تذكرة الفقهاء الجزء ١

تذكرة الفقهاء14%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 246486 / تحميل: 9739
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ولحقتموه وهو غدا خارج طالب بثأره وحقه، وتراث آبائه، وإقامة دين الله، وما يمنعكم من نصرته ومؤازرته، إنّني خارج من وجهي هذا إلى الكوفة للقيام بأمر الله، والذب عن دينه والنصر لأهل بيته، فمَن كانت له نيّة في ذلك، فليلحق بي...).

واستجابت له الزيدية وغيرهم، واتجه أبو السرايا بجيوشه نحو الكوفة.

وأمّا محمد فقد أعلن الثورة في نفس اليوم الذي ثار فيه أبو السرايا، وقد التفت حوله الجماهير الحاشدة، وظل محمد يترقّب بفارغ الصبر قدوم أبي السرايا عليه، وقد طالت الأيام حتى يئس منه أصحابه، ولاموا محمداً على الاستعانة به، واغتمّ محمد لتأخّره عنه، وبينما هم في قلق واضطراب إذ طلعت عليهم جيوش أبي السرايا، ففرح محمد وسرّ سروراً بالغاً، ولـمّا قرب منه قام إليه محمد واعتنقه، وبقي معه أياماً ثم اتجه معه صوب الكوفة، فلمّا انتهى إليها استقبله أهلها استقبالاً رائعاً، وأظهروا الفرحة الكبرى بقدومه، وبايعوه بالإجماع(1) .

واحتلت جيوش أبي السرايا الكوفة، ونهبوا جميع ما في قصر الفضل بن عيسى والي الكوفة، ولم يرغب بذلك أبو السرايا فأصدر أوامره المشدّدة إلى الجيش بالكف عن السلب والنهب وإرجاع المنهوبات إلى أهلها.

وأرسل الحسن بن سهل حاكم العراق من قبل المأمون ثلاثة آلاف فارس بقيادة زهير بن الحسن لحرب أبي السرايا، ولـمّا انتهت إلى الكوفة التحمت مع جيوش أبي السرايا، فانهزم الجيش العباسي شرّ هزيمة، واستولى جيش أبي السرايا على جميع أمتعته(2) ، وقد انتصر أبو السرايا انتصاراً رائعاً، وسرى والخوف والرعب في نفوس العباسيين، وأيقن الكثيرون منهم أنّ الثورة قد نجحت، وأنّ مصيرهم في خطر عظيم.

وفاة الزعيم محمد:

ومن المؤسف حقاً أنّ الزعيم الكبير محمد بن إبراهيم قد توفّي، وذهبت معظم المصادر التأريخية إلى أنّه توفّي وفاة طبيعية، وعزت بعض المصادر وفاته إلى أبي السرايا فقد دسّ إليه سمّاً فاغتاله، ليتخلص منه، وأكبر الظن أنّه توفّي حتف أنفه، ولم يكن

____________________

(1) مقاتل الطالبيين (ص 533).

(2) مقاتل الطالبيين.

١٨١

لأبي السرايا أي ضلع فيها؛ لأنّ الثورة كانت في بدايتها، وليس من الممكن بأي حال من الأحوال أن يقدم أبو السرايا على اغتياله في تلك الظروف الحرجة التي لم يتيقن فيها بنجاح ثورته.

ومهما يكن من أمر فإنّ أبا السرايا قام بتجهيز الجثمان الطاهر فغسّله وأدرجه في أكفانه، وحملوه في غلس الليل البهيم إلى (الغري ) فدفنوه فيه(1) ورجعوا إلى الكوفة، وفي الصبح جمع أبو السرايا الناس، ونعى إليهم الزعيم الكبير محمد وعزاهم بوفاته، فارتفعت الأصوات بالبكاء، والتفت إليهم قائلاً: (ولقد أوصى أبو عبد الله إلى شبيهه، ومَن اختاره وهو أبو الحسن علي بن عبيد الله، فإن رضيتم به فهو الرضي، وإلاّ فاختاروا لأنفسكم).

وساد الوجوم في جميع قطعات الجيش، ولم ينبس أحد ببنت شفة وانبرى العلوي محمد بن محمد بن زيد، وهو غلام حدث السن، فخاطب العلويين قائلاً: (يا آل علي إنّ دين الله لا ينصر بالفشل، وليست يد هذا الرجل - يعني أبا السرايا - عندنا بسيئة، وقد شفى الغليل وأدرك الثأر).

والتفت إلي علي بن عبيد الله، فقال له: (ما تقول: يا أبا الحسن، فقد وصانا بك، أمدد يدك نبايعك).

وأضاف يقول: (إنّ أبا عبيد الله - رحمه الله - قد اختار، فلم يعدم الثقة في نفسه ولم يألوا جهدا في حق الله الذي قلّده، وما رد وصيته تهاوناً بأمره ولا ادع هذا نكولاً عنه، ولكن أتخوّف أن اشتغل به عن غيره، ممّا هو أحمد وأفضل عاقبة، فامض رحمك الله لأمرك، واجمع شمل بني عمّك، فقد قلدناك الرياسة علينا، وأنت الرضي عندنا الثقة في أنفسنا).

ثم التفت إلى أبي السرايا فقال له: (ما ترى أرضيت به؟).

وسارع أبو السرايا قائلاً: (رضاي من رضاك وقولي من قولك).

____________________

(1) مقاتل الطالبيين.

١٨٢

وجذبوا يد محمد بن محمد فبايعوه، وقام محمد في الوقت بعزم ثابت فنظم شؤون حكومته، وبعث عمّاله إلى الأقطار الإسلامية التي فتحها أبو السرايا، وهذه المناطق التي بعث إليها عماله:

1 - الكوفة: وقد ولّى عليها إسماعيل بن علي.

2 - اليمن: وقد ولّى عليها إبراهيم نجل الإمام موسى بن جعفر.

3 - الأهواز: وقد جعل عليها زيد بن موسى.

4 - البصرة: وقد استعمل عليها العباس بن محمد.

5 - مكة: وقد جعل عليها والياً الحسن بن الحسن الأفطس.

6 - واسط: وقد جعل عليها جعفر بن محمد بن زيد وجعل على شرطته روح بن الحجاج، وأسند القضاء إلى عاصم بن عامر.

وضربت النقود بالكوفة، وكتب عليها الآية الكريمة( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) وأخذت الثورة تتسع في مناطق العالم الإسلامي، فقد سئم المسلمون من الحكم العباسي، واستجابوا بفرح وسرور إلى الحكم العلوي.

وأدرك العباسيون الخطر الذي يهدد حياتهم وزوال سلطانهم، فقد مُني والي العراق الحسن بن سهل بهزيمة ساحقة، فكتب إلى طاهر بن الحسين لينضم إليه إلى قتال أبي السرايا، ولكن كتبت إليه رقعة فيها هذه الأبيات، وقد أخفى صاحبها اسمه وهي:

قناع الشك يكشفه اليقينُ

وأفضل كيدك الرأي الرصينُ

تثبّت قبل ينفذ فيك أمر

ويهيج لشره داء دفينُ

أتندب طاهراً لقتال قومٍ

بنصرتهم وطاعتهم يدينُ

سيطلقها عليك معقلات

تصر ودونها حرب زبونُ

ويبعث كامناً في الصدر منه

ولا يخفى إذا ظهر المصونُ

فشأنك واليقين فقد أنارت

معالمه وأظلمت الظنونُ

ودونك ما تريد بعزم رأي

تدبّره ودع ما لا يكونُ

ولـمّا قرأ الحسن هذه الأبيات رجع عن رأيه، وكتب إلى هرثمة بن أعين يسأله التعجيل في القدوم إليه، وأوفد لمقابلته السندي بن شاهك، وكانت بين الحسن

١٨٣

وهرثمة شحناء وتنافر، فلمّا التقى به السندي، وناوله الكتاب، فقرأه، وقال: (نوطئ نحن الخلافة، ونمهّد لهم أكنافها، ثم يستبدّون بالأمور ويستأثرون بالتدبير علينا، فإذا انفتق عليهم فتق بسوء تدبيرهم وإضاعتهم الأمور، أرادوا أن يصلحوه بنا، لا والله، ولا كرامة حتى يعرف أمير المؤمنين - يعني المأمون - سوء آثارهم وقبيح أفعالهم).

وتباعد عنه السندي، ويئس منه، ووردت عليه رسالة من المنصور بن المهدي، فلمّا قرأها استجاب، وقفل راجعاً إلى بغداد، فلمّا صار إلى (النهروان ) خرج البغداديون إلى استقباله، وفي طليعتهم الوجوه وقادة الجيش، وحينما رأوه ترجّلوا جميعاً، ونزل في داره، وأمر الحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت إليه ليختار من الرجال ما شاء، وأطلقت إليه بيوت الأموال، وأخذ هرثمة يجمع الجيوش ويعد العدة لمناجزة أبي السرايا، ولـمّا كملت جيوشه وكان عددهم ثلاثين ألف مقاتل ما بين فارس وراجل زحف بهم نحو الكوفة واجتاز على(المدائن) فاستولى عليها، وهزم عاملها،

ثم زحف نحو(الكوفة) ، والتقى جيشه بجيش أبي السرايا، فالتحما ودارت بينهما معارك رهيبة، وقد قتل من أصحاب أبي السرايا خلق كثير، وقد انهارت قواه العسكرية، ولم يعد قادراً على حماية(الكوفة) التي هي عاصمته، فهرب نحو(القادسية) ثم منها إلى(السوس) فأغلق أهلها عليه الأبواب، وطلب أبو السرايا منهم أن يفتحوها له ففتحوها، ووقعت الحرب بينهم وبين أهالي السوس فانهزم أبو السرايا قاصداً(خراسان) ، فنزل قرية يقال لها(برقانا) فخرج إليهم عاملها فاجتمع بهم، وأعطاهم الأمان فاستجابوا له، وفي نفس الوقت أرسلهم إلى الحسن بن سهل، وكان مقيماً بالمدائن، فلمّا انتهوا إليه أمر بقتل أبي السرايا، فقتل، ثم أمر بصلب رأسه في الجانب الشرقي من بغداد، كما أمر بصلب بدنه في الجانب الغربي من بغداد(1)، وكانت المدّة بين خروجه وقتله عشرة أشهر(2) .

وانتهت بذلك هذه الحادثة الخطيرة، وقد قتل فيها ما يقرب من مائتي ألف مقاتل، وممّا لا شبهة فيه أنّ هذه الثورة وأمثالها كانت ناجحة من سوء السياسة

العباسية التي لم تألوا جهداً في ظلم الناس وإرغامهم على الذلّ والعبودية للحكم العباسي.

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 403 - 406 نقلاً عن مقاتل الطالبيين وغيره.

(2) تأريخ الطبري 10 / 231 تأريخ ابن الأثير 5 / 177.

١٨٤

وعلى أيّ حال فان الحياة السياسة في عصر الإمامعليه‌السلام كانت مضطربة وبشعة، فقد شاعت الاضطرابات، وانتشر التمرّد على الحكم العباسي في معظم البلاد الإسلامية.

التنكيل بالعلويين:

ومن أقسى المحن التي عاناها السادة العلويون في العصور العباسية الأولى، والتي شاهد بعضها الإمام الرضاعليه‌السلام هو التنكيل القاسي بالعلويين فقد عمد العباسيون بشكل سافر إلى اضطهادهم وتصفيتهم جسدياً.

وكان أول مَن أوقع الفتنة بين العلويين والعباسيين هو المنصور الدوانيقي(1) وهو القائل: (قتلت من ذريّة فاطمة ألفاً أو يزيدون، وتركت سيدهم ومولاهم وإمامهم جعفر بن محمد)(2) .

لقد قتل هذا العدد من أبناء رسول الله (ص) ليجعلهم ذخراً له يقدمهم إلى الله تعالى، والى جدّهم رسول الله (ص)، وهو الذي ترك لولده خزانة رؤوس العلويين، وعلّق بكل رأس ورقة كتب فيها اسم العلوي، وقد حوت رؤوس شيوخ وأطفال وشباب(3) .

وقال للإمام الصادقعليه‌السلام : (لأقتلنك ولأقتلن أهلك حتى لا أُبقي على الأرض منكم قامة سوط)(4) .

وقال أبو القاسم الرسي عندما هرب من المنصور إلى (السند):

لم يروه ما أراق البغي من دمنا

في كل أرض فلم يقصر من الطلبِ

وليس يشفي غليلاً في حشاه سوى

أن لا يرى فوقها ابنا لبنت نبي(5)

إنّ ما اقترفه المنصور من إراقة دماء أبناء النبي (ص) من أسوأ الصفحات في

____________________

(1) تأريخ الخلفاء للسيوطي (ص 261)، مروج الذهب 4 / 222.

(2) الأدب في ظل التشيّع (ص 68).

(3) تأريخ الطبري 10 / 446.

(4) المناقب 3 / 357.

(5) النزاع والتخاصم للمقريزي (51).

١٨٥

تأريخ الدولة العباسية كما يقول السيد أمير علي(1) .

وفي عهد الهادي عانت الأسرة العلوية الخوف والإرهاب، فقد أخافهم خوفاً شديداً، وألح في طلبهم، وقطع أرزاقهم، وأعطياتهم إلى الآفاق بطلبهم(2) وهو صاحب (واقعة فخ ) الشبيهة بكارثة كربلاء في مآسيها، فقد بلغ عدد الرؤوس التي أرسلت إليه مائة ونيفاً، وسبى الأطفال والنساء، وقتل السبي حتى الأطفال(3) .

وأمّا في عهد الرشيد فقد عانى العلويون أشد وأقسى ألوان الظلم يقول الفخري: (لم يكن - أي الرشيد - يخاف الله وأفعاله بأعيان آل علي وهم أولاد بنت نبيه لغير جرم(4) وقد أقسم على تصفيتهم وتصفية شيعتهم، يقول: (حتام أصبر على آل بني أبي طالب والله لأقتلنهم ولأقتلن شيعتهم)(5) وقد أوعز إلى عامله على يثرب بأن يضمن العلويون بعضهم بعضاً(6) وهو الذي هدم قبر سيد الشهداء وريحانة رسول الله (ص) الإمام الحسين، وقطع السدرة التي كان يستظل تحتها الزائرون وقد قام بذلك عامله على الكوفة موسى بن عيسى العباسي(7) .

ومن أعظم ما اقترفه من (الإثم) اغتياله لإمام المسلمين وسيد المتقين الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام بعدما قضى في سجونه حفنة من السنين.

ويصف دعبل الخزاعي في قصيدته العصماء التي رثى بها الإمام الرضاعليه‌السلام ما عاناه العلويون من القتل والسجن والتعذيب من العباسيين يقول:

وليس حي من الأحياء نعلمه

من ذي يمان ومن بكر ومن مضرِ

إلاّ وهم شركاء في دمائهم

كما تشارك أيسار على جزرِ

قتلاً وأسراً وتحريقاً ومنهبةً

فعل الغزاة بأهل الروم والخزرِ

أرى أمية معذورين إن فعلوا

ولا أرى لبني العباس من عذرِ(8)

____________________

(1) مختصر تأريخ العرب (ص 18).

(2) تأريخ اليعقوبي 3 / 136.

(3) حياة الإمام موسى بن جعفر.

(4) الآداب السلطانية (ص 20).

(5) الأغاني 5 / 225.

(6) الولاة والقضاة (ص 198).

(7) أمالي الشيخ (ص 330).

(8) ديوان دعبل.

١٨٦

ويقول منصور النمري:

آل النبي ومَن يحبهم

يتطامنون مخافة القتل

أمن النصارى واليهود وهم

من أمّة التوحيد في أزل

وعرض الشاعر الكبير ابن الرومي في قصيدته التي رثى بها الشهيد الخالد يحيى إلى محن العلويين، وما جرى عليهم من صنوف التعذيب، يقول:

ألا أيهذا الناس طال ضريركم

بآل رسول الله فاخشوا أو ارتجوا

أكل أوانٍ للنبي محمّدٍ

قتيل زكي بالدماء مضرّجُ

تبيعون فيه الدين شرّ أئمّةٍ

فللّه دين الله قد كاد يمرجُ(1)

إلى أن قال:

بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم

لبلواكم عمّا قليل مفرّجُ(2)

أما فيهم راعٍ لحقّ نبيّه

ولا خائف من ربّه يتحرّجُ(3)

وقد عرض أحرار الشعراء إلى ما عانوه السادة من الخطوب والمحن من أئمة الظلم والجور في كثير ممّا نظموه، وقد ذكرنا القسم الكثير منه في مؤلّفاتنا عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، مَن أراد الوقوف عليه فليراجعها، ونختم هذا البحث بالرسالة الآتية فقد عرضت ما جرى على العلويين.

رسالة الخوارزمي:

وكشف الخوارزمي في رسالته التي بعثها إلى أهالي (نيشابور) ما جرى على السادة العلويين من ضروب المحن والبلاء التي يعانيها غيرهم وننقل بعض ما جاء منها قال:

(فلما انتهكوا - أي بني أمية - ذلك الحريم، واقترفوا ذلك الاثم العظيم غضب الله عليهم، وانتزع الملك منهم، فبعث عليهم (أبا مجرم) لا أبا مسلم فنظر لا نظر الله إليه إلى صلابة العلوية، والى لين العباسية فترك تقاه واتبع هواه، وباع آخرته بدنياه، بقتله عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وسلّط طواغيت

____________________

(1) أراد بشر الأئمّة العباسيين، ويمرج: أي يفسد ويضطرب.

(2) الشلو: العضو، والمراد قتل أبنائهم.

(3) مقاتل الطالبين (ص 646).

١٨٧

خراسان، وأكراد أصفهان، وخوارج سجستان على آل أبي طالب يقتلهم تحت كل حجر ومدر، ويطلبهم في كل سهل وجبل، حتى سلط الله عليه أحب الناس إليه فقتله كما قتل الناس في طاعته، وأخذه بما أخذ الناس في بيعته، ولم ينفعه أن أسخط الله برضاه، وإن ركب ما لا يهواه، وخلت إلى الدوانيقي الدنيا فخبط فيها عسفاً، وتقضي فيها جوراً وحيفاً، وقد امتلأت سجونه بأهل بيت الرسالة، ومعدن الطيب والطهارة، وقد تتبع غائبهم وتلقط حاضرهم حتى قتل عبد الله بن محمد بن عبد الله الحسني بـ‍ (السند)، على يد عمر بن هشام الثعلبي، فما ظنّك بمَن قرب متناولة عليه ولان مسّه على يديه... وهذا قليل في جنب ما قتله هارون منهم، وفعله موسى قبله بهم، فقد عرفتم ما توجّه على الحسن - والصحيح الحسين - بن علي بـ‍ (فخ) من موسى، وما اتفق على علي بن الأفطس الحسيني من هارون، وما جرى على أحمد بن علي الزيدي، وعلى القاسم بن علي الحسيني من حبسه، وعلى غسان بن حاضر الخزاعي حين أخذ من قبله، والجملة أنّ هارون مات وقد حصد شجرة النبوّة، واقتلع غرس الإمامة وأنتم أصلحكم الله أعظم نصيباً في الدين من الأعمش فقد شتموه ومن شريك فقد عزلوه، ومن هشام بن الحكم فقد أخافوه ومن على بن يقطين فقد اتهموه...)

وعرض بعد هذا إلى بني أمية، ثم عرض ثانياً لبني العباس قائلاً:

وقل في بني العباس فإنّك ستجد بحمد الله مقالاً: وجل في عجائبهم فإنّك ترى ما شئت مجالاً.

يجبي فيؤهم فيفرق على الديلمي، والتركي، ويحمل إلى المغربي والفرغاني، ويموت إمام من أئمّة الهدى، وسيد من سادات بيت المصطفى فلا تتبع جنازته، ولا تجصص مقبرته، ويموت (ظراط) لهم أو لا عجب أو مسخرة، أو ضارب فتحضر جنازته العدول والقضاة، ويعمر مسجد التعزية عنه القواد والولاة ويسلم فيهم من يعرفونه دهرياً، أو سوفسطائياً، ولا يتعرضون لـمَن يدرس كتاباً فلسفيا ومانوياً، ويقتلون مَن يعرفونه شيعياً، ويسفكون دم مَن سمّى ابنه عليّاً.

ولو لم يقتل من شيعة أهل البيت غير المعلّى بن خنيس قتيل داود بن علي، ولو لم يحبس فيهم غير أبي تراب المروزي لكان ذلك جرحاً لا يبرأ، وثائرة لا تطفأ، وصدعاً لا يلتئم، وجرحاً لا تلتحم.

١٨٨

وكفاهم أنّ شعراء قريش قالوا في الجاهلية أشعاراً، يهجون بها أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويعارضون فيها أشعار المسلمين فحملت أشعارهم، ودوّنت أخبارهم، ورواها الرواة، مثل: الواقدي، ووهب بن منبه التميمي، ومثل الكلبي، والشرقي بن القطامي، والهيثم بن عدي، ودأب بن الكناني، وإنّ بعض شعراء الشيعة يتكلم في ذكر مناقب الوحي، بل ذكر معجزات النبي (ص) فيقطع لسانه، ويمزّق ديوانه، كما فعل بعبد الله بن عمار البرقي، وكما أريد بالكميت بن زيد الأسدي، وكما نبش قبر منصور بن الزبرقان النميري، وكما دمر على دعبل بن علي الخزاعي، مع رفقتهم من مروان بن أبي حفصة اليمامي، ومن علي بن الجهم الشامي، ليس إلاّ لغلوهما في النصب، واستبحابهما مقت الرب، حتى أنّ هارون بن الخيزران وجعفر المتوكل على الشيطان لا على الرحمن كانا لا يعطيان مالاً، ولا يبذلان نوالاً إلاّ لـمَن شتم آل أبي طالب، ونصر مذهب النواصب مثل: عبد الله بن مصعب الزبيري ووهب بن وهب البختري، ومن الشعراء مثل: مروان بن أبي حفصة الأموي، فأما في أيام جعفر فمثل بكار بن عبد الله الزبيري، وأبي السمط بن أبي الجون الأموي وابن أبي الشوارب العبشمي.

وعرّج بعد هذا الكلام على بني أمية وما اقترفوه من ظلم العلويين، ثم أستأنف الكلام عن العباسيين فقال: وما هذا بأعجب من صياح شعراء بني العباس على رؤوسهم بالحق وإن كرهوه، وبتفصيل من نقصوه وقتلوه، قال منصور بن الزبرقان على بساط هارون:

آل النبي ومَن يحبهم

يتطامنون مخافة القتل

أمن النصارى واليهود وهم

من أمّة التوحيد في أزل

وقال دعبل وهو صنيعة بني العباس وشاعرهم(1) :

ألم تر أنّي مذ ثمانين حجّة

أروح وأغدو دائم الحسراتِ

أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً

وأيديهم من فيئهم صفراتِ

وقال على بن العباس الرومي وهو مولى المعتصم:

تأليت أن لا يبرح المرء منكم

يشل على حر الجبين فيعفج

____________________

(1) لم يكن دعبل الخزاعي صنيعة بني العباس، وإنّما هو صنيعة أهل البيت وشاعرهم، وعانى في سبيلهم المصاعب والكوارث.

١٨٩

كذاك بنو العباس تصبر منكم

ويصبر للسيف الكمي المدجج

لكل أوان للنبي محمّدٍ

قتيل زكي بالدماء مضرّج

وقال إبراهيم بن العباس الصولي: وهو كاتب القوم وعاملهم في الرضا لما قربه المأمون:

يمن عليكم بأموالكم

وتعطون من مئة واحدا

وكيف لا ينتقضون قوماً يقتلون بني عمّهم جوعاً وسغباً، ويملأون ديار الترك والديلم فضة وذهباً، يستنصرون المغربي والفرغاني ويجنون المهاجري والأنصاري، ويولون أنباط السود وزارتهم وتلف العجم والطماطم قيادتهم، ويمنعون آل أبي طالب ميراث أمّهم، وفيء جدّهم، يشتهي العلوي الأكلة فيحرمها، ويقترح على الأيام الشهوة فلا يطعمها، وخراج مصر والأهواز، وصدقات الحرمين والحجاز تصرف إلى ابن مريم المديني، وإلى إبراهيم الموصلي، وابن جامع السهمي، والى زلزل الضارب، وبرصوما الزامر، وإقطاع بختيشوع النصراني قوت أهل بلد، وجاري بغا التركي والافشين الاشروسني، كفاية أمة ذات عدد.

والمتوكل زعموا يتسرى باثني عشر ألف سرية، والسيد من سادات أهل البيت يتعفّف بزنجية أو سندية، وصفوة مال الخراج مقصورة على أرزاق الصفاعنة، وعلى موائد المخاتنة، وعلى طعمة الكلابين، ورسوم القرادين، وعلى مخارق وعلوية المغني، زرزر، وعمر بن بانة المهلبي، ويبخلون على الفاطمي بأكلة أو شربة، ويصارفونه على دانق وجبة، ويشترون العوادة بالبدر، ويجرون لها ما يفي برزق عسكر.

والقوم الذين أحلّ لهم الخمس، وحرمت عليهم الصدقة، وفرضت لهم الكرامة والمحبة، يتكفّفون ضرّاً، ويهلكون فقراً، ويرهن أحدهم سيفه، ويبيع ثوبه، وينظر إلى فيئه بعين مريضة، ويشتد على دهره بنفس ضعيفة، ليس له ذنب إلاّ أنّ جدّه النبي (ص)، وأبوه الوصي، وأمّه فاطمة، وجدّته خديجة، ومذهبه الإيمان، وإمامه القرآن، وحقوقه مصروفة إلى القهرمانة والمفرطة وإلى المغمزة، والى المزررة، وخمسه مقسوم على نقار الديكة الدمية، والقردة، وعلى رؤوس اللعبة واللعبة، وعلى مرية الرحلة.

(وماذا أقول في قوم حملوا الوحوش على النساء المسلمات وأجروا العبادة وذويه الجرايات، وحرثوا تربة الحسينعليه‌السلام بالفدان، ونفوا زوّاره إلى البلدان وما

١٩٠

أصف من قوم هم نطق السكارى في أرحام القيان؟ وماذا يقال في أهل بيت منهم

البغا، وفيهم راح التخنيث وغدا، وبهم عرف اللواط؟ كان إبراهيم ابن المهدي مغنياً، وكان المتوكل مؤنثاً موضعاً، وكان المعتز مخنثاً، وكان ابن زبيدة معتوهاً مفركاً، وقتل المأمون أخاه، وقتل المنتصر أباه، وسمّ موسى ابن المهدي أمّه، وسمّ المعتضد عمّه).

وعرض بعد هذا إلى مصائب الأمويين، ثم ختم كلامه بعيوب العباسيين قائلاً: (وهذه المثالب مع عظمها وكثرتها، ومع قبحها وشنعها، صغيرة وقليلة في جنب مثالب بني العباس الذين بنوا مدينة الجبارين، وفرّقوا في الملاهي والمعاصي أموال المسلمين...)(1) .

لا أكاد أعرف وثيقة سياسية جامعة مثل هذه الوثيقة فقد ألـمّت بأحوال ملوك العباسيين، وحكت سوء سياستهم، التي منها قسوتهم البالغة على السادة العلويين، وحرمانهم من جميع حقوقهم الطبيعية، حتى بلغت بها الضائقة إلى حد لا يطاق، في حين أنّ الأموال الطائلة كانت تنفق على الشهوات، وعلى العابثين والمغنّين والماجنين وأهل البيت ومَن يمت إليهم من شيعتهم، لا يجدون الرغيف ولا الستر، ولا غير ذلك من مستلزمات الحياة.

كما حكت هذه الوثيقة أموراً بالغة الأهمية والخطورة، ولا نحتاج إلى بيانها فهي واضحة في مدلولها.

مع الواقفية:

من الأحداث التي جرت في عصر الإمام الرضاعليه‌السلام ، وأزعجته إلى حدٍّ بعيد هي انتشار مذهب (الواقفية) بين صفوف الشيعة، فقد ذهب القائلون بالوقف: إلى أنّ الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام حي ولم يمت، ولا يموت، وأنّه رفع إلى السماء كما رفع المسيح بن مريم، وأنّه هو القائم المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وزعموا أنّ الذي في سجن السندي بن شاهك ليس هو الإمام موسىعليه‌السلام ، وإنّما شبّه وخيّل إلى الناس أنّه هو... ولا بد

____________________

(1) حياة الإمام الرضا (ص 100 - 106) نقلاً عن رسائل الخوارزمي.

١٩١

من وقفة قصيرة للحديث عن يعض شؤون هذه العصابة:

1 - سبب الوقف:

أمّا سبب الوقف فيعود إلى أنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام حينما كان في سجن هارون نصب وكلاء له لبعض الحقوق الشرعية التي كانت ترد إليه من الشيعة، وقد اجتمعت أموال كثيرة عند بعض الوكلاء، فكان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، فلمّا توفّي الإمام الكاظمعليه‌السلام جحدوا موته، واشتروا بالأموال التي عندهم الضياع والدور، وقد طلبها الإمام الرضاعليه‌السلام منهم فأنكروا موت أبيه، وأبوا من تسليمها له(1) .

2 - انتشار الوقف:

وانتشرت أفكار (الواقفية) بسبب الدعاة، فقد بذلوا الأموال الطائلة بسخاء لشراء الضمائر، وإضلال الناس فقد روى يونس بن عبد الرحمن قال: (مات أبو إبراهيم موسىعليه‌السلام وليس من قومه أحد إلاّ وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته طمعاً في الأموال، فكان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، فلمّا رأيت ذلك، وتبيّنت الحق، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ما عرفت تكلّمت ودعوت الناس إليه، فبعثا إليّ، وقالا: ما يدعوك إلى هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن

نعينك، وضمنا لي عشرة آلاف دينار، وقالا: كفّ، فأبيت، وقلت لهما، إنّا روينا عن الصادقينعليهم‌السلام أنّهم قالوا: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب نور الإيمان، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كل حال، فناصباني، وأضمرا لي العداوة(2) .

بمثل هذه الأساليب والخدع انتشر مبدأ الوقف، ولكنّه ما لبث أن تحطّم، وانكشف زيفه، وظهر دجل دعاته.

شجب الامام للواقفية:

وأنكر الإمام الرضا عليه لسلام على دعاة الواقفية ما ذهبوا إليه، فقد كتب

____________________

(1) البحار 2 / 308.

(2) البحار 12 / 308.

١٩٢

إليه بعض شيعته يسأله عنهم فأجابهعليه‌السلام : (الواقف حائد عن الحق، ومقيم على سيئة إن مات لها كانت جهنّم مأواه وبئس المصير)(1) .

وسأله بعض الشيعة عن جواز إعطاء الزكاة لهم فنهاه عن ذلك، وقال: إنّهم كفّار مشركون زنادقة(2) ، ووفد محمد بن الفضيل على الإمام الرضا عليه السلام، فقال للإمام يخبره بحال زعماء الوقف:

(جعلت فداك، إنّي خلفت ابن أبي حمزة، وابن مهران وابن أبي سعيد - وهم زعماء الواقفية - أهل الدنيا عداوة لله تعالى...)

فأجابه الإمام:

(ما ضرك مَن ضلّ إذا اهتديت، إنّهم كذبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكذبوا فلاناً، وفلاناً، وكذبوا جعفر وموسىعليهما‌السلام ، ولي بآبائي أسوة...).

فانبرى محمد قائلاً:

(إنّك قلت لابن مهران: أذهب الله نور قلبك، وأدخل الفقر بيتك...).

فقال الإمام عليه السلام:

(كيف حاله، وحال إخوانه؟).

فأخبره محمد باستجابة دعائه، وأنّهم معانون البؤس والفقر قائلاً: (يا سيدي، هم بأشد حال مكروبون ببغداد، لم يقدر الحسين أن يخرج إلى العمرة...).

لقد تميّز موقف الإمامعليه‌السلام بالشدّة والصرامة تجاه هؤلاء الذين ساقتهم الأطماع إلى التمرّد على الحق، وجحود الإمام.

الإمام مع الحسين بن مهران:

أمّا الحسين بن مهران فهو من أعلام الواقفية، وكان يكتب إلى الإمام الرضاعليه‌السلام بلهجة تنمّ عن نفاقه وعدم إيمانه، فكان يأمر الإمام وينهاه، وقد تخلّى بذلك عن نواميس الأدب، فلم يرع مقام الإمام، وقد كتب إليه الإمام برسالة، وأمر أصحابه باستنساخها؛ لئلاّ يسترها ابن مهران، وهذه صورة الكتاب بعد البسملة:

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 207.

(2) البحار 12 / 909.

١٩٣

(عافانا الله، وإيّاك، جاءني كتابك تذكر فيه الرجل الذي عليه الخيانة والغبن، وتقول: احذره، وتذكر ما تلقاني به، وتبعث إليّ بغيره، فاحتججت، فأكثرت، وزغمت عليه أمراً، وأردت الدخول في مثله... تقول: إنّه عمل في أمري بعقله وحيلته، نظراً فيه لنفسه، وإرادة أن تميل إليه قلوب الناس، ليكون الأمر بيده، وإليه يعمل فيه برأيه، ويزعم أنّي طاوعته فيما أشار به عليّ، وهذا أنت تشير عليّ فيما يستقيم عندك في العقل والحيلة بعدك (بغيرك) لا يستقم الأمر إلاّ بأحد الأمرين:

إمّا قبلت الأمر على ما كان يكون عليه، وإمّا أعطيت القوم ما طلبوا، وقطعت عليهم، وإلاّ فالأمر عندنا معوج، والناس غير مسلمين ما في أيديهم من مالي وذاهبون به، فالأمر ليس بعقلك، ولا لحيلتك يكون، ولا نفعل الذي نحلته بالرأي والمشورة، ولكنّ الأمر إلى الله عزّ وجل وحده لا شريك له، يفعل في خلقه ما يشاء، مَن يهدي الله فلا مضل له، ومَن يضلله فلا هادي له ولن تجد له ولياً مرشداً.

فقلت: واعمل في أمرهم، وأحيل فيه، وكيف الحيلة، والله يقول:

( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) وقوله: عزّ وجل( وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ) فلو تجيبهم فيما سألوا عنه استقاموا وسلموا، وقد كان منّي ما أمرتك، وأنكرت وأنكروا من بعدي، ومد لي لقائي، وما كان ذلك منّي إلاّ رجاء الإصلاح لقول أمير المؤمنينعليه‌السلام :

(اقتربوا أو سلوا فإنّ العلم يفيض فيضاً) وجعل يمسح بطنه ويقول: (ما مُلئ طعام ولكن ملأته علماً، والله ما آية نزلت في بر ولا بحر، ولا سهل ولا جبل إلاّ أنا أعلمها، وأعلم في مَن نزلت) وقول أبي عبد اللهعليه‌السلام : (إلى الله أشكو أهل المدينة إنّما أنا فيهم كالشعرة ما انتقل، يريدونني أن لا أقول الحق: (والله لا أزال أقول الحق حتى أموت) فلمّا قلت حقاً أريد به حقن دمائكم، وجمع أمركم على ما

كنتم عليه أن يكون سرّكم مكتوماً عندكم غير فاشٍ في غيركم.

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (سر أسرّه الله إلى جبرئيل، وأسرّه جبرئيل إلى محمد، وأسرّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي، وأسرّه علي إلى مَن شاء).

ثم قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : ثم أنتم تحدثون به في الطريق، فأردت

١٩٤

حيث مضى صاحبكم أن ألف أمركم عليكم لئلاّ تضعوه في غير موضعه، ولا تسألوا عنه غير أهله، فتكونون في مسألتكم إيّاهم هلكتم، فكم مَن دعا إلى نفسه، ولم يكن داخلاً، ثم قلتم: لا بد إذا كان ذلك منه يثبت على ذلك، ولا يتحوّل عنه إلى غيره قلت: لأنّه كان من التقية، والكفّ أولى، وأمّا إذا تكلّم فقد لزمه الجواب فيما يسأل عنه، وصار الذي كنتم تزعمون أنّكم تدعون به، فإنّ الأمر مردود إلى غيركم وأنّ الفرض عليكم إتباعهم فيه إليكم فصيرتم ما استقام في عقولكم وآرائكم، وصحّ به القياس عندكم بذلك لازماً لـمّا زعمتم من أن لا يصح أمرنا، زعمتم حتى يكون ذلك علي لكم.

فإن قلتم: إن لم يكن كذلك لصاحبكم فصار الأمر أن وقع إليكم نبذتم أمر ربّكم وراء ظهوركم فلو اتبع أهواءكم قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، وما كان بد من أن تكونوا كما كان من قبلكم قد أخبرتم أنّها السنن والأمثال القذّة بالقذّة.

وما كان يكون ما طلبتم من الكف أولاً ومن الجواب آخراً شفاء لصدوركم ولا ذهاب شكّكم، وما كان بد من أن يكون ما قد كان منكم، ولا يذهب عن قلوبكم حتى يذهبه الله عنكم، ولو قدر الناس كلهم على أن يحبونا ويعرفوا حقّنا، ويسلموا لأمرنا فعلوا، ولكنّ الله يفعل ما يشاء ويهدي إليه مَن أناب.

فقد أجبتك في مسائل كثيرة فانظر أنت ومَن أراد المسائل منها وتدبّرها، فإن لم يكن في المسائل شفاء، وقد مضى إليكم منّي ما فيه حجّة ومعتبر.

وكثرة المسائل معتبة عندنا مكروهة، إنّما يريد أصحاب المسائل المحنة ليجدوا سبيلاً إلى الشبهة والضلال ومَن أراد لبساً لبس الله عليه، ووكله إلى نفسه، ولا ترى أنت وأصحابك أنّي أجبت فذاك إليّ وإن شئت صممت فذاك إليّ لا ما تقوله أنت وأصحابك، لا تدرون كذا وكذا، بل لا بد من ذلك إذ نحن منه على يقين، وأنتم منه في شك)(1) .

وانتهت هذه الرسالة التي بعثها الإمام إلى الحسين بن مهران، وقد احتوت على أمور غامضة، بالإضافة إلى تقطع فصولها، وعدم ترابطها، وأكبر الظن أنّه قد حذف

____________________

(1) الكشي معجم رجال الحديث 6 / 104 - 107.

١٩٥

منها ما يوجب ربطها، وإيضاح المقصود منها.

وعلى أي حال فقد عبّرت هذه الرسالة عن محنة الإمامعليه‌السلام وآلامه من الواقفية الذين غرتهم الدنيا.

2 - الحسين بن عمر:

قال: سمعت يحيى بن أكثم (قاضي سامراء)، بعدما جهدت به، وناظرته، وحاورته، وواصلته، وسألته عن علوم آل محمد، فقال: بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرأيت محمد بن علي الرضاعليه‌السلام ، يطوف به، فناظرته في مسائل عندي، فأخرجها إلي، فقلت له: والله إني أريد أن أسألك مسألة، وإني والله لأستحيي من ذلك!

فقال لي: أنا أخبرك، قبل أن تسألني، تسألني عن الإمام.

فقلت: هو والله هذا! فقال: أنا هو.

فقلت: علامة؟

فكان في يده عصا، فنطقت وقالت: (إن مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة!)(1) .

وروي الحسين بن عمر بن يزيد، قال: دخلت على الرضاعليه‌السلام ، وأنا يومئذ واقف، وقد كان أبي سأل أباه عن سبع مسائل، فأجابه في ست، وأمسك عن السابعة، فقلت: (والله لأسألنه عما سأل أبي أباه، فإن أجاب بمثل فسألته، فأجاب بمثل جواب أبيه في المسائل الست، فلم يزد في الجواد واوا ولا ياء، وأمسك عن السابعة.

وقد كان أبي قال لأبيه: إني احتج عليك عند الله يوم القيامة، أنك زعمت أن عبد الله لم يكن إماما، فوضععليه‌السلام يده على عنقه ثم قال له: نعم أحتج علي بذلك عند الله عز وجل، فما كان فيه من اثم فهو في رقبتي الخ(2) .

3 - الوشاء:

روى الوشاء قال: أتيت خراسان، وأنا من الواقفية، وقد حملت معي قناعا،

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 353.

(2) أصول الكافي 1 / 353.

١٩٦

وكان معي ثوب وشي في بعض الرزم، ولم اعرف مكانه فلما قدمت، ونزلت في بعض منازلها لم أشعر إلا ورجل مدني من بعض مولديها، فقال لي أبو الحسن الرضا يقول لك: ابعث إليّ الثوب الوشي الذي عندك، فقلت: ومَن أخبر أبا الحسن بقدومي؟

وأنا قدمت آنفاً، وما عندي ثوب وشي، فرجع إليه، وأخبره فعاد إليّ، فقال لي: يقول لك: هو في موضع كذا وكذا، فطلبته حيث قال فبعثت به إليه(1) وكان ذلك سبباً لهدايته.

هؤلاء بعض المؤمنين الذين هداهم الله، ورجعوا عن الوقف ودانوا بإمامة الإمام الرضاعليه‌السلام .

مشكلة خلق القرآن:

من الأحداث المهمّة في عصر الإمامعليه‌السلام هي مسألة خلق القرآن، فقد اختلف العلماء فيها اختلافاً كثيراً، وعانى منهم جماعة سخط الدولة ونقمتها، وغضب الجمهور.

لقد نشأت هذه الفكرة في آواخر الدولة الأموية، وكان أول مَن ابتدعها الجعد بن درهم معلم مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، فهو أول مَن تكلّم بها، وقد حرّر وشرح فصولها وأذاعها في دمشق، فطلبته السلطة فهرب منها ثم نزل الكوفة، فتعلم منه الجهم بن صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية(2) ويقول ابن الأثير: إنّ هشام بن عبد الملك قبض على الجعد وأرسله مخفوراً إلى خالد القسري أمير العراق وأمره بقتله، فحبسه خالد ولم يقتله فبلغ الخبر هشاماً فكتب إليه يلومه ويعزم عليه بقتله، فأخرجه خالد من الحبس في وثاقه، فلمّا صلّى العيد يوم الأضحى قال في آخر خطبته: انصرفوا وضحوا يقبل الله منكم، فاني أريد أن أضحي اليوم بالجعد، فإنّه يقول: ما كلّم الله موسى، ولا اتخذ الله إبراهيم خليلاً، تعالى الله عمّا يقول الجعد: ثم نزل وذبحه(3) .

وظلّت هذه الفكرة بعد مقتل الجعد تحت الخفاء، وفي طي الكتمان إلى دور

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 354.

(2) سرح العيون (ص 159).

(3) عصر المأمون 1 / 395.

١٩٧

هارون وعند ما ظهر أمر المعتزلة، وانتشرت أفكارهم، أعلنوا القول بخلق القرآن، وكان من أهم الداعين إلى ذلك بشر المريسي، وقد ألّف فيها عدة كتب، وبلغ خبره هارون، فقال: والله لأن أظفرني الله به لأقتلنه قتلة ما قتلتها أحداً، ولـمّا بلغ بشر ذلك توارى واختفى طيلة حكم هارون(1) .

ولـمّا ولي الحكم المأمون نشطت الحركة، وأخذت الفكرة بالنمو والاتساع وتبنى المأمون القول بخلق القرآن، وحمل الناس على القول بها فمَن خالفها تعرّض للنقمة والعذاب.

وتعتبر هذه المسألة من أهم الأحداث الخطيرة التي حدثت في عصر الإمامعليه‌السلام ، وقد تعرّض لبسطها وإيضاح جوانبها الفلاسفة من المعتزلة وغيرهم، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقا بالكلام النفسي فهي من فروعه، وبحوثه، ولولا خوف الإطالة لتحدثنا عنها بالتفصيل(2) .

الكذب على الأئمّة:

وشاع افتعال الأحاديث والكذب على الأئمةعليهم‌السلام في عصر الإمام الرضاعليه‌السلام ، وغيره من سائر العصور، وذلك للحط من شأنهم، والتقليل من أهميتهم، ومن بين تلك الأحاديث ما نقله أبو الصلت فقد قال للإمام الرضا: (يا بن رسول الله ما شيء يحكيه الناس عنكم؟).

وسارع الامام قائلاً:

(ما هو؟).

(يقولون: إنكم تدعون أن الناس عبيد لكم...).

فأنكر الإمام ذلك، وتبرّأ منه وقال: (اللّهمّ فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تشهد بأنّي لم أقل ذلك قط، ولا سمعت أحداً من آبائي قاله، وأنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الأمّة وإنّ هذه منها.

____________________

(1) النجوم الزاهرة 1 / 147.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 213.

١٩٨

ثم التفت إلى أبي الصلت فقال له:

(يا عبد السلام إذا كان الناس كلهم عبيدنا على ما يقولون: فعلى مَن نبيعهم؟ يا عبد السلام أمنكر أنت لما أوجب الله عزّ وجل لنا من الولاية كما ينكره

غيرك...).

وعلّق العلاّمة السيد هاشم معروف الحسني (رحمه الله) على هذه الرواية بقوله: لقد أنكر الإمام على السائل ذلك الاتهام الذي أراد أعداؤهم من خلاله التشنيع عليهم، وعدّه من جملة المظالم التي ارتكبتها الأمة بحقهم؛ لأنّ نسبة ذلك لهم يعني أنّهم يخالفون سنن الإسلام، ونصوص القرآن التي لا ترى فضلاً لأحد إلاّ بالتقوى(1) .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن عصر الإمام الرضا، وقد ذكرنا بحثاً مفصّلاً عن

هذا العصر في كتابنا (حياة الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ) ولا نكرّر ما ذكرناه.

____________________

(1) سيرة الأئمة الاثني عشر 2 / 359.

١٩٩

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

أيام ، ودم الحيض يسيل تارة وينقطع اُخرى ، وإنّما يثبت للنقاء حكم الطُهر إذا انقطع بالكليّة.

وقال مالك وأحمد : تلفق ، فأيّام الدم حيض ، وأيام النقاء طهر ، لأنّ النقاء موجود في بعض الاوقات حقيقة ، كما أن الدم موجود في بعضها حقيقة ، وكما لا يجوز جعل الدم الموجود طُهراً كذا لا يجوز جعل الطُهر الموجود حيضاً بل يوفى كلّ منهما حكمه(١) ، والملازمة ممنوعة ، وللشافعي قولان ، أظهرهما : الأول(٢) .

فإن جاز ذلك عشرة أيام ، فإن كانت مبتدأة قال الشيخ : تدع الصلاة والصوم كلما رأت الدم ، وإذا رأت الطُهر صلّت وصامت إلى أن تستقر لها عادة لقولهمعليهم‌السلام : « كلما رأت الطُهر صلّت وصامت ، وكلما رأت الدم تركت الصلاة إلى أن تستقر لها عادة »(٣) والظاهر أن مراده من ذلك ترك العبادة في الدم المحتمل لأنّ يكون حيضاً لا مطلقاًً.

ويحتمل عندي هنا اُمور ثلاثة : جعل الثلاثة حيضاً أخذاً بالمتيقن ، وقضاء صوم أحد عشر يوماً ، وجعل السبعة أو العشرة ، فلو كان السابع أو العاشر يوم النقاء فالوجه إلحاقه بالطهر.

وإن كانت ذات عادة ردت إليها سواء رأت فيها دماً أسود ، أو أحمر ، أو نقاء ، قاله الشيخ(٤) ، والوجه إلحاق النقاء بما بعده ، وإن نسيتها عملت بالتمييز ، وتراعي بين الحيضتين عشرة أيام طهراً.

__________________

١ ـ بُلغة السالك ١ : ٧٩ ـ ٨٠ ، المجموع ٢ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٢ : ٥٣٧ ، الوجيز ١ : ٢٩ ، الشرح الكبير ١ : ٣٨٥.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٢ : ٥٣٧ ، الوحيز ١ : ٢٩ ، المغني ١ : ٤٠٣ ، الشرح الكبير ١ : ٣٨٦.

٣ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٦.

٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٦.

٣٢١

ولو رأت ثلاثة أيام دماً ثم انقطع ثم عاودها قبل العشرة فالجميع حيض ، وقضت صوم النقاء ، وجاز لزوجها الوطء فيه ، فإذا ظهر أنّه حيض لم يكن عليه شيء.

وإن رأت أقل من ثلاثة ثم انقطع ورأته قبل العاشر وبلغ المجموع ثلاثة فلعلمائنا قولان ، أحدهما أنّه ليس بحيض لاشتراط التوالي في عدد أقل الحيض(١) ، والثاني : أنّه حيض إنّ كمل ثلاثة في جملة العشرة(٢) . وللشافعية كالقولين(٣) .

ومنهم من اشترط في التلفيق أن يكون أوّله حيضاً كاملاً وآخره حيضاً كاملاً(٤) .

ومنهم من لم يشترط بلوغ أقل الحيض ، فلو رأت ساعة ثم انقطع ثم رأت قبل خمسة عشر ساعة اُخرى كانت الساعتان مع الطُهر المتخلل بينهما حيضاً ، وهو أضعف الوجوه عندهم(٥) .

ولو كمل أقل الحيض في أكثر من عشرة لم يكن حيضاً ، وموضع الخلاف ما إذا كانت أزمنة النقاء زائدة على الفترات المعتادة بين دفعات الدم ، فإن لم يزد عليها فالجميع حيض إجماعا.

فروع :

أ ـ إذا رأت أقل الحيض ثم انقطع وجب عليها العبادة إجماعاً ، لأنّ

__________________

١ ـ قال الصدوق في الفقيه ١ : ٥٠ ، والهداية : ٢١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٥٧ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٨ ، والشيخ الطوسي في الجمل : ١٦٣ ، وحكاه المحقق عن المرتضى في المعتبر : ٥٣.

٢ ـ قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٦ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٣٤.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٢ : ٥٤٣ ، الوجيز ١ : ٣٠.

٤ ـ المجموع ٢ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٢ : ٥٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٩.

٥ ـ المجموع ٢ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٢ : ٥٤٤ و ٥٤٦ ، الوجيز ١ : ٣٠.

٣٢٢

الموجود حيض تام ، وربما لا يعود الدم ، فلا يبيح لها ترك العبادة بالشك. وإن رأت أقل وقلنا أيام النقاء طهر اغتسلت ، لأنّ الدم ربما عاد ، فالدم الموجود حيض ، وظهر أن للنقاء حكم الطهر.

وإن قلنا : أنها كالحيض فلا غسل لأنّ الدم ان لم يعد ، فليس له حكم الحيض حتى يجب غسله ، وإن عاد ظهر أن الزمان حيض ، وليس للغسل في زمان الحيض حكم.

ب ـ لو كانت عادتها خمسة أيام ، ورأت يوماً دماً ويوماً نقاءً ، وتجاوز الدم والنقاء الأكثر ولا تمييز ، فإن قلنا : أنها لا تلفق ، فأيّام العادة حيض الدم والنقاء الذي يليه ، قاله الشافعي(١) .

وإن قلنا : تلفق ، فمن أين تلفق؟ للشافعي قولان ، احدهما : من أيام العادة حسب ، لأنّ النقاء من أيام العادة ، وإنّما انقطع دمها فيه فتنقص من عادتها ، والثاني : تلفق من أكثر الحيض ، لأنّ عادتها تفرقت فيها(٢) . فعلى الأول يحصل لها ثلاثة أيام حيض ، وعلى الثاني تلفق خمسة أيام من تسعة.

ولو كانت عادتها ستة أيام ، فإن قلنا ، لا تلفق فالحيض خمسة أيام والسادس نقاء ليس بعده حيض فلا يكون حيضاً ، وتنقص عادتها ، وإن قلنا : تلفق من زمان العادة حصل لها ثلاثة أيام ، وإن قلنا : من خمسة عشر لفقنا لها ستة أيام من أحد عشر.

ج‍ ـ يشترط في جعل النقاء حيضاً أمران ، أحدهما : أن يكون النقاء محبوساً بدمين في الأكثر ، فلو رأت يوماً وليلةً دماً وأربعة عشر نقاءً ، ورأت

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٠٨.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٠٨.

٣٢٣

في السادس عشر ، فالنقاء مع ما بعده من الدم طهر قاله الشافعي(١) ، وعندنا الأكثر عشرة.

والثاني : أن يكون قدر الحيض في مدة الخمسة عشر تمام أقل الحيض وإن تفرق بالساعات ، وهو أظهر أقوال الشافعي(٢) .

د ـ لو رأت أقل الحيض وانقطع ، ثم عاد قبل انقضاء الطُهر بعد مجاوزة اكثر الحيض ، فالأول حيض ، والثاني دم فساد.

هـ ـ لو كانت عادتها خمسة من أول الشهر فرأت الأول طُهراً ثم الثاني دماً ثم الثالث طُهراً ، وهكذا احتمل جعل الثاني والرابع والسادس حيضاً خاصة ، وخمسة أيام دما خاصة.

وعند الشافعي إنّ وقف على خمسة عشر من الدم ، فإن قيل بعدم التلفيق ، فالاربعة عشر حيض ، وإن قيل به لفقت خمسة أيام من تسعة.

وإن زاد الدم على الخامس عشر فقد استحيضت ، فإن قيل بالتلفيق فمن أين يلفق؟ على الوجهين ، أحدهما : من زمان العادة فلها يومان حيض من زمان العادة ، هو الثاني والرابع ، والثاني : من زمان الإمكان فيلفق لها خمسة أيام أولها الثاني وآخرها العاشر.

وإن قيل بعدم التلفيق فهل الاعتبار بزمان العادة أو بعدها؟ وجهان : العادة ، لأنّه إذا اعتبر عددها اعتبر زمانها فحيضها الثاني والثالث والرابع لأنّ الأول طهر قبله طهر ، والخامس طهر بعده استحاضة.

والثاني : الاعتبار بعدد العادة دون زمانها ، لانتقال حيضها فحيضها خمسة أولها الثاني وآخرها السادس(٣) .

__________________

١ ـ فتح العزيز ٢ : ٥٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٩.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٢ : ٥٤٣ ، الوجيز ١ : ٣٠.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥١٣ ـ ٥١٤.

٣٢٤

الفصل الرابع : في النفاس

والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة بالإجماع ، لأنّه خارج عقيب نفس ، أو مأخوذ من تنفس الرحم بالدم ، فالخارج قبل الولادة ليس بنفاس إجماعاً لقول الصادقعليه‌السلام في المرأة يصيبها الطلق أياماً ، أو يوماً ، أو يومين فترى الصفرة أو دما قال : « تصلّي ما لم تلد ، فإن غلبها الوجع ففاتها صلاة لم تقدر أن تصليها فعليها قضاء تلك الصلاة بعدما تطهر »(١) .

و أمّا الخارج مع الولادة ، فالشيخ نصّ على أنّه نفاس(٢) ـ وهو أصح وجهي الشافعية(٣) ـ لأنّه دم خرج لخروج الولد فأشبه الخارج بعده.

وقال المرتضى رضي الله عنه : النفاس هو الذي تراه عقيب الولادة(٤) ، وهو يشعر بأن الخارج معها ليس بنفاس ، وبه قال بعض الشافعية ، وأبو حنيفة(٥) ، لأنّه انفصل قبل انفصال الولد ، فأشبه ما خرج قبله.

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ١٠٠ / ٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٣ / ١٢٦١.

٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٢١ ، فتح العزيز ٢ : ٥٧٩.

٤ ـ الناصريات : ٢٢٧ مسألة ٦٤.

٥ ـ المجموع ٢ : ٥٢٠ ، فتح العزيز ٢ : ٥٧٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٣٣ ، شرح العناية ١ : ١٦٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٢١ ، اللباب ١ : ٤٧.

٣٢٥

مسألة ٩٩ : ولو ولدت ولم تر دماً فلا نفاس إجماعاً ، ولا يجب عليها الغُسل عند علماء أهل البيتعليهم‌السلام ، وبه قال أبو حنيفة(١) عملاً بالأصل السالم عن معارضة الحدث ، وللشافعي قولان(٢) ، وعن أحمد روايتان ، إحداهما : الوجوب لأنّه مخلوق من مائها فهو بمنزلة خروج الماء(٣) ، ويعارضه أنّه جامد فأشبه الحصا والدود.

مسألة ١٠٠ : لا يشترط في الولد الحياة بل ولا التمامية ، فلو ولدت مضغة أو علقة بعد أن شهد القوابل أنّه لحمة ولد ، ويتخلق منه الولد كان الدم بالإجماع نفاساً ، لأنّه دم جاء عقيب حمل ، أما النطفة والعلقة المشتبهة فلا اعتبار بهما لعدم تيقن الحمل بهما ، فيكون حكمه حكم دم الحائل.

مسألة ١٠١ : وليس لأقل النفاس حدّ ، فجاز أن يكون لحظة واحدة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال أكثر العلماء كالشافعي ، ومالك وأبي حنيفة ، وأحمد(٤) ـ لأنّه دم وجد عقيب سببه ـ وهو الولادة ـ فكان نفاساً ، وولدت امرأة على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تر نفاساً ، فسميت ذات الجفوف(٥) .

وحكي عن الثوري أنّ أقلّه ثلاثة أيام لأنّه أقل الحيض(٦) ، ولا ملازمة بينهما ، وحكي عن أبي يوسف أنّه قال : أقلّه أحد عشر يوماً ، ليزيد أقلّه على

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ١٥٠ ، فتح القدير ١ : ١٦٤.

٢ ـ المجموع ٢ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٢ : ٥٨٠.

٣ ـ المجموع ٢ : ١٥٠ ، المغني ١ : ٣٩٤.

٤ ـ المجموع ٢ : ٥٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٥٢ ، المنتقى للباجي ١ : ١٢٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٧ ، المغني ١ : ٣٩٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٣٤ ، شرح العناية ١ : ١٦٥ ، اللباب ١ : ٤٨ ، الوجيز ١ : ٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٣.

٥ ـ المهذب للشيرازي ١ : ٥٢ ، المغني ١ : ٣٩٣ ، واُنظر المعتبر : ٦٧.

٦ ـ المجموع ٢ : ٥٢٥ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٩ ، شرح الأزهار ١ : ١٦٦.

٣٢٦

أكثر الحيض(١) .

وقال محمد بن الحسن ، وأبو ثور ، والشافعي في أحد قوليه : أقلّه ساعة(٢) .

وقال المزني : أقلّه أربعة أيام لأنّ أكثر النفاس أربعة أضعاف أكثر الحيض ، فكان أقل النفاس أربعة أضعاف أقل الحيض ، وهو يوم وليلة ، فأقل النفاس أربعة(٣) .

وقال أبوعبيد : أقلّه خمسة وعشرون يوماً(٤) ، والكل خطأ ، لأنّ الشرع لم يرد بتحديده فيرجع إلى الوجود ، وقد وجد أقل من ذلك.

إذا ثبت هذا ، فإذا انقطع الدم عقيب لحظة كانت بحكم الطاهر بقية اليوم إذا لم يعاود الدم.

وقال أحمد في رواية : لو رأت النقاء لدون يوم لم يثبت لها حكم الطاهرات(٥) .

وهو خطأ لقول عليعليه‌السلام : « لا يحل للنفساء إذا رأت الطُهر إلّا أن تصلّي »(٦) .

مسألة ١٠٢ : اختلف علماؤنا في أكثره فالمشهور أنّه لا يزيد على أكثر أيام

__________________

١ ـ المبسوط للسرخسي ٣ : ٢١١ ، الكفاية ١ : ١٦٦ ، بداية المجتهد ١ : ٥٢ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٩ ، المحلى ٢ : ٢٠٧.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٢٢ ـ ٥٢٣ ، المغني ١ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٣ ، الكفاية ١ : ١٦٦.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٢٥.

٤ ـ المغني ١ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٣.

٥ ـ المغني ١ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٤.

٦ ـ سنن البيهقي ١ : ٣٤٢.

٣٢٧

الحيض ـ قاله الشيخ ، وعلي بن بابويه ، والمفيد في أحد قوليه(١) ـ لقول أحدهماعليهما‌السلام : « النفساء تكف عن الصلاة أيام أقرائها »(٢) .

ولأنّه دم حيض حبسه احتياج الولد إلى الغذاء ، وانطلاقه باستغنائه عنه ، وأكثر الحيض عشرة ، ولأنّه أحوط للعبادة.

وفي الثاني : ثمانية عشر يوماً ـ وبه قال المرتضى ، وابن الجنيد والصدوق(٣) ـ لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن النفساء كم تقعد؟ فقال : « إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تغتسل لثماني عشرة ليلة »(٤) ولا حجة فيه ، لاحتمال وقوع السؤال عند الانتهاء.

وقال ابن أبي عقيل : أيامها كأيام حيضها وأكثره أحد وعشرون يوماً ، فإن انقطع دمها في تمام حيضها صلّت وصامت ، وإن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوماً ثم استظهرت بيوم أو يومين ، فإن كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة أيام ، ثم اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، لما رواه البزنطي ـ في الصحيح ـ عن الباقرعليه‌السلام (٥) .

وقال الشافعي : اكثره ستون يوماً ـ وهو رواية لنا ـ وبه قال عطاء ، والشعبي ، ومالك ، وأبو ثور ، وحكي عن عبيد الله بن الحسن العنبري ، والحجاج بن أرطاة(٦) لأنّه قد وجد ذلك ، ولا دليل فيه ، لأنّ الزائد

__________________

١ ـ النهاية : ٢٩ ـ ٣٠ ، المقنعة : ٧ ، وحكى قول علي بن بابويه المحقق في المعتبر : ٦٧.

٢ ـ الكافي ٣ : ٩٧ / ١ ، التهذيب ١ : ١٧٣ / ٤٩٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٩.

٣ ـ المقنعة : ٧ ، الانتصار : ٣٥ ، الفقيه ١ : ٥٥ ، وحكى قول ابن الجنيد المحقق في المعتبر : ٦٧.

٤ ـ التهذيب ١ : ١٨٠ / ٥١٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٣ / ٥٣١. وفيهما عن الباقرعليه‌السلام .

٥ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٦٧.

٦ ـ المجموع ٢ : ٥٢٢ و ٥٢٤ ، مختصر المزني : ١١ ، الوجيز ١ : ٣١ ، المغني ١ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٢ ، بداية المجتهد ١ : ٥٢ ، شرح الأزهار ١ : ١٦٦ ، المحلى ٨ : ٢٠٣ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٨ ، سنن الترمذي ١ : ٢٥٩.

٣٢٨

استحاضة.

وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأبو عبيد : أكثره أربعون يوماً(١) ـ وهو رواية لنا أيضاً(٢) ـ لأنّ ام سلمة قالت : كانت النفساء تقعد على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعين ليلة وأربعين يوماً(٣) ، والراوي مجهول ، فلا عبرة به.

وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري أنّه قال : خمسون يوماً(٤) ـ وهو رواية لنا(٥) ـ وحكى الطحاوي عن الليث أنّه قال : من الناس من يقول : سبعون يوماً(٦) .

مسألة ١٠٣ : إذا زاد الدم على الأكثر ـ وهو عشرة عندنا ، وستون عند الشافعي(٧) وأربعون عند أبي حنيفة(٨) ـ فالأقوى عندي أنها إنّ كانت ذات عادة في الحيض جعلت نفاسها عدد أيام حيضها والباقي استحاضة ، وإن لم تك ذات عادة كان نفاسها عشرة أيام ، لما تقدم من الرد إلى أيامها في الحيض.

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٢٤ ، المغني ١ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٢ ، المحلى ٢ : ٢٠٣ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٨ ، بداية المجتهد ١ : ٥٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٤١ ، اللباب ١ : ٤٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٢١٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٣٤ ، شرح العناية ١ : ١٦٦ ، أحكام النساء للامام أحمد : ٦٠.

٢ ـ التهذيب ١ : ١٧٧ / ٥٠٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٦.

٣ ـ سنن أبي داود ١ : ٨٣ / ٣١١ و ٣١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢١٣ / ٦٤٨ ، سنن الترمذي ١ : ٢٥٦ / ١٣٩.

٤ ـ المجموع ٢ : ٥٢٤ ، مقدمات ابن رشد ١ : ٩١ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٨ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٢ ، سنن الترمذي ١ : ٢٥٨ ذيل الحديث ١٣٩.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٧٧ / ٥٠٧ ، الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٧.

٦ ـ المجموع ٢ : ٥٢٤ ، حلية العلماء ١ : ٢٣٢.

٧ ـ المجموع ٢ : ٥٢٢ و ٥٢٤ ، الوجيز ١ : ٣١.

٨ ـ المبسوط للسرخسي ٣ : ٢١٠ ، اللباب ١ : ٤٨ ، بدائع الصنائع ١ : ٤١.

٣٢٩

وقال بعض أصحاب الشافعي : إذا استحيضت النفساء وتجاوز الدم ستين كانت الستون نفاساً ـ وهو قول المزني ـ والزائد استحاضة لثبوت النفاس باليقين ، فلا يزول إلّا بمثله ، بخلاف الحيض لأنّه لم يثبت أولاً باليقين(١) .

وقال بعضهم : الزائد على الستين حيض لعدم التنافي(٢) .

وقال الباقون منهم بالتفصيل ، فإن كانت ذات عادة فيه بأن تلد مرتين مثلا وترى الدم أربعين ردت إلى عادتها من الاربعين ، ثم إنّ كانت معتادة في الحيض فترد إلى عادتها في الطُهر ، ثم تحيض قدر عادتها في الحيض.

وان كانت مبتدأة في الحيض جعلت القدر الذي ترد إليه المبتدأة في الطُهر استحاضة ، والقدر الذي ترد إليه في الحيض حيضاً ، ولو ولدت مراراً وهي ذات جفاف ، ثم ولدت واستحيضت ، فلا نجعل عدم النفاس عادة ، بل هي مبتدأة في النفاس.

وإن كانت مبتدأة في النفاس فله قولان ، أحدهما : الرد إلى لحظة ، والثاني : إلى أربعين ، لأنّه الغالب ، وإن كانت محيرة فحكمها حكم الحائض في شرط التمييز ، وترد إليه كما في الحيض ، إلّا أن الستين هنا بمنزلة خمسة عشر هناك ، فلا يزيد التمييز على الستين ، وإن نسيت عادتها في النفاس ففي قول تُردّ إلى الاحتياط ، وعلى آخر أنها تُردّ إلى ما ترد إليه المبتدأة(٣) .

فروع :

الأول : لو رأت عقيب الولادة لحظة ثم انقطع ، ورأته قبل العاشر

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٣٠.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٣٠.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٣٠ ـ ٥٣١ ، فتح العزيز ٢ : ٥٩٠ ـ ٥٩٢ ، الوجيز ١ : ٣٢.

٣٣٠

لحظة فالدمان وما بينهما نفاس ، لأنّ الطُهر لا يكون أقل من عشرة ، ولو رأت اللحظة الأخيرة خاصة فهي النفاس خاصةً.

أما الشافعي فعنده إذا انقطع دم النفاس فإن لم يبلغ النقاء بين الدمين أقل الطُهر كيوم ويومين فأزمنة الدم نفاس ، وفي أزمنة النقاء قولان كالحيض(١) .

الثاني : لو رأت يوم الولادة ثم انقطع عشرة أيام ، ثم رأت الدم ثلاثة أيام ، فالأول نفاس ، والنقاء طهر ، والثاني حيض لمضي طهر كامل بعد انقطاع النفاس ، ولو قصر الثاني عن ثلاثة لم يكن حيضاً ، بل دم فساد.

وعند الشافعي أنّه إذا تخلل بين الدمين أقل الطُهر ، كما لو رأت عقيب الولادة ، ثم طهرت خمسة عشر يوماً ، ثم عاد الدم قبل الستين ، فأصح الوجهين : أنّه حيض ، لأنّه وما قبله دمان تخللهما طهرُ صحيح ، فلا يضم أحدهما إلى الآخر كدمي الحيض ، وبه قال أبو يوسف ، ومحمد(٢) .

والثاني ـ وبه قال أبو حنيفة ـ : أنّه دم نفاس لوقوعه في زمان إمكان النفاس(٣) .

وقال أحمد : العائد مشكوك فيه ، تصوم وتصلّي ، وتقضي الصوم والطواف ، ولا يأتيها زوجها ، لاحتمال أنّه نفاس ودم فساد(٤) .

فلو ولدت ولم تر الدم خمسة عشر يوماً فصاعدا ثم رأته ، فإن قيل : العائد نفاس ، ففي أيام النقاء وجهان(٥) .

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٢٨.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٢٨ ، الوجيز ١ : ٣٢ ، المغني ١ : ٣٩٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٧ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٤١ و ٣ : ٢١١.

٣ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ١٤١ ، المجموع ٢ : ٥٢٨ ، الوجيز ١ : ٣٢.

٤ ـ المغني ١ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٦.

٥ ـ فتح العزيز ٢ : ٦٠٠ ـ ٦٠١.

٣٣١

الثالث : إذا كانت عادتها عشرة أيام حيضاً وعشرين طُهراً ، فرأت عشرة أيام نفاساً وشهراً طُهراً ، ثم رأت الدم واتصل بها لم تبطل بذلك عادتها ، بل ترجع إلى العادة التي كانت قبل الولادة من اعتبار الحيض والطهر.

وقالت الشافعية : إذا كانت تحيض عشرة وتطهر عشرين فرأت عشرين يوماً نفاساً ثم طهرت شهرين ، ثم عاودها الدم واتصل وعبر أكثر الحيض ، فإنها مستحاضة ، تُردّ إلى عادتها في الحيض ، وهي عشرة أيام ، ويكون طهرها شهرين لأنّ طهرها تغير(١) ، والطهر في الحيض والنفاس واحد وهو يجئ على قول من لا يعتبر تكرر العادة.

الرابع : لو رأت خمسة أيام ثم ولدت بعد ذلك قبل أن يمضي زمان الطُهر فالدم ليس بنفاس لتقدمه ، قال الشيخ : وليس بحيض ، لأنّ الحامل المستبين حملها لا تحيض ، فيكون دم فساد(٢) ، وهو أحد قولي الشافعية ، والثاني : أنّه حيض لأنّ الحامل قد ترى الدم ، ولا يعتبر بينه وبين النفاس طهرُ صحيح ، والولادة تفصل بينهما ، بخلاف الحيض ، لأنّه لم يوجد للطهر بين الحيضتين أقل من خمسة عشر يوماً(٣) .

مسألة ١٠٤ : حكم النفاس حكم الحيض في جميع المحرمات والمكروهات ، والخلاف في الكفارة بوطئها ، ولا نعلم فيه خلافاً ، لأنّ دم النفاس هو دم الحيض ، وإنّما احتبس مدة الحمل لانصرافه إلى غذاء الولد ، فإذا وضع الولد وانقطع العرق الذي كان مجرى الدم ، خرج من الفرج كما يخرج من الحائض ، فإذا رأت بعد الولادة ساعة دما ثم انقطع كان عليها أن تغتسل ، ولزوجها أن يأتيها ، فإن خافت العود استحب التثبت احتياطاًً.

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٣٢.

٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٢٢ ، الوجيز ١ : ٣١.

٣٣٢

مسألة ١٠٥ : لو ولدت توأمين ، فابتداء النفاس من الأول ، وعدد الايام من الثاني ، ذهب إليه علماؤنا ـ وهو أحد أقوال الشافعي ، وإحدى روايات أحمد(١) ـ لأنّ كلّ واحد منهما سبب في إثبات حكم النفاس ، بدليل حالة الانفراد فإذا اجتمعا ثبت لكلّ منهما نفاس ، وتداخلا فيما اجتمعا فيه.

والثاني : أن النفاس من أوّله كله أوّله وآخره ـ وبه قال مالك ، وأبو حنيفة وأبو يوسف ، وأحمد في أصح الروايات(٢) ـ لأنّه دم تعقب الولادة فكان نفاساً كالولد الواحد ، فإذا انقضت مدة النفاس من حين وضعت الأول لم يكن ما بعده نفاساً وإن كان يوماً واحداً ، لأنّ ما بعد الأول نفاس لأنّه عقيب الولادة ، فإذا كان أوّله منه فآخره منه كالمنفرد.

والثالث : أن النفاس من الثاني ـ وبه قال محمد ، وزفر ، وأحمد(٣) ـ لأنّ الخارج قبل الثاني دم خرج قبل انقضاء الحمل فأشبه ما إذا خرج قبل الولادة ، والاعتبار بجميع الحمل ، فإن الرجعة إنّما تنقطع بذلك ، وعلى هذا لو أسقطت عضوا من ولد وبقي الولد في البطن ، فهل يجعل الدم نفاسا؟ على الخلاف.

إذا عرفت هذا ، قالت الشافعية : إذا لم يجعل الدم نفاساً فهل يكون حيضا؟ قولان ، بناء على أن الحامل هل تحيض أم لا؟(٤) وقد تقدم(٥) .

مسألة ١٠٦ : يعتبر حالها عند الانقطاع قبل العشرة ، فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت ، وإلّا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة ، لقول الصادق عليه

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٢٧ ، المغني ١ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٨ و ٤٠٩ ، الإنصاف ١ : ٣٨٦.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٢٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٤٣ ، المغني ١ : ٣٩٥ ، الشرح الصغير ١ : ٨١ ، اللباب ١ : ٤٨ ـ ٤٩.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٢٦ ، المغني ١ : ٣٩٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٢١٢ ، العناية في شرح الهداية ١ : ١٦٧.

٤ ـ المجموع ٢ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

٥ ـ تقدم في المسألة ٨١.

٣٣٣

السلام وقد سئل عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى ، قال : « فلتقعد أيام قرئها ، ثم تستظهر بعشرة أيام ، فإن رأت دما صبيباً فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة ، وإن رأت صفرة فلتتوضأ ثم لتصل »(١) وليس مراده الاستظهار بعشرة ، بل إلى عشرة بأن تكون عادتها تسعة فتستظهر بيوم ، أو ثمانية فتستظهر بيومين ، فلا ينافي ما ورد من الاستظهار بيوم أو يومين.

ولو انقطع قبل العاشر ثم عاد قضت الصوم ، ولو لم ترَ دما حتى انقضى العاشر فلا نفاس ، ثم إنّ استمر ثلاثة فهو حيض ، وإن كان أقل فهو استحاضة.

فإن عاد قبل العشرة الثانية ما يتمّ به ثلاثاً ، فإن قلنا برواية يونس(٢) كان الدم حيضاً ، وما بينهما أيضاً ، وإن اشترطنا التوالي ، فهو استحاضة لفوات الشرط ، وكذا لو رأت بعد العاشر ساعة دما وساعة طُهراً واجتمع ثلاثة أيام في عشرة كان الدم حيضاً على الرواية وما تخلله ، وعلى القول الآخر استحاضة.

مسألة ١٠٧ : وغسلها واجب بإجماع العلماء لما تقدم ، ولا بد معه من الوضوء على الاشهر ، وتقديمه أفضل ، وقد يأتي في بعض عبارة(٣) علمائنا وجوب التقديم(٤) ، لقول أبي عبد اللهعليه‌السلام : « في كلّ غسل وضوء إلّا غسل الجنابة »(٥) والفيئية غير مرادة ، بل المجاز وهو السبق والتأخر مع المتعابعة ، وقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة »(٦) للاستحباب.

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦ / ٥٠٢ ، الاستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢٢.

٢ ـ الكافي ٣ : ٩٩ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٧٥ / ٥٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥٢٠.

٣ ـ هكذا في الأصلين ، ولعلّ الصواب : عبارات ، أو عبارة بعض.

٤ ـ منهم الشيخ الطوسي في الجمل والعقود : ١٦٥ و ١٦٣ ، والراوندي في التنقيح الرائع ، كما حكاه المحقق في المعتبر : ٦٩.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٤٣ / ٤٠٣ و ٣٠٣ / ٨٨١.

٦ ـ الكافي ٣ : ٤٥ / ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩١ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٢٨.

٣٣٤

الفصل الخامس : في غسل الأموات

وفيه ستة مطالب.

مقدمة : ينبغي للمريض ترك الشكاية مثل أن يقول : ابتليت بما لم يبتل به أحد ، وشبهه ، ويستحب عيادته إلّا في وجع العين ، قال أمير المومنينعليه‌السلام : « ضمنت لستة الجنّة : رجل خرج بصدقة فمات فله الجنّة ، ورجل خرج يعود مريضاً فمات فله الجنّة ، ورجل خرج مجاهداً في سبيل الله فمات فله الجنّة ، ورجل خرج حاجا فمات فله الجنّة ، ورجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنة. ورجل خرج في جنازة رجل مسلم فمات فله الجنّة »(١) . وإن يأذن لهم في الدخول عليه ، فإذا طالت علته ترك وعياله ، وينبغي تخفيف العيادة إلّا أن يطلب المريض الاطالة.

وتجب الوصية على كلّ من عليه حق ، ويستحب لغيره ، وينبغي الاستعداد بذكر الموت كلّ وقت ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ، فما ذكر في كثير إلّا قلّله ، ولا في قليل إلّا كثره )(٢) .

__________________

١ ـ الفقيه ١ : ٨٤ / ٣٨٧.

٢ ـ سنن الترمذي ٤ : ٦٣٩ / ٢٤٦٠ ، الكامل لابن عدي ٥ : ١٨٦٤ ، الجامع الصغير ١ : ٢٠٨ / ١٣٩٩ ، وعوالي اللآلي ١ : ٢٤٧ / ٣.

٣٣٥

وقالعليه‌السلام : ( استحيوا من الله حق الحياء ) فقيل : يا رسول الله وكيف نستحيي من الله حق الحياء؟ قال : ( من حفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وترك زينة الحياة الدنيا ، وذكر الموت والبلى ، فقد استحيى من الله حق الحياء )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « من عد غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت »(٢) .

وينبغي أن يحسن ظنه بربه ، فقد روي : أن الله تعالى يقول : « أنا عند ظن عبدي بي »(٣) ولا ينبغي أن يتمنى الموت وإن اشتد مرضه ، لقولهعليه‌السلام : ( لا يتمنين أحدكم الموت لضُرّ نزل به ، ولكن ليقولن : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي )(٤) .

وينبغي التوبة لأنّها مسقط للعقاب ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في آخر خطبة خطبها : ( من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه ، ثم قال : وإن السنة لكثير ، ومن تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه ، ثم قال : وإن الشهر لكثير ، ومن تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه ، ثم قال : وإن اليوم لكثير ومن تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه ، ثم قال : وإن الساعة لكثير ، من تاب وقد بلغت نفسه هذه ـ وأومى بيده إلى حلقه ـ تاب الله عليه )(٥) .

__________________

١ ـ سنن الترمذي ٤ : ٦٣٧ / ٢٤٥٨ ، مسند أحمد ١ : ٣٨٧.

٢ ـ الفقيه ١ : ٨٤ / ٣٨٥.

٣ ـ الكافي ٢ : ٥٨ / ٣ ، وصحيح مسلم ٤ : ٢٠٦١ / ٢٦٧٥.

٤ ـ صحيح البخاري ٧ : ١٥٦ و ٨ : ٩٤ ، صحيح مسلم ٤ : ٢٠٦٤ / ٢٦٨٠ ، سنن أبي داود ٣ : ١٨٨ / ٣١٠٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٠٢ / ٩٧٠ ، سنن النسائي ٤ : ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٧٧ ، مسند أحمد ٣ : ١٠٤.

٥ ـ الفقيه ١ : ٧٩ / ٣٥٤ ، ومسند أحمد ٢ : ٢٠٦.

٣٣٦

المطلب الأول : الاحتضار.

مسألة ١٠٨ : اختلف علماؤنا في وجوب توجيهه إلى القبلة عند الموت ، فقال المفيد وسلار به(١) ، لأنّ علياًعليه‌السلام قال : « دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رجل من ولد عبد المطلب ، وهو في السوق وقد وجه إلى غير القبلة ، فقال : وجهوه إلى القبلة ، فانكم اذا فعلتم ذلك اقبلت عليه الملائكة »(٢) .

وقال الباقون بالاستحباب(٣) ، وبه قال عطاء ، والنخعي ، والشافعي ، ومالك ، وأهل المدينة ، والأوزاعي ، وأهل الشام ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي(٤) ، لأنّ حذيفة قال : وجهوني(٥) ، ولقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( خير المجالس ما استقبل به القبلة )(٦) والأصل عدم الوجوب.

وأنكره سعيد بن المسيب ، فإنهم لما أرادوا أن يحولوه إلى القبلة ، قال : ما لكم؟ قالوا : نحولك إلى القبلة ، قال : ألم أكن على القبلة إلى يومي هذا؟!(٧) وفعلهم به دليل على اشتهاره عندهم.

تذنيب : وكيفيته أن يلقى على ظهره ، ويجعل باطن قدميه إلى القبلة

__________________

١ ـ المقنعة : ١٠ ، المراسم : ٤٧.

٢ ـ الفقيه ١ : ٧٩ / ٣٥٢ ، ثواب الأعمال : ٢٣٢ / ١ ، علل الشرائع : ٢٩٧ ، الباب ٢٣٤.

٣ ـ منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٠ والخلاف ١ : ٦٩١ مسألة ٤٦٦ ، والمحقق في المعتبر : ٦٩ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٨.

٤ ـ المجموع ٥ : ١١٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٦ ، شرح فتح القدير ٢ : ٦٨ ، الوجيز ١ : ٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٠٤ ، المغني ٢ : ٣٠٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٩٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٠ ، اللباب ١ : ١٢٥.

٥ ـ المغني ٢ : ٣٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٠٥.

٦ ـ الغايات : ٨٧ ، كنز العمال ٩ : ١٣٩ / ٢٥٤٠١ نقلاً عن الطبراني في معجمه.

٧ ـ المغني ٢ : ٣٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٦.

٣٣٧

بحيث لو جلس لكان مستقبلاً ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ـ(١) لقول الصادقعليه‌السلام : « يستقبل بوجهه القبلة ، ويجعل باطن قدميه مما يلي القبلة »(٢) .

وقال أبو حنيفة : يضجع على شقه الأيمن ووجهه إلى القبلة كما يفعل به في المدفن(٣) .

مسألة ١٠٩ : ويستحب نقله إلى مصلاه إذا تعسر عليه خروج الروح ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا عسر على الميت موته ونزعه قُرّب إلى المصلى الذي كان يصلّي فيه »(٤) .

وأن يلقن الشهادتين ، وأسماء الائمةعليهم‌السلام ، قال الباقرعليه‌السلام : « لو أدركت عكرمة عند الموت لعلمته كلمات ينتفع بها » قلت : جعلت فداك وما تلك الكلمات؟ قال : « هو ما أنتم عليه ، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا اله إلّا الله ، والولاية »(٥) وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لقنوا موتاكم لا إله إلّا الله ، فإن من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله دخل الجنّة )(٦) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « اعتقل لسان رجل من أهل المدينة على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي مات فيه ، فدخل عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : ( قل لا اله إلّا الله ) فلم يقدر عليه ،

__________________

١ ـ المجموع ٥ : ١١٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٠٦ ، الوجيز ١ : ٧٢.

٢ ـ الكافي ٣ : ١٢٦ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٥ / ٨٣٣.

٣ ـ شرح فتح القدير ٢ : ٦٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٠ ، شرح العناية ٢ : ٦٧ ، اللباب ١ : ١٢٥ ، المجموع ٥ : ١١٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٠٦.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٢٥ / ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٦.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٢٣ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ / ٨٣٨.

٦ ـ الفقيه ١ : ٧٨ / ٣٤٨ ، ثواب الأعمال : ٢٣٢ / ١ ، أمالي الصدوق : ٤٣٤ / ٥ ، وموارد الظمآن : ١٨٤ ، الباب ٩.

٣٣٨

فأعاد [ عليه ](١) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يقدر عليه ، وعند رأس الرجل امرأة فقال لها : ( هل لهذا الرجل اُمٌّ؟ ) فقالت : نعم يا رسول الله أنا امه ، فقال لها : ( افراضية أنت عنه ، أم لا؟ ) فقالت : بل ساخطة ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( فإني احب أن ترضي عنه ) ، فقالت : قد رضيت عنه لرضاك يا رسول الله ، فقال له : ( قل لا إله إلّا الله ) ، فقال : لاإله إلّا الله ، فقال له(٢) : ( قل يا من يقبل اليسير ويعفوا عن الكثير إقبل مني اليسير واعف عني الكثير إنك أنت العفو الغفور ) ، فقالها ، فقال له : ( ماذا ترى؟ ) فقال : أرى أسودين قد دخلا علي ، فقال : ( أعدها ـ فأعادها ـ فقال : ما ترى؟ ) قال : قد تباعدا عني ودخل الابيضان ، وخرج الاسودان فما أراهما ، ودنا الابيضان مني يأخذان بنفسي ، فمات من ساعته »(٣) .

وينبغي أن يلقن كلمات الفرج ، قال الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع فقال : ( قل لا إله إلّا الله الحليم الكريم ، لا إله إلّا الله العلي العظيم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ، وما فيهن وما بينهن ، وما تحتهن ، ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين ) ، فقالها ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الحمد لله الذي استنقذه من النار »(٤) .

مسألة ١١٠ : ويستحب أن يقرأ عنده القرآن ، قال الكاظمعليه‌السلام لابنه

__________________

١ ـ زيادة من المصدر.

٢ ـ زياة من النسخة ( ش ).

٣ ـ الفقيه ١ : ٧٨ / ٣٥٠.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٢٤ / ٩ ، الفقيه ١ : ٧٧ / ٣٤٦.

٣٣٩

القاسم : قم يا بني واقرأ عند رأس أخيك( والصافات صفاً ) حتى تستتمها فلما بلغ( أهم أشد خلقاً أم من خلقنا ) (١) قضى الفتى ، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له : كنا نعهد الميت إذا نزل به يقرأ عنده( يس ) فصرت تأمر بالصافات ، فقال : « يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلّا عجل الله راحته »(٢) .

وقال الشافعي وأحمد : يقرأ( يس ) (٣) ، وقال بعض التابعين : يقرأ سورة الرعد(٤) . وكل ذلك حسن ، وكما يستحب قراء‌ة القرآن قبل خروج الروح ، فكذا يستحب بعده استدفاعاً عنه.

ويكره أن يقبض على شيء من أعضائه إنّ حركها ، ولا يمنع منه ، ولا يظهر الجزع عليه ، لئلا تضعف نفسه فتكون إعانة على موته ، ويكره أن يحضره جنب ، أو حائض لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تحضر الحائض الميت ، ولا الجنب عند التلقين ، ولا بأس أن يليا غسله »(٥) وقال علي بن أبي حمزة للكاظمعليه‌السلام : المرأة تقعد عند رأس المريض ـ وهي حائض ـ في حدّ الموت؟ فقال : « لا بأس أن تمرضه ، وإذا خافوا عليه وقرب ذلك فلتنح عنه وعن قربه ، فإن الملائكة تتأذى بذلك »(٦) .

مسألة ١١١ : ويستحب أن يفعل بالميت بعد وفاته سبعة أشياء :

الأول : إغماض عينيه ، قالت زينب بنت ام سلمة : ولي رسول الله

__________________

١ ـ الصافات : ١١.

٢ ـ الكافي ٣ : ١٢٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٨.

٣ ـ الوجيز ١ : ٧٢ ، المجموع ٥ : ١١٥ ، فتح العزيز ٥ : ١١٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٣٠ ، المغني ٢ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٠٤ ، المحرر في الفقه ١ : ١٨٢.

٤ ـ المجموع ٥ : ١١٦ ، فتح العزيز ٥ : ١١٠ ، سبل السلام ٢ : ٥٣٧.

٥ ـ التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦٢.

٦ ـ الكافي ٣ : ١٣٨ / ١.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403