثم عاش بعد ذلك إلى خلافة معاوية. الاصابة ٢: ٢٩١.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

شهوة ، وبه قال الأوزاعي(١) .

وقال مالك : لا غسل عليه ، سواء خرج بعد البول أو قبله ، لأنّه قد اغتسل منه فلا يجب عليه أن يغتسل منه مرّة اُخرى(٢) ـ وعنه في الوضوء روايتان(٣) ـ وهو مذهب أبي يوسف ومحمد وإسحاق(٤) . وهو غلط لما بيّنا من عدم اعتبار الشهوة ، ولو تقطّر من بوله قطرة أعاد الوضوء.

وأما إن لم يعلم أنّه مني ، فإن خرج بعد البول لم يجب الغُسل ، ووجب الوضوء ، لأنّ الظاهر أنّه من بقايا البول ، وإن كان قد استبرأ بالبول بعده ، أو اجتهد قبل البول ، واستبرأ فلا شيء ولا وضوء ولا غسل.

ب ـ لو شك في أنّه أنزل أم لا فلا غسل عليه ، ولو شك في أن الخارج مني اعتبره بالصفات ، واللذة ، وفتور الجسد ، لأنّها من الصفات اللازمة في الغالب ، فمع الاشتباه يستند إليها لقول الكاظمعليه‌السلام : « وإن لم يجد شهوة ولا فترة به فلا بأس »(٥) .

ج ـ لا يشترط في المريض الدفق ، وتكفي الشهوة وفتور الجسد ،

__________________

الدارمي ١ : ١٩٤ ، سنن الترمذي ١ : ١٨٦ ، ذيل الحديث ١١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩٩/ ٦٠٧ ، سنن أبي داود ١ : ٥٦ / ٢١٧.

١ ـ اللباب ١ : ١٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٦٧ ، شرح فتح القدير ١ : ٥٤ ، المجموع ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٢ : ١٢٦ ، المغني ١ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٤.

٢ ـ المغني ١ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٤ ، الشرح الصغير ١ : ٦١ ، الجموع ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٢ : ١٢٥ ، المحلى ٢ : ٧.

٣ ـ حلية العلماء ١ : ١٧٢.

٤ ـ المغني ١ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٤ ، المجموع ٢ : ١٣٩ ، حلية العلماء ١ : ١٧١.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٢٠ / ٣١٧ ، الاستبصار ١ : ١٠٤ / ٣٤٢.

٢٢١

لقصور قوته لقول الصادقعليه‌السلام : « لأنّ الرجل إذا كان صحيحاً جاء الماء بدفقة قوية ، وإن كان مريضاً لم يجئ إلّا بعد »(١) .

د ـ لو شك هل أنزل أم لا لم يجب عليه الغسل.

هـ ـ إذا انتقل الماء إلى الذكر ولم يظهر ، لم يجب الغُسل حتى يظهر ـ وبه قال الشافعي(٢) ـ لقولهعليه‌السلام لعليعليه‌السلام : ( إذا فضخت الماء فاغتسل )(٣) ، والفضخ : الظهور(٤) ، ولأن ما يتعلق به الطهارة يعتبر ظهوره كسائر الأحداث.

وقال أحمد : يجب قبل الظهور لأنّ المعتبر الشهوة وقد حصلت بانتقاله(٥) ، والمقدمتان ممنوعتان ، فإن كمالها بظهوره.

و ـ إذا أنزلت المرأة وجب عليها الغُسل ، لأنّ ام سليم امرأة أبي طلحة قالت : يا رسول الله إنّ الله لا يستحي من الحق ، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال : ( نعم إذا رأت الماء )(٦) .

ز ـ لو خرج المني من ثقبة في الذكر أو الانثيين أو الصلب وجب الغسل.

ح ـ لو استدخلت المرأة منيّ الرجل ثم خرج لم يجب عليها الغُسل ، لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن المرأة تغتسل من الجنابة ثم ترى نطفة

__________________

١ ـ التهذيب : ٣٦٩ / ١١٢٤ ، الاستبصار ١ : ١١٠ / ٣٦٥ ، الكافي ٣ : ٤٨ / ٤.

٢ ـ المجموع ٢ : ١٤٠ ، مغني المحتاج ١ : ٧٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٤.

٣ ـ مسند أحمد ١ : ١٠٩ ، سنن النسائي ١ : ١١١ ، سن ابي داود ١ : ٥٣ / ٢٠٦.

٤ ـ اُنظر الفائق ٣ : ١٢٤ ، النهاية لابن الاثير ٣ : ٤٥٣ ، مادة « فضخ ».

٥ ـ المغني ١ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٣ ، المجموع ٢ : ١٤٠.

٦ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٥١ / ٣١٣ ، صحيح البخاري ١ : ٤٤ ، سنن النسائي ١ : ١١٤ ، سنن الترمذي ١ : ٢٠٩ / ١٢٢ ، الموطأ ١ : ٥١ / ٨٥.

٢٢٢

الرجل بعد ذلك هل عليها غسل؟ قال : « لا »(١) .

ولا يجب أيضاً الوضوء عند علمائنا ، خلافاً للشافعي(٢) .

وكذا لو وطأها فيما دون الفرج فدب ماؤه إلى فرجها ثم خرج بعد أن اغتسلت ، أو وطأها في الفرج ثم خرج بعد غسلها ، وبه قال قتادة والأوزاعي وإسحاق والشافعي وأحمد(٣) .

وقال الحسن : تغتسل ، لأنّه مني خارج فأشبه ماء‌ها(٤) .

مسألة ٦٥ : لو احتلم أنّه جامع وأمنى ، ثم استيقظ ولم ير شئيا لم يجب الغُسل إجماعاً ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عنه فقال : « ليس عليه الغُسل »(٥) .

ولو رأى المني على جسده أو ثوبه وجب الغُسل إجماعاً لأنّه منه ، وإن لم يذكر الاحتلام ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن الرجل يرى في ثوبه المني بعدما يصبح ، ولم يكن رأى في منامه أنّه قد احتلم ، قال : « فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته »(٦) .

فروع :

أ ـ لو استيقظ فرأى بللاً لا يعلم أنّه مني ، فلا غسل ، وإن احتلم بالجماع على إشكال ، لأنّ الطهارة متيقنة والحدث مشكوك.

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٤٩ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٤٦ / ٤١٣.

٢ ـ المجموع ٢ : ١٥١.

٣ ـ المحلى ٢ : ٧ ، المجموع ٢ : ١٥١ ، المغني ١ : ٢٣٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٢.

٤ ـ المحلى ٢ : ٧ ، المجموع ٢ : ١٥١ ، المغني ١ : ٢٣٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٢.

٥ ـ الكافي ٣ : ٤٨ / ١ ، التهذيب ١ : ١٢٠ / ٣١٦ ، الاستبصار ١ : ١٠٩ / ٣٦٢.

٦ ـ التهذيب ١ : ٣٦٨ / ١١١٨ ، الاستبصار ١ : ١١١ / ٣٦٧.

٢٢٣

ب ـ لو رأى في ثوبه المختص منياً وجب عليه الغُسل ، وإن كان قد نزعه ، ما لم يشك في أنّه منيّ آدمي ، ويعيد من آخر نومة فيه إلّا مع ظن السبق ، وقال الشيخ : من آخر غسل رفع به الحدث(١) ، والوجه استحبابه من الوقت الذي يتيقن أنّه لم يكن منه.

ج ـ لو كان مشتركا لم يجب على أحدهما الغُسل ، بل يستحب ، ولا يحرم على أحدهما ما يحرم على الجنب ، ولاحدهما أن يأتم بصاحبه لأنّها جنابة سقط اعتبارها في نظر الشرع ، وقيل : تبطل صلاة المؤتم ، لأنّ الجنابة لا تعدوهما(٢) .

السبب الثاني : الجماع ، ويجب به الغُسل بالإجماع ، بشرط التقاءالختانين إن كان في القبل ، بمعنى المحاذاة ، إلّا ما روي عن داود أنّه قال : لا يجب(٣) ، لأنّ أبا سعيد الخدري روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من جامع ولم يمن فلا غسل عليه )(٤) ، وفي بعض الالفاظ : ( من أقحط فلم يكمل فلا غسل عليه )(٥) . وأقحط معناه : لم ينزل الماء : مأخوذ من القحط ، وهو انقطاع القطر(٦) ، وهو محكي عن أبي ، وزيد ، ومعاذ بن جبل ، وأبي سعيد الخدري ، ثم رجعوا(٧) .

والحديث منسوخ ، فإن أبي بن كعب قال : إنّ ذلك رخصة رخص فيها

____________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٨.

٢ ـ القائل هو المحقق في المعتبر : ٤٧.

٣ ـ المجموع ٢ : ١٣٦ ، المغني ١ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٥ ، شرح الأزهار ١ : ١٠٦.

٤ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ / ٣٤٣ ، مسند أبي يعلى ٢ : ٤٣٢ / ٢٦٢ ، ورد مؤداه فيهما.

٥ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٧٠ / ٣٤٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩٩ / ٦٠٦ ، مسند أحمد ٣ : ٢١ ، ٢٦ ، ٩٤ ، سنن البيهقي ١ : ١٦٥ ، مصنف ابن أبي شيء بة ١ : ٨٩ ، ورد مؤداه في المصادر المذكورة.

٦ ـ النهاية لابن الاثير ٤ : ١٧ « قحط ».

٧ ـ الكفاية ١ : ٥٦ ، المجموع ٢ : ١٣٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٦٨ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٤٧ ، المحلى ٢ : ٤.

٢٢٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد(١) ، وقالعليه‌السلام : ( إذا قعد بين شعبها الأربع وألصق الختان بالختان فقد وجب الغُسل )(٢) ، أراد شعبتي رجليها وشعبتي شفريها ، والإلصاق : المقاربة.

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام قال : « قال عليعليه‌السلام : أتوجبون الجلد والرجم ، ولا توجبون صاعا من ماء؟! إذا التقى الختانان وجب الغُسل »(٣) .

مسألة ٦٦ : ودبر المرأة كالقبل ، وقاله السيد المرتضى(٤) وجماعة من علمائنا(٥) ، والجمهور(٦) ، لقوله تعالى :( أو لمستُم النساء ) (٧) ، ووجوب البدل يستلزم وجوب المبدل ، ولأنّه فرج ومحل الشهوة ، ولقول عليعليه‌السلام : « أتوجبون الجلد والرجم ولا توجبون صاعاً من ماءً »(٨) ووجود العلة يستلزم المعلول.

وعن أحدهماعليهما‌السلام : « إذا أدخله فقد وجب الغُسل والمهر والرجم »(٩) وادعى المرتضى الاجماع(١٠) .

__________________

١ ـ سنن أبي داود ١ : ٥٥ / ٢١٤ ، ٢١٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٠ / ٦٠٩.

٢ ـ سنن أبي داود ١ : ٥٦ / ٢١٦ ، صحيح البخاري ١ : ٨٠ ، سنن النسائي ١ : ١١٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٠ / ٦١٠.

٣ ـ التهذيب ١ : ١١٩ / ٣١٤.

٤ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٤٨.

٥ ـ منهم ابن ادريس في السرائر : ١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٥٥ ، والمحقق في المعتبر : ٤٨.

٦ ـ المجموع ٢ : ١٣٢ ، المغني ١ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٧ ، الكفاية ١ : ٥٦ ، شرح العناية ١ : ٥٦ ، شرح فتح القدير ١ : ٥٦ ، الهداية للأنصاري : ٣٨.

٧ ـ المائدة : ٦.

٨ ـ التهذيب ١ : ١١٩ / ٣١٤.

٩ ـ التهذيب ١ : ١١٨ / ٣١٠ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٨.

١٠ ـ حكاه عنه المصنف ايضاً في المختلف ١ : ٣١.

٢٢٥

وقال الشيخ : لا يجب ، ما لم ينزل(١) عملاً بالأصل ، ولأن المقتضي التقاء الختانين ، أو الإنزال ، وهما منفيّان.

والأصل يترك للمعارض ، وحصر السبب ممنوع.

مسألة ٦٧ : وفي دبر الغلام قولان ، أحدهما : الوجوب ـ وهو قول الشافعي وأحمد(٢) ـ قاله المرتضى(٣) ، لقول عليعليه‌السلام : « أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء؟! »(٤) والمعلول تابع ، ولأن الدليل قائم في دبر المرأة ، فكذا الغلام لعدم الفارق.

والثاني : العدم إلّا مع الإنزال ، والمعتمد الاول.

أما فرج البهيمة فقال الشيخ : لا نصّ فيه فلا غسل لعدم الدليل(٥) ، وبه قال أبو حنيفة(٦) ، لأنّه غير مقصود فأشبه إيلاج الاصبع.

وقال الشافعي وأحمد : يجب الغُسل(٧) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا قعد بين شعبها الأربع )(٨) ولأنّه مكلف أولج الحشفة منه في الفرج ، فوجب

____________

١ ـ الاستبصار ١ : ١١٢ ذيل الحديث ٣٧٣.

٢ ـ المجموع ٢ : ١٣٢ ، مغني المحتاج ١ : ٦٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٣ ، السراج الوهاج : ٢٠ ، المغني ١ : ٢٣٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٥.

٣ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٤٨.

٤ ـ التهذيب ١ : ١١٩ / ٣١٤.

٥ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٨ ، الخلاف ١ : ١١٧ مسألة ٥٩.

٦ ـ الهداية للمرغيناني ١ : ١٧ ، شرح العناية ١ : ٥٦ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، شرح الأزهار ١ : ١٠٦ ، المجموع ٢ : ١٣٦ ، فتح العزيز ٢ : ١١٧ ، الوجيز ١ : ١٧ ، المغني ١ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٥.

٧ ـ المجموع ٢ : ١٣٦ ، فتح العزيز ٢ : ١١٧ ، مغني المحتاج ١ : ٦٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٣ ، الوجيز ١ : ١٧ ، المغني ١ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٥ ، الاُم ١ : ٣٧.

٨ ـ سنن أبي داود ١ : ٥٦ / ٢١٦ ، سنن النسائي ١ : ١١٠ ـ ١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٠ / ٦١٠ ، مسند أحمد ٢ : ٥٢٠ ، صحيح البخاري ١ : ٨٠ ، صحيح مسلم ١ : ٢٧١ / ٣٤٨.

٢٢٦

الغسل كقُبل المرأة.

فروع :

أ ـ لا يعتبر في الإيلاج الشهوة ولا الإنزال بالإجماع ، فلو أولج في فرج العجوز الشوهاء وجب الغسل.

ب ـ لا فرق بين الفاعل والمفعول في وجوب الغُسل ، سواء كان الموطوء ذكراً أو أنثى.

ج ـ لو أولج في فرج الميت وجب الغُسل ، وبه قال الشافعي وأحمد(١) للعموم.

وقال أبو حنيفة : لا يجب لأنّه غير مقصود(٢) ، وينتقض بالعجوزة الشوهاء.

د ـ لو أولج بعض الحشفة لم يجب شيء حتى يولج جميعها.

هـ ـ كيف حصل الإيلاج وجب الغُسل ، فلو أدخلت فرجه في فرجها وهو نائم لا يعلم وجب عليهما الغُسل ، وبالعكس.

و ـ لو أولج فيما دون القُبل والدبر لم يجب الغُسل إلّا مع الإنزال ، كالسرة وشبهها إجماعا.

ز ـ لو أولج رجل في فرج خنثى مشكل ، فإن أولج في دبره وجب الغُسل ، وإن أولج في قبله ، قال بعض علمائنا : لم يجب(٣) ـ وبه قال

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ١٣٢ ، فتح العزيز ٢ : ١١٧ ، الوجيز ١ : ١٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٣ ، الاُم ١ : ٣٧ ، مغني المحتاج ١ : ٦٩ ، المغني ١ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٥.

٢ ـ شرح فتح القدير ١ : ٥٦ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، الوجيز ١ : ١٧ ، المجموع ٢ : ١٣٦ ، فتح العزيز ٢ : ١١٧ ، المغني ١ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٥.

٣ ـ منهم المحقق الحلّي في المعتبر : ٤٨.

٢٢٧

الشافعي(١) ـ لجواز أن يكون رجلاً ويكون ذلك عضواً زائداً من البدن ، ولو قيل بالوجوب كان وجهاً لقولهعليه‌السلام : ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل )(٢) ، ولوجوب الحد به.

فلو أولجت هذه الخنثى في فرج امرأة ، قال بعض علمائنا والشافعي : وجب الغُسل على الخنثى خاصة(٣) ، لأنّه إن كان رجلاً فقد أولج في فرج امرأة ، وإن كان امرأة فقد أولج الرجل في فرجها.

ولو أولج الخنثى في فرج امرأة فلا شيء على الخنثى لاحتمال أن يكون زائدا ، ويحتمل الوجوب للعموم(٤) .

وقال الشافعي : يجب على المرأة الوضوء لخروج خارج من فرجها(٥) ، ويحتمل عندي الغسل.

ولو أولج الخنثى في دبر الغلام فالأقرب عندي الغُسل عليهما ، وقيل : لاشئ على الخنثى لاحتمال أن يكون امرأة(٦) ، وقال الشافعي : يجب على الغلام الوضوء بخروج شيء من دبره(٧) .

ولو أولج خنثى في فرج خنثى فعلى ما قيل لا شيء عليهما ، لاحتمال ان يكونا رجلين.

ح ـ ولو أولج الصبي في الصبية تعلق بهما حكم الجنابة على إشكال

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥١ ، فتح العزيز ٢ : ١٢١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٣٦.

٢ ـ مسند أحمد ٦ : ٢٣٩ ، سنن البيهقي ١ : ١٦٣.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥١ ، فتح العزيز ٢ : ١٢١.

٤ ـ اشار بذلك إلى حديث : إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل ، راجع مسند أحمد ٦ : ٢٣٩ ، وسنن البيهقي ١ : ١٦٣.

٥ ـ فتح العزيز ٢ : ١٢١.

٦ ـ القائل هو المحقق في المعتبر : ٤٨.

٧ ـ المجموع ٢ : ٥١ ، فتح العزيز ٢ : ١٢١ ، مغني المحتاج ١ : ٦٩.

٢٢٨

فيمنعان من المساجد ، وقراء‌ة العزائم ، ومس كتابة القرآن ، ويجب عليهما الغُسل بعد البلوغ ، وفي الاكتفاء بالغسل الأول عنه إشكال ، أقربه ذلك.

ولو أولج الصبي في البالغة ، أو البالغ في الصبية تعلق الحكم بالبالغ قطعاً ، وبالصبي على إشكال.

ط ـ لو أولج مقطوع الحشفة فأقوى الاحتمالات الوجوب لو غيب قدرها أو جميع الباقي ، وبهما قال الشافعي(١) ، والسقوط.

ي ـ لو لفّ خرقة على ذكره وأولج وجب الغُسل للعموم(٢) ، وهو أحد وجوه الشافعية ، والعدم ، والفرق بين اللينة والخشنة(٣) .

يا ـ لو استدخلت ذكراً مقطوعاً فوجهان كالشافعية(٤) ، وكذا ذكر الميت والبهم.

ولو استدخلت ماءً الرجل فلا غسل ولا وضوء وإن خرج ، وعند الشافعية يجب الوضوء لو خرج(٥) .

المطلب الثاني : في الغسل

و فيه بحثان :

الأول : في واجباته : وهي أربعة :

الأول : النيّة ، وقد تقدمت وهي شرط ، ويستحب إيقاعها عند غسل

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ١٣٣ ـ ١٣٤ ، فتح العزيز ٢ : ١١٦ ـ ١١٧.

٢ ـ أشار إلى عموم حديث : إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل ، راجع مسند أحمد ٦ : ٢٣٩ ، سنن البيهقي ١ : ١٦٣.

٣ ـ المجموع ٢ : ١٣٤ ، فتح العزيز ٢ : ١١٨ ـ ١١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٦٩.

٤ ـ المجموع ٢ : ١٣٣ ، مغني المحتاج ١ : ٧١.

٥ ـ المجموع ٢ : ١٥١.

٢٢٩

الكفين لأنّه أول أفعال الطهارة ، وتتضيق عند غسل الرأس ، فلو شرع فيه قبل فعلها وجب الاستئناف بعده ، ويجب استدامتها حكماً دفعا لمشقة الاستحضار دائما.

و لا بدّ من نيّة غسل الجنابة ، أو رفع الحدث وإن أطلق ، لأنّ الحدث هو المانع من الصلاة ، وهو أظهر وجهي الشافعي(١) ، فإن نوى رفع الاصغر متعمّداً لم يصح غسله ، وهو أظهر وجهي الشافعي(٢) ، وكذا إنّ سهى ، وللشافعي في رفع الحدث عن أعضاء الوضوء وجهان(٣) .

و لو نوت الحائض استباحة الوطء صحّ الغُسل ، وللشافعي وجهان(٤) .

الثاني : غسل البشرة بما يسمى غسلاً بالإجماع والنص(٥) ، فالدهن إنّ تحقق معه الجريان أجزأ وإلّا فلا ، لأنّ علياًعليه‌السلام كان يقول : « الغُسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزأ مثل الدهن الذي يبل الجسد »(٦) فشرط الجريان.

الثالث : إجراء الماء على جميع ظاهر البدن والرأس واصول الشعر كلّه ، خف أو كثف ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( تحت كلّ شعرة جنابة ، فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة )(٧) ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه

____________

١ ـ المجموع ١ : ٣٢٢ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٤ ، مغني المحتاج ١ : ٧٢ ، فتح العزيز ٢ : ١٦٣.

٢ ـ كفاية الأخيار ١ : ٢٤ ، المجموع ١ : ٣٣٢ ، فتح العزيز ٢ : ١٦٣ ، مغني المحتاج ١ : ٧٢.

٣ ـ المجموع ١ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٢ : ١٦٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٤.

٤ ـ المجموع ١ : ٣٢٣ ، فتح العزيز ٢ : ١٦٣ ـ ١٦٤.

٥ ـ اُنظر على سبيل المثال : التهذيب ١ : ١٣١ / ٣٦٢ وما بعدها ، والاستبصار ١ : ١١٨ / ٣٩٨ و ١٢٣ / ٤١٩.

٦ ـ التهذيب ١ : ١٣٨ / ٣٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٢ / ٤١٤.

٧ ـ سنن أبي داود ١ : ٦٥ / ٢٤٨ ، سنن الترمذي ١ : ١٧٨ / ١٠٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩٦ / ٥٩٧.

٢٣٠

السلام : من ترك شعرة من الجنابة متعمّداً فهو في النار(١) .

و لو لم يصل إلّا بالتخليل وجب ، ومن عليه خاتم ضيّق ، أو دملج ، أو سير وجب إيصال الماء إلى ما تحته ، إمّا بالتحريك أو النزع ، ولو كان يصل الماء استحب تحريكه والتخليل ، ويغسل ظاهر اذنيه وباطنهما ، ولا يدخل الماء فيما بطن من صماخه ، ولا يجب غسل باطن الفم والانف ، ولا غيرهما.

الرابع : الترتيب ، يبدأ برأسه ، ثم جانبه الأيمن ، ثم الأيسر ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، إلّا المرتمس وشبهه لأنّ عائشة قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخلّل شعره ، فإذا ظن أنّه أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ، ثم غسل سائر جسده(٢) ، وعن ميمونة ، وساقت الحديث حتى أفاضعليه‌السلام على رأسه ثم غسل جسده(٣) . فيجب اتّباعه.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سأله زرارة كيف يغتسل الجنب؟ إلى أن قال : « ثم صب على رأسه ثلاث أكف ، ثم صب على منكبه الأيمن مرتين ، وعلى منكبه الأيسر مرتين »(٤) وتقديم الرأس يوجب تقديم الأيمن لعدم الفارق ، ولأن المأتي به بياناً إن كان غير مرتب وجب ، وليس كذلك بالإجماع فتعين الترتيب ، وقال الجمهور : لا يجب(٥) بالأصل.

____________

١ ـ التهذيب ١ : ١٣٥ / ٣٧٣.

٢ ـ صحيح البخاري ١ : ٧٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٠٥ ، سنن البيهقي ١ : ١٧٥.

٣ ـ صحيح البخاري ١ : ٧٧ ، سنن الترمذي ١ : ١٧٤ / ١٠٣ ، سنن البيهقي ١ : ١٧٧ ، سنن النسائي ١ : ١٣٧.

٤ ـ الكافي ٣ : ٤٣ / ٣.

٥ ـ المجموع ٢ : ١٩٧ ، المغني ١ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤٩ ، الشرح الصغير ١ : ٦٥ ، بدائع الصنائع ١ : ١٧ ـ ١٨ و ٣٤.

٢٣١

فروع :

الأول : يسقط الترتيب عن المرتمس دفعة واحدة ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك عن غسله »(١) .

وقال بعض علمائنا : يرتّب حكماً(٢) .

الثاني : قال المفيد : لا ينبغي أن يرتمس في الراكد ، فإنه إن كان قليلاً أفسده(٣) . وليس بجيد لما بيّنا من بقاء الطهورية بعد الاستعمال.

الثالث : لو وقف تحت الغيث حتى بل جسده طهر مع الجريان وإن لم يرتّب ـ خلافاً لبعض علمائنا(٤) ـ لقول الكاظمعليه‌السلام وقد سئل أيجزي الجنب أن يقوم في القطر حتى يغسل رأسه وجسده ، وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك »(٥) وكذا البحث في الميزاب وشبهه.

البحث الثاني : في مسنوناته

وهي :

الأول : الاستبراء بالبول للمنزل الذكر ، فإن تعذر مسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثاً ، ومنه إلى رأسه ثلاثاً ، وينتره ثلاثاً ، وعصر رأس

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٤٣ / ٥ ، التهذيب ١ ، ١٤٩ / ٤٢٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ / ٤٢٤.

٢ ـ وهو سلار كما في المراسم : ٤٢ ، وهذا اختيار الشيخ في الاستبصار ١ : ١٢٥ ذيل الحديث ٤٢٤ ، والمصنف في المختلف : ٣٢.

٣ ـ المقنعة : ٦.

٤ ـ منهم المحقق الحلّي في المعتبر : ٤٩.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٤٩ / ٤٢٤ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ / ٤٢٥ ، الفقيه ١ : ١٤ / ٢٧ ، قرب الاسناد : ٨٥.

٢٣٢

الحشفة ، وليس واجباً عند أكثر علمائنا(١) ، للأصل ، ولقوله تعالى :( فاطّهّروا ) (٢) عقَّبَ به القيام ، وأذن في الدخول بعد الاغتسال ، وقال الشيخ بالوجوب(٣) .

فروع :

أ ـ لا استبراء بالجماع من غير إنزال ، ولا على المرأة لاختلاف المخرجين.

ب ـ لو أخل بالاستبراء ، فإن لم يجد بللاً صحّ غسله ولا شيء ، وإن وجد بللاً فإن علمه منيا ، أو اشتبه وجب إعادة الغُسل دون الصلاة السابقة على الوجدان ، وإن علمه غير مني فلا شيء.

ج‍ ـ لو استبرأ بالبول ولم يستبرئ منه ثم وجد البلل ، فإن علمه منيا أعاد الغُسل خاصة ، وإن اشتبه فالوضوء ، وكذا إنّ اشتبه بالبول.

ولو استبرأ منهما ثم وجد المشتبه ، فلا غسل ، ولا وضوء لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّه من الحبائل »(٤) .

الثاني : غسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء.

الثالث : المضمضة والاستنشاق ثلاثاً ثلاثا ، وقد تقدم.

الرابع : إمرار اليد على الجسد ، وليس واجباً ، ذهب إليه علماؤنا

__________________

١ ـ منهم السيد المرتضى في الناصريات : ٢٢٤ المسألة ٣٩ ، والمحقق الحلّي في المعتبر : ٤٩ وابن إدريس في السرائر : ٢١.

٢ ـ المائدة : ٦.

٣ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٩.

٤ ـ الفقيه ١ : ٤٧ / ١٠.

٢٣٣

أجمع ، والشافعي وأكثر العلماء(١) ، للأصل ، ولقولهعليه‌السلام لام سلمة وقد سألته عن غسل الجنابة : ( إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماءً ثم تفيضي الماء على سائر جسدك ، فإذا أنت قد طهرت )(٢) .

وقال مالك والمزني : إمرار اليد إلى حيث تنال واجب(٣) ، لقوله تعالى :( حتى تغتسلوا ) (٤) ولا يقال : اغتسل إلّا من دلك جسده ، ولأن ّالتيمم يجب فيه إمرار اليد ، فكذا الغسل.

ويبطل بقولهم : غسل الإناء وإن لم يمرّ اليد ، وكذا غسل يده ، والتراب يتعذر إمراره إلّا باليد ، ولأنّ المسح يتوقف عليه ، نعم لو لم يصل الماء إلا بالامرار وجب.

وكذا تخليل الاُذنين إن لم يصبهما الماء.

الخامس : الغُسل بصاع ، وليس واجباً للامتثال لو حصل بدونه ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « الجنب ما جرى عليه الماء من جسده »(٥) وقال أبو حنيفة : يجب(٦) وقد تقدم.

السادس : لا يجب غسل المسترسل من الشعر ، ويستحب عملاً بالأصل ، ويجب غسل اصوله في جميع الرأس والبدن.

__________________

١ ـ المغني ١ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٢ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٢ : ١٨٥ ، كفايةالاخيار ١ : ٢٦ ، مغني المحتاج ١ : ٧٤ ، عمدة القارئ ٣ : ١٩٢ ، المحلى ٢ : ٣٠.

٢ ـ سنن أبي داود ١ : ٦٥ / ٢٥١ ، سنن إبن ماجة ١ : ١٩٨ / ٦٠٣ ، سنن الترمذي ١ : ١٧٦ / ١٠٥.

٣ ـ بداية المجتهد ١ : ٤٤ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٧ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٤٥ ، عمدة القارئ ٣ : ١٩٢ ، المجموع ٢ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٢ : ١٨٥ ، بُلغة السالك ١ : ٤٣ ، والشرح الصغير ١ : ٤٣.

٤ ـ النساء : ٤٣.

٥ ـ الكافي ٣ : ٢١ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٣٧ / ٣٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ / ٤١٦.

٦ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٤٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٥ ، فتح العزيز ٢ : ١٩١ ، المغني ١ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٥٦.

٢٣٤

وقال الشافعي : يجب غسل المسترسل(١) .

السابع : ينبغي أن يبدأ أولاً بغسل النجاسة عن بدنه ، فلو غسل رأسه قبله صحّ ، وهل يكفي غسلها عن غسل محلّها؟ إشكال ، وللشافعي فيه وجهان(٢) .

المطلب الثالث : في الاحكام

مسألة ٦٨ : يحرم على الجنب قراء‌ة الغزائم ، وهي أربع سور : سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك ، دون ما عداها ، ويكره ما زاد على سبع آيات من غيرها ، ويتأكد ما زاد على سبعين.

أما تحريم العزائم فإجماع أهل البيتعليهم‌السلام عليه ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب ويقرآن من القرآن ما شاء‌آ إلّا السجدة »(٣) .

و أما تسويغ غيرها فلقوله تعالى :( فاقرؤا ما تيسر منه ) (٤) ، وللأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل أتقرأ النفساء والجنب والحائض شيئا من القرآن؟ : « يقرؤون ما شاؤا »(٥) .

والجمهور لم يفرقوا بين العزائم وغيرها ، ثم اختلفوا ، فقال الشافعي :

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ١٨٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٥ ، مغني المحتاج ١ : ٧٣ ، الاُم ١ : ٤٠ ، السراج الوهاج : ٢١.

٢ ـ المجموع ٢ : ١٩٩ ، مغني المحتاج ١ : ٧٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٥ ، السراج الوهاج ١ : ٢٢ ، فتح العزيز ٢ : ١٧١.

٣ ـ التهذيب ١ : ٣٧١ / ١١٣٢.

٤ ـ المزمل : ٢٠.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٢٨ / ٣٤٨.

٢٣٥

الجنب والحائض لا يجوز لهما قراء‌ة شيء من القرآن(١) ، لأنّ علياًعليه‌السلام قال : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يحجبه عن قراء‌ة القرآن شيء إلّا الجنابة »(٢) وحكى ابن المنذر عن أبي ثور أنّه حكى عن الشافعي جواز أن تقرأ الحائض(٣) .

وروي كراهة القراء‌ة عن عليعليه‌السلام ، وعمر ، والحسن البصري ، والنخعي ، والزهري ، وقتادة(٤) ، لأنّ عبد الله بن رواحة رأته امرأته مع جاريته فذهبت لتأخذ سكيناً ، فقال : ما رأيتني أليس نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقرأ أحدنا وهو جنب؟ فقالت : إقرأ ، فقال :

شهدت بأنّ وعد الله حق

وأنّ النار مثوى الكافرينا

وأنّ العرش فوق الماء طاف

وفوق العرش ربّ العالمينا

تحمله ملائكة شداد

ملائكة الاله مسومينا

فقالت : صدق الله وكذب بصري ، فجاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبر فضحك حتى بدت نواجذه(٥) ، وهذا يدل على اشتهار النهي بين الرجال والنساء.

وقال عبد الله بن عباس : يقرأ ورده وهو جنب(٦) . وقيل لسعيد بن المسيب : أيقرأ الجنب؟ فقال : نعم ، أليس هو في جوفه ، وبه قال داود ،

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ١٥٦ و ١٥٨ ، فتح العزيز ٢ : ١٣٣ ـ ١٣٤ ، مغني المحتاج ١ : ٧٢.

٢ ـ سنن ابن ماجة ١ : ١٩٥ / ٥٩٤ ، سنن النسائي ١ : ١٤٤ ، سنن أبي داود ١ : ٥٩ / ٢٢٩ ، مسند أحمد ١ : ١٢٤.

٣ ـ المجموع ٢ : ٣٥٦ ، فتح العزيز ٢ : ١٤٣.

٤ ـ المغني ١ : ١٦٥.

٥ ـ المجموع ٢ : ١٥٩.

٦ ـ المغني ١ : ١٦٥ ، المجموع ٢ : ١٥٨ ، شرح الأزهار ١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤٠.

٢٣٦

وابن المنذر(١) ، لأنّ عائشة قالت : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يترك ذكر الله على كلّ أحيانه(٢) ، ولا دلالة فيه.

وقال أبو حنيفة ، وأحمد : يقرأ دون الآية ، لعدم إجزائها في الصلاة فصارت كالاذكار(٣) .

وقال مالك : الحائض تقرأ القرآن ، والجنب يقرأ آيات يسيرة ، لأنّ الحائض يطول أيامها ويكثر ، فلو منعناها من القرآن نسيت(٤) .

وقال الأوزاعي : لا يقرأ الجنب إلّا آية الركوب والنزول والصعود(٥) ( سبحان الذي سخر لنا هذا ) (٦) ( رب أنزلني منزلاً مباركاً ) (٧) .

فروع :

الأول : لو تيمم لضرورة ففي جواز قراء‌ة العزائم إشكال.

الثاني : أبعاض العزائم كهي في التحريم ، حتى البسملة إذا نواها منها.

الثالث : إذا لم يجد ماء‌اً ولا تراباً صلّى مع حدثه ، وقرأ ما لا بدّ له من

__________________

١ ـ المغني ١ : ١٦٥ ، المجموع ٢ : ١٥٨ ، شرح الأزهار ١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤٠ ، المحلى ١ : ٧٩ و ٨٠.

٢ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٨٢ / ٣٧٣ ، سنن أبي داود ١ : ٥ / ١٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١١٠ / ٣٠٢.

٣ ـ المغني ١ : ١٦٥ ـ ١٦٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، شرح الأزهار ١ : ١٠٧ ، المحلى ١ : ٧٨ ، شرح فتح القدير ١ : ١٤٨ ، نيل الأوطار ١ : ٢٨٤ ، المجموع ٢ : ١٥٨ ، الوجيز ١ : ١٨ ، فتح العزيز ٢ : ١٣٤.

٤ ـ المحلى ١ : ٧٨ ، شرح الأزهار ١ : ١٠٧ ، المغني ١ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٩ ، المجموع ٢ : ١٥٨ ، الوجيز ١ : ١٨ ، فتح العزيز ٢ : ١٣٤ ، بُلغة السالك ١ : ٦٧ ، الشرح الصغير ١ : ٦٧ و ٨١.

٥ ـ المغني ١ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤٠.

٦ ـ الزخرف : ١٣.

٧ ـ المؤمنون : ٢٩.

٢٣٧

قراء‌ته عند الشافعي(١) للضرورة.

الرابع : لا يمنع من شيء من الأذكار حتى اسمه تعالى.

مسألة ٦٩ : ويحرم عليه مسّ كتابة القرآن ، وعليه إجماع العلماء(٢) ـ إلّا داود(٣) ـ لقوله تعالى :( لا يمسه الا المطهرون ) (٤) وقد تقدم ، ويحرم عليه أيضاً مسّ اسمه تعالى في أي شيء كان ، لما فيه من التعظيم لشعائر الله ، وقول الصادقعليه‌السلام : « لا يمس الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله تعالى »(٥) .

قال الشيخان : ويحرم أيضاً مسّ أسماء أنبياء الله ، والائمةعليهم‌السلام تعظيماً لهم(٦) .

مسألة ٧٠ : الاشهر بين علمائنا تحريم الاستيطان في المساجد ، وبه قال الشافعي ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وعطاء ، ومالك ، وأبو حنيفة(٧) ، لقوله تعالى :( ولا جنباً إلّا عابري سبيل ) (٨) ، وقوله عليه

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ١٦٣ ، فتح العزيز ٢ : ١٤٢ ، مغني المحتاج ١ : ٧٢.

٢ ـ المغني ١ : ١٦٨ ، الشرح الكبير ١ : ٢٢٨ ، المجموع ٢ : ٧٢ ، فتح العزيز ٢ : ٩٧ ، تفسير القرطبي ١٧ : ٢٢٦ ، عمدة القارئ ٣ : ٦٣ ، شرح فتح القدير ١ : ١٤٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٤٩ ، بُلغة السالك ١ : ٥٧ ، الشرح الصغير ١ : ٥٧ ، شرح الأزهار ١ : ١٠٧.

٣ ـ المغني ١ : ١٦٨ ، الشرح الكبير ١ : ٢٢٨ ، المجموع ٢ : ٧٢.

٤ ـ الواقعة : ٧٩.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٢٦ / ٣٤٠ ، الاستبصار ١ : ١١٣ / ٣٧٤.

٦ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٩ ، وحكى قول الشيخ المفيد المحقق في المعتبر : ٥٠.

٧ ـ المجموع ٢ : ١٦٠ ، فتح العزيز ٢ : ١٤٤ و ١٤٦ ، بداية المجتهد ١ : ٤٨ ، مغني المحتاج ١ : ٧١ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٩ ، بُلغة السالك ١ : ٦٧ ، الشرح الصغير ١ : ٦٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٣١ ، شرح العناية ١ : ١٤٦.

٨ ـ النساء : ٤٣.

٢٣٨

السلام : ( لا اُحل المسجد لحائض ولا جنب )(١) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام عن الجنب يجلس في المسجد ، قال : « لا ، ولكن يمرّ فيها كلها إلّا المسجد الحرام ، ومسجدالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

وقال أحمد وإسحاق : إذا توضأ جاز له اللبث فيه ، لأنّ الصحابة إذا كان أحدهم جنباً توضأ ودخل المسجد ، وتحدّث(٣) ، ويحمل على العبور أو الغسل.

وقال المزني ، وداود ، وابن المنذر : يجوز اللبث وإن لم يتوضأ ، لأنّ الكافر يجوز له الدخول ولا يخلو من الجنابة ، فالمسلم أولى(٤) . ونمنع الاصل.

فروع :

الأول : لا بأس بالاجتياز من غير لبث ـ وبه قال ابن عباس ، وابن مسعود ، وابن جبير ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، والمزني ، وابن المنذر(٥) ـ لقوله تعالى :( إلا عابري سبيل ) (٦) .

__________________

١ ـ سنن أبي داود ١ : ٦٠ / ٢٣٢.

٢ ـ الكافي ٣ : ٥٠ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٢٥ / ٣٣٨.

٣ ـ المغني ١ : ١٦٨ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٢ : ١٦٠ ، فتح العزيز ٢ : ١٤٨ ، تفسير القرطبي ٥ : ٢٠٦ ، نيل الأوطار ١ : ٢٨٨.

٤ ـ المجموع ٢ : ١٦٠ ، فتح العزيز ٢ : ١٤٨ ، تفسير القرطبي ٥ : ٢٠٦ ، نيل الأوطار ١ : ٢٨٨.

٥ ـ المجموع ٢ : ١٦٠ ، المغني ١ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤١ ، السراج الوهاج : ٢١ ، تفسير القرطبي ٥ : ٢٠٦ : التفسير الكبير ١٠ : ١٠٨ ، نيل الأوطار ١ : ٢٨٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٠ ، واُنظر سنن البيهقي ٢ : ٤٤٣ ، مصنف ابن ابي شيء بة ١ : ١٤٦.

٦ ـ النساء : ٤٣.

٢٣٩

وقال جابر : كان أحدنا يمّر في المسجد وهو جنب مجتاز(١) ، والظاهرأنهم لم يفعلوا ذلك في زمانهعليه‌السلام إلّا بإذنه.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لكن يمرّ فيها »(٢) .

وقال مالك : لا يجوز له العبور بحال ـ وهو قول أصحاب الرأي(٣) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا اُحل المسجد لجنب ولا حائض )(٤) ولأن من لا يجوز له اللبث لا يجوز له العبور ، كالغاصب ، ونحن نقول بالحديث إذ المراد مسجدهعليه‌السلام ، ونمنع القياس ، لأنّ التصرف في الأصل ممنوع مطلقاً.

الثاني : لا يحل للجنب ولا للحائض الاجتياز في مسجد مكة ، ومسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، ذهب إليه علماؤنا ـ ولم يفرق الجمهور(٥) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا اُحل المسجد لجنب ولا حائض )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إلّا المسجد الحرام ، ومسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٧) .

الثالث : لو أجنب في أحد المسجدين تيمم واجباً وخرج للاغتسال ،

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ١٦٠ ، المغني ١ : ١٦٦ ، أحكام القرآن لابن العربي ١ : ٤٣٦ ، نيل الاوطار ١ : ٢٨٧ ، واُنظر سنن البيهقي ٢ : ٤٤٣ ، مصنف ابن أبي شيء بة ١ : ١٤٦.

٢ ـ الكافي ٣ : ٥٠ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٢٥ / ٣٣٨.

٣ ـ بداية المجتهد ١ : ٤٨ ، بُلغة السالك ١ : ٦٧ ، الشرح الصغير ١ : ٦٧ ، فتح العزيز ٢ : ١٤٨ ، نيل الأوطار ١ : ٢٨٧ ، اللباب ١ : ٤٣ ، المجموع ٢ : ١٦٠ ، المغني ١ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤١ ، شرح فتح القدير ١ : ١٤٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦٣١ الكفاية ١ : ١٤٦ ، شرح العناية ١ : ١٤٦.

٤ ـ سنن أبي داود ١ : ٦٠ / ٢٣٢ وورد نحوه في سنن ابن ماجة ١ : ٢١٢ / ٦٤٥.

٥ ـ المجموع ٢ : ١٦٠ و ١٧٢ ، فتح العزيز ٢ : ١٤٨ ، المغني ١ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤١ ، بداية المجتهد ١ : ٤٨ ، شرح فتح القدير ١ : ١٤٦ ، اللباب ١ : ٤٣ ، بُلغة السالك ١ : ٦٧ ، نيل الأوطار ١ : ٢٨٧.

٦ ـ سنن ابي داود ١ : ٦٠ / ٢٣٢ ، وورد نحوه في سنن ابن ماجة ١ : ٢١٢ / ٦٤٥.

٧ ـ الكافي ٣ : ٥٠ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٢٥ / ٣٣٨.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403