تذكرة الفقهاء الجزء ٢

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: 512

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: 512
المشاهدات: 34305
تحميل: 8007


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 512 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34305 / تحميل: 8007
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 2

مؤلف:
ISBN: 964-5503-35-3
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والحيض ، وفي معناه النفاس ، وكل واحد من هذه إما أن يوجد أول الوقت ، أو آخره ، أو يعم الجميع.

مسألة 41 : إذا وجد العذر في أول الوقت وزال في آخره‌ فإن بقي من الوقت مقدار الطهارة وأداء الصلاة وجب فعلها ، فإن أهمل وجب القضاء بلا خلاف ، ولو قصر الوقت فإن وسع الطهارة وأداء ركعة من الصلاة فكالأول بلا خلاف ، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح )(1) .

ولو قصر عن ركعة لم تجب عندنا ـ وبه قال مالك ، والمزني ، والشافعي في قول(2) ـ لأن الحديث دلّ على اعتبار الركعة في إدراك الصلاة ، وللإجماع على أن المسبوق يدرك الجمعة بإدراك ركعة لا ما دونها فكذا هنا ، ولأنه أدرك ما لا يقع فيه ما يكون صلاة بانفراده فلا يكون مدركا لها كما لو قصر عن إدراك التكبيرة.

وللشافعي قول آخر : إدراك الصلاة بإدراك تكبيرة الافتتاح ـ وبه قال أبو حنيفة ، وأحمد(3) ـ لأنه أدرك جزءا من الوقت ، وتمكّن من الفعل ، فصار كما لو أدرك ركعة من الصلاة ، ولأن الإدراك إذا تعلق به الإيجاب استوى فيه الركعة وغيرها كالمسافر إذا اقتدى بالمقيم في الركعة الأخيرة فإنّا نلزمه بالإتمام وإن أدركه بعد الركوع. ونمنع التمكن من الفعل ، وينتقض بما لو أدرك بعض‌

__________________

(1) صحيح البخاري 1 : 151 ، صحيح مسلم 1 : 424 ـ 608 ، سنن الترمذي 1 : 353 ـ 186 ، سنن النسائي 1 : 257 و 258 ، سنن الدارمي 1 : 278.

(2) المجموع 3 : 65. فتح العزيز 3 : 70 ، مختصر المزني : 12 ، بداية المجتهد 1 : 100 ، المغني 1 : 420 ، الشرح الكبير 1 : 478.

(3) مختصر المزني : 12 ، المجموع 3 : 65 ، فتح العزيز 3 : 68 ، بدائع الصنائع 1 : 96 ، المغني 1 : 421 ، الشرح الكبير 1 : 478.

٣٢١

التكبيرة ، ونمنع الأصل في الثاني ، وسيأتي.

فروع :

أ ـ إذا أدرك من الصلاة ركعة وجبت تلك ولا يجب ما قبلها ، أمّا إذا كانت مما لا يجمع إليها فبالإجماع كالظهر مع الصبح ، وأما إذا كانت مما يجمع إليها كالظهر مع العصر ، والمغرب مع العشاء فكذا عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في أحد أقواله(1) ـ لأن الظهر والمغرب خرج وقتهما في حال العذر فلا يجبان عليه ، كما لو خرج وقت العصر والعشاء معذورا ، ولأنّ التكليف يستدعي وقتا يتسع له ، وإلاّ لزم التكليف بما لا يطاق ، ومع سقوط الوجوب أداء يسقط قضاء ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا رأت المرأة الطهر في وقت الصلاة ، ثم أخرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها »(2) وسئل الباقرعليه‌السلام عن الحائض تطهر عند العصر تصلّي الاولى؟ قال : « لا ، إنّما تصلّي الصلاة التي تطهر عندها »(3) وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا طهرت قبل العصر صلت الظهر والعصر ، وإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر »(4) .

وللشافعي أربعة أقوال أخر :

أ ـ إنها تدرك الفريضتين بإدراك ركعة واحدة فيدرك الظهر والعصر بإدراك ركعة من العصر ، لأن عبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عباس أوجبا على الحائض التي تطهر قبل طلوع الفجر بركعة المغرب والعشاء ، ولا نعرف لهما مخالفا ، ولأنّ وقت الثانية وقت الاولى في حال العذر فإنه من أدرك عصر يوم‌

__________________

(1) المجموع 3 : 66 ، فتح العزيز 3 : 74 و 77 ، حلية العلماء 2 : 26 ، المغني 1 : 441.

(2) الكافي 3 : 103 ـ 3 ، التهذيب 1 : 391 ـ 1208 ، الإستبصار 1 : 145 ـ 496.

(3) الكافي 3 : 102 ـ 2 ، التهذيب 1 : 389 ـ 1198 ، الاستبصار 1 : 142 ـ 484.

(4) التهذيب 1 : 390 ـ 1201 ، الاستبصار 1 : 142 ـ 487.

٣٢٢

فقد أدرك ظهره ، ولهذا لو أفاق المجنون فيه لزمه الفرضان(1) .

والأصل فيه أن آخر وقت العصر هل يصلح وقتا للظهر؟ قولان عنده(2) ، فإن كان وقتا صلح لهما فوجبا معا ، وإلاّ فلا ، ويحمل قول ابن عباس على الاستحباب.

وقد روي من طريق الخاصة نحوه ، قال الصادقعليه‌السلام : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر »(3) وهو محمول على إدراك ما زاد على أربع ، ونمنع اتحاد الوقت والحكم في الأصل.

ب ـ بإدراك أربع وتكبيرة ، أو ثلاث وتكبيرة(4) .

ج ـ أنّها تدرك الفرضين بإدراك تكبيرة خاصة(5) .

د ـ بإدراك ركعة وتكبيرة.

ب ـ لا بد من اعتبار إدراك الطهارة مع الركعة ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنه ( لا صلاة إلاّ بطهور )(6) فلا يدرك الصلاة بدون إدراك الطهور ، وأصح وجهي الشافعي : المنع ، لأنّ الطهارة لا تشترط في الإلزام بل في الصحة(7) .

__________________

(1) المجموع 3 : 65 و 66 ، فتح العزيز 3 : 73 ، المغني 1 : 442 ، الشرح الكبير 1 : 482.

(2) فتح العزيز 3 : 74 ، المهذب للشيرازي 1 : 61.

(3) التهذيب 1 : 390 ـ 1203 ، الاستبصار 1 : 143 ـ 489.

(4) المجموع 3 : 66 ، فتح العزيز 3 : 80 ـ 81.

(5) مختصر المزني : 12 ، المجموع 3 : 66 ، فتح العزيز 3 : 74 و 80 ، مغني المحتاج 1 : 132.

(6) الفقيه 1 : 22 ـ 67 ، التهذيب 2 : 140 ـ 45 و 546.

(7) المجموع 3 : 66 ، فتح العزيز 3 : 79.

٣٢٣

أما الصبي ، فإن قلنا : إن طهارته شرعية ، فتطهّر ثم بلغ بغير المبطل لم يشترط سوى إدراك الركعة له خاصة.

ج ـ المشترط إدراك ركعة تامة الأفعال الواجبة خاصة دون المندوبة وهو يحصل بإدراك النية ، وتكبيرة الافتتاح ، وقراءة الفاتحة ، وأخف السور إن قلنا بوجوبها ، والركوع ذاكرا فيه أقل الواجب ، والسجدتين ذاكرا فيهما أقل الواجب ، والطمأنينة في ذلك كله أقل الواجب ، وفي الرفع من الركوع والسجدتين.

د ـ شرط اللزوم أن يبقى سليما عن الموانع مدة إمكان الوضوء والصلاة ، فلو عاد المانع قبل ذلك سقط كما لو طهرت الحائض ثم جنّت ، أو أفاقت مجنونة ثم حاضت.

هـ ـ لو أدرك مقدار خمس ركعات فالأشهر وجوب الصلاتين ، وللشيخ قول باستحبابهما(1) ، وليس بجيد. وهل الأربع في مقابلة العصر والزائدة في مقابلة الظهر أو بالعكس؟ الظاهر عندنا الأول ، لورود النص عن الأئمةعليهم‌السلام أنه لو بقي لانتصاف الليل مقدار أربع ركعات وجبت العشاء خاصة(2) ـ وهو أحد قولي الشافعية ـ لأن الظهر تابعة للعصر في الوقت واللزوم ، فليكن الأكثر في مقابلة المتبوع. والثاني : الأولى لأنها السابقة(3) .

وتظهر الفائدة فيما لو أدرك في آخر وقت العشاء مقدار أربع ، فإن قلنا في الصورة الأولى الأربع للظهر وجبت هنا الصلاتان ثلاث للمغرب ، وركعة للعشاء ، وإن قلنا الأربع للعصر وجبت العشاء خاصة ولا تجب المغرب إلاّ‌

__________________

(1) المبسوط للطوسي 1 : 73.

(2) التهذيب 2 : 28 ـ 82 ، الاستبصار 1 : 263 ـ 945.

(3) فتح العزيز 3 : 76.

٣٢٤

بإدراك خمس.

و ـ قال الشيخ في التهذيب : الذي أعوّل عليه أنّ المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس ـ قبل أن يمضي منه أربعة أقدام ـ فإنه يجب عليها قضاء الظهر والعصر ، وإن طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام يجب عليها قضاء العصر لا غير ، ويستحب لها قضاء الظهر إذا كان طهرها قبل مغيب الشمس(1) .

وهو بناء على الأقدام ، والراوي الفضل بن يونس(2) وهو واقفي.

ز ـ قد بيّنا أن إدراك الركعة سبب لإدراك الفريضة إجماعا ، لكن الخلاف في أنه يكون مؤديا للجميع ، أو قاضيا لما يقع خارج الوقت؟

وعندي فيه إشكال ينشأ من قولهعليه‌السلام : ( من أدرك ركعة من الصبح فقد أدرك الصبح )(3) . ومن أنّها عبادة موقتة فعلت بعد خروج وقتها ، ولا معنى للقضاء سوى ذلك.

إذا ثبت هذا فإن قلنا إن الواقع خارجا قضاء فهل ينوي القضاء أم لا؟

الأقرب العدول بالنية إليه إذ الأفعال إنّما تقع على الوجوه والاعتبارات المقصودة.

وللشافعي ثلاثة أوجه : المذكوران ، وكون الجميع قضاءا نظرا الى آخر الصلاة(4) ـ وهو اختيار المرتضى(5) ـ وله قول رابع : إن أدرك ركعة في الوقت‌

__________________

(1) التهذيب 1 : 391 ذيل الحديث 1207.

(2) هذا الراوي يقع في سند الحديث 1199 من التهذيب 1 : 389 فراجع.

(3) صحيح البخاري 1 : 151 ، صحيح مسلم 1 : 424 ـ 608 ، سنن الترمذي 1 : 353 ـ 186 ، سنن النسائي 1 : 257 و 258 ، سنن الدارمي 1 : 278.

(4) المجموع 3 : 62 ـ 63 ، المهذب للشيرازي 1 : 60.

(5) حكاه عنه الشيخ في الخلاف 1 : 268 المسألة 11.

٣٢٥

فالكل أداء وإلاّ فالجميع قضاء ـ وبه قال أحمد(1) ـ لقولهعليه‌السلام : ( من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح )(2) .

وعند أبي حنيفة لو طلعت الشمس في أثناء صلاة الصبح بطلت ولم يكن أداء ولا قضاء(3) .

مسألة 42 : لو وجد العذر في آخر الوقت‌ ، بأن يطرأ بعد دخول الوقت وإنما يتحقق في الحيض ، والنفاس ، والجنون ، والإغماء ، دون الصبا ، والكفر الأصلي ، فإن كان الماضي من الوقت قدر ما يتسع للطهارة والصلاة الكاملة استقرت في الذمة ، وعليه القضاء مع الإهمال بعد زوال العذر عند علمائنا ـ وهو أصح قولي الشافعي(4) ـ لأنه تمكن من الأداء وقد خوطب به وأهمل فلزمه القضاء كما لو تجدد العذر بعد الوقت.

وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا تلزمه تلك الصلاة ما لم يدرك آخر الوقت ـ وهو قول للشافعي(5) ـ لأن المسافر لو دخل عليه الوقت في بلده ثم سافر في أثناء الوقت قبل الصلاة قصّر ، ولو كان قد استقر الفرض في ذمته لما جاز القصر ، وهو ممنوع.

فروع :

أ ـ المعتبر أخف ما يمكن من الصلاة ، فلو طوّلت الصلاة بالقراءة فحاضت في خلالها والماضي بقدر الخفيفة وجب القضاء ، ولا بدّ من إدراك‌

__________________

(1) المجموع 3 : 63 ، المغني 1 : 420.

(2) صحيح البخاري 1 : 151 ، صحيح مسلم 1 : 424 ـ 608 ، سنن الترمذي 1 : 353 ـ 186 ، سنن النسائي 1 : 257 و 258 ، سنن الدارمي 1 : 278.

(3) المبسوط للسرخسي 1 : 152 ، حلية العلماء 2 : 18.

(4) المجموع 3 : 67 ، فتح العزيز 3 : 89 ، الوجيز 1 : 34 ، المهذب للشيرازي 1 : 61.

(5) المجموع 3 : 67 ، فتح العزيز 3 : 90.

٣٢٦

الطهارة إن كان محدثا في أول الوقت ، ولو كان متطهرا لم يشترط قدر زمانها.

وعند الشافعي يشترط إن كان ممن لا يصح طهره قبل الوقت كالمتيمم ، والمستحاضة ، وإن كان ممن يصح طهره قبل الوقت فوجهان : الاعتبار ، لأن الصلاة لا تصح بدونها. وعدمه ، لأن الطهارة لا تختص بوقت(1) .

ب ـ لو أدرك من أول الوقت مقدار ركعة أو ركعتين ، ثم طرأ العذر لم يلزمه قضاء الصلاة عندنا بعد العذر ـ وبه قال الشافعي ـ لعدم تمكنه من الفعل ، وقال بعض الشافعية : يجب القضاء كما لو أدرك هذا الوقت من آخره(2) ، والفرق تمكنه من إتمام الفعل لو أدرك قدر الركعة آخر الوقت بخلاف صورة النزاع فإنه لا يتمكن من إتمامه.

ج ـ لو أدرك من أول الوقت مقدار خمس ركعات لم يلزمه العصر ـ وهو ظاهر مذهب الشافعية ـ لما تقدم(3) ، وقال بعضهم : يلزمه العصر كما لو أدرك هذا الوقت من آخر وقت العصر يلزمه قضاء الظهر ، والفرق أن وقت الظهر جعل وقتا للعصر على سبيل التبع للظهر ، ولهذا لو بدأ بالعصر قبل الظهر لم يصح ولم يلزم العصر بإدراكه ، وأما وقت العصر فقد جعل وقتا للظهر لا على سبيل التبع للعصر ، بل إنّه لو ابتدأ بالظهر قبل العصر صحت صلاته(4) . أمّا لو مضى مقدار الطهارة وأداء ثمان ركعات فإن الصلاتين تجب عليه عندنا ، إذ وقت العصر بعد الفراغ من الظهر ، وقال الشافعي : تجب الظهر خاصة(5) .

__________________

(1) المجموع 3 : 67 ـ 68 ، فتح العزيز 3 : 91.

(2) المجموع 3 : 67 ، المهذب للشيرازي 1 : 61 ، فتح العزيز 3 : 91.

(3) تقدم في فرع ( ب ).

(4) المهذب للشيرازي 1 : 61 ، فتح العزيز 3 : 92.

(5) فتح العزيز 3 : 93 ، الوجيز 1 : 34.

٣٢٧

د ـ لو خلا الوسط عن العذر وحصل في الطرفين كان حكمه حكم هذا القسم ، لا حكم الخالي آخره ، فلو بلغ صبي في أول الوقت ثم جنّ ، أو أفاقت المجنونة في أثناء الوقت ثم حاضت ، أو تجدد الجنون فإن كان وقت زوال العذر يتسع للطهارة وتمام الصلاة وجب القضاء وإلاّ فلا.

مسألة 43 : لو عمّ العذر الوقت سقط القضاء‌ ، فلو أسلم الكافر بعد خروج الوقت لم يكن عليه قضاء أيام كفره لقوله تعالى( إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) (1) .

أما المرتد ، فإنه يقضي أيام ردته بعد العود إلى الإسلام ، لأنه التزم الصلوات بالإسلام فلا تسقط بالردة كحقوق الآدميين ، وبه قال الشافعي ، واحمد في رواية ، وفي الثانية : لا يجب القضاء كالكافر الأصلي ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك(2) ، والفرق ظاهر.

والحائض والنفساء إذا استغرق عذرهما الوقت سقط القضاء ، والصبي والمجنون لا تلزمهما الصلاة ولا قضاؤها إجماعا لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق )(3) وإنما وجب القضاء على النائم لقولهعليه‌السلام : ( إذا نسي أحدكم صلاة ، أو نام عنها فليصلّها إذا ذكرها )(4) .

__________________

(1) الأنفال : 38.

(2) مختصر المزني : 16 ، المجموع 3 : 4 ، فتح العزيز 3 : 95 ، المهذب للشيرازي 1 : 57 ، الوجيز 1 : 34 ، المغني 1 : 444 ، الشرح الكبير 1 : 412 ـ 413 ، مغني المحتاج 1 : 130 ، تفسير القرطبي 7 : 403 ، بدائع الصنائع 1 : 95.

(3) صحيح البخاري 7 : 59 ، سنن أبي داود 4 : 139 ـ 140 ـ 4398 ، سنن الترمذي 4 : 32 ـ 1 ، سنن ابن ماجة 1 : 658 ـ 2041 ، مسند أحمد 6 : 100 ، سنن الدارمي 2 : 171 ، وفيها نحوه.

(4) سنن الترمذي 1 : 334 ـ 177 ، سنن أبي داود 1 : 119 ـ 435 ، سنن ابن ماجة 1 : 228 ـ 298 ، سنن النسائي 1 : 294.

٣٢٨

وأما الإغماء ، فإن عم الوقت سقطت أداء وقضاءا كالجنون لأنه مسقط للتكليف ـ وبه قال الشافعي ، ومالك(1) ـ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال وقد سئل عن المغمى عليه : ( ليس من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه فيفيق في وقتها فيصليها )(2) . ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن المريض هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال : « لا ، إلا الصلاة التي أفاق في وقتها »(3) .

وقال أبو حنيفة : إن أغمي عليه في خمس صلوات فما دون وجب عليه قضاؤها ، وإن زادت على ذلك سقط عنه فرض القضاء في الكل(4) .

وقال أحمد : يجب القضاء في الجميع بكل حال(5) ، واحتجا بأن عمار ابن ياسر أغمي عليه يوما وليلة فقضى(6) ، وهو محمول على الاستحباب ، وقد روي ذلك من طرقنا عن الصادقعليه‌السلام سئل عن المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة؟ قال : « يقضيها كلها ، إن أمر الصلاة شديد »(7) .

فروع :

أ ـ المرتد إذا ترك شيئا حال إسلامه قبل الردة وجب قضاؤه عندنا ـ وبه‌

__________________

(1) الوجيز 1 : 34 ـ 35 ، مغني المحتاج 1 : 131 ، المنتقى 1 : 24 ، بداية المجتهد 1 : 100 ، المغني 1 : 446 ، الشرح الكبير 1 : 411.

(2) المغني 1 : 446 ، الشرح الكبير 1 : 411.

(3) الفقيه 1 : 236 ـ 1040 ، التهذيب 3 : 304 ـ 933 ، الإستبصار 1 : 459 ـ 1780.

(4) المغني 1 : 446 ، الشرح الكبير 1 : 411 ، المنتقى 1 : 24 ، المحلى 2 : 233 ، بداية المجتهد 1 : 100.

(5) المغني 1 : 446 ، الشرح الكبير 1 : 411.

(6) المغني 1 : 446.

(7) التهذيب 3 : 305 ـ 938 ، الاستبصار 1 : 459 ـ 1785.

٣٢٩

قال الشافعي ، وأحمد في رواية(1) ـ لأن الردة غير مسقطة على ما تقدم ، ولأنه قد كان واجبا عليه ومخاطبا به قبل الردة فبقي الوجوب بحاله لأنه لم يأت به ، وقال أبو حنيفة : لا يجب(2) . لما تقدم.

ب ـ لو شرب مسكرا ، أو دواء مرقدا ، أو مزيلا للعقل فإن علم حاله وجب عليه القضاء وإلاّ فلا.

ولو شرب دواء فذهب عقله فإن شربه للتداوي وليس الغالب فيه ذهاب العقل سقط القضاء ، وإن شربه لزوال عقله لم يسقط.

ولو شرب مسكرا لم تصح صلاته إن لم يحصّل ما يفعله ، ولا يسقط عنه فرض الصلاة بذلك لإجماع العلماء على تكليف السكران لقول عليعليه‌السلام : « إنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذي ، وإذا هذي افترى ، فاجلدوه جلد المفتري »(3) . فألزمه الصحابة بذلك حكم الافتراء في حال سكره.

ج ـ لو ارتد ثم جن فالوجه عدم قضاء أيام الجنون ، وكذا لو سكر ثم جن لسقوط التكليف.

وقال الشافعي : يقضي المرتد أيام الجنون ، وفي قضاء السكران وجهان : القضاء لأن السكران يغلظ عليه أمر الصلاة كالمرتد ، والمنع لأن المرتد في أيام جنونه مرتد حكما ، والسكران في دوام الجنون ليس بسكران قطعا(4) . ولو ارتدت المرأة ، أو سكرت ثم حاضت لم يكن عليها قضاء أيام‌

__________________

(1) المجموع 3 : 5 ، المغني 1 : 444 ، الشرح الكبير 1 : 413.

(2) المجموع 3 : 4 ، بدائع الصنائع 1 : 95.

(3) الموطأ 2 : 842 ـ 2 ، سنن البيهقي 8 : 321 ، سنن الدار قطني 3 : 166 ـ 245.

(4) المجموع 3 : 9 ، فتح العزيز 3 : 99 و 101.

٣٣٠

الحيض ، ولا فرق بين أن يطرأ الحيض على الردة ، أو السكر.

د ـ لو عم النوم الوقت ثم انتبه بعد خروج الوقت فعليه القضاء إجماعا لقولهعليه‌السلام : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها )(1) .

هـ ـ لو شربت دواء فأسقطت ونفست لم تصلّ أيام النفاس ، ولا قضاء بعد الطهر وان قصدته ، لأن النفاس ليس مقصود جنايتها ، وللشافعية وجه في وجوبه لأنها عاصية به فكان حكمها حكم السكران(2) ، والفرق أن السكران قصد بجنايته زوال عقله فأبقينا حكم الخطاب عليه.

مسألة 44 : الصبي لا تجب عليه الصلاة ما لم يبلغ‌ ، لكن يستحب تمرينه بفعلها ، ويستحب مطالبته بها إذا بلغ سبع سنين ، وضربه عليها إذا بلغ عشرا لقولهعليه‌السلام : ( مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر )(3) وإنما ضرب بعد العشر لاحتمال البلوغ بالاحتلام ، وهذا وإن لم يكن تكليفا لهم إلا أنه سائغ لاشتماله على اللطف لهم بالتعويد على ملازمة الصلاة عند البلوغ. وهل صلاته شرعية معتد بها؟ المشهور ذلك ـ وبه قال الشافعي(4) خلافا لأبي حنيفة(5) ـ ولا قضاء عليه لو أخل بها‌

__________________

(1) صحيح مسلم 1 : 477 ـ 315 ، سنن الترمذي 1 : 334 ـ 177 ، سنن النسائي 1 : 294 ، سنن ابن ماجة 1 : 228 ـ 698 ، سنن الدارمي 1 : 280 ، مسند أحمد 3 : 100.

(2) المجموع 3 : 10 ، فتح العزيز 3 : 101.

(3) سنن الترمذي 2 : 259 ـ 407 ، سنن أبي داود 1 : 133 ـ 494 و 495 ، سنن الدارمي 1 : 333.

(4) المجموع 3 : 12 ، مغني المحتاج 1 : 132 ، المغني 1 : 445.

(5) بدائع الصنائع 1 : 95 ، المجموع 3 : 12 ، المغني 1 : 445.

٣٣١

إجماعا لأن الأمر لم يكن أمر إيجاب بل إنما ثبت للتخلق ، ومراعاة حق الوقت وحرمته ، فإذا فات الوقت سقط.

فروع :

أ ـ لو صلى حالة الصغر ثم بلغ والوقت باق فلا خلاف في استحباب الإعادة ، وهل تجب؟ الأقوى عندي ذلك ـ وبه قال أبو حنيفة ، والمزني ، وحكاه القفال عن الشافعي(1) ـ لأنه الآن تعلق به الخطاب ، والفعل الأول لم يكن واجبا فلا يسقط ما تجدد وجوبه ، وظاهر مذهب الشافعي عدم الوجوب(2) ، وأصل اختلاف قوليه أنه إذا نوى الظهر ولم يقيّد النيّة بالفرضية هل تصح صلاته؟ وسيأتي ، فإن قيل بالصحة هناك فلا إعادة هنا ، لأن الصبي قد نوى الظهر ، وإن قلنا بالعدم وجبت هنا الإعادة ، لأنّه ليس من أهل نية الفرضية.

ب ـ لو بلغ في أثناء الصلاة بغير المبطل استحب له أن يتم ويعيد بعد ذلك ، وفي وجوب الإعادة ما تقدم من الاختلاف ، ولو ضاق الوقت إلاّ عن ركعة استأنف ونوى الفرضية ، ولو قصر عن ركعة لم يجب الاستئناف ولا الإعادة واستحب الإتمام.

ج ـ الصبي إذا صلى الظهر يوم الجمعة ، ثم بلغ قبل فواتها وجب عليه استئناف الجمعة ـ وهو قول بعض الشافعية(3) ـ لأنه مأمور بالجمعة لا الظهر.

وقال أكثر الشافعية : لا إعادة كالعبد إذا صلّى الظهر ثم عتق(4) ، وهو‌

__________________

(1) مختصر المزني : 11 ، المجموع 3 : 12 ، الوجيز 1 : 34 ، بدائع الصنائع 1 : 95 ، المغني 1 : 445 ، الشرح الكبير 1 : 415.

(2) المجموع 3 : 12 ، الوجيز 1 : 34 ، مغني المحتاج 1 : 132 ، المغني 1 : 445 ، الشرح الكبير 1 : 415.

(3) المجموع 3 : 12 ، مغني المحتاج 1 : 132 ، فتح العزيز 3 : 85.

(4) المجموع 3 : 12 ، الوجيز 1 : 34 ، مغني المحتاج 1 : 132 ، فتح العزيز 3 : 85.

٣٣٢

غلط لأن العبد مأمور بالظهر فإذا صلاّها خرج عن العهدة فلم تلزمه الإعادة بخلاف الصبي.

د ـ لو بلغ في أثناء الوقت قبل الصلاة ، فإن بقي من الوقت مقدار ركعة والطهارة إن لم يكن متطهرا أو قدر ركعة إن كان وجب عليه الفعل ، فإن أهمل وجب القضاء ، وإن قصر عن ذلك لم يجب بل استحب.

البحث الرابع : في الأوقات المكروهة.

مسألة 45 : الأوقات المكروهة لابتداء النوافل فيها خمسة :

أ ـ عند طلوع الشمس الى ارتفاعها.

ب ـ عند غروبها.

ج ـ عند قيامها وسط النهار الى أن تزول إلاّ يوم الجمعة.

د ـ بعد صلاة الصبح الى طلوع الشمس.

هـ ـ بعد العصر حتى تغرب الشمس.

اثنان من هذه متعلقة بالفعل وهما ما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ، وما بعد العصر حتى تغرب ، وثلاثة للوقت لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ، فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، ثم إذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها )(1) ونهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة في تلك الأوقات(2) ،

__________________

(1) سنن ابن ماجة 1 : 397 ـ 1253 ، الموطأ 1 : 219 ـ 44 ، سنن النسائي 1 : 275 ، مسند أحمد 4 : 348.

(2) سنن ابن ماجة 1 : 397 ـ 1253 ، الموطأ 1 : 219 ـ 44 ، سنن النسائي 1 : 275 ، مسند احمد 4 : 348.

٣٣٣

وبه قال الشافعي ، وأحمد(1) .

وقال ابن المنذر : لا يكره بعد العصر حتى تصفر الشمس ، وإنما المنهي عنه ما رواه عقبة بن عامر قال : ثلاث ساعات كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل ، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب(2) ، ومعنى تتضيف أي تميل ، ومنه سمي الضيف ، والتخصيص يدل على نفي ما عداه ، وعن عليعليه‌السلام أنه دخل فسطاطه فصلى ركعتين بعد العصر(3) ، وقال داود : يجوز فعل النافلة بعد العصر حتى تغرب الشمس(4) .

مسألة 46 : النهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة‌ فمن لم يصلّ لم يكره له التنفل وإن صلى غيره ، ولو صلى العصر كره له التنفل وإن لم يصلّ غيره ، ولا نعلم فيه خلافا بين المانعين.

وأما النهي بعد الصبح فإنه كذلك ـ وبه قال الحسن ، والشافعي(5) ـ لأن النبيعليه‌السلام قال : ( لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس )(6) ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب ، ولا بعد الفجر حتى تطلع‌

__________________

(1) الام 1 : 149 ، المجموع 4 : 166 ، المغني 1 : 790 ، الشرح الكبير 1 : 830.

(2) سنن ابن ماجة 1 : 486 ـ 1519 ، سنن الترمذي 3 : 349 ـ 1030 ، سنن النسائي 1 : 275 ، سنن الدارمي 1 : 333 ، وانظر المغني 1 : 790 ، والشرح الكبير 1 : 835.

(3) سنن البيهقي 2 : 459.

(4) المجموع 4 : 172.

(5) المجموع 4 : 166 ، المغني 1 : 790 ، الشرح الكبير 1 : 832.

(6) سنن الترمذي 1 : 343 ـ 345 ـ 183 ، سنن أبي داود 2 : 24 ـ 1276 ، سنن النسائي 1 : 278 ، سنن الدارمي 1 : 333.

٣٣٤

الشمس »(1) .

وقال أصحاب الرأي : النهي متعلق بطلوع الفجر ـ وبه قال ابن المسيب ، والنخعي ، وعن أحمد روايتان(2) ـ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين )(3) وفي حديث آخر : ( إذا طلع الفجر لا صلاة إلا ركعتا الفجر )(4) .

مسألة 47 : إنما تكره في هذه الأوقات نافلة‌ لا سبب لها متقدم على هذه الأوقات ولا مقارن لها ، فالنوافل الفائتة ، وذات السبب لا تكره في هذه الأوقات ـ وبه قال الشافعي(5) ـ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى قيس بن فهد يصلي بعد الصبح ركعتين فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما هاتان الركعتان يا قيس؟ ) فقال : لم أكن صليت ركعتي الفجر فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (6) ، ودخلصلى‌الله‌عليه‌وآله على أم سلمة بعد العصر فصلّى ركعتين فقالت أم سلمة : ما هاتان الركعتان؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلني عنهما الوفد )(7) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن قضاء النوافل فقال : « ما بين طلوع الشمس الى غروبها »(8) وسئل الكاظمعليه‌السلام

__________________

(1) التهذيب 2 : 174 ـ 695 ، الإستبصار 1 : 290 ـ 1066.

(2) المغني 1 : 790 ، الشرح الكبير 1 : 832.

(3) سنن أبي داود 2 : 25 ـ 1278 ، سنن البيهقي 2 : 465.

(4) كنز العمال 7 : 414 ـ 19583 ( عن الطبراني ).

(5) المجموع 4 : 170 ، فتح الباري 2 : 46 ـ 47 ، المغني 1 : 793 ـ 795 ، الشرح الكبير 1 : 838.

(6) سنن أبي داود 2 : 22 ـ 1267 ، سنن الترمذي 2 : 284 ـ 422 ، مسند أحمد 5 : 447.

(7) سنن أبي داود 2 : 23 ـ 24 ـ 1273 ، سنن الدارمي 1 : 324 و 325.

(8) التهذيب 2 : 272 ـ 1084 ، الاستبصار 1 : 290 ـ 1064.

٣٣٥

عن قضاء صلاة الليل قال : « نعم بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، وبعد العصر الى الليل »(1) .

وقال المفيد : يكره النوافل أداء وقضاء عند طلوع الشمس وغروبها. وأجاز قضاءها بعد الصبح والعصر(2) ، ومنع أبو حنيفة ومالك من قضاء النوافل في أوقات النهي ، وابتدائها وإن كان لها سبب(3) ـ وعن أحمد روايتان(4) ـ لعموم النهي(5) ، والجواب : الخاص مقدم.

مسألة 48 : النهي إنما هو كراهة عند علمائنا لا نهي تحريم‌ لتعارض الأحاديث في المنع والتسويغ ، وورود لفظ الكراهة ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز لأن النهي يدل على التحريم(6) ، وهو ممنوع خصوصا مع قيام المعارض.

إذا عرفت هذا فإن النهي عن التنفل لا عن الفرائض ، فلا يكره عندنا قضاء الفرائض ، ولا ابتداؤها في هذه الأوقات ـ وبه قال عليعليه‌السلام ، والنخعي ، والشعبي ، والحكم ، وحماد ، ومالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن المنذر ، وأحمد بن حنبل(7) ـ لقولهعليه‌السلام :

__________________

(1) التهذيب 2 : 173 ـ 689 ، الإستبصار 1 : 290 ـ 1060.

(2) المقنعة : 23 و 35.

(3) المبسوط للسرخسي 1 : 152 و 153 ، بدائع الصنائع 1 : 296 ، المنتقى 1 : 362 و 363 ، القوانين الفقهية : 53 ، الهداية للمرغيناني 1 : 40 ، فتح العزيز 3 : 113 ، فتح الباري 2 : 46 ـ 47 ، المغني 1 : 794.

(4) المغني 1 : 794 ، الشرح الكبير 1 : 841 ، فتح العزيز 3 : 113.

(5) انظر على سبيل المثال : سنن ابن ماجة 1 : 486 ـ 1519 ، سنن الترمذي 3 : 349 ـ 1030 ، سنن النسائي 1 : 275 ، سنن الدارمي 1 : 333.

(6) شرح فتح القدير 1 : 202 ، الهداية للمرغيناني 1 : 40 ، الكفاية 1 : 202 ، بداية المجتهد 1 : 103.

(7) فتح العزيز 3 : 109 ، المغني 1 : 783 و 784 ، الشرح الكبير 1 : 833 ، القوانين الفقهية : 53 ، بداية المجتهد 1 : 103.

٣٣٦

( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )(1) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام وقد سئل عن رجل صلى بغير طهور ، أو نسي صلوات لم يصلها ، أو نام عنها : « يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها »(2) .

وقال أصحاب الرأي : لا يقضى الفرض ولا النفل في الأوقات الثلاثة إلاّ عصر يومه عند اصفرار الشمس ، وأما الوقتان الآخران المتعلقان بالفعل فلا يجوز فيهما فعل شي‌ء من النوافل سواء كان لها سبب أو لم يكن ، لعموم النهي(3) ، المتناول للفرائض والنوافل ولأنها صلاة فلم تجز في هذه الأوقات كالنوافل(4) . والنهي مخصوص بعصر يومه ، وبالقضاء في الوقتين الآخرين فنقيس محل النزاع على المخصوص ، وقياسهم ينتقض بذلك.

فروع :

أ ـ لو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد(5) ـ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل ان تغيب الشمس فليتم صلاته ، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته )(6) .

__________________

(1) صحيح البخاري 1 : 154 ، صحيح مسلم 1 : 477 ـ 315 ، سنن الترمذي 1 : 334 ـ 177 ، سنن النسائي 1 : 294 ، سنن أبي داود 1 : 119 ـ 435 ، سنن ابن ماجة 1 : 228 ـ 698 ، سنن الدارمي 1 : 280 ، مسند أحمد 3 : 100 و 282.

(2) الكافي 3 : 292 ـ 3 ، التهذيب 2 : 266 ـ 1059 ، الاستبصار 1 : 286 ـ 1046.

(3) سنن ابن ماجة 1 : 486 ـ 1519 ، سنن الترمذي 3 : 349 ـ 1030 ، سنن النسائي 1 : 275.

(4) فتح العزيز 3 : 113 ، المغني 1 : 784 ، الشرح الكبير 1 : 833 ، بداية المجتهد 1 : 103 ، القوانين الفقهية : 53 ، الهداية للمرغيناني 1 : 40 ، اللباب 1 : 88 ـ 89 ، المبسوط للسرخسي 1 : 150.

(5) المجموع 3 : 47 ، المهذب للشيرازي 1 : 60 ، المغني 1 : 784 ، الشرح الكبير 1 : 834 ، المبسوط للسرخسي 1 : 152.

(6) صحيح البخاري 1 : 146 ، سنن النسائي 1 : 257.

٣٣٧

وقال أصحاب الرأي : تفسد صلاته لأنها صارت في وقت النهي(1) .

والخاص مقدم.

ب ـ في انعقاد النوافل في هذه الأوقات إشكال ينشأ من النهي ، فأشبهت صوم يوم العيد ، ومن الترغيب في الصلاة مطلقا ، وهذه الأوقات قابلة للصلاة في الجملة لصحة الفرائض فيها فصارت كالصلاة في الحمام ، وللشافعية وجهان(2) ، إذا ثبت هذا ، فلو نذر أن يصلي في هذه الأوقات انعقد نذره إن قلنا بانعقاد الصلاة فيها وإلاّ فلا.

ج ـ يجوز فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي سواء كان النذر مطلقا أو موقتا ـ وبه قال الشافعي(3) ـ لاختصاص النهي بالنافلة ، والنذر واجب.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ، لأن وجوبها معلق بفعله وهو النذر فأشبه النافلة الواجبة بالدخول فيها(4) . ويبطل بسجود التلاوة ، فإنه متعلق بفعله وهو التلاوة ، ولا تشبه المنذورة ما وجب بالدخول فيه لأن الدخول مكروه والنذر غير مكروه في الجملة.

مسألة 49 : لو صلى الصبح ، أو العصر ، أو المغرب منفردا ثم أدرك جماعة‌ استحب له إعادتها عندنا ـ وبه قال الشافعي ، والحسن البصري ، وأبو ثور(5) ـ لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى الصبح في مسجد خيف ،

__________________

(1) المبسوط للسرخسي 1 : 152 ، المجموع 3 : 47 ، المغني 1 : 784 ، الشرح الكبير 1 : 834.

(2) المجموع 4 : 181 ، فتح العزيز 3 : 128.

(3) المجموع 4 : 170 ، فتح الباري 2 : 47 ، المهذب للشيرازي 1 : 99 ، الميزان 1 : 171 ، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة 1 : 65.

(4) المبسوط للسرخسي 1 : 153 ، فتح الباري 2 : 47 ، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة 1 : 65 ، الميزان 1 : 171 ، المغني 1 : 784 ، الشرح الكبير 1 : 834.

(5) المجموع 4 : 223 ، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة 1 : 68 ، المهذب للشيرازي 1 : 102 ، المغني 1 : 786 ، الشرح الكبير 1 : 836.

٣٣٨

فلما انصرف رأى رجلين في زاوية المسجد ، فقال لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لما ذا لم تصليا معنا؟ ) فقالا : كنا قد صلينا في رحالنا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا جئتما فصلّيا معنا ، وإن كنتما قد صليتما في رحالكما تكن لكما سبحة )(1) .

وقال أبو حنيفة : لا تجوز الإعادة لأنها نافلة فلا يجوز فعلها في وقت النهي(2) لعموم الحديث(3) وما ذكرناه أخص فتقدم.

وقال مالك ، والثوري ، والأوزاعي : يعاد الجميع إلاّ المغرب لئلا يتطوع بوتر(4) . وقال ابن عمر ، والنخعي : تعاد الصلوات كلها إلاّ الصبح ، والمغرب(5) . وقال الحكم : إلاّ الصبح وحدها(6) .

فروع :

أ ـ لا فرق في استحباب الإعادة بين أن تقام الصلاة وهو في المسجد أو لا ، ولا بين أن يدخل وهم يصلّون أو لا ، وشرط أحدهما أحمد(7) .

__________________

(1) سنن الترمذي 1 : 424 ـ 219 ، سنن النسائي 2 : 112 و 113 ، سنن أبي داود 1 : 157 ـ 575 ، سنن الدارمي 1 : 317 ، مسند أحمد 4 : 161 ، موارد الظمآن : 122 ـ 434 ، سنن البيهقي 2 : 301.

(2) المجموع 4 : 225 ، الميزان 1 : 174 ، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة 1 : 68 ، المغني 1 : 786 ، الشرح الكبير 1 : 837 و 2 : 7.

(3) سنن ابن ماجة 1 : 486 ـ 1519 ، سنن النسائي 1 : 275.

(4) المدونة الكبرى 1 : 87 ، المنتقى 1 : 234 ، بلغة السالك 1 : 154 ، المجموع 4 : 225 ، الميزان 1 : 174 ، رحمة الأمة 1 : 68 ، المغني 1 : 786 ، الشرح الكبير 2 : 7.

(5) المجموع 4 : 225 ، المغني 1 : 876 ، الشرح الكبير 2 : 7.

(6) المغني 1 : 786 ، الشرح الكبير 2 : 7.

(7) المغني 1 : 786 ، الشرح الكبير 1 : 836 و 2 : 6.

٣٣٩

ب ـ لا فرق في جواز الإعادة في وقت النهي بين أن يكون مع إمام الحي وغيره للعموم ـ خلافا لبعض أصحاب أحمد(1) ـ ولا بين أن يكون قد صلّى وحده أو مع جماعة ، قال أنس : صلّى بنا أبو موسى الغداة في المربد فانتهينا الى المسجد الجامع فأقيمت الصلاة فصلينا مع المغيرة بن شعبة(2) .

ج ـ إذا أعاد المغرب صلاها ثلاثا لأن القصد المتابعة للإمام ، والمفارقة مكروهة سواء كانت بالزيادة أو النقصان.

وقال الشافعي ، والزهري ، وأحمد : يصلي أربعا ـ وهو مروي عن سعيد بن المسيب ـ لأنها نافلة ولا يشرع التنفل بوتر غير الوتر فكان زيادة ركعة أولى من نقصانها لئلا يفارق إمامه قبل إتمام صلاته(3) ، وعن حذيفة يصلي ركعتين(4) .

د ـ إذا أقيمت الصلاة وهو خارج المسجد استحب له الدخول ، وإن كان وقت نهي ، عملا بالعموم ، خلافا لأحمد(5) .

هـ ـ إذا أعاد الصلاة فالأولى فرضه ـ وبه قال عليعليه‌السلام ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وإسحاق ، والشافعي في الجديد(6) ـ لقولهعليه‌السلام : ( تكن لكما نافلة )(7) ولأن الأولى وقعت فريضة فأسقطت الفرض لأنها لا‌

__________________

(1) المغني 1 : 786 ، الشرح الكبير 1 : 836.

(2) المغني 1 : 787 و 788 ، الشرح الكبير 2 : 7.

(3) المجموع 4 : 225 ، المغني 1 : 788 ، الشرح الكبير 2 : 7.

(4) المغني 1 : 788 ، الشرح الكبير 2 : 7.

(5) المغني 1 : 788 ، الشرح الكبير 2 : 7.

(6) المغني 1 : 788 ، الشرح الكبير 2 : 7.

(7) سنن النسائي 2 : 112 و 113 ، سنن الدارمي 1 : 317 ، مسند أحمد 4 : 161 ، سنن البيهقي 2 : 301 ، موارد الظمآن : 122 ـ 434.

٣٤٠