تذكرة الفقهاء الجزء ١

تذكرة الفقهاء14%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 246808 / تحميل: 9750
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

النيران!)(١) .

وروى سبط ابن الجوزي، بسند إلى مروان بن الوصين، قال: (نُحرت الإبل التي حُمل عليها رأس الحسين وأصحابه، فلم يستطيعوا أكل لحومها، كانت أمَرَّ من الصبْر!)(٢) .

وروى الطبراني بسنده عن ذويد الجعفي، عن أبيه قال: (لما قُتل الحسين انتُهب جزور من عسكره، فلما طُبخت إذا هي دم! فأكفوها)(٣) .

وقال ابن حجر: (وأخرج أبو الشيخ، أنّ الوَرْس الذي كان في عسكرهم تحوّل رماداً، وكان في قافلة من اليمن تُريد العراق فوافتهم حين قتله!)(٤) .

آثار الحُزن في العوسجة المباركة!

روى الزمخشري، عن هند بنت الجون أنّه: نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيمة خالتي أمّ معبد(٥) ، فقام من رقدته ودعا بماء فغسل يديه، ثمّ تمضمض ومجّ في عوسجة إلى جانب الخيمة، فأصبحنا وهي كأعظم دوحة! وجاءت بثمر كأعظم ما يكون في لون الوَرْس ورائحة العنبر وطعم الشهد! ما أكل منها جائع إلاّ شبع، ولا ظمآن إلاّ روى، ولا سقيم إلاّ برئ! ولا أكل من ورقها بعير إلاّ سمن، ولا شاة إلاّ درّ لبنها،

____________________

(١) سِيَر أعلام النبلاء: ٣: ٣١٣.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٤٠.

(٣) المعجم الكبير: ٣: ١٢١ حديث رقم ٢٨٦٤، وراجع نظم دُرر السمطين ٢٢٠، إحقاق الحق ١١: ٥٠٢.

(٤) الصواعق المحرقة: ١٩٤.

(٥) اشتهرت بكُنيتها، واسمها عاتكة بنت خالد بن خليف بن منقذ بن ربيعة الخزاعية وكان منزلها بقديد، نزل عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين هاجر إلى المدينة. (راجع: الاستيعاب: ٤: ١٩٥٨).

٤١

فكنّا نُسميّها المباركة!

وينتابنا من البوادي، مَن يستشفي بها ويتزوّد بها، حتّى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها واصفّر ورقها! ففزعنا فما راعنا إلاّ نعي رسول الله، ثمّ إنّها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها إلى أعلاها، وتساقط ثمرها وذهبت نَضرتها! فما شعرنا إلاّ بمقتل أمير المؤمنين عليّ، فما أثمرت بعد ذلك، فكنّا ننتفع بورقها، ثمّ أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط! وقد ذبُل ورقها! فبينا نحن فزعين بورقها إذ أتانا خبر مقتل الحسين، ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت!)(١) .

____________________

(١) ربيع الأبرار: ١: ٢٨٥، وانظر: مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٩٨، وإحقاق الحقّ: ١١: ٤٩٤.

٤٢

المقصد الأول

الفصل الثاني

الوقائع المتأخِّرة عن قتل الإمام الحسينعليه‌السلام

٤٣

٤٤

الفصل الثاني

الوقائع المتأخّرة عن قتلهعليه‌السلام

صورٌ من عواقب قتَلتِه وأعدائهعليه‌السلام :

لا شكّ في أنّ كلّ مَن اشترك في قتل سيّد شباب أهل الجنّة وسلْبه ونهْبه، ابتُلي ببليّة في دار الدنيا قبل الآخرة.

روى الخوارزمي في المقتل، عن مينا أنّه قال: (ما بقي من قَتَلَةِ الحسين أحدٌ لم يُقتل إلاّ رُمي ببلاء في جسده قبل أن يموت)(١) .

ونقل سبط ابن الجوزي، عن الزهري أنّه قال: (ما بقي منهم أحدٌ إلاّ وعوقِب في الدنيا، إمّا بالقتل، أو العَمى، أو سواد الوجه، أو زوال الملك في مدّة يسيرة)(٢) .

مَصير عبيد الله بن زياد لعنه الله:

قُتِل عبيد الله بن زياد (ل) على يد إبراهيم بن مالك الأشتر (ره) في وقعة الخازر، حيث التقاه في ميدان المعركة، فضربه ضربة بالسيف شرّقت منها يداه، وغرّبت رِجلاه، وكان ذلك في الليل، فلما تأكّدوا منه وجدوا أنّه عبيد الله بن زياد نفسه،

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ١: ١٠٤.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٥٢.

٤٥

فاجتزّوا رأسه، وقال إبراهيم بن مالك: الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي(١) .

وبعث إبراهيم بن مالك (ره) برأس عبيد الله بن زياد لعنه الله، ورؤوس الرؤساء من أهل الشام وفي آذانهم رقاع أسمائهم، فقدِموا على المختار وهو يتغدّى، فحمد الله تعالى على الظفر، فلما فرغ من الغداء قام فوطأ وجه ابن زياد بنعله، ثمّ رمى بها إلى غلامه وقال: اغْسِلها؛ فإنّي وضعتها على وجه نجس كافر(٢) .

وروى الخوارزمي بسنده، عن عمارة بن عمير قال: (لما جيء برأس عبيد الله بن زياد إلى المختار مع رؤوس أصحابه، نُضِّدت في المسجد في الرحْبة، فانتهيت إلى الناس وهم يقولون: قد جاءت! قد جاءت! فلم أدرِ! فإذا حيّة قد جاءت فتخلّلت الرؤوس حتّى دخلت في منخر عبيد الله بن زياد! فمكثت هُنيئة، ثمّ خرجت فذهبت حتّى تغيّبت، ثمّ قالوا: قد جاءت! قد جاءت! ففعلت ذلك أمامي مرّتين أو ثلاثاً!

قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث صحيح)(٣) .

(قال أبو عمر البزّاز: كنت مع إبراهيم بن مالك الأشتر، لما لقي عبيد الله بن زياد - لعنه الله - بالخازر، فعددنا القتلى بالقصب لكثرتهم. قيل: كانوا سبعين ألفاً، وصَلب إبراهيمُ ابنَ زياد مُنكَّساً، فكأنّي أنظر إلى خُصْيَيه كأنّهما جعلان!)(٤) .

____________________

(١) راجع: ذوب النضار: ١٣٢ - ١٣٨.

(٢) ذوب النضار: ١٤٢.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٩٦ / وروى أيضاً عن عبد الملك بن كردوس، عن حاجب عبيد الله قال: (دخلت القصر خلْف عبيد الله فاضطرم في وجهه ناراً! فقال هكذا بكُمّه على وجهه، والتفت إليّ فقال: هل رأيت؟ قلت: نعم. فأمرني أن أكتم ذلك!) (نفس المصدر: ٢: ٩٩).

(٤) ذوب النضار: ١٤٢ / وعن أبي الطفيل عامر بن وائلة الكناني قال: وضِعتْ الرؤوس عند السدّة =

٤٦

مَصير عمَر بن سعد لعنه الله:

كانت الندامة والحَسرة قد أكلت قلب عمر بن سعد لعنه الله؛ لأنّه لم يَنَلْ من ابن زياد ما كان يؤمَّله من مناصب الدنيا وأطماعها، وخرج من مجلس ابن زياد يُريد منزله إلى أهله (وهو يقول في طريقه: ما رجع أحدٌ مثل ما رجعت! أطعت الفاسق ابن زياد الظالم ابن الفاجر! وعصيت الحاكم العدل! وقطعت القرابة الشريفة! وهجَره الناس، وكان كلّما مرّ على ملأ من الناس أعرضوا عنه، وكلّما دخل المسجد خرج النّاس منه، وكلّ مَن رآه قد سبّه! فلزم بيته إلى أن قُتِل!)(١) .

وكان المختار (ره) قد أعطى عمر بن سعد الأمان بشرط ألاّ يُحدِث حدَثاً(٢) ، ولما علم عمَر بقول المختار فيه عزم على الخروج من الكوفة، فأحضر رجلاً اسمه مالك بن دومة وكان شجاعاً، وأعطاه أربعمئة دينار نفقة لحوائجهما، وخرجا من الكوفة، فلما كانا عند حمّام عمر أو نهر عبد الرحمان أطلع عمر صاحبه على نيّته في الهرب خوفاً من المختار، لكنّ صاحبه أقنعه بأنّ المختار أعجز من أن ينال عمَر بسوء، وأوحى إليه أنّه أعزّ العرب! فاغترّ بكلامه فرجعا إلى الكوفة، ولما علم المختار بخروجه من الكوفة قال: ألله أكبر! وفَينا له وغدَر! وفي عُنقه سلسلة لو جهد أن ينطلق لَما استطاع!

____________________

= بالكوفة، عليها ثوب أبيض، فكشفنا عنها الثوب وحيّة تتغلغل في رأس عبيد الله بن زياد! ونُصبت الرؤوس في الرحبة.

قال عامر: ورأيت الحيّة تدخل في منافذ رأسه وهو مصلوب مراراً!!) (نفس المصدر: ١٤٢ - ١٤٣).

(١) تذكرة الخواص: ٢٣٣.

(٢) قال الإمام الباقرعليه‌السلام :(إنّما قصد المختار (إلاّ أن تُحدِث حدَثاً!) هو أن يدخل بيت الخلاء ويُحدِث!) (راجع: ذوب النضار: ١٥٧).

٤٧

وأرسل عمَر ابنه إلى المختار فقال له: أين أبوك؟

قال: في المنزل - ولم يكونا يجتمعان عند المختار، وإذا حضر أحدهما غاب الآخر خوفاً أن يجتمعا فيقتلهما - فقال حفص: أبي يقول: أتفي لنا بالأمان؟

قال: اجلس! وطلب المختار أبا عمرة - وهو كيسان التمّار - فأسرّ إليه أن اقتُل عمر بن سعد، وإذا دخلت عليه وسمعته يقول: يا غلام! عليّ بطيلساني، فاعلم أنّه يُريد السيف، فبادره واقتله!

فلم يلبث أن جاء ومعه رأسه!

فقال حفص: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فقال له: أتعرف هذا الرأس؟ قال: نعم، ولا خير في العيش بعده! فقال: إنّك لا تعيش بعده! وأمَر بقتله.

وقال المختار: عمَر بالحسينعليه‌السلام ، وحفص بعليّ بن الحسينعليه‌السلام ، ولا سواء، والله، لأقتلنّ سبعين ألفاً كما قُتل بيحيى بن زكرياعليهما‌السلام .

وقيل: إنّه قال: لو قتلت ثلاثة أرباع قريش، لَما وفوا بأنمُلة من أنامل الحسينعليه‌السلام (١) .

مَصير شمر بن ذي الجوشن لعنه الله:

قال مسلم بن عبد الله الضبابي: (كنا مع شمْر حين هزَمَنا المختار، فدنا منّا العبد(٢) ، فقال شمر: اركضوا وتباعدوا؛ لعلّ العبد يطمع فيّ! فأمعنّا في التباعد عنه،

____________________

(١) راجع: ذوب النضار: ١٢٦ - ١٢٩.

(٢) في ذوب النضار: ١١٦ / (ثمّ علم المختار أنّ شمر بن ذي الجوشن - لعنه الله - خرج هارباً ومعه نفر ممّن شرك في قتل الحسينعليه‌السلام ، فأمر عبداً له أسود - يُقال له: رزين. وقيل: زربي، ومعه عشرة وكان شجاعاً - يتّبعه فيأتيه برأسه).

٤٨

حتى لحقه العبد فحمل عليه شمر فقتله، ومشى فنزل في جانب قرية اسمها الكلتانيّة(١) على شاطئ نهر إلى جانب تلّ، ثمّ أخذ من القرية علْجاً فضربه، ودفع إليه كتاباً، وقال: عجّل به إلى مصعب بن الزبير فمشى العلْج حتّى دخل قرية فيها أبو عمرة بعثه المختار إليها في أمرٍ ومعه خمسمئة فارس، فأقرأ الكتاب رجلاً من أصحابه، وقرأ عنوانه، فسأل عن شمر وأين هو؟ فأخبره أنّ بينهم وبينه ثلاثة فراسخ قال مسلم بن عبد الله: قلت لشمر: لو ارتحلت من هذا المكان فإنّا نتخوّف عليك! قال: ويلكم! أكلّ هذا الجزع من الكذّاب؟! - والله - لا برحت فيه ثلاثة أيّام! فبينما نحن في أوّل النوم، إذ أشرفت علينا الخيل من التلّ وأحاطوا بنا، وهو عريان متّزرٌ بمنديل، فانهزمنا وتركناه!

فأخذ سيفه ودنا منهم فلم يكُ بأسرع أن سمعنا: قُتل الخبيث! قتله أبو عمرة، وقُتل أصحابه.

ثمّ جيء بالرؤوس إلى المختار، فخرّ ساجداً، ونُصبت الرؤوس في رحبة الحذّائين، حذاء الجامع)(٢) .

مَصير سنان بن أنس لعنه الله:

(وهرب سنان بن أنس لعنه الله إلى البصرة فهُدم داره، ثمّ خرج من البصرة نحو القادسيّة، وكان عليه عيون، فأخبروا المختار، فأخذه بين العذيب والقادسيّة، فقطّع أنامله ثمّ يديه ورجْليه، وأغلى زيتاً في قِدر وألقاه فيه)(٣) .

____________________

(١) الكلتانيّة: قرية ما بين السوس والصيمرة. (مراصد الإطّلاع: ٣/١١٧٤).

(٢) راجع: ذوب النضار: ١١٦ - ١١٨.

(٣) ذوب النضار: ١٢٠.

٤٩

مصير خولِّي بن يزيد الأصبحي لعنه الله:

(ثمّ بعث أبا عمرة، فأحاط بدار خولّي بن يزيد الأصبحي، وهو حامل رأس الحسينعليه‌السلام إلى عبيد الله بن زياد، فخرجت امرأته إليهم وهي النوّار ابنة مالك - كما ذكر الطبري في تأريخه - وقيل: اسمها العيّوف، وكانت مُحبّةً لأهل البيتعليهم‌السلام ، قالت: لا أدري أين هو؟! وأشارت بيدها إلى بيت الخلاء! فوجدوه وعلى رأسه قوصرة(١) ، فأخذوه وقتلوه، ثمّ أمر بحرقه)(٢) .

مَصير حكيم بن الطُّفيل السنبسي لعنه الله:

(ثمّ بعث عبد الله بن كامل إلى حكيم بن الطُّفيل السنبسي، وكان قد أخذ سلْب العبّاس ورماه بسهم، فأخذوه قبل وصوله إلى المختار، ونصبوه هدفاً، ورموه بالسهام)(٣) .

مَصير حرملة بن كاهل لعنه الله:

(حدّث المنهال بن عمرو قال: دخلت على زين العابدينعليه‌السلام أُودِّعه وأنا أُريد الانصراف من مكّة، فقال:(يا منهال! ما فعل حرملة بن كاهل؟!) . وكان معي بشر بن غالب، فقلت: هو حيٌّ بالكوفة!

فرفع يديه وقال:(اللّهمّ، أذِقْه حرّ الحديد، اللهمّ، أذِقْه حرّ الحديد، اللهمّ، أذِقْه حرّ النار!) .

قال المنهال: وقدمت إلى الكوفة والمختار بها فركبت إليه، فلقيته خارجاً من داره، فقال: يا منهال! ألم تشركنا في ولايتنا هذه؟

فعرّفته أنّي كنت بمكّة، فمشى حتّى أتى الكُناس، ووقف كأنّه ينتظر شيئاً! فلم يلبث أن جاء قوم فقالوا: أبشِر أيُّها

____________________

(١) القوصرة: وعاء للتمر يُصنع من نسج أوراق سعف النخيل.

(٢) ذوب النضار: ١١٨ - ١١٩.

(٣) ذوب النضار: ١١٩.

٥٠

الأمير فقد أُخذ حرملة! فجيء به، فقال: لعنك الله، الحمد لله الذي أمكنني منك! الجزّار الجزّار! فأُتي بجزّار، فأمره بقطع يديه ورجْليه، ثمّ قال: النّار النّار!، فأُتي بنار وقصب فأُحرق ...)(١) .

مَصير بَجْدل بن سليم لعنه الله:

وكان ممّن سلبوا الإمامعليه‌السلام ، وكانوا قد أتوا المختار به (وعرّفوه أنّه أخذ خاتمه وقطع إصبعه! فأمر بقطع يديه ورجْليه، فلم يزل ينزف حتّى مات)(٢) .

مَصير الذين وطأوا جسد الإمامعليه‌السلام بالخيل:

(قال موسى بن عامر: فأوّل مَن بدأ به(٣) الذين وطأوا الحسينعليه‌السلام بخَيلهم، وأنامهم على ظهورهم، وضرب سكك الحديد في أيديهم وأرجلهم، وأجرى الخيل عليهم حتّى قطّعتهم، وحرّقهم بالنار، ثمّ أخذ رجُلين اشتركا في دم عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب وفي سلْبه، كانا في الجبّانة، فضرب أعناقهما، ثمّ أحرقهما بالنار، ثمّ أحضر مالك بن بشير(٤) فقتله في السوق)(٥) .

مَصير عمرو بن صبيح الصيداوي لعنه الله:

(وطلب عمرو بن صبيح الصيداوي(٦) ، فأتوه وهو على سطحه بعدما هدأت

____________________

(١) ذوب النضار: ١٢١.

(٢) ذوب النضار: ١٢٣.

(٣) أي المختار.

(٤) تذكره مصادر تأريخية أُخرى باسم: مالك بن النسر، وهو الذي سلب الإمامعليه‌السلام بُرنسه وكان من خزّ، وروي أنّه يبست يداه ولم يزل فقيراً بأسوء حال إلى أن مات. (راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٣٤).

(٥) ذوب النضار: ١١٨.

(٦) وهو أيضاً من الذين رضّوا جسد الإمامعليه‌السلام .

٥١

العيون، وسيفه تحت رأسه، فأخذوه وسيفه، فقال: قبّحك الله من سيف! ما أبعدك على قُربك!

فجيء به إلى المختار، فلما كان من الغَداة طعنوه بالرماح حتّى مات)(١) .

مَصير زيد بن رقاد الجهني لعنه الله:

(وأحضر زيد بن رقاد فرماه بالنبْل والحجارة وأحرقه)(٢) .

مصير أبجر بن كعب لعنه الله:

قال الخوارزمي: (وقال عبيد الله بن عمّار: رأيت على الحسين سراويل تلمع ساعة قُتِل، فجاء أبجر بن كعب فسلبه وتركه مُجرّداً! وذكر محمّد بن عبد الرحمان: أنّ يدي أبجر بن كعب كانتا تنضحان الدم في الشتاء وتيبسان في الصيف كأنّهما عود!)(٣) .

ويروي الخوارزمي أيضاً عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال:(وجِد فيه (٤) ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة، وأخذ سراويله بحير بن عمرو الجرمي فصار زمناً مُقعداً من رجْليه، وأخذ عمامته جابر بن يزيد الأزدي فاعتمّ بها فصار

____________________

(١) ذوب النضار: ١٢٢.

(٢) ذوب النضار: ١٢٠.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٤٣ - ٤٤ / ويُلاحَظ أنّ المصادر التأريخية المعتبرة الأُخرى أثبتت أيضاً اسم هذا اللعين: أبجر بن كعب، كما في تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٣، والإرشاد: ٢: ١١٠، وإعلام الورى: ١: ٤٦٨، واللهوف: ١٧٨، والمناقب لابن شهر آشوب: ٤: ١٢٠، وتذكرة الخواص: ٢٢٨، وورد في الدرّ النظيم: ٥٥٧: الحرّ بن كعب، والظاهر أنّه تصحيف، وقال المحقّق السماوي في إبصار العين: ٧٤: (ويمضي في بعض الكُتب ويجري على بعض الألسن: أبحر بن كعب، وهو غلط وتصحيف).

(٤) أي الحسينعليه‌السلام .

٥٢

مجذوماً، وأخذ مالك بن نسر الكندي درعه فصار معتوهاً ...) (١) .

مَصير أحد سالبي الإمامعليه‌السلام :

(ورُئي رجل بلا يدَين ولا رجْلين وهو أعمى، يقول: ربِّ، نجّني من النّار! فقيل له: لم تبقَ عليك عقوبة وأنت تسأل النجاة من النار؟ قال: إنّي كنت في مَن قاتل الحسين بن عليّ في كربلاء، فلما قُتل رأيت عليه سراويل وتكّة حسنة، وذلك بعدما سلَبه الناس، فأردت أن أنتزع التكّة، فرفع يده اليمنى ووضعها على التكّة، فلم أقدر على دفعها فقطعت يمينه! ثمّ أردت انتزاع التكّة، فرفع شماله ووضعها على التكّة، فلم أقدر على دفعها فقطعت شماله، ثمّ هممت بنزع السراويل! فسمعت زلزلة فخفت وتركته، فألقى الله عليّ النوم، فنمت بين القتلى، فرأيت كأنّ النبيّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل ومعه عليّ وفاطمة والحسنعليهم‌السلام ، فأخذوا رأس الحسين، فقبّلتْه فاطمة وقالت:يا بنيّ، قتلوك! قتلهم الله! وكأنّه يقول:ذبحني شمر، وقطع يدي هذا النائم! وأشار إليّ.

فقالت فاطمة:قطع الله يديك ورجليك، وأعمى بصرك وأدخلك النار ، فانتبهت وأنا لا أُبصر شيئاً، ثمّ سقطت يداي ورجلاي منِّي! فلم يبقَ من دعائها إلاّ النار!)(٢) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٤٢.

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ١١٥، وفي اللهوف: ١٨٣: (وروى ابن رباح قال: لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين، فسُئل عن ذهاب بصَره.

فقال: كنت قد شهدت قتله عاشر عشرة، غير أنّي لم أطعن ولم أضرب ولم أرمِ، فلما قُتل رجعت إلى منزلي وصلّيت العشاء الآخرة، ونمت، فأتاني آتٍ في منامي فقال: أجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فقلت: مالي وله؟!

فأخذ بتلابيبي وجرّني إليه، فإذا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في صحراء، حاسر عن ذراعيه، آخذ بحربة! ومَلَكٌ قائم بين يديه وفي يديه سيف من نار يقتل أصحابي التسعة، فلما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً! فدنوت منه وجثوت بين يديه وقلت: السلام عليك يا رسول الله. فلم يردّ عليّ، =

٥٣

وروى الخوارزمي عن أبي عبد الله غلام الخليل قال: (حدّثنا يعقوب بن سليمان قال: كنت في ضيعتي فصلّينا العُتمة، وجعلنا نتذاكر قتل الحسينعليه‌السلام ، فقال رجل من القوم: ما أعان أحدٌ عليه إلاّ أصابه بلاءٌ قبل أن يموت. فقال شيخ كبير من القوم: أنا ممّن شهدها، وما أصابني أمرٌ كرهته إلى ساعتي هذه!

وخبا السِراج، فقام ليُصلحه فأخذته النار! وخرج مُبادراً إلى الفرات وألقى نفسه فيه، واشتعل وصار فحمة!)(١) .

____________________

= ومكث طويلاً، ثمّ رفع رأسه وقال:يا عدوّ الله! انتهكت حُرمتي! وقتلت عترتي! ولم ترعَ حقّي وفعلت ما فعلت! فقلت: يا رسول الله، والله، ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم. فقال:صدقت، ولكن كثّرت السواد، اُدنُ منّي! فدنوت منه فإذا طشت مملوٌّ دماً! فقال لي:هذا دم ولدي الحسين عليه‌السلام ! فكحَّلني من ذلك الدم، فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً!)، ورواه الخوارزمي أيضاً في المقتل: ٢: ١١٧ - ١١٨ وفيه ابن رماح بدلاً من ابن رباح، وقال الخوارزمي: وأورد هذا الحديث مجد الأئمة السرخسي ورواه عن أبي عبد الله الحدّاد، عن الفقيه أبي جعفر الهنداوني

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٦٢ على ما في طبعة الغري / نقلاً عن إحقاق الحق: ١١: ٥٣٦، ورواه الخوارزمي، أيضاً في المقتل: ٢: ١١١ عن عطاء بن مسلم، عن السدّي، بتفاوت، والشيخ المحترق فيه من قبيلة طيّ، ورواه ابن حجر في صواعقه، ١٩٣ عن أبي الشيخ بتفاوت.

وانظر: تهذي التهذيب: ٢: ٣٥٣، وتذكرة الخواص: ٢٩٢، ووسيلة المآل لأحمد بن الفضل بن محمّد بن كثير: ١٩٧ (على ما في إحقاق الحقّ: ١١: ٥٣٨)، وانظر: نظم درر السمطين للزرندي: ٢٢٠، وسير أعلام النبلاء: ٣: ٢١١، وينابيع المودّة: ٣٢٢، وإسعاف الراغبين: ١٩١، وجواهر المطالب: ٢: ٢٨٩، وبشارة المصطفى للطبري: ٤٢٦ رقم ٣.

٥٤

نَهب المخيَّم الحسيني:

لم يكتفِ جلاوزة بني أُميّة، أعداء الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعد قتل الإمامعليه‌السلام بسلْبه ورضِّ جسده الطاهر بحوافر الخيل، بل جاوزوا المدى، فعدوا على المخيّم؛ لنهب ما فيه، ولهتك ستْر حُرَم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بسلْب ما عليهن من حُليّ وحجاب بصورة فجيعة يَندى لها جبين كلّ أبيّ غيور! وما أحسن ما قال اليافعي: (لما قُتل السادة الأخيار، مال الفجرة الأشرار إلى خيام الحريم المصونة وهتكوا الأستار!)(١) .

وقال الدينوري: (ثمّ مال الناس على ذلك الوَرْس الذي كان أخذه من العِير، وإلى ما في المضارب فانتهبوه!)(٢) .

وروى الطبري، عن أبي مخنف قائلاً: (ومال الناس على نساء الحسين وثقله ومتاعه، فإن كانت المرأة لتُنازع ثوبها عن ظهرها حتى تُغلَب عليه فيُذهب به منها!)(٣) .

ويقول السيّد ابن طاووس (ره): (وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرّة عين الزهراء البتول، حتّى جعلوا ينتزعون ملحفة المرأة عن ظهرها، وخرجن بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحريمه يتساعدن على البكاء ويندبن لفِراق الحماة والأحبَّاء)(٤) .

وكان نهب المخيّم بأمرٍ مُباشر من عمر بن سعد! قال الإسفراييني: (قال (أي عمر بن سعد): دونكم الخيام انهبوها!

فدخلوا وجعلوا يسلبون ما على الحريم

____________________

(١) مرآة الجنان: ١: ١٣٥.

(٢) الأخبار الطوال: ٢٥٨.

(٣) تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٤، وانظر: الإرشاد: ٢: ١١٢، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٥.

(٤) اللهوف: ١٨٠.

٥٥

والأطفال من اللباس! ثمّ قطَّعوا الخيام بالسيوف، فخرجت أمّ كلثوم وقالت:

يا بن سعد، الله يحكم بيننا وبينك! ويحرمك شفاعة جدّنا! ولا يسقيك من حوضه كما فعلت بنا وأمرت بقتال سبط الرسول، ولم ترحم صبيانه، ولم تُشفِق على نسائه! فلم يلتفت إليها)(١) .

وكان المبادر لتنفيذ هذا العمل المخزي شمر بن ذي الجوشن! يقول حسام الدين في الحدائق الوردية: (وأقبل شمر بن ذي الجوشن إلى الخيام، وأمر بسلب كلّ ما مع النساء، فأخذوا كلّ ما في الخيمة، حتّى أخذوا قِرطاً في أذُن أمّ كلثوم وخرموا أذنها، وفرغ القوم من القسمة، وضربوا فيها النار!)(٢) .

وروى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن عبد الله بن الحسنعليهما‌السلام ، عن أمّه فاطمة(٣)،

____________________

(١) نور العين في مشهد الحسينعليه‌السلام : ٤٦.

(٢) الحدائق الوردية: ١٢٣، وانظر: مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام : ٤: ١١٢ وفيه: (وقصد شمر إلى الخيام، فنهبوا ما وجدوا حتّى قُطِعت أُذن أمّ كلثوم لحلقة!).

(٣) هي فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، القرشيّة الهاشميّة المدنية.

روت عن بلال المؤذِّن مُرسلاً، وعن أبيها الحسينعليه‌السلام ، وعن عبد الله بن عباس، وأخيها زين العابدينعليه‌السلام ، وعن أسماء بنت عميس، وعن عمّتها زينب العقيلةعليها‌السلام ، وعن عائشة، وعن جدّتها فاطمة الكبرى بنت رسول الله مُرسلاً.

وروى عنها: أبناؤها: إبراهيم بن الحسين المثنّى، وأخوه الحسن المثلّث، وأخوه عبد الله بن الحسن المثنّى، وغيرهم (راجع: تهذيب الكمال: ٢٥: ٢٥٤).

قال ابن سعد: أمّها أمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، وتزوّجها ابن عمّها حسن بن حسن، فولدت له عبد الله وإبراهيم وحسناً وزينب (الطبقات: ٧: ٤٧٣، وانظر: مقاتل الطالبين: ١٧١).

وهي التي قال فيها الحسينعليه‌السلام لابن أخيه الحسن المثنّى: إنّي اخترت لك ابنتي فاطمة، فهي أكثرهما شبهاً بأمّي فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . (راجع: مُستدركات علم رجال الحديث: =

٥٦

بنت الحسينعليهما‌السلام قالت:(دخلت الغاغة علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة، وفي رجْليّ خلخالان من ذهب، فجعل رجلٌ يفضّ الخلخالين من رجْلي وهو يبكي! فقلت: ما يُبكيك يا عدوّ الله؟! فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله!

فقلت: لا تسلبني. قال: أخاف أن يجيء غيري فيأخذه!

____________________

= ٨: ٥٩٢).

روى العلاَّمة المجلسي في البحار ٢٦: ٢١٤، عن أبي المقدام قال: كنت أنا وأبي (المقدام) حاجَّين، قال: فماتت أمُّ أبي المقدام في طريق المدينة، قال: فجئت أُريد الإذن على أبي جعفرعليه‌السلام فإذا بغلته مسرجة، وخرج ليركب، فلما رآني قال:(كيف أنت يا أبا المقدام؟) . قال: قلت: بخير جُعلت فداك. ثم قال:(يا فلانة استأذني على عمّتي) . قال: ثمّ قال:(لا تعجل حتى آتيك) . قال: فدخلت على عمّته فاطمة بنت الحسين، وطرحتْ لي وسادة فجلست عليها، ثمّ قالت: كيف أنت يا أبا المقدام؟ قلت: بخير جعلني الله فداكِ، يا بنت رسول الله.

قال: قلت: يا بنت رسول الله، شيء من آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . قال: فدعت وُلْدها فجاؤوا خمسة، فقالت: يا أبا المقدام، هؤلاء لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودمه. وأرتني جفنة فيها وضرُ عجين، وضبّابته حديد، فقالت: هذه الجفنة التي أُهديت إلى رسول الله ملاء لحم وثريد! قال: فأخذتها وتمسّحت بها!

وقال العلاّمة المجلسي: وكون الجفنة عندها يُنافي سائر الأخبار، إلاّ أن يكون الإمامعليه‌السلام أودعها عندها مع أنّها حينئذ كانت في بيتهعليه‌السلام كما هو ظاهر الخبر.

وقال النمازي: وهي أكبر من سكينة. وبالجملة، لا نظير لها في التقوى والكمال والفضائل والجمال؛ ولذا تُسمّى الحور العين!

توفِّيت في المدينة سنة ١١٧ هـ. (راجع مُستدركات علم رجال الحديث ٨: ٥٩٢).

وكانت فيمَن قدم دمشق بعد قتل أبيها، ثمّ خرجت إلى المدينة. (تهذيب الكمال: ٣٥: ٢٥٥) وروى لها أبو داود، والترمذي، والنسائي في مُسند عليّ، وابن ماجة.

٥٧

قالت: وانتهبوا ما في الأبنية حتّى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا!) (١) .

وقال ابن نما (ره): (ثمّ اشتغلوا بنهب عيال الحسين ونسائه، حتّى تُسلب المرأة مقنعتها من رأسها، أو خاتمها من أصبعها، أو قُرطها من أُذنها، وحِجلها من رجْلها، وجاء رجل من سنبس(٢) إلى ابنة الحسينعليه‌السلام وانتزع ملحفتها من رأسها، وبقين عرايا تراوحهنّ رياح النوائب وتعبث بهنّ أكفّ المصائب، قد غشيهنّ القدَر النازل، وساورهنّ الخطْب الهائل ...)(٣) .

____________________

(١) أمالي الشيخ الصدوق: ١٣٩ - ١٤٠ المجلس ٣١، حديث رقم ٢ / وفي بعض النُسَخ (دخلت الغنمة علينا ...) وفي أُخرى (العامة)، والغاغة مأخوذة من الغوغاء، وأصل الغوغاء الجُراد حين يخفّ للطيران، ثمّ استُعير للسَّفلة من الناس والمتسرِّعين إلى الشرّ. (راجع: لسان العرب: ١٠: ١٤٦)، ورواه ابن سعد في طبقاته أيضاً، راجع: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد: ٧٨، وانظر: سيَر أعلام النبلاء: ٣: ٣٠٣.

(٢) سنبس: اسم قبيلة هذا الرجل، فهو سنبسي.

(٣) مُثير الأحزان: ٧٦ / وينقل العلاّمة المجلسي (ره) قائلاً: (رأيت في بعض الكتب أنّ فاطمة الصغرى قالت: كنت واقفة بباب الخيمة، وأنا أنظر إلى أبي وأصحابه مُجزّرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول، وأنا أُفكّر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أُميّة: أيقتلوننا أو يأسروننا؟ فإذا برجل على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه، وهنّ يلُذن بعضهنّ ببعض، وقد أخذ ما عليهنّ من أخمرة وأسورة، وهنّ يصحنَ: وا جدّاه، وا أبتاه، وا عليّاه، وا قلّة ناصراه، وا حسناه! أما من مُجير يُجيرنا؟ أما من ذائد يذود عنّا؟ قالت: فطار فؤادي وارتعدت فرائصي، فجعلت أُجيل بطرفي يميناً وشمالاً على عمّتي أمّ كلثوم؛ خشية منه أن يأتيني، فبينا أنا على هذه الحالة، وإذا به قد قصدني ففررت منهزمة، وأنا أظنّ أنِّي أسلم منه، وإذا به قد تبعني فذُهلت خشية منه، وإذا بكعب الرمح بين كتفيّ فسقطت على وجهي، فخرم أُذني وأخذ قُرطي ومقنعتي، وترك الدماء تسيل على خدّي، ورأسي تصهره الشمس، وولىّ راجعاً إلى الخيم، وأنا مغشيّ عليّ، وإذا أنا بعمّتي عندي تبكي وهي تقول: قومي نمضي! ما أعلم ما جرى على البنات وأخيك العليل؟ =

٥٨

روى ابن شهر آشوب، عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه قال:

(إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يُحرِّمون القتال فيه، فاستُحلّت فيه دماؤنا! وهُتك فيه حُرمتنا! وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا! وأُضرمت النيران في مضاربنا! وانتُهب ما فيها من ثقلنا!) (١) .

____________________

= فقمت وقلت: يا عمّتاه، هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النُّظّار؟ فقالت: يا بنتاه، وعمّتك مثلك! فرأيت رأسها مكشوفاً وقد اسودّ من الضرب، فما رجعنا إلى الخيمة إلاّ وهي قد نُهبت وما فيها، وأخي عليّ بن الحسين مكبوب على وجهه لا يُطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والأسقام، فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا) (البحار: ٤٥: ٦٠ - ٦١).

ويقول الإسفراييني في كتابه - نور العين في مشهد الحسينعليه‌السلام ص٤٥ -: (قالت زينب أخت الحسين: كنّا ذلك الوقت جلوساً في الخيام، إذ دخل علينا رجال فيهم رجل أزرق العيون، فأخذ كلّ ما كان في خيمتنا التي كنّا مجتمعين فيها، ثمّ نظر إلى علي بن الحسين، وهو مطروح على قطعة من الأديم، فجذبها من تحته ورماه على الأرض، ثمّ أخذ قناعي من رأسي، ونظر إلى قِرط في أذُني، فعالجه وقرضه بأسنانه، فخرم أذُني ونزعه، وجعل الدم يسيل على ثيابي، وهو مع ذلك يبكي! ثمّ نظر إلى خلخال كان في رجلَيْ فاطمة الصغرى، فجعل يُعالجها حتّى كسرهما وخرج الخلخال منهما، فقالت له: أتسلبنا وأنت تبكي؟! فقال: أبكي لِما حلّ بكم أهل البيت!!

قالت زينب: فخنقتني العَبرة من وجع أذُني وبكاء فاطمة، فقلت له: قطع الله يديك ورجليك، وأذاقك الله النار في الدنيا قبل الآخرة!

فقال: والله، لا جاوزت دعوتها ثمّ قطع يديه ورجليه وأحرقه بالنار وذهب).

(١) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام : ٢: ٢٠٦، وانظر: مُسند الإمام الشهيد: ٢: ١٩٦.

٥٩

محاولة قتل الإمام زين العابدينعليه‌السلام !

لا شكّ في أنّ الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام كان حاضراً في كربلاء مع أبيهعليه‌السلام ، وكان مريضاً، وهذا ممّا تسالم عليه التاريخ، وكان شمر بن ذي الجوشن قد سعى بعد قتل الإمام الحسينعليه‌السلام إلى قتل البقيّة الباقية، من ذريّة الحسينعليه‌السلام مُتمثّلة بابنه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وكان ذلك بأمر صادر عن ابن زياد لعنه الله، كما صرّح شمر نفسه بهذا(١) .

قال الشيخ المفيد (ره) في كتابه الإرشاد: (قال حميد بن مسلم: فوالله، لقد كنت أرى المرأة من نسائه وبناته وأهله، تُنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تُغلب عليه فيُذْهَب به منها، ثمّ انتهينا إلى عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض، ومع شمر جماعة من الرجّالة، فقالوا له: ألا نقتل هذا العليل؟

فقلت: سبحان الله! أيُقتل الصبيان؟! إنّما هو صبيّ وإنّه لما به! فلم أزل حتّى رددتهم عنه.

وجاء عمر بن سعد، فصاح النساء في وجهه وبكين، فقال لأصحابه: لا يدخل أحدٌ منكم بيوت هؤلاء النسوة، ولا تعرّضوا لهذا الغلام المريض.

وسألته ليسترجع ما أُخذ منهنّ ليتستّرنّ به، فقال: مَن أخذ من متاعهنّ شيئاً فليردّه عليهن!

فوالله، ما رَدّ أحدٌ منهم شيئاً، فوكَّل بالفسطاط وبيوت النساء، وعليّ بن الحسين، جماعة ممّن كانوا معه وقال: احفظوهم؛ لئلاّ يخرج منهم أحد، ولا تُسيئُنّ إليهم!)(٢) .

____________________

(١) كان الشمر قد أجاب مَن طلب إليه ألاّ يقتل الإمام السجّادعليه‌السلام قائلاً: (قد صدر أمر الأمير عبيد الله، أن أقتل جميع أولاد الحسينعليه‌السلام ) (راجع: معالي السبطين: ٢: ٨٧).

(٢) الإرشاد: ٢: ١١٢ - ١١٣، وانظر: تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٥.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

عليه وآله فأمرها أن تغتسل لكلّ صلاة(١) ، وهو محمول على الكثرة ، وتحمل الصلاة على الواحدة وما ماثلها كالظهرين والعشاء‌ين.

وقالت عائشة : تغتسل كلّ يوم غسلاً ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وروي عن ابن عمر(٢) ، فإن سعيد بن المسيب روى أنها تغتسل من ظهر إلى ظهر(٣) قال مالك : إني أحسب أن حديث ابن المسيب إنّما هو من طهر إلى طهر ولكن الوهم دخل فيه ، يعني أنّه بالطاء غير المعجمة فابدلت بالظاء المعجمة(٤) .

وقال بعضهم : تجمع بين كلّ صلاة جمع بغسل وتغتسل للصبح لحديث حمنة(٥) ، وسيأتي ، وبه قال عطاء ، والنخعي(٦) وهو مذهبنا في القسم الثالث ، وهو الدم الكثير ، وسيأتي.

مسألة ٩١ : وإن كثر الدم حتى غمس القطنة ولم يسل وجب عليها الغُسل لصلاة الغداة خاصة ، والوضوء لكلّ صلاة ، وتغيير القطنة والخرقة عند كلّ صلاة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(٧) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يجز

__________________

١ ـ صحيح البخاري ١ : ٨٩ ـ ٩٠ صحيح مسلم ١ : ٢٦٣ / ٣٣٤ ، سنن الترمذي ١ : ٢٢٩ / ١٢٩ ، سنن النسائي ١ : ١٨١ ـ ١٨٢ ، سنن أبي داود ١ : ٧٧ / ٢٨٩ ـ ٢٩١ ، سنن الدارمي ١ : ١٩٦ و ٢٢١ ، سنن البيهقي ١ : ٣٢٧.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٣٦ ، المغني ١ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩٩ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٧٧ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٩٠.

٣ ـ سنن ابي داود ١ : ٨١ / ٣٠١ ، المجموع ٢ : ٥٣٦ ، المغني ١ : ٤٠٨ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٧٧ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٩٠.

٤ ـ سنن أبي داود ١ : ٨١ ، ذيل الحديث ٣٠١ ، المغني ١ : ٤٠٨.

٥ ـ سنن الترمذي ١ : ٢٢١ / ١٢٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٥ / ٦٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٨١ ، سنن الدارقطني ١ : ٢١٤ / ٤٨ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٢ و ١٧٤ ، سنن البيهقي ١ : ٣٣٨.

٦ ـ المغني ١ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٠.

٧ ـ منهم المفيد في المقنعة : ٧ ، والسيد المرتضى في الناصريات : ٢٢٤ مسألة ٤٥ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٦٧.

٢٨١

الكرسف فعليها الغُسل كلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة »(١) .

وقال ابن أبي عقيل منّا : عليها ثلاثة أغسال(٢) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « المستحاضة إذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلاً ، وتغتسل للفجر وتحتشي وتستثفر ولا تحني ، وتضم فخذيها في المسجد »(٣) وهو محمول على السيلان.

مسألة ٩٢ : وإن سال الدم فعليها ثلاثة أغسال ، غسل للظهر والعصر تجمع بينهما ، وتؤخر الظهر وتقدم العصر ، وغسل للمغرب والعشاء كذلك ، وغسل لصلاة الغداة ، وإن كانت متنفلة اغتسلت غسل الغداة لها ولصلاة الليل ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال عطاء ، والنخعي(٤) ـ لما تقدم في حديث الصادقعليه‌السلام (٥) ، ورواه الجمهور في حديث حمنة(٦) ، وسيأتي.

واكثر الجمهور ـ كالشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ـ قالوا : على المستحاضة الوضوء لكلّ صلاة ، ولا يجب الغُسل وإن كثر دمها(٧) ، لقولهعليه‌السلام لفاطمة بنت أبي حبيش : ( إنّما ذلك عرق وليست بالحيضة ،

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٨٩ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٠ / ٤٨٥.

٢ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٦٥.

٣ ـ الكافي ٣ : ٨٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧.

٤ ـ المغني ١ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

٥ ـ الكافي ٣ : ٨٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧.

٦ ـ سنن الترمذي ١ : ٢٢٢ و ٢٢٥ / ١٢٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٥ / ٦٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، أبي داود ١ : ٧٦ ـ ٧٧ / ٢٨٧ ، سنن الدارقطني ١ : ٢١٤ / ٤٨ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٢ و ١٧٤.

٧ ـ المجموع ٢ : ٥٤١ ، فتح العزيز ٢ : ٤٣٥ ، المغني ١ : ٤٠٨ ، مسائل أحمد : ٢٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧ ، اللباب ١ : ٤٦ ، بداية المجتهد ١ : ٦٠ ، المحلى ١ : ٢٥٢.

٢٨٢

فإذا أقبلت فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ، وتوضئي لكلّ صلاة )(١) ، وهو محمول على القسم الاول.

وقال عكرمة ، وربيعة ، ومالك : إنّما عليها الغُسل عند انقضاء حيضها ، وليس عليها للاستحاضة وضوء(٢) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش : ( فاغتسلي وصلي )(٣) ولم يذكر الوضوء لكلّ صلاة ، وهو حوالة على العموم.

فروع :

أ ـ يجب على هذه تغيير القطنة والخرقة عند كلّ صلاة ، لإمكان الاحتراز عن النجاسة بذلك فيجب.

ب ـ قال المفيد : تصلّي هذه بوضوئها وغسلها الظهر والعصر معاً على الاجتماع ، وتفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء ، وكذا في صلاة الليل والغداة(٤) .

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٤ / ٦٢٤ ، سنن أبي داود ١ : ٨٠ / ٢٩٨ ، سنن الدارقطني ١ : ٢١٢ / ٣٥ ـ ٣٨ ، سنن البيهقي ١ : ٣٤٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٥ ، صحيح البخاري ١ : ٨٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٦٢ / ٣٣٣ ، مسند أحمد ٦ : ٨٣ ، الموطأ ١ : ٦١ / ١٠٤ ، سنن النسائي ١ : ١٢٢ و ١٨٥ و ١٨٦ ، سنن الترمذي ١ : ٢١٧ / ١٢٥.

٢ ـ بداية المجتهد ١ : ٦٠ ، المجموع ٢ : ٥٣٥ ، المغني ١ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٨٩ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٩٠ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٧٧.

٣ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٦٢ / ٣٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٣ / ٦٢١ ، سنن النسائي ١ : ١٢٢ و١٨٥ ـ ١٨٦ ، سنن أبي داود ١ : ٧٤ / ٢٨٢ ، الموطأ ١ : ٦١ / ١٠٤ سنن البيهقي ١ : ٣٤٣ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٠٦ / ١ و ٢ ، وفيها : فاغسلي عنك الدم وصلي.

٤ ـ المقنعة : ٧.

٢٨٣

واقتصر الشيخ على الاغتسال ، وكذا المرتضى ، وابنا بابويه(١) .

وابن إدريس أوجب الوضوء لكلّ صلاة(٢) وهو حسن ، وعبارة علمائنا لا تنافي ذلك ، وقول بعضهم : إنّ الباقرعليه‌السلام قال : « فلتغتسل ولتستوثق من نفسها ، وتُصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت »(٣) والتفصيل قاطع للشركة(٤) ، لا حجة فيه ، إذ قطع الشركة يحصل بإيجاب الغُسل وعدمه.

ج ـ قال بعض علمائنا : إذا اجتمع الوضوء والغسل توضأت للاستباحة واغتسلت لرفع الحدث ، تقدم الوضوء أو تأخر ، إذ الحدث باق مع التقدم ، ومع التأخر يرتفع الحدث بالغسل(٥) . والحق تساويهما في النيّة لاشتراكهما في علية رفع الحدث.

مسألة ٩٣ : يجب على المستحاضة الاستظهار في منع الدم والتوقي منه لأنّه حدث دائم كالسلس ، لا يمنع الصوم والصلاة فتغسل فرجها قبل الوضوء أو التيمم إنّ كانت تتيمم ، وتحشوه بخرقة ، أو قطنة ، فإن كان الدم قليلاً يندفع به فلا بحث ، وإلّا تلجمت مع ذلك بأن تشد على وسطها خرقة كالتكة وتأخذ خرقة اُخرى مشقوقة الرأسين تجعل إحداهما قدامها والاُخرى وراء‌ها وتشدهما بتلك الخرقة.

وهو واجب إلّا مع التضرر بالشد ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحمنة بنت جحش : ( أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم ) قالت : هو أكثر

__________________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٧ ، الناصريات : ٢٢٤ مسألة ٤٥ ، الفقيه ١ : ٥٠.

٢ ـ السرائر : ٣٠.

٣ ـ التهذيب ١ : ١٦٩ / ٤٨٣.

٤ و ٥ ـ القائل هو المحقق في المعتبر : ٦٦.

٢٨٤

من ذلك ، قال : ( فتلجمي ) قالت : هو أكثر من ذلك ، قال : ( فاتخذي ثوباً )(١) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « تحتشي وتستثفر »(٢) ، والاستثفار والتلجم واحد. وإذا فعلت ذلك في صلاة وجب عليها فعله في الاُخرى ، وللشافعي وجهان(٣) .

تذنيب : صاحب السلس ومن به البطن يجب عليهما الاستظهار في منع النجاسة بقدر الإمكان ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا كان الرجل يقطر منه الدم والبول إذا كان في الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطناً ثم علقه عليه ، وأدخل ذكره فيه ، ثم صلّى ، يجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان واقامتين ، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء ، بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح »(٤) .

وقال بعض المتأخرين منّا : لا يجب على من به السلس أو الجرح الذي لا يرقأ أن يغير الشداد عند كلّ صلاة ، وإن وجب ذلك في المستحاضة لاختصاص المستحاضة بالنقل ، والتعدي قياس(٥) . وليس بجيد ، إذ الاحتراز من النجاسة واجب.

مسألة ٩٤ : لا تجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء واحد عند علمائنا ، سواء كانا فرضين أو نفلين ، لقولهعليه‌السلام لحمنة : ( توضئي

__________________

١ ـ سنن الترمذي ١ : ٢٢١ / ١٢٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٥ / ٦٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٨١ ، سنن الدارقطني ١ : ٢١٤ / ٤٨ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٢ و ١٧٤ ، سنن البيهقي ١ : ٣٣٨.

٢ ـ الكافي ٣ : ٨٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٣٤.

٤ ـ الفقيه ١ : ٣٨ / ١٤٦ ، التهذيب ١ : ٣٤٨ / ١٠٢١.

٥ ـ هو المحقق في المعتبر : ٦٧.

٢٨٥

لكل صلاة )(١) ، ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « وصلّت كلّ صلاة بوضوء »(٢) ولأن الدم ناقض وهو متجدد فتنتقض الطهارة به ، وسقط اعتباره بالنسبة إلى الصلاة الواحدة دفعا للمشقة ، وخلاصا عن تكليف ما لا يطاق.

وقال الشافعي : تتوضأ لكلّ صلاة فريضة ، ولا تجمع بين فريضتين بطهارة واحدة ، وتُصلّي مع الفريضة النوافل(٣) ، لقولهعليه‌السلام في المستحاضة : ( تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتُصلّي ، وتتوضأ عند كلّ صلاة )(٤) وهو حجة لنا.

وقال أبو حنيفة ، وأحمد : تجمع بين فريضتين في وقت واحد(٥) ، وتبطل طهارتها بخروج وقت الصلاة ، لأنّهعليه‌السلام قال لفاطمة بنت أبي حبيش : ( توضئي لوقت كلّ صلاة )(٦) ولا حجة فيه ، إذ وقت كلّ صلاة ما يفعل فيه.

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٤ / ٦٢٤ ، سنن أبي داود ١ : ٨٠ / ٢٩٨ ، سنن الدارقطني١ : ٢١٢ / ٣٥ ، سنن البيهقي ١ : ٣٤٥ ، والحديث في المصادر عن فاطمة بنت أبي حبيش.

٢ ـ الكافي ٣ : ٨٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٣٥ و ٥٤١ ، فتح العزيز ٢ : ٤٣٥ ، مغني المحتاج ١ : ١١٢ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩٢.

٤ ـ سنن أبي داود ١ : ٨٠ / ٢٩٧.

٥ ـ شرح فتح القدير ١ : ١٥٩ ، شرح العناية ١ : ١٥٩ ، اللباب ١ : ٤٦ ، المغني ١ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩٢ ، المجموع ٢ : ٥٣٥.

٦ ـ اُنظر سنن البيهقي ١ : ٣٤٤ ، سنن الترمذي ١ : ٢١٨ / ١٢٥.

٢٨٦

وقال ربيعة ، ومالك ، وداود : لا وضوء على المستحاضة(١) ، لأنّهعليه‌السلام قال لاُم حبيبة بنت جحش : ( إنّ هذه ليست بالحيضة ، ولكن هذا عرق ، فاغتسلي وصلي )(٢) ولم يأمرها بالوضوء. ويعارضه ما تقدم ، والإهمال للعلم بالحكم.

وقال الأوزاعي ، والليث : تجمع بطهارتها بين الظهر والعصر لأنّ لها أن تجمع بين نوافل ، فجاز أن تجمع بين فرائض كغير المستحاضة(٣) . والحكم في الأصل ممنوع.

فروع :

أ ـ صاحب السلس والمبطون يتوضآن لكلّ صلاة ، ولا يجمعان بين صلاتين بوضوء واحد ، لوجود الحدث.

ب ـ المبطون إذا تمكن من تحفّظ نفسه في وقت الصلاة وجب إيقاعها فيه ، وإن لم يتمكن توضأ وصلّى ، فإن فجأه الحدث ، قيل : يتطهر ويبني(٤) ، والأقوى عدم الالتفات كالسلس.

ج ـ قال الشيخ في المبسوط : ولو توضأت بعد وقت الصلاة غير

__________________

١ ـ بداية المجتهد ١ : ٦٠ ، المجموع ٢ : ٥٣٥ ، شرح النووي لصحيح مسلم ١ : ٣٨٨ ، عمدةالقارئ ٣ : ٢٧٧ ، سبل السلام ١ : ١٠٠ ، المحلى ١ : ٢٥٣ ، المغني ١ : ٣٨٩.

٢ ـ صحيح البخاري ١ : ٨٩ ـ ٩٠ ، صحيح مسلم ١ : ٢٦٣ / ٣٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٥ / ٦٢٦ ، سنن ابي داود ١ : ٧٣ / ٢٨١ و ٧٧ / ٢٨٨ ، سنن البيهقي ١ : ٣٤٨ و ٣٤٩ و ٣٥٠ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٣ ، مسند أحمد ٦ : ٨٣ ، سنن النسائي ١ : ١٢١ و ١٨١ و ١٨٢ ، سنن الترمذي ١ : ٢٢٩ / ١٢٩.

٣ ـ مصنف ابن أبي شيء بة ١ : ١٢٧ ـ ١٢٨.

٤ ـ القائل هو المحقق في المعتبر : ٤٣.

٢٨٧

متشاغلة بها ثم صلّت لم تصح ، لأنّ المأخوذ عليها أن تتوضأ عند كلّ صلاة(١) ، وهو يعطي المقارنة.

وقال أصحاب الشافعي : إنّ أخرت لشغلها بأسباب الصلاة كالسترة والخروج إلى المسجد ، وانتظار الصلاة جاز ، وإن كان لغير ذلك فوجهان : المنع لأنّه لا حاجة بها إلى ذلك ، والجواز لأنّه قد جوّز لها تأخير الصلاة إلى آخر الوقت ، فهذا تأخير مأذون فيه(٢) .

د ـ قال الشيخ في المبسوط : إذا توضأت للفرض جاز أن تصلّي معه ماشاء‌ت من النوافل(٣) ، وبه قال الشافعي(٤) ، وفيه نظر ، فإن الدم حدث ، فيستباح بالوضوء معه ما لا بدّ منه ، وهو الصلاة الواحدة ، ولقول الصادق : « توضأت وصلّت كلّ صلاة بوضوء »(٥) .

هـ ـ لو توضأت قبل دخول الوقت لم يصح ، وبه قال الشافعي(٦) إذ لاضرورة إليه.

ولو توضأت لفريضة فأخرت الصلاة إلى أن خرج الوقت ، قال بعض الشافعية : لا يصح أن تصلّي بذلك الوضوء ـ وهو مذهبنا ـ وجوز بعضهم ، لأنّ الطهارة عند الشافعي لا تبطل بخروج الوقت(٧) .

و ـ لو توضأت ودخلت في الصلاة وخرج الدم قبل دخولها أو بعده ،

__________________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٣٧ ، فتح العزيز ٢ : ٤٣٥ ، السراج الوهاج : ٣١ ، شرح النووي لصحيح مسلم ١ : ٣٨٩.

٣ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٤ ـ المجموع ٢ : ٥٣٥ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩.

٥ ـ الكافي ٣ : ٨٨ ـ ٨٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ ـ ١٠٧ / ٢٧٧.

٦ ـ المجموع ٢ : ٥٣٧ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٨٩.

٧ ـ المجموع ٢ : ٥٣٧ ـ ٥٣٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٣

٢٨٨

فإن كان لرخاوة الشدّ وجب إعادة الشدّ والطهارة ، وإن كان لغلبة الدم وقوته لم تجب إعادة الصلاة ، لعدم الاحتراز من ذلك ، وبه قال الشافعي(١) .

ز ـ لو توضأت والدم بحاله ، ثم انقطع قبل الدخول في الصلاة ، قال الشيخ : تستأنف الوضوء(٢) ـ وبه قال الشافعي(٣) ـ ، لأنّ دمها حدث ، وقد زال العذر فظهر حكم الحدث ، فإن صلّت والحال هذه أعادت ، لعدم الطهارة ، سواء عاد قبل الفراغ أو بعده.

ولو انقطع في أثناء الصلاة ، قال في المبسوط والخلاف : لا يجب الاستئناف ، لأنّها دخلت دخولا مشروعا(٤) ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : الاستئناف بعد الطهارة وغسل ما بها من الدم لأنّ عليها نجاسة ، وقد تجدد منها حدث لم تأت عنه بطهارة ، فوجب عليها استئناف الطهارة(٥) ، وهو الاصح عندهم.

ح ـ إذا كان دم الاستحاضة يجري تارة ويمسك أخرى ، فإن كان زمن الإمساك يتسع للطهارة والصلاة وجب إيقاعهما فيه ، وانتظرته ما لم يخرج الوقت ، وإن ضاق جاز لها أن تتوضأ وتُصلّي حال جريانه ، فإن توضأت في حال جريانه ثم انقطع ثم دخلت في الصلاة جاز ، فإن اتصل انقطاعه بطلت صلاتها ـ وهو قول الشافعية(٦) ـ لأنّا بيّنا أن هذا الانقطاع قد أبطل طهارتها قبل الشروع في الصلاة ، ولهم وجه آخر.

ولو كان دمها متصلاً فتوضأت فقبل أن تدخل في الصلاة انقطع ،

__________________

١ ـ فتح العزيز ٢ : ٤٣٧.

٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٤٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤٣٩.

٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨ ، الخلاف ١ : ٢٥٢ ، مسألة ٢٢٢.

٥ ـ المجموع ٢ : ٥٣٩.

٦ ـ المجموع ٢ : ٥٤٠ ، فتح العزيز ١ : ٤٤١.

٢٨٩

فدخلت في الصلاة ولم تعد الطهارة ، ثم عاودها الدم في الصلاة قبل أن يمضي زمان يتسع للطهارة والصلاة ، فالوجه عندي عدم البطلان ، والشيخ أبطلهما(١) ـ وهو قول الشافعية(٢) ـ ، لأنّ ذلك الانقطاع أوجب عليها الطهارة ، فلم تفعل وإن كان لو علمت بعوده لم تلزمها الإعادة ، فقد لزمها بظاهره إعادةالطهارة فإذا لم تفعل وصلّت لم تصح صلاتها.

ط ـ قال أبو حنيفة : المستحاضة ، ومن به السلس ، والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ يتوضؤون لوقت كلّ صلاة ، فيصلون به ما شاء‌وا من الفرائض والنوافل ، فإن خرج الوقت بطل وضوؤهم ، وكان عليهم استئناف الوضوء لصلاة اُخرى عند أبي حنيفة ، ومحمد(٣) .

وقال زفر : ينتقض بدخول الوقت لا غير(٤) ، وقال أبو يوسف : ينتقض بأيهما كان(٥) .

وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا توضأت بعد طلوع الشمس ثم دخل وقت الظهر ، فإن الوضوء لا يبطل عند أبي حنيفة ، ومحمد ، ويبطل عند زفر وأبي يوسف.

ولو توضأت قبل طلوع الشمس ثم طلعت فإنها تنتقض ، وقياس قول زفر ، أنها لا تنتقض ، وعندنا أن الطهارة تتعدد بتعدد الصلاة.

مسألة ٩٥ : إذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها من الاغسال ، والوضوء

__________________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٤٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤٤١.

٣ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧ ، شرح فتح القدير ١ : ١٥٩ ، شرح العناية ١ : ١٥٩ ، المجموع ٢ : ٥٣٥ ، فتح العزيز ٢ : ٤٣٧ ، فتح الباري ١ : ٣٢٥ ، الباب ١ : ٤٦ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٨٨ ، نيل الأوطار ١ : ٣٤٧ ، المحلى ١ : ٢٥٣.

٤ ـ شرح فتح القدير ١ : ١٦٠ ، شرح العناية ١ : ١٦٠.

٥ ـ شرح فتح القدير ١ : ١٦١ ، شرح العناية ١ : ١٦١.

٢٩٠

والتغيير للقطنة ، أو الخرقة صارت بحكم الطاهر ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ويجوز لها استباحة كلّ شيء يستبيحه الطُهر كالصلاة ، والطواف ودخول المساجد وحل الوطء.

ولو لم تفعل كان حدثها باقيا ولم يجز أن تستبيح شيئاً مما يشترط فيه الطهارة.

أما الصلاة فظاهر ، وأما الصوم فإن أخلت بالاغسال مع وجوبها بطل ، ووجب عليها الإعادة ، ولا كفارة إلّا مع فعل المفطر ، ولو لم يجب الاغسال فأخلت بالوضوء لم يبطل صومها ، لعدم اشتراطه بالوضوء.

وأما الوطء فالظاهر من عبارة علمائنا اشتراط الطهارة في إباحته قالوا : يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.

وقال المفيد : لا يجوز لزوجها وطؤها إلّا بعد فعل ما ذكرناه من نزع الخرق ، وغسل الفرج بالماء(١) . والأقرب الكراهة ، لقوله تعالى :( فإذا تطهّرن فأتوهن ) (٢) يريد من الحيض ، ولأن حمنة كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها(٣) ، وقال الصادقعليه‌السلام : « المستحاضة لا بأس أن يأتيها بعلها إلّا أيام قرئها »(٤) .

أما الجمهور فاختلفوا ، فقال الشافعي : يجوز وطئ المستحاضة ، ولم يشترط غسلاً ولا وضوء‌اً ، وبه قال أكثر أهل العلم(٥) لحديث حمنة(٦) .

__________________

١ ـ المقنعة : ٧.

٢ ـ البقرة : ٢٢٢.

٣ ـ سنن ابي داود ١ : ٨٣ / ٣١٠ ، سنن البيهقي ١ : ٣٢٩.

٤ ـ الكافي ٣ : ٩٠ / ٥.

٥ ـ الاُم ١ : ٦٣ ، المجموع ٢ : ٣٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٦٣ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٨٦ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٦ واُنظر سنن البيهقي ١ : ٣٢٩.

٦ ـ سنن أبي داود ١ : ٨٣ / ١٣٠ ، سنن البيهقي ١ : ٣٢٩.

٢٩١

وقال الحكم ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي ، وأحمد بن حنبل : لا يحل وطؤها مطلقاًً إلّا أن يخاف على نفسه العَنَت ، لأنّه أذى فأشبه الحيض(١) ، وهو غلط فإنه لا يتعلق به شيء من أحكام الحيض ، بل يشبه دم البواسير.

فروع :

أ ـ لو كان الدم كثيراً فاغتسلت أول النهار وصامت ثم انقطع قبل الزوال لم يجب غسل آخر عند الزوال لا للصوم ، ولا للصلاة إن كان البرء ، ولو كان لا له وجب ، ولو كانت تعلم عوده ليلا ، أو قبل الفجر وجبت الاغسال الثلاثة.

ب ـ لو كان الدم قليلاً فأخلت بالوضوء أو فعلته وصامت ، ثم كثر في أثناء النهار فإن كان قبل الزوال وجب الغُسل عنده للصلاة والصوم ، فإن أخلت به احتمل بطلان الصوم ، إذ لم تفعل ما هو شرطه ، والصحة لانعقاده أولا فلا تؤثر فيه عدم الطهارة كالجنابة المتجددة ، وإن كان بعد أن صلّت لم يجب للصلاة اذ قد فعلتها ، وفي وجوبه للصوم نظر.

ج ـ لو أخلت ذات الدم الكثير بالغسل لصلاة العشاء‌ين بطلت الصلاة ، والوجه صحة الصوم لوقوعه قبل تجدد وجوب الغسل.

المطلب الثاني : في أقسام المستحاضات

مقدمة : قد بيّنا أن أكثر الحيض عشرة أيام ، فإن زاد الدم على ذلك فقد استحيضت المرأة وامتزج حيضها بطهرها ، ولعُسر التمييز بينهما وضع

__________________

١ ـ المغني ١ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠١ ، المجموع ٢ : ٣٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٦٣ ، تفسير القرطبي ٣ : ٨٦ ، المحلى ٢ : ٢١٨ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٦ ، شرح النووي لصحيح مسلم٢ : ٣٨٧.

٢٩٢

الشارع قوانين لذلك ، ومداره على سنن ثلاث وضعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن جماعة سألوا الصادقعليه‌السلام عن الحيض فقال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سن في الحيض ثلاث سنن بين فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها ، حتى أنّه لم يدع لاحد مقالا فيه بالرأي.

أما إحدى السنن : الحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ، ثم استحاضت فاستمر بها الدم وهي في ذلك تعرف أيامها ومبلغ عددها ، فإن امرأة يقال لها فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت فأتت أم سلمة فسألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ، فقال : تدع الصلاة قدر أقرائها وقدر حيضها ، وقال : إنّما هو عرق ، فأمرها أن تغتسل وتستثفر بثوب وتُصلّي ، قال الصادقعليه‌السلام : هذه سنة التي تعرف أيام أقرائها لم تختلط عليها.

ثم قال : وأما سنة التي كانت لها أيام متقدمة ، ثم اختلط عليها من طول الدم ، وزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر ، فإن سنّتها غير ذلك ، وذلك أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : إني استحيض فلا أطهر ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس ذلك بحيض ، إنّما هو عرق فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ، فكانت تغتسل في كلّ صلاة.

وقال الصادقعليه‌السلام : كان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين ، فلهذا احتاجت إلى أن تميز إقبال الدم من إدباره ، وتغير لونه من السواد إلى غيره.

ثم قال : وأما السنة الثالثة فهي التي ليس لها أيام متقدمة ، ولم تر الدم قط ، ورأت أول ما أدركت واستمر بها ، فإن سنة هذه غير سنة الاُولى والثانية ، وذلك انَّ امرأة تسمى حمنة بنت جحش أتت رسول الله صلّى الله

٢٩٣

عليه وآله فقالت : إني استحضت حيضة شديدة ، فقال : احتشي كرسفاً ، فقالت : إنّه أشد من ذلك إني أثجه ثجا ، فقال لها : تلجمي وتحيضي في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة ، ثم اغتسلي غسلاً ، وصومي ثلاثاً وعشرين أو أربعاً وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلاً وأخري الظهر وعجلي العصر ، واغتسلي غسلاً وأخري المغرب وعجلي العشاء ، واغتسلي غسلاً »(١) .

مسألة ٩٦ : إذا انقطع الدم لعشرة ـ وهو مما يمكن أن يكون حيضاً ـ فهو حيض إجماعاً ، فإن تجاوز فلا تخلو المرأة إمّا أن تكون مبتدأة أو ذات عادة ، فهنا بحثان :

الأول : المبتدأة ، فإن كان لها تمييز عملت عليه ، ويشترط فيه اختلاف لون الدم ، وأن ما هو بصفة دم الحيض لا يقصر عن ثلاثة ، ولا يزيد على عشرة ، وأن يتجاوز المجموع العشرة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد(٢) ـ لقولهعليه‌السلام : ( إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ، فاذا أدبرت فاغسلي عنك الدم )(٣) وفي رواية : ( فإذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر توضئي إنّما هو عرق )(٤) وقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ دم الحيض ليس به خفاء ، وهو دم حار محتدم له حرقة ، ودم الاستحاضة فاسد بارد »(٥) .

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٨٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣.

٢ ـ المجموع ٢ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ، فتح العزيز ٢ : ٤٤٨ ، بداية المجتهد ١ : ٥٤ و ٥٥ ، المغني ، ١ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩.

٣ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٦٢ / ٣٣٣ ، سنن الترمذي ١ : ٢١٧ / ١٢٥ ، سنن أبي داود ١ : ٧٤ / ٢٨٢ ، سنن النسائي ١ : ١٢٤ ، الموطأ ١ : ٦١ / ١٠٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٣ / ٦٢١ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٠٦ / ٢.

٤ ـ سنن النسائي ١ : ١٢٣ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ / ٣.

٥ ـ الكافي ٣ : ٩١ ـ ٩٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٥١ / ٤٣١.

٢٩٤

وقال أصحاب الرأي : لا اعتبار بالتمييز(١) ، واختلفوا ، فقال أبو حنيفة : حيضها عشرة أيام من كلّ شهر ، لأنّ الشرع أقام الشهر مقام حيضة وطهر ، فيجعل عشرة من ذلك حيضاً لوجود الدم في ميقاته(٢) .

وقال زفر : يؤخذ بالاقل لأنّه اليقين(٣) ، وقال أبو يوسف : تأخذ في حكم انقطاع الرجعة بالاقل ، وفي الحِلَّ للأزواج والصوم والصلاة بالأكثر احتياطاً(٤) .

فإن فقدت التمييز ، قال علماؤنا ترجع إلى عادة نسائها كالاخت والعمة وبنتيهما ، فإن فقدن أو اختلفن ، قال الشيخ في الخلاف : ترجع إلى الروايات(٥) . وقال المرتضى : تترك الصلاة ثلاثة أيام في كلّ شهر إلى عشرة(٦) .

و قال الصدوق : فأكثر جلوسها عشرة أيام(٧) .

وقال الشيخ : ترجع إلى أقرانها من بلدها ، فإن فقدن او اختلفن فإلى الروايات(٨) ، وبالرجوع إلى النساء قال عطاء ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد في رواية(٩) ، للتناسب القاضي بظن المساواة.

____________

١ ـ المغني ١ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ١ : ٢٢٣.

٢ ـ المبسوط للسرخسي ٣ : ١٥٣ ، شرح فتح القدير ١ : ١٥٨ ، المجموع ٢ : ٤٠٢ ، فتح العزيز ٢ : ٤٤٨ ، اللباب ١ : ٤٦.

٣ ـ المجموع ٢ : ٤٠٢.

٤ ـ المبسوط للسرخسي ٣ : ١٥٤ ، شرح فتح القدير ١ : ١٥٥ ، المجموع ٢ : ٤٠٢.

٥ ـ الخلاف ١ : ٢٣٤ ، مسألة : ٢٠٠.

٦ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٥٥.

٧ ـ الفقيه ١ : ٥١.

٨ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٤٦ ـ ٤٧.

٩ ـ المغني ١ : ٣٧٧ و ٣٧٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥٧.

٢٩٥

وسأله سماعة عن جارية حاضت أول حيضها ، فدام دمها ثلاثة أشهر قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كنَّ مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام ، وأقله ثلاثة أيام »(١) وقال الباقرعليه‌السلام : « المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ، ثم تستظهر على ذلك بيوم »(٢) .

وللشافعي قولان ، أحدهما : تُردّ إلى أقل الحيض يوم وليلة ، وتقضي صلاة أربعة عشر يوماً ، فإنها تترك الصلاة إلى أكثره ، وبه قال أحمد في إحدى الروايات ، وأبو ثور ، وزفر ، لأنّه المتيقن ، وما زاد عليه مشكوك فيه فلا نثبته بالشك(٣) .

والثاني : تُردّ إلى غالب عادة النساء ست أو سبع ، وبه قال عطاء والثوري والأوزاعي ، وإسحاق ، وأحمد في إحدى الروايات(٤) ، لأنّ حمنة بنت جحش قالت : كنت استحاض حيضة كثيرة شديدة ، فجئت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أستفتيه فوجدته في بيت اختي زينب ، فقلت : يا رسول الله إنّ لي إليك حاجة ، وإنه لحديث ما منه بد ، وإني لاستحي منه ، فقال : ( ما هو يا بنتاه؟ ) قالت : إني امرأة استحاض حيضة كبيرة شديدة ، فما ترى فيها؟ فقال : ( أثقب لك الكرسف؟ ) فقلت : هو أشد من ذلك ، فقال : ( تلجمي ) فقلت : هو أشد من ذلك. فذكرت الخبر إلى أن قال : ( إنّها ركضة من ركضات الشيطان ، تحيضي فيعلم الله ستاً أو سبعاً ثم اغتسلي ، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستيقنت فصلي أربعة وعشرين ليلة وأيامها ، أو ثلاثة وعشرين ليلة وأيامها ، وصومي

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٧٩ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ / ١١٨١ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ / ٤٧١.

٢ ـ التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ / ٤٧٢.

٣ ـ المغني ١ : ٣٨٠ ، الشرح الكبير ١ : ٣٦١ ، الاُم ١ : ٦١ ، المجموع ٢ : ٣٩٨ و ٤٠٢ ، فتح العزيز ٢ : ٤٥٨ ، الوجيز ١ : ٢٦ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٩١.

٤ ـ المغني ١ : ٣٨٠ ، الشرح الكبير ١ : ٣٦١ ، المجموع ٢ : ٣٩٨ و ٤٠٢ الاُم ١ : ٦١.

٢٩٦

فإنه يجزيك )(١) وظاهره أنها كانت مبتدأة لأنّه لم ينقل أنّه سألها عن حالها قبل ذلك ، ولو كانت معتادة لوجب ردها إلى عادتها.

وقال مالك : تقعد عادة لداتها(٢) ، وتستظهر بثلاثة أيام(٣) . وقال أبو حنيفة : تحيض أكثر الحيض(٤) . وعن مالك : تقعد خمسة عشر يوماً ـ وهو رواية عن أحمد ـ لأنّه لا يجوز لها ترك الصلاة إلى الأكثر ، فلا يلزمها القضاءبالشك(٥) ، وقال أبو يوسف : تأخذ في الصوم والصلاة بالاقل ، وفي وطئ الزوج بالأكثر(٦) .

فروع :

أ ـ لا يشترط في التمييز التكرار ، فلو رأت في شهر ثلاثة أسود ، وفي آخر خمسة ، وفي آخر سبعة ، كان ما تراه بصفة الحيض في كلّ شهر حيضا.

ب ـ لو رأت الأسود والأحمر وتجاوز ، فالأسود حيض والأحمر طهر ، ولو رأت الأحمر والأصفر ، فالأحمر حيض والأصفر طهر ، سواء كان ما شابه الحيض أول أو أوسط أو آخر ، وهو أحد قولي الشافعية ، والآخر : اعتبار

__________________

١ ـ سنن ابي داود ١ : ٧٦ / ٢٨٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٥ / ٦٢٧ ، سنن الترمذي ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٤/ ١٢٨ ، مسند أحمد ٦ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٢١٤ / ٤٨ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٢.

٢ ـ لداتها : أترابها ومفردها لدة كعدة ، تاج العروس : ١ : ٣٢٥ ، النهاية لابن الاثير ٤ : ٢٤٦ مادة « لدا ».

٣ ـ المدونة الكبرى ١ : ٤٩ ، حلية العلماء ١ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٢ : ٤٦١.

٤ ـ شرح فتح القدير ١ : ١٥٨ ، المجموع ٢ : ٤٠٢ ، المغني ١ : ٣٨٠ ، الشرح الكبير ١ : ٣٦١ ، حلية العلماء ١ : ٢٢١.

٥ ـ المغني ١ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥٧ و ٣٦٣ ، المدونة الكبرى ١ : ٤٩.

٦ ـ المبسوط للسرخسي ٣ : ١٥٤ ، شرح فتح القدير ١ : ١٥٨ ، المجموع ٢ : ٤٠٢.

٢٩٧

التقديم(١) .

ولو رأت ثلاثاً ثم انقطع يوم العاشر ، أو ما دونه ، كان الدمان وما بينهما من النقاء حيضاً كالجاري ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا رأته قبل عشرة فهو من الحيضة الاُولى ، وإذا رأته بعد عشرة فهو من الحيضة المستقبلة »(٢) .

ج ـ لو رأت ثلاثة أسود وثلاثة أحمر ، ثم اصفر ، وتجاوز ، فالحيض الأسود ، ولو رأت ثلاثة أصفر ، وتركت الصلاة والصوم إلى العاشر ، فإن رأت بعد ذلك أسود تركت الصلاة أيضاً ، حتى تأخذ في الأسود عشرا ، فإن انقطع فالأسود حيض وما تقدمه طهر ، فإن تجاوز فلا تمييز لها.

د ـ العادة قد تحصل من التمييز ، فلو مر بها شهران ورأت فيهما سواء ثم اختلف الدم في باقي الاشهر رجعت إلى عادتها في الشهرين ، ولا تنظر إلى اختلاف الدم ، لأنّ الأول صار عادة.

هـ ـ قال في المبسوط : لو رأت المبتدأة أولاً دم الاستحاضة خمساً ، ثم أطبق الأسود إلى بقية الشهر حكم بحيضها من بدأة الأسود إلى تمام عشرة والباقي استحاضة(٣) ، وهو مشكل ، فإن شرط التمييز عدم تجاوز العشرة ، والأقرب أنّه لا تمييز لها كما تقدم.

ثم قال : لو رأت ثلاثة عشر بصفة الاستحاضة ، والباقي بصفة الحيض ، واستمر فثلاثة من أوّله حيض ، وعشرة طهر ، وما رأته بعد ذلك من

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٤٠٧ ، فتح العزيز ٢ : ٤٥٣ ، الوجيز ١ : ٢٦ ، مغني المحتاج ١ : ١١٣ ، حلية العلماء ١ : ٢٢٣.

٢ ـ التهذيب ١ : ١٥٦ / ٤٤٨ ، الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٩.

٣ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٤٦.

٢٩٨

الحيضة الثانية(١) وفيه إشكال ، إذ لا تمييز هنا ، إلّا أن تقصد اعتبار الأقل ، لأنّه المتيقن.

قال : ولو رأت ثلاثة دم الحيض ، وثلاثة دم الاستحاضة ، ثم رأت بصفة الحيض تمام العشرة ، فالكل حيض ، وإن تجاوز الأسود إلى تمام ستة عشر كانت العشرة حيضاً ، والستة السابقة استحاضة تقضي صلاتها وصومها(٢) . والأقرب أنّه لا تمييز لها.

و ـ إذا لم يكن للمبتدأة تمييز ولا أقارب ولا أقران ، تحيضت في كلّ شهر بستة أو سبعة على المشهور ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لحمنة : تحيضي في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة »(٣) وقد تقدم خلاف الجمهور.

وفي قول لنا : تترك الصلاة والصوم في الأول أكثر أيام الحيض ، وفي الثاني أقلّه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ، ثم تصلّي عشرين يوماً ، وإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام ، وصلّت سبعة وعشرين يوماً »(٤) وهما متقاربتان.

ولنا قولان آخران ، أحدهما : أنها تترك الصلاة أقل أيام الحيض. والثاني : أكثره ، والأقرب الاول.

ز ـ هل المراد بقولهعليه‌السلام : ( ستة أيام أو سبعة )(٥) التخيير؟ أو العمل بما يؤدي اجتهادها إليه ويتغلب أنّه حيضها؟ قيل : بالأول عملا

__________________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٤٧.

٢ ـ المبسوط ١ : ٥٠.

٣ ـ الكافي ٣ : ٨٦ ـ ٨٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٣ / ١١٨٣.

٤ ـ التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٣٧ / ٤٦٩.

٥ ـ الكافي ٣ : ٨٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٣ / ١١٨٣.

٢٩٩

بمقتضى الظاهر(١) وقيل : بالثاني لامتناع التخيير بين الواجب وتركه(٢)

ح ـ للشافعية وجهان في الرجوع إلى النساء ، أحدهما : نساء زمانها في الدنيا كلها ، وأصحهما : اعتبار عادة نساء عشيرتها وقومها ، لأنّ الحيض يعود إلى الجبلة والطبع ، فتكون هي كعشيرتها ، فإن لم يكن لها عشيرة فنساء بلدها ، لأنّها إليهن أقرب(٣) وقد بيّنا مذهبنا.

ط ـ الايام التي تجلسها من لا تمييز لها ، الأقرب أنها من أول الدم ، لقول الصادقعليه‌السلام : « تترك الصلاة عشرة أيام ثم تصلّي عشرين يوماً »(٤) مع احتمال التخيير على ضعف.

ي ـ إذا رددناها إلى الأقل فالثلاثة حيض بيقين ، وما زاد على العشرة طُهر بيقين ، وما بينهما هل هو طُهر بيقين أو مشكوك فيه يستعمل فيه الاحتياط؟ للشافعي قولان : الأول قياسا على طهر المعتادة ، والثاني كطهر الناسية فحينئذ تحتاط فيتجنبها زوجها ، وتُصلّي وتصوم وتقضيه(٥) .

وإن رددناه إلى الست أو السبع ، فالاقل حيض بيقين ، والزائد على الأكثر طُهر بيقين ، وما زاد على الأقل إلى الست أو السبع هل هو حيض بيقين أو مشكوك فيه؟ للشافعي قولان : الأول قياسا على زمان عادة المعتادة ، والثاني تستعمل الاحتياط بأن تقضي صلاة تلك الايام لاحتمال أنها طهر ولم تصلّ ، وفيما زاد على الست والسبع إلى العشر قولان(٦) ، وكلا القولين في التقادير عندي محتمل.

يا ـ شرط الشافعي للتمييز أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوماً ، ولا

__________________

١ ـ القائل هو المحقق في المعتبر : ٥٦.

٢ ـ حكاه المحقق أيضاً في المعتبر : ٥٦.

٣ ـ المجموع ٢ : ٣٩٩ ، فتح العزيز ٢ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩.

٤ ـ التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٦٩.

٥ ـ المجموع ٢ : ٤٠٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤٦٥ ـ ٤٦٦ ، مغني المحتاج ١ : ١١٤.

٦ ـ المجموع ٢ : ٤٠٠ ، فتح العزيز : ٤٦٥ ـ ٤٦٦.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403