تذكرة الفقهاء الجزء ٣

تذكرة الفقهاء10%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: 380

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 380 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 310274 / تحميل: 8005
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ويجوز الدعاء بالعربية وغيرها - وبه قال الصدوق(١) - لقول أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : « لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه عزّ وجلّ »(٢) ولقول الصادقعليه‌السلام : « كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي »(٣) .

قال محمد بن الحسن بن الوليد : كان سعد بن عبد الله لا يجيز الدعاء في القنوت بالفارسية(٤) .

واستحب الشافعي الكلمات الثماني التي رواها عن الحسن بن عليعليهما‌السلام ، قال : « علمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلمات في القنوت أقولهن : اللّهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربّنا وتعاليت »(٥) .

مسألة ٣١١ : القنوت سنّة ، ليس بفرض عند علمائنا ، وقد يجري في بعض عبارات علمائنا : الوجوب(٦) والقصد : شدة الاستحباب عملاً بالأصل ، ولأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقنت تارة ، ويترك اُخرى(٧) .

____________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٨ ذيل الحديث ٩٣٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٣٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٣٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٨ ذيل الحديث ٩٣٥.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣٠٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٦٣ / ١٤٢٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٢٨ / ٤٦٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٧٢ / ١١٧٨ ، سنن الدارمي ١ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، سنن النسائي ٣ : ٢٤٨ ، مسند أحمد ١ : ١٩٩ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٠٩ ، وانظر أيضا المجموع ٣ : ٤٩٥ ، والمهذب للشيرازي ١ : ٨٨ ، وفتح العزيز ٣ : ٤٢١ - ٤٣٠.

(٦) هو الصدوق في الفقيه ١ : ٢٠٧.

(٧) انظر : سنن أبي داود ١ : ٦٧ / ١٤٤٠ ومصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣١١ ، وصحيح مسلم ١ : ٤٦٨ / ٦٧٦ و ٤٧٠ / ٦٧٨ ، وسنن النسائي ٢ : ٢٠٢.

٢٦١

وقال الباقرعليه‌السلام في القنوت : « إن شئت فاقنت ، وإن شئت لا تقنت »(١) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « فمن ترك القنوت رغبةً عنه فلا صلاة له »(٢) محمول على نفي الفضيلة ، أو لأنه مشروع فتركه رغبة عنه يعطي كون التارك مستخفاً بالعبادات وهذا لا صلاة له حينئذِ.

ولو تركه ناسياً لم يعد إجماعاً لقول الصادقعليه‌السلام : « إن نسي الرجل القنوت في شي‌ءٍ من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته ، وليس عليه شي‌ء ، وليس له أن يدعه متعمداً »(٣) .

مسألة ٣١٢ : ويستحب فيه الجهر‌ لقول الباقرعليه‌السلام : « القنوت كلّه جهار »(٤) .

قال المرتضى : إنه تابع للقراءة يجهر فيما يجهر فيه ، ويخافت فيما يخافت لأنه ذكر فيتبع القراءة(٥) .

وقال الشافعي : يخافت به مطلقاً لأنه مسنون فأشبه التشهّد الأول(٦) . والأصل ممنوع.

مسألة ٣١٣ : لو نسيه في الثانية قبل الركوع قضاه بعده‌ لقول الصادقعليه‌السلام في الرجل ينسى القنوت حتى يركع قال : « يقنت بعد الركوع ، فإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شي‌ء عليه »(٧) .

ولو لم يذكر حتى ركع في الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة لفوات محله - وهو الثانية - ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا سها الرجل في‌

____________________

(١) التهذيب ٢ : ٩١ / ٣٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ / ١٢٨١.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٠ / ٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ / ١٢٧٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٥ / ١٢٨٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٩ / ٩٤٤.

(٥) حكاه المحقق في المعتبر : ١٩٢.

(٦) المجموع ٣ : ٥٠١ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤١ و ٤٤٣.

(٧) التهذيب ٢ : ١٦٠ - ٦٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٤ / ١٢٩٦.

٢٦٢

القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس »(١) .

مسألة ٣١٤ : إذا قنت الإِمام تبعه المأموم فيه‌ ، وللشافعية قولان : أحدهما : ذلك ، والثاني : التأمين لدعاء الإِمام(٢) وقال بعضهم : إن كان ثناءً على الله تعالى تابعه ، وإن كان دعاءً أمّن عليه(٣) وقولنا أولى.

وقد بيّنا استحباب رفع اليدين بالقنوت ، وبه قال الشافعي(٤) لأن أنساً قال : رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلما صلّى الغداة رفع يديه يدعو على الذين قتلوا القراءة ببئر معونة(٥) (٦) .

فإذا فرغ من القنوت استحب الشافعي مسح وجهه بيديه(٧) لأن ابن عباس روى قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا دعوت الله فادع الله ببطون كفيك ، ولا تدع بظهورهما ، فإذا فرغت فامسح راحتيك على وجهك »(٨) ولا يستحب مسح غير الوجه ، ومنع القفال من رفع اليدين في القنوت قياساً على الدعاء في التشهد(٩) .

وكره الشافعي تخصيص الإِمام نفسه بالدعاء(١٠) لقولهعليه‌السلام :

____________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٠ / ٦٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ / ١٢٩٨.

(٢) المجموع ٣ : ٥٠١ ، الوجيز ١ : ٤٤ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٣ و ٤٤٤.

(٣) المجموع ٣ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٤ ، السراج الوهاج : ٤٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٦٧.

(٤) المجموع ٣ : ٥٠٠ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٥ ، السراج الوهاج : ٤٦ ، رحمة الأمة ١ : ٥١.

(٥) بئر معونة : قال ابن إسحاق : بئر معونة بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم معجم البلدان ١ : ٣٠٢.

(٦) سنن البيهقي ٢ : ٢١١.

(٧) المجموع ٣ : ٥٠٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٦٧.

(٨) سنن ابن ماجة ١ : ٣٧٣ / ١١٨١.

(٩) المجموع ٣ : ٤٩٩ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٨ - ٤٤٩ ، حلية العلماء ٢ : ١١٢.

(١٠) كفاية الأَخيار ١ : ٧١ ، وانظر أيضاً المجموع ٣ : ٤٩٦ ، فتح العزيز ٣ : ٤٣٠.

٢٦٣

( إذا خصّ الإِمام نفسه بالدعاء فقد خان )(١) .

وروى واحد من الصحابة صورتين : إحداهما : ( اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونستهديك ، ونستنصرك ، ونؤمن بك ، ونتوكل عليك ، ونثني عليك الخير كله ، نشكرك ، ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك ).

والثانية : ( اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، ونرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إن عذابك بالكفار ملحق )(٢) ، فقال عثمان : اجعلوهما في القنوت ، ولم يثبتهما في المصحف لانفراد الواحد ، وكان عمر يقنت بذلك(٣) ، ولم ينقل ذلك من طريق أهل البيتعليهم‌السلام ، فلو قنت بذلك جاز لاشتماله على الدعاء.

الرابع : التكبيرات الزائدة على تكبيرة الإِحرام‌ منها ما هو خارج عن الصلاة ، وهي ست متقدمة ، وثلاث بعد التسليم ، ومنها ما هو في الصلاة ، وقد اتفق علماؤنا على ثبوت أربع وتسعين تكبيرة مستحبة في كلّ الصلوات الخمس تكبيرة الركوع ، والسجودين ، والرفع منهما.

واختلف الشيخان في إثبات تكبيرة اُخرى ، والأصل فيه أن شيخنا المفيد يقوم إلى الثالثة بالتكبير ، ويسقط تكبير القنوت(٤) ، والشيخ الطوسي يقوم إلى الثالثة كما يقوم إلى الثانية بحول الله وقوته أقوم وأقعد(٥) ، وتكبير القنوت يسقط باعتبار قول المفيد وتكبير القيام إلى الثالثة في الصبح(٦) .

____________________

(١) سن ابن ماجة ١ : ٢٩٨ / ٩٢٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٢ / ٩٠ ، سنن الترمذي ٢ : ١٨٩ / ٣٥٧ وفيها نحوه.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ٢١٠ ، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار : ٩٠ - ٩١ باختلاف في اللفظ.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣١٤ - ٣١٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٢١٠ و ٢١١.

(٤) حكى قول المفيد المحقق في المعتبر : ١٨٩ و ١٩٣.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١١١.

(٦) اي سقوط التكبير إلى الثالثة في الصبح لأجل أنها سالبة بانتفاء الموضوع.

٢٦٤

وقول الشيخ أجود لقول الصادقعليه‌السلام : « التكبير في صلاة الفرض في الخمس الصلوات خمس وتسعون تكبيرة منها القنوت خمس(١) .

وعن عبد الله بن المغيرة : وفسّرهن في الظهر إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي العصر إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي المغرب ستة عشر تكبيرة ، وفي العشاء الآخرة إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي الفجر إحدى عشرة تكبيرة ، وخمس تكبيرات في القنوت في خمس صلوات(٢) .

وقال عليعليه‌السلام : « خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات منها تكبيرة القنوت »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا جلست في الركعتين الاُوليين فتشهدت ثم قمت ، فقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « إذا قمت من الركعتين فاعتمد على كفّيك ، وقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، فإن عليّاًعليه‌السلام كان يفعل ذلك »(٥) .

الخامس : التعقيب : وقد أجمع العلماء على استحبابه عقيب الصلوات لقول أبي هريرة : جاء الفقراء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى ، والنعيم المقيم ، يصلّون كما نصلّي ، ويصومون كما نصوم ، ولهم فضول أموال يحجّون بها ، ويعتمرون ، ويتصدّقون ، فقال : ( ألا أحدّثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ، ولم يدرككم أحد بعدكم ، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم ، إلّا من عمل‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٠ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٨٧ / ٣٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ / ١٢٦٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٠ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٨٧ / ٣٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ / ١٢٦٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٧ / ٣٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ / ١٢٦٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٨ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٨٨ / ٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٧ / ١٢٦٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٨ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٨٩ / ٣٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ / ١٢٦٩.

٢٦٥

مثله ، تسبحون ، وتحمدون ، وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد » قال الراوي : يعني بالتعقيب : الدعاء عقيب الصلوات(٢) وهو أفضل من التنفل بعد الفريضة ، لقول الباقرعليه‌السلام : « الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلاً »(٣) .

مسألة ٣١٥ : ويستحب الدعاء بالمنقول عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وأفضله تسبيح الزهراءعليها‌السلام ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحة ، وثلاث وثلاثون تحميدة ، وأربع وثلاثون تكبيرة »(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « ما عبد الله بشي‌ء أفضل من تسبيح الزهراءعليها‌السلام ، ولو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمةعليها‌السلام »(٥) وكان يقول : « تسبيح فاطمةعليها‌السلام في كل يوم دبر كل صلاة أحب إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم »(٦) .

وإنما نسب التسبيح إليهاعليها‌السلام لأنهاعليها‌السلام السبب في تشريعه ، روى الصدوق أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال لرجل من بني سعد : «

ألا أحدثكم عني ، وعن فاطمة أنها كانت عندي فاستقت بالقربة‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢١٣ ، صحيح مسلم ١ : ٤١٦ / ٥٩٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠٤ / ٣٩١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢١٦ / ٩٦٢ ، التهذيب ٢ : ١٠٣ / ٣٨٩.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤١٨ / ٥٩٦ ، سنن النسائي ٣ : ٧٥ ، سنن الترمذي ٥ : ٤٧٩ / ٣٤١٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٤ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٥ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٩.

٢٦٦

حتى أثر في صدرها ، وطحنت بالرحا حتى مجلت(١) يداها ، وكسحت(٢) البيت حتى أغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضرر شديد ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل؟ فأتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فوجدت عنده حدّاثا فاستحيت وانصرفت ، فعلمعليه‌السلام أنها جاءت لحاجة فغدا علينا ونحن في لفاعتنا(٣) ، فقال : السلام عليكم ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم ، فسكتنا ، ثم قال : السلام عليكم ، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف ، وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثاً فإن اُذن له وإلا انصرف ، فقلت : وعليك السلام يا رسول الله ادْخُل ، فدخل وجلس عند رؤوسنا ، فقال : يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟ فخشيت إن لم نجبْة أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت : أنا والله أخبرك يا رسول الله إنَّها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها ، وجرّت بالرحا حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى أغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل ، قال : أفلا أُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّحا ثلاثاً وثلاثين ، وأحمدا ثلاثاً وثلاثين ، فأخرجت فاطمةعليها‌السلام رأسها فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ، رضيت عن الله وعن رسوله »(٤) .

مسألة ٣١٦ : المشهور : أنه يبدأ بالتكبير ، ثم بالتحميد ، ثم بالتسبيح ، قال محمد بن عذافر : دخلت على الصادقعليه‌السلام فسألته عن تسبيح فاطمة‌

____________________

(١) مجلت يداها : أي ثخن جلدها وتعجز وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة. مجمع البحرين ٥ : ٤٧٢ « مجل ».

(٢) كسحت : كسحت البيت كسحا من باب نفع كنسته ، مجمع البحرين ٢ : ٤٠٦ « كسح ».

(٣) وفي المصدر : لحافنا وهما بمعنى.

(٤) الفقيه ١ : ٢١١ / ٩٤٧ ، علل الشرائع : ٣٦٦ باب ٨٨.

٢٦٧

عليها‌السلام ، فقال : « الله أكبر أربعاً وثلاثين مرّة ، ثم قال : الحمد لله حتى بلغ سبعاً وستين ، ثم قال : سبحان الله حتى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة »(١) . وعن الصادقعليه‌السلام قال : « من سبّح تسبيح الزهراءعليها‌السلام قبل أن يثنّي رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ويبدأ بالتكبير »(٢) . وفي رواية : تقديم التسبيح على التحميد(٣) .

ويستحب قول سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ثلاثين مرة ، قال الصادقعليه‌السلام : « إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه : أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب والآنية ، ثم وضعتم بعضها على بعض ترونه يبلغ السماء؟ قالوا : لا يا رسول الله ، فقال : يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ثلاثين مرة ، وهنَّ يدفعن الهدم ، والغرق ، والحرق ، والتردي في البئر ، وأكل السبع ، وميتة السوء ، والبلية التي نزلت على العبد في ذلك اليوم »(٤) .

مسألة ٣١٧ : قال الصادقعليه‌السلام : « أدنى ما يجزي من الدعاء بعد المكتوبة‌ أن تقول : اللهم صلِّ على محمد وآل محمد ، اللهم إنّا نسألك من كل خير أحاط به علمك ، ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك ، اللهم إنا نسألك عافيتك في أمورنا كلّها ، ونعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة »(٥) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « من أحب أن يخرج من الدنيا وقد خلص من الذنوب كما يتخلص الذهب الذي لا كدر فيه ، ولا يطلبه أحد‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٨ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٤٠٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢١٠ / ٩٤٦ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢١١ / ٩٤٧ ، علل الشرائع : ٣٦٦ باب ٨٨ حديث ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٧ / ٤٠٦ ، معاني الأخبار : ٣٢٤ / ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٢ / ٩٤٨ ، التهذيب ٢ : ١٠٧ / ٤٠٧.

٢٦٨

بمظلمة ، فليقل في دبر الصلوات الخمس نسبة الرب تبارك وتعالى(١) اثنتي عشرة مرة ، ثم يبسط يده فيقول : اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون ، الطاهر الطهر المبارك ، وأسألك باسمك العظيم ، وسلطانك القديم ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، يا واهب العطايا ، يا مطلق الأسارى ، يا فكّاك الرقاب من النار أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعتق رقبتي من النار ، وتخرجني من الدنيا آمناً ، وتدخلني الجنّة سالماً ، وأن تجعل دعائي أوله فلاحاً ، وأوسطه نجاحاً ، وآخره صلاحاً إنك أنت علّام الغيوب » ثم قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « هذا من المخبيات مما علّمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرني أن أعلّمه الحسنعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام »(٢) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « تقول في دبر كل صلاة : اللهم اهدني من عندك ، وأفض عليّ من فضلك ، وانشر عليّ من رحمتك ، وانزل عليّ من بركاتك »(٣) .

وقال الجوادعليه‌السلام : « إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل : رضيت بالله ربّاً ، وبالإِسلام ديناً ، وبالقرآن كتاباً ، وبمحمد نبيّاً ، وبعلي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والحجة بن الحسن بن علي أئمة ، اللهم وليّك الحجة فاحفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوقه ، ومن تحته ، وامدد في عمره ، واجعله القائم بأمرك والمنتصر لدينك ، وأره ما يحب ، وتقر به عينه في نفسه ، وفي ذريته ، وأهله ، وماله ، وفي شيعته ، وفي عدوّه ، وأرهم منه ما يحذرون ، وأره فيهم ما يحب وتقرّ به‌

____________________

(١) المقصود من نسبة الرب ، سورة التوحيد. أنظر الكافي ١ : ٧١ / ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٢ / ٩٤٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٨ / ٤١٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢١٣ / ٩٥١ ، التهذيب ٢ : ١٠٧ / ٤٠٤.

٢٦٩

عينه ، واشف صدورنا وصدور قوم مؤمنين »(١) .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( قال الله جلّ جلاله : يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة ، وبعد العصر ساعة أكفيك ما أهمك )(٢) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « ما بسط عبد يده إلى الله عز وجل إلا استحى الله أن يردها صفراً ، حتى يجعل فيها من فضله ، ورحمته ما يشاء ، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يديه حتى يمسح بهما على رأسه ووجهه » ، وفي خبر آخر : « على وجهه وصدره »(٣) والأدعية في ذلك كثيرة فلتطلب من مظانها(٤) .

____________________

(١) الكافي ٢ : ٣٩٨ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢١٥ / ٩٥٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٦ / ٩٦٤ ، التهذيب ٢ : ١٣٨ / ٥٣٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢١٣ / ٩٥٣.

(٤) أنظر مصباح المتهجد : ١٧٧ وما بعدها ، جمال الأسبوع : ٤٠١ و ٤١٩ وغيرها ، الأذكار للنووي : ٨٠.

٢٧٠

٢٧١

الفصل الثالث : في التروك‌

وفيه بحثان :

الأول : في التروك الواجبة‌

مسألة ٣١٨ : يجب ترك الحدث فإن فعله عمداً أو سهواً في الصلاة بطلت‌ إجماعاً لأنه مخل بالطهارة ، وهي شرط وفساد الشرط يقتضي فساد المشروط ، فإن وجد بعد الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل التسليم فمن جعل التسليم واجباً أبطل الصلاة ، وبه قال الشافعي(١) ومن جعله ندباً لم تبطل صلاته ، وبه قال أبو حنيفة(٢) ، وقد تقدم.

أما لو سبقه الحدث فللشيخ ، والمرتضى قول : باستئناف الوضوء ، والبناء(٣) وبه قال الشافعي في القديم ، وأبو حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وداود(٤) لقولهعليه‌السلام : ( من قاء أو رعف ، أو أمذى فلينصرف وليتوضأ‌

____________________

(١) المجموع ٣ : ٤٨١ ، الوجيز ١ : ٤٥ ، فتح العزيز ٣ : ٥٢٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٦٢ ذيل الحديث ٤٠٨.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٥٩ - ٦٠ ، الكفاية ١ : ٣٣٤ ، المجموع ٣ : ٤٨١ ، اللباب ١ : ٨٥.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١١٧ ، الخلاف ١ : ٤٠٩ مسألة ١٥٧ وحكى قول المرتضى المحقق في المعتبر : ١٩٤.

(٤) المجموع ٤ : ٧٥ و ٧٦ ، الوجيز ١ : ٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣ - ٩٤ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٩ ، اللباب ١ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٢٧.

٢٧٢

وليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم )(١) .

ومن طريق الخاصة ما رواه فضيل بن يسار ، قال : قلت للباقرعليه‌السلام : أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني أو أذى أو ضربانا فقال : « انصرف ثم توضَّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة متعمداً ، وإن تكلمت ناسياً فلا بأس عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسياً» قلت : وإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال : « نعم وإن قلب وجهه عن القبلة »(٢) .

قال المرتضى : لو لم يكن الأذى والغمز ناقضاً للطهارة لم يأمره بالانصراف(٣) ، وقد بيّنا أن الرعاف ، والقي‌ء ، والمذي ، ليست ناقضة للطهارة. فيحمل الوضوء على غسل ما أصابه للتحسين ، لأنه الحقيقة الأصلية ، وكذا الأز ، والغمز ، والأذى ليست ناقضة.

وقال أكثر علمائنا : ببطلان الصلاة(٤) وبه قال الشافعي في الجديد ، ومالك ، وابن شبرمة(٥) . وقال الثوري : إن كان حدثه من رعاف أو قي‌ء توضأ وبنى ، وإن كان من بول ، أو ريح ، أو ضحك أعاد الوضوء والصلاة(٦) لقولهعليه‌السلام : ( إذا قاء أحدكم في صلاته فلينصرف ، وليتوضأ ، وليعد صلاته )(٧) ، وهو إلزامي ، وقولهعليه‌السلام : ( إذا فسا‌

____________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٥ / ١٢٢١ ، سنن البيهقي ١ : ١٤٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠١ / ١٥٣٣.

(٣) حكاه المحقق في المعتبر : ١٩٤.

(٤) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٤٩ ، والمحقق في المعتبر : ١٩٤.

(٥) المجموع ٤ : ٧٦ ، الوجيز ١ : ٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ٤ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣ ، بلغة السالك ١ : ١٠٢ ، المنتقى للباجي ١ : ٨٣ ، المحلى ٤ : ١٥٦.

(٦) الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٤.

(٧) سنن البيهقي ٢ : ٢٥٥.

٢٧٣

أحدكم وهو في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة )(١) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « لا يقطع الصلاة إلا أربع : الخلاء ، والبول ، والريح ، والصوت »(٢) .

ولأن الطهارة شرط وقد بطلت فيبطل المشروط ، ولأنه حدث يمنع المضي في الصلاة فمنع من البناء عليها كما لو رمي بحجر فشج ، فإن أبا حنيفة سلم ذلك(٣) وكذا إذا رماه به الطائر لسقوطه عليه.

إذا ثبت هذا فإن قلنا : بالبطلان فلا بحث ، وإن لم نقل به ، فلو انصرف من الصلاة وأخرج باقي الحدث وتوضأ لم يكن له البناء لأنه حدث اختياري فأبطل الصلاة كما أبطل الطهارة.

وقالت الشافعية بناء على القديم : إن له البناء ، واختلفوا في التعليل ، فمنهم من قال : إنما لم تبطل لأن الحدث لا يؤثر بعد نقض الطهارة فيها ، ومنهم من قال : إنه محتاج إلى إخراج بقيته وهو حدث واحد فكان حكم باقية حكم أوله(٤) ويلزم الأول أنه إذا أحدث حدثاً آخر لا تبطل صلاته.

قال الشيخ تفريعاً على البناء : لو سبقه الحدث فأحدث ناسياً استأنف - وبه قال أبو حنيفة(٥) - للتمسك بإطلاق الأحاديث(٦) ، وقال الشافعي في القديم : يبني لأنه حدث طرأ على حدث فلم يكن له حكم(٧) .

____________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢٦٣ - ٢٦٤ / ١٠٠٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٥٥ وانظر فتح العزيز ٤ : ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ / ١٣٦٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٠ - ٤٠١ / ١٥٣٠.

(٣) بدائع الصنائع ١ : ٢٢١.

(٤) المجموع ٤ : ٧٥ ، فتح العزيز ٤ : ٨ و ٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ٢٢٢.

(٦) الخلاف ١ : ٤١٢ مسألة ١٥٨.

(٧) المجموع ٤ : ٧٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤ ، فتح العزيز ٤ : ٨.

٢٧٤

مسألة ٣١٩ : يجب ترك الكلام بحرفين فصاعداً مما ليس بقرآن ، ولا دعاء ، فلو تكلم عامداً بحرفين ، وإن لم يكن مفهماً بطلت صلاته سواء كان لمصلحة الصلاة ، أو لا عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ، وسعيد بن المسيب ، والنخعي ، وحماد بن أبي سليمان ، وهو محكي عن عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس ، وأنس بن مالك ، والحسن البصري ، وعطاء ، وعروة بن الزبير ، وقتادة ، وابن أبي ليلى(١) - لقولهعليه‌السلام : ( إنما صلاتنا هذه تكبير ، وتسبيح ، وقرآن ، ليس فيها شي‌ء من كلام الناس )(٢) وهو خبر يراد به النهي فيكون منافياً للصلاة.

وقال مالك ، والأوزاعي : إن كان لمصلحة الصلاة لم يبطلها كتنبيه الإِمام ، ودفع المار بين يديه(٣) لأن ذا اليدين تكلم عامداً ، ولم يأمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالإِعادة(٤) .

وقال الأوزاعي أيضاً : إن تكلم لمصلحة لا تتعلق بالصلاة كأن يقول للأعمى : البئر أمامك ، أو يرى من يحترق ماله فيعرفه ذلك لم تبطل صلاته(٥) . وهو غلط ، لأنه خطاب أوقعه على وجه العمد فأبطل الصلاة كما لو لم يكن لمصلحة.

وخبر ذي اليدين عندنا باطل ؛ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجوز عليه‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٨٥ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، فتح العزيز ٤ : ١١٣ و ١١٤ ، المغني ١ : ٧٤١.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٣٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٨١ و ٣٨٢ / ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٧ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٧ و ٤٤٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ و ٢٥٠.

(٣) بداية المجتهد ١ : ١١٩ ، المجموع ٤ : ٨٥ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٥ ، المغني ١ : ٧٤٠ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٣ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٦٥.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٨٦ و ٩ : ١٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٣ / ٥٧٣ ، الموطأ ١ : ٩٣ / ٥٨ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٤٧ / ٣٩٩.

(٥) الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٥ ، بداية المجتهد ١ : ١١٩.

٢٧٥

السهو ، مع أن جماعة من أصحاب الحديث طعنوا فيه(١) ، لأن رواية أبو هريرة وكان إسلامه بعد موت ذي اليدين بسنتين ، فإن ذا اليدين قتل يوم بدر وذلك بعد الهجرة بسنتين ، وأسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين(٢) .

قال المحتجون به : إنّ المقتول يوم بدر هو ذو الشمالين واسمه عبد الله بن عمرو بن نضلة(٣) الخزاعي ، وذو اليدين عاش بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومات في أيام معاوية وقبره بذي خُشب(٤) واسمه الخرباق(٥) لأن عمران بن الحصين روى هذا الحديث فقال فيه : فقام الخرباق فقال : أقصرت الصلاة؟(٦) .

واُجيب بأن الأوزاعي قال : فقام ذو الشمالين ، فقال : أقصرت الصلاة؟

وذو الشمالين قتل يوم بدر لا محالة(٧) وروي في هذا الخبر أن ذا اليدين قال : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال : ( كل ذلك لم يكن )(٨)

____________________

(١) اُنظر : إرشاد الساري ٢ : ٣٦٥ ، عمدة القارىء ٤ : ٢٦٤.

(٢) الطبقات الكبرى ٤ : ٣٢٧ ، تهذيب التهذيب ١٢ : ٢٩٠ ، ، تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٨٦ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٣ : ٢٤٥ ، الإِصابة ١ : ٤٢٢.

(٣) وفي نسخة ( ش ) : فضلة.

(٤) ذو خَشَبْ : محركة موضع باليمن. وخُشُبْ. كجُنُبْ واد باليمامة وواد بالمدينة. القاموس المحيط ١ : ٦٢ ، معجم البلدان ٢ : ٣٧٢.

(٥) قيل : ان ذا اليدين اسمه الخرباق بن عمرو من بني سليم ، وإن ذا الشمالين اسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي ، وقيل : إنّ ذا اليدين وذا الشمالين واحد وقيل : غير ذلك ، وسمي بذي اليدين لأنه كان يعمل بيديه جميعاً وقيل : لأنه كان في يديه طول. تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٨٥ ، الإِصابة ١ : ٤٢٢ و ٣ : ٣٣ ، الطبقات الكبرى ٣ : ١٦٧ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٣ : ٢٤١.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٤ / ١٢١٥. سنن النسائي ٣ : ٢٦ ، سنن أبي داود : ١ : ٢٦٧ / ١٠١٨.

(٧) حكاه الشيخ في الخلاف ١ : ٤٠٥ ، المسألة ١٥٤.

(٨) صحيح مسلم ١ : ٤٠٤ / ٩٩ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢ ، الموطأ ١ : ٩٤ / ٥٩ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٣٥.

٢٧٦

وروي أنه قال : ( إنما أسهو لأبين لكم )(١) وروي أنه قال : ( لم أنس ولم تقصر الصلاة )(٢) وروي من طريق الخاصة أن ذا اليدين كان يقال له ذو الشمالين عن الصادقعليه‌السلام .(٣)

فروع :

أ - الكلام الواجب يبطل الصلاة أيضاً‌ كإجابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما تقدم ، وقال الشافعي : لا تبطل الصلاة(٤) لأن أبا هريرة قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أبيّ بن كعب وهو يصلّي في المسجد ، فقال : ( السلام عليك يا أُبيّ ) فالتفت إليه أبي فلم يجبه ، ثم إن أُبيّاً خفف الصلاة ، ثم انصرف إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : السلام عليك يا نبي الله ، فقال : ( وعليك السلام ، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ ) فقال : يا رسول الله كنت أصلي ؛ قال : ( أفلم تجد فيما أوحي إليَّ أن( اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ) ؟! )(٥) قال : بلى يا رسول الله لا أعود(٦) .

ولا حجة فيه لأن رد السلام عندنا واجب في الصلاة وغيرها.

ب - للشافعية في تنبيه الأعمى على بئر يخاف من التردي فيها ، والصبي على نار يقع فيها قولان : أحدهما : البطلان‌ - كما قلناه نحن - لجواز أن لا يقع ، بخلاف إجابة النبيعليه‌السلام ، والثاني : عدمه لأنه واجب كإجابة‌

____________________

(١) أورده الشيخ في الخلاف ١ : ٤٠٦ المسألة ١٥٤ ، وانظر الموطأ ١ : ١٠٠ / ٢.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٨٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٦٥ / ١٠٠٨ ، الموطأ ١ : ٩٤ / ٦٠ ، سنن النسائي ٣ : ٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٣ / ١٢١٤ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٦٦ / ١.

(٣) انظر الكافي ٣ : ٣٥٧ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ / ١٤٣٣.

(٤) المجموع ٤ : ٨١ ، المغني ١ : ٧٣٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٥.

(٥) الأنفال : ٢٤.

(٦) سنن الترمذي ٥ : ١٥٥ / ٢٨٧٥.

٢٧٧

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، والأصل ممنوع.

وأما ردّ الوديعة ، وتفرقة الزكاة فإنهما وإن وجبا لكنهما مبطلان إن كان عملاً كثيراً لأنه لا يتعين في الصلاة لإِمكان حصوله قبلها وبعدها بخلاف إجابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنقاذ الأعمى.

ج - الجاهل وهو الذي يقصد الكلام ويعتقد أنه جائز في الصلاة كالعالم‌ عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الآدميين )(٣) ولأن علمه مبطل فكذا جهله كالحدث.

وقال الشافعي : لا تبطل به الصلاة ؛ وبه قال مالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(٤) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما انصرف من اثنتين قال ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال : ( أصدق ذو اليدين؟ ) فقال الناس : نعم ، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّى اثنتين أخريين ، ثم سلّم ، ثم كبّر ، ثم سجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع(٥) .

وقد بيّنا بطلان الحديث ، ولأنهعليه‌السلام يمتنع عليه جهل تحريم الكلام في الصلاة.

____________________

(١) المجموع ٤ : ٨١ و ٨٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤ ، المغني ١ : ٧٣٩ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٥.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ١٧٠ ، اللباب ١ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٣٣ و ٢٣٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦١ ، شرح العناية ١ : ٣٤٤ ، حاشية الحلبي ١ : ٣٤٤.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ / ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٧ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٣٢ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٧ و ٤٤٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ و ٢٥٠.

(٤) المجموع ٤ : ٨٠ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، فتح العزيز ٤ : ١١٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٢.

(٥) صحيح البخاري ٩ : ١٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٣ / ٥٧٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٤٧ / ٣٩٩ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢ ، الموطأ ١ : ٩٣ / ٥٨.

٢٧٨

ولا فرق بين أن يكون قريب العهد بالإِسلام أو لا - خلافاً للشافعي في قول له(١) - ولو علم تحريم الكلام ولم يعلم أنّه مبطل لم يعذر ، وبه قال الشافعي(٢) ، لأنّه لما عرف التحريم كان حقه الامتناع منه.

د - لو تكلّم ناسياً لم تبطل صلاته‌ ، ويسجد للسهو عند علمائنا - وبه قال مالك ، والشافعي ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(٣) - لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم ، قال : « يتم ما بقي من صلاته »(٥) وسئل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يتكلم في الصلاة ناسياً يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « يتم صلاته ، ثم يسجد سجدتين »(٦) .

وقال أبو حنيفة : تبطل إلا أن يسلم من اثنتين ساهياً(٧) لأن عمده يبطل الصلاة فكذا سهوه كالحدث. والفرق أن الحدث يبطل الطهارة أو يوجبها.

ه- لا فرق بين أن يطول كلام الناسي أو يقصر‌ لأنه خطاب الآدمي على وجه السهو ، وللشافعي قول بالفرق فأبطلها مع الكثرة كالفعل(٨) .

____________________

(١) المجموع ٤ : ٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ١١٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، السراج الوهاج : ٥٦.

(٢) المجموع ٤ : ٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ١١١ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٦.

(٣) المجموع ٤ : ٨٥ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٥ ، بلغة السالك ١ : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ١١٩ ، أحكام القران لابن العربي ١ : ٢٢٧.

(٤) الجامع الصغير ٢ : ١٦ / ٤٤٦١ ، كنز العمال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٦٠.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ / ١٤٣٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٦ / ٤ ، التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ / ١٤٣٣.

(٧) المبسوط للسرخسي ١ : ١٧٠ و ١٧١ ، الكفاية ١ : ٣٤٥ ، الميزان ١ : ١٥٨.

(٨) المجموع ٤ : ٨٠ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٥.

٢٧٩

ونمنع الأصل ، ويفرق بأن الفعل آكد ، فإن عتق المجنون لا ينفذ ، وينفذ إحباله.

و - لا خلاف في أن الحرف الواحد ليس مبطلاً‌ لأنه لا يعد كلاماً ، ولعدم انفكاك الصوت منه غالباً ، نعم في الحرف الواحد المفهم ك‍ ( قِ ) و ( شِ ) و ( عِ ) إشكال ينشأ من حصول الإِفهام به فأشبه الكلام ، ومن دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم الإِبطال به.

وأما الحرف بعد مدّه ففيه نظر أيضاً ينشأ من تولّد المدّ من إشباع الحركة ولا يعد حرفاً ، ومن أنه إما ألف ، أو واو ، أو ياء.

ز - لو تكلّم مكرهاً عليه فالأقوى الإِبطال به‌ لأنه مناف للصلاة فاستوى الاختيار فيه وعدمه كالحدث ، ويحتمل عدمه لرفع ما استكرهوا عليه(١) وللشافعي قولان(٢) .

ح - لا يجوز أن يئنَّ بحرفين ، ولا يتأوَّه بهما‌ لأنّه يعدّ كلاماً.

ط - السكوت الطويل إن خرج به عن كونه مصلياً أبطل‌ ، وإلّا فلا.

مسألة ٣٢٠ : يجوز التنبيه على الحاجة‌ إمّا بالتصفيق ، أو بتلاوة القرآن ، كما لو أراد الإِذن لقوم فقال( ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ ) (٣) أو قال لمن أراد التخطي على البساط بنعله( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) (٤) أو أراد إعطاء كتاب لمن اسمه يحيى( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) (٥) أو‌

____________________

(١) الجامع الصغير ٢ : ١٦ / ٤٤٦١ ، كنز العمال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧.

(٢) المجموع ٤ : ٨٠ - ٨١ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، فتح العزيز ٤ : ١١٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٠ و ٧٦.

(٣) الحجر : ٤٦.

(٤) طه : ١٢.

(٥) مريم : ١٢.

٢٨٠

( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) (١) أو أتى بتسبيح ، أو تهليل ، وقصد القرآن ، والتنبيه - وبه قال الشافعي(٢) - لأن علياًعليه‌السلام قال : « كانت لي ساعة أدخل فيها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كان في الصلاة سبّح وذلك إذنه ، وإن كان في غير الصلاة أذن »(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « نعم » لـمّا قال له ناجية أبو حبيب : أضرب الحائط لاُوقظ الغلام؟(٤) .

وقال أبو حنيفة : تبطل صلاته إلا أن ينبه إمامه ، والمارّ بين يديه(٥) . لأنه قصد به خطاب الآدمي لا لإِصلاح الصلاة ، فأشبه رد السلام.

والأصل ممنوع ، والفرق بأنه خطاب لآدمي بالوضع.

فروع :

أ - لو لم يقصد إلّا التفهيم بطلت صلاته‌ لأنه لم يقصد القرآن فلم يكن قرآناً ، وفيه إشكال ينشأ من أن القرآن لا يخرج عن كونه قرآناً بعدم قصده.

ب - لا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك‌ - وبه قال مالك -(٦) لعموم قولهعليه‌السلام : ( من نابه في صلاته شي‌ء فليسبح )(٧) .

____________________

(١) يوسف : ٢٩.

(٢) المجموع ٤ : ٨٣ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٥ ، فتح العزيز ٤ : ١١٥.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ٢٤٧ ، مسند أحمد ١ : ٧٧.

(٤) الكافي ٢ : ٣٠١ / ٨ ، الفقيه ١ : ٢٤٣ / ١٠٨٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٥ / ١٣٢٩.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ٢٣٥ ، فتح العزيز ٣ : ٤ : ١١٥ ، الميزان ١ : ١٥٩.

(٦) المدونة الكبرى ١ : ١٠٠ ، بداية المجتهد ١ : ١٩٨ ، الميزان ١ : ١٥٩.

(٧) صحيح البخاري ١ : ١٧٥ ، صحيح مسلم ١ : ١٣٧ / ٤٢١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٨ / ٩٤٠ ، الموطأ ١ : ١٦٤ / ٦١.

٢٨١

وقال الشافعي : يسبح الرجل ، وتصفق المرأة(١) لقولهعليه‌السلام : ( إذا نابكم شي‌ء في الصلاة فالتسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء )(٢) ولو خالفا فسبحت المرأة ، وصفق الرجل لم تبطل الصلاة عنده بل خالفا السنة(٣) .

ج - لو صفقت المرأة أو الرجل على وجه اللعب لا للإعلام بطلت صلاتهما‌ لأن اللعب ينافي الصلاة ، ويحتمل ذلك مع الكثرة خاصة.

مسألة ٣٢١ : إذا سُلّم عليه وهو في الصلاة وجب عليه الرد لفظاً‌ عند علمائنا - وبه قال سعيد بن المسيب ، والحسن ، وقتادة(٤) - لقول الباقرعليه‌السلام : « إن عماراً سلّم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فردّعليه‌السلام »(٥) .

وقال محمد بن مسلم : دخلت على الباقرعليه‌السلام وهو في الصلاة ، فقلت : السلام عليك ، فقال : « السلام عليك » قلت : كيف أصبحت فسكت ، فلما انصرف ، قلت له : أيرد السلام وهو في الصلاة؟ قال : « نعم مثل ما قيل له »(٦) . ولأن الأمر بالرد مطلق فيتناول حال الصلاة كغيرها ، ولأنه واجب فلا تبطل الصلاة به كالكلام الواجب عند الشافعي(٧) . وقال الشافعي : يرد السلام بالإِشارة(٨) لأن أبا مسعود لـمّا قدم من‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٨٢ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، الميزان ١ : ١٥٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٧ - ١٩٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٥.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٨٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣١٧ / ٤٢١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٨ / ٩٤١ ، سنن النسائي ٢ : ٨٨ ، سنن الدارمي ١ : ٣١٧.

(٣) المجموع ٤ : ٨٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٥.

(٤) الميزان ١ : ١٥٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٨١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤١ / ١٠٦٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٢٩ / ١٣٤٩.

(٧) المجموع ٤ : ٨١ و ٨٢ ، فتح العزيز ٤ : ١١٥.

(٨) المجموع ٤ : ٩٣ ، الميزان ١ : ١٥٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٥ ، فتح العزيز ٤ : ١١٧.

٢٨٢

الحبشة سلّم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الصلاة فلم يرد عليه ، قال أبو مسعود : فأخذني ما قرب وما بعد ، فلما فرغ ، قلت : يا رسول الله أنزل فيّ شي‌ء؟ قال : ( لا ولكن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وأن مما أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة )(١) وليس حجة لجواز أن يكون قبل الأمر بالرد ، أو أنه حيّاه بغير السلام وسماه سلاماً مجازاً.

وقال أبو حنيفة : لا يرد عليه وتبطل(٢) ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل مسجد بني عمرو بن عوف يصلي ، ودخل معه صهيب ، فدخل معه رجال من الأنصار يسلّمون عليه ، فسألت(٣) صهيباً كيف كان يصنع إذا سلّم عليه؟ فقال : كان يشير بيده(٤) .

وقال عطاء ، والنخعي ، والثوري : يرد بعد فراغه ، ونقله الجمهور عن أبي ذر(٥) .

فروع :

أ - لا يكره السلام على المصلي - وبه قال ابن عمر ، وأحمد -(٦) للأصل ، ولقوله تعالى( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) (٧) وهو عام ، وحكى ابن المنذر عن عطاء ، وأبي مجلز ، والشعبي ، وإسحاق بن‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٩ : ١٨٧ ، سنن النسائي ٣ : ٩ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٣ / ٩٢٤ ، مسند أحمد ١ : ٤٣٥ و ٤٦٣ وفي جميع المصادر ورد عن ابن مسعود.

(٢) اللباب ١ : ٨٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٣٧.

(٣) كذا في الأصلين. والسائل هو عبد الله بن عمر كما في المصادر.

(٤) سنن البيهقي ٢ : ٢٥٩.

(٥) المجموع ٤ : ١٠٥ ، الميزان ١ : ١٥٩ ، المغني ١ : ٧٤٨.

(٦) المغني ١ : ٧٤٨ ، المجموع ٤ : ١٠٥.

(٧) النور : ٦١.

٢٨٣

راهويه ، وجابر الكراهة(١) ، وعن أحمد روايتان(٢) ، وظاهر كلام الشافعي الكراهة لأنه كره السلام على الإِمام حال الخطبة(٣) فحال الصلاة أولى.

ب - إذا سلّم بقوله : سلام عليكم رد مثله‌ ، ولا يقول : وعليكم السلام لأنه عكس القرآن ، ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله عثمان بن عيسى عن الرجل يسلّم عليه وهو في الصلاة : « يقول : سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم السلام ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قائماً يصلي فمرّ به عمار بن ياسر فسلّم عليه فرد عليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا »(٤) .

ج - لو سلّم عليه بغير اللفظ المذكور فإن سُمّي تحية فالوجه : جواز الرد به‌ ، وبقوله : سلام عليكم ، لعموم قوله تعالى( فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (٥) ولو لم تُسم تحية جاز إجابته بالدعاء له إذا كان مستحقا له وقصد الدعاء ، لا ردّ السلام ، ولو سلّم عليه بقوله : عليك السلام ففي جواز إجابته بالصورة إشكال ينشأ من النهي ، ومن جواز الرد مثل التحية.

د - لو اتّقى رد فيما بينه وبين نفسه‌ تحصيلاً لثواب الرد وتخليصاً من الضرر ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا سلّم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ، ولا ترفع صوتك »(٦) وفي رواية أُخرى : « ترد عليه خفيّاً »(٧) .

مسألة ٣٢٢ : يجوز تسميت العاطس بأن يقول المصلي له : يرحمك الله‌ لأنه.

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٠٥ ، المغني ١ : ٧٤٨ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٠.

(٢) كشاف القناع ١ : ٣٧٨.

(٣) مختصر المزني : ٢٧ ، المجموع ٤ : ٥٢٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٨ / ١٣٤٨ ، الكافي ٣ : ٣٦٦ / ١ وفيه : عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام . فلاحظ.

(٥) النساء : ٨٦.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٤ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ / ١٣٦٥.

(٧) الفقيه ١ : ٢٤١ / ١٠٦٥ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٦٦.

٢٨٤

دعاء ، وقد دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقوم ، ودعا على آخرين(١) وهو محكي عن الشافعي(٢) وظاهر مذهبه : البطلان(٣) لأن معاوية بن الحكم السلمي قال : صليت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فعطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : وأثكل أماه وما شأنكم تنظرون إليَّ؟ قال : فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فعرفت أنهم يصمتوني ، فلما صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الناس إنما هي التكبير وقراءة القرآن )(٤) ولا حجة فيه لأن إنكارهعليه‌السلام وقع على كلامه لا على تسميته.

إذا عرفت هذا فإنه يجوز أن يحمد الله تعالى إن عطس هو أو غيره لأنه شكر لله تعالى على نعمه ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا عطس الرجل فليقل : الحمد لله »(٥) وقال له أبو بصير : أسمع العطسة فأحمد الله وأُصلي على النبيعليه‌السلام وأنا في الصلاة؟ قال : « نعم ولو كان بينك وبين صاحبك البحر »(٦) .

مسألة ٣٢٣ : التنحنح جائز لأنه لا يعد كلاماً‌ ، وأظهر وجوه الشافعية : البطلان به إن ظهر منه حرفان ، وإن لم يبن كما إذا استرسل سعال لا يبين منه‌

____________________

(١) انظر على سبيل المثال : سنن البيهقي ٢ : ١٩٧ وما بعدها ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣١٦ ، مصنف عبد الرزاق ٢ : ٤٤٥.

(٢) المجموع ٤ : ٨٤ ، فتح العزيز ٤ : ١١٧.

(٣) المجموع ٤ : ٨٤ ، فتح العزيز ٤ : ١١٧ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٧ ، السراج الوهاج : ٥٦.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ / ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٤ - ١٧ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٤ / ٩٣٠ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٣ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٧ و ٤٤٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ ، مسند الطيالسي : ١٥٠ / ١١٠٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٦ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٦٧.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٦ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٦٨.

٢٨٥

حرف لم يبطل(١) ، والثاني : عدم البطلان وإن بان منه حرفان لأنه ليس من جنس الكلام(٢) ، والثالث : إن كان مُطبقاً شفتيه لم يضر كقرقرة البطن ، وإن كان فاتحاً فمه فإن بان منه حرفان بطلت وإلّا فلا(٣) .

ولو تعذرت القراءة إلّا به فهو معذور ، وإن أمكنه القراءة وتعذر الجهر فوجهان عندهم : أحدهما : إنه كالقراءة لإِقامة شعار الجهر ، والثاني : المنع لأن الجهر سنة فلا ضرورة إلى التنحنح له(٤) .

ولو تنحنح الإِمام وبان منه حرفان فللشافعية وجهان في مداومة المأموم : أظهرهما : ذلك لأن الأصل بقاء عبادته والظاهر من حاله الاحتراز عن مبطلات الصلاة ، وأنه غير مختار فيه ، والثاني : المنع(٥) لأن العاقل لا يفعل إلّا عن قصد ، فالظاهر أن الإِمام قاصد فبطلت صلاته فلا يجوز له المتابعة.

مسألة ٣٢٤ : الدعاء المحرّم مبطل للصلاة إجماعاً‌ لأنه ليس بقرآن ، ولا دعاء مأمور به بل هو منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد ، أما الدعاء بالمباح فقد بيّنا جوازه في جميع أحوال الصلاة.

ولو جهل تحريم المطلوب ففي بطلان الصلاة إشكال ينشأ من عدم التحريم لجهله ، ومن تفريطه بترك التعلّم ، أما لو جهل تحريم الدعاء فالوجه : البطلان.

مسألة ٣٢٥ : القهقهة عمداً تبطل الصلاة‌ إجماعاً منّا ، وعليه أكثر العلماء(٦)

____________________

(١) المجموع ٤ : ٧٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٧ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، السراج الوهاج : ٥٥ - ٥٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٠.

(٢) المجموع ٤ : ٧٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٧ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥.

(٣) المجموع ٤ : ٧٩ - ٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٧.

(٤) المجموع ٤ : ٨٠ ، الوجيز : ٤٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٧.

(٥) المجموع ٤ : ٨٠ ، فتح العزيز ٤ ، ١٠٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٠.

(٦) المغني ١ : ٧٤١.

٢٨٦

سواء غلب عليه أو لا لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من قهقه فليعد صلاته )(١) ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة »(٢) .

وقالت الشافعية : إن غلب عليه لم تبطل صلاته لعدم الاختيار فأشبه الناسي(٣) ، وإن كان مختاراً فإن لم يظهر في صوته حرفان لم تبطل صلاته وإن ظهر فقولان : البطلان لأن التفوه بما يتهجى حرفين قد وجد على وجه يسمع من قصده ، وهو الظاهر من مذهبه ، والعدم لعدم تسميته كلاماً(٤) . ونحن لا نبطل من حيث الكلام بل للنص ، والحكمة هتك الحرمة.

فروع :

أ - القهقهة لا يبطل بها الوضوء‌ - خلافاً لبعض علمائنا(٥) - لحديث الباقرعليه‌السلام (٦) ، وقد سبق.

ب - لو قهقهه ناسياً لم تبطل صلاته‌ إجماعاً.

ج - لو تبسّم - وهو ما إذا لم يكن له صوت - لم تبطل صلاته‌ إجماعاً.

مسألة ٣٢٦ : البكاء خوفاً من الله تعالى ، وخشية من عقابه غير مبطل للصلاة‌ وإن نطق فيه بحرفين ، وإن كان لأمور الدنيا بطلت صلاته وإن لم ينطق بحرفين عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة(٧) - لقوله تعالى :( إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ

____________________

(١) كنز العمال ٧ : ٤٩١ / ١٩٩٢٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٢ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٤ ( وفي الجميع عن الصادقعليه‌السلام ).

(٣) كفاية الأخيار ١ : ٦٠ و ٧٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤.

(٤) المجموع ٤ : ٧٩ و ٨٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥.

(٥) حكاه المحقق عن ابن الجنيد في المعتبر : ٣٠.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٢ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٤ وفيها عن الصادقعليه‌السلام .

(٧) الهداية للمرغيناني ١ : ٦١ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٣٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٨.

٢٨٧

آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ) (١) ولأن أبا مطرف قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصلّي ولصدره أزيز كأزيز المرجل(٢) ، والأزيز غليان صدره وحركته بالبكاء.

وسأل أبو حنيفة الصادقعليه‌السلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال : « إن كان لذكر جنة أو نار فذلك أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة(٣) .

وقال الشافعي : إن كان مغلوباً لم تبطل صلاته ، وإن كان مختاراً :

فإن لم يظهر فيه حرفان لم تبطل سواء كان لمصاب الدنيا أو الآخرة لعدم الاعتبار بما في القلب ، وإنما يعتبر الظاهر وهو في الحالتين واحد(٤) .

وهو ممنوع لأنه مأمور به في اُمور الآخرة لأنه من الخشوع المأمور به بخلاف أمر الدنيا.

وإن ظهر فيه حرفان فوجهان : الظاهر : عدم البطلان(٥) لأن الشمس كسفت على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلمـّا كان في السجدة الأخيرة جعل ينفخ في الأرض ويبكي(٦) ، ولأنه لا يسمى كلاماً من غير تفصيل.

مسألة ٣٢٧ : النفخ بحرفين يوجب الإِعادة‌ ، وكذا الأنين ، والتأوّه ، ولو كان بحرف واحد لم تبطل - وهو أحد قولي الشافعي(٧) - لأن تعمد الكلام مناف‌

____________________

(١) مريم : ٥٨.

(٢) سنن النسائي ٣ : ١٣ ، مسند أحمد ٤ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٣٨ / ٩٠٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٤١ ، التهذيب ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٥ ، الاستبصار ١ : ٤٠٨ / ١٥٥٨.

(٤) المجموع ٤ : ٧٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٨.

(٥) فتح العزيز ٤ : ١٠٧ و ١٠٨ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥.

(٦) سنن النسائي ٣ : ١٣٨ و ١٤٩.

(٧) المجموع ٤ : ٧٩ و ٨٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥.

٢٨٨

للصلاة ، ولقول عليعليه‌السلام : « من أنّ في صلاته فقد تكلم »(١) وللشافعي قول آخر : أنه لا يبطلها وإن كان بحرفين(٢) لأنه لا يعد كلاماً. وهو ممنوع.

وقال أبو حنيفة : النفخ يبطلها وإن كان بحرف واحد ، والتأوّه للخوف من الله تعالى عند ذكر المخوفات لا يبطلها ولو كان بحرفين ، ويبطلها لو كان لغير ذلك كالألم يجده(٣) . ولا دليل على هذا التفصيل.

مسألة ٣٢٨ : الفعل الذي ليس من أفعال الصلاة إن كان قليلاً لم تبطل به الصلاة‌ كالإِشارة بالرأس ، والخطوة ، والضربة ، وإن كان كثيراً أبطلها بلا خلاف في الحكمين لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بقتل الأسودين في الصلاة : الحية ، والعقرب(٤) ، ودفععليه‌السلام المار بين يديه(٥) وحمل أمامة بنت أبي العاص ، وكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها(٦) ، وقتل عقرباً وهو يصلي(٧) ، وأخذ باُذن ابن عباس وأداره عن يساره إلى يمينه(٨) .

واختلف الفقهاء في حدِّ الكثرة ، فالذي عوَّل عليه علماؤنا البناء على‌

____________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٠ / ١٣٥٦.

(٢) السراج الوهاج : ٥٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٧ و ١٠٨.

(٣) بدائع الصنائع ١ : ٢٣٤ و ٢٣٥ ، المجموع ٤ : ٨٩ ، اللباب ١ : ٨٥ ، المغني ١ : ٧٤٢ ، وفي المصادر : إن سمع النفخ فهو بمنزلة الكلام [ فتبطل الصلاة ] وإلّا فلا يضر.

(٤) سنن النسائي ٣ : ١٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٤ / ١٢٤٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٤ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٣ و ٢٤٨ و ٢٥٥ و ٢٨٤ و ٤٧٣ و ٤٧٥ و ٤٩٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٣٠٥ / ٩٤٨.

(٦) صحيح البخاري ١ : ١٣٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٨٥ و ٣٨٦ / ٥٤٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٠ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤١ / ٩١٧ و ٩١٨ و ٢٤٢ / ٩١٩ و ٩٢٠ ، الموطأ ١ : ١٧٠ / ٨١ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٦٢ - ٢٦٣.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٥ / ١٢٤٧.

(٨) سنن أبي داود ١ : ١٦٦ / ٦١٠ ، سنن النسائي ٢ : ٨٧ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٥.

٢٨٩

العادة فما يُسمى في العادة كثيراً فهو كثير وإلّا فلا لأن عادة الشرع رد الناس فيما لم ينص عليه إلى عُرفهم ، وبه قال بعض الشافعية(١) .

وقال بعضهم : القليل ما لا يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة ، والكثير ما يسع(٢) .

وقال بعضهم : ما لا يحتاج إلى فعل اليدين معاً كرفع العمامة وحل الإزار فهو قليل ، وما يحتاج إليهما معاً كتكوير العمامة وعقد السراويل فهو كثير(٣) .

وقال بعضهم : القليل ما لا يظن الناظر إلى فاعله أنه ليس في الصلاة ، والكثير ما يظن به الناظر إلى فاعله الإِعراض عن الصلاة(٤) .

إذا عرفت هذا فالخطوة الواحدة والضربة قليل ، والثلاث كثير ، وفي الفعلين للشافعية وجهان : أحدهما : أنه كثير لتكرره. والأصحّ خلافه(٥) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خلع نعليه في الصلاة وهما فعلان(٦) .

فروع :

أ - الكثير إذا توالى أبطل ، أما مع التفرّق فإشكال ينشأ من صدق الكثرة عليه ، وعدمه للتفرق ، فإن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يضع أمامة ويرفعها ، فلو خطا خطوة ثم بعد زمان خطوة أخرى لم تبطل صلاته ، وقال بعض الشافعية : ينبغي أن يقع بين الاولى والثانية قدر ركعة(٧) .

____________________

(١) المجموع ٤ : ٩٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٢٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٩.

(٢) المجموع ٤ : ٩٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٢٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٩.

(٣) المجموع ٤ : ٩٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٢٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٩.

(٤) المجموع ٤ : ٩٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٢٧.

(٥) المجموع ٤ : ٩٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٢٩.

(٦) سنن الدارمي ١ : ٣٢٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٧٥ / ٦٥٠ ، مسند أحمد ٣ : ٢٠ و ٩٢.

(٧) المجموع ٤ : ٩٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٢٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٩.

٢٩٠

ب - الفعلة الواحدة لا تُبطل ، فإن تفاحشت فإشكال ، كالوثبة الفاحشة فإنها لإِفراطها وبعدها عن حال المصلّي توجب البطلان.

ج – الثلاثة المبطلة يراد بها الخطوات المتباعدة‌ ، أمّا الحركات الخفيفة كتحريك الأصابع في مسبحة ، أو حكمه فالأقرب منع الإِبطال بها لأنها لا تخل بهيئة الخشوع والاستكانة فهي مع الكثرة بمثابة الفعل القليل ، ويحتمل الإِبطال للكثرة ، وللشافعية وجهان(١) .

د - لا يكره قتل الحية والعقرب في الصلاة‌ - وبه قال الشافعي(٢) - لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر به(٣) ، وقال النخعي : يكره(٤) .

ه- الفعل الكثير إنما يُبطل مع العمد‌ أمّا مع النسيان فلا خلاف عند علمائنا لقولهعليه‌السلام : ( رفع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه )(٥) وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : أنه مبطل(٦) لأن النسيان بالفعل الكثير قلَّما يقع ، ويمكن الاحتراز عنه في العادة.

وينتقض عندهم بقصة ذي اليدين ، فإنهم رووا أن النبيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله سلّم عن اثنتين ، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد ، فوضع يديه عليها وخرج سرعان القوم من المسجد ، وقالوا : قصرت الصلاة ، ثم لما عرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه ساه عاد فبنى على صلاته ، والذين خرجوا‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٩٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٩.

(٢) المجموع ٤ : ١٠٥ ، الميزان ١ : ١٦٠ ، المغني ١ : ٦٩٩.

(٣) سنن النسائي ٣ : ١٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٤ / ١٢٤٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٤ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٣ و ٢٤٨ و ٢٥٥ و ٢٨٤ و ٤٧٣ و ٤٧٥ و ٤٩٠.

(٤) المجموع ٤ : ١٠٥ ، الميزان ١ : ١٦٠ ، المغني ١ : ٦٩٩ ، الشرح الكبير ١ : ٦٤٦.

(٥) الجامع الصغير ٢ : ١٦ / ٤٤٦١ ، كنز العمال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧.

(٦) المجموع ٤ : ٩٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٠ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠٠.

٢٩١

من المسجد بنوا على الصلاة ، والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أمرهم بالإِعادة(١) ، وهو إلزام لامتناع السهو على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندنا.

و - لو قرأ كتاباً بين يديه في نفسه من غير نطق لم تبطل صلاته‌ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( تجاوز الله لأمتي عما حدثت به نفوسها ما لم يتكلموا )(٢) ولأن الإِنسان لا ينفك من التصورات ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : تبطل صلاته وإن قرأ القرآن من المصحف(٤) لأن النظر عمل دائم ، وقد سبق.

ز - ما ليس من أفعال الصلاة إذا كان من جنس أفعالها وزاده المصلي ناسياً لم تبطل صلاته‌ كما لو صلى خمساً ناسياً إن كان قد قعد في الرابعة بقدر التشهد ، وأطلق الشافعي ، وأبو حنيفة الصحة(٥) .

أما لو زاد عامداً فإن الصلاة تبطل كما لو زاد ركوعاً أو سجدة - وبه قال الشافعي(٦) - لأن الزيادة كالنقصان ، والثاني مبطل مع العمد فكذا الأول.

____________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٠٣ / ٥٧٣ ، سنن النسائي ٣ : ٢٠ - ٢٥.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٩٠ و ٧ : ٥٩ و ٨ : ١٦٨ ، صحيح مسلم ١ : ١١٦ / ١٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٤ / ٢٢٠٩ ، سنن النسائي ٦ : ١٥٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٨ و ٦٥٩ / ٢٠٤٠ و ٢٠٤٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٨٩ / ١١٨٣ وانظر عدة الداعي : ٢١٢ ، الفقه المنسوب إلى الإمام الرضاعليه‌السلام : ٣٨٥.

(٣) المجموع ٤ : ٩٥ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٠.

(٤) شرح فتح القدير ١ : ٣٥١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦٢ ، شرح العناية ١ : ٣٥١ ، الكفاية ١ : ٣٥١.

(٥) المجموع ٤ : ٩١ ، فتح العزيز ٤ : ١١٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٥ ، بدائع الصنائع ١ : ١٦٤.

(٦) المجموع ٤ : ٩١ ، فتح العزيز ٤ : ١١٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٥.

٢٩٢

وقال أبو حنيفة : لا تبطل ما لم تبلغ الزيادة ركعة(١) .

ح - يجوز عدّ الركعات والتسبيحات بأصابعه ، أو بشي‌ء يكون معه من الحصى ، والنوى‌ إذا لم يتلفظ به ، ولا كراهة فيه - وبه قال مالك ، والثوري ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن أبي ليلى ، والنخعي(٢) - لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسبّح ثلاث تسبيحات(٣) ، وذلك إنما يكون بالعدد.

وقال أبو الدرداء : إني لأدعو في صلاتي لسبعين رجلاً من إخواني(٤) ، وعلّم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله العباس صلاة التسبيح ، وأمره في كل ركن بتسبيحات مقدرة(٥) ، وليس ذلك بعقد القلب لاشتغاله به عن الخشوع فلا بدّ وأنْ يكون بعقد الأصابع.

وقال أبو حنيفة : يكره - وبه قال محمد(٦) - لأنه ليس من الصلاة. وقال أبو يوسف : لا بأس به في التطوع(٧) . وقال الشافعي : تركه أحب إليّ(٨) .

ط - الأكل والشرب مبطلان‌ لأنهما فعل كثير إذ تناول المأكول ومضغه‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ١ : ١٧١ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٢.

(٢) المجموع ٤ : ١٠٠ ، المغني ١ : ٦٩٨ ، الشرح الكبير ١ : ٦٤٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٤.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٢٣٠ / ٨٧٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٧ / ٨٨٨ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٤١ / ١.

(٤) سنن البيهقي ٢ : ٢٤٥ وفيه : لثلاثين. والرواية موجودة نصّاً في المعتبر ١٩٢ ، والخلاف ١ : ٣٧٦ ذيل المسألة ١٣٣.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٢٩ / ١٢٩٧ ، مستدرك الحاكم ١ : ٣١٨.

(٦) الهداية للمرغيناني ١ : ٦٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢١٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٤ ، الجامع الصغير للشيباني : ١٠٠.

(٧) حلية العلماء ٢ : ١٣٤.

(٨) المجموع ٤ : ١٠٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٦.

٢٩٣

وابتلاعه أفعال متعددة ، وكذا المشروب ، وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة(١) .

وحكي عن سعيد بن جبير أنه شرب الماء في صلاته النفل(٢) ، وعن طاوس أنه قال : لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة(٣) - وبه قال الشيخ في الخلاف(٤) - لأن الأصل الإِباحة. وهو ممنوع ، ومنع الشافعي من ذلك في النافلة والفريضة(٥) .

واستدلّ الشيخ(٦) بقول الصادقعليه‌السلام ، إني اُريد الصوم وأكون في الوتر فأعطش ، فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب ، وأكره أن أصبح وأنا عطشان وأمامي قلة بيني وبينها خطوتان ، أو ثلاثة قال : « تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء »(٧) .

ويحتمل الاقتصار على ذلك للحاجة فيختص الترخص بالوتر مع إرادة الصوم وخوف العطش وكونه في دعاء الوتر ، وقال الشافعي : إن قليله مبطل لأنه إعراض ، وله وجه : أنه غير مبطل(٨) .

ولو كان في فيه شي‌ء من الطعام ، أو بين أسنانه فازدرده لم تنقطع صلاته إذا كان يمر مع الريق من حيث لا يملكه بلا مضغ ، ولا علك ،

____________________

(١) المجموع ٤ : ٨٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠٠ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٩٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦٤.

(٢) المجموع ٤ : ٩٠ ، الميزان ١ : ١٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٣.

(٣) المجموع ٤ : ٩٠ ، الميزان ١ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٣.

(٤) الخلاف ١ : ٤١٣ ، مسألة ١٥٩.

(٥) المجموع ٤ : ٨٩ ، الميزان ١ : ١٥٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٥.

(٦) الخلاف ١ : ٤١٣ مسألة ١٥٩.

(٧) الفقيه ١ : ٣١٣ / ١٤٢٤ ، التهذيب ٢ : ٣٢٩ / ١٣٥٤.

(٨) المجموع ٤ : ٨٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٤ و ١٣٥.

٢٩٤

وللشافعية في امتصاص سكرة من غير مضغ وجهان ، وأقواهما : البطلان(١) لأن الإِمساك شرط في الصلاة كما هو في الصوم بل الصلاة آكد فإن الكلام يبطلها بخلاف الصوم.

ولو أكل ناسياً لم تبطل صلاته وإن كثر ، وأبطلها الشافعي مع الكثرة في أصح الوجهين(٢) ، ولو كان مغلوباً بأن نزلت النخامة ولم يقدر على إمساكها لم تبطل صلاته إجماعاً ، ولو كان في فمه شي‌ء لا يذوب صحت صلاته إن لم تمنعه القراءة.

مسألة ٣٢٩ : الالتفات إلى ما وراءه مبطل للصلاة‌ لأن الاستقبال شرط والالتفات بكلّه مفوت لشرطها ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، إن الله تعالى يقول لنبيه في الفريضة( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٣) (٤) وقال الباقرعليه‌السلام : « الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه»(٥) .

ويكره الالتفات بوجهه يميناً وشمالاً ، وليس بمحرم لدلالة مفهوم قول الباقرعليه‌السلام : « إذا كان بكله »(٦) ومفهوم قول الصادقعليه‌السلام : « إذا التفتّ في صلاة المكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشاً ، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد »(٧) .

____________________

(١) المجموع ٤ : ٩٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٥.

(٢) المجموع ٤ : ٩٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٧ ، السراج الوهاج : ٥٧.

(٣) البقرة : ١٤٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٠ / ٦ ، التهذيب ٢ : ١٩٩ / ٧٨٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ / ١٥٤٥.

(٥ و ٦ ) التهذيب ٢ : ١٩٩ / ٧٨٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ / ١٥٤٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣٦٥ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ / ١٣٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ - ٤٠٦ / ١٥٤٧.

٢٩٥

وقال بعض الحنفية : تبطل(١) لرواية عبد الله بن سلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت )(٢) - وعبد الله ضعيف - ونقول بموجبه فإن الالتفات هنا يراد به الالتفات بالجميع ، ولأن نفي الصلاة لا يستلزم نفي جميع الأحكام فيحمل على نفي الفضيلة.

مسألة ٣٣٠ : التكفير مبطل للصلاة‌ وهو وضع اليمين على الشمال في القراءة عند علمائنا لإِجماع الفرقة عليه - قاله الشيخ والمرتضى(٣) - ولأنه فعل كثير فيكون مبطلاً ، ولأنه أحوط لوقوع الخلاف فيه دون الإِرسال ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ولا تكفّر ، إنما يصنع ذلك المجوس »(٤) وسأل محمد بن مسلم أحدهماعليهما‌السلام عن الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى ، فقال : « ذلك التكفير لا تفعله »(٥) .

وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وسفيان ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود : إنّ وضع اليمين على الشمال مسنون مستحب(٦) إلَّا أن الشافعي قال : وضع اليمين على الشمال فوق السرّة(٧) . وقال أبو حنيفة : تحت‌

____________________

(١) البحر الرائق ٢ : ٢١.

(٢) كنز العمال ٧ : ٥٠٥ / ١٩٩٨٧ نقلاً عن الطبراني في الأوسط.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١١٧ و ١١٨ ، وحكى قول السيد المرتضى المحقق في المعتبر : ١٩٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٦ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ / ٣٠٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٨٤ / ٣١٠.

(٦) المجموع ٣ : ٣١١ ، فتح العزيز ٣ : ٢٧٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٧١ ، رحمة الأمة ١ : ٤١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢٣ ، عمدة القارئ ٥ : ٢٧٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٠١ ، المغني ١ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥٤٩ ، نيل الأوطار ٢ : ٢٠١.

(٧) المجموع ٣ : ٣١٣ ، فتح العزيز ٣ : ٢٨١ ، كفاية الأخيار ١ : ٧١ ، الميزان ١ : ١٣٨ ، رحمة الأمة ١ : ٤١ ، المغني ١ : ٥٥٠ ، الشرح الكبير ١ : ٥٤٩ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢٤ ، عمدة القارئ ٥ : ٢٧٩ ، نيل الأوطار ٢ : ٢٠٣.

٢٩٦

السرّة. وهو مذهب أبي هريرة(١) ، وعن مالك روايتان : إحداهما مثل قول الشافعي ، والثانية : الإِرسال(٢) وروي عنه أيضاً أنه يفعل ذلك في النافلة إذا طالت فإن لم تطل لم يفعل فيها ولا في الفرض(٣) .

وقال الليث بن سعد : إن أعيى فعل وإن لم يعي لم يفعل(٤) ، وروى ابن المنذر عن ابن الزبير : أنه كان يرسل يديه ، وهو مروي عن الحسن ، وابن سيرين ، والنخعي(٥) ، وقال الأوزاعي : من شاء فعل ومن شاء ترك(٦) .

واحتجوا برواية وائل بن حجر قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل في الصلاة يأخذ شماله بيمينه(٧) ، ولا حجة فيه لعدم الدلالة ، ولوقوع الخلاف في مضمونها بينهم فدل على ضعفها.

فروع :

أ - يجوز فعل ذلك للتقية.

ب - قال الشيخ : لا فرق بين وضع اليمين على الشمال وبالعكس ، ولا‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٤ ، اللباب ١ : ٦٧ ، عمدة القاري ٥ : ٢٧٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٠١ ، المجموع ٣ : ٣١٣ ، فتح العزيز ٣ : ٢٨١ ، رحمة الأمة ١ : ٤١ ، الميزان ١ : ١٣٨ ، المغني ١ : ٥٥٠ ، الشرح الكبير ١ : ٥٤٩ ، نيل الأوطار ٢ : ٢٠٣.

(٢) المجموع ٣ : ٣١٢ ، فتح العزيز ٣ : ٢٧٤ ، الميزان ١ : ١٣٨ ، رحمة الأمة ١ : ٤١ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٨١ ، المغني ١ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥٤٩ ، عمدة القارئ ٥ : ٢٧٩ ، نيل الأوطار ٢ : ٢٠٤.

(٣) المنتقى للباجي ١ : ٢٨١ ، المدونة الكبرى ١ : ٧٤ ، بداية المجتهد ١ : ١٣٧.

(٤) المجموع ٣ : ٣١١ ، عمدة القارئ ٥ : ٢٧٩.

(٥) المجموع ٣ : ٣١١ ، المغني ١ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ١ : ٥٤٩ ، عمدة القارئ ٥ : ٢٧٩ ، نيل الأوطار ٢ : ٢٠١.

(٦) المجموع ٣ : ٣١٢ ، الميزان ١ : ١٣٨ ، رحمة الأمة ١ : ٤١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢٣ ، عمدة القارئ ٥ : ٢٧٩ ، نيل الأوطار ٢ : ٢٠١.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٢٦٦ / ٨١٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٢ ذيل الحديث ٢٥٢.

٢٩٧

فوق السرة ، ولا تحتها(١) .

ج - لا فرق في المنع بين أن يكون بينهما حائل أو لا ، وفي تحريم وضع الكف على الساعد إشكال ينشأ من إطلاق اسم التكفير عليه ، ومن أصالة الإِباحة.

د - قال الشيخ في الخلاف : لا يجوز التطبيق في الصلاة‌ - وهو أن يطبّق إحدى يديه إلى الاُخرى ويضعهما بين ركبتيه - وبه قال جميع الفقهاء ، وأوجبه ابن مسعود ، واحتج الشيخ بالإِجماع ، وخلاف ابن مسعود منقرض(٢) .

البحث الثاني : في التروك المندوبة

وقد تقدم بعضها ، وبقي اُمور :

أ - نفخ موضع السجود ، لما فيه من الاشتغال عن الصلاة ، وتأذي المجاور ، ولقولهعليه‌السلام : ( أربع من الجفاء : أن ينفخ في الصلاة ، وأن يمسح وجهه قبل أن ينصرف من الصلاة ، وأن يبول قائماً ، وأن يسمع المنادي فلا يجيبه )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل الرجل ينفخ في الصلاة ، قال : « لا »(٤) ، وليس للتحريم لقول الصادقعليه‌السلام : « لا‌

____________________

(١) الخلاف ١ : ٣٢١ مسألة ٧٤.

(٢) الخلاف ١ : ٣٤٧ ، مسألة ٩٧ ، وانظر المغني ١ : ٥٧٧ ، والمجموع ٣ : ٤١١ ، وحلية العلماء ٢ : ٩٦ و ٩٧.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ٢٨٥ و ٢٨٦ بتفاوت.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٤ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ / ١٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٩ - ٣٣٠ / ١٢٣٥.

٢٩٨

بأس بالنفخ في الصلاة موضع السجود ما لم يؤذ أحداً »(١) .

ب - فرقعة الأصابع ، لقولهعليه‌السلام لعليعليه‌السلام : ( لا تفرقع أصابعك وأنت تصلّي )(٢) ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله ، فإن كنت لا تراه فاعلم أنه يراك ، فأقبل قِبل صلاتك ولا تمتخط ، ولا تبصق ، ولا تنقض أصابعك ، ولا تورك فإن قوماً عذّبوا بنقض الأصابع ، والتورك في الصلاة »(٣) .

جـ - العبث ، لما فيه من الاشتغال عن الصلاة ، وترك الخشوع.

د - التثاؤب.

هـ - التمطي ، لما فيها من الاستراحة وتغيير هيئة الصلاة المشروعة.

و - التنخم.

ز - البصاق لأنهعليه‌السلام كان يأخذ النخامة في ثوبه وهو يصلي(٤) .

حـ - مدافعة الأخبثين والريح لما فيه من الاشتغال عن الصلاة ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تصل وأنت تجد شيئاً من الأخبثين »(٥) وقالعليه‌السلام : « لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة »(٦) .

ط - لبس الخف الضيق لما يحصل معه من الشغل عن الصلاة.

ي - التورك - وهو أن يعتمد بيديه على وركيه وهو التخصر - لأن النبيّ‌

____________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٩ / ١٣٥١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ / ١٢٣٦.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٣١٠ / ٩٦٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٢٥ / ١٣٣٢.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٣٢٧ / ١٠٢٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢٦ / ١٣٣٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٣٣ / ١٣٧٢.

٢٩٩

صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله نهى عن التخصر في الصلاة(١) ، ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ولا تورك »(٢) .

يا - السدل - وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي(٣) - لما فيه من الخيلاء ، ولم يكرهه مالك(٤) ، ومعناه وضع الثوب على الرأس أو الكتف ، وإرسال طرفيه.

مسألة ٣٣١ : يحرم قطع الصلاة لغير حاجة‌ لقوله تعالى( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٥) ويجوز للحاجة كما لو رأى دابة له انفلتت ، أو غريماً يخاف فوته ، أو مالاً يخاف ضياعه ، أو غريقاً يخاف هلاكه ، أو طفلاً يخاف سقوطه لئلا يلحقه الضرر وهو منفي.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاماً لك قد أبق ، أو غريماً لك عليه مال ، أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع الغلام أو الغريم ، واقتل الحية »(٦) .

وسأله سماعة عن الرجل يكون قائماً في صلاة الفريضة فينسى كيسه ، أو متاعاً يتخوف ضيعته أو هلاكه ، قال : « يقطع صلاته ، ويحرز متاعه ، ثم يستقبل الصلاة » قلت : فيكون في الصلاة فتفلت دابته ويخاف أن تذهب ، أو‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٨٤ ، صحيح مسلم ١ : ٣٨٧ / ٥٤٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٢٢ / ٣٨٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٩ / ٩٤٧ ، سنن النسائي ٢ : ١٢٧ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٨٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٥ / ١٣٣٢.

(٣) المجموع ٣ : ١٧٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦٤ ، الكفاية ١ : ٣٥٩ ، نيل الأوطار ٢ : ٦٨.

(٤) المجموع ٣ : ١٧٧ ، نيل الأوطار ٢ : ٦٨.

(٥) محمد : ٣٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٧ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٤٢ / ١٠٧٣ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ / ١٣٦١.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380