تذكرة الفقهاء الجزء ٣

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: 380

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 380 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 310152 / تحميل: 7995
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

لسجوده ؛ لأن القراءة ليست بركن في السجود ، وإن كان صبياً ففي سجود الرجل بسجوده عند أحمد وجهان بناءً على صحة إمامته(١) ، والكل عندنا باطل ؛ لما تقدم.

ولو لم يسجد التالي سجد المستمع عند علمائنا - وبه قال الشافعي(٢) - لأن السبب وهو الاستماع موجود.

وقال أحمد : لا يسجد ؛ لأنه تابع له فإنّ الاستماع إنما يحصل بالقراءة ، ولا يسجد بدون سجوده(٣) . وهو ممنوع.

ولا فرق بين أن يكون التالي إماماً ، أو لا.

وقال الشافعي : إن كان التالي إماماً ولم يسجد تبعه في تركها كما يتبعه في ترك سائر المسنونات(٤) .

وتحقيق مذهبنا أن الإِمام إن كان ممّن يقتدى به وقرأ العزيمة في فرض ناسياً أومأ بالسجود عند آيته ، وكذا المأموم ، وإن كان في نافلة تسوغ فيها الجماعة فإن سجد الإِمام سجد المأموم ، وكذا إن لم يسجد إن كانت السجدة عزيمة ، وإلّا فلا ، وإن كان ممّن لا يقتدى به وقرأ في فرض لم يتابعه المأموم في سجوده بل يومئ ، وإن لم يسجد الإِمام تابعه في الترك وأومى.

ولو كان التالي في غير الصلاة والمستمع في الصلاة حرم عليه الاستماع فإن فعله احتمل السجود إذا فرغ - وبه قال أبو حنيفة(٥) - لوجود سبب‌

____________________

(١) الشرح الصغير ١ : ١٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٥ ، المغني ١ : ٦٨٨ - ٦٨٩ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٦ - ٨١٧.

(٢) المجموع ٤ : ٥٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٢.

(٣) المغني ١ : ٦٨٩ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٧.

(٤) فتح العزيز ٤ : ١٩٠ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، السراج الوهاج : ٦٣ ، المجموع ٤ : ٥٩.

(٥) اللباب ١ : ١٠٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٩ ، شرح العناية ١ : ٤٦٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٢٣.

٢٢١

( السجود )(١) وامتنع منه لعارض فإذا زال سجد ، والإِيماء.

وقال الشافعي ، وأحمد : لا يسجد ؛ لأن سببها لم يوجد في صلاته ، ولا يسجد إذا فرغ(٢) وإن كان التالي في صلاة والمستمع في غير الصلاة سجد.

مسألة ٢٨٩ : لو قرأ السجدة ماشياً سجد‌ فإن لم يتمكن أومى - وبه قال أبو العالية ، وأبو زرعة ، وأحمد ، وأصحاب الرأي(٣) - وقال عطاء ، ومجاهد : يؤمي(٤) .

وإن كان راكباً سجد على راحلته إن تمكن ، وإلّا نزل ، وفعله عليعليه‌السلام ، وابن عمر ، وابن الزبير ، والنخعي ، وعطاء ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي(٥) ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم منهم الراكب والساجد في الأرض ، حتى أن الراكب يسجد على يده(٦) .

قيل : يكره اختصار السجود وهو أن ينتزع الآيات التي فيها السجود فيقرأها ويسجد فيها. وبه قال الشعبي ، والنخعي ، والحسن ، وإسحاق(٧) ، ورخص فيه أبو حنيفة ، ومحمد ، وأبو ثور(٨) ، وقيل : اختصار السجود أن‌

____________________

(١) في نسخة ( م ) : الوجوب.

(٢) المجموع ٤ : ٥٩ ، المغني ١ : ٦٨٩.

(٣) المغني ١ : ٦٨٩ - ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٠.

(٤) المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٠.

(٥) المجموع ٤ : ٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، المغني ١ : ٦٨٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧.

(٦) سنن ابي داود ٢ : ٦٠ / ١٤١١ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٢٥.

(٧) المجموع ٤ : ٧٣ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٧.

(٨) المبسوط للسرخسي ٢ : ٤ ، المجموع ٤ : ٧٣ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٧.

٢٢٢

يقرأ القرآن ويحذف آيات السجود(١) . والأخير عندي أولى.

مسألة ٢٩٠ : لو فاتت ، قال في المبسوط : يجب قضاء العزائم‌ ، وفي الندب هو بالخيار(٢) ، وقال في الخلاف : تعلّقت ذمته بفرض أو سنة ولا تبرأ إلّا بقضائه(٣) . ويحتمل أن يقال بالأداء لعدم التوقيت.

وقال الشافعي : إذا لم يسجد في موضع السجود لم يسجد بعد ذلك ، لأنها تتعلق بسبب فإذا فات سقطت ، ولأنه لا يتقرب إلى الله تعالى بسجدة ابتداءً كصلاة الاستسقاء(٤) . والكبرى ممنوعة في الأول ، والصغرى في الثاني ؛ لأنها عندهم صلاة ، وتارك الصلاة يجب عليه قضاؤها ، وله قول : بالقضاء(٥) .

ولو كرر آية السجدة في مجلس واحد ولم يسجد للمرة الاُولى احتمل الاكتفاء بسجدة واحدة - وبه قال الشافعي(٦) - ووجوبهما معاً. ولو سجد للاُولى سجد للثانية أيضاً لوجود السبب. وقال أبو حنيفة : تكفيه الاُولى(٧) . وللشافعي قولان : أظهرهما الأول(٨) .

أما لو طال الفصل فإنه يسجد مرة اُخرى ، والركعة الواحدة في الصلاة كالمجلس الواحد عند الشافعي ، والركعتان كالمجلسين(٩) .

____________________

(١) حكاه ابن قدامة في الشرح الكبير ١ : ٨٢٧.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١١٤.

(٣) الخلاف ١ : ٤٣٣ مسألة ١٨١.

(٤) المجموع ٤ : ٧١ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، السراج الوهاج : ٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٩٩.

(٥) المجموع ٤ : ٧١ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٠.

(٦) المجموع ٤ : ٧١ ، فتح العزيز ٤ : ١٩١ ، السراج الوهاج : ٦٣.

(٧) المبسوط للسرخسي ٢ : ٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٨١ ، اللباب ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٧١ ، الميزان ١ : ١٦٧.

(٨) المجموع ٤ : ٧١ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٩١.

(٩) المجموع ٤ : ٧١ ، فتح العزيز ٤ : ١٩٢.

٢٢٣

الثانية : سجدة الشكر ، وهي مستحبة عقيب الفرائض ، وعند تجدد النعم ، ودفع النقم عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ، وأحمد(١) - لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا جاءه شي‌ء يسره خرّ ساجداً(٢) .

وقال عبد الرحمن بن عوف : سجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأطال فسألناه فقال : ( أتاني جبرئيل فقال : من صلّى عليك مرّة صلّى الله تعالى عليه عشراً فخررت شكراً لله )(٣) .

وسجد عليعليه‌السلام شكراً يوم النهروان لـمّا وجدوا ذا الثدية(٤) وسجد أبوبكر لـمّا بلغه فتح اليمامة ، وقتل مسيلمة(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك ، وترضي بها ربك ، وتعجب الملائكة منك ، وأن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين الملائكة وبين العبد »(٦) .

وقال مالك : إنه مكروه(٧) . وقال الطحاوي : وأبو حنيفة لا يرى‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٦٨ و ٧٠ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣ ، الميزان ١ : ١٦٧ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٨.

(٢) سنن ابي داود ٣ : ٨٩ / ٢٧٧٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٤٦ / ١٣٩٤ ، سنن الترمذي ٤ : ١٤١ / ١٥٧٨.

(٣) مسند أحمد ١ : ١٩١ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧٠ - ٣٧١ باختصار. وانظر أيضاً : التلخيص الحبير بهامش المجموع ٤ : ٢٠٤ ، والضعفاء الكبير - للعقيلي - ٣ : ٤٦٨ / ١٥٢٣.

(٤) مصنّف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٨٣ و ٤٨٤ ، مصنّف عبد الرزّاق ٣ : ٣٥٨ / ٥٩٦٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧١.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٨٣ ، مصنّف عبد الرزاق ٣ : ٣٥٨ / ٥٩٦٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢٠ / ٩٧٨ ، التهذيب ٢ : ١١٠ / ٤١٥.

(٧) بلغة السالك ١ : ١٥١ ، الشرح الصغير ١ : ١٥١ ، المدونة الكبرى ١ : ١٠٨ ، المجموع ٤ : ٧٠ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٣ ، الميزان ١ : ١٨٧ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٨.

٢٢٤

سجود الشكر شيئاً(١) ، وروى محمد عن أبي حنيفة الكراهة(٢) ، ومحمد لا يكرهه(٣)

واحتجوا بأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد كانت في أيامه الفتوح واستسقى على المنبر وسقي ولم ينقل أنه سجد(٤) . وتركه أحياناً لا ينفي الاستحباب.

فروع :

أ - يستحب عقيب الصلوات على ما بينا‌ - خلافاً للجمهور(٥) - لأنها مظنَّة التعبد ، وموضع الخضوع ، والشكر على التوفيق لأداء العبادة ، وحديث الصادقعليه‌السلام (٦) يدل عليه.

ب - يستحب فيها التعفير عند علمائنا‌ - ولم يعتبره الجمهور - لأنها وضعت للتذلل والخضوع بين يدي الرب ، والتعفير أبلغ في الخضوع والذل ، وقال إسحاق بن عمار : سمعت الصادقعليه‌السلام يقول : « كان موسى بن عمرانعليه‌السلام إذا صلّى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض ، وخده الأيسر بالأرض » قال إسحاق : رأيت من يصنع ذلك ، قال محمد بن سنان : يعني موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، في الحجر في جوف الليل(٧) .

____________________

(١) حلية العلماء ٢ : ١٢٦ ، الميزان للشعراني ١ : ١٦٧.

(٢) الميزان ١ : ١٦٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٢٦.

(٣) حلية العلماء ٢ : ١٢٦.

(٤) المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٨.

(٥) انظر على سبيل المثال المجموع ٤ : ٦٨ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٨.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢٠ / ٩٧٨ ، التهذيب ٢ : ١١٠ / ٤١٥.

(٧) روى الصدوق صدر الرواية في الفقيه ١ : ٢١٩ / ٩٧٣ ، وأوردها الشيخ في التهذيب ٢ : ١٠٩ / ٤١٤ وذيَّلها بقوله : قال : وقال اسحاق : رأيت من آبائي من يصنع ذلك. قال محمد بن‌ =

٢٢٥

ج - يستحب الدعاء بما روي ، أو بما يتخيره الإِنسان من الأدعية ، ويستحب أن يقول : شكراً شكراً مائة مرّة ، وإن قال : عفوا عفوا جاز.

د - روى هارون بن خارجة عن الصادقعليه‌السلام قال : « إذا أنعم الله عزّ وجلّ عليك بنعمة فصلّ ركعتين‌ تقرأ في الاُولى بفاتحة الكتاب ، وقل هو الله أحد ، وتقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب ، وقل يا أيها الكافرون ، وتقول في الركعة الاُولى في ركوعك وسجودك : الحمد لله شكراً شكراً وحمداً ، وتقول في الركعة الثانية في ركوعك وسجودك : الحمد لله الذي استجاب دعائي ، وأعطاني مسألتي »(١) .

ه- الأقرب استحباب السجدة عند تذكر ( النعمة )(٢) ‌وإن لم تكن متجددة - خلافاً للجمهور(٣) - لأن دوام النعمة نعمة ، وعن إسحاق بن عمار قال : « إذا ذكرت نعمة الله عليك وكنت في موضع لا يراك أحد فألصق خدك بالأرض ، وإذا كنت في مل‌ء من الناس فضع يدك على أسفل بطنك ، وأحن ظهرك ، وليكن تواضعاً لله ، فان ذلك أحب »(٤) .

____________________

= سنان : يعني موسى في الحجر في جوف الليل. انتهى وفي الخلاف ١ : ٤٣٧ مسألة ١٨٣ حيث أوردها كما في المتن. وقد وقع الخلاف بين الاعلام في ذلك : فمن ذاهب الى أن موسى في آخر الحديث هو الإِمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ، وعليه فاسحاق يكون ولده وقد اتقى في عدم ذكر نسبه ، ومن ذاهب إلى أنه الساباطي ، وعليه فالتحية في غير موردها.

للتوسعة انظر : الوافي للفيض الكاشاني ٢ : ١٢٣ ، وملاذ الأخيار ٣ : ٦٢١ - ٦٢٢ ، وتنقيح المقال ١ : ١١٨ وغيرها.

(١) الكافي ٣ : ٤٨١ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٨٤ / ٤١٨.

(٢) في نسخة ( م ) : النعم.

(٣) المجموع ٤ : ٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٥ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٨ ، الانصاف ٢ : ٢٠٠ ، الميزان ١ : ١٦٧.

(٤) التهذيب ٢ : ١١٢ / ٤٢١.

٢٢٦

و - يستحب السجود إذا رأى مبتلى ببليّة أو فاسقاً‌ شكراً لله وستره عن المبتلى لئلّا يتأذى به ، ويظهره للفاسق ليرجع عن فسقه.

ز - ليس في سجود الشكر تكبير الافتتاح‌ ، ولا تكبير السجود ، ولا تشهد ، ولا تسليم.

وقال في المبسوط : يستحب التكبير لرفع رأسه من السجود(١) . وقال الشافعي : إنه كسجود التلاوة(٢) . والمعتمد ما قلناه للامتثال بإيقاعه كيف كان.

ح - هل يجب وضع الأعضاء السبعة في السجود الواجب في التلاوة ، ويستحب في مندوبها ، والشكر؟ إشكال ينشأ من أصالة البراءة وصرف السجود إلى وضع الجبهة ، ومن صرف السجود في الصلاة إلى ما وضع فيه الأعضاء.

ط - يجوز أن يؤدي هذا السجود ، وسجود التلاوة أيضاً على الراحلة‌ عندنا - خلافا للشافعي(٣) - لحصول المسمى.

ي - لو تجددت عليه نعمة وهو في الصلاة فإنه لا يسجد فيها‌ ؛ لأن سبب السجدة ليس منها ، وبه قال الشافعي(٤) . لكن لو قرأ ( ص ) فإن سجدتها عنده للشكر فهل يسجد؟ وجهان : السجود ؛ لأن سببه وجد في الصلاة ، والعدم ؛ لأنها سجدة شكر ، وليست متعلقة بالتلاوة(٥) .

الثالثة : سجدة السهو‌ ، وسيأتي البحث فيها إن شاء الله تعالى.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١١٤.

(٢) المجموع ٤ : ٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٣) الوجيز ١ : ٥٣ ، المجموع ٤ : ٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٦.

(٤) المجموع ٤ : ٦٨ ، فتح الوهاب ١ : ٥٦ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٦.

(٥) المجموع ٤ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ١٨٦ - ١٨٧.

٢٢٧

البحث السابع : في التشهد‌

التشهد واجب في كل ثنائية مرّة في آخرها ، ومرتين في الثلاثية بعد الثانية والثالثة ، والرباعية بعد الثانية والرابعة ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الليث بن سعد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، وأحمد في رواية(١) - لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فعل ذلك وداوم عليه ، وكذا الصحابة والأئمةعليهم‌السلام ، وأمر به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث ابن عباس(٢) ، والأمر للوجوب ، وسجد ابن عباس لما نسيه(٣) ، وعن ابن مسعود : علَّمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله التشهد في وسط الصلاة وآخرها(٤) . ومن طريق الخاصة ما رواه البزنطي : « التشهد تشهدان في الثانية ، والرابعة »(٥) .

وقال الشافعي : الأول سنة ، وكذا الجلوس فيه - وبه قال مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد في رواية - لأنه يسقط بالسهو فأشبه السنن(٦) . وهو ممنوع‌

____________________

(١) المغني ١ : ٦٠٦ ، المجموع ٣ : ٤٥٠ و ٤٦٢ ، عمدة القارئ ٦ : ١٠٧ و ١١٥ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٠٤.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ١٤٠ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٢ / ٤٠٣.

(٣) حكاه المحقق في المعتبر : ١٨٧ ، وانظر أيضاً المغني ١ : ٦٠٧.

(٤) مسند أحمد ١ : ٤٥٩.

(٥) أوردها عن الجامع البزنطي المحقق في المعتبر : ١٨٧.

(٦) المجموع ٣ : ٤٤٩ و ٤٥٠ ، فتح العزيز ٣ : ٤٩٣ - ٤٩٤ ، المنتقى للباجي ١ : ١٦٨ ، عمدة القارئ ٦ : ١٠٦ ، المغني ١ : ٦٠٦.

٢٢٨

لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الرجل ينسى التشهد ، قال : « يرجع فيتشهد »(١) .

وأوجب الشافعي التشهد الأخير ، وهو الذي يتعقبه التسليم ، سواء كانت الصلاة ثنائية ، أو ثلاثية ، أو رباعية - وبه قال عمر ، وابنه ، وأبو مسعود البدري ، والحسن البصري ، وأحمد كما قلناه(٢) - لأن ابن مسعود قال : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد : السلام على الله قبل عباده ، السلام على جبرئيل وميكائيل ، السلام على فلان ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تقولوا : السلام على الله فإن الله هو السلام ، ولكن قولوا : التحيات لله ، إلى آخره )(٣) ولأنه ذكر قدّر به ركن من أركان الصلاة فكان واجبا كالقراءة.

وقال مالك ، وأبو حنيفة ، والثوري : إنه غير واجب كالأول(٤) ، إلّا أنّ أبا حنيفة يقول : الجلوس في الثاني قدر التشهد واجب(٥) ، لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعلّمه الأعرابي(٦) ، ولأنه أحد التشهدين فلم يكن واجباً كالأول. ونمنع عدم تعليم التشهد ، أو أنه كان يعرفه ، أو كان قبل فرضه. ونمنع عدم وجوب الأول ، وقد سبق ، وأيضاً الفرق : أن محله غير واجب عندهم ، والثاني قدّر به ركن.

____________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٨ / ٦٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٦٣ / ١٣٧٦.

(٢) المجموع ٣ : ٤٦٢ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٣ ، المغني ١ : ٦١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٣٤ ، نيل الأوطار ٢ : ٣١٤.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٩٠ / ٨٩٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥٠ - ٤ ، سنن البيهقي ٢ : ١٣٨.

(٤) المغني ١ : ٦١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٣٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٠٧ ، الشرح الصغير ١ : ١١٦ ، المنتقى للباجي ١ : ١٦٨ ، نيل الأوطار ٢ : ٣١٤.

(٥) الهداية للمرغيناني ١ : ٤٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٠٧ ، المغني ١ : ٦١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٣٤.

(٦) اُنظر : سنن الترمذي ٢ : ١٠٠ - ١٠٢ / ٣٠٢ ، سنن النسائي ٣ : ٥٩ - ٦٠.

٢٢٩

مسألة ٢٩١ : يجب فيه الجلوس بقدره مطمئناً‌ في الأول والثاني ، فلو شرع فيه قبل انتهاء رفعه من السجدة أو شرع في النهوض قبل إكماله متعمداً ، بطلت صلاته عند علمائنا - وبه قال في الثاني أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد(١) - لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله داوم عليه ، وكذا الصحابة والتابعون ، وهو يعطي الوجوب ، ولأنهعليه‌السلام فعله بيانا.

إذا ثبت هذا فعلى أي هيئة جلس أجزأه للامتثال بأيّ نوع ، إلّا أن الأفضل التورك فيهما - وبه قال مالك(٢) - لقول ابن مسعود : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجلس وسط الصلاة وآخرها متوركاً(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر ، والصادقعليهما‌السلام : « إذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض ، وفرّج بينهما ، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وأليتاك على الأرض وطرف إبهام اليمنى على الأرض ، وإياك والقعود على قدميك فلا تصبر للتشهد والدعاء »(٤) .

وقال الشافعي : الجلسات في الصلاة أربع : الجلسة بين السجدتين ، والتشهّد الأخير ، وهما واجبتان ، وجلسة التشهد الأول ، وجلسة الاستراحة وهما مستحبتان.

ويستحب في جميع الجلسات الافتراش بأن يفرش رجله اليسرى‌

____________________

(١) المجموع ٣ : ٤٦٢ ، المغني ١ : ٦١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٣٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٠٧.

(٢) المنتقى للباجي ١ : ١٦٥ - ١٦٦ ، المغني ١ : ٦٠٧ و ٦١٢ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٧ و ٦٣٣.

(٣) مسند أحمد ١ : ٤٥٩ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٠٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٤ - ٣٣٥ / ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ - ٨٤ - ٣٠٨ وفيهما عن الامام الباقرعليه‌السلام ، وأمّا عن الصادقعليه‌السلام فيدلّ عليه حديث حماد بن عيسى في صفة صلاتهعليه‌السلام . اُنظر : الكافي ٣ : ٣١١ - ٣١٢ / ٨ والتهذيب ٢ : ٨١ - ٨٢ / ٣٠١.

٢٣٠

ويجلس عليها ، وينصب اليمنى إلّا التشهد الأخير الذي يتعقبه التسليم وإن كان واحداً فإنه يستحب فيه التورك(١) لحديث أبي حميد الساعدي : فلما جلس بين السجدتين ثنّى رجله اليسرى فجلس عليها ، ونصب قدمه اليمنى ، وإذا جلس في الأربع أماط رجليه عن وركه وأفضى بمقعدته إلى الأرض ونصب وركه اليمنى(٢) ، وقد ضعّفه الطحاوي فلا حجة فيه(٣) .

وقال أبو حنيفة والثوري : يجلس في جميعها مفترشاً(٤) لقولهعليه‌السلام : ( إذا جلست فاجعل عقبك تحت أليتيك )(٥) قال الشافعي : لو أدرك من الصبح ركعة مع الإِمام قعد معه مفترشاً ويتورك في الثاني ، ولو أدرك الثانية من المغرب جلس أربع مرات يفترش في ثلاثة ويتورك في الأخير(٦) .

مسألة ٢٩٢ : ويجب فيه الشهادتان بالتوحيد ، والرسالة‌ في الأول والثاني عند علمائنا أجمع - وبه قال كل من أوجبه - قال محمد بن مسلم للصادقعليه‌السلام : التشهد في الصلاة قال : « مرتان » قلت : وكيف مرتان؟ قال : « إذا استويت جالسا فقل : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله »(٧) .

وأقل الواجب فيه الشهادتان ؛ لقول سورة بن كليب ، قلت : أدنى ما يجزي من التشهد؟ قال : « الشهادتان ».(٨) وقول الباقرعليه‌السلام وقد سأله زرارة ما يجزي من التشهد في الاُخريين؟ قال : « الشهادتان »(٩) .

____________________

(١) المجموع ٣ : ٤٤٩.

(٢) الاُم ١ : ١١٦.

(٣) شرح معاني الآثار ١ : ٢٥٩ وانظر عمدة القارئ ٦ : ١٠٥ والمجموع ٣ : ٤٤٣.

(٤) بدائع الصنائع ١ : ٢١١ ، عمدة القارئ ٦ : ١٠٥ ، المجموع ٣ : ٤٥٠.

(٥) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من المصادر المتوفرة.

(٦) المجموع ٣ : ٤٥١ و ٤٥٢ ، فتح العزيز ٣ : ٤٩٥.

(٧) التهذيب ٢ : ١٠١ / ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ / ١٢٨٩.

(٨) الكافي ٣ : ٣٣٧ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٠١ / ٣٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ / ١٢٨٥.

(٩) التهذيب ٢ : ١٠٠ / ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ / ١٢٨٤.

٢٣١

وقال الشافعي : يجب خمس كلمات ، أن يقول : التحيات الله ، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن محمداً رسول الله ؛ لاختلاف ورود الأخبار وسقوط ما سوى هذا في بعضها(١) .

ونحن لا نوجب التحيات ؛ للأصل ، وقول محمد بن مسلم للصادقعليه‌السلام قلت : قول العبد : التحيات لله والصلوات الطيبات ، قال : « ذلك اللطف يلطف العبد ربه »(٢) وأيضاً لو وجب لَتواتَر ؛ لأنه ممّا تعم به البلوى ، ولأن الواجب التشهد وهو مأخوذ من الشهادة ولفظ التحيات ليس منها.

ونمنع من تقديم : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وتبطل به الصلاة ؛ لأن التسليم مخرج عن الصلاة لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( تحليلها التسليم )(٣) .

لا يقال : المخرج قوله : السلام عليكم. لأنا نقول : إنه تحكم لتناول إطلاق التسليم ذلك ، ولأن قوله : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يتناول الحاضرين والغائبين من الصلحاء ، وقوله : السلام عليكم يختص الحاضرين فإذا كان السلام على الحاضرين مخرجاً كان السلام على‌

____________________

(١) الاُم ١ : ١١٨ ، المجموع ٣ : ٤٥٨ - ٤٥٩ ، الوجيز ١ : ٤٥ ، السراج الوهاج : ٤٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٨ ، فتح العزيز ٣ : ٥١٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠١ / ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ / ١٢٨٩.

(٣) سنن الترمذي ٢ : ٣ / ٢٣٨ ، مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٢٢٩ ، سنن البيهقي ٢ : ١٥ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥٩ / ١ سنن ابن ماجة ١ : ١٠١ / ٢٧٥ و ٢٧٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٦ / ٦١ ، مسند أحمد ١ : ١٢٣ ونحوه في الكافي ٣ : ٦٩ / ٢ والفقيه ١ : ٢٣ / ٦٨.

٢٣٢

الحاضرين والغُيّاب أولى.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « كلّما ذكرت الله والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو من الصلاة ، فإذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت »(١) وسأله أبو كهمش عن الركعتين الاُوليين إذا جلست فيهما ، فقلت وأنا جالس : السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته انصراف هو؟ قالعليه‌السلام : « لا ، ولكن إذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف »(٢) .

مسألة ٢٩٣ : ويجب الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهدين‌ عند علمائنا أجمع لقوله تعالى( صَلُّوا عَلَيْهِ ) (٣) والأمر للوجوب ، ولا يجب في غير الصلاة إجماعاً فيجب فيها ، ولأن عائشة قالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( لا يقبل صلاة إلّا بطهور ، وبالصلاة عليّ )(٤) ولقول الصادقعليه‌السلام : « من صلّى ولم يصلّ على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتركه عامداً فلا صلاة له »(٥) .

وقال الشافعي : إنها واجبة في التشهد الأخير خاصة. وبه قال أحمد في إحدى الروايتين ، وإسحاق ، وأبو مسعود الأنصاري(٦) ، وفي مشروعيتها في الأول للشافعي قولان(٧) ، لأن العبادة إذا شرط فيها ذكر الله تعالى بالشهادة‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٧ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ / ١٢٩٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٦ / ١٢٩٢.

(٣) الأحزاب : ٥٦.

(٤) سنن الدارقطني ١ : ٣٥٥ / ٤.

(٥) التهذيب ٤ : ١٠٩ / ٣١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ / ١٢٩٢ ونحوه في الفقيه ٢ : ١١٩ / ٥١٥.

(٦) المجموع ٣ : ٤٦٥ و ٤٦٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٣ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٣ ، المغني ١ ٦١٤ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٣ و ٦١٤.

(٧) المجموع ٣ : ٤٦٠ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٥.

٢٣٣

شرط فيها ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كالأذان ، ولحديث عائشة(١) .

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي : لا يجب(٢) لأن ابن مسعود علّمه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله التشهد ، ثم قال : ( إذا قلت هذا تمت صلاتك )(٣) ويحمل على قرب التمام ، أو على سبق المشروعية بالصلاة.

مسألة ٢٩٤ : وتجب الصلاة على آلهعليهم‌السلام ‌ عند علمائنا أجمع ، وأحمد في إحدى الروايتين ، وبعض الشافعية(٤) - وللشافعية وجهان ، وقيل : قولان(٥) - لأن كعب بن عجرة قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في صلاته : ( اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد )(٦) فتجب متابعته ؛ لقولهعليه‌السلام : ( صلّوا كما رأيتموني أصلي )(٧) .

وعن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من صلّى صلاة ولم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه )(٨) وقال الشافعي : بالاستحباب للأصل(٩) . وهو ممنوع لثبوت المخرج منه.

____________________

(١) سنن الدارقطني ١ : ٣٥٥ - ٤.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٩ ، شرح فتح القدير ١ : ٢٧٥ ، شرح العناية ١ : ٢٧٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢١٣ ، بلغة السالك ١ : ١١٧ ، المجموع ٣ : ٤٦٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٣ ، المغني ١ : ٦١٤ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٤.

(٣) سنن ابي داود ١ : ٢٥٥ / ٩٧٠ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥٣ / ١٣ و ٣٥٤ / ١٤.

(٤) المجموع ٣ : ٤٦٥ ، المغني ١ : ٦١٦ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٦.

(٥) المجموع ٣ : ٤٦٥ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٣ و ٥٠٤ ، المغني ١ : ٦١٦ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٦.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٣٠٥ / ٤٠٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٧ / ٩٧٦ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٩ ، سنن البيهقي ٢ : ١٤٧.

(٧) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦.

(٨) سنن الدارقطني ١ : ٣٥٥ / ٦.

(٩) المجموع ٣ : ٤٦٦.

٢٣٤

فروع :

أ - قال بعض الناس : آل محمد هم بنو هاشم وبنو المطلب‌ ؛ لأنهم أهل النبيّ ، وآل منقلب عن أهل(١) . فلو قال : وعلى أهل محمد أجزأه عند بعض الجمهور ، وكذا لو صغّر فقال : اُهيل(٢) والحق عدم الإِجزاء ؛ لأنه أمر مشروع فيتبع فيه النقل.

وقيل : آل محمد من كان على دينه(٣) ، لأنه سئلعليه‌السلام من آل محمد؟ فقال : ( كل تقي )(٤) ولقوله تعالى( أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) (٥) والوجه : أن الآل هنا المعصومون من أهل بيته إذ لا تجب الصلاة على غيرهم.

ب - من لا يحسن التشهد والصلاة وجب عليه التعلّم‌ ، فإن ضاق الوقت أو عجز أتى بالممكن ، ولو عجز سقط.

ج - لا يجزئ بغير العربية ولو لم يقدر وجب التعلم‌ ، فإن ضاق الوقت أو عجز أجزأت الترجمة ، وكذا الأذكار الواجبة ، أما الدعاء بغير العربية فإنه جائز.

د - يجب الترتيب فيبدأ بالشهادة بالتوحيد ، ثم بالنبوة ، ثم بالصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم على آله ، ولو عكس لم يجزئه وقوفاً على المأخوذ عن صاحب الشرع.

____________________

(١) المجموع ٣ : ٤٦٦ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٨ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٢٧.

(٢) المغني ١ : ٦١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٦.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ١٥١ ، المجموع ٣ : ٤٦٦ ، المغني ١ : ٦١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٦ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٢٨.

(٤) سنن البيهقي ٢ : ١٥٢ ، كشف الخفاء ١ : ١٧ / ١٧ ، الفردوس ١ : ٤١٨ / ١٦٩٢.

(٥) المؤمن : ٤٦.

٢٣٥

وقال الشافعي : يجزئه لحصول المعنى فيكفي(١) . وهو ممنوع.

ه- يجب فيه التتابع فلو تركه لم يجزئه ، وبه قال الشافعي(٢) .

و - يجب في الصلاة ذكر اسم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ‌ ، فلو قال : اللهم صلّ على الرسول لم يجزئه ؛ لأنهعليه‌السلام سئل كيف يصلّى عليك؟ فقال : ( قولوا : اللّهم صلّ على محمد وآل محمد )(٣) .

مسألة ٢٩٥ : قد بينا أن الواجب الشهادتان ، والصلاتان‌ ، وأقلّه : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد.

وفي وجوب ( وحده لا شريك له ) عقيب الشهادة بالتوحيد إشكال ينشأ من حديث محمد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام (٤) وقد سلف ، ومن أصالة البراءة.

ولو أسقط الواو في الثاني ، أو اكتفى به ، أو أضاف الآل إلى المضمر ، فالوجه : الإِجزاء للامتثال ، أما لو حذف لفظة الشهادة ثانياً والواو فإنه لا يجزئه قطعاً.

ولا بُدَّ من الإِتيان بصيغة الشهادة ، فلو قال : أعلم أو اُخبر عن علم لم يجزئ ؛ وكذا لو قال : أشهد أن الله واحد ، ولو أتى عوض حرف الاستثناء بغيره مما يدل عليه ك‍ « غير » و « سوى » فالوجه : عدم الإِجزاء ؛ لأنه خلاف المنقول.

____________________

(١) المجموع ٣ : ٤٦٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٦ ، المغني ١ : ٦١٨ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٨.

(٢) مغني المحتاج ١ : ١٧٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٢٩٣ / ٩٠٤ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٩ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٧ / ٩٧٦ ، سنن البيهقي ٢ : ١٤٦ و ١٤٧.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠١ / ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ / ١٢٨٩.

٢٣٦

مسألة ٢٩٦ : ويستحب الزيادة في التشهد بالأذكار المنقولة‌ عن أهل البيتعليهم‌السلام ، لأنهم أعرف بمواقع الشرع وكيفيته لأنهم مهبط الوحي ، قال الصادقعليه‌السلام : « إذا جلست في الثانية ، فقل : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، وخير الأسماء لله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، وأشهد أن ربّي نعم الرب ، وأن محمداً نعم الرسول ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وتقبّل شفاعته في اُمته وارفع درجته ، ثم تحمد الله مرتين ، أو ثلاثاً ، ثم تقوم.

فإذا جلست في الرابعة قلت : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، وخير الأسماء لله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، أشهد أنك نعم الرب ، وأن محمدا نعم الرسول ، التحيات لله الصلوات الطاهرات ، الطيبات ، الزاكيات ، الغاديات ، الرائحات ، السابغات ، الناعمات لله ، ما طاب ، وزكى ، وطهر وخلص ، وصفى فللّه ، أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، أشهد أن ربي نعم الرب ، وأن محمداً نعم الرسول ، وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلى على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد ، وسلّم على محمد وآل محمد ، وترحم على محمد وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وامنن عليَّ بالجنّة وعافني من النار »(١) وقد روي زيادة على ذلك.

____________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧٣.

٢٣٧

أما الجمهور فالمشهور عندهم ثلاث روايات :

إحداها : ما رواه ابن عباس : التحيات المباركات ، الصلوات الطيبات لله ، سلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله(١) .

الثانية : عن ابن مسعود : التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات ، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وهي مذكورة في الصحيحين(٢) .

الثالثة : عن عمر بن الخطاب : التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات لله ، الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله(٣) .

واختار الشافعي الأول(٤) ، وأبو حنيفة الثاني ، وبه قال الثوري ،

____________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٣٠٢ / ٤٠٣ ، سنن النسائي ٢ : ٢٤٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٨٣ / ٢٩٠ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥٠ / ٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧٧.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٢١١ - ٢١٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠١ / ٤٠٢ ، سنن النسائي ٢ : ٢٣٨ ، سنن الترمذي ٢ : ٨١ / ٢٨٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥٠ / ٤ و ٣٥٢ / ١٠ و ٣٥٣ / ١٢ و ١٣ و ٣٥٤ / ١٤.

(٣) الموطأ ١ : ٩٠ / ٥٣ ، سنن البيهقي ٢ : ١٤٤.

(٤) المجموع ٣ : ٤٥٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٤ ، شرح العناية ١ : ٢٧٢ ، عمدة القارئ ٦ : ١١٥ ، المغني ١ : ٦٠٩ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٣٠ ، نيل الأوطار ٢ : ٣١٥ ، سبل السلام ١ : ٣٢٣.

٢٣٨

وأحمد ، وإسحاق ، وابن المنذر(١) ، واختار مالك الثالث(٢) .

والكل عندنا باطل ، لأن التسليم مخرج عن الصلاة.

إذا ثبت هذا ، فإنه يستحب عندنا تقديم التسمية ؛ لما تقدم في الأحاديث عن أهل البيتعليهم‌السلام (٣) ، ورواه الجمهور عن جابر(٤) ، وأنكره الشافعي ، وابن المنذر(٥) ، لأن ابن عباس سمع رجلاً يقول : بسم الله ، فانتهره(٦) .

تنبيه : قال ابن عباس : التحيات لله يعني العظمة لله ، الصلوات يريد الصلوات الخمس ، الطيبات الأعمال الصالحة(٧) .

وقال أبو عمرو : التحيات لله ، معناه الملك لله ، وقيل : الطيبات هو الثناء على الله(٨) .

وفي السلام قولان : أحدهما : أن معناه اسم السلام ، والسلام هو الله‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٧ ، اللباب ١ : ٧٢ - ٧٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢١١ ، المغني ١ : ٦٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٩ ، العدة شرح العمدة : ٧٩ ، المجموع ٣ : ٤٥٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥١٠ ، بداية المجتهد ١ : ١٣٠ ، نيل الأوطار ٢ : ٣١٥.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ١٤٣ ، المنتقى للباجي ١ : ١٦٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٣٠ ، المجموع ٣ : ٤٥٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥١٠ ، المغني ١ : ٦٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٩ ، عمدة القارئ ٦ : ١١٥ ، نيل الأوطار ٢ : ٣١٥.

(٣) انظر على سبيل المثال التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧٣.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٢٩٢ - ٩٠٢ ، سنن النسائي ٢ : ٢٤٣.

(٥) المجموع ٣ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٣ : ٥١١ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٥ ، المغني ١ : ٦١١ ، الشرح الكبير ١ : ٦١١.

(٦) المغني ١ : ٦١١ ، الشرح الكبير ١ : ٦١١.

(٧و٨) المغني ١ : ٦١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٧.

٢٣٩

كما يقال : اسم الله عليك ، والثاني : سلام الله عليك تسليماً وسلاماً.

مسألة ٢٩٧ : يستحب للإِمام أن يسمع من خلفه الشهادتين ، وليس على المأموم ذلك ، قال أبو بصير : صليت خلف الصادقعليه‌السلام ، فلمـّا كان في آخر تشهده رفع صوته حتى أسمعنا ، فلمّا انصرف قلت : كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهده من خلفه؟ قال : « نعم »(١) وقال الصادقعليه‌السلام : « ينبغي للإِمام أن يسمع من خلفه التشهد ولا يسمعونه شيئاً »(٢)

وليس على الوجوب إجماعاً ، ولأن علي بن يقطين سأل أبا الحسن الماضيعليه‌السلام عن الرجل هل يصلح أن يجهر بالتشهد ، وبالقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال : « إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر »(٣) .

وقال أحمد : يستحب إخفاء التشهد ؛ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يجهر به(٤) . وهو ممنوع ؛ لأن عدم السماع لا يدل على العدم ، ولأنه مندوب فجاز تركه أحيانا.

مسألة ٢٩٨ : يجوز الدعاء في التشهد‌ ، وفي جميع أحوال الصلاة كالقنوت ، والركوع ، والسجود ، والقيام قبل القراءة ، وبعدها بالمباح من أمر الدين والدنيا عند علمائنا أجمع ، سواء كان مما ورد به الشرع ، أو لا - وبه قال الشافعي(٥) - لأن أبا هريرة روى أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع : من عذاب النار ، وعذاب القبر ، وفتنة المحيى وفتنة الممات ، وفتنة المسيح الدجال ، ثم يدعو لنفسه ما بدا‌

____________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠٢ / ٣٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٧ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٦٠ / ١١٨٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٢ / ٣٨٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٢ / ٣٨٥.

(٤) المغني ١ : ٦١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٨.

(٥) المجموع ٣ : ٤٦٩ و ٤٧١ ، فتح العزيز ٣ : ٥١٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٦ ، المغني ١ : ٦٢٠ - ٦٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٦٢٠ ، عمدة القارئ ٦ : ١١٨.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

والخلاف هنا كالخلاف هناك.

وكذا يجوز بيعها قبل بدوّ الصلاح سنتين فصاعداً.

ويجوز بيعها منضمّةً إلى الاُصول قبل بدوّ الصلاح وبعده وبشرط القطع وعدمه.

وكذا يجوز منضمّة إلى غيرها مطلقاً قبل انعقادها وبعده ، سواء كان بارزاً كالتفّاح والمشمش والعنب ، أو في قشر يحتاج إليه لادّخاره ، كالجوز في القشر الأسفل ، واللوز ، أو في قشر لا يحتاج إليه ، كالقشر الأعلى للجوز والباقلاء(١) الأخضر والهُرْطُمان(٢) والعدس.

وكذا السنبل يجوز بيعه ، سواء كان بارزاً كالشعير ، أو مستترا كالحنطة ، وسواء بيع منفردا أو مع أصله ، وسواء كان قائما أو حصيدا من غير اعتبار كيل أو وزن ، إلاّ إذا كان البيع بعد التصفية.

مسألة ١٦٨ : بدوّ الصلاح في ثمرة الأشجار الانعقادُ ، وفي الزرع عند اشتداد الحبّ‌ ؛ لأنّ عمّار بن موسى سأل الصادقَعليه‌السلام عن الكرم متى يحلّ بيعه؟ فقال : « إذا عقد وصار عنقوداً(٣) - والعنقود اسم الحِصْرِم بالنبطيّة - »(٤) .

وعن محمّد بن شريح عن الصادقعليه‌السلام في ثمر الشجر « لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته » فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : « إذا عقد بعد سقوط ورده »(٥) .

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : والباقلي.

(٢) الهُرْطُمانُ : حبٌّ متوسّط بين الشعير والحنطة نافع للإسهال والسُّعال. القاموس المحيط ٤ : ١٨٩.

(٣) في المصدر : عقوداً.

(٤) التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٥٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٩١ / ٣٨٨ ، الاستبصار ٣ : ٨٩ / ٢٠٣.

٣٦١

وقال الشافعي : إن كانت الثمرة ممّا تحمرّ أو تصفرّ أو تسودّ ، فبدوّ الصلاح أن تحصل فيها هذه الألوان. وإن كانت ممّا تبيضّ فأن تتموّه ، وهو أن يبدو فيه الماء الحلو ويصفرّ لونه. وإن كان ممّا لا يتلوّن - كالتفّاح - فبأن يحلو ويطيب أكله. وإن كان بطّيخا فأن يقع فيه النضج. وإن كان مثل القثّاء والخيار الذي لا يتغيّر لونه ولا طعمه فبأن يتناهى عظم بعضه وهو وقت أخذه(١) .

والنقل على ما ذكرناه ، فهو أولى من الأخذ بالتخمين والاستحسان.

الثالث : الخضر - كالقثّاء والباذنجان والبطّيخ والخيار - يجوز بيعه‌ بعد انعقاده وظهوره. ولا يشترط أزيد من ذلك من تغيّر لونٍ أو طعمٍ أو غيرهما ؛ لأنّه مملوك طاهر منتفع به ، فجاز بيعه ، كغيره من المبيعات.

ويجوز بيعها منفردة ومنضمّة إلى أصولها وغير أصولها بشرط القطع والتبقية ومطلقا.

وقال الشافعي : إن كان البيع للثمرة خاصّة قبل بدوّ الصلاح ، وجب شرط القطع ، كما في ثمرة النخل. وإن باع الأصل خاصّة ، صحّ البيع.

وكذا لو باعها منضمّةً إلى الثمرة التي لم يَبْدُ صلاحها(٢) .

وإذا باع البطّيخ وغيره من الخضر بعد بدوّ الصلاح في الجميع أو في بعضه [ جاز ](٣) مطلقاً عندنا.

وقال الشافعي : يجب شرط القطع إن خِيف خروج غيره ؛ لأنّه إذا وجب‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٥ - ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٢ ، المغني ٤ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠١ - ٣٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

٣٦٢

شرط القطع خوفاً من الجائحة التي الغالب فيها العدم ، فلأن يجب خوفاً من الاختلاط الذي الغالب فيه الوجود كان أولى(١) .

والجواب : المنع من كون الاختلاط مانعاً من البيع ؛ لإمكان المخلص عنه.

وإن لم يخف اختلاطه بغيره ، صحّ بيعه بشرط القطع وبغير شرطه(٢) .

مسألة ١٦٩ : لو اُفردت اُصول البطّيخ وغيره من الخضر بالبيع بعد ظهور الثمرة عليها ، صحّ البيع‌ ، وكانت الثمرة للبائع ؛ عملاً باستصحاب الملك السالم عن شرط إدخاله في البيع ، سواء كان قد بدا صلاحها أو لا.

ولا يجب اشتراط القطع إذا لم يخف الاختلاط.

ثمّ الحمل الموجود يكون للبائع ، وما يحدث بعده للمشتري ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن خِيف اختلاط الحملين ، لم يجب شرط(٤) القطع عندنا ؛ للأصل.

وقال الشافعي : يجب(٥) .

ولو باع الاُصول قبل خروج الحمل ، فلا يجب اشتراط القطع ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا بُدّ من شرط القطع أو القلع كالزرع(٦) .

ولو باع البطّيخ مع اُصوله ، لم يجب شرط القطع عندنا ، كالثمرة مع الشجرة.

وقال بعض أصحاب الشافعي : لا بُدّ من شرط القطع ، بخلاف الثمرة مع‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « اشتراط » بدل « شرط ».

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

٣٦٣

الشجرة ؛ لأنّ الشجرة غير معرّضة للجائحة ، بخلاف البطّيخ مع أصله ؛ فإنّه متعرّض لها. أمّا لو باع البطّيخ وأصله والأرض أيضاً ، استغنى عن شرط القطع ، وكان الأرض هنا كالأشجار ثَمَّ(١) .

مسألة ١٧٠ : لو باع الثمرة الظاهرة وما يظهر بعد ذلك ، صحّ البيع عندنا‌ - وبه قال مالك(٢) - لأصالة الصحّة. ولأنّ المتجدّد هنا كالمتجدّد في الثمرة في السنة الثانية ، فكما يصحّ(٣) بيع الثمرة سنتين صحّ هنا. ولأنّ ذلك يشقّ تمييزه ، فجعل ما لم يظهر تبعاً لما يظهر ، كما أنّ ما لم يَبْدُ صلاحه تبع لما بدا صلاحه.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين : « لا بأس به »(٤) والخضراوات من جملة الثمار.

وقال الشافعي : لا يصحّ البيع - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - لأنّها ثمرة لم تخلق ، فلا يجوز بيعها ، كما لا يجوز بيعها قبل ظهور شي‌ء منها(٥) .

والجواب : الفرق ، فإنّ مع الظهور يبقى المعدوم تابعاً ، فجاز بيعه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٢) الموطّأ ٢ : ٦١٩ ذيل الحديث ١٣ ، الاستذكار ١٩ : ١٠٨ / ٢٨٣٨٧ ، و ١٠٩ /٢٨٣٨٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٧ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٦ - ٢١٨ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٩ ، المغني ٤ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢١٩.

(٣) في « ق ، ك » : صحّ.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٩.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٢١٦ - ٢١٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٦ و ١٩٧ ، الاستذكار ١٩ : ١٠٩ / ٢٨٣٩٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٩ ، المغني ٤ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢١٩.

٣٦٤

بخلاف عدم الظهور ؛ فإنّ العدم يبقى أصلاً.

مسألة ١٧١ : ويجوز بيع ما يجزّ جزّةً وجزّات‌ ، وكذا ما يخرط خرطةً وخرطات ، كلّ ذلك مع ظهور الجزّة الاُولى والخرطة الاُولى ، سواء بدا صلاحها أو لا ، كالكرّاث والهندباء والنعناع والتوت والحِنّاء ؛ عملاً بالأصل السالم عن معارضة المبطل.

ولما رواه ثعلبة بن زيد(١) ، قال : سألت الباقرعليه‌السلام : عن الرطبة تباع قطعتين أو الثلاث قطعات ، فقال : « لا بأس به » قال : فأكثرت السؤال عن أشباه هذا ، فجعل يقول : « لا بأس »(٢) .

وعن سماعة قال : سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال : « إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر ما شئت من خرطةٍ »(٣) .

وعن معاوية بن ميسرة قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن بيع النخل سنتين ، قال : « لا بأس به » قلت : فالرطبة نبيعها هذه الجزّة وكذا وكذا جزّة بعدها؟ قال : « لا بأس به » ثمّ قال : « كان أبي يبيع الحِنّاء كذا وكذا خرطة »(٤) .

تذنيب : مَنْ جوّز بيع الثمرة قبل ظهورها عامين‌ يحتمل تجويز بيع الورق من التوت والحنّاء وشبههما خرطتين قبل ظهورها.

أمّا ما يجزّ كالكرّاث قبل ظهوره فالأولى - تفريعاً على الجواز في‌

____________________

(١) في الكافي : عن ثعلبة عن بريد. وفي التهذيب : ثعلبة بن زيد عن بريد.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٤ ( باب بيع الثمار وشرائها ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٦.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٧ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٨.

٣٦٥

الثمرة - المنع فيه ؛ لأنّه لا أصل له ظاهراً يرجع إلى معرفة المجزوز تقريباً ، ولا فرع ظاهر له ، بخلاف ورق التوت والحنّاء.

ولو بِيع ما يُخرط أو يُجزّ مع أصله ، صحّ ، سواء بدا صلاحه أو لا.

المطلب الثاني : في الأحكام.

مسألة ١٧٢ : يجوز بيع الزرع قصيلاً(١) بشرط القطع وبشرط التبقية ومطلقاً‌ ؛ عملاً بالأصل السالم عن المبطل.

فإن شرط القصل أو أطلق واقتضت العادة فيه القصل ، وجب على المشتري قصله ، فإن لم يفعل ، فللبائع قطعه وتركه بالاُجرة.

وإن شرط التبقية ، جاز ، ووجب على البائع إبقاؤه إلى كمال حدّه ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع الزرع الأخضر إلّا بشرط القطع(٢) .

ولو باعه الزرع مع الأرض ، جاز إجماعاً.

وكذا عندنا يجوز بيع البقول دون الأرض بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها وبعده مطلقاً وبشرط القطع والتبقية منضمّةً إلى الأرض ومنفردةً ؛ عملاً بالأصل والعمومات.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع البقول في الأرض دون الأرض إلّا بشرط القطع أو القلع ، سواء كان ممّا يُجزّ مراراً أو مرّة واحدة(٣) .

____________________

(١) القَصْل : القطع. والقصيل : ما اقتصل من الزرع أخضر. لسان العرب ١١ : ٥٥٧ و ٥٥٨ « قصل ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

٣٦٦

ولو باع الزرع بعد اشتداد الحبّ ، فهو كما لو باع الثمرة بعد بدوّ الصلاح.

مسألة ١٧٣ : الثمرة إمّا بارزة ، كالتفّاح والكُمَّثْرى والخوخ والمشمش وأشباهه ، فهذا يجوز بيعه بعد ظهوره في شجره وعلى الأرض إجماعاً ، لظهوره ومشاهدته. وإمّا غير بارزة بل مستورة بالكمام ، وهو قسمان :

الأوّل : ما يكون كمامه من مصلحته يحفظ رطوبته ويبقى معه ، كالرمّان والجوز واللوز في القشر الثاني ، فهذا يجوز بيعه إجماعاً ؛ لأنّه إذا اُخرج من قشره ، سارع إليه الفساد ، فلم يقف بيعه على ذلك. ولا فرق بين أن يباع على شجرة أو مقطوعاً على الأرض.

الثاني : ما لا يكون بقاء قشره من مصلحته ، كالجوز واللوز في قشريه ، فإنّه يجوز بيعه عندنا ، سواء قشر من قشره الأعلى أو لا ، وسواء كان مقطوعاً على الأرض أو باقياً على الشجرة - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه حائل من أصل الخلقة ، فلا يمنع من جواز البيع ، كقشر الرمّان والبيض.

وكذا الباقلاء الأخضر يجوز بيعه وإن لم ينزع عنه القشر الأعلى ، سواء كان رطباً أو يابساً ، وسواء بِيع منفرداً أو منضمّاً ومقطوعاً وغير مقطوع ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(٢) - لما تقدّم.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع ذلك كلّه إلّا بعد أن يقشر الجوز واللوز‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المعونة ٢ : ١٠١١ ، التلقين ٢ : ٣٧٤.

(٢) المغني ٤ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ - ١٠٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤.

٣٦٧

وشبههما من القشر الأعلى ، لا على رأس الشجرة ولا على وجه الأرض ، ولا بيع الباقلاء الأخضر حتى ينزع عنه القشر الأعلى(١) .

وجوّز أبو العباس بن القاص وأبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة بيع الباقلاء الأخضر في القشر الأعلى ، وهو قول الشافعي أيضاً ؛ لأنّه يؤكل رطباً ، وبقاؤه في قشره الأخضر يحفظ رطوبته. وكذا قالا في الجوز واللوز إذا كانا رطبين ، فأمّا إذا يبسا ، فلا يجوز بيعهما في القشر الأعلى(٢) .

واحتجّ الشافعي : بأنّ المقصود مستور فيما لا يدّخر عليه وفيما لا مصلحة له فيه ، فلم يجز بيعه ، كالمعادن والحيوان المذبوح قبل سلخه(٣) .

والجواب : المنع من اللازم ، فإنّه يجوز عندنا بيعُ المعادن بشرط المشاهدة ، وبيعُ الحيوان قبل سلخه إن لم نشترط فيه الوزن.

مسألة ١٧٤ : السنبل يجوز بيعه‌ ، سواء كان حبّه ظاهراً ، كالشعير والسلت ، أو مستوراً ، كالحنطة والعدس والسمسم ، قبل بدوّ الصلاح وبعده بشرط القطع والتبقية ومطلقاً - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - للأصل والعمومات.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٥ ، منهاج الطالبين : ١٠٧ ، المعونة ٢ : ١٠١١ ، المغني ٤ : ٢٢٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ - ١٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، منهاج الطالبين : ١٠٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المغني ٤ : ٢٢٥.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٢ ، التلقين ٢ : ٣٧٤ ، المعونة ٢ : ١٠١١.

٣٦٨

وقال الشافعي : إن كان الحبّ ظاهراً ، جاز بيعه مع السنبل بعد الحصاد وقبله ؛ لظهور المقصود. وإن كان مستوراً كالحنطة ، لم يجز بيعه في السنبلة دون السنبلة ، ومع السنبلة قولان :

القديم : الجواز ؛ لنهيهعليه‌السلام عن بيع الحبّ حتى يشتدّ(١) ، وقد اشتدّ ، فيزول النهي ، وإلّا انتفت فائدة الغاية.

والجديد : المنع ؛ لأنّ المقصود مستور بما لا يتعلّق به الصلاح(٢) .

أمّا الاُرز فإنّه كالشعير عنده يجوز بيعه في سنبله ؛ لأنّه يدّخر في قشره(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه كالحنطة(٤) .

مسألة ١٧٥ : إذا كان المقصود مستوراً في الأرض ، لم يجز بيعه‌ إلّا بعد قلعه ، كالجزر والثوم والبصل - وبه قال الشافعي(٥) - للجهالة ، لانتفاء المشاهدة والوصف.

ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع والإبقاء ، خلافاً للشافعي في الإبقاء(٦) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٣ / ٣٣٧١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٣ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ - ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ و ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٦٩

والشلجم نوعان : منه ما هو مستور لا يجوز بيعه قبل قلعه. ومنه ما يكون ظاهراً ، فيجوز(١) بيعه بشرط القطع والتبقية.

ويجوز أيضاً بيع اللوز في قشره الأعلى قبل انعقاد الأسفل ؛ لأنّه مأكول كلّه كالتفّاح ، عند الشافعي(٢) .

وعندنا يجوز مطلقاً ، سواء يبس قشره أو لا ، وسواء انعقد الأسفل أو لا.

فروع :

أ - اختلف الشافعيّة في المنع من(٣) جميع ما تقدّم قول الشافعي بالمنع فيه‌ هل هو مقطوع به أو مفرّع على قول منع بيع الغائب؟

قال الجويني : إنّه مفرّع عليه ، فلو جوّز بيع الغائب ، صحّ البيع فيها جميعاً(٤) .

وقيل : إنّ المنع في بيع الجزر في الأرض وما في معناه ليس مبنيّاً على بيع الغائب ؛ لأنّ في بيع الغائب يمكن ردّ المبيع بعد الرؤية بصفته وهنا لا يمكن(٥) .

ب - على قول الشافعي بالمنع لو باع الجوز‌ - مثلاً - في القشرة العليا مع الشجرة أو باع الحنطة في سنبلها مع الأرض ، فطريقان :

أحدهما : أنّ البيع باطل في الجوز والحبّ ، وفي الشجر والأرض قولا تفريق الصفقة.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : يجوز.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٣) في « ق ، ك» : « في » بدل « من ».

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٧٠

وأصحّهما عندهم : القطع بالمنع في الكلّ ؛ للجهل بأحد المقصودين وتعذّر التوزيع(١) .

والأقوى عندنا : الجواز ، والجهالة في بعض أجزاء المبيع غير مضرّة.

ج - لو باع أرضاً فيها بذر لم يظهر مع البذر ، صحّ عندنا إن كان البذر تابعاً.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : بطلان البيع في البذر خاصّة. وفي الأرض طريقان سبقا. ومَنْ قال بالصحّة في الأرض لا يذهب إلى التوزيع ، بل يوجب جميع الثمن بناء على أحد القولين فيما لو باع ماله ومال غيره وصحّحنا البيع في ماله وخيّرناه ، أنّه إذا أجاز يجيز بجميع الثمن(٢) .

وأمّا على مذهبنا فإذا كان البذر مقصودا ، بطل البيع في الجميع ؛ للجهالة.

ولو باع البذر وحده ، بطل عندنا وعند كلّ من يوجب العلم في المبيع ، سواء عرف قدر البذر وشاهده قبل رميه أو لا ، لخفاء حاله عند العقد ، وإمكان تجدّد الفساد بعد العقد ، فخالف بيع الغائب بعد المشاهدة ، فإنّ فساده معلوم الوقت.

ولو باع الأرض وحدها ، صحّ البيع ، ووجب عليه الصبر إلى وقت أخذ الزرع. وله الخيار في الفسخ والإمضاء مجّانا إن لم يكن عالما بالحال.

مسألة ١٧٦ : كما يصحّ بيع الثمرة يصحّ بيع أبعاضها على رؤوس الأشجار‌ ومقطوعة قبل بدوّ الصلاح وبعده مع شرط القطع والتبقية والإطلاق‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٧١

بشرطين : الإشاعة والعلم بالجزئيّة - كالنصف والثلث مثلاً - في كلّ صورة يصحّ بيع الجميع فيها ، عند علمائنا أجمع.

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ البيع قبل بدوّ الصلاح ؛ لأنّ البيع يفتقر إلى شرط القطع ، ولا يمكن قطع النصف إلّا بقطع الجميع ، فيتضرّر البائع بنقصان غير المبيع(١) .

والجواب : المنع من اشتراط القطع ، وقد تقدّم.

سلّمنا ، لكن لا يلزم ثبوته ؛ لإمكان قسمة الثمار على رؤوس الأشجار.

سلّمنا ، لكن هذا الضرر أدخله البائع على نفسه ، كما لو باع ثمرة تفتقر إلى سقي يضرّ بالأصل.

فروع :

أ - لو باع نصف الثمرة مع نصف النخل ، صحّ إجماعا ، وكانت الثمرة تابعة عند المانعين(٢) من البيع قبل بدوّ الصلاح.

ب - لو كانت الثمرة لإنسان والشجرة لآخر ، فباع صاحب الثمرة نصف ثمرته من صاحب الشجرة ، صحّ عندنا مطلقا على ما تقدّم.

وللشافعي وجهان بناء على الخلاف في اشتراط القطع هنا(٣) .

ج - لو كانت الأشجار والثمار مشتركةً بين رجلين ، فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الثمرة ، جاز عندنا.

ومَنَع الشافعي من الجواز(٤) .

ولو اشترى نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة ، جاز عندنا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

٣٧٢

ومَنَع الشافعي من جوازه مطلقاً ، وجوّزه بشرط القطع ؛ لأنّ جملة الثمار تصير لمشتري الثمرة ، وجملة الأشجار للآخر ، وعلى مشتري الثمرة قطع الكلّ ؛ لأنّه بهذه المقابلة(١) اُلزم قطع النصف المشتري بالشرط ، واُلزم تفريغ الأشجار لصاحبها ، وبيع الشجرة على أن يفرغها المشتري جائز(٢) .

وكذا لو كانت الأشجار لأحدهما والثمرة بينهما ، فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة ، جاز مطلقاً عندنا ، وبشرط القطع عند الشافعي(٣) .

مسألة ١٧٧ : يجوز للبائع أن يستثني جزءاً مشاعاً - كالثلث وشبهه‌ - إجماعاً ؛ لأنّه لا يؤدّي إلى جهالة المستثنى منه.

وكذا يجوز أن يستثني نخلاتٍ بعينها إجماعاً ، وأن يستثني عذقاً معيّناً مشخّصاً من أعذاق النخلة الواحدة ، ولا يجوز أن يستثني نخلةً غير معيّنة ولا عذقاً غير مشخّص إجماعاً ، ولا الأجود ولا الأردأ ؛ لأنّ الاستثناء غير معلوم ، فصار المبيع مجهولاً.

وهل يجوز استثناء أرطال معلومة وإمداد معلومة؟ ذهب علماؤنا إلى جوازه - وبه قال مالك(٤) - لأنّه استثنى معلوماً ، فأشبه ما لو استثنى جزءاً مشاعاً.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله ربعي : إنّ لي نخلاً بالبصرة فأبيعه واُسمّي الثمن وأستثني الكرَّ من التمر أو أكثر ، قال : « لا بأس »(٥) .

____________________

(١) في المصدر : « المعاملة » بدل « المقابلة ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ١٦٤ ، المنتقى - للباجي - ٤ : ٢٣٦ - ٢٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤.

(٥) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ - ٨٨ / ٣٠٠.

٣٧٣

وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل : لا يجوز ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع السنين وعن الثنيا(١) . ولأنّ المبيع معلوم بالمشاهدة لا بالقدر ، فالاستثناء منه يُغيّر حكم المشاهدة ؛ لأنّه(٢) لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة منه فلم يجز(٣) .

والجواب : المراد بالنهي : الثنيا المجهولة ؛ لجواز استثناء الجزء المشاع والنخلة المعلومة إجماعاً. والعلم بالمشاهدة حاصل مع الاستثناء وعدمه ، وجهالة القدر حاصلة فيهما معاً ، فلا وجه للتخصيص.

فروع :

أ - إذا استثنى جزءاً مشاعاً أو أرطالاً معيّنة فتلف من الثمرة شي‌ء ، سقط من الثنيا بحسابه.

أمّا في الجزء المشاع : فظاهر.

وأمّا في الأرطال المعلومة : فيؤخذ منه بالحزر والتخمين ، فيقال : هل ذهب ثلث الثمرة أو نصفها؟ فيذهب من الثنيا بقدر تلك النسبة.

أمّا لو استثنى مائة رطل - مثلاً - من الثمرة وممّا(٤) يتخلّف منها ، احتمل بطلان البيع.

ب - لو استثنى نخلاتٍ بعينها أو عذقاً معيّناً من نخلة‌ فذهب بعض‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٣٠٤ ، مسند أحمد ٤ : ٣٣٨ ، ١٤٥٠٤.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : فالاستثناء منه بغير حكم المشاهدة ولأنّه.

والصحيح ما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠ ، الاُم ٣ : ٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤.

(٤) في « ق » : وما.

٣٧٤

الثمرة ، فإن كان من الثنيا ، سقط التالف. وإن كان التالف غير المستثنى ، كان المستثنى للبائع.

ج - لو قال : بعتك من هذه الصبرة قفيزاً إلّا مكّوكاً ، صحّ البيع ؛ لأنّ القفيز معلوم القدر ، والمكّوك أيضاً معلوم ، فكان الباقي معلوماً. هذا إذا علم وجود القفيز في الصبرة.

مسألة ١٧٨ : لو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح على شرط القطع‌ ومطلقاً عندنا ، أو باع لقطة واحدة من القثّاء والبطّيخ وشبههما ثمّ تجدّد في النخل ثمرة اُخرى أو في اُصول الخضر ، كان المتجدّد للبائع تبعاً للأصل إذا لم يشترطه المشتري.

فإنّ تميّزت ، فلا بحث. وإن اختلطت بغيرها بحيث لا تتميّز ، فإمّا أن يكون بعد القبض أو قبله.

فإن كان بعد القبض ، كان المشتري شريكاً للبائع ، فإن علم القدر دون العين ، أخذ كلّ منهما من الثمرة بقدر الذي له من الجملة. فإن لم يعلم القدر ولا العين ، اصطلحا ، كما لو وقع طعام شخص على طعام غيره ولم يعلما قدرهما.

وإن كان قبل القبض ، تخيّر المشتري بين الفسخ والإمضاء ؛ للتعيّب في يد البائع ، فإن فسخ ، أخذ الثمن الذي دفعه. وإن أمضى البيع ، كان شريكاً : إن علما مقدار ما لكلٍّ منهما ، أخذ القدر الذي له. وإن جهلاه ، اصطلحا. وحكم ما إذا لم يتميّز البعض حكم ما إذا لم يتميّز الجميع.

وأمّا عند الشافعي : إذا امتزجت الاُولى بالثانية ولم تتميّزا ، فقولان :

أحدهما : فسخ البيع - قاله في الإملاء - لتعذّر التسليم جملةً ، فانفسخ البيع ، كما لو تلف المبيع قبل القبض.

٣٧٥

والثاني : أنّه لا ينفسخ البيع ، فإن سلّم البائع الجميعَ إلى المشتري ، اُجبر المشتري على قبوله ، ومضى البيع. وإن امتنع ، فسخ البيع - وبه قال المزني - لأنّ المبيع زاد ، وذلك لا يوجب بطلان العقد ، كما لو طالت الشجرة أو بلغت الثمرة(١) .

والفرق ظاهر ؛ لأنّ الزيادة في الطول والبلوغ زيادة في عين المبيع فيرجع في الحقيقة إلى زيادة صفة ، فوجب عليه قبولها ، بخلاف الامتزاج ؛ فإنّه يتضمّن زيادة العين ، فلا يجب قبولها ، كما لو باع ثوباً فاختلط الثوب بآخر فدفعهما البائع ، لم يجب على المشتري قبولهما ، ولا يجبر البائع على تسليمهما ، بخلاف طول الغصن وبلوغ الثمرة ؛ فإنّه يجب على البائع تسليم الأصل والزيادة.

فروع :

أ - لو باع ما يعلم امتزاجه قبل إدراك الأوّل وعدم امتيازه ، فإن شرط القطع ، صحّ البيع قطعاً ، سواء أهمل حتى امتزج أو لا. وان لم يشترطه ، فإن قلنا ببطلان البيع على تقدير الامتزاج ، احتمل البطلان هنا حذراً من الاختلاط. والصحّة ؛ لأنّ الثمرة الآن لا موجب لفسخ البيع فيها ، والمزج مترقّب الحصول ، فلا يؤثّر في البيع السابق.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : الأوّل. والثاني : أنّ البيع يقع موقوفاً ، فإن سمح البائع بدفع المتجدّد إلى المشتري تبيّنّا صحّة البيع. وإن لم يدفع ،

____________________

(١) مختصر المزني : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٩ - ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، و ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١.

٣٧٦

يظهر عدم انعقاده من أصله(١) .

ب - لو باع بشرط القطع أو التبقية مع ندور الاختلاط فحصل الاختلاط ، فقد قلنا : إن كان قبل القبض ، كان للمشتري الفسخُ ، ولا يبطل البيع. وإن كان بعده ، لم ينفسخ.

وللشافعيّة قولان قبل القبض :

أحدهما : الفسخ ؛ لتعذّر تسليم المبيع قبل القبض(٢) . وهو ممنوع.

والثاني : عدم الفسخ ؛ لبقاء عين المبيع ، وإمكان إمضاء البيع ، فيثبت للمشتري الخيار(٣) .

وقال بعضهم : لا خيار له ، وإنّه لا فرق بين المزج قبل القبض وبعده(٤) .

ثمّ إن قال البائع : أسمح بترك المتجدّدة ، ففي سقوط خيار المشتري وجهان :

أصحّهما عندهم : السقوط ، كما في الإعراض عن نعل الدابّة المردودة بالعيب.

والثاني : عدمه ؛ لما في قبوله من المنّة(٥) . وهو الوجه عندي.

ولو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتى امتزجا ، جرى القولان في الفسخ. وكذا لو باع حنطةً فانثال عليها مثلها قبل القبض ، أو المائعات(٦) .

ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها ، قال بعضهم : ينفسخ البيع قطعاً ؛ لأنّه يورث الاشتباه ، وأنّه مانع من صحّة البيع لو فُرض‌

____________________

(١ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١.

٣٧٧

في الابتداء ، وفي الحنطة غايته ما يلزم الإشاعة ، وهي غير مانعة(١) .

وفيه وجهٌ : أنّه لا ينفسخ ؛ لإمكان تسليمه بتسليم الجميع(٢) .

ولو باع جزّةً من القتّ والكرّاث وشبههما من المجزوزات بشرط القطع ولم يقطعها حتى طالت وتعذّر التميّز ، جرى القولان(٣) .

ومنهم مَنْ قطع بعدم الفسخ هنا ؛ تشبيهاً لطولها بكبر الثمرة وسمن الحيوان(٤) .

وفرّق الأوّلون : بأنّ الزيادة في الطلع وسمن الحيوان من نماء الطلع والحيوان ، الذي هو ملك المشتري ، فلهذا كانت له ، بخلاف طول القتّ والكرّاث ؛ لأنّها حدثت من الاُصول التي هي ملك البائع ، فكانت له ، فيجي‌ء القولان ؛ لحصول المزج وعدم التميّز(٥) .

ج - لو حصل الامتزاج بعد القبض ، لم يبطل البيع عندنا ، وقد سبق(٦) .

وللشافعيّة طريقان :

القطع بعدم الفسخ - وهو اختيار المزني - كالحنطة إذا امتزجت باُخرى.

والثاني : أنّه على القولين في الممتزج قبل القبض ، بخلاف مسألة الحنطة ؛ لأنّ هناك قد تمّ التسليم وانقطعت العلائق بينهما ، وفي الثمار لا تنقطع ، لأنّ البائع يدخل الحائط للسقي وغيره(٧) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٥) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٦) في ص ٣٧٤.

(٧) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

٣٧٨

د - كلّ موضع قلنا بعدم الفسخ إن تصالحا واتّفقا على شي‌ء ، فلا بحث. وإن تحاكما ، قدّم قول صاحب اليد في قدر حقّ الآخر. وهذا ظاهر في الحنطة وشبهها.

أمّا في الثمار فمَنْ هو صاحب اليد؟ للشافعيّة وجهان بناءً على الجائحة من ضمان البائع أو المشتري؟(١) .

ولهم وجه ثالث : أنّها في يدهما جميعاً(٢) .

والوجه أن نقول : إن كان البائع سلّم الثمرة بتسليم الأصل ، فهي في يد المشتري. وإن كانت الاُصول في يد البائع والثمرة في يد المشتري ، فهُما صاحبا يد. أمّا في صورة الحنطة فصاحب اليد هو المشتري ، فالقول قوله في قدر حقّ البائع. فإن كان المشتري قد أودع البائع الحنطة بعد القبض ثمّ حصل الاختلاط ، فالقول قول البائع في قدر حقّ المشتري.

مسألة ١٧٩ : لو باع شجرة عليها ثمرة ، فالثمرة للبائع‌ إلاّ في طلع النخل غير المؤبّر على ما يأتي ، فإنّه للمشتري. أمّا ثمرة النخل المؤبّرة أو ثمرة غير النخل مطلقا فهي للبائع.

فإن كانت الشجرة تُثمر في السنة مرّتين ويغلب عليها التلاحق ، صحّ البيع عندنا على ما تقدّم ، ولا يخفى الحكم السابق عندنا.

وقال الشافعي : لا يصحّ البيع إلّا بشرط أن يقطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط(٣) . ويجي‌ء خلافهم السابق فيما إذا كان المبيع الثمرة(٤) .

ثمّ إذا تبايعا بهذا الشرط ولم يتّفق القطع حتى حصل الاختلاط أو كانت الشجرة ممّا يندر فيها التلاحق فاتّفق ذلك ، فعندنا يبقى شريكاً

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

٣٧٩

ويصطلحان.

ونقل المزني عن الشافعي قولين في الانفساخ(١) .

ولأصحاب الشافعي طريقان : فعن بعضهم : القطع بعدم الانفساخ ، وتخطئة المزني في نَقْله ؛ لأنّ الاختلاط وتعذّر التسليم لم يوجد في المبيع ، بخلاف ما إذا كان المبيع الثمار(٢) .

وأثبت الأكثرون القولين وقالوا : الاختلاط وإن لم يوجد في المبيع لكنّه وجد في المقصود بالعقد ، وهو الثمرة الحادثة ، فإنّها مقصود المشتري من الشراء للاُصول ، فجاز أن يجعل كالمبيع. فإن قلنا بعدم الانفساخ ، فإن سمح البائع بترك الثمرة القديمة ، اُجبر المشتري على القبول. وان رضي المشتري بترك الثمرة الحادثة ، اُجبر البائع على القبول ، واُقرّ العقد(٣) .

ويحتمل أن يجي‌ء في الإجبار على القبول للشافعيّة خلاف.

وإن استمرّا على النزاع ، قال المثبتون للقولين : يفسخ العقد بينهما ، كما لو كان المبيع الثمرة.

وقال القاطعون : لا فسخ ، بل إن كانت الثمرة والشجرة في يد البائع ، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه المشتري مع يمينه. وإن كانتا في يد المشتري ، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه البائع ، وهو الذي يقتضيه القياس ، لأنّ الفسخ لا يفيد رفع النزاع ، لبقاء الثمرة الحادثة للمشتري.

قالوا : ولو قلنا بالفسخ ، استردّ المشتري الثمنَ وردَّ الشجرة مع جميع الثمار(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ - ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

٣٨٠