تذكرة الفقهاء الجزء ١

تذكرة الفقهاء14%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 246287 / تحميل: 9735
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الآيات

( إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) )

التّفسير

أوصاف المؤمنين :

بعد ذكر أوصاف الصالحين وجوانب من أنواع العذاب في يوم القيامة ، يأتي هنا وصف المؤمنين للتعرف عن سبب انقسام النّاس إلى صنفين ، وهنا : المعذبون والناجون ، يقول أوّلا :( إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ) .

( إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ) .

يراد بـ «الهلوع» كما يقول المفسّرون وأصحاب اللغة «الحريص» ، وآخرون

٢١

فسّروه بالجزع ، وبناء على التّفسير الأوّل فإنّه يشار إلى ثلاثة أمور رذيلة يتصف بها هؤلاء وهي : الحرص ، والجزع ، والبخل ، وللتّفسير الثّاني صفتان هما : الجزع ، والبخل ، لأنّ الثّانية والثّالثة هي تفسير لمعنى الهلوع.

وهنا احتمال آخر وهو أنّ المعنيين يجتمعان في هذه الكلمة ، لأنّ هاتين الصفتين متلازمتان مع بعضهما ، فالناس الحريصون غالبا ما يكونون بخلاء ، ويجزعون عند الشدائد ، بالعكس أيضا صحيح.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو كيف أنّ الله خلق الإنسان للسعادة والكمال وجعل فيه الشرّ والسوء؟

وهل يمكن أن يخلق الله شيئا ذا متصفا بصفة ، ثمّ وبعد يذم خلقه؟ بالإضافة إلى ذلك فإنّ القرآن الكريم يصرّح في سورة التين الآية (٤) :( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) .

بالتأكيد ليس من أن ظاهر الإنسان حسن وباطنه سيء ، بل إنّ الخلقة الكلية للإنسان هي في صورة «أحسن تقويم». وهناك كذلك آيات أخرى تمدح المقام الرفيع للإنسان ، فكيف تتفق هذه الآيات مع الآية التي نحن بصددها؟

أجوبة هذه الأسئلة تتّضح بالالتفات إلى نقطة واحدة ، وهي أنّ الله خلق القوى والغرائز والصفات في الإنسان كوسائل لتكامل الإنسان وبلوغ سعادته ، لكن عند ما يستخدمها الإنسان في الطريق المنحرف ويسيء تدبيرها والاستفادة منها فستكون العاقبة هي التعاسة والشرّ والفساد ، فمثلا الحرص هو الذي لا يتيح فرصة الإنسان للتوقف عن السعي والحركة والاكتفاء بما لديه من نعمة وهو العطش المحرق الذي يسيطر على الإنسان ، فلو أنّ هذه الصفة وقعت في الطريق العلم لوجدنا الإنسان حريصا على التعلم ، أو بعبارة أخرى يتعطش العلم ويعشقه ، وبذلك سوف يكون سببا لكماله ، وأمّا إذا أخذت مسيرها في الماديات فإنّها ستكون سببا للتعاسة والبخل ، وبتعبير آخر : إنّ هذا الصفة فرع من فروع حبّ

٢٢

الذات ، وحبّ الذات غريزة توصل الإنسان إلى الكمال ، ولكن إذا انحرف في مسيرة فإنّه سوف يجرّه إلى الحسد والبخل وإلى غير ذلك.

وفي هذا الشأن هناك مواهب أخرى أيضا بهذا الشكل : إنّ الله أودع قدرة عظيمة في قلب الذرة ، من المؤكد أنّها نافعة ومفيدة ، ولكن إذا ما اسيء استخدام هذه القدرة وصنع من ذلك القنابل الفتاكة ولم يستخدم في توليد الطاقة الكهربائية والوسائل الصناعية والسلية الأخرى ، فسيكون مدعاة للشرّ والفساد ، وبالتعمق فيما ذكرنا يمكن أن الجمع في ما ورد في الإنسان وذلك من خلال الآيات القرآنية المبيّنة لحالات الإنسان(١) .

ثمّ تذكر الآيات الكريمة صفات الأشخاص الجيدين على شكل استثناء ، وتبيّن لهم تسع صفات ايجابية بارزة ، فيقول تعالى :( إِلَّا الْمُصَلِّينَ ) .

( الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ) .

هذا هي الخصوصية الأولى لهم وأنّهم مرتبطين بالله بشكل دائم ، وهذه الرابطة تتوثق بالصلاة ، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والصلاة التي تربي روح الإنسان وتذكره دائما بالله تعالى ، والسير بهذا الاتجاه سوف يمنعه من الغفلة والغرور ، والغرق في بحر الشهوات ، والوقوع في قبضة الشيطان وهوى النفس.

ومن الطبيعي أنّ المراد من الإدامة على الصلاة ليس أن يكون دائما في حال الصلاة ، بل هو المحافظة على أوقات الصلاة المعينة.

من المعروف أنّ كل عمل جيد يقوم به الإنسان إنّما يترك فيه أثرا صالحا فيما لو كان مستديما ، ولهذا نقرأ في الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ أحبّ الأعمال إلى الله ما دام وإنّ قلّ»(٢) .

__________________

(١) هناك توضيح آخر أوردناه تحت عنوان «الإنسان في القرآن الكريم» في ذيل الآية (١٣) لسورة يونس من هذا التّفسير.

(٢) المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ، ج ٢ ، ص ١٦٠.

٢٣

ونلاحظ في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «إذا فرض على نفسه شيئا من النوافل دام عليه»(١) .

وورد في حديث عنهعليه‌السلام أنّه قال : «هذه الآية تعني النافلة ، آية( وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) (والتي تأتي فيما بعد) تعني صلاة الفريضة». وتجوز هذه المراعاة هنا ، إذ أنّ التعبير بالمحافظة هو ما يناسب الصلاة الواجبة والتي يجب المحافظة على أوقاتها المعينة ، وأمّا التعبير بالمداومة فهو ما يناسب الصلاة المستحبة وذلك بأنّ الإنسان يمكنه الإتيان بها أحيانا وتركها أحيانا أخرى.

على كل حال بعد توضيح أهميّة الصلاة وأنّها من أهم الأعمال ومن أهم أوصاف المؤمنين تنتقل الآيات إلى ذكر الصفة الثّانية فيضيف تعالى :( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) .

وبهذا سوف يحافظون على ارتباطهم بالخالق من جهة ، وعلاقتهم بخلق الله من جهة اخرى.

ويعتقد بعض المفسّرين أنّ المراد هنا من «حقّ المعلوم» هو الزّكاة المفروضة التي فيها المقدار المعين ، وموارد صرف ذلك المقدار هو السائل والمحروم ، ولكن هذه السورة مكّية وحكم الزّكاة لم يكن قد نزل في مكّة ، ولو فرض نزوله لم يكن هناك تعيّن للمقدار ، ولذا يعتقد البعض أنّ المراد من حقّ المعلوم هو شيء غير الزّكاة والذي يجب على الإنسان منحه للمحتاجين ، والشّاهد على هذا ما نقل عن الإمام الصّادقعليه‌السلام عند ما سئل عن تفسير هذه الآية وهل هذا شيء غير الزّكاة فقالعليه‌السلام : «هو الرجل يؤتيه الله الثروة من المال ، فيخرج منه الألف والألفين والثلاثة وآلاف والأقل والأكثر ، فيصل به رحمه ، ويحمل به الكلّ عن قومه»(٢) .

والفرق بين «السائل» و «المحروم» هو أنّ السائل يفصح عن حاجته ويسأل ،

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤١٥.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤١٧ ، حديث ٢٥ ـ ٢٧.

٢٤

والمحروم هو الذي لا يسأل لتعففه وحيائه ، وجاء في حديث عن الإمام الصّادقعليه‌السلام : «المحروم من يجد المشقّة في كسبه وعمله وهو محارف»(١) .

هذا الحديث هو أيضا يوافق ذلك التّفسير المذكور سلفا ، لأن مثل هؤلاء يكونون متعففين.

في جاء في تفسيرنا هذا في ذيل الآية (١٩) من سورة الذرايات بحث حول الحقّ المذكور وتفسير السائل والمحروم.

على كلّ ، فإنّ هذا العمل له أثره الاجتماعي في مجاهدة الفقر والحرمان من جهة ، ومن جهة أخرى يترك آثارا خلقية جيدة على الذين يؤدّون ذلك العمل ، وينتزع ما في قلوبهم وأرواحهم من أدران الحرص والبخل وحبّ الدنيا.

الآية الأخرى أشارت الى الخصوصية الثّالثة لهم فيضيف :( وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ )

والخصوصية الرّابعة هي :( وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) .

( إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ) .

إنّهم يؤمنون من جهة بيوم الدين ، ومع الالتفات الى كلمة «يصدقون» وهو فعل مضارع يدل على الاستمرارية ، فهذا يعني إنّهم باستمرار يدركون أنّ في الأمر حسابا وجزاء ، بعض المفسّرين فسّر ذلك المعنى «بالتصديق العملي» أي الإتيان بالواجبات وترك المحرمات ، ولكن الآية ظاهرها الإطلاق ، أي أنّها تشمل التصديق العلمي والعملي.

ولكن من الممكن أن هناك من يؤمن بيوم الدين ويرى نفسه ممن لا يعاقب ، لذا تقول :( وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) يعني أنّهم يدركون أهمية الأمر ، فلا يستكثرون حسناتهم ولا يستصغرون سيئاتهم ، ولهذا ورد في الحديث

__________________

(١) المصدر السابق.

٢٥

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو ينصح ولده : «بني خف الله أنّك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك ، وأرج الله رجاء أنّك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك»(١) .

وحتى أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : «لن يدخل الجنّة أحدا عمله».

قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟

قال : «ولا أنا ، إلّا أن يتغمدني الله برحمته».

* * *

__________________

(١) جامع الأخبار ص ١١٣

٢٦

الآيات

( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) )

التّفسير

القسم الآخر من صفات أهل الجنّة :

في الآيات السابقة ذكرت أربعة أوصاف من الأوصاف الخاصّة بالمؤمنين الصادقين من أهل الجنان ، وفي هذه الآيات ذكر لخمسة من الأوصاف الأخرى فيكون المجموع تسعة أوصاف.

في الوصف الأوّل يقول اللهعزوجل :( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ (١) حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) .

__________________

(١) «فروج» جمع «فرج» وهو كناية عن الآلة التناسلية.

٢٧

لا شك في أنّ الغريزة الجنسية من غرائز الإنسان الشديدة والطاغية ، والكثير من الجرائم الكبيرة سببها هي هذه الغريزة ، ولذا كانت السيطرة على هذه الغريزة وحفظ حدودها من العلامات المهمّة للتقوى ، وبهذا ذكرت أهمية السيطرة على هذه الغريزة بعد تبيان أهمية الصلاة وإعانة المحتاجين والإيمان بيوم القيامة والإشفاق من عذاب الله.

وقد جاء في الذيل الآية استثناء يدلّ على أنّ منطق الإسلام يرفض أن يقف الإنسان موقفا سلبيا تماما من هذه الغريزة ويكون كالرهبان والقسيسين يسير بخلاف قانون الخلقة ، وهذا العمل غالبا ما يكون محالا وعلى فرض إمكانه فهو أمر غير منطقي ، ولهذا نجد الرهبان من لم يستطيعوا أيضا حذف هذه الغريزة من حياتهم ، وإذا لم يكونوا قد تزوجوا بالطريقة الرسمية فإنّ الكثير منهم ينصرف إلى ارتكاب الفحشاء عند الاختلاء.

الفضائح الناتجة من هذا المسلك ليست قليلة ، فقد كشف المؤرخون المسيحيون مثل (ول دورانت) وغيره النقاب عن ذلك.

المراد ب ـ «الأزواج» الزوجات الدائمة والمؤقتة فإنّه يشمل الإثنين ، وقد ظنّ البعض أنّ هذه الآية تنهى عن الزواج المؤقت وللم يعلموا أنّ ذلك هو نوع من الزواج.

وفي الآية الأخرى يؤكّد بشكل أكثر على نفس الموضوع فيضيف :( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ )

وبهذه الطريقة فإنّ الإسلام يخطط لمجتمع يحافظ على غرائزه الفطرية ، ولا يؤدّي به إلى الغرق بالفحشاء والفساد الجنسي والمضارّ الناتجة منه ، وبالطبع أنّ للجواري في نظر الإسلام كثيرا من شرائط الزوجة والضوابط القانونية للزوج وإن كان الموضوع منتف أساسا في زماننا الحاضر.

عندئذ يشير إلى الصفات السادسة والسابعة ، فيقول :( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ

٢٨

وَعَهْدِهِمْ راعُونَ )

من الطبيعي أنّ لأمانة معنى واسع وليست هي الأمانات المادية المتنوعة للناس فحسب ، بل أنّها تشمل الأمانات الإلهية وأمانات الأنبياء وكلّ الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام .

إنّ كلّ نعمة من النعم الإلهية هي من أماناته تعالى ، منها المقامات الاجتماعية وبالخصوص المسؤولون في الدولة فإنّها تعتبر من أهم الأمانات ، ولهذا ورد في الحديث عن الإمام الباقر والإمام الصّادقعليهما‌السلام في تفسير الآية( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) ، بأنّ المراد من الأمانات هنا «الولاية والحاكمية»(١) ، وقرأنا كذلك في سورة الأحزاب (٧٢) ، إنّ التكليف والمسؤولية تعني الأمانة الإلهية الكبيرة.( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) والأهم من ذلك كله هو الدين والشريعة الإلهية وكتاب الله ، وهو من الأمانات الكبيرة التي يجب الحفاظ عليها بالسعي.

«العهد» : وله مفهوم واسع أيضا ، يشمل العهود الإنسانية وكذلك العهود الإلهية ، لأنّ العهد هو كل ما التزم به الإنسان لغيره ، وممّا لا شك فيه أنّ الإيمان بالله وبرسوله يعني الالتزام بما كلّف به.

الإسلام أعطى أهمية بالغة لحفظ الأمانات والعهود والالتزام بها ، وقد عرف ذلك بأنّه أهمّ علامات الإيمان.

ولمزيد من الاطلاع راجع تفسيرنا هذا ، ذيل الآية (٥٨) من سورة النساء.

ويضيف في الوصف الثامن :( وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ ) لأنّ القيام بالشهادة العادلة وترك كتمانها من أهم بنود إقامة العدل في المجتمع البشري.

وقد يرفض بعض الناس أداء الشهادة بحجّة إننا لماذا نشتري عداوة هذا

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٣٨٠.

٢٩

وذاك ، ونسبب المتاعب لأنفسنا بأداء الشهادة ، هؤلاء أشخاص لا يبالون بالحقوق الإنسانية ويفقدون الروح الاجتماعية ، ولا يؤمنون بتطبيق العدالة ، ولهذا نرى القرآن الكريم في كثير من آياته يدعو المسلمين إلى أداء الشهادة ويعدّ كتمانها ذنبا(١) .

وفي الوصف الأخير ، وهو الوصف التاسع من هذه المجموعة ، يعود مرّة أخرى إلى موضوع الصلاة ، كما كان البدء بالصلاة ، يقول تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) .

وكما أشرنا سابقا أنّ الصلاة هنا بملاحظة القرائن تشير إلى الفريضة ، وفي الآية السابقة تشير إلى النافلة.

ومن الطبيعي أن الوصف الأوّل كان إشارة إلى المداومة ، ولكن الخطاب هنا حول حفظ آداب وشروط الصلاة وخصائصها ، والآداب التي تكمن في ظاهر الصلاة والتي تنهى عن الفحشاء والمنكر من جهة ، وتقوي روح الصلاة بحضور القلب من جهة أخرى وتمحو الأخلاق الرذيلة التي تكون كحجر عشرة أمام قبولها ، ولهذا لا يعتبر ذكرها مرّة أخرى من قبيل التكرار.

هذه البداية والنهاية تشير إلى أنّ الصلاة من بين الصفات الحميدة المذكورة هي الأهم ، ولم لا تكون كذلك والصلاة هي المدرسة العالية للتربية ، وأهم وسيلة لتهذيب النفوس المجتمع.

وفي النهاية تبيّن الآية الأخيرة عاقبة المتّصفين بهذه الأوصاف ، كما بيّنت في الآيات السابقة المسير النهائي للمجرمين ، فيقول تعالى هنا في جملة مختصرة وغنية بالمعاني :( أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ) .(٢)

__________________

(١) البقرة ، ٢٨٣ و١٤٠ ، المائدة ، ١٠٦ ، الطلاق ، ٢.

(٢) «في جنات» خبر ب ـ «أولئك» و «مكرمون» خبر ثان أو أنّه خبر و «في جنات» متعلق به «تمعن».

٣٠

لماذا لا يكونون مكرمين؟ وهم ضيوف الله ، وقد وفرّ الله القادر الرحمن لهم جميع وسائل الضيافة ، وفي الحقيقة أنّ هذين التعبيرين «جنات» و «مكرمون» إشارة إلى النعم المادية والمعنوية التي يغرق فيها هؤلاء المكرمين.

* * *

٣١

الآيات

( فَما لـ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) )

التّفسير

الطمع الواهي في الجنّة :

جاء البحث في الآيات السابقة من هذه السورة حول علامات المؤمنين والكفار ، ومصير كلّ من المجموعتين ، في الآيات يعود ليوضح أحوال الكفار واستهزاءهم بالمقدسات.

قال البعض : إنّ هذه الآيات نزلت في جماعة من المشركين فعند ما كان الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتلو على المسلمين آيات المعاد ، كان هؤلاء الكفار يقدمون من كلّ صوب وحدب ويقولون : إذا كان هناك معاد فإنّ حالنا في الآخرة أحسن من حال من آمن بك ، كما أنّ حالنا في هذه الدنيا أحسن منهم.

٣٢

يقول القرآن الكريم في جوابهم :( فَما لـ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) أي يقبلون نحوك من كل جانب مسرعين.

( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ ) أي جماعات متفرقين.

( أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ) بأي إيمان وبأي عمل يستحقون ذلك؟!

«مهطعين» : جمع مهطع ، وتعني الذي يمدّ عنقه مقبلا على شيء بسرعة للبحث عنه ، وأحيانا تأتي ـ فقط ـ بمعنى مدّ العنق لاستطلاع الأمر.

«عزين» : جمع عزة ، على وزن «هبة» وتعني جماعات في متفرقين ، وأصلها «عزو» ـ على وزن جذب ـ بمعنى النسبة ، وبما أنّ كلّ جماعة يرتبط أفرادها بعضهم ببعض بنسبة معينة : أو يهدفون إلى غرض معين أطلقت كلمة «عزة» على الجماعة.

على كل حال فإنّ المشركين المتكبرين كان لهم الكثير من الادعاءات الباطلة الواهية ، وكانت الرّفاهية في حياتهم الدنيوية وغالبا ما كان يتمّ ذلك بطريق غير مشروع كالإغارة والسلب وغير ذلك ما كان يجعلهم يظنون بأنّهم قد حصلوا على هذه المقامات العالية ولمكانتهم عند الله ، فكانوا ينسبون إلى أنفسهم المقامات الرفيعة في يوم القيامة.

صحيح أنّهم لم يكونوا يعتقدون بالمعاد بتلك الصورة التي يبيّنها القرآن ، ولكنّهم كانوا يحتملون وقوعه أحيانا ، ويقولون : إذا وقع المعاد فإنّ حالنا في العالم الآخر سيكون كذا كذا ، ولعلهم كانوا يريدون بذلك الاستهزاء.

وهنا يجيبهم القرآن المجيد فيقول :( كَلَّا ) ليس الأمر كذلك وليس لهم حقّ الدخول إلى الجنّة( إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) .

في الحقيقة أنّ الله يريد بهذه الجملة أن يحطم غرورهم ، لأنّه يقول : إنّكم تعلمون جيدا مم خلقناكم؟ من نطفة قذرة ، من ماء آسن مهين ، فلما ذا كلّ هذا

٣٣

الغرور؟ ويجيب ثانيا على المستهزئين بالمعاد فيقول : إذا كنتم في شك من المعاد فتمعنوا في حال هذه النطفة ، وانظروا كيف خلقنا موجودا بديعا من قطرة ماء قذرة يتطور فيها الجنين كلّ يوم يتّخذ شكلا جديدا ، ألم يقدر خالق الإنسان من هذه النطفة أن يعيد إليه الحياة بعد دفنه.

ثالثا : كيف يطمعون في الجنّة وفي صحائفهم كل هذه الذنوب؟ لأنّ الموجود الذي خلق من نطفة لا يمكن أن يكون له قيمة مادية ، وإذا كانت له قيمة وكرامة فإنّ ذلك لإيمانه وعمله الصالح ، وأولئك قد فقدوا هذه الصفات ، فكيف ينتظرون الدخول إلى الجنّة؟!(١)

ثمّ يقول تعالى مؤكّدا ذلك :( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) .

لعل هذه الجملة إشارة إلى أنّنا لسنا قادرين على أن نعيد لهم الحياة بعد الموت فحسب ، بل إنّنا نستطيع أن نبدله إلى أكمل الموجودات وأفضلها ، ولا يمنعنا من ذلك شيء.

وعلى هذا فإنّ السياق هو إدامة لبحث المعاد ، أو هو إشارة إلى أنّنا نهلككم جزاء لأعمالكم ولا يمنعنا من ذلك شيء ، ونستبدل بكم مؤمنين وأعين ، ليكونوا أنصارا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يضرّنا ذلك شيئا ، ولهذا إن كنّا نلح عليكم أن تؤمنوا فليس من باب العجز والاحتياج ، بل من أجل تربية البشرية وهدايتها.

يمكن أن يكون المراد ب ـ( بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ) بأن الله الذي يقدر على أن يجعل للشمس العظيمة مشرقا ومغربا جديدين في كل يوم ، ويكون بنظام دقيق من دون أية زيادة ونقصان مدى ملايين السنين قادر على أن يعيد الإنسان

__________________

(١) هناك احتمالات أخرى في تفسير هذه الآية : أنّ المراد من جملة «ممّا يعلمون» هو أنّنا خلقناهم ووهبنا لهم العقل والشعور لا كالحيوانات والبهائم ، ولهذا فإنّهم مسئولون عن أعمالهم ، وهناك مراد آخر وهو أنّنا خلقناهم لأهداف هم يعلمونها وهي التكليف والطاعة ، ولكن هذه الاحتمالات بعيدة ، ولذا فإنّ أكثر المفسّرين ذهبوا إلى المعنى المذكور سابقا.

٣٤

مرّة أخرى إلى الحياة الجديدة ويستبدلهم بقوم أفضل منهم.

* * *

ملاحظة

ربّ المشارق والمغارب :

قد يأتي تعبير المشرق والمغرب في أحيانا بصيغة المفرد كالآية (١١٥) من سورة البقرة :( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) وأحيانا بصيغة المثنى كما في الآية (١٧) من سورة الرحمن :( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) وأحيانا أخرى بصيغة الجمع( الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ) كالآية التي هو مورد بحثنا.

البعض من ذوي النظرات الضيقة يظنون تضاد هذه التعابير ، في حين أنّها مترابطة ، وكل منها يشير إلى بيان خاص ، فالشمس في كلّ يوم تطلع من نقطة جديدة ، وتغرب من نقطة جديدة أخرى ، وعلى هذا الأساس لدينا بعدد أيّام السنة مشارق ومغارب ، ومن جهة أخرى فإنّ من بين كل هذه المشارق والمغارب هناك مشرقان ومغربان ممتازان ، إذ أن أحدهما يظهر في بدء الصيف أي الحد الأعلى لبلوغ ذروة ارتفاع الشمس في المدار الشمالي ، والآخر في بدء الشتاء أي الحد الأدنى لنزول الشمس في المدار الجنوبي ، (ويعبرون عن أحدهما بمدار «رأس السرطان» ، وعن الآخر بمدار «رأس الجدي» ،) وقد اعتمد على ذلك لأنّهما واضحان تماما ، بالإضافة إلى هذين المشرقين والمغربين الآخرين الّذين سمّيا بالمشرق والمغرب والاعتداليان (وهو أوّل الربيع وأوّل الخريف ، عند تساوي ساعات الليل والنهار في جميع الدنيا) ولذا ذهب البعض إلى هذا المعنى في تفسير الآية : «ربّ المشرقين والمغربين» وهو معنى مقبول أيضا.

وأمّا ما جاء بصيغة المفرد فإنّ المراد به ماهيته ، لأنّ الملاحظ فيه أصل

٣٥

المشرق والمغرب بدون الالتفات إلى الأفراد ، وبهذا الترتيب فإنّ لكلّ من العبارات المختلفة أعلاه مسألة تلفت نظر الإنسان إلى التغييرات المختلفة لطلوع وغروب الشمس ، والتغيير المنتظم لمدارات الشمس.

* * *

٣٦

الآيات

( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤) )

التّفسير

كأنّهم يهرعون إلى الأصنام!!

هذه الآيات وهي آخر آيات سورة المعارج جاءت لتنذر وتهدد الكفار المعاندين والمستهزئين ، يقول سبحانه :( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) (١) .

لا يلزم الاستدلال والموعظة أكثر من هذا ، فإنّهم لا يتعضون وليس لهم الاستعداد للاستيقاظ ، دعهم يخوضون في أباطيلهم وأراجيفهم كما يلعب الأطفال حتى يحين يومهم الموعود ، يوم البعث ويرون كل شيء بأعينهم!

__________________

(١) «يخوضوا» من أصل خوض ـ على وزن حوض ـ وتعني في الأصل الحركة في الماء ، ثمّ جاءت بصيغة الكناية في موارد يغطس فيه الإنسان في الباطل.

٣٧

هذه الآية وبهذا التعبير وردت في سورة الزخرف (٨٣).

ثمّ تبيّن الآية التالية اليوم الموعود ، وتذكر بعض علامات ذلك اليوم المرعب فيقول تعالى :( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) .

يا له من تعبير عجيب ، إنّه وصف يوم القيامة في وقت يتجهون فيه سراعا إلى محكمة العدل الإلهي اتجاها يشبه إسراعهم في يوم احتفال أو عزاء باتجاه أصنام ، ولكن أين ذلك من هذا؟ إنّه في الحقيقة استهزاء بعقائدهم المجونة التي كانوا يعتقدون بها في الدنيا.

«الأجداث» : جمع جدث ـ على وزن (عبث) ـ وتعني القبر.

«سراع» : جمع سريع ، مثل (ظراف وظريف) وتعني الحركة السريعة للشيء أو الإنسان.

«نصب» : جمع نصيب ، ويقول البعض : إنّه جمع نصب ـ على وزن (سقف) ـ المراد منه هو ما ينصب كعلامة ، وتطلق على الأصنام الحجرية إذ كانوا ينصبونها في مكان ما ليعبدوها ويقدّم لها القرابين ثمّ يلطخون دماءها عليها ، واختلافه مع الصنم هو أنّ الصنم كان على هيئة صورة وشكل خاص ، وأمّا النصب فهو قطعة من الحجر لا شكل له ، وكانوا يعبدونه لسبب ما ، ونقرأ في الآية (٣) من سورة المائدة :( وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ) أي أنّ من جملة اللحوم المحرّمة هي ما يذبحون من الحيوانات على النصب.

«يوفضون» : من (إفاضة) وتعني الحركة السريعة المشابهة لحركة الماء المنحدر من العين ، وقال البعض : إنّ المراد من النصب في الآية التي نحن بصددها هو الأعلام التي ينصبونها في وسط الجيش أو القوافل ، وعلى كل منهم أن يوصل نفسه بسرعة إليها ، ولكن التّفسير الأوّل هو الأنسب.

ثمّ تذكر الآيات حالات أخرى لهؤلاء فتضيف :( خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ

٣٨

ذِلَّةٌ ) (١) من شدّة الهول والوحشة وقد غرقوا في ذلّة مهينة وفي آخر الآية يتابع قوله :( ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ ) .

نعم هذا هو اليوم الموعود الذي كان يسخرون منه ويقولون أحيانا : لنفترض أنّ هناك يوما كهذا ، فإنّ حالنا في ذلك اليوم هو أفضل من حال المؤمنين ، ولكنّهم لا يجرؤون أن يرفعوا رؤوسهم في ذلك اليوم لشدّة الخوف والوحشة ، وقد تعفرت وجوههم ورؤوسهم بغبار الذلّة ، وغرقوا في كل الهموم الهائلة ، ومن المؤكّد أنّهم يندمون في ذلك اليوم ، ولكن ما الفائدة؟

اللهم : ألبسنا ثوب رحمتك في ذلك اليوم المهول.

ربّنا : إنّ مصائد الشيطان وحبائله قوية ، وهوى النفس غالب ، والآمال الطويلة والبعيدة خداعة ، فترحم علينا باليقظة وعدم الانحراف عن المسار الصحيح.

اللهم : اجعلنا ممن آمن ووفى بعهده وبذل عمره في طاعتك.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المعارج

* * *

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المعارج

__________________

(١) «ترهقهم» من أصل (رهق) على وزن (سقف) ويراد به غشيان الشيء بقهر.

٣٩
٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فتحيضت به ثم مرّة ثانية ، فإن أيام التمييز تصير عادتها إذا اتفقت.

المطلب الثاني : في أحكامه.

و هي عشرة :

الأول : يحرم عليها ما يفتقر إلى الطهارة كالصلاة فرضاً ونفلاً ، والطواف كذلك ، ومس كتابة القرآن ، ويكره لها حمل المصحف ، ولمس هامشه ، وقد تقدم(١) البحث فيه.

و لو تطهرت لم يرتفع حدثها ، نعم يُستحب لها الوضوء عند كلّ صلاة ، والجلوس في مصلاها ذاكرة لله تعالى ، بقدر زمان صلاتها ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كلّ صلاة ، ثم تستقبل القبلة فتذكر الله سبحانه بقدر ما كانت تصلّي »(٢) ولا يرفع هذا الوضوء حدثا ، ولا يبيح ما شرطه الطهارة.

و هل يشترط في الفضيلة عدم الناقض غير الحيض إلى الفراغ؟ إشكال.

الثاني : يحرم عليها قراء‌ة العزائم وأبعاضها حتى البسملة إذا نوت أنها منها دون غيرها ، بل يُكره لها ما عداها ، لأنّها عبادة ذات سجود ، فاشترطت لها الطهارة من الحدث الاكبر كالصلاة ، وقول الباقرعليه‌السلام وقد سئل الحائض والجنب يقرآن شيء ئا؟ قال : « نعم ما شاء‌ا إلّا السجدة »(٣) .

وقال الشافعي : تحرم قراء‌ة القرآن مطلقاًً(٤) ، وله قول آخر : أنّه مكروه(٥) وكره عليعليه‌السلام لها قراء‌ة القرآن ، وبه قال الحسن البصري ،

____________

١ ـ تقدم في مسألة ٧١.

٢ ـ الكافي ٣ : ١٠١ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٥٩ / ٤٥٥.

٣ ـ التهذيب ١ : ١٢٩ / ٣٥٢ ، الاستبصار ١ : ١١٥ / ٣٨٤.

٤ ـ المجموع ٢ : ١٥٨ و ٣٥٧ ، فتح العزيز ٢ : ١٤٣ ، الوجيز ١ : ٢٨ ، مغني المحتاج ١ : ٧٢ ، المغني ١ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤١.

٥ ـ المغني ١ : ١٦٥ ، المجموع ٢ : ٣٥٦ وفيه القول بالجواز.

٢٦١

والنخعي ، والزهري ، وقتادة(١) ، ولم يفرقوا بين العزائم وغيرها ، وسوغ لها القراء‌ة مطلقاًً سعيد بن المسيب ، وداود ، وابن المنذر ، ومالك(٢) ، وقد تقدم(٣) .

فروع :

أ ـ لا يكره لها شيء من الأذكار ، لقول الباقرعليه‌السلام : « ويذكران الله على كلّ حال »(٤) .

ب ـ يكره لها قراء‌ة المنسوخ حكمه خاصة دون المنسوخ تلاوته ، وكذايحرم المس.

ج‍ ـ لو نذرت قراء‌ة العزائم في وقت ، فاتفق حيضها فيه لم يجز لها قراء‌تها ، وفي وجوب القضاء إشكال ، ينشأ من أنها عبادة موقتة ، فلا تجب في غيره كقضاء الصلاة ، ومن استلزام نذر المعين المطلق.

الثالث : الصوم ، فلا يصح منها فرضا ولا نفلا ، فهو مانع من صحته دون وجوبه ، والتحقيق المنع منه ، والقضاء تابع لثبوت سببه دونه.

وفي الصلاة تمنع منهما بلا خلاف بين العلماء ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم ولا تصلّي )(٥) .

____________

١ ـ المغني ١ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤٠.

٢ ـ المجموع ٢ : ١٥٨ و ٣٥٧ ، المغني ١ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ١ : ٢٤٠ ، فتح العزيز ٢ : ١٤٣ ، بداية المجتهد ١ : ٤٩ ، الشرح الصغير ١ : ٦٧ و ٨١.

٣ ـ تقدم في المسألة : ٦٨.

٤ ـ التهذيب ١ : ١٢٩ / ٣٥٢ ، الاستبصار ١ : ١١٥ / ٣٨٤ ، علل الشرائع : ٢٨٨ باب ٢١٠.

٥ ـ صحيح البخاري ١ : ٨٣ ، سنن البيهقي ١ : ٣٠٨.

٢٦٢

و من طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس : « تفطر »(١) .

الرابع : الاستيطان في المساجد ، ذهب إليه علماؤنا ، ولا أعرف فيه مخالفاً ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا اُحل المسجد لحائض ولا جنب )(٢) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأصابته جنابة ، فليتيمم ، ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمما ، حتى يخرج منه ويغتسل ، وكذلك الحائض تفعل كذلك ، ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد ، ولا يجلسان فيها »(٣) .

فروع :

أ ـ يكره الاجتياز في المساجد مع أمن التلويث ، وهو أحد وجهي الشافعي والآخر : التحريم(٤) ، الا المسجدين فإنه يحرم كما قلنا في الجنابة.

ب ـ لا بأس لها أن تأخذ شيئاً من المساجد ، ويحرم عليها الوضع ، لأنّ حدثها أعظم من الجنابة ، وسأل زرارة الباقرعليه‌السلام كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟ فقال : « إنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره ، ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلّا منه »(٥) .

____________

١ ـ التهذيب ١ : ٣٩٣ / ١٢١٥ ، الاستبصار ١ : ١٤٥ / ٤٩٨.

٢ ـ سنن ابي داود ١ : ٦٠ / ٢٣٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢١٢ / ٦٤٥.

٣ ـ الكافي ٣ : ٧٣ / ١٤.

٤ ـ المجموع ٢ : ١٦٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤١٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٨ ، الوجيز ١ : ٢٥ ، المغني ١ : ١٦٦.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٠٦ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ / ١٢٣٣.

٢٦٣

ج ـ لو حاضت في أحد المسجدين ففي افتقارها إلى التيمم في خروجها منه إشكال ، وأوجبه ابن الجنيد(١) ، وبه رواية مرسلة سلفت(٢) .

الخامس : الجماع ، وقد أجمع علماء الإسلام على تحريمه في قبل الحائض ، لقوله تعالى :( فاعتزلوا النساء في المحيض ) (٣) وعلى إباحة الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة ، واختلفوا في مواضع :

أ ـ الاستمتاع بما بين السرة والركبة غير القُبل ، فالمشهور عندنا الإباحة وتركه أفضل ، وبه قال الثوري ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، ومحمد بن الحسن ، وأبو إسحاق المروزي ، وابن المنذر ، وروي أيضاً عن النخعي ، والشعبي(٤) ، عملاً بالأصل ، ولقولهعليه‌السلام : ( إصنعوا كلّ شيء غير النكاح )(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عما لصاحب المرأة الحائض منها : « كلّ شيء عدا القبل بعينه »(٦) .

وقال السيد المرتضى بالتحريم(٧) ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف(٨) ، لقول عائشة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يباشر

____________

١ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٥٩.

٢ ـ سلفت آنفا في الحكم الرابع من أحكام الحيض.

٣ ـ البقرة : ٢٢٢.

٤ ـ المجموع ٢ : ٣٦٦ ، المغني ١ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥٠ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٦٧ ، شرح النووي ـ لصحيح مسلم ٢ : ٣٣٥ ، تفسير القرطبي ٣ : ٨٧ ، شرح فتح القدير ١ : ١٤٧.

٥ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٢١١ / ٦٤٤ ، سنن ابي داود ١ : ٦٧ / ٢٥٨ ، سنن النسائي ١ : ١٥٢ و ١٨٧.

٦ ـ الكافي ٥ : ٥٣٨ / ١ ، التهذيب ١ : ١٥٤ / ٤٣٧ ، الاستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٨.

٧ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٥٩.

٨ ـ المجموع ٢ : ٣٦٥ ، فتح العزيز ٢ : ٤٢٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٩ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٦٦ ،

٢٦٤

نساء‌ه فوق الازار وهن حيض(١) . ولا دلالة فيه.

ب ـ المشهور كراهة الوطء قبلا بعد انقطاع الدم قبل الغُسل ، وبه قال أبو حنيفة إنّ انقطع لأكثر الحيض ، وإن انقطع قبله قال : لا يحل حتى تغتسل ، أو يمضي عليها وقت صلاة كامل(٢) ، لقوله تعالى :( حتى يطهرن ) (٣) بالتخفيف.

و قوله :( والذين هم لفروجهم حافظون إلّا على أزواجهم ) (٤) مقتضاه إباحة الاستمتاع مطلقاًً ترك العمل به في زمان الحيض لوجود المانع ، فيبقى ما عداه على الجواز.

وسئل الكاظمعليه‌السلام عن الحائض ترى الطُهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ فقال : « لا بأس وبعد الغُسل أحب إلي »(٥) .

وقال الصدوق : لا يجوز حتى تغتسل(٦) ، وبه قال الزهري ، وربيعة ، والليث ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(٧) ،

____________

المغني ١ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥٠ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٣٥ ، المحلى ٢ : ١٧٦ ، شرح فتح القدير ١ : ١٤٧ ، تفسير القرطبي ٣ : ٨٧.

١ ـ صحيح البخاري ١ : ٨٢ و ٨٣ ، صحيح مسلم ١ : ٢٤٢ / ٢٩٣ ، سنن الترمذي ١ : ٢٣٩ / ١٣٢ ، سنن النسائي ١ : ١٥١ و ١٨٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٨ / ٦٣٥ و ٦٣٦.

٢ ـ شرح فتح القدير ١ : ١٥٠ ـ ١٥١ ، المجموع ٢ : ٣٧٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤٢٢ ، المغني ١ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ١ : ٣٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٥٧ ـ ٥٨ ، المحلى ٢ : ١٧٣ ، التفسير الكبير ٦ : ٧٢ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٣٦ ، تفسير القرطبي ٣ : ٨٨ ـ ٨٩ ، أحكام القرآن للجصاص ١ : ٣٤٨.

٣ ـ البقرة : ٢٢٢.

٤ ـ المؤمنون : ٥ و ٦ ، المعارج : ٢٩ و ٣٠.

٥ ـ الكافي ٥ : ٥٣٩ ـ ٥٤٠ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٦٧ / ٤٨١ ، الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٨.

٦ ـ الفقيه ١ : ٥٣ ، الهداية : ٢٢.

٧ ـ الاُم ١ : ٥٩ ، المجموع ٢ : ٣٧٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٩ ، الشرح الصغير ١ : ٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٥٧ ، مغني المحتاج ١ : ١١٠ ، المغني ١ : ٣٨٧ ، الشرح

٢٦٥

لقوله تعالى :( فإذا تطهَّرن فأتوهُنَّ مِنْ حيثُ أمركُم الله ) (١) . ولا دلالة فيه إلا من حيث المفهوم.

وقال داود : إذا غسلت فرجها حلّ وطؤها ، فإن وطأها لم يكن عليه شيء(٢) .

وقال قتادة والأوزاعي : عليه نصف دينار(٣) . وليس بجيد لأنّ الكفارة تتعلق بالوطئ للحائض.

ج ـ لو وطأها قبلا جاهلا بالحيض ، أو الحكم لم يكن عليه شيء ، وكذا إن كان ناسياً ، وهو أحد وجهي أحمد ، وفي الآخر : يجب على الجاهل والناسي للعموم(٤) ، ويبطل بقولهعليه‌السلام : ( عفي لأمتي عن الخطأوالنسيان )(٥) .

وإن كان عالماً بهما فقولان ، أكثر علمائنا على وجوب الكفارة(٦) ، وبه قال الحسن البصري ، وعطاء الخراساني ، وأحمد ، والشافعي في القديم(٧) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أتى امرأة حائضاً فليتصدق

____________

الكبير ١ : ٣٤٩ ، المحلى ٢ : ١٧٣ ، تفسير القرطبي ٣ : ٨٨ ، تفسير الكبير ٦ : ٧٣ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٣٦.

١ ـ البقرة : ٢٢٢.

٢ ـ المجموع ٢ : ٣٧٠ ، حلية العلماء ١ : ٢١٦.

٣ ـ المغني ١ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥١.

٤ ـ المغني ١ : ٣٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥١.

٥ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٩ / ٢٠٤٣ و ٢٠٤٥ نحوه.

٦ ـ منهم المفيد في المقنعة : ٧ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٢٢٥. مسألة ١٩٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٨.

٧ ـ المجموع ٢ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٢ : ٤٢٢ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٩ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥٠ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٣٤ ، تفسير القرطبي ٣ : ٨٧.

٢٦٦

بدينار ، ومن أتاها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار )(١) .

و من طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « يتصدق إذا كان في أوّله بدينار ، وفي أوسطه بنصف دينار ، وفي آخره بربع دينار »(٢) .

وقال الشيخ في النهاية بالاستحباب(٣) ، وبه قال الشافعي في الجديد ، ومالك ، والثوري ، وأصحاب الرأي(٤) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقوله ، أو أتى امرأة في دبرها ، أو حائضاً ، فقد بريء مما جاء به محمد )(٥) ، ولم يذكر الكفارة.

ومن طريق الخاصة رواية عيص قال : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن رجل واقع امرأته وهي طامث ، قال : « لا يلتمس فعل ذلك ، قد نهى الله عنه » قلت : إنّ فعل فعليه كفارة؟ قال : « لا أعلم فيه شيئاً يستغفر الله »(٦) وللأصل ، وهو الأقوى عندي.

د ـ المشهور عندنا في قدر الكفارة ما روي عن الصادقعليه‌السلام : « دينار في أوّله ، ونصفه في أوسطه ، وربعه في آخره »(٧) .

____________

١ ـ سنن الترمذي ١ : ٢٤٥ / ١٣٧ ، كنز العمال ١٦ : ٣٥٢ / ٤٤٨٨٤ نقلاً عن الطبراني ، سنن البيهقي ١ : ٣١٤ نحوه.

٢ ـ التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧١ ، الاستبصار : ١٣٤ / ٤٥٩.

٣ ـ النهاية : ٢٦.

٤ ـ المجموع ٢ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٢ : ٤٢٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٩ ، مغني المحتاج ١ : ١١٠ ، المنتقى للباجي ١ : ١١٧ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٦٦. المغني ١ : ٣٨٥ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٣٤.

٥ ـ سنن الترمذي ١ : ٢٤٢ / ١٣٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٩ / ٦٣٩ ، سنن الدارمي ١ : ٢٥٩ مسندأحمد ٢ : ٤٠٨ و ٤٧٦.

٦ ـ التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠.

٧ ـ التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧١ ، الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٥٩.

٢٦٧

وقال الصدوق : يتصدق على مسكين بقدر شبعه(١) ، وقال الشافعي : في إقبال الدم دينار ، وفي إدباره نصفه(٢) وقال أحمد : هو مخير بين الدينار ونصفه(٣) ، وقال الحسن البصري ، وعطاء الخراساني : يجب فيه كفارة الفطر في رمضان(٤) .

فروع :

أ ـ لو غلبته الشهوة بعد الانقطاع قبل الغُسل أمرها بغسل فرجها ثم وطأها ، لقول الباقرعليه‌السلام : « إنّ أصابه شبق فليأمرها بغسل فرجها ثم يمسها إنّ شاء »(٥) .

ب ـ لو وطأ الحائض مستحلاً كفر ، ومحرماً يفسق ويعزر.

ج‍ ـ إذا أخبرته بالحيض ، فإن كانت ثقة وجب عليه الامتناع لقوله تعالى :( ولا يحل لهن أنْ يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) (٦) ومنع الكتمان يقتضي وجوب القبول منهن.

وإن كان يتهمها بقصد منع حقه ، لم يجب الامتناع ما لم يتحقق.

د ـ لو كرر الوطء ، فأقوى الاقوال تعدد الكفارة وجوباً أو استحباباً ، على الخلاف إن اختلف الزمان ، أو كفر عن الأول ، وإلّا فلا عملاً بالأصل.

__________________

١ ـ المقنع : ١٦.

٢ ـ المجموع ٢ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٢ : ٤٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٩.

٣ ـ المغني ١ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥١ ، المجموع ٢ : ٣٦١ ، فتح العزيز ٢ : ٤٢٤ ، مسائل أحمد : ٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٥٩ ، المحلى ٢ : ١٨٧ ، تفسير القرطبي ٣ : ٨٧ ، تفسير البحرالمحيط ٢ : ١٦٨.

٤ ـ المجموع ٢ : ٣٦١ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٦٦ ، المحلى ٢ : ١٨٧ ، سبل السلام ١ : ١٧١ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٣٤.

٥ ـ الكافي ٥ : ٥٣٩ / ١ ، التهذيب ١ : ١٦٦ / ٤٧٧ ، الاستبصار ١ : ١٣٥ / ٤٦٣.

٦ ـ البقرة : ٢٢٨.

٢٦٨

هـ ـ الأول والوسط والاخير بحسب عدد أيام عادتها ، فاليوم الأول وثلث الثاني أول الاربعة ، وثلث الثاني وثلثا الثالث الأوسط ، والباقي الأخير.

و ـ لو لم تجد الماء بعد الانقطاع جاز الوطء قبل الغُسل ، ولا يشترط التيمم ، وقال الشافعي : إذا تيممت حلّ وطؤها(١) . وقال مكحول : لا يجوز وطؤها حتى تغتسل، ولا يكفي التيمم للآية(٢) ، وقال ابن القاسم : لا توطأ بالتيمم ، لأنّه بالملاقاة ينتقض(٣) . وقال أبو حنيفة : لا يحل وطؤها حتى تصلّي به ، لأنّه لا يرفع الحدث فيلحقه الفسخ ما لم تصلّ به فلا يستبيح به الوطء(٤) .

فلو تيممت ثم أحدثت حدثا ، قال الشافعي : لا يحرم وطؤها ، لأنّه لايبطل التيمم القائم مقام الغُسل ، وإنّما يوجب التيمم عنه(٥) .

واذا صلّت بالتيمم صلاة الفرض ففي تحريم وطئها عنده وجهان : التحريم بناء‌ا على أن التيمم إنّما يستباح به فريضه واحدة ، وإذا صلّت به لم يحل لها فعل الفريضة ، ولا يلزم الحدث ، لأنّه مانع من الصلاة ، وهنا التيمم لم يبح إلّا فريضة واحدة.

وعدمه لأنّ التيمم القائم مقام الغُسل باق ، ولهذا يجوز لها صلاة النافلة(٦) . وهذه الاصول عندنا فاسدة.

__________________

١ ـ الاُم ١ : ٥٩ ، المجموع ٢ : ٣٦٨ و ٣٧٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ ، مغني المحتاج ١ : ١١١ ، المنتقى للباجي ١ : ١١٨.

٢ ـ مصنف ابن أبي شيء بة ١ : ٩٦ ، حلية العلماء ١ : ٢١٦ ، والآية ٢٢٢ من سورة البقرة.

٣ ـ المدونة الكبرى ١ : ٤٨ ـ ٤٩.

٤ ـ حلية العلماء ١ : ٢١٧.

٥ ـ المجموع ٢ : ٣٦٨.

٦ ـ المجموع ٢ : ٣٦٨.

٢٦٩

ز ـ لو وطئ الصبي لم يجب عليه شيء ، وقال بعض الحنابلة : يجب للعموم(١) ، وقياسا على الإحرام(٢) . وهو خطأ لأنّ أحكام التكليف ساقطةعنه.

ح ـ لا كفارة على المرأة لعدم النص ، وقال أحمد : يجب لأنّه وطء يوجب الكفارة(٣) .

السادس : يحرم طلاقها مع الدخول ، وحضور الزوج ، وانتفاء الحائل والحبل بإجماع العلماء ، فإن طلق لم يقع عندنا ، خلافاً للجمهور ، وسيأتي.

السابع : يجب عليها الغُسل عند الانقطاع لتأدية العبادات المشروطة بالطهارة بإجماع علماء الامصار ، وهو شرط في صحة الصلاة إجماعاً ، وفي الطواف عندنا خلافاً لأبي حنيفة(٤) .

وهل هو شرط في صحة الصوم ، بحيث لو أخلت به ليلا حتى أصبحت بطل صومها؟ الأقرب ذلك لعدم قصوره عن الجنابة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم »(٥) .

وبدن الحائض طاهر عند علمائنا كبدن الجنب ، وهو قول أكثر الجمهور(٦) ، لقولهعليه‌السلام : ( ليست حيضتك في يدك )(٧) .

____________

١ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٢١٠ / ٦٤٠ ، سنن أبي داود ١ : ٦٩ / ٢٦٤.

٢ ـ المغني ١ : ٣٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥١.

٣ ـ المغني ١ : ٣٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥٢.

٤ ـ المغني ٣ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٩.

٥ ـ التهذيب ١ : ٢٩٣ / ١٢١٣.

٦ ـ المجموع ٢ : ١٥٠ ، المغني ١ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ١ : ٢٦٠.

٧ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٤٥ / ٢٩٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٧ / ٦٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ٦٨ / ١٦١ ،

٢٧٠

و قال أبو يوسف : بدن الحائض والجنب نجس(١) .

الثامن : يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاه بالإجماع ، وقالت عائشة : كنا نحيض على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة(٢) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام في الحائض : « ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان »(٣) ولأن الصلاة متكررة فيلزم الحرج بقضائها دون الصوم.

التاسع : يحرم عليها سجود التلاوة لو سمعت العزائم عندالشيخ(٤) ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الجمهور(٥) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور )(٦) فيدخل في عمومه السجود ، ولأنّه سجود فيشترط فيه الطهارة كسجود السهو.

و سجود الصلاة ليس كسجود التلاوة ، سلّمنا ، لكن لا يلزم من الوجوب في الصلاة الوجوب في أجزائها ، والفرق بينه وبين سجود السهو كون المأتي جزء‌اً من الصلاة إنّ سلّمنا الحكم فيه.

____________

سنن النسائي ١ : ١٤٦ و ١٩٢ ، سنن الترمذي ١ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ / ١٣٤ ، سنن الدارمي ١ : ٢٤٨ ، مسند أحمد ٢ : ٧٠ ، سنن البيهقي ـ ١ : ١٨٩ ، معرفة السنن والآثار ١ : ٤٤١.

١ ـ شرح العناية ١ : ٩٤ ـ ٩٥ ، المجموع ٢ : ١٥١ ، المغني ١ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٦٢.

٢ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٦٥ / ٦٩ ، سنن ابي داود : ٦٨ / ٢٦٢ و ٦٩ / ٢٦٣ ، سنن الترمذي ١ : ٢٣٤ / ١٣٠.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٠٤ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٦٠ / ٤٥٩.

٤ ـ النهاية : ٢٥.

٥ ـ المجموع ٢ : ٣٦٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٧ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٣٢ ، شرح فتح القدير ١ : ٤٦٨ ، المغني ١ : ٦٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٣.

٦ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٠٤ / ٢٢٤ ، سنن النسائي ١ : ٨٧ ـ ٨٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٠٠ / ٢٧١ ـ٢٧٤ ، سنن الدارمي ١ : ١٧٥ ، مسند أحمد ٢ : ٢٠ و ٥١ و ٧٣.

٢٧١

وقال بعض علمائنا بجوازه(١) وهو المعتمد ، لإطلاق الأمر بالسجود ، واشتراط الطهارة ينافيه ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا قرئ شيء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنباً وإن كانت المرأة لا تصلّي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إنّ شئت سجدت وإن شئت لم تسجد »(٢) .

اذا ثبت هذا فإن السجود هنا واجب إذا تلت أو استمعت ، إذ جوازه يستلزم وجوبه ، أما السامع ففي الايجاب عليه نظر ، أقربه العدم ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن رجل سمع السجدة قال : « لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراء‌ته مستمعاً »(٣) ومراده إسقاط الوجوب لا استحباب السجود ، بل يستحب سواء كان من العزائم أو لا.

وهل يمنع منه الحائض والجنب؟ روايتان : المنع اختاره في النهاية(٤) ، لأنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام سئل عن الحائض تقرأ القرآن وتسجد السجدة ، إذا سمعت السجدة؟ فقال : « تقرأ ولا تسجد »(٥) ، والجوازاختاره في المبسوط(٦) لما تقدم في الرواية(٧) .

وقال عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة : تومئ برأسها ، وبه قال سعيد بن المسيب(٨) ، وعن الشعبي : يسجد حيث كان وجهه(٩) .

__________________

١ ـ هو المحقق في المعتبر : ٦٠.

٢ ـ الكافي ٣ : ٣١٨ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٧١.

٣ ـ الكافي ٣ : ٣١٨ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٦٩.

٤ ـ النهاية : ٢٥.

٥ ـ التهذيب ٢ : ٢٩٢ / ١١٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ / ١١٩٣.

٦ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١١٤.

٧ ـ الكافي ٣ : ٣١٨ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٧١.

٨ ـ المغني ١ : ٦٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٣.

٩ ـ المغني ١ : ٦٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٣.

٢٧٢

تذنيب : لو سمع السجود وهو على غير طهارة لم يلزمه الوضوء ولا التيمم ـ وبه قال أحمد(١) ـ لأنّا قد بيّنا أن الطهارة ليست شرطاً.

و احتج أحمد بأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد ، كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها.

وقال النخعي : يتيمم ويسجد ، وعنه : يتوضأ ويسجد ، وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(٢) .

قال أحمد : فإذا توضأ لم يسجد لأنّه فات سببها(٣) .

ولا يتيمم لها مع وجود الماء ، لأنّ شرطه فقدان الماء ، وإن كان عادماً للماء فتيمم فله أن يسجد إذا لم يطل ، لأنّه لم يفت سببها ولم يفت محلهابخلاف الوضوء.

العاشر : يكره لها الخضاب ، ذهب إليه علماؤنا أجمع لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تختضب الحائض ولا الجنب »(٤) ، وليس للتحريم ، لأنّ أبا إبراهيمعليه‌السلام سئل تختضب المرأة وهي طامث؟ فقال : نعم(٥) .

ولا بأس أن تكون مختضبة ثم يجيئها الحيض ، بأن تختضب قبل عادتها.

مسألة ٨٥ : إذا حاضت بعد دخول الوقت وأهملت الصلاة مع القدرة

____________

١ ـ المغني ١ : ٦٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٣.

٢ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ٤ ، المغني ١ : ٦٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٣.

٣ ـ المغني ١ : ٦٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٤.

٤ ـ التهذيب ١ : ١٨٢ / ٥٢١ ، الاستبصار ١ : ١١٦ / ٣٨٨.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٠٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٨٢ / ٥٢٣.

٢٧٣

واتساع الوقت لها وللطهارة وجب عليها القضاء ، وإن كان قبل ذلك لم يجب.

وإن طهرت في أثناء الوقت ، فإن بقي مقدار الطهارة وأداء ركعة وجب الأداء ، فإن لم تفعل وجب القضاء ، وإن كان أقل لم يجب بل يستحب ، وسيأتي البحث في ذلك إنّ شاء الله تعالى.

مسألة ٨٦ : وغسل الحائض كغسل الجنابة ، تبدأ بالرأس ثم بالجانب الأيمن ثم الأيسر ، ويكفي الارتماس ، نعم لا بدّ فيه من الوضوء ، سئل الصادقعليه‌السلام عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنابة؟ قال : « نعم »(١) .

ويجب فيه النيّة لأنّه عبادة فيفتقر فيه إلى النيّة واستدامة حكمها ، ولاتجب الموالاة ، بل الترتيب.

ويجب استيعاب الجسد بما يسمى غسلاً ، لقول الباقرعليه‌السلام : « الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأه »(٢) ويستحب فيه المضمضة والاستنشاق.

فروع :

أ ـ لا تجب نيّة السبب ، بل تكفي نيّة رفع الحدث أو الاستباحة ، ولا فرق بين أن تقدم الوضوء أو تؤخره ، خلافاً لبعض علمائنا ، حيث أوجب نيّة الاستباحة في المتأخر(٣) .

ب ـ لو اجتمع الحيض والجنابة لم يجز لها الغُسل إلّا بعد انقطاع دم

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٤ ، الاستبصار ١ : ٩٨ / ٣١٧.

٢ ـ الكافي ٣ : ٨٢ / ٤ ، التهذيب ١ : ٤٠٠ / ١٢٤٩ ، الاستبصار ١ : ١٤٨ / ٥٠٨.

٣ ـ هو ابن ادريس في السرائر : ٢٩.

٢٧٤

الحيض ، لا للجنابة ولا للحيض فإذا انقطع اغتسلت فإن نوت رفع حدث الجنابة ارتفع الحدثان ، وإن نوت رفع حدث الحيض ، فإن ضمت الوضوء احتمل رفع حدث الجنابة أيضاً ، لتسويغ الصلاة عندهما ، وعدمه لقصور غسل الحيض عن رفعه ، وإن نوت رفع الحدث مطلقاًً فالأقرب الاجزأ من غير وضوء.

ج ـ عرق الحائض طاهر إذا لم يُلاق النجاسة ، وكذا المائعات التي تباشرها ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن الحائض تناول الرجل الماء؟ فقال : « كان نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسكب عليه الماء وهي حائض »(١) . وسئل الصادقعليه‌السلام عن الحائض تعرق في ثيابها أتصلي فيها قبل أن تغسلها؟ فقال : « نعم لا بأس به »(٢) .

مسألة ٨٧ : ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم في عادتها بإجماع العلماء فإن المعتاد كالمتيقن ، وسئل الصادقعليه‌السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيامها ، قال : « لا تصلّي حتى تنقضي أيامها »(٣) .

أما المبتدأة والمضطربة ففيهما قولان ، قال الشيخ في المبسوط : أول ما ترى المرأة الدم ينبغي أن تترك الصلاة والصوم ، فإن استمر ثلاثة قطعت بأنه حيض ، وان انقطع قبل الثلاثة فليس بحيض ، وتقضي ما تركته من صلاة وصيام(٤) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر »(٥) وبه قال الشافعي(٦) .

____________

١ ـ الكافي ٣ : ١١٠ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ / ١٢٣٨.

٢ ـ التهذيب ١ : ٢٦٩ / ٧٩٣ ، الاستبصار ١ : ١٨٦ / ٦٤٩.

٣ ـ الكافي ٣ : ٧٨ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٩٦ / ١٢٣٠.

٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٤٢.

٥ ـ التهذيب ١ : ٣٩٤ / ١٢١٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٦ / ٤٩٩.

٦ ـ الوجيز ١ : ٢٦ ، فتح العزيز ٢ : ٤٥٦.

٢٧٥

وقال المرتضى في المصباح : الجارية التي يبدأ بها الحيض ولا عادة لها لا تترك الصلاة حتى تستمر ثلاثة أيام(١) ، وهو أقوى ، احتياطاًً للعبادة الثابتة في الذمة بيقين ، ولم يحصل يقين المسقط ، والحديث نقول بموجبه ، فإنه محمول على ذات العادة ، إذ المراد بالدم هو دم الحيض ، ولا تعلم أنّه حيض إلّا في العادة ، وهو قول آخر للشافعي(٢) .

مسألة ٨٨ : ذهب علماؤنا إلى أن المرأة تستظهر بعد عادتها ـ وبه قال مالك(٣) ـ لقول الباقرعليه‌السلام في الحائض : « إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين ، ثم تمسك قطنة فانصبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل ، ويصيب منها زوجها إنّ أحب ، وحلت لها الصلاة »(٤) وعن الرضاعليه‌السلام قال : « الحائض تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة »(٥) .

وقال الشافعي : اذا مضى زمان حيضها فعليها أن تغتسل في الحال(٦) ، ولا يجوز لها ان تتوقف زماناً تطلب فيه ظهور حالها ويتحقق طهرها إذ لو كانت تتوقف لتوقفت إلى أن يتمّ لها مدة اكثر الحيض ، كالمبتدأة إذا استمر بها الدم ، ولمّا لم يجز لها أن تنتظر تمام المدة ثبت أن الانتظار غير جائز. والملازمة ممنوعة لغلبة الظن بزيادة الحيض يوماً أو يومين ، على أنّا نمنع بطلان اللازم على مذهب المرتضى ، وسيأتي.

__________________

١ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٥٦.

٢ ـ فتح العزيز ٢ : ٤٥٦.

٣ ـ بُلغة السالك ١ : ٧٩ ، بداية المجتهد ١ : ٥٢ ، حلية العلماء ١ : ٢٢٥.

٤ ـ المعتبر : ٥٧.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٧١ / ٤٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٤.

٦ ـ المجموع ٢ : ٥٤٣.

٢٧٦

فروع :

أ ـ الاستظهار إنّما يكون مع وجود الدم ، فإذا انقطع أدخلت المرأة قطنة ، فإن خرجت ملوثة بالدم فهي بعد حائض ، وإن خرجت نقية فقدطهرت ، تغتسل وتُصلّي من غير استظهار.

ب ـ إنّما يكون الاستظهار لو قلت العادة من العشرة ، أما اذا كانت العشرة فلا استظهار ، إذ لا حيض بعدها.

ج‍ ـ يشترط في الاستظهار أن لا يزيد عن أكثر الحيض ، فلو كانت عادتها تسعة لم تستظهر بيومين ، بل بيوم واحد.

د ـ اختلف علماؤنا في قدر الاستظهار ، قال الشيخ في النهاية : تستظهر بيوم أو يومين ، وبه قال ابن بابويه والمفيد(١) ، وفي الجمل : تصبر حتى تنقى(٢) .

وقال المرتضى : تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام ، فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة(٣) .

والأول أقرب ، لما تقدم من قول الباقرعليه‌السلام : « فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين »(٤) وقال الرضاعليه‌السلام : « الحائض تستظهر بيوم أو يومين »(٥) .

واحتجاج المرتضى بقول الصادقعليه‌السلام : « ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة »(٦) ضعيف السند.

__________________

١ ـ النهاية : ٢٤ ، أحكام النساء للمفيد : ٧ ، المقنع : ١٦ وفيه : استظهرت بثلاثة أيام.

٢ ـ الجمل والعقود للطوسي : ١٦٣.

٣ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٥٧.

٤ ـ هو المحقق في المعتبر : ٥٧.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٧١ / ٤٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٤.

٦ ـ التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩٣ ، الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٧.

٢٧٧

هـ ـ ظاهر كلام الشيخ والمرتضى(١) أن الاستظهار على سبيل الوجوب ، إذ المقتضي كونها أيام الحيض فتحرم العبادة ، ويحتمل الاستحباب ، والمقتضي احتمال الحيض ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت وتوضأت وصلّت »(٢) .

و ـ إذا انقطع الدم لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة ـ ولا يجب لو انقطع للعشره لأنّها مدة الحيض ـ فإن خرجت نقية اغتسلت ، وإن كانت متلطخة ، فإن كانت مبتدأة صبرت حتى تنقى ، أو تمضي عشرة أيام.

وذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين كما تقدم لقول الباقرعليها‌السلام : « فإن خرج الدم لم تطهر ، وإن لم يخرج فقد طهرت »(٣) فإن استمر إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من الصيام لتحقق انه صادف أيام الحيض ، وإن تجاوز أجزأها ما فعلته لأنّه صادف أيام الطهر.

ز ـ لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع فهو دم حيض لحصول شرائطه ، فإن رأت قبل العاشر وانقطع عليه فالجميع حيض ، وكذا أيام النقاء المتخللة بين الدمين ، إذ لا يكون الطُهر أقل من عشرة أيام ، ولو تجاوز العشرة فهي مستحاضة وسيأتي حكمها ، ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم جاء الدم كان الأول حيضاً منفردا ، والثاني يمكن أن يكون حيضاً مستأنفاً ان استمر ثلاثة فمازاد إلى العاشر ثم انقطع فهو حيض ، وإن قصر عن ثلاثة فليس بحيض.

__________________

١ ـ النهاية : ٢٤ ، وأما قول المرتضى فحكاه المحقق في المعتبر : ٥٧.

٢ ـ التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٨.

٣ ـ التهذيب ١ : ١٦١ / ٤٦٢ وفيه عن الامام الصادقعليه‌السلام .

٢٧٨

الفصل الثالث : في المستحاضة

و فيه مطلبان :

الأول : في أحكامها.

مسألة ٨٩ : دم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع ، ودم الاستحاضة أصفر بارد »(١) وقد يتفق الأصفر حيضاً كما لو وجد في أيام الحيض ، وكذا قد يوجد دم الاستحاضة أسوداً حاراً عبيطاً إذا كان بعد أيام الحيض ، وأكثر أيام النفاس ، وبعد اليأس ، لما تقدم من أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطُهر طهر.

مسألة ٩٠ : دم الاستحاضة إن كان قليلاً ـ وهو أن يظهر على القطنة كرؤوس الابر ولا يغمسها ـ وجب عليها تغيير القطنة والوضوء لكلّ صلاة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(٢) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المستحاضة : ( تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل ، وتصوم وتُصلّي ، وتتوضأ عند كلّ صلاة )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام عن المستحاضة : « وان

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٩١ / ١ ، التهذيب ١ : ١٥١ / ٤٢٩.

٢ ـ منهم المفيد في المقنعة : ٧ ، والسيد المرتضى في الناصريات : ٢٤٤ مسألة ٤٥ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٦٧.

٣ ـ سنن الدارمي ١ : ٢٠٢ ، سنن الترمذي ١ : ٢٢٠ / ١٢٦.

٢٧٩

كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ، ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء »(١) وأما القطنة فلأنّها نجسة يمكن الاحتراز منها فوجب.

قال الشيخ : وتغيير الخرقة(٢) ، وفيه نظر ، إذ لا موجب له لعدم وصول الدم إليها.

وقال ابن أبي عقيل منّا : لا يجب في هذه الحالة وضوء ولا غسل(٣) ، وبه قال مالك(٤) .

وقال أبو حنيفة : تتوضأ لوقت كلّ صلاة(٥) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( المستحاضة تتوضأ لوقت كلّ صلاة )(٦) وروايتنا أرجح لأنّها مفسرة لا إجمال فيها.

وقال الشافعي في أحد قوليه : يجب على المستحاضة الغُسل لكلّ صلاة من غير وضوء(٧) ، ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام ، وابن عمر ، وابن عباس وابن الزبير(٨) ، لأنّ ام حبيبة استحيضت فسألت النبيّ صلّى الله

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٨٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٧ / ٢٧٧.

٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٧.

٣ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٦٤.

٤ ـ بداية المجتهد ١ : ٦٠ ، تفسير القرطبي ٣ : ٨٥ ، المحلى ١ : ٢٥٣ ، المجموع ٢ : ٥٣٥ ، المغني ١ : ٣٨٩ ، الشرح الكبير ١ : ٣٨٩ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٧٧.

٥ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٣٢ ، شرح العناية ١ : ١٥٩ ، اللباب ١ : ٤٦ ، سبل السلام ١ : ٩٩ ، المحلى ١ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٢ : ٤٣٧.

٦ ـ اُنظر سنن البيهقي ١ : ٣٤٤ ، سنن الترمذي ١ : ٢١٨ / ١٢٥.

٧ ـ المغني ١ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩٩.

٨ ـ المغني ١ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩٩ ، المجموع ٢ : ٥٣٦ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٧٧ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٩٠ ، واُنظر سنن الدارمي ١ : ٢٢٠ و ٢٢١ و ٢٢٤.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403