تذكرة الفقهاء الجزء ٣

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: 380

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 380 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 310282 / تحميل: 8005
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

المغرب ثلاثاً ، والعشاء ركعتين بمزدلفة بإقامة واحدة ، وقال : صليتها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك(١) . وعمله ليس حجة.

ونقل ابن عمر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه جمع بينهما بمزدلفة كل واحدة بإقامة(٢) .

وقال الشافعي : إن جمع في وقت الاُولى فكقولنا ، وإن جمع في وقت الثانية فالأقاويل الثلاثة السابقة له(٣) .

د - يسقط الأذان الثاني يوم الجمعة‌ ؛ لأنّ الجمعة يجمع صلاتاها ويسقط ما بينهما من النوافل ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهرين بأذان وإقامتين ، وبين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين »(٤) .

وكذا يسقط لو جمع بين الظهرين بعرفة ، والعشاءين بمزدلفة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلّي ، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان »(٥) ، ولأن الأذان للإعلام بدخول الوقت فإذا صلّى في وقت الاُولى أذّن لوقتها ثم أقام للاُخرى لأنه لم يدخل وقت يحتاج إلى الإِعلام به ، وإن جمع في وقت الثانية أذّن لوقت الثانية وصلّى الاُولى لترتب الثانية عليها ، ثم لا يعاد الأذان للثانية.

مسألة ١٦٩ : ويستحب الأذان لصلاة المنفرد كالجامع‌ وإن تأكد فيه ، سواء كان مسافراً أو حاضراً ، وبه قال الشافعي في المسافر ، وله في الحاضر‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٢ / ١٩٢٩ و ١٩٣٢ ، سنن النسائي ٢ : ١٦.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٢٠١.

(٣) الاُم ١ : ٨٦ ، المجموع ٣ : ٨٦ ، فتح العزيز ٣ : ١٥٥.

(٤) التهذيب ٣ : ١٨ / ٦٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٢ / ١١٢٢.

٦١

قولان ، أحدهما : الاكتفاء بأذان المصر(١) لقولهعليه‌السلام : ( إذا كان أحدكم في أرض فلاة ودخل عليه وقت الصلاة فإن صلّى بغير أذان وإقامة صلّى وحده ، وإن صلّى بإقامة صلّى معه ملكاه ، وإن صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صف من الملائكة أوّلهم بالمشرق وآخرهم بالمغرب)(٢) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام لمحمد بن مسلم : « إنك إذا أذّنت وأقمت صلّى خلفك صفان من الملائكة ، وإن أقمت بغير أذان صلّى خلفك صف واحد »(٣) .

ويدل على الرجحان في الجماعة قول الصادقعليه‌السلام وقد سأله الحلبي عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال : « نعم لا بأس به »(٤) وقالعليه‌السلام لعبد الله بن سنان : « يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان »(٥) .

فروع :

أ - المنفرد يقيم ، وهو أحد قولي الشافعي‌ ، لأن الإِقامة للحاضرين ، والآخر : لا يقيم كما لا يؤذن(٦) .

ب - يستحب رفع الصوت به للمنفرد ، وهو أصح وجهي الشافعي(٧) ، لقولهعليه‌السلام : ( لا يسمع صوتك شجر ولا مدر إلّا شهد لك يوم القيامة )(٨) .

____________________

(١) المجموع ٣ : ٨٢ و ٨٥ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٢.

(٢) فتح العزيز ٣ : ١٤٥. وانظر التلخيص الحبير ٣ : ١٤٥ وقال : هذا الحديث بهذا اللفظ لم أره.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٢ / ١٧٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٢ / ١٧١.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٠ / ١٦٦.

(٦) المجموع ٣ : ٨٥ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٢.

(٧) الاُم ١ : ٨٧ ، المجموع ٣ : ٨٥ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٢ و ١٤٣.

(٨) صحيح البخاري ١ : ١٥٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٩ / ٧٢٣ ، الموطأ ١ : ٦٩ / ٥.

٦٢

ج - لا فرق بين السفر والحضر‌ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أذّنت في أرض فلاة وأقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة ، وإن أقمت قبل أن تؤذن صلّى خلفك صف واحد »(١) .

مسألة ١٧٠ : يسقط الاذان والإِقامة في الجماعة الثانية‌ إذا لم تتفرق الجماعة الاولى عن المسجد ، وهو أحد قولي الشافعي(٢) ، لأنّهم مدعوون بالأذان الأول فإذا أجابوا كانوا كالحاضرين في المرة الاولى ، ومع التفرّق تصبر كالمستأنفة.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل قلت : الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم أيؤذّن ويقيم؟ قال : « إن كان دخل ولم يتفرق الصف صلّى بأذانهم وإقامتهم ، فإن كان الصف تفرق أذّن وأقام»(٣) .

وفي الآخر : يستحب مطلقاً - وبه قال أبو حنيفة(٤) - كما في الاُولى ، لكن لا يرفع الصوت دفعاً للالتباس ، وقال الحسن البصري ، والنخعي ، والشعبي : الأفضل لهم الإِقامة(٥) وأطلقوا ، وقال أحمد : إن شاؤا أذّنوا وأقاموا ، وإن شاءوا صلّوا من غير أذان ولا إقامة(٦) وأطلق.

مسألة ١٧١ : ويستحب في صلاة جماعة النساء أن تؤذن إحداهن وتقيم‌

____________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٢ / ١٧٣.

(٢) المجموع ٣ : ٨٥ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨١ / ١١٢٠.

(٤) فتح العزيز ٣ : ١٤٦ ، الجامع الصغير للشيباني : ٨٦.

(٥) المغني ١ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٧.

(٦) المغني ١ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٧.

٦٣

لكن لا تُسمع الرجال عند علمائنا - وهو أحد أقوال الشافعي(١) - ، لأنّ عائشة كانت تؤذن وتقيم(٢) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن المرأة تؤذن : « حسن إن فعلت »(٣) ولأنّه ذِكر في جماعة فاستحب كما في الرجال.

والثاني : لا يستحبان ؛ لأنّ الأذان للإِعلام ، وإنّما يحصل برفع الصوت(٤) .

والثالث : وهو الأصح عندهم ، استحباب الإِقامة خاصة ؛ لأنّها لاستفتاح الصلاة وانتهاض الحاضرين ، وبه قال جابر ، وعطاء ، ومجاهد ، والأوزاعي(٥) ، وقال أحمد : إن أذّن فلا بأس(٦) .

فروع :

أ - الاستحباب في حق الرجال‌ آكد.

ب - يجزيها التكبير والشهادتان‌ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن المرأة تؤذّن للصلاة : « حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر ، وأن تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن محمداً رسول الله »(٧) وسأل جميل بن درّاج‌

____________________

(١) المجموع ٣ : ١٠٠ ، الوجيزا : ٣٥ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٧ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٥ ، المغني ١ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٢٤ ، المحلى ٣ : ١٢٩.

(٢) سنن البيهقي ١ : ٤٠٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٢.

(٤) المجموع ٣ : ١٠٠ ، الوجيز ١ : ٣٥ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٧ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٥.

(٥) المجموع ٣ : ١٠٠ ، الوجيز ١ : ٣٥ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٦ ، السراج الوهاج : ٣٧ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٥ ، المغني ١ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٢٤.

(٦) المغني ١ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٢٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٢.

٦٤

الصادقعليه‌السلام عن المرأة أعليها أذان وإقامة؟ فقال : « لا »(١) .

ج - لو أذّنت للرجال لم يعتدّوا به‌ ؛ لأنّه عورة فالجهر منهي عنه ، والنهي يدلّ على الفساد - وبه قال الشافعي - لأنّ المرأة كما لم يجز أن تكون إماماً لم يجز أن تؤذّن للرجال(٢) .

وقال الشيخ في المبسوط : يعتدون به ويقيمون(٣) وليس بجيد ، نعم ، لو كانوا أقارب يجوز لهم سماع صوتهن ، فالوجه ما قاله الشيخ ، ونمنع الملازمة بين الأذان والإِمامة.

د - الخنثى المشكل لا يؤذن للرجال‌ لاحتمال أن يكون امرأة.

مسألة ١٧٢ : إذا سمع الإِمام أذان منفرد جاز أن يستغني به‌ عن أذان الجماعة ؛ لأنّ أبا مريم الأنصاري قال : صلّى بنا أبو جعفر الباقرعليه‌السلام في قميص بغير إزار ، ولا رداء ، ولا أذان ، ولا إقامة فلمـّا انصرف قلت له : صلّيت بنا في قميص بلا إزار ، ولا رداء ، ولا أذان ، ولا إقامة ، فقال : « قميصي كثيف فهو يجزي أن لا يكون عليَّ إزار ولا رداء ، وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فأجزأني ذلك »(٤) .

أما لو أذّن بنية الانفراد ثم أراد أن يصلّي جماعة استحب له الاستئناف ؛ لأن الصادقعليه‌السلام سئل عن رجل يؤذن ويقيم ليصلّي وحده ، فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعة. هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : « لا ولكن يؤذن ويقيم »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٥ / ١٨ ، التهذيب ٢ : ٥٧ / ٢٠٠.

(٢) الاُم ١ : ٨٤ ، المجموع ٣ : ١٠٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٤.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٩٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٦٨ ، التهذيب ٣ : ٢٨٢ / ٨٣٤.

٦٥

البحث الثالث : في المؤذن‌

مسألة ١٧٣ : يشترط في المؤذن العقل بإجماع العلماء‌ لعدم الاعتداد بعبارة المجنون ، والإِسلام بالإِجماع ، ولقولهعليه‌السلام : ( الإِمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ، اللهم ارشد الأئمة ، واغفر للمؤذنين)(١) والكافر لا يصح الاستغفار له. ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لا يجوز أن يؤذّن إلّا رجل مسلم عارف »(٢) .

والذكورة أيضاً شرط في حقّ الرجال وقد سلف ، أما البلوغ فلا يشترط مع التمييز عند علمائنا أجمع ، وبه قال عطاء ، والشعبي ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد في رواية(٣) ؛ لأن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال : كان عمومتي يأمرونني أن اُؤذّن لهم وأنا غلام ولم أحتلم ، وأنس ابن مالك شاهد ولم ينكر(٤) .

ومن طريق الخاصة قول عليعليه‌السلام : « لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم »(٥) ولأنّه ذكر تصح صلاته فاعتدّ بأذانه كالبالغ.

وقال أحمد في الاُخرى : لا يعتد به ؛ لأنه وضع للإِعلام فلا يصح منه لأنّه لا يقبل خبره ولا روايته ، والأذان أخف من الرواية والخبر(٦) ، وقال داود : لا يعتبر إذا أذّن للرجال(٧) ، أما غير المميز فلا عبرة بأذانه إجماعاً.

____________________

(١) سنن ابي داود ١ : ١٤٣ / ٥١٧ ، سنن الترمذي ١ : ٤٠٢ / ٢٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ / ١١٠١.

(٣) الوجيز ١ : ٣٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٨ ، شرح فتح القدير ١ : ٢١٦ ، المغني ١ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٨.

(٤) المغني ١ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٨.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٨ / ٨٩٦ ، التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٨١.

(٦) المغني ١ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٩.

(٧) اُنظر المجموع ٣ : ١٠٠ وفيه : انه لا يعتبر مطلقاً.

٦٦

مسألة ١٧٤ : ويعتد بأذان العبد إجماعا‌ لأن الألفاظ الدالة على الحث على الأذان عامة تتناول العبد كما تتناول الحر ، ولأنه يصح أن يكون إماماً فجاز أن يؤذّن ، والأقرب : اشتراط إذن مولاه ؛ إذ له منعه من العبادات المندوبة ، والأذان مندوب.

والمدبّر ، وأم الولد كالقن ، أمّا المكاتب فيحتمل مشاركته ؛ إذ ليس له التصرف في نفسه إلّا بالاكتساب ، والجواز لانقطاع ولاية المولى عنه.

مسألة ١٧٥ : ويستحب أن يكون عدلاً بالإِجماع‌ ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يؤذن لكم خياركم )(١) ولأنّه مُخبر عن الوقت فيكون عدلاً ليقبل إخباره ، ولأنه لا يؤمن من اطلاعه على العورات ، ويعتدّ بأذان مستور الحال إجماعاً لعدم العلم بفسقه.

وهل يعتد بأذان الفاسق؟ قال به علماؤنا ، والشافعي ، وعطاء ، والشعبي ، وابن أبي ليلى ، وأحمد في رواية ؛ لأنّه ذكر بالغ فاعتدّ بأذانه كالعدل ، وفي الاُخرى : لا يعتد به لأنّه شرّع للإِعلام ولا يحصل بقوله ؛ وشرع الإِعلام لا يقتضيه بل يقتضي النظر في الدخول وعدمه(٢) .

وهل يصح أذان السكران؟ الأقرب نعم إن كان محصلاً - وبه قال الشافعي(٣) - أما لو كان مخبطاً فالوجه عدم صحته كالمجنون ، وللشافعي وجهان(٤) .

وأما الملحن فلا يصح أذانه ، لأنّه معصية فلا يكون مأموراً به فلا يكون مجزياً عن المشروع ، وكان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مؤذّن يطرب ، فقال‌

____________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٦١ / ٥٩٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٠ / ٧٢٦.

(٢) المجموع ٣ : ١٠١ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٨ ، المغني ١ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٩.

(٣) المجموع ٣ : ١٠٠ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٩ ، حاشية إعانة الطالبين ١ : ٢٣١.

(٤) المجموع ٣ : ١٠٠ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٩.

٦٧

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنَّ الأذان سهل سمح ، فإن كان أذانك سهلاً سمحاً وإلّا فلا تؤذن )(١) وعن أحمد روايتان ، إحداهما : الجواز ؛ لحصول المقصود منه فكان كغير الملحن(٢) والفرق ظاهر للنهي عن الأول.

مسألة ١٧٦ : يستحب أن يكون بصيراً إجماعاً‌ فإن الأعمى لا يعرف الوقت فإن أذن صح فإن ابن اُمّ مكتوم كان يؤذّن للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يؤذن بعد بلال(٣) ، فتزول الكراهة إن تقدمه أذان بصير ، أو كان معه بصير عارف بالوقت.

وينبغي أن يكون المؤذن بصيراً بالأوقات لئلّا يغلط فيقدم الأذان على وقته أو يؤخره فإن أذن الجاهل صحّ كالأعمى إذا سدده غيره.

ويستحب أن يكون صيّتاً لعموم النفع به ، فإن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعبد الله بن زيد : ( ألقه على بلال فإنّه أندى منك صوتاً )(٤) أي أرفع ، ويستحب أن يكون حسن الصوت لأنّه أرق لسماعة.

مسألة ١٧٧ : يستحب أن يكون متطهراً إجماعاً ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( حقّ وسنّة أن لا يؤذن واحد إلّا وهو طاهر )(٥) ولأنه يستحب أن يصلّي عقيب الأذان ركعتين.

فإن أذّن جُنباً أو مُحدثاً أجزأه - وبه قال أكثر العلماء(٦) - لأن قوله عليه‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ١ : ٢٣٩ / ١١.

(٢) المغني ١ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٩ ، كشاف القناع ١ : ٢٤٥ ، زاد المستقنع : ١٠.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٢٨٧ / ٣٨١ ، سنن أبي داود ١ : ١٤٧ / ٥٣٥.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٢ / ٧٠٦ ، سنن الدارمي ١ : ٢٦٩ ، سنن ابي داود ١ : ١٣٥ / ٤٩٩ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩١.

(٥) سنن البيهقي ١ : ٣٩٧.

(٦) المغني ١ : ٤٥٨ - ٤٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٦.

٦٨

السلام : ( حق وسنّة )(١) يعطي الندب.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن تؤذّن وأنت على غير طهور ، ولا تقيم إلّا وأنت على وضوء »(٢) .

وعن عليعليه‌السلام : « ولا بأس أن يؤذّن المؤذّن وهو جنب ، ولا يقيم حتى يغتسل »(٣) .

وقال أحمد ، وإسحاق بن راهويه : لا يعتدّ بأذان غير المتطهر ؛ لأنّه ذِكْر يتقدم الصلاة فافتقر الى الطهارة كالخطبة(٤) .

ونمنع الأصل ، ويفرّق بوجوبها وإقامتها مقام الركعتين.

إذا ثبت هذا فإذا أذّن الجنب لم يقف في المسجد فإن أذّن فيه مقيماً فالوجه عدم الاعتداد به للنهي ، واستحباب الطهارة من الجنابة آكد من الحدث.

فروع :

أ - لو أحدث في حال(٥) الأذان‌ تطهر وبنى.

ب - الطهارة في الإِقامة أشد لأنّها أقرب الى الصلاة‌ ، والإِقامة مع الجنابة أشدّ كراهة من الحدث ، وليست شرطاً فيها - وبه قال الشافعي(٦) - لأن الأصل الجواز.

____________________

(١) سنن البيهقي ١ : ٣٩٢ و ٣٩٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٨ - ٨٩٦ ، التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٨١.

(٤) المغني ١ : ٤٥٨ - ٤٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٦ ، المجموع ٣ : ١٠٥.

(٥) في نسخة ( م ) : خلال.

(٦) المجموع ٣ : ١٠٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٩١ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٨.

٦٩

وقال المرتضى : الطهارة شرط في الإِقامة(١) لقول الصادقعليه‌السلام : « ولا تقيم إلّا وأنت على وضوء »(٢) .

ج - لو أحدث في خلال الإِقامة‌ استحب له استئنافها.

مسألة ١٧٨ : يستحب أن يكون مستقبل القبلة حال الأذان‌ بإجماع العلماء لأنّ مؤذّني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يستقبلون القبلة(٣) ، وقالعليه‌السلام : ( خير المجالس ما استقبل به القبلة )(٤) فإن أذّن غير مستقبل جاز إجماعاً لحصول المقصود.

فروع :

أ - الاستقبال في الإِقامة أشدّ‌ ، وأوجبه المرتضى(٥) ، وهو ممنوع للأصل.

ب - يكره الالتفات به يميناً وشمالاً سواء كان في المأذنة أو على الأرض - عند علمائنا - في شي‌ء من فصوله - وبه قال ابن سيرين(٦) - لأنه ذكر مشروع يتقدم الصلاة فلا يستحب فيه الالتفات كالخطبة ، ولمنافاته الاستقبال.

وقال الشافعي : يستحب للمؤذّن أن يلتوي في قوله : حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، برأسه وعنقه ، ولا يدير بدنه سواء كان في‌

____________________

(١) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٣٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٩.

(٣) المغني ١ : ٤٧٢ ، كشاف القناع ١ : ٢٣٩.

(٤) الغايات : ٨٧ والكامل لابن عدي ٢ : ٧٨٥ ، كنز العمال ٩ : ١٣٩ / ٢٥٤٠١ و ١٤٠ - ٢٥٤٠٣.

(٥) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٣٠.

(٦) المجموع ٣ : ١٠٧.

٧٠

المأذنة أو لا(١) ، لأن بلالاً أذّن ولوى عنقه يميناً وشمالاً عند الحيّعلتين(٢) . وفعله ليس حجة.

وقال أحمد : إن كان على المنارة فعل ذلك وإلّا فلا(٣) . وقال أبو حنيفة : إن كان فوق المنارة استدار بجميع بدنه ، وإن كان على الأرض لوى عنقه ؛ لأنّ بلالاً دار في المأذنة(٤) . وفعله ليس حجة.

ج - يستحب أن يضع إصبعيه في اُذنيه حالة الأذان‌ - وبه قال الشافعي(٥) - لأن بلالاً وضع يديه في أُذنيه(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « السنّة أن تضع إصبعيك في أذنيك في الأذان »(٧) .

وقال أحمد : يستحب أن يجعل أصابعه مضمومة على اُذنيه(٨) .

مسألة ١٧٩ : ويستحب أن يكون قائماً إجماعاً‌ ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( يا بلال قم فناد بالصلاة )(٩) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « لا يؤذّن جالساً إلّا راكب‌

____________________

(١) المجموع ٣ : ١٠٧ ، الوجيز ١ : ٣٦ ، فتح العزيز ٣ : ١٧٥ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٤.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٤٤ / ٥٢٠ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٥.

(٣) المغني ١ : ٤٧٣ ، كشاف القناع ١ : ٢٤٠ ، الإِنصاف ١ : ٤١٦ ، المحرر في الفقه ١ : ٣٨.

(٤) شرح فتح القدير ١ : ٢١٣ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٩ ، اللباب ١ : ٦٠ ، حلية العلماء ٢ : ٣٨.

(٥) المجموع ٣ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٣ : ١٩٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٤.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٦ - ٧١١ ، سنن الترمذي ١ : ٣٧٥ - ١٩٧ ، مسند أحمد ٤ : ٣٠٨.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٤ / ٨٧٣ ، التهذيب ٢ : ٢٨٤ / ١١٣٥.

(٨) المغني ١ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٨ ، الإِنصاف ١ : ٤١٧ ، النكت والفوائد السنيّة ١ : ٣٨.

(٩) صحيح مسلم ١ : ٢٨٥ / ٣٧٧ ، سنن النسائي ٢ : ٣ ، سنن الترمذي ١ : ٣٦٣ / ١٩٠.

٧١

أو مريض »(١) ولأنه أبلغ لصوته.

وأن يكون على مرتفع إجماعاً ، لأنه أبلغ لصوته ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « كان طول حائط مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قامة فكانعليه‌السلام يقول لبلال إذا دخل الوقت : يا بلال اُعْلُ فوق الجدار وارفعِ صوتك بالأذان فإن الله تعالى قد وكّل بالأذان ريحاً ترفعه الى السماء ، فإنّ الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا : هذه أصوات اُمّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بتوحيد الله عزّ وجلّ ، ويستغفرون لاُمّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يفرغوا من تلك الصلاة »(٢) .

قال الشيخ : يكره الأذان في الصومعة(٣) . وسأل علي بن جعفر أخاه موسىعليه‌السلام عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال : « إنما كان يؤذّن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأرض ولم يكن يومئذٍ منارة »(٤) .

فروع :

أ - يجوز أن يؤذّن جالساً إجماعاً ؛ لأنّ الأذان غير واجب فلا تجب هيئته ، ولقول محمد بن مسلم قلت : يؤذّن الرجل وهو قاعد؟ قال : « نعم »(٥) .

ب - القيام في الإِقامة أشد استحباباً ؛ لقول العبد الصالحعليه‌السلام : « ولا يقيم إلّا وهو قائم»(٦) .

ج - يجوز أن يؤذّن راكباً وماشياً ، وتركه أفضل‌ ، ويتأكد في الإِقامة‌

____________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٧ / ١٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ / ١١٢٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٧ / ٣١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ / ٢٠٦ ، المحاسن : ٤٨ / ٦٧.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٩٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٤ / ١١٣٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ / ١١١٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ / ١١١٩.

٧٢

لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يؤذن راكباً ، أو ماشياً ، أو على غير وضوء ولا تقيم وأنت راكب ، أو جالس إلّا من علّة ، أو تكون في أرض ملصَّة »(١) .

د - يستحب له أن يستقبل القبلة حال تشهده‌ ؛ لقول أحدهماعليهما‌السلام وقد سُئل عن الرجل يؤذّن وهو يمشي وعلى ظهر دابته وعلى غير طهور فقال : « نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس »(٢) .

ه- لا بأس أن يقيم وهو ماش إلى الصلاة‌ ، لأن الصادقعليه‌السلام سُئل اؤذن وأنا راكب؟ فقال : « نعم » فقلت : فأقيم وأنا راكب؟ فقال : « لا » فقلت : فأقيم وأنا ماش؟ فقال : « نعم ماش الى الصلاة » قال : ثم قال لي : « إذا أقمت فأقم مترسلاً فإنك في الصلاة » فقلت له : قد سألتك أقيم وأنا ماش فقلت لي : نعم ، أفيجوز أن أمشي في الصلاة؟ قال : « نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت وأنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك »(٣) .

مسألة ١٨٠ : لا يختص الأذان بقبيل بل يستحب لمن جمع الصفات‌ عند علمائنا لتواتر الأخبار على الحث عليه مطلقاً ، فلا يتقيد إلّا بدليل.

وقال الشافعي : اُحب أن يجعل الأذان إلى أولاد المؤذنين في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كأولاد أبي محذورة ، وسعد القرظ ، فإن انقرضوا ففي أولاد أحد الصحابة(٤) .

فإن تشاح اثنان(٥) في الأذان قال الشيخ : يقرع(٦) لقول النبيّ صلّى الله‌

____________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٣ - ٨٦٨ ، التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٧٨ ، التهذيب ٢ : ٥٦ / ١٩٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٧ / ١٩٨.

(٤) المجموع ٣ : ١٠٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٤.

(٥) في « ش » : نفسان. بدل اثنان.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ٩٨.

٧٣

عليه وآله : ( لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلّا أن يستهموا عليه لفعلوا )(١) فدل على جواز الاستهام فيه.

وهذا القول جيّد مع فرض التساوي في الصفات المعتبرة في التأذين ، وإن لم يتساووا قدم من كان أعلا صوتاً ، وأبلغ في معرفة الوقت ، وأشد محافظة عليه ، ومن يرتضيه الجيران ، وأعف عن النظر.

فروع :

أ - يجوز أن يؤذّن جماعةٌ في وقت واحد‌ ، كلّ واحد في زاوية عملاً باستحباب عموم الأذان ، وانتفاء المانع ، وظاهر كلام الشافعي ذلك(٢) ، وفي قول بعض أصحابه : لا يتجاوز أربعة ، لأنّ عثمان اتخذ أربعة مؤذنين(٣) ، ولا مانع فيه من الزيادة.

ب - قال الشيخ في المبسوط : إذا كانوا اثنين جاز أن يؤذنوا في موضع واحد‌

فإنه أذان واحد ، فأما إذا أذن واحد بعد الآخر فليس ذلك بمسنون(٤) وهو جيد ، لما فيه من تأخير الصلاة عن وقتها ، نعم لو احتيج الى ذلك لانتظار الإِمام ، أو كثرة المأمومين فالوجه الجواز.

ج - يكره التراسل‌ وهو أن يبني أحدهما على فصول الآخر.

د - لا ينبغي أن يسبق المؤذن الراتب بل يؤذن بعده‌ ، لأنّ أبا محذورة ، وبلالاً لم يسبقهما أحد فيه.

ه- يجوز أن يؤذن واحد ويقيم غيره‌ - وبه قال أبو حنيفة ، ومالك(٥) - لأن‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٥٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣٢٥ / ٤٣٧ ، سنن النسائي ٢ : ٢٣ ، الجامع الصغير ٢ : ٤٤٠ / ٧٥٠٢.

(٢) المجموع ٣ : ١٢٣ ، فتح العزيز ٣ : ١٩٩.

(٣) المجموع ٣ : ١٢٣ ، فتح العزيز ٣ : ١٩٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٦ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٥.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٩٨.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ١٥١ ، المنتقى للباجي ١ : ١٣٨ ، القوانين الفقهية : ٥٤ ، الحجة على أهل المدينة ١ : ٧٨ ، المجموع ٣ : ١٢٢ ، المغني ١ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٨.

٧٤

بلالاً أذّن ، وأقام عبد الله بن زيد(١) .

ومن طريق الخاصة ما روي أنّ الصادقعليه‌السلام كان يقيم بعد أذان غيره ، ويؤذّن ويقيم غيره(٢) .

وقال الشافعي ، وأحمد ، والثوري ، والليث ، وأبو حنيفة في رواية : يستحب أن يتولاهما الواحد لأنهما فصلان من الذكر يتقدمان الصلاة فيسن أن يتولاهما الواحد كالخطبتين(٣) . والفرق ظاهر.

و - يجوز أن يفارق موضع أذانه ثم يقيم‌ عملا بالأصل ، ولأن الأذان يستحب في المواضع المرتفعة ، والإِقامة في موضع الصلاة. وقال أحمد : يستحب أن يقيم موضع أذانه ولم يبلغني فيه شي‌ء(٤) . وإذا لم يبلغه فيه شي‌ء كيف يصير إلى ما ذهب إليه؟!

ز - لا يقيم حتى يأذن له الإمام‌ ، لأن علياًعليه‌السلام قال : « المؤذن أملك بالأذان ، والإمام أملك بالإِقامة »(٥) .

ح - قال الشيخ : إذا أذن في مسجد جماعة دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافياً لكلّ من يصلّي تلك الصلاة في ذلك المسجد‌ ، ويجوز أن يؤذن ويقيم‌

____________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٤٢ / ٥١٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٦ / ٢٥ ، التهذيب ٢ : ٢٨١ - ١١١٧.

(٣) المجموع ٣ : ١٢٢ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٦٦ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٨ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥١.

(٤) المغني ١ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٩ ، الانصاف ١ : ٤١٨ ، كشاف القناع ١ : ٢٣٩.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٤١٤.

٧٥

فيما بينه وبين نفسه(١) .

ط - يكره أذان اللّاحن لأنّه ربما غيَّر المعنى‌ ، فإذا نصب ( رسول الله ) أخرجه عن الخبريّة ، ولا يمدّ ( أكبر ) لأنه يصير جمع كبر وهو الطبل(٢) ولا يسقط الهاء من اسمه تعالى ، واسم الصلاة ، ولا الحاء من الفلاح ، قالعليه‌السلام : ( لا يؤذن لكم من يدغم الهاء ) قلنا : وكيف يقول؟ قال : يقول : ( أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمداً رسول الله )(٣) .

وإن كان ألثغ غير متفاحش جاز أن يؤذن ، فإن بلالاً كان يجعل الشين سينا.

البحث الرابع : في الأحكام‌

مسألة ١٨١ : الأذان والإِقامة مستحبان في جميع الفرائض اليومية‌ للمنفرد والجامع على أقوى الأقوال - وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة(٤) - لأنّ عبد الله بن عمر صلّى بغير أذان ولا إقامة(٥) .

ومن طريق الخاصة ما تقدم في حديث الباقرعليه‌السلام حيث صلّى لمـّا سمع مجتازاً أذان الصادقعليه‌السلام (٦) .

ولأن الأصل عدم الوجوب. ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٩٨.

(٢) المصباح المنير : ٥٢٤ ، مجمع البحرين ٣ : ٤٦٩ « كبر ».

(٣) حكاه ابن قدامة في المغني ١ : ٤٧٩ عن الدارقطني في الافراد.

(٤) المجموع ٣ : ٨٢ ، فتح العزيز ٣ : ١٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٧ ، اللباب ١ : ٥٩ ، المغني ١ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٧ ، نيل الأوطار ٢ : ١٠.

(٥) نسب ذلك الى عبد الله بن مسعود ، اُنظر مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٢٢٠ ، صحيح مسلم ١ : ٣٧٨ / ٥٣٤ ، سنن البيهقي ١ : ٤٠٦ ، سنن النسائي ٢ : ٤٩ - ٥٠.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٣.

٧٦

للأعرابي المسي‌ء في صلاته : ( إذا أردت صلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة فكبّر )(١) ولم يأمره بالأذان.

وقال السيد المرتضى ، وابن أبي عقيل : بوجوب الأذان والإِقامة في الغداة والمغرب(٢) لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تصلِّ الغداة والمغرب إلّا بأذان وإقامة »(٣) وهو محمول على الاستحباب ، ومعارض بقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الإِقامة بغير أذان في المغرب فقال : « ليس به بأس وما اُحب يعتاد »(٤) .

وقال السيد : يجبان فيهما سفراً وحضراً(٥) . وهو ممنوع ؛ لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الرجل هل يجزيه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ : « نعم لا بأس به »(٦) .

وقال السيد المرتضى ، وابن أبي عقيل : تجب الإِقامة على الرجال في جميع الصلوات(٧) لقول الصادقعليه‌السلام : « يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان »(٨) ومفهوم الإِجزاء الوجوب. وهو ممنوع فإن الإِجزاء كما يأتي في الصحة يأتي في الفضيلة.

وقال الشيخان ، والمرتضى : يجبان في صلاة الجماعة(٩) لقول‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٢ : ٣٧٢ - ٣٧٣.

(٢) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٢٩ ، وحكى قول ابن أبي عقيل المحقق في المعتبر : ١٦٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٥١ / ١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ / ١١٠٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٥١ / ١٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ / ١١٠٨.

(٥) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٢٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٢ / ١٧١.

(٧) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٢٩ ، وحكى قول ابن أبي عقيل المحقق في المعتبر : ١٦٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٥٠ / ١٦٦.

(٩) المقنعة : ١٥ ، المبسوط للطوسي ١ : ٩٥ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٢٩.

٧٧

أحدهماعليهما‌السلام : « إن صليت جماعة لم يجزئ إلاّ أذان وإقامة »(١) وهو محمول على شدة الاستحباب ، وللشيخ قول في الخلاف : أنّهما مستحبان في الجماعة أيضاً ، واستدل بأصالة براءة الذمة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) ، وهو الحق عندي.

وقال أبو سعيد الإِصطخري من الشافعية : بأنّ الأذان من فروض الكفاية ، فإن وقع في قرية كفى الواحد ، وفي البلد يجب في كلّ محلّة ، وإن اتفق أهل بلد على تركه قاتلهم الإِمام(٤) .

وقال داود بوجوب الأذان والإِقامة على الأعيان إلّا أنهما ليسا بشرط في الصلاة(٥) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لمالك بن الحويرث ولصاحبه ( إذا سافرتما فأذّنا وأقيما وليؤمكما أكبركما )(٦) والأمر للوجوب. وهو ممنوع.

وقال أحمد : إنّه فرض على الكفاية(٧) . وقال الأوزاعي : من نسي الأذان أعاد في الوقت(٨) ، وقال عطاء : من نسي الإِقامة أعاد الصلاة(٩) .

مسألة ١٨٢ : لا يجوز الأذان قبل دخول الوقت‌ في غير الصبح بإجماع علماء الإِسلام ، لأنّه وضع للإِعلام بدخول الوقت فلا يقع قبله.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٥٠ / ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ / ١١٠٥.

(٢) الخلاف ١ : ٢٨٤ مسألة ٢٨.

(٣) المجموع ٣ : ٨٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٢ ، فتح العزيز ٣ : ١٣٥ ، عمدة القارئ ٥ : ١٠٥.

(٤) المجموع ٣ : ٨١ - ٨٢ ، فتح العزيز ٣ : ١٣٩.

(٥) المجموع ٣ : ٨٢ ، حلية العلماء ٢ : ٣١.

(٦) سنن النسائي ٢ : ٩ ، سنن الترمذي ١ : ٣٩٩ / ٢٠٥ ، مسند أحمد ٣ : ٤٣٦.

(٧) المغني ١ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٢٤ ، الإِنصاف ١ : ٤٠٧ ، المحرر في الفقه ١ : ٣٩ ، المجموع ٣ : ٨٢ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٠.

(٨) المغني ١ : ٤٦١ ، المجموع ٣ : ٨٢.

(٩) المجموع ٣ : ٨٢ ، المغني ١ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٢٥.

٧٨

أمّا في صلاة الصبح فيجوز تقديمه رخصة لكن يعاد بعد طلوعه - وبه قال الشافعي ، ومالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، وأبو يوسف(١) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )(٢) .

ومن طريق الخاصة مثل ذلك رواه الصدوق ، إلّا أنه قال : « إن ابن اُم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال » قال : وكان ابن أم مكتوم يؤذن قبل الفجر وبلال بعده ، فغيّرت العامة النقل(٣) .

وقول الصادقعليه‌السلام وقد قال له ابن سنان : إن لنا مؤذناً يؤذن بليل : « إن ذلك ينفع الجيران لقيامهم الى الصلاة ، وأما السنّة فإنه ينادي من طلوع الفجر »(٤) . ولأن فيه تنبيهاً للنائمين ، ومنعاً للصائمين عن التناول ، واحتياطهم في الوقت.

وقال أبو حنيفة ، والثوري : لا يجوز إلّا بعد طلوع الفجر(٥) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لبلال : ( لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر )(٦) ، ولأنّها صلاة فلا يقدم أذانها كغيرها من الصلوات.

ويحتمل أنّهعليه‌السلام أراد الأذان الثاني ، وهذه الصلاة تخالف سائر‌

____________________

(١) المجموع ٣ : ٨٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٢ ، أقرب المسالك : ١٣ ، بلغة السالك ١ : ٩٢ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٧ ، المغني ١ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٤ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٤.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٠ ، سنن الترمذي ١ : ٣٩٤ / ٢٠٣ ، مسند أحمد ٢ : ٩ و ٥٧ و ٦ : ٤٤ و ٥٤.

(٣) الفقيه ١ : ١٩٤ / ٩٠٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٧.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٥ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٤ ، الحجة على أهل المدينة ١ : ٧١ ، المجموع ٣ : ٨٩ ، المغني ١ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤١ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٢.

(٦) سنن أبي داود ١ : ١٤٧ - ٥٣٤ ، كنز العمال ٧ : ٦٩٣ / ٢٠٩٥٩ و ٦٩٦ / ٢٠٩٧٥.

٧٩

الصلوات لدخول وقتها والناس نيام.

واستحب علماؤنا إعادته بعد الفجر ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « وأما السنّة فإنه ينادى من طلوع الفجر »(١) ولأن الأول يعلم به قرب الوقت ، والثاني دخوله ، لئلّا يتوهم بذلك طلوع الفجر.

فروع :

أ - لا ينبغي تقديمه بزمان طويل لئلّا يفوت المقصود منه‌ وهو الاستعداد للصلاة طلباً لفضيلة أول الوقت ، وقد روي أن بين أذان بلال وابن اُم مكتوم أن ينزل هذا ويصعد هذا(٢) .

وقال الشافعي : يجوز بعد نصف الليل ، وبه قال أحمد(٣) .

ب - لا يشترط أن يكون معه مؤذن آخر‌ بل لو كان المؤذن واحداً استحب له إعادته بعد الفجر ، وإن أراد الاقتصار على المرة أذّن بعده ، وقال أحمد : يشترط كبلال وابن اُم مكتوم(٤) . وهو اتفاقي.

ج - ينبغي أن يجعل المقدم أذانه في وقت واحد‌ ليعلم الناس عادته فيعرفوا الوقت بأذانه.

د - لا يكره قبل الفجر في رمضان‌ لأنّ بلالاً كان يفعل ذلك(٥) ، وقال‌

____________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٣ - ١٧٧.

(٢) مسند الطيالسي : ٢٣١ / ١٦٦١.

(٣) المجموع ٣ : ٨٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٩ ، المغني ١ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٣ ، الإِنصاف ١ : ٤٢٠ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٤.

(٤) المغني ١ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٣ ، الإِنصاف ١ : ٤٢٠.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٦٠ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٦٨ / ١٠٩٢ ، سنن النسائي ٢ : ١٠ ، سنن الترمذي ١ : ٣٩٢ / ٢٠٣. مسند الطيالسي : ٢٣١ / ١٦٦١ ، مسند أبي عوانة ١ : ٣٧٣ ، مسند أحمد ٢ : ٩ و ٥٧ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٧ ، المحرر في الحديث ١ : ١٦٩ / ١٩٠.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

العامّة يجوّز البناء على ما تقدّم مطلقاً(١) .

إذا ثبت هذا ، فالنفساء بحكم الحائض ؛ لأنّ النفاس في الحقيقة حيض ، وأمّا المستحاضة فإنّها بمنزلة الطاهر يجوز لها الاعتكاف مع الأغسال.

قالت عائشة : اعتكفَتْ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، امرأة من أزواجه مستحاضة ، فكانت ترى الحمرة والصفرة ، وربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلّي(٢) .

فإن لم يمكن صيانة المسجد عن التلويث ، خرجت ، لأنّه عذر ، فإن كان الزمان يسيراً جدّاً كقضاء الحاجة ، بَنَتْ على ما فَعَلَتْ وحسبت زمان الخروج من الاعتكاف ، كزمان قضاء الحاجة.

وقال الشافعي : إن كانت المدّة المنذورة طويلةً لا تخلو عن الحيض غالباً ، لم ينقطع التتابع ، بل تبني إذا طهرت ، كما لو حاضت في صوم الشهرين عن الكفّارة.

وإن كانت بحيث تخلو عن الحيض ، فقولان : أحدهما : أنّه لا ينقطع به التتابع ؛ لأنّ جنس الحيض متكرّر بالجبلة ، فلا يؤثّر في التتابع ، كقضاء الحاجة. وأظهرهما : ينقطع ؛ لأنّها بسبيل أن تشرع كما لو طهرت(٣) .

مسألة ٢٢١ : إذا طلّقت المعتكفة رجعيّاً ، خرجت من اعتكافها إلى منزلها‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لقوله تعالى :( لا

____________________

(١) المغني ٣ : ١٢٥ و ١٥٣ و ١٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢٥ و ١٤٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٦٤ - ٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٣٤ - ٢٤٧٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٣٤ ، المجموع ٦ : ٥١٩.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٥٣٨ - ٥٣٩ ، وقالا به في المتوفّى عنها زوجها في المغني ٣ : ١٥١ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤٧.

٣٠١

تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ ) (١) .

ولأنّ الاعتداد في بيتها واجب فلزمها الخروج إليه ، كالجمعة في حقّ الرجل.

وقال ربيعة ومالك وابن المنذر : تمضي في اعتكافها حتى تفرغ منه ثم ترجع إلى بيت زوجها فتعتدّ فيه ؛ لأنّ الاعتكاف المنذور واجب ، والاعتداد في بيت الزوج واجب ، وقد تعارضا ، فيقدّم الأسبق(٢) .

وينتقض : بالخروج إلى الجمعة وسائر الواجبات.

أمّا استئناف الاعتكاف فإنّه يصحّ على تقدير أن يكون الاعتكاف واجباً ولم يشترط الرجوع.

مسألة ٢٢٢ : إذا مرض المعتكف مرضاً يخاف منه تلويث المسجد‌ ، كإدرار البول وانطلاق البطن والجرح السائل ، فإنّه يخرج منه إجماعاً صيانةً للمسجد عن النجاسة ، وإذا برئ بنى على اعتكافه ، ولا يبطل ما تقدّم إلّا أن يكون أقلّ من ثلاثة أيام عندنا. وينقطع به التتابع.

والمشهور عند الشافعية أنّه لا ينقطع التتابع ؛ لاضطراره إليه ، كالخروج للحيض(٣) .

وللشافعي قول آخر : إنّه ينقطع(٤) .

فإن كان المرض خفيفاً يمكنه معه المقام في المسجد ، ولا يتضرّر بالصوم ، وجب عليه إكمال اعتكافه الواجب ، ويستحب إتمام المندوب ، فإن خرج فيهما ، بطل اعتكافه ، وذلك كوجع ضرس وصداع يسير وما أشبهه ممّا لا يوجب الإِفطار.

____________________

(١) الطلاق : ١.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ٢٣١ ، المغني ٣ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٧ - ١٤٨ ، وفيهما قالوا به في المتوفّى عنها زوجها.

(٣ و ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٥٣٦ ، المجموع ٦ : ٥١٧.

٣٠٢

وإن كان المرض ثقيلاً يفتقر معه إلى الإِفطار ، ويحتاج إلى الفراش والطبيب والمعالجة ، خرج إجماعاً فإذا بري‌ء أتمّ اعتكافه إن كان قد اعتكف أوّلاً ثلاثة أيّام فما زاد ، وإلّا وجب عليه الاستئناف.

وللشافعي قولان : أحدهما : أنّه لا ينقطع به التتابع ؛ لدعاء الحاجة إليه ، فصار كالخروج لقضاء الحاجة.

والثاني : أنّه ينقطع ؛ لأنّ المرض لا يغلب عروضه ، بخلاف قضاء الحاجة والحيض ، فإنّه يتكرّر غالباً ، فيجعل كالمستثنى لفظاً(١) .

إذا عرفت هذا ، فالاعتكاف إن كان مندوباً ، خرج المريض إلى بيته ، ولا يجب قضاؤه ، وإن كان واجباً ، فإن كان ثلاثة لا غير ، استأنف الاعتكاف ، لأنّ ما بقي أقلّ من ثلاثة وكذا ما مضى ، فالماضي لا يجزئه عنه وكذا الباقي.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة ، فإنّه يأتي بيته ثم يعيد إذا بري‌ء ويصوم »(٢) .

وإن كان أكثر من ثلاثة ، فإن كان قد حصل العارض بعد الثلاثة خرج ، فإذا عاد بنى ، فإن كان الباقي ثلاثة أيضاً فما زاد ، أتى به ، وإن كان أقلّ ، ضمّ إليه ما يكمله ثلاثة.

وإن حصل العارض قبل انقضاء الثلاثة ، فالأقرب الاستئناف.

مسألة ٢٢٣ : إذا اعتكف في المسجد الحرام فأحرم بحجّ أو عمرة حالة اعتكافه‌ ، لزمه الإِحرام ، ويقيم في معتكفة إلى أن يتمّ ثم يمضي في إحرامه ؛ لأنّها عبادة تبطل بالخروج لغير ضرورة ولا ضرورة هنا.

ولو خاف فوت الحجّ ، ترك الاعتكاف ، ومضى في الحج ، فإذا فرغ‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٥ - ٥٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥١٧.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ / ٨٩٣.

٣٠٣

استأنف واجباً إن كان الاعتكاف واجباً ولم تمض ثلاثة ، وإلّا ندباً ؛ لأنّ الخروج حصل باختياره ؛ لأنّه كان يسعه أن يؤخّر الاعتكاف.

ولو نذر أن يعتكف في المسجد الحرام ، فإن كان فيه ، اعتكف ، وإن كان بعيداً عنه ، دخل إليه ولم يدخله إلّا بنسك إمّا حجّ أو عمرة.

ولو اُغمي على المعتكف أيّاماً ثم أفاق ، قال الشيخ : لم يلزمه قضاؤه ؛ لعدم الدليل عليه(١) .

ولو وقعت فتنة خاف منها على نفسه أو ماله نهباً أو حريقاً إن قعد في المسجد ، فله ترك الاعتكاف ؛ لأنّ الله تعالى أباح ترك الجمعة الواجبة وطهارة الماء بذلك فأولى أن يباح لأجله ترك ما أوجبه على نفسه.

وقد روي عن الصادقعليه‌السلام : « إن واقعة بدر كانت في شهر رمضان ، فلم يعتكف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمـّا أن كان من قابل اعتكف عشرين يوماً ، عشرة لعامه وعشرة قضاءً لما فاته »(٢) وإذا جاز ترك الاعتكاف من أصله فكذا في أثنائه.

مسألة ٢٢٤ : لو خرج المعتكف من المسجد سهواً ، لم يبطل اعتكافه‌ ولا تتابعه - وهو أحد قولي الشافعية(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان )(٤) .

ولأنّه فعل المنهي عنه ناسياً ، فلا يقتضي فساد العبادة كالأكل في الصوم وغيره من المفطرات.

والثاني للشافعية : أنّه يبطل التتابع ؛ لأنّ اللبث مأمور به ، والنسيان‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ / ٥١٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥٢١ ، الوجيز ١ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٦.

(٤) كنز العمال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

٣٠٤

ليس بمعذّر في ترك المأمورات(١) .

وهو ممنوع ، وللحنابلة قولان(٢) كهذين.

مسألة ٢٢٥ : لو اُكره على الخروج ، فإن طال زمانه ، بطل اعتكافه‌ ؛ لانتفاء المسمّى ، ولو لم يَطُلْ لم يبطل بل يبني مع العود ؛ لقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )(٣) .

وللشافعي قولان ، أحدهما : بطلان الاعتكاف وانقطاع التتابع بالإِكراه على الخروج. والثاني : عدم البطلان(٤) .

ولو أخرجه السلطان ، فإن كان ظلماً ، مثل أن يطالبه بما ليس عليه أو بما لَهُ عليه وهو معسر ، لم يبطل اعتكافه إلّا مع طول الزمان ، وإن أخرجه بحقّ ، مثل إقامة حدّ أو استيفاء دَيْن يتمكّن من أدائه ، بطل اعتكافه واستأنف.

وبه قال الشافعي في المال خاصّة دون الحدّ ؛ لأنّ التقصير منه في المال ، وأحوج نفسه إلى الإِخراج مع تمكّنه من تركه ، فكان كمن يخرج مختاراً.

أمّا في الحدّ : فلأنّه مكره على الخروج إن ثبت بالبيّنة ، وإن ثبت بإقراره انقطع تتابعه ، ونصّ في الثابت بالبيّنة أنّه لا ينقطع تتابعه(٥) .

وفرّق بينه وبين إقامة الشهادة : أنّ الشهادة إنّما تتحمّل لتؤدّي ، فاختياره للتحمّل اختيار للأداء ، والجريمة الموجبة للحدّ لا يرتكبها المـُجْرم ليُقام عليه‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥٢١ ، الوجيز ١ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٦.

(٢) المغني ٣ : ١٣٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٣.

(٣) تقدمت الإِشارة إلى مصدره في الصفحة السابقة ، الهامش (٤).

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥٢١ ، الوجيز ١ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٥.

(٥) المجموع ٦ : ٥٢٢ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٧ و ٥٣٨.

٣٠٥

الحدّ ، فلم تحصل باختياره ولا اعتبار باختيار السبب(١) .

وينتقض : بأداء الشهادة إذا كان مختاراً في تحمّلها ، فإنّه يبطل اعتكافه عنده لو خرج لأدائها مضطرّاً.

ولو حُمل فاُخرج فكالمضطرّ.

وقال الشافعي : لا يبطل ، كما أنّه لو وُجر الصائم الطعام لا يبطل صومه(٢) .

مسألة ٢٢٦ : الأعذار المبيحة للخروج إذا لم تقتض بطلان الاعتكاف لا يجب قضاء أوقاتها‌ على الأقوى ؛ لأنّه كالمستثنى.

وقال الشافعي : يجب قضاؤها إلّا وقت قضاء الحاجة.

وهل يجب تجديد النيّة عند العود؟ أمّا إذا خرج لقضاء الحاجة فلا ، وكذا ما لا بدّ منه ، كالخروج للاغتسال والأذان إذا جوّزنا الخروج إليه.

أمّا ما منه بدّ فوجهان ، أحدهما : أنّه يجب ؛ لأنّه خرج عن العبادة بما عرض. والأظهر : عدم الوجوب ؛ لشمول النيّة جميع المدّة(٣) .

مسألة ٢٢٧ : يستحب للمعتكف أن يشترط على ربّه في الاعتكاف أنّه إن عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف‌ ، بإجماع العلماء - إلّا ما حكي عن مالك أنّه قال : لا يصح الاشتراط(٤) - لأنّه عبادة في إنشائها الخيرة ، فله اشتراط الرجوع مع العارض كالحجّ. ولأنّه عبادة يجب بعقده ، فكان الشرط إليه فيه كالوقف. ولأنّ الاعتكاف لا يختص بقدر ، فإذا شرط الخروج ، فكأنّه نذر القدر الذي أقامه.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥٢١ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٧.

(٣) المجموع ٦ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ و ٥٤١ - ٥٤٢.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٢٢٨ و ٢٢٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٨٠ - ٨١ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٣٥ ، المغني ٣ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٥٢٠.

٣٠٦

وقد قال الصادقعليه‌السلام : « واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك ( إنّ ذلك في )(١) اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر الله »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يُحْرم »(٣) .

واحتجّ مالك : بأنّه شرط في العبادة ما ينافيها ، فلا يصح ، كما لو شرط الجماع أو الأكل في الصلاة(٤) .

ونمنع شرط المنافي ، بل هو بمنزلة مَنْ شرط الاعتكاف في زمان دون زمان ، وهو صحيح ، بخلاف أصله ، لأنّه شرط أن يأتي بمنهي عنه في العبادة فلم يجز.

مسألة ٢٢٨ : قال الشيخ : إذا اشترط المعتكف على ربّه أنّه إن عرض له عارض رجع فيه‌ ، فله الرجوع أيّ وقت شاء ما لم يمض له يومان ، فإن مضى له يومان ، وجب الثالث ، وإن لم يشترط ، وجب عليه بالدخول فيه تمام ثلاثة أيّام ، لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام(٥) .

وقال في النهاية : متى شرط جاز له الرجوع فيه أيّ وقت شاء ، وإن لم يشترط ، لم يكن له الرجوع فيه إلّا أن يكون أقلّ من يومين ، فإن مضى عليه يومان ، وجب عليه ثلاثة أيّام(٦) ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « إذا اعتكف يوماً

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في الاستبصار : « أن يُحلّك من ».

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٨ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤١٩.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ١٠ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ - ١٢٩ / ٤١٨.

(٤) اُنظر : المدونة الكبرى ١ : ٢٢٨ ، والمنتقى - للباجي - ٢ : ٨١.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٩.

(٦) النهاية : ١٧١.

٣٠٧

ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط ، فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام »(١) .

ويجي‌ء على قول الشيخ -رحمه‌الله - تفصيل ، وهو : أنّ الاعتكاف إن كان متبرّعاً به ، جاز له أن يرجع متى شاء ، سواء شرط أو لا ؛ لأنّه عبادة مندوبة لا تجب بالدخول فيها ، وإن كان منذوراً فإمّا أن يعيّنه بزمان أو لا ، وعلى التقديرين فإمّا أن يشترط التتابع أو لا ، وعلى التقادير الأربعة فإمّا أن يشترط على ربّه الرجوع إن عرض له عارض أو لا ، فالأقسام ثمانية :

أ - أن يعيّن زماناً ويشترط التتابع والرجوع مع العارض ، فله الرجوع عند العارض ، ولا يجب عليه إتمامه ؛ عملاً بالشرط ، ولا قضاؤه ؛ لأصالة البراءة السليمة عن المعارض.

ب - عيّن النذر ولم يشترط التتابع ، لكن شرط الرجوع ثم عرض العارض ، فله الخروج ؛ عملاً بالشرط ، ولا يجب عليه الإِتمام ولا القضاء.

ج - عيّن النذر وشرط التتابع ولم يشترط على ربه ، فإنّه يخرج مع العارض ، ويقضي مع الزوال متتابعاً.

د - عيّن النذر ولم يشترط التتابع ولا شرط على ربّه ثم حصل العارض ، فإنّه يخرج ويقضي الفائت.

ه- لم يعيّن زماناً لكن شرط التتابع واشترط على ربّه ، فعند العارض يخرج ثم يأتي بما بقي عليه متتابعاً عند زواله إن كان قد اعتكف ثلاثة ، وإن كان أقلّ استأنف.

و - لم يعيّن واشترط التتابع ولم يشترط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ثم يستأنف اعتكافاً متتابعاً ؛ لأنّه وجب عليه متتابعاً ، ولا يتعيّن بفعله إذا لم يعيّنه بنذره ، فيجب عليه الإِتيان به على وصفه الذي شرط في نذره. وفيه‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٩ - ٢٩٠ / ٨٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢١.

٣٠٨

إشكال

ز - لم يعيّن واشترط على ربّه ولم يشترط التتابع ، فإنّه يخرج مع العارض ، ثم يستأنف إن كان قد اعتكف أقلّ من ثلاثة ، وإلّا بنى إن كان الواجب أزيد ، وأتى بالباقي إن كان ثلاثةً فما زاد ، وإلّا فثلاثة.

ح - لم يعيّن ولم يشترط التتابع ولا شرط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ويستأنف إن لم تحصل ثلاثة ، وإلّا أتمّ.

مسألة ٢٢٩ : الاشتراط إنّما يصح في عقد النذر‌ ، أمّا إذا أطلقه من الاشتراط ، فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف ، فإذا لم يشترط ثم عرض ما يمنع الصوم أو الكون في المسجد ، فإنّه يخرج ويقضي الاعتكاف إن كان واجباً فواجباً ، وإن كان ندباً فندباً.

وإنّما يصح اشتراط الرجوع مع العارض ، فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة والتنزّه أو البيع والشراء للتجارة أو التكسّب بالصناعة في المسجد ، لم يجز ، لأنّه منافٍ للاعتكاف.

مسألة ٢٣٠ : قد بيّنّا أنّه يجوز للمعتكف الخروج لقضاء الحاجة‌ ولنفع المؤمن والصلاة على الجنازة وعيادة المريض وشراء مأكوله ومشروبه.

وأكثر العامّة منع من الخروج إلّا لقضاء الحاجة ولما لا بُدّ له منه ، فإن خرج لما لَهُ منه بُدٌّ ، بطل اعتكافه وإن قلّ ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد(١) .

وقال أبو يوسف ومحمد : لا يفسد حتى يكون أكثر من نصف يوم ، لأنّ اليسير معفوّ عنه ، كما لو تأنّى في مشيه.

ولأنّ صفيّة أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تزوره في معتكفة ، فلمـّا‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٥.

٣٠٩

قامت لتَنْقَلِبَ خرج معها ليَقْلِبَها(١) (٢) (٣) .

ويحتمل أن لا يكون لهعليه‌السلام منه بُدٌّ ؛ لأنّه كان ليلاً فلم يأمن عليها.

مسألة ٢٣١ : منع العامّة من الخروج لعيادة المريض وشهادة الجنازة إلّا أن يشترط فعل ذلك‌ في اعتكافه ، فيكون له فعله ، سواء كان الاعتكاف واجباً أو ندباً ، وكذا ما كان قربةً ، كزيارة أهله أو رجل صالح أو عالم ، أو كان مباحاً ممّا يحتاج إليه ، كالأكل في منزله والمبيت فيه ، فله فعله(٤) . وفي المبيت إشكال.

وقد أجاز اشتراط الأكل في منزله الحسن والعلاء بن زياد والنخعي وقتادة(٥) .

ومنع منه مالك والأوزاعي(٦) .

قال مالك : لا يكون في الاعتكاف شرط(٧) .

وليس بجيّد ؛ إذ لا يجب بعقده ، فكان الشرط فيه إليه كالوقف. ولأنّ الاعتكاف لا يختص بقدر ، فإذا شرط الخروج ، فكأنّه نذر القدر الذي إقامة. وإن قال : متى مرضت أو عرض لي عارض خَرَجْتُ ، جاز شرطه.

مسألة ٢٣٢ : إذا نذر اعتكافاً بصفة التتابع ، وشرط الخروج منه إن عرض عارض‌ ، صحّ شرطه على ما تقدّم ؛ لأنّ الاعتكاف إنّما يلزم بالتزامه ، فيجب بحسب الالتزام ، وهو أظهر قولي الشافعي(٨) .

____________________

(١) أي : فلمـّا قامت لترجع خرج معها ليصحبها. النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٩٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٦٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٦ / ١٧٧٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٤.

(٣) المغني ٣ : ١٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٢.

(٤) المغني ٣ : ١٣٥ - ١٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨ - ١٤٩.

(٥ - ٧ ) المغني ٣ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٩.

(٨) فتح العزيز ٦ : ٥٢٠ ، المجموع ٦ : ٥٣٧.

٣١٠

وله قول آخر : إنّه لا يصح - كما هو مذهب مالك - لأنّه شرط المنافي فيلغو ، كما لو شرط أن يخرج للجماع(١) .

والمشهور عند الشافعية : الصحة(٢) ، وبه قال أبو حنيفة(٣) . وبالثاني قال مالك(٤) . وعن أحمد روايتان(٥) .

فعلى القول بالصحة إن عيّن نوعاً ، مثل أن قال : لا أخرج إلّا لعيادة المريض ، أو عيّن ما هو أخصّ ، فقال : لا أخرج إلّا لعيادة زيد ، خرج فيما عيّنه خاصة دون غيره وإن كان أهمّ منه عند الشافعي(٦) . وعندنا يجوز فيما عداه من القُرَب على ما سبق ، إلّا أن يطول الزمان.

وإن أطلق وقال : لا أخرج إلّا لشغل يعتري أو لعارض يعرض ، كان له أن يخرج لكلّ شغل ديني ، كحضور الجمعة وعيادة المرضى ، أو دنيوي ، كلقاء السلطان واقتضاء الغريم ، ولا يبطل التتابع بشي‌ء من ذلك عنده(٧) .

وشرط في الشغل الدنيوي الإباحة.

وللشافعيّة وجه آخر : أنّه لا يشترط(٨) .

ولا عبرة بالنزهة ؛ لأنّه لا يُعدّ من الأشغال ، ولا يعتنى به.

ولو قال : إن عرض لي عارض قَطَعْتُ الاعتكاف ، فالحكم كما لو شرط ، إلّا أنّه في شرط الخروج يلزمه العود عند قضاء الحاجة ، وفيما إذا قصد القطع لا يلزمه ذلك.

وكذا لو قال : عليَّ أن أعتكف رمضان إلّا أن أمرض أو اُسافر ، فإذا مرض أو سافر فلا شي‌ء عليه.

ولو نذر صلاةً وشرط الخروج إن عرض عارض ، أو صوماً وشرط الخروج إن جاع أو اُضيف فيه ، فلهم وجهان :

____________________

(١ - ٥ ) فتح العزيز ٦ : ٥٢٠ ، المجموع ٦ : ٥٣٧.

(٦ - ٨ ) فتح العزيز ٦ : ٥٢٠ - ٥٢١ ، المجموع ٦ : ٥٣٨.

٣١١

أحدهما - وهو قول أكثر الشافعيّة - أنّه يصحّ هذا الشرط ، كما في الاعتكاف.

والثاني : لا يصحّ ولا ينعقد النذر ، بخلاف الاعتكاف ؛ لأنّ ما يتقدّم منه على الخروج عبادة، وبعض الصلاة والصوم ليس بعبادة(١) .

ولو فرض ذلك في الحج ، انعقد النذر عندهم(٢) ، كما ينعقد الإِحرام المشروط ، ولكن في جواز الخروج للشافعي قولان(٣) . والصوم والصلاة أولى لجواز الخروج منهما عند أكثرهم ؛ لأنّهما لا يلزمان بالشروع ، والالتزام مشروط ، فإذا وجد العارض فلا يلزم ، والحج يلزم بالشروع(٤) .

ولو نذر التصدّق بعشرة دراهم أو بهذه الدراهم إلّا أن تعرض حاجة ونحوها ، فلهُمْ وجهان ، والأظهر عندهم : صحة الشرط ، فإذا احتاج فلا شي‌ء عليه(٥) .

ولو قال : في هذه القُرُبات إلّا أن يبدو لي ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يصح الشرط ، فلا شي‌ء عليه إذا بدا له ، كشرط سائر العوارض.

وأظهرهما عندهم : البطلان ؛ لأنّه تعليق للأمر بمجرّد الخيرة ، وذلك يناقض صيغة الالتزام(٦) .

ثم هل يبطل النذر من أصله أو يصحّ ويلغو الشرط؟ للشافعيّة قولان(٧) .

وإذا شرط الخروج لغرض وقالوا بصحته ، فخرج لذلك الغرض ، هل يجب تدارك الزمان المصروف إليه؟ يُنظر إن نذر مدّة غير معيّنة ، كشهر مطلق أو عشرة مطلقة ، فيجب التدارك ليُتمّ المدّة المنذورة ، وتكون فائدة الشرط : تنزيل الغرض منزلة قضاء الحاجة في أنّ التتابع لا ينقطع به.

____________________

(١ - ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٥٢١ - ٥٢٢ ، المجموع ٦ : ٥٣٨ - ٥٣٩.

(٥ - ٧ ) فتح العزيز ٦ : ٥٢٢ - ٥٢٣ ، المجموع ٦ : ٥٣٩ - ٥٤٠.

٣١٢

وإن عيّن المدّة فنذر اعتكاف هذه العشرة أو شهر رمضان ، لم يجب التدارك ؛ لأنّه لم ينذر إلّا اعتكاف ما عدا ذلك الزمان من العشرة(١) .

مسألة ٢٣٣ : إذا نذر أن يعتكف شهراً بعينه‌ ، دخل المسجد قبل غروب الشمس ، وخرج منه يوم الثلاثين بعد غروب الشمس - وبه قال مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) - لأنّه نذر الشهر ، وأوّله غروب الشمس ، ولهذا تحلّ الديون المعلّقة به ، ويقع الطلاق والعتاق المعلّقان به ، ووجب أن يدخل قبل الغروب ليستوفي جميع الشهر ، فإنّه لا يمكن إلّا بذلك فيجب ، كما يجب إمساك جزء من الليل مع النهار في الصوم.

وقال أحمد في الرواية الثانية : إنّه يدخل قبل طلوع الفجر - وبه قال الليث وزفر - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا أراد أن يعتكف صلّى الصبح ثم دخل معتكفة(٣) .

ولأنّ الله تعالى قال :( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٤) ولا يلزم الصوم إلّا من قبل طلوع الفجر.

ولأنّ الصوم شرط في الاعتكاف فلم يجز ابتداؤه قبل شرطه(٥) .

ولا حجّة في الخبر ؛ لأنّه يدخل في التطوّع متى شاء.

قال ابن عبد البرّ : لا أعلم أنّ أحداً من الفقهاء قال به(٦) .

والصوم محلّه النهار ، فلا يدخل فيه شي‌ء من الليل في أثنائه ولا ابتدائه‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٢٤ - ٥٢٥ ، المجموع ٦ : ٥٤٠.

(٢) المغني ٣ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٦.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٣١ / ١١٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٣ / ١٧٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٥٧ / ٧٩١ ، سنن البيهقي ٤ : ٣١٥.

(٤) البقرة : ١٨٥.

(٥) المغني ٣ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٦.

(٦) المغني ٣ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٧.

٣١٣

إلّا ما حصل ضرورة ، بخلاف الاعتكاف.

ولو أحبّ اعتكاف العشر الأواخر تطوّعاً ، ففيه روايتان عن أحمد :

إحداهما : يدخل فيه قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي يخرج في صبيحتها من اعتكافه ، قال : ( من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ).

ولأنّ العشر بغير « هاء » عدد الليالي(١) . وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٢) .

وفي الثانية : يدخل بعد صلاة الصبح - وبه قال الأوزاعي وإسحاق - لما روت عائشة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا صلّى الصبح دخل معتكفة(٣) .

واستحبّ أحمد لمن اعتكف العشر الأخير من رمضان أن يبيت ليلة العيد في معتكفة(٤) .

ويستحبّ للمرأة إذا أرادت الاعتكاف أن تستتر بشي‌ء ؛ لأنّ أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لمـّا أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهنّ فضُرِبْنَ في المسجد(٥) .

وإذا ضربت بناءً ، جَعَلَتْه في مكان لا يصلّي فيه الرجال ، لئلّا تقطع صفوفَهم وتُضيّق عليهم.

ولا بأس للرجل أن يستتر أيضاً ؛ فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر‌

____________________

(١) أي : إسقاط « الهاء » في العشر دليل على إرادة الليالي. هامش « ن ».

(٢) قوله : وهو إحدى الروايتين يفيده قوله المتقدّم عليه : ففيه روايتان عن أحمد ، إحداهما.

(٣ و ٤ ) المغني ٣ : ١٥٦ - ١٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٧.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٣٣١ - ٣٣٢ / ٢٤٦٤.

٣١٤

ببنائه فضُرب(١) . ولأنّه أستر له وأخلى(٢) .

المطلب السادس : في الكفّارة‌

مسألة ٢٣٤ : إذا جامع المعتكف في حال اعتكافه ليلاً أو نهاراً ، وجبت عليه الكفّارة‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال الحسن البصري والزهري وبعض الحنابلة وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - لأنّه عبادة يفسدها الوطء بعينه ، فوجبت الكفّارة بالوطء فيها ، كالحجّ وصوم رمضان.

ولأنّه زمان تعيّن للصوم ، وتعلّق الإِثم بإفساده ، فوجبت الكفّارة فيه بالجماع كرمضان.

ولأنّ سماعة سأل الصادقعليه‌السلام ، عن معتكف واقع أهله ، فقال : « هو بمنزلة مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان »(٤) .

وسأله أبو ولّاد الحنّاط عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت - حين بلغها قدومه - من المسجد إلى بيتها وتهيّأت لزوجها حتى واقعها ، فقال : « إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها كان عليها ما على المـُظاهر »(٥) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا كفّارة عليه - وهو قول عطاء والنخعي‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٣٣١ / ٢٤٦٤.

(٢) أخلى : من الخلوة بالنفس عن الناس لأجل الاشتغال بالعبادة ، لأن الاختلاط بهم يضادّ التفرّغ ويلهي عادة.

(٣) المغني ٣ : ١٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٥ ، المجموع ٦ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ / ٥٣٤ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٣.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٢.

٣١٥

وأهل المدينة ومالك وأهل العراق والثوري وأهل الشام والأوزاعي - لأنّها عبادة لا تجب بأصل الشرع ، فلا تجب بإفسادها كفّارة ، كالنوافل.

ولأنّها عبادة لا يدخل المال في جبرانها ، فلم تجب الكفّارة بإفسادها ، كالصلاة.

ولأنّ الكفّارة إنّما تثبت بالشرع ولم يرد الشرع بإيجابها ، فتبقى على الأصل(١) .

والفرق : أنّ النوافل لا يتعلّق بإفسادها إثم فلا كفّارة ، لأنّ الكفّارة تتبع الإِثم.

والقياس على الصلاة ممنوع ، ومعارض بما قلناه ، وبأنّه في مقابلة النصّ.

وقد بيّنّا ورود الشرع بالوجوب ، وهي الأخبار المرويّة عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وهُمْ أعرف بالأحكام من غيرهم ، فإنّ الوحي في بيتهم نزل.

مسألة ٢٣٥ : كفّارة الاعتكاف عند علمائنا هي كفّارة رمضان : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً - وبه قال الحسن والزهري إلّا أنّهما قالا بالترتيب ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٢) - لأنّها كفّارة في صوم واجب ، فكانت مثل كفّارة رمضان.

ولما تقدّم من الروايتين(٣) عن الصادقعليه‌السلام .

ولأنّ سماعة قال : سألت الصادقعليه‌السلام ، عن معتكف واقع أهله ، قال : « عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً : عتق رقبة‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٣٩ - ١٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٦ - ٣١٧.

(٢) المغني ٣ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٦.

(٣) تقدّمتا في المسألة السابقة (٢٣٤).

٣١٦

أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً »(١) .

وقال بعض الحنابلة : تجب كفّارة يمين(٢) .

والمشهور عن أحمد أنّه قال : مَنْ أصاب في اعتكافه فهو كهيئة المظاهر ، نقله عن الزهري. ثم قال : إذا كان نهاراً ، وجبت عليه الكفّارة(٣) .

مسألة ٢٣٦ : الذي عليه فتوى علمائنا أنّها كفّارة مخيّرة مثل كفّارة رمضان‌ ؛ لما تقدّم من الروايات(٤) . وللأصل.

وفي رواية عن الباقرعليه‌السلام ، واُخرى عن الصادقعليه‌السلام أنّ « عليه ما على المـُظاهر »(٥) .

وهي محمولة على المساواة في المقدار دون الترتيب ؛ جمعاً بين الروايات.

مسألة ٢٣٧ : الجماع إن وقع في نهار رمضان ، وجب عليه كفّارتان : إحداهما عن الاعتكاف ، والاُخرى عن رمضان ، وإن وقع ليلاً ، وجبت كفّارة واحدة وإن كان في غير رمضان ، وكذا إن وقع في نهار غير رمضان ، لأنّ كلّ واحد من عبادتي الاعتكاف ورمضان يوجب الكفّارة، والأصل عدم التداخل عند تغاير السبب.

وقد سأل عبد الأعلى بن أعين ، الصادقعليه‌السلام ، عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان ، قال : « عليه الكفّارة » قال : قتلت : فإن وطأها نهاراً؟ قال : « عليه كفّارتان»(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٥.

(٢) المغني ٣ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧.

(٣) المغني ٣ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٦.

(٤) منها : رواية سماعة ، وقد تقدّمت في المسألة ٢٣٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٤ ، الجعفريات : ٥٩.

(٦) الفقيه ٢ : ١٢٢ - ١٢٣ / ٥٣٣ ، التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٩.

٣١٧

والسيد المرتضى -رحمه‌الله - أطلق ، فقال : المعتكف إذا جامع نهاراً ، كان عليه كفّارتان ، وإن جامع ليلاً ، كان عليه كفّارة واحدة(١) . والظاهر أنّ مراده رمضان.

مسألة ٢٣٨ : لو كانت المرأة معتكفةً ووطأها مختارة‌ ، وجب عليها مثل ما يجب على الرجل ، فإن أكرهها ، تضاعفت الكفّارة عليه ، فإن كان الإِكراه في نهار رمضان ، وجب عليه أربع كفّارات ، ولا يبطل اعتكافها ولا صومها للإِكراه ، وإن كان في ليل غير رمضان ، كان عليه كفّارتان لا غير ، ولا يفسد اعتكافها أيضاً ، ومع المطاوعة يفسد اعتكافها كالرجل.

وقال بعض(٢) علمائنا : لا يجب تضاعف الكفّارة بالإِكراه ؛ لأنّ الكفّارة تتبع إفساد الاعتكاف وهو غير متحقّق في طرف المرأة ؛ لأنّ اعتكافها صحيح.

ولا بأس به ، مع أنّ رواية التضعيف(٣) ضعيفة ؛ لأنّ في طريقها المفضّل ابن عمر ، وفيه قول.

مسألة ٢٣٩ : المباشرة دون الفرج إن كانت بغير شهوة ، فلا بأس بها‌ ، مثل أن تغسل رأسه أو تفليه(٤) أو تناوله شيئاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يُدني رأسه إلى عائشة وهو معتكف فترجّله(٥) .

وإن كانت عن شهوة ، فهي محرّمة ؛ لقوله تعالى( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) (٦) .

ولأنّه لا يأمن من إفضائها إلى إفساد الاعتكاف ، وما أفضى إلى الحرام‌

____________________

(١) الانتصار : ٧٣.

(٢) هو المحقّق في المعتبر : ٣٢٦.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥.

(٤) فلا رأسه ، يفلوه ويفليه : بحثه عن القمل. لسان العرب ١٥ : ١٦٢.

(٥) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٢٠٨.

(٦) البقرة : ١٨٧.

٣١٨

يكون حراماً.

فإن فعل ما ينزل ، فسد اعتكافه ، وإن لم ينزل ، لم يفسد - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه(١) - لأنّها مباشرة لا تُفسد صوماً ولا حجّاً فلم تُفسد الاعتكاف ، كالمباشرة بغير شهوة.

والقول الثاني للشافعي : إنّها تُفسد في الحالين - وبه قال مالك - لأنّها مباشرة محرّمة ، فأفسدت الاعتكاف ، كما لو أنزل(٢) .

والفرق : أنّها مع الإِنزال تُفسد الصوم.

قال الشيخ : ويجب القضاء والكفّارة بالجماع ، وكذا كلّ مباشرة تؤدّي إلى إنزال الماء عمداً(٣) .

مسألة ٢٤٠ : إعلم أنّ الكفّارة تجب بإفساد الاعتكاف الواجب بالجماع‌ إجماعاً ، وكذا بالإِنزال بالمباشرة وشبهها عند علمائنا وأكثر العامّة(٤) .

وهل تجب بالأكل والشرب؟ خلاف عند علمائنا ، المشهور : أنّها تجب.

وقال بعض علمائنا : لا تجب(٥) ؛ للأصل ، والنصّ إنّما ورد في الجماع ، ولا يجب سوى القضاء إن كان الصوم واجباً أو كان في ثالث‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٢٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٦ ، المغني ٣ : ١٤١ - ١٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٥٢٥ و ٥٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٥٢٦ - ٥٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٨٥ ، مقدّمات ابن رشد ١ : ١٩١ ، المغني ٣ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٤) اُنظر : المغني ٣ : ١٣٩ والشرح الكبير ٣ : ١٥٥ ، والمجموع ٦ : ٥٢٧ ، وبداية المجتهد ١ : ٣١٦.

(٥) هو المحقق في المعتبر : ٣٢٦ ، وراجع : شرائع الإِسلام ١ : ٢٢٠.

٣١٩

المندوب ، وإلّا لم يجب القضاء أيضاً.

قال المفيدرحمه‌الله ، والسيد المرتضى رضي الله عنه : تجب الكفّارة بكلّ مُفطرٍ في شهر رمضان(١) .

وقال بعض(٢) علمائنا : إن كان الاعتكاف في نهار شهر رمضان ، وجبت الكفّارة بكلّ مفطر ، وكذا إن كان منذوراً معيّناً ؛ لأنّه بحكم رمضان ، ولو كان الاعتكاف مندوباً أو واجباً غير معيّن بزمان ، لم تجب الكفّارة إلّا بالجماع خاصة.

مسألة ٢٤١ : لو مات المعتكف قبل انقضاء مدّة اعتكافه‌ ، قال الشيخرحمه‌الله : في أصحابنا مَنْ قال : يقضي عنه وليّه أو يخرج من ماله مَنْ ينوب عنه ؛ لعموم ما روي أنّ مَنْ مات وعليه صوم واجب وجب على وليّه القضاء عنه أو الصدقة(٣) .

والأقرب أن يقال : إن كان واجباً فكذلك على إشكال ، وإن كان ندباً فلا.

قال الشيخرحمه‌الله : قضاء الاعتكاف الفائت ينبغي أن يكون على الفور(٤) .

فإن قصد الوجوب فهو ممنوع ؛ لأصالة البراءة ، وإن أراد الاستحباب فهو جيّد ؛ لما فيه من المسارعة إلى فعل الطاعة وإخلاء الذمّة عن الواجب.

ثم قالرحمه‌الله : إذا اُغمي على المعتكف أيّاماً ثم أفاق ، لم يلزمه‌

____________________

(١) حكاه عنهما ، المحقّق في المعتبر : ٣٢٥ ، وراجع : المقنعة : ٥٨ ، وجُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٦١.

(٢) هو المحقق في المعتبر : ٣٢٦.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٣ - ٢٩٤.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380