تذكرة الفقهاء الجزء ١

تذكرة الفقهاء14%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 246476 / تحميل: 9738
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

استعماله مطلقاً.

وقال أبو إسحاق من الشافعية : لا يجوز أن يستعمل من موضع يكون بينه وبين النجاسة أقل من قلّتين(١) . وغلطه الباقون ، إذ الاعتبار بالمجموع ، ولو كانت مائعة واستحالت ولم تغير لم تنجس.

السادس : لو كان قدر كرّ خاصة ، والنجاسة متميزة ، فاغترف بإناء ، فالمأخوذ وباطن الإناء طاهران ، والباقي وظاهر الاناء نجسان.

ولو حصلت النجاسة فيه انعكس الحال في الماء والإناء ، فإن نقط نجس الباقى إن كان النقط من باطنه ، وإلّا فلا.

السابع : لو نبع الماء من تحته لم يطهره وإن أزال التغيّر ، خلافاً ، للشافعي(٢) ، لأنا نشترط في المطهر وقوعه كرا دفعة.

مسألة ٥ : الماء القليل ينجس بملاقات النجاسة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(٣) ، وممن فرق بين القليل والكثير ـ وإن اختلفوا في حدّ الكثرة ـ ابن عمر ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشافعي ، وأحمد ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، والمزني(٤) . لقولهعليه‌السلام : ( إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثا ) رواه الجمهور(٥) ، وعن الكاظم عليه

__________________

١ ـ المجموع ١ : ١٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٤.

٢ ـ الاُم ١ : ٥ ، المجموع ١ : ١٣٢.

٣ ـ اُنظر المبسوط للطوسي ١ : ٧ ، المعتبر : ١١ ، المراسم : ٣٦ ، المهذب لابن البراج ١ : ٢١.

٤ ـ الاُم ١ : ٤ ، التفسير الكبير ٢٤ : ٩٤ ، مختصر المزني : ٩ ، المجموع ١ : ١١٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٤٠ ، المحلى ١ : ١٥٠ ، المغني ١ : ٥٣.

٥ ـ سنن الترمذي ١ : ٩٧ / ٦٧ ، سنن النسائي ١ : ١٧٥ ، سنن الدارقطني ١ : ١٦ / ٧ ، نيل الأوطار ١ : ٣٧.

٢١

السلام : الدجاجة تطأ العذرة ثم تدخل في الماء ، أيتوضأ منه؟ « فقال » : لا(١) ولأنّه لقلته في مظنة الأنفعال فكان كالتغير في الكثير.

وقال ابن أبي عقيل منّا : لا فرق بين القليل والكثير في أنهما لا ينجسان إلّا بالتغيّر(٢) ، وهو مروي عن ابن عباس ، وحذيفة ، وأبي هريرة ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، وعكرمة ، وابن أبي ليلى ، وجابر بن زيد ، وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وداود ، وابن المنذر(٣) ، لقولهعليه‌السلام : ( الماء طهور لا ينجسه شيء إلّا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه )(٤) ويبطل بتقديم الخاص مع التعارض.

فروع :

الأول : ينجس القليل بما لا يدركه الطرف من الدم ، كرؤوس الإبر ، لما تقدم. وقال الشيخ : لا ينجس(٥) ، لقول الكاظمعليه‌السلام وقد سئل عن رجل امتخط فصار الدم قطعاً ، فأصاب إناء‌ه ، هل يصلح الوضوء منه؟ قال : « إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن كان شيئاً بيّنا فلا يتوضأ منه »(٦) ولا حجة فيه ، إذ إصابة الاناء لا تستلزم إصابة الماء.

وللشافعي قول بعدم التنجيس في الدم وغيره(٧) .

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢١ / ٤٩ ، قرب الاسناد : ٨٤.

٢ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ١٠.

٣ ـ المجموع ١ : ١١٣ ، المغني ١ : ٥٤ ، التفسير الكبير ٢٤ : ٩٤ ، نيل الأوطار ١ : ٣٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤.

٤ ـ المهذب للشيرازي ١ : ١٢.

٥ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٧.

٦ ـ الكافي ٣ : ٧٤ / ١٦ ، التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٢٩٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣ / ٥٧ ، البحار ١٠ : ٢٥٦.

٧ ـ فتح العزيز ١ : ٢٠٩ ، المجموع ١ : ١٢٦ ، الاشباه والنظائر للسيوطي : ٤٣٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤.

٢٢

الثاني : لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا إنّ اعتدل الماء ، وإلّا في حق السافل ، فلو نقص الأعلى عن كر انفعل بالملاقاة ، ولو كان أحدهما نجساً فالأقرب بقاؤه على حكمه مع الاتصال وانتقاله إلى الطهارة مع الممازجة ، لأنّ النجس لو غلب الطاهر نجّسه مع الممازجة فمع التمييز يبقى على حاله.

الثالث : لو استهلك القليل المضاف وبقي الاطلاق جازت الطهارة به أجمع ، وكذا النجس في الكثير.

الرابع : النجس لا يجوز استعماله في طهارة الحدث والخبث مطلقاًً ، ولا في الأكل والشرب ، إلّا مع الضرورة.

الخامس : لا يطهر القليل بالاتمام كرا ، لأنفعاله بالنجاسة ، فكيف يرفعها عن غيره؟

وقال المرتضى في الرسية : يطهر ، لأنّ البلوغ يستهلك النجاسة ، ولا فرق بين وقوعها قبل البلوغ وبعده(١) . وهو ممنوع.

وللشافعي قولان(٢) .

السادس : لو جمع بين نصفي كر نجس لم يطهر على الاشهر ، لأنّ كلا منهما لا يرفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى.

وقال بعض علمائنا : يطهر(٣) ، وبه قال الشافعي(٤) ، لقوله عليه

__________________

١ ـ رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣٦١.

٢ ـ المجموع ١ : ١٣٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٣ ، فتح العزيز ١ : ٢١١ ، مختصر المزني : ٩.

٣ ـ هو ابن البراج في المهذب ١ : ٢٣.

٤ ـ المجموع ١ : ١٣٦ ، فتح العزيز ١ : ٢١١ ، الاُم ١ : ٥.

٢٣

السلام : ( إذا بلغ الماء قلّتين ـ أو كراً على الخلاف ـ لم يحمل خبثاً )(١) ، ولم يثبت عندنا.

السابع : لو تيقن أحد طرفي الطهارة والنجاسة ، وشك في الآخر ، عمل على المتيقن ، ولو شك في استناد التغيّر إلى النجاسة بنى على الأصل ، والأقرب البناء على الظن فيهما ، للبناء على الأصل والاحتياط.

الثامن : لو أخبره العدل بنجاسة الماء لم يجب القبول ، قال ابن البراج : وكذا العدلان(٢) وليس بجيد ، لوجوب رده مبيعاً(٣) ، ولو تعارضت البينتان فكالمشتبه. ولو أخبره الفاسق بطهارة مائه قبل ، ولو أخبره بنجاسته فإن كان بعد الطهارة لم يلتفت ، وإن كان قبلها فالأقرب القبول.

التاسع : لو شك في وقوع النجاسة قبل الاستعمال فالاصل الصحة ، ولو علم السبق وشك في بلوغ الكرية ينجس ، ولو رأى في الكر نجاسة بنى على الطهارة وإن شك في وقوعها قبل الكرية ، ولو شك في نجاسة الميت فيه فكذلك.

العاشر : الكثير لا ينفعل بالنجاسة ، ولا شيء منه إلّا بالتغير ، وبه قال الشافعي(٤) للحديث(٥) .

__________________

١ ـ سنن الدارقطني ١ : ١٦ / ٧ و ١٥ ، سنن الترمذي ١ : ٩٧ / ٦٧ ، سنن النسائي ١ : ١٧٥ ، سنن البيهقي ١ : ٢٦٠ ـ ٢٦١.

٢ ـ المهذب ١ : ٣٠.

٣ ـ ورد ما بين القوسين في الطبع الحجري : متعيّنا. وهو تصحيف. والمراد كما في هامش نسخة ( ن ) : إذا كان مبيعا وشهد عدلان بنجاسته ردّه المشتري على البائع ، فلو لم يقبل العدلان لم يجب ردّه.

٤ ـ مغني المحتاج ١ : ٢١ ، التفسير الكبير ٢٤ : ٩٤ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٤١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤ ، الوجيز ١ : ٧ ، الاُم ١ : ٤ ، المجموع ١ : ١١٢.

٥ ـ سنن الدارقطني ١ : ١٤ / ١ ـ ٥ ، سنن الترمذي ١ : ٩٧ / ٦٧ ، سنن النسائي ١ : ١٧٥ ، نيل الأوطار ١ : ٣٧.

٢٤

وقال أبو حنيفة أنّه ينجس ، ولو كان بحراً لا ينجس جميعه ، بل القدر الذي يتعدى إليه لون النجاسة(١) .

مسألة ٦ : الأقوى أن ماءً البئر إنّما ينجس بالتغير بالنجاسة ، لقول الرضاعليه‌السلام : « ماءً البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن ينتن »(٢) .

والاشهر عند علمائنا التنجيس(٣) ، لقول الكاظمعليه‌السلام : « يجزيك أن تنزح منها دلاء‌ا فإن ذلك يطهرها »(٤) .

وقسموا النجاسة أقساماً :

الأول : ما يوجب نزح الجميع ، وهو موت البعير ، وانصباب الخمر ، لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلتنزح »(٥) وأفتى الصدوق بعشرين دلوا في قطرة الخمر ، والجميع في الثور(٦) .

وألحق الشيخ المني ، والفقاع ، ودم الحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، وغير المقدّر(٧) ، وألحق أبو الصلاح بول وروث مالا يؤكل لحمه(٨) ، وابن البراج عرق الابل الجلالة والجنب من الحرام(٩) .

__________________

١ ـ تفسير القرطبي ١٣ : ٤٢ ، اللباب ١ : ٢٠ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٤٠.

٢ ـ الكافي ٣ : ٥ / ٢ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٣ / ٨٧.

٣ ـ المعتبر : ١٢ ، المقنعة : ٩ ، المهذب لابن البراج ١ : ٢١ ، المبسوط للطوسي ١ : ١١.

٤ ـ التهذيب ١ : ٢٣٧ / ٦٨٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧ / ١٠١.

٥ ـ الكافي ٣ : ٦ / ٧ ، التهذيب ١ : ٢٤٠ / ٦٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩٢.

٦ ـ المقنع : ١١ ، الهداية : ١٤ ، الفقيه ١ : ١٢ ـ ١٣.

٧ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١١ ـ ١٢.

٨ ـ الكافي في الفقه ١ : ١٣٠.

٩ ـ المهذب ١ : ٢١.

٢٥

وإذا تعذر نزح الجميع تراوح عليها أربعة رجال يوماً ، كلّ اثنين دفعة.

الثاني : ما يوجب نزح كرّ ، وهو موت الحمار ، والبغل ، والفرس ، والبقرة.

الثالث : ما ينزح له سبعون دلوا ، وهو موت الانسان لقول الصادقعليه‌السلام : « فأكثره الانسان ينزح منها سبعون دلوا »(١) ولا فرق بين الصغير والكبير ، والمسلم ، والكافر.

وقال بعض أصحابنا : ينزح للكافر الجميع ، لأنّه لو كان حياًَ لوجب الجميع ، حيث لم يرد فيه نصّ ، والموت لا يزيل النجاسة(٢) .

ويضعف بزوال الكفر به.

الرابع : ما ينزح له خمسون دلواً وهو العذرة الذائبة ، والدم الكثير غير الثلاثة ، كذبح الشاة ، وقال المفيد : في الكثير عشر دلاء(٣) .

الخامس : ما ينزح له أربعون ، وهو موت الكلب ، والخنزير ، والشاة والثعلب ، والأرنب ، والسنور ، وما في قدر جسمه ، وبول الرجل.

وقال الصدوق : في السنور سبع ، وفي الشاة تسع أو عشر(٤) .

السادس : ما ينزح له ثلاثون ، وهو ماءً المطر وفيه خرؤ الكلب ، والبول والعذرة.

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٢٣٥ / ٦٧٨.

٢ ـ هو ابن إدريس في السرائر : ١٠.

٣ ـ المقنعة : ٩.

٤ ـ الفقيه ١ : ١٢ و ١٥.

٢٦

السابع : ما ينزح له عشر : وهو الدم القليل كذبح الطير ، والعذرة اليابسة.

الثامن : ما ينزح له سبع ، وهو الفأرة إذا تفسخت ، أو انتفخت ، وبول الصبي ، واغتسال الجنب ـ قال الشيخ : ولا يطهر(١) ـ وخروج الكلب حياًَ ، وموت الطير كالحمامة والنعامة.

[ التاسع : ما ينزح له خمس ، وهو ذرق الدجاج ، وقيده الأكثر بالجلال.

العاشر : ما ينزح له ثلاث ، وهو الفأرة إذا لم تتفسخ ولم تنتفخ ، والحية ](٢) .

الحادي عشر : ما ينزح له دلو واحد ، وهو العصفور وما في قدره.

وعندي أن ذلك كله مستحب ، وقد بينت الخلاف والحجاج في منتهى المطلب(٣) على الاستقصاء.

إذا عرفت هذا فعند الشافعي أن ماءً البئر كغيره ينجس إن كان دون القلتين ، وإن كان أزيد فلا ، ثم إنّ تنجس وهو قليل لم يطهر بالنزح ، لأنّ قعر البئر يبقى نجساً ، بل يترك ليزداد أو يساق إليه الماء الكثير.

وإن كان كثيراً نجس بالتغير فيكاثر إلى زوال التغيّر أو يترك حتى يزول التغيّر بطول المكث أو ازدياد الماء.

ولو تفتت الشيء النجس كالفأرة بتمعط شعرها فيه ، فالماء على

__________________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٢.

٢ ـ ما بين المعقوفتين لم يرد في نسخة ( م ).

٣ ـ منتهى المطلب ١ : ١٠ ـ ١٢.

٢٧

طهارته ، لعدم التغيّر ، ولا ينتفع به ، لأنّ ما يستقى يوجد فيه شيء من النجاسة ، فينبغي أن يستقى إلى أن يغلب ظن خروج أجزائها(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا وقعت في البئر نجاسة نزحت فتكون طهارة لها ، فإن ماتت فيها فأرة أو صعوة ، أو سام أبرص نزح منها عشرون دلوا إلى ثلاثين ، وفي موت الحمامة أو الدجاجة أو السنور ما بين أربعين إلى ستين ، وفي الكلب أو الشاة أو الآدمي جميع الماء(٢) .

فروع :

الأول : لو تغير الماء نجس إجماعاً ، وطهر بنزح ما يزيله على الأقوى ، لزوال الحكم بزوال علته ، وقال الشيخان : نزح الجميع فإن تعذر نزح حتى يطيب(٣) ، وقال المرتضى ، وابن بابويه : يتراوح الاربعة لانقهاره بالنجاسة فيجب إخراجه(٤) .

الثاني : لو تغير بما نجاسته عرضيّة ، كالمسك والدبس والنيل لم ينجس ، وكذا الجاري وكثير الواقف ، خلافاً للشيخ(٥) ، لأنّ التغيّر ليس بالنجاسة.

الثالث : الحوالة في الدلو على المعتاد ، لعدم التقدير الشرعي ، ولو اخرج بإناء عظيم ما يخرجه العدد فالأقوى الإجزاء.

الرابع : يجزي النساء والصبيان في التراوح ، لصدق القوم عليهم ، ولا بد من اثنين اثنين ، ولو نهض القويان بعمل الاربعة فالأقرب الاجزاء.

__________________

١ ـ المجموع ١ : ١٤٨.

٢ ـ اللباب ١ : ٢٤ ـ ٢٦ ، الهداية ١ : ٨٦ و ٨٩.

٣ ـ المقنعة : ٩ ، المبسوط للطوسي ١ : ١١ ، النهاية : ٧.

٤ ـ الفقيه ١ : ١٣ / ٢٤ ، وحكى قول المرتضى المحقق في المعتبر : ١٨.

٥ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٥.

٢٨

الخامس : لا يفتقر النزح إلى النيّة ، ويجزي المسلم والكافر مع عدم التعدي ، والعاقل والمجنون.

السادس : ما لم يقدر فيه منزوح قيل : يجزي أربعون ، وقيل : الجميع(١) . ولو تعدّدت النجاسة فالأقوى التداخل وإن اختلفت.

السابع : لو جفت البئر قبل النزح ثم عاد سقط ، إذ طهارتها بذهاب مائها الحاصل بالجفاف ، ولو سيق الجاري إليها طهرت.

الثامن : لا تنجس جوانب البئر ، ولا يجب غسل الدلو.

التاسع : لو خرج غير المأكول حيّاً لم ينجس الماء.

وقال أبو حنيفة : إنّ خرجت الفأرة وقد هربت من الهرة نجس الماء وإلّا فلا(٢) ، وليس بشيء.

العاشر : لو وجدت النجاسة بعد الاستعمال لم تؤثر وإن احتمل سبقها.

وقال أبو حنيفة : إنّ كانت الجيفة منتفخة أو متفسخة أعاد صلاة ثلاثة أيام وإلّا صلاة يوم وليلة(٣) . وليس بشيء.

الحادي عشر : لا ينجس البئر بالبالوعة وإن تقاربتا ما لم تتصل عند الأكثر(٤) أو تتغيّر عندنا ، نعم يستحب التباعد خمسة أذرع إنّ كانت الأرض صلبة ، أو كانت البئر فوقها ، وإلّا فسبع ، ولو تغير الماء تغيرا يصلح

__________________

١ ـ قال بالأول ابن حمزة في الوسيلة : ٧٤ ـ ٧٥ ، وقال بالثاني ابن إدريس في السرائر : ١٢ ـ ١٣ ، والمحقق في المعتبر : ١٩ ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط ١ : ١٢.

٢ ـ الاشباه والنظائر لابن نجيم : ٣٩٤ ، غمز عيون البصائر ٤ : ١٦٥.

٣ ـ اللباب ١ : ٢٨ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٥٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٧٨ ، المحلى ١ : ١٤٤.

٤ ـ منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٣١ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٢٧ ، والمحقق في المعتبر : ١٩.

٢٩

استناده إليها أحببت الاحتراز عنها.

الثاني عشر : لو زال التغيّر بغير النزح ووقوع الجاري فيها ، فالأقرب وجوب نزح الجميع لا البعض ، وإن زال به التغيّر لو كان.

* * *

٣٠

الفصل الثاني : في المضاف

مسألة ٧ : المضاف ما لا يصدق إطلاق الاسم عليه إلّا بقرينة ، ويمكن سلبه عنه ، كالمعتصر ، والمصعد ، والممزوج مزجاً يسلبه الاطلاق ، وهو طاهر إجماعاً ، ولا يرفع الحدث ، لقوله تعالى :( فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدا ) (١) وقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الوضوء باللبن : « إنّما هو الماء والصعيد »(٢) .

وقول الصدوق بجواز الوضوء بماء الورد(٣) لقول أبي الحسنعليه‌السلام في الرجل يتوضأ بماء الورد ويغتسل به ، قال : « لا بأس »(٤) محمول على اللغوي أو على الممتزج بماء الورد بحيث لا يسلبه الاطلاق ، وإجماع الامامية على ذلك ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أبوبكر الاصم ، وابن أبي ليلى : يجوز الوضوء بالمياه المعتصرة

__________________

١ ـ المائدة : ٦.

٢ ـ التهذيب ١ : ١٨٨ / ٥٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٥ / ٥٣٤.

٣ ـ الهداية : ١٣ ، الفقيه ١ : ٦ ، أمالي الصدوق : ٥١٤.

٤ ـ الاستبصار ١ : ١٤ / ٢٧ ، التهذيب ١ : ٢١٨ / ٦٢٧ ، الكافي ٣ : ٧٣ / ١٢.

٥ ـ المجموع ١ : ٩٣ ، الاُم ١ : ٧.

٣١

لأنّه يسمى ماء‌اً(١) . وهو غلط.

وقال أبو حنيفة : يجوز الوضوء بنبيذ التمر إذا طبخ واشتد عند عدم الماء في السفر ، لرواية ابن مسعود أنّه كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة الجن(٢) فأراد أن يصلّي صلاة الفجر فقال : ( أمعك وضوء؟ ) فقال : لا معي إداوة فيها نبيذ. فقال : ( تمرة طيبة وماء طهور )(٣) (٤) وتوضأ به. وهو خطأ.

قال ابن المنذر : راويه أبو زيد ، وهو مجهول(٥) . وأنكر جماعة صحبة ابن مسعود ليلة الجن(٦) ، ولو سلم فهو محمول على بقاء الاطلاق ، لأنّهم شكوا ملوحة الماء فأمرهمعليه‌السلام بنبذ تمر قليل في الشن(٧) .

والحق المنع ، وأنه نجس ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وأبو عبيد ، وداود(٨) ، لقوله تعلى :( فلم تجدوا ماءً فتيمموا ) (٩) .

__________________

١ ـ المجموع ١ : ٩٣ ، التفسير الكبير ١١ : ١٦٩ ، المغني ١ : ٣٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤١.

٢ ـ اُنظر : دلائل النبوة ـ للبيهقي ـ ٢ : ٢٢٧ و ٢٣٠ ، وفتح الباري ٧ : ١٣٥ ـ ١٣٦.

٣ ـ مصنف ابن أبي شيء بة ١ : ٢٥ ـ ٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣٥ / ٣٨٤ ، سنن الترمذي ١ : ١٤٧ / ٨٨ ، سنن ابي داود ١ : ٢١ / ٨٤ ، سنن البيهقي ١ : ٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٧٨ / ١٦.

٤ ـ المبسوط للسرخسي ١ : ٨٨ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥ ، الجامع الصغير : ٧٤ ، المجموع ١ : ٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣ ، تفسير القرطبي ١٣ : ٥١ ، المغني ١ : ٣٨ ، التفسير الكبير ٢٤ : ٩٨ ، المحلى ١ : ٢٠٣.

٥ ـ المغني ١ : ٣٩.

٦ ـ صحيح مسلم ١ : ٣٣٢ / ٤٥٠ ، المجموع ١ : ٩٤ ، بدائع الصنائع ١ : ١٦.

٧ ـ اُنظر الكافي ٦ : ٤١٦ / ٣ ، التهذيب ١ : ٢٢٠ / ٦٢٩ ، الاستبصار ١ : ١٦ / ٢٩.

٨ ـ المجموع ١ : ٩٣ ، المغني ١ : ٣٨ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢ ، تفسير القرطبي ١٣ : ٥٢ ، المحلى ١ : ٢٠٣ ، سنن الترمذي ١ : ١٤٨.

٩ ـ المائدة : ٦.

٣٢

مسألة ٨ : ولا يجوز إزالة الخبث به عند أكثر علمائنا(١) ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، وزفر ، ومحمد بن الحسن(٢) لقصوره عن رفع الوهمية فعن رفع الحقيقية أولى ، ولأنّها طهارة تراد لاجل الصلاة فلا تحصل بالمائعات ، كطهارة الحدث ، ولأنّ الأمر ورد بالغسل بالماء فلا يصح بغيره.

وقال السيد المرتضى : يجوز(٣) ، وبه قال أبو حنيفة ، وأبو يوسف(٤) لأنّه طاهر مائع بيقين ، فيزيل النجاسة كالماء.

ويبطل بأن الماء يحصل به الوضوء ، بخلاف المائعات.

مسألة ٩ : ينجس كلّه ـ قل أو كثر ـ بكلّ نجاسة لاقته ـ قلّت أو كثرت ـ غيرت أحد أوصافه أو لا ، قاله علماؤنا أجمع ، وكذا المائع غير الماء ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن ، فقال : ( إن كان مائعاً فلا تقربوه )(٥) ولأنّها لا تدفع نجاسة غيرها فكذا عنها لقصور قوتها.

وقال أحمد في إحدى الروايتين : إنّه كالمطلق سواء كان مضافاً أو مائعاً ، كالسمن الكثير لأنّه كثير فلا ينجس كالماء(٦) والفرق ظاهر.

وطريق تطهيره إلقاء كرّ عليه إن لم يسلبه الاطلاق ، فإن سلبه فكر آخر ، وهكذا ، ولو لم يسلبه لكن غير أحد أوصافه فالأقوى الطهارة ، خلافاً

__________________

١ ـ منهم الشيخ في النهاية : ٣ ، والمبسوط ١ : ٥ والجمل والعقود : ١٦٩ ، والخلاف ١ : ٥٩ المسألة ٨ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٧٦ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : ١٣١ ، والمحقق في المعتبر : ٢٠.

٢ ـ المجموع ١ : ٩٥ ، المغني ١ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ١ : ٨٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١ ، مقدمات ابن رشد ١ : ٥٧.

٣ ـ الناصريات : ٢١٩ المسألة ٢٢.

٤ ـ المجموع ١ : ٩٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٨٣ ، المغني ١ : ٣٨.

٥ ـ سنن ابي داود ٣ : ٣٦٤ / ٣٨٤٢ ، مسند أحمد ٢ : ٢٦٥.

٦ ـ المغني ١ : ٥٨ ، الشرح الكبير ١ : ٦١.

٣٣

للشيخ(١) .

مسألة ١٠ : أقسام المستعمل ثلاثة :

الأول : المستعمل في الوضوء ، وهو طاهر مطهر عندنا إجماعاً ـ وعليه نصّ عليعليه‌السلام ، وبه قال الحسن البصري ، والنخعي ، وعطاء ، والزهري ، ومكحول ، وأبو ثور ، وداود وأهل الظاهر ، ومالك في إحدى الروايتين ، والشافعي في أحد القولين(٢) ـ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح رأسه بفضل ما كان في يده(٣) ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « الماء كله طاهر حتى يعلم أنّه قذر »(٤) .

وقال أحمد ، والأوزاعي ، ومحمد : إنّه طاهر غير مطهر(٥) وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الاُخرى عن مالك ، والمشهور عن أبي حنيفة(٦) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة(٧) ، ولم يرد به ما أبقت في الاناء ، بل ما استعملته.

ونمنع النهي ، ونحمله على الباقي لغير المأمونة.

__________________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٥.

٢ ـ المجموع ١ : ١٥٣ ، التفسير الكبير ١١ : ١٧٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧ ، المغني ١ : ٤٧ ، المحلى ١ : ١٨٤ ، تفسير القرطبي ١٣ : ٤٩ ، غرائب القران ٦ : ٧٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣.

٣ ـ سنن الدارقطني ١ : ٨٧ / ٢.

٤ ـ التهذيب ١ : ٢١٥ / ٦١٩ ، الكافي ٣ : ١ / ٣.

٥ ـ التفسير الكبير ١١ : ١٧٠ ، المغني ١ : ٤٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣ ، غرائب القرآن ٦ : ٧٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٩ ، المجموع ١ : ١٥١.

٦ ـ المحلى ١ : ١٨٥ ـ ١٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣ ، المغني ١ : ٤٧ ، غرائب القرآن ٦ : ٧٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٩ ، المجموع ١ : ١٥١ ، اللباب ١ : ٢٣.

٧ ـ سنن البيهقي ١ : ١٩١ ، مصنف ابن أبي شيء بة ١ : ٣٤.

٣٤

وقال أبو يوسف : إنّه نجس ، وهو رواية عن أبي حنيفة(١) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ولا يغتسل فيه من جنابة )(٢) فاقتضى أن الغُسل فيه كالبول فيه فينجسه. وهو خطأ ، فإن الاقتران في اللفظ لا يقتضي الاقتران في الحكم ، وأن النهي عن البول لا للتنجيس ، وكذا عن الاغتسال فيه ، بل لافساده بإظهار أجزاء الحمأة(٣) فيه.

الثاني : المستعمل في الغُسل الواجب مع خلو البدن من النجاسة ، وهو طاهر مطهر على الأقوى ، وبه قال المرتضى(٤) لقوله تعالى :( فلم تجدوا ماءً فتيمموا ) (٥) وللاستصحاب.

وقال الشيخان : إنّه طاهر غير مطهر(٦) لقول الصادقعليه‌السلام : « الماء الذي يغسل به الثوب ، أو يغتسل الرجل به من الجنابة ، لا يجوز أن يتوضأ به »(٧) ويحمل على نجاسة المحل ، وخلاف الجمهور كما تقدم.

فروع :

الأول : لو كان المحل نجساً نجس الماء.

الثاني : لو بلغ المستعمل كرّاً ، قال الشيخ في المبسوط : زال المنع(٨) .

__________________

١ ـ بداية المجتهد ١ : ٢٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٢٠ ، شرح فتح القدير ١ : ٧٧ ، المجموع ١ : ١٥١ ، المحلى ١ : ١٨٥ ، غرائب القرآن ٦ : ٧٩.

٢ ـ سنن أبي داود ١ : ١٨ / ٧٠ ، كنز العمال ٩ : ٣٥٥ / ٢٦٤٢٢.

٣ ـ الحمأة : الطين الأسود المتغير المجتمع أسفل البئر مجمع البحرين ١ : ١٠٧ ، الصحاح ١ : ٤٥ « حمأ ».

٤ ـ جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٢٢.

٥ ـ النساء : ٤٣.

٦ ـ المقنعة : ٩ ، المبسوط للطوسي ١ : ٥.

٧ ـ التهذيب ١ : ٢٢١ / ٦٣٠ ، الاستبصار ١ : ٢٧ / ٧١.

٨ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١١.

٣٥

وتردد في الخلاف(١) وللشافعية قولان(٢) .

الثالث : يجوز إزالة النجاسة به ـ خلافاً للشافعي في أحد القولين ـ(٣) لقولهعليه‌السلام : ( ثم اغسليه بالماء )(٤) وهو يصدق عليه.

الرابع : المستعمل في الاغسال المندوبة طاهر مطهر ، وكذا في غسل الثوب الطاهر إجماعاً منّا ، وهو أحد قولي الشافعي(٥) لأنّه لم يرفع به حدثا ، والآخر : المنع(٦) ، لأنّه مستعمل.

الثالث : المستعمل في إزالة النجاسات إنّ تغير بالنجاسة نجس إجماعاً ، وإن لم يتغير فكذالك على الأقوى ، عدا ماءً الاستنجاء ، سواء كان من الغسلة الاُولى أو الثانية ، وسواء أزال النجاسة عن المحل أو لا ، وهو أحد قولي الشيخ(٧) وبه قال أبو حنيفة ، وبعض الشافعية(٨) ، لأنّه ماءً قليل لاقى نجاسة.

والثاني للشيخ : أنّه نجس في الاُولى ، طاهر في الثانية(٩) ، وبه قال

__________________

١ ـ الخلاف ١ : ١٧٣ مسألة ١٢٧.

٢ ـ مغني المحتاج ١ : ٢١ ، الوجيز ١ : ٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥ ، فتح العزيز ١ : ١١١ ـ ١١٢ ، المجموع ١ : ١٥٧.

٣ ـ المجموع ١ : ١٥٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥ ، الوجيز ١ : ٥ ، فتح العزيز ١ : ١١١.

٤ ـ سنن الدارمي ١ : ٢٤٠ ، سنن ابي داود ١ : ١٠٠ / ٣٦٣ ، سنن النسائي ١ : ١٥٥ ، موارد الظمآن : ٨٢ / ٢٣٥.

٥ ـ مغني المحتاج ١ : ٢٠ ، المجموع ١ : ١٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٦ ، السراج الوهاج : ٨.

٦ ـ مغني المحتاج ١ : ٢٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٦ ، السراج الوهاج : ٨.

٧ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١١.

٨ ـ المجموع ١ : ١٥٨ ، بدائع الصنائع ١ : ٦٦.

٩ ـ الخلاف ١ : ١٧٩ ـ ١٨٠ مسألة ١٣٥.

٣٦

الشافعي(١) لأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإلقاء الذنوب(٢) على بول الأعرابي(٣) وهو مع التسليم غير دال.

فروع :

الأول : ماءً الاستنجاء طاهر ، لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن الرجل يقع ثوبه في الماء الذي استنجى به أينجس ثوبه؟ : « لا »(٤) وللمشقة ، ولا فرق بين القُبل والدبر ، ولو تغير بالنجاسة أو لاقته نجاسة من خارج نجس قطعاً.

الثاني : قال في الخلاف : لا يغسل ما أصابه ماءً يغسل به إناء الولوغ ، من الاُولى أو الثانية(٥) وتردد في المبسوط في نجاسة الثانية(٦) والحق النجاسة.

الثالث : فرق المرتضى بين ورود الماء على النجاسة ، وورودها عليه ، فحكم بطهارة الأول دون الثاني(٧) ، ويحتمل نجاسة الجميع.

الرابع : لو أورد الثوب النجس على ماءً قليل نجس الماء ، ولم يطهرالثوب ، ولو ارتمس الجنب في ماءً قليل طهر ، وصار الماء مستعملاً.

__________________

١ ـ المجموع ١ : ١٥٩.

٢ ـ الذنوب : الدلو المملؤ ماءً. الصحاح ١ : ١٢٩ « ذنب ».

٣ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٣٦ / ٢٨٤ ، صحيح البخاري ١ : ٦٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٣ / ٣٨٧ ، الموطأ ١ : ٦٤ / ١١١ ، سنن الترمذي ١ : ٢٧٦ / ١٤٧ ، سنن الدارمي ١ : ١٨٩ ، سنن النسائي ١ : ١٧٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٧٦ / ٥٢٨ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٩.

٤ ـ التهذيب ١ : ٨٧ / ٢٢٨.

٥ ـ الخلاف ١ : ١٨١ مسألة ١٣٧.

٦ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٣٦.

٧ ـ الناصريات : ٢١٥ المسألة ٣.

٣٧

الخامس : غسالة الحمام لا يجوز استعمالها ، لعدم انفكاكها من النجاسة إلّا أن يعلم خلوّها منها.

السادس : لا بأس للرجل أن يستعمل فضل وضوء المرأة وإن خلت به ، ويكره إذا لم تكن مأمونة ، وكذا فضلة وضوء الرجل لمثله وللمرأة ، وهو قول أكثر العلماء(١) لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اغتسل من جفنة فضل ماؤها من اغتسال ميمونة من جنابة ، فقالت : إني قد اغتسلت منه ، فقال : ( الماء ليس عليه جنابة )(٢) .

وقال أحمد : لا يجوز أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت به(٣) لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة(٤) . وحكي عنه الكراهة ، وبه قال الحسن ، وابن المسيب(٥) .

والنهي يحتمل التنزيه مع التهمة أو النسخ ، لأنّ ميمونة قالت : إني قد اغتسلت منه. وهو يشعر بتقدم النهي عنه.

__________________

١ ـ الاُم ١ : ٢٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥١ ، المغني ١ : ٢٤٧ ، عمدة القارئ ٣ : ٨٥ ، المجموع ٢ : ١٩١.

٢ ـ سنن الدارقطني ١ : ٥٢ / ٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣٢ / ٣٧٠ ، سنن الدارمي ١ : ١٨٧ ، سنن الترمذي ١ : ٩٤ / ٦٥ ، المصنف لابن أبي شيء بة ١ : ٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٨ / ٦٨.

٣ ـ نيل الأوطار ١ : ٣٢ ، المغني ١ : ٢٤٧ ، مسائل أحمد : ٤ ، الشرح الكبير ١ : ٥٠ ، المجموع ٢ : ١٩١ ، الإنصاف ١ : ٤٨.

٤ ـ سنن أبي داود ١ : ٢١ / ٨١ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣٢ / ٣٧٣ ، سنن النسائي ١ : ١٧٩ ، مسند أحمد ٥ : ٦٦.

٥ ـ الشرح الكبير ١ : ٥١ ، سنن الترمذي ١ : ٩٢ / ٦٣ ، المجموع ٢ : ١٩١.

٣٨

الفصل الثالث : في الاسئار

مسألة ١١ : الاسئار كلها طاهرة إلّا سؤر نجس العين ، وهو الكلب والخنزير والكافر على الأشهر ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن الحياض تنوبها السباع والدواب فقال : ( لها ما حملت في بطونها ، وما بقي فهو لنا شراب وطهور )(١) ولم يفرق بين القليل والكثير.

وسأل البقباق الصادقعليه‌السلام عن فضل الشاة والبقرة والابل ، والحمار والبغل والوحش ، والهرة والسباع ، قال : فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه فقال : « لا بأس » حتى انتهيت إلى الكلب فقال : « رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، وصبّ ذلك الماء »(٢) وقوله تعالى :( أو لحم خنزير فانه رجس ) (٣) والرجاسة : النجاسة ، وقوله تعالى :( إنّما المشركون نجس ) (٤) .

وحكم الشيخ في المبسوط بنجاسة ما لا يؤكل لحمه من الإنسية عدا

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة ١ : ١٧٣ / ٥١٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٣١ / ١٢ ، نيل الأوطار ١ : ٤٥.

٢ ـ التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٠.

٣ ـ الأنعام : ١٤٥.

٤ ـ التوبة : ٢٨.

٣٩

ما لا يمكن التحرز عنه ، كالفأرة والحيّة والهرة(١) ، لأنّ الصادقعليه‌السلام قال : « كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره »(٢) وهو يدل من حيث المفهوم على منع الوضوء والشرب مما لا يؤكل لحمه ، والسند ودلالة المفهوم ضعيفان.

مسألة ١٢ : قسم أبو حنيفة الاسئار أربعة : ضرب نجس وهو سؤر الكلب والخنزير والسباع كلها ، وضرب مكروه ، وهو حشرات الأرض وجوارح الطير والهر ، وضرب مشكوك فيه ، وهو سؤر الحمار والبغل ، وضرب طاهر غير مكروه ، وهو كلّ مأكول اللحم(٣) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن المياه تكون بأرض الفلاة وما ينوبها من السباع والدواب ، فقال : ( إذا كان الماء قلّتين لم ينجسه شيء )(٤) ولا حجة فيه لدخول الكلب والخنزير في السباع والدواب.

وقال الشافعي : سؤر الحيوان كله طاهر إلّا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما ، وبه قال عمرو بن العاص ، وأبو هريرة(٥) ولم يحكم بنجاسة المشرك(٦) لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ من مزادة(٧) مشركة(٨) .

__________________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٠.

٢ ـ الفقيه ١ : ١٠ / ١٨ ، التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ ، الكافي ٣ : ٩ / ٥.

٣ ـ اللباب ١ : ٢٨ ـ ٢٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٢٣ ـ ٢٤ ، المجموع ١ : ١٧٣.

٤ ـ سنن الترمذي ١ : ٩٧ / ٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٧٢ / ٥١٧ ، سنن الدارمي ١ : ١٨٦ ـ ١٨٧ ، سنن الدارقطني ١ : ١٤ / ١ ، مستدرك الحاكم ١ : ١٣٢.

٥ ـ المحلى ١ : ١٣٤ ، الاُم ١ : ٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٢٣ ، فتح العزيز ١ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، الوجيز ١ : ٦ ، المجموع ١ : ١٧٢ ـ ١٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨.

٦ ـ الاُم ١ : ٨ حيث حكم بجواز الوضوء من فضل ماءً النصراني.

٧ ـ المزادة : الراوية ، سميت بذلك لأنّه يزاد فيها جلد آخر من غيرها ولهذا انها اكبر من القربة مجمع البحرين ٣ : ٥٩ « زيد ».

٨ ـ سبل السلام ١ : ٤٦.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

المبتدئ هو عدم إتقانه وإحكامه للجوانب الفنيّة في الخطابة، فينشأ عنده شعور بالمخاوف من عدم أدائه بالنحو الصحيح حال ارتقائه المنبر، وهذا أمر طبيعي في بداية الممارسة، فلا يكون داعياً لتعظيمه حتّى لا يصير عقدة في النفس يصعب علاجها فيما بعد.

فعلى الخطيب المبتدئ أن يوطّد نفسه على الصبر، ويعمل حتّى تزول منه الأخطاء، وتثبت عنده القدرة على الأداء الصحيح.

6 - على الخطيب المبتدئ أن يراعي مراحل الممارسة العمليّة للخطابة ويتدرّج فيها، فلا يتجاوز مرحلة إلاّ بعد إتقانها وإحكامها بنحو تام؛ فإنّ عدم مراعاة ذلك لا يثمر إلاّ الفشل، ويكون سبباً لتعظيم المخاوف عند البعض.

وإذا أردنا تميّز مراحل الخطابة فهي على النحو التالي:

أ - مرحلة أداء (القريض) بالنحو المتعارف عليه عند أهل الفن وذوق الناس.

ب - مرحلة الجمع بين (القريض)، وقليل من ذكر (مصائب سيّد الشهداء).

ج - مرحلة أداء خطبة كاملة من (قريض - موضوع - وخاتمة).

ولا بدّ أن نلفت الانتباه إلى الاُمور التالية:

أ - على الخطيب المبتدئ أن يتبنّى في البدء المحاضرات القصيرة؛ فهي أيسر له من حيث الإعداد والأداء، ويستمر على هذا النحو إلى أن تكتمل عنده ملكة الخطابة.

٨١

ب - أن يتتلمذ عند أهل الخبرة من أستاذ في الخطابة، أو خطيب متكامل، وأمام حضور محدود من المستمعين؛ فإنّه أخفّ وطأة على النفس.

ج - يجب على الخطيب المبتدئ أن يمارس فعاليته في الخطابة في بدء الممارسة في محافل أعدّت للتدريب، وأمام مجموعة من المستمعين الذين لديهم خبرة في فنّ الخطابة؛ لغرض الانتفاع بتوجيهاتهم، ولا يخرج من دائرة التدريب إلى الممارسة الفعلية في التبليغ إلاّ بعد إذن أستاذ الخطابة أو أهل الخبرة.

7 - وقد تعود أسباب الخوف والاضطراب إلى عوامل وراثية وتربوية نشأ الفرد عليها حتّى كبر، فمرحلة الطفولة تلعب دوراً كبيراً في صياغة شخصيّة الفرد من حيث يشعر أو لا يشعر، فعلاقة الطفل بوالديه وإخوته لها أثر بالغ في تكوين اتّجاهاته وانفعالاته النفسيّة، وكذلك المجتمع الذي عاش فيه، وما عند المجتمع من تقاليد وأعراف وقوانين وأحداث تؤثّر في تربية الفرد.

وخلاصة الكلام هنا: مَنْ شبَّ على الهرب من المشاكل والصعوبات، استقبل عهد الرجولة خائفاً خانعاً منطوياً(1) .

فعلى الفرد الذي يعاني من أزمة الخوف أن يراجع اتّجاهاته النفسيّة، ويعيد بناء شخصيّته بما يتلاءم مع متطلبات الشخصيّة السويّة.

ما تقدّم كان توسلاً بالأسباب الطبيعيّة يلجأ إليها الخطيب لإصلاح

____________________

(1) علم النفس / 150.

٨٢

شأنه، وإنّماء قابلياته ورفع عيوبه، ولا ينبغي له أن يعتمد عليها من غير أن يرجع إلى مسبب الأسباب؛ فإنّ الاعتماد عليها فقط يعدّ من أوثق عرى الشيطان.

فعلى الخطيب أن يتوكّل على الله (تعالى) في جميع أموره، ويتضرّع إليه بصدق النيّة، وإخلاص العمل، طالباً منه تعالى التوفيق والتسديد، وإنزال السكينة على القلب، وإلهام العلم، وبلوغ المطالب السامية المقدّسة المطلوبة لوجهه تعالى وحده لا شريك له.

٨٣

تأثير العادات على الخطيب

غالباً ما تنعكس على الخطيب المبتدئ ما اعتاد عليه من السلوك في أفعاله وأقواله وهو في حال أداء خطبة منبريّة، فالذي اعتاد على سرعة الكلام في سلوكه العادي يبدو منه ذلك وهو على المنبر، ومَنْ كان يغلب عليه الهدوء يظهر أيضاً منه ذلك، وهكذا في الإشارات والحركات.

فعلى الخطيب هنا أن يلاحظ أنّ قواعد فنّ الخطابة تقتضي أن ينتزع من سلوكه ما تطبّع عليه من عادات تخالف هذا الفنّ، ونحن نعلم أنّ العادات إذا انطبعت في شخصيّة الفرد تلبّست بها وملكته، وظهرت في سلوكه شاء أم أبى. فترك العادة القبيحة ليس في متناول الفرد إلاّ إذا جدّ واجتهد في الخلاص منها.

وهناك طرق يمكن للخطيب الذي عنده عادات تخالف فنّ الخطابة التوسّل بها لاستبدالها بطبائع هذا الفنّ، منها:

1 - تحويل العادة اللاإراديّة إلى عادة إراديّة:

إنّ العادات تصدر من الفرد من غير احتياج إلى توجيه شعوره ووعيه الكامل؛ لأنّها تنساب منه لشدّة التصاقها بشخصيّته. فعلى الفرد هنا أن يقوم بنحو متعمد على ممارسة العادة السيّئة، وتوجيه الشعور إليها بالتحكّم في الاستجابة لها، وذلك بتغيّر نوع الاستجابة(1) .

2 - استبدال استجابة قديمة باستجابة جديدة:

أ - أفضل طريقة للتخلّص من العادات السيّئة هو استبدالها بعادة

____________________

(1) بتصرف من كتاب علم النفس ومشكلات الفرد.

٨٤

اُخرى جيدة.

ب - ممارسة العادة الجديدة بكلّ حماس.

ج - عدم السماح للعادة السيّئة بالعودة، وذلك من خلال الإكثار من ممارسة العادة الجديدة، وتكرارها بصفة دائمة؛ لغرض تعزيزها بصفة منتظمة ودائمة؛ فالعادات التي لا تعزز تنطفئ(1) .

____________________

(1) المصدر نفسه.

٨٥

أسباب الشرود الذهني عند السامع

مهمّة الخطيب أن يجذب ويحافظ على انتباه مستمعيه - الذي هو توجيه شعورهم وتركيزه - نحوه؛ استعداداً للتفاعل معه. وليس ذلك أمراً سهلاً؛ فإنّ الخطيب ليس كالمعلّم، فالمعلّم بوسعه أن يقول لتلميذه عند شرود ذهنه (انتبه) أو غير ذلك، ولا يستطيع ذلك الخطيب؛ لاختلاف الحال بين الخطابة والتدريس.

فيحتاج الخطيب التعرّف على العوامل التي تبعث على الشرود الذهني عند السامع، وهي ما توجب الملل والسأم في نفسه والانصراف.

وهناك جملة من العوامل هي:

أ - عدم السير على اُصول وقواعد فنّ الخطابة باعث على انصراف السامعين عن الخطيب، ومن ذلك كون الصوت على وتيرة واحدة، أو السرعة الزائدة وغير ذلك.

فعلى الخطيب أن يتقن ويحكم هذه الاُصول؛ لينال اهتمام الحاضرين وتفاعلهم معه.

واعلم أنّ مع إتقان هذه الاُصول يبقى التفاوت بين الخطباء؛ لاختلاف قدراتهم وقابلياتهم في كيفية توظيف تلك القواعد على المصاديق، والنماذج التي فيها التأثير على السامعين.

ب - ينبغي للخطيب الذي يريد إبقاء انتباه سامعيه أن لا يستطرد في موضوعه كثيراً؛ فإنّ الاستطراد غالباً ما يكون مدعاة إلى حيود الانتباه عن الموضوع الأصلي.

مثال ذلك: الإتيان بشواهد كثيرة متعاقبة على محور واحد، كما لو كان الحديث عن الصبر مثلاً وأتى بقصتين متتاليتين، وأعقبهما بأحاديث شريفة، أو الإتيان بتقسيمات أمر

٨٦

فتكثر تشعّباته، أو مع كثرة هذه التشعّبات يدخل في إبطال بعض وتأييد البعض الآخر؛ فإنّ ذلك ممّا يوجب ضياع المراد من ذهن السامع، فيذهب عنه انتباهه وتشوّقه.

ج - بسبب الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام عمل محبّوهم على إبقاء جذوة ذكرهم خالدة على مرّ العصور؛ ولأجل ذلك ضحّوا بالغالي والعزيز من الأرواح والأموال.

وممّا بقي خالداً بهذا الولاء العظيم مجالس ذكر مصاب سيّد الشهداءعليه‌السلام ، حتّى صارت تلك المجالس أماكن شريفة للذكر يقصدها المؤمنون قاصدين القرب من الباري (عزّ وجلّ)، فعلى الخطيب أن يستوعب ذلك جيّداً فيعمل على تقويته وتثبيته.

ففي جانب من هذه المهمّة الملقاة على عاتق الخطيب أن يعرف أحوال الحاضرين الروحية والبدنية؛ ففي أيّام محرّم التي تحتلّ أهميّة خاصة في قلوب وعناية محبّي أبي عبد اللهعليه‌السلام تكثر المجالس، فيحضر العامل والفلاح والكاسب، كما يحضرها الشيخ الكبير والشاب، ويحضرها صحيح البدن وسقيمه، فجميع هؤلاء على الرغم ما فيهم من عناء عملهم اليومي، وما فيهم من وضع صحي، يأتون إلى المجالس؛ لغرض الحفاظ على خلود ذكر سيّد الشهداءعليه‌السلام ، ولغرض الانتفاع بما يقوله الخطيب في أمر دينهم ودنياهم.

فعلى الخطيب هنا أن يلاحظ ذلك فلا يطيل في مجلسه إلى الحد الذي يوجب نفورهم عن المجالس؛ فإنّ الإطالة قد تعمل على

٨٧

إخماد تلك الروح الحسينيّة، وهو خلاف مهمّة الخطيب ووظيفته.

فمراعاة الوقت مع أحوال الحاضرين وتلائمه وتناسبه معهم يجلب انتباههم، ويكسب إقبالهم على الخطيب، ويثبت النفوس على الولاء، ويشجعهم على الحضور والمواصلة، وخلاف ذلك التجربة والواقع شاهدان على فشله، فقد يُسهب الخطيب في كلامه إلى الحد الذي ينفر منه الحاضرون.

وخلاصة ذلك: إنّ من العوامل المهمّة في جلب انتباه السامعين هو عدم الإطالة عن الحدّ المسموح به من رغبتهم، والمطابقة بين المدّة الزمنية للمجلس مع أحوال الحاضرين الروحيّة والبدنيّة.

د - من العوامل الباعثة على انتباه السامع هو ما يحمله من تهيؤ ذهني للخطابة، ويراد من ذلك بأنّ السامع يتمركز في بؤرة شعوره إحساس بأنّ الخطيب سيتناول في خطبته موضوعاً يشبع نفسه بالرضا والقبول، فكلّ سامع يطلب في أعماقه أن يرضيه الخطيب بالحديث عن شيء يثير انتباهه واهتمامه وتفاعله.

فإذا فعل الخطيب ذلك فقد حاز على انتباه سامعيه، وإلاّ فقد خسرهم وصار على طرف مخالف لتوجيههم وانتباههم.

فعلى الخطيب أن يختار الموضوعات التي تتضمّن احتمالاً قويّاً في جلب انتباه السامعين، كما أن يكون دقيقاً في اختيار تفاصيل الموضوع.

٨٨

ومن الجدير بالذكر أنّ الموضوعات المعقّدة، والموضوعات الساذجة والمتكرّرة لا تثير انتباه السامعين، بل هي من أقوى الأسباب الباعثة على انصرافهم وإعراضهم.

أخيراً نودّ أن نذكّر بأنّ بعض أبحاث علم النفس أشارت إلى أن الاستماع الطبيعي لكلّ سامع (10) دقائق، وبعدها يحتاج المتكلّم إلى تزويد المخاطبين بالمثيرات التي تحافظ على انتباه السامع وتوجهه.

٨٩

٩٠

الباب السادس

صفات الخطيب

1 - آداب الخطيب

2 - صفات الخطيب الكامل

3 - الصفات المتفاوتة

4 - توجيهات عامة

٩١

صفات الخطيب

بعد أن اكتملت مراحل الخطابة، ومضى عليها الخطيب المبتدئ، فإنّ هناك جملة من الاُمور المكمّلة له ينبغي الاتّصاف بها:

آداب الخطيب

وهي الآداب التي يظهر بها الخطيب عند الخطبة:

أ - سداد الرأي

وهو يكون بدراسته للموضوع الذي يخطب فيه دراسة تامّة؛ فإنّ الرأي المحكم لا يكون إلاّ بدراسة عميقة، وإحاطة تامّة، واطّلاع واسع، وعلم غزير، وفكر قويم.

وليس معنى ذلك إنّه لا يخطب إلاّ إذا كان محضّراً مهيّأ للكلام، بل المراد أن لا يتكلّم إلاّ في موضوع سبقت له دراسته والإحاطة به؛ حتّى يكون كلاماً مسدّداً؛ سواء كان يلقي الخطبة بعد تهيئة، أم يلقي الكلام ارتجالاً من غير سابقة تحضير، وإن كان المرتجل لا يحسن ارتجاله في كلّ الأحوال.

فعلى الخطيب ألاّ يخوض في حديث ليس له به علم؛ حتّى لا يشطّ فيبدي رأياً فطيراً، والرأي الفطير مبتسر لا ينال الحقّ من كلّ نواحيه، وقد يكون مع الحقّ على طريق نقيض.

واعلم أنّ سداد الرأي دعامة الخطيب الأولى؛ لكي يثق الجمهور بفكره ويتّجه إلى رأيه(1) .

____________________

(1) الخطابة - اُصولها، تاريخها - محمد أبو زهرة / 48.

٩٢

ب - صدق اللهجة

وهو أن يظهر الخطيب مخلصاً فيما يدعو إليه، حريصاً على الحقيقة فيما يعمل؛ فإنّه إن ظهر كذلك وثق الناس به وصدّقوه فيما يدعو إليه، وأحسّوا بأنّه شريف تجب إجابته لشرفه وشرف ما يدعو إليه.

ومن أجل أن يكون الإخلاص بادياً يجب أن يكون من حاله ما يطابق مقاله، فلا يتجافى عمله عن قوله، بل يكون أكثر الناس أخذاً بقوله.

ومن علامات صدق اللهجة ألاّ يسرف في مدح ولا ذمّ، ولا في وعد ولا وعيد؛ فإنّ الإسراف مظنّة الكذب، والاعتدال مظنّة الصدق. وأن يكون نزيه اللسان مستقيم العمل؛ فلا يكون فاحشاً في تعبيره، ولا متّجهاً إلى الألفاظ الماجنة في خطبته(1) .

ج - التودّد مع السامعين

أن يكون الخطيب متواضعاً لهم، وأن يكون ممّن يألِفون ويُؤلَفون، فلا يكون جافياً خشناً قاسياً، وإن لم يكن هناك ما يقتضي مدحهم فلا يذكرهم بسوء، وأن يبيّن لهم أنّه يسعى في مصلحتهم، وأنّه يؤثرهم على نفسه، وأن لا يكون له غرض شخصي؛ فإنّ الغرض الشخصي يدخل الريبة إلى قوله فيتجافى السامعون عنه(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 51.

(2) المصدر نفسه / 52.

٩٣

صفات الخطيب الكامل

بعد بيان ما يجب أن يدرع به الخطيب عند ملاقاة السامعين، وما يجب أن يلاقيهم به، وجب أن نذكر صفات الخطيب الكامل أو القريب منه التي رسخت في نفسه الخطابة حتّى صارت ملكة فيه أو كالملكات، والتي بمجموعها يمتاز الخطباء عن غيرهم من المتكلّمين، والتي هي القدرة على كلّ ما يوضع في عنق الخطيب من تكاليف البيان، وهذه هي:

أ - قوّة الملاحظة

يدرك بها أحوال السامعين عند إلقاء خطبته، أهم مقبلون عليه فيسترسل في قوله ويستمر في نهجه، أم هم معرضون عنه فيتّجه إلى ناحية اُخرى يراها أقرب إلى قلوبهم، وأدنى إلى مواطن التأثير فيهم؟

يجب أن تكون نظرات الخطيب إلى سامعيه نظرات فاحصة كاشفة، يقرأ من الوجوه خطرات القلوب، ومن اللمحات ما تكنّ نفوسهم نحو قوله؛ ليجدّد من نشاطهم، ويذهب بفتورهم، ولتصل روحه بأرواحهم، ونفسه بنفوسهم(1) .

ب - حضور البديهية

وهي تسعفه بالعلاج المطلوب إن وجد من القوم إعراضاً، والدواء الشافي إن وجد منهم اعتراضاً. وقد يلقي الخطيب خطبته، فيعقّب

____________________

(1) المصدر نفسه / 56.

٩٤

بعض السامعين معترضاً، أو طالباً الإجابة عن مسألة، أو أيّ حدث مفاجئ؛ فإذا لم تقدّم البديهة الحاضرة كلاماً قيّماً يسدّ به الخلّة ويدفع به الزلّة، ضاعت الخطبة وأثرها(1) .

ج - طلاقة اللسان

اللسان أداة الخطيب الأولى، فلا بد أن تكون الأداة سليمة كاملة؛ ليتسنّى له استعمالها على أكمل وجه وأتمّه(2) .

ومن طلاقة اللسان، أن تكون عنده قوّة البيان من غير تلعثم في أقواله، أو تردّد في عباراته.

د - رباطة الجأش

تحدّثنا عن ذلك بالتفصيل.

هـ - القدرة على مراعاة مقتضى الحال

مراعاة مقتضى الحال لبّ الخطابة وروحها، فلكلّ مقام مقال، ولكلّ جماعة من الناس لسان تخاطب به، فلكلّ مقام نوع من الأساليب.

ففي مقام التحميس والتهديد مثلاً نختار الأساليب الفخمة والعبارات الضخمة، وفي بعض مقامات التأبين وإظهار الألم والأسى نختار العبارات السهلة الرقيقة المؤثرة.

ولكلّ قوم خطاب؛ فالعامّة نختار لهم العبارات الساذجة حتّى لا تعلو على أفهامهم، ولا تسمو على مداركهم،

____________________

(1) المصدر نفسه / 56.

(2) المصدر نفسه / 57.

٩٥

والعلماء يخاطبون بعبارات منتقاة دقيقة محكمة. ولكلّ خطيب عبارات تستحسن منه؛ فمن الخطباء مَنْ لا يجمل منهم الهزل، ولا يليق بهم إلاّ الجدّ، فلا يصح أن يكون في كلامهم إلاّ ما هو مقبول منهم(1) .

الصفات المتفاوتة

هذه جملة من الصفات التي يتفاوت الخطباء في الاتّصاف بها، وهي تختلف عن الصفات السابقة، فتلك ممّا يجب الاتّصاف بها، أمّا هذه فهي من المكمّلات للخطيب، وهي اُمور:

أ - قوّة العاطفة

لا يؤثّر إلاّ المتأثر، ولا يثير الحماسة في قلوب السامعين إلاّ مَنْ امتلأ حماسةً فيما يدعو إليه، واعتقاداً بصدقه؛ لأنّ ما يخرج من القلب يدخل القلوب من غير استئذان، وكما أنّ الماء الذي علا سطحه ينساب في المجرى المنخفض، كذلك ذو العاطفة العالية، والحماسة الشديدة هو الذي ينحدر من فيه الشعور ألفاظاً، والعواطف عبارات وأساليب تلهب الحسّ، وتوقظ الضمير، وتثير الحميّة، وتحفّز الهمّة.

لا بدّ أن تكون حماسة الخطيب أقوى من حماسة سامعيه؛ ليفيض عليهم، ويروي غلّتهم، وإلاّ أحسّوا بفتور نفسه فضاع أثر قوله(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 149.

(2) المصدر نفسه / 58.

٩٦

ب - النفوذ وقوة الشخصية

هذه هبة يهبها الله تعالى للخطباء المخلصين، فترى كلّ مَنْ يلقاه يحسّ بقوّة روحه وعظم نفسه، فتستمد كلماته من قوّة إخلاصه. صوته يهز النفس هزّات روحيّة، تجعلها تلقف عباراته فتنطبع فيها مكبرة(1) .

ج - حسن الهيئة

أن يظهر الخطيب أمام السامعين بمظهر مألوف من حيث الملابس والهيئة؛ فإن لم يرتدِ ما يزيده هيبة في القلوب فلا يظهر إليهم بما يحطّ منزلته عندهم، خاصة إذا واجههم في أوّل لقائه؛ فإنّ ذلك له أثر عظيم في نفوس الناس.

د - سعة الاطّلاع

يجب أن يكون الخطيب ملمّاً بكلّ ما له صلة بالجماعة التي يخاطبها؛ ليعرف نواحي التأثير، والمواطن التي يطرق حسّها من ناحيتها.

فالخطيب الديني يجب أن يكون ملمّاً بالاجتماع والاقتصاد، والسياسة والشرائع؛ ليستطيع أن يصل إلى قلوب السامعين، ويربط صلاحهم الدنيوي في كلّ نواحيه بصلاح دينهم وقلوبهم.

فالخطيب يجب أن

____________________

(1) المصدر نفسه / 59.

٩٧

يكون ملمّاً بكلّ ما له صلة بالجماعات، وطرق التأثير فيها، والابتعاد عمّا ينفّرها؛ لكيلا يجعل قلوبها عنه متجافية(1) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 60.

٩٨

المنهج الخاص للخطيب

من الصعوبات التي يعاني منها الخطيب المبتدئ الذي تسلّط عمليّاً على قواعد الخطابة عدم استقراره على منهج واضح وخاص له؛ ممّا يبدو عليه الاضطراب والتخبّط في خطبه، وقد يحدو بالبعض لأجل التخلّص من هذه المعاناة باللجوء إلى تقليد الآخرين منهجاً، وقد يصل بهم التقليد إلى أقصى درجاته، وذلك بالظهور بصورة البديل عن المقلَّد حتّى في نبراته وحركاته.

ولاشكّ إنّ هذا الاُسلوب ممّا يزري بالخطيب، ويحطّ من منزلته، كما إنّه علامة تدلّ على عدم قدرته على اتّخاذ منهج خاص له؛ فإنّ من مكمّلات الخطيب أن ينتقي منهجاً خاصّاً يتميّز به عن غيره؛ لأجل استقطاب قدراته، ومنعها من التشتت.

إضافة إلى إتاحة فرصة عظيمة له، وذلك بفتح ميدان واسع لإظهار إبداعاته وطموحاته في التجديد.

أمّا المقصود من المنهج هو:

أولاً: أن يتميّز الخطيب بأسلوبه الخطابي الخاصّ، ويتميّز بطريقة إلقاء خاصّة.

ثانياً: أن يكون له اتّجاه خاصّ في انتقاء المواضيع، فهناك فروع عديدة ومتنوّعة يمكن أن تكون مواضيعَ للخطابة، فقد ينحى البعض منحى الوعظ والإرشاد الأخلاقي، أو يقوم بعرض المفاهيم المختلفة بطريقة علميّة أو تاريخيّة، أو عرفانيّة أو غير ذلك، وقد توجد إمكانيّة للبعض على جمع كلّ ذلك في خطبة واحدة.

٩٩

ولا شك أنّ اختيار المنهج الخاصّ لا يأتي اعتباطاً، وإنّما تتحكّم به عوامل عديدة، أهمّها قابلية الخطيب وقدراته العلميّة والفنيّة، فهذه هي التي تدفعه إلى سلوك هذا المنهج، ولا يستطيع سلوك غيره.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403