تذكرة الفقهاء الجزء ٤

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235706 / تحميل: 7523
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٤-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

المطلب الثاني : في سننها ولواحقها‌

مسألة ٤٤٨ : يستحبّ الغسل يوم الفطر والأضحى‌ - وقد تقدّم(١) - بلا خلاف ، لأنّ علياًعليه‌السلام كان يغتسل في الفطر والأضحى(٢) .

ووقته بعد طلوع(٣) الفجر ، لأنّه مضاف إلى اليوم ، وهو أحد قولي الشافعي وأحمد.

والثاني لهما : يجوز قبل الفجر ، لأنّ الصلاة تفعل بعد طلوع الشمس ، فيضيّق وقته ، بخلاف الجمعة(٤) .

ونمنع التضيّق.

وللشافعي قولان على التقديم : هل يجوز من أول الليل أو بعد نصفه؟(٥) .

ونحن عندنا يستحبّ غسلان : أحدهما ليلاً ، والثاني نهاراً.

ويستحبّ لمن يُريد حضور العيد ومَنْ لا يُريده إجماعاً ، لأنّه يوم زينة ، بخلاف الجمعة عند مَنْ خصّصه بالحضور ، لأنّه للاجتماع خاصة.

مسألة ٤٤٩ : ويستحبّ أن يتطيّب ويلبس أحسن ثيابه‌ ، ويتعمّم شتاءً وصيفاً بالإِجماع.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوبي مهنته لجمعته وعيده)(٦) .

____________________

(١) تقدّم في المسألة ٢٧٤ من كتاب الطهارة.

(٢) ترتيب مسند الشافعي ١ : ١٥٢ / ٤٤٠ ، وانظر : الاُم ١ : ٢٣١.

(٣) كلمة « طلوع » لم ترد في « ش ».

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٦ ، المجموع ٥ : ٧ ، فتح العزيز ٥ : ٢١ ، المغني ٢ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٢٧.

(٥) المجموع ٥ : ٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥٤.

(٦) أورده نصّاً ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٢٨ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٣٠ ، وفي سنن ابن ماجة ١ : =

١٤١

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام ، في قوله تعالى :( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (١) قال : « العيدان والجمعة »(٢) .

وقالعليه‌السلام : « يجهر الإِمام بالقراءة ، ويعتمّ شاتياً وقائظاً » وقال : « إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يفعل ذلك »(٣) .

مسألة ٤٥٠ : يستحبّ الإِصحار بالصلاة ، إلّا بمكّة عند علمائنا - وبه قال عليعليه‌السلام ، والأوزاعي وأحمد وابن المنذر وأصحاب الرأي(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يخرج إلى المصلّى ، ويدع مسجده(٥) .

ولا يترك النبيعليه‌السلام ، الأفضل مع قُربْه ، ويتكلّف فعل الناقص مع بُعْده. ولم ينقل أنّهعليه‌السلام ، صلّى العيد بمسجده إلّا لعذر(٦) .

ولأنّه إجماع المسلمين ، فإنّ الناس في كلّ عصرٍ ومِصْرٍ يخرجون إلى المصلّى ، فيصلّون العيد مع سعة المساجد وضيقها ، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يصلّي في المصلّى(٧) ، مع شرف مسجده.

وقيل لعليعليه‌السلام : قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس فلو‌

____________________

= ٣٤٨ / ١٠٩٥ و ١٠٩٦ ، وسنن أبي داود ١ : ٢٨٢ / ١٠٧٨ ، والموطأ ١ : ١١٠ / ١٧ بدون ( وعيده ).

(١) الأعراف : ٣٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٤ / ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ / ٦٤٧.

(٣) التهذيب ٣ : ١٣٠ / ٢٨٢.

(٤) المغني ٢ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣٩ ، زاد المستقنع : ٢٠ ، المحرر في الفقه ١ : ١٦١ ، شرح فتح القدير ٢ : ٤١.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٢٢ ، سنن النسائي ٣ : ١٨٧ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠١ / ١١٥٨ ، سنن الدار قطني ٢ : ٤٤ / ٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٨٠.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٤١٦ / ١٣١٣ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠١ / ١١٦٠ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٩٥.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ٢٢ ، سنن النسائي ٣ : ١٨٧ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠١ / ١١٥٨ ، سنن الدار قطني ٢ : ٤٤ / ٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٨٠.

١٤٢

صلّيت بهم في المسجد ، فقال : « اُخالف السنّة إذاً ، ولكن نخرج إلى المصلّى » واستخلف مَنْ يصلّي بهم في المسجد أربعاً(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « يخرج الإِمام البَرَّ حيث ينظر إلى آفاق السماء ، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يخرج إلى البقيع فيصلّي بالناس »(٢) .

وأما استثناء مكّة : فلقول الصادقعليه‌السلام : « السنّة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين ، إلّا أهل مكّة فإنّهم يصلّون في المسجد(٣) (٤) ».

ولتميّزه عن غيره من المساجد بوجوب التوجّه إليه من جميع الآفاق ، فلا يناسب الخروج عنه.

وقال الشافعي : إن كان مسجد البلد واسعاً ، كانت الصلاة فيه أولى ، لأنّ أهل مكّة يصلّون في المسجد الحرام ، ولأنّ المسجد خير البقاع وأطهرها ، وإن كان ضيّقاً لا يسع الناس ، خرج إلى المصلّى(٥) .

ونحن قد بيّنّا استحباب الصلاة بمكّة في مسجدها دون غيرها.

ولو كان هناك مطراً ، استحبّ أن يصلّي في المسجد ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّى في مسجده يوم مطر(٦) .

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٣٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٤٠ ، وانظر أيضاً : مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ١٤٨ ، وسنن البيهقي ٣ : ٣١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٠ / ٣ ، التهذيب ٣ : ١٢٩ / ٢٧٨.

(٣) في المصدر : المسجد الحرام.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦١ / ١٠ ، التهذيب ٣ : ١٣٨ / ٣٠٧.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، المجموع ٥ : ٥ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٢ ، فتح الوهاب ١ : ٨٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٦.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٤١٦ / ١٣١٣ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠١ / ١١٦٠ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٩٥.

١٤٣

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا ينبغي للإِمام أن يخلّف أحداً يصلّي العيدين في المساجد بضعفة الناس ، لأنّ العاجز تسقط عنه ، فيصلّيها مستحباً.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « قال الناس لأمير المؤمنينعليه‌السلام : ألا تخلّف رجلاً يصلّي العيدين بالناس؟ فقال : لا اُخالف السنّة »(١) .

وقال الشافعي : يستحب ذلك ، لأنّ عليّاًعليه‌السلام ، استخلف أبا مسعود يصلّي بهم في المسجد(٢) .

وهو ممنوع ، لأنّ عليّاًعليه‌السلام ، قيل له : لو أمرت مَنْ يصلّي بضعفة الناس هوناً(٣) في المسجد الأكبر ، قال : « إنّي إن أمرت رجلاً يصلّي أمرته أن يصلّي بهم أربعاً » رواه الجمهور(٤) .

مسألة ٤٥١ : ويستحبّ الخروج ماشياً على سكينة ووقار‌ ، ذاكراً ، بإجماع العلماء ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يركب في عيد ولا جنازة(٥) .

وقال عليعليه‌السلام : « من السنّة أن تأتي العيد ماشياً ، وترجع ماشياً »(٦) .

وأن يكون حافياً ، لأنّه أبلغ في الخضوع ، لأنّ بعض الصحابة كان يمشي إلى الجمعة حافياً ، وقال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________________

(١) التهذيب ٣ : ١٣٧ / ٣٠٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٥ ، المجموع ٥ : ٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤١ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٣.

(٣) هوناً : أي تخفيفاً أو تسهيلاً.

(٤) أورده ابن قدامة في المغني ٢ : ٢٣٠ نقلاً عن سنن سعيد بن منصور.

(٥) أورده الشافعي في الاُم ١ : ٢٣٣ ، والنووي في المجموع ٥ : ١٠ ، وابن قداسة في المغني ٢ : ٢٣١ ، وقال ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير ٥ : ٤١ : هذا الحديث لا أصل له.

(٦) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر : ٢١٢ وفي مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ١٦٣ وسنن الترمذي ٢ : ٤١٠ / ٥٣٠ وسنن ابن ماجة ١ : ٤١١ / ١٢٩٦ وسنن البيهقي ٣ : ٢٨١ إلى قوله : « العيد ماشياً ».

١٤٤

يقول : ( من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرّمهما الله على النار )(١) .

ومشى الرضاعليه‌السلام ، إلى المصلّى حافياً(٢) .

ولو كان هناك عذر يمنع المشي ، جاز الركوب إجماعاً.

وفي العود يستحبّ المشي أيضاً إلّا من عذر ، لأنّ النبيعليه‌السلام كان يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً(٣) . ولما تقدّم(٤) في حديث عليعليه‌السلام .

مسألة ٤٥٢ : وقت الخروج إلى العيد بعد طلوع الشمس‌ ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يخرج يوم الفطر والأضحى ، فأول شي‌ء يبدأ به الصلاة(٥) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « فإذا طلعت خرجوا »(٦) .

وقال سماعة : سألته عن الغدوّ إلى المصلّى في الفطر والأضحى ، فقال : « بعد طلوع الشمس»(٧) .

وقال الشافعي : يستحبّ لغير الإِمام التبكير ليأخذ الموضع(٨) .

ويستحبّ أن يسجد على الأرض ، لأنّ الصادقعليه‌السلام ، أتي بخُمرة يوم الفطر فأمر بردّها ، وقال : « هذا يوم كان رسول الله صلّى الله عليه‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٩ ، سنن الترمذي ٤ : ١٧٠ / ١٦٣٢ ، سنن النسائي ٦ : ١٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٠٢ ، مسند أحمد ٣ : ٤٧٩.

(٢) الكافي ١ : ٤٠٨ / ٧ ، الإِرشاد للمفيد : ٣١٢ - ٣١٣ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١٤٩ / ٢١.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤١١ / ١٢٩٤ و ١٢٩٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٨١.

(٤) تقدّم في صدر المسألة نفسها.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٠٥ / ٨٨٩ ، سنن النسائي ٣ : ١٨٧.

(٦) المعتبر : ٢١٠ ، وفي الكافي ٣ : ٤٥٩ / ١ ، والتهذيب ٣ : ١٢٩ / ٢٧٦ عن الإِمام الباقرعليه‌السلام .

(٧) التهذيب ٣ : ٢٨٧ / ٨٥٩.

(٨) المجموع ٥ : ١٠.

١٤٥

وآله يحبّ أن ينظر إلى آفاق السماء ، ويضع جبهته على الأرض »(١) .

مسألة ٤٥٣ : يستحبّ أن يطعم في الفطر قبل خروجه ، فيأكل شيئاً من الحلوة ، وبعد عوده في الأضحى ممّا يضحّي به - وهو قول أكثر العلماء(٢) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع(٣) .

وقال ابن المسيّب : كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل الصلاة ولا يفعلون ذلك يوم النحر(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « أطعم يوم الفطر قبل أن تصلّي ولا تطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الإِمام »(٥) .

ولأنّ الصدقة قبل الصلاة فاستحبّ الأكل ليشارك المساكين فيه ، بخلاف الأضحى ، لأن الصدقة فيه بالْاُضحية بعدها.

ولأنّ الفطر واجب ، فاستحبّ تعجيله ، لإِظهار المبادرة إلى طاعة الله تعالى ، وليتميز عمّا قبله من وجوب الصوم وتحريم الأكل ، بخلاف يوم النحر حيث لم يتقدّمه صوم واجب وتحريم الأكل ، فاستحبّ تأخير الأكل منه ليتميّز عن الفطر.

وقال أحمد : إن كان له ذبح ، أخّر وإلّا فلا يبالي أن يطعم قبل خروجه(٦) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦١ / ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٨٤ / ٨٤٦.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٦ ، المجموع ٥ : ٦ ، المغني ٢ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٢.

(٣) سنن الترمذي ٢ : ٤٢٦ / ٥٤٢ ، سنن الدار قطني ٢ : ٤٥ / ٧ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٩٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٨٣.

(٤) مختصر المزني : ٣١.

(٥) الكافي ٤ : ١٦٨ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٣٨ / ٣١٠.

(٦) المغني ٢ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٢٧.

١٤٦

وليس بشي‌ء.

نعم لو لم يقدر على الصبر ، جاز أن يطعم قبل الخروج ، للعذر.

قال الباقرعليه‌السلام : « لا تأكل يوم الأضحى إلّا من اُضحيتك إن قويت ، وإن لم تَقْوَ فمعذور»(١) .

إذا ثبت هذا فإنه يستحبّ أن يأكل في الفطر شيئاً من الحلوة ، لأنّ النبيعليه‌السلام قلّما كان يخرج يوم الفطر حتى يأكل تمرات ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً ، وأقلّ من ذلك أو أكثر(٢) .

مسألة ٤٥٤ : الأذان والإِقامة في صلاة العيدين بدعة‌ عند علمائنا أجمع ، وهو قول علماء الأمصار(٣) ، لأنّ جابر بن سمرة قال : صلّيت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، غير مرّة ولا مرّتين بغير أذان ولا إقامة(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول إسماعيل بن جابر : سألت الصادقعليه‌السلام صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة؟ قال : « لا ، ولكن ينادى : الصلاة ، ثلاث مرّات »(٥) .

وروي أنّ ابن الزبير أذّن وأقام لصلاة العيدين(٦) .

قال ابن المسيّب : أوّل مَنْ أذَّن لصلاة العيد معاوية(٧) ، لأنّها صلاة يُسنّ لها الاجتماع ، فسُنَّ لها الأذان ، كالجمعة.

____________________

(١) الفقيه ١ : ٣٢١ / ١٤٦٩.

(٢) المستدرك للحاكم ١ : ٢٩٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٨٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٧ ، المجموع ٥ : ١٤ ، المغني ٢ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤١ ، المنتقى للباجي ١ : ٣١٥ ، القوانين الفقهية : ٨٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٧٦.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٦٠٤ / ٨٨٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٤١٢ / ٥٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ٢٩٨ / ١١٤٨.

(٥) الفقيه ١ : ٣٢٢ / ١٤٧٣ ، التهذيب ٣ : ٢٩٠ / ٨٧٣.

(٦) المجموع ٥ : ١٤ ، المغني ٢ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤١.

(٧) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ١٦٩ ، عمدة القاري ٦ : ٢٨٢.

١٤٧

وهو غلط ، لأنّه قياس منافٍ للإِجماع.

فرعان :

الأوّل : ينبغي أن يقول المؤذّن عوض الأذان : الصلاة ، ثلاثاً ، لما تقدّم(١) في حديث الصادقعليه‌السلام ، وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء(٢) .

وقال أحمد : لا يستحبّ شي‌ء من الألفاظ ، لقول جابر : لا أذان ولا إقامة يوم الفطر ، ولا نداء ، ولا شي‌ء ، لا نداء يومئذٍ ولا إقامة(٣) (٤) .

وهو مصروف إلى النداء المعهود للصلاة ، وهو الأذان.

وقول جابر ليس حجّةً ، بل ضدّه أولى ، لأنّ التنبيه على الصلاة مطلوب للشارع ، إذ قد يخفى اشتغال الإِمام بالصلاة.

الثاني : لو قال : الصلاة جامعةً ، أو : هلمّوا إلى الصلاة ، جاز ، لكن الأفضل أن يتوقّى ألفاظ الأذان ، مثل : حيّ على الصلاة.

مسألة ٤٥٥ : لا ينقل المنبر من موضعه ، بل يعمل منبر من طين ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم ينقله.

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا يحرّك المنبر من موضعه ، ولكن يصنع شبه المنبر من طين يقوم عليه فيخطب الناس »(٥) .

وعليه إجماع العلماء.

مسألة ٤٥٦ : يستحبّ التكبير في عيد الفطر‌ عند أكثر علمائنا(٦) - وبه‌

____________________

(١) تقدّم في المسألة ٤٥٤.

(٢) المجموع ٥ : ١٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥٤ ، فتح الباري ٢ : ٣٦٢ ، إرشاد الساري ٢ : ٢١١.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٦٠٤ / ٨٨٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٨٤.

(٤) المغني ٢ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤١.

(٥) الفقيه ١ : ٣٢٢ / ١٤٧٣ ، التهذيب ٣ : ٢٩٠ / ٨٧٣.

(٦) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٦٩ ، والقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ١٢٣ ، وسلّار في المراسم : ٧٨ ، والمحقق في المعتبر : ٢١٢.

١٤٨

قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة في رواية(١) - لقوله تعالى( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (٢) .

قال المفسّرون : لتكملوا عدّة صوم رمضان ، ولتكبّروا الله عند إكماله على ما هداكم(٣) .

ولأنّ عبد الله بن عمر روى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يخرج يوم الفطر والأضحى رافعاً صوته بالتكبير(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « أما إنّ في الفطر تكبيراً ولكنه مسنون(٥) »(٦) .

وكان عليعليه‌السلام يكبّر ، وكذا باقي الصحابة(٧) .

وقال بعض علمائنا : بوجوبه - وبه قال داود الظاهري(٨) - للآية(٩) (١٠) .

وليست أمراً ، بل هي إخبار عن إرادته تعالى في قوله تعالى( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (١١) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٨ ، المجموع ٥ : ٣٢ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢١ ، التفريع ١ : ٢٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٧ ، المغني ٢ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦١.

(٢) البقرة : ١٨٥.

(٣) حكاه عن بعض أهل العلم ، ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٢٦ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٦٢.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ٤٤ / ٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٧٩.

(٥) في « ش » والطبعة الحجرية : مستحب.

(٦) الكافي ٤ : ١٦٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٠٨ / ٤٦٤ ، التهذيب ٣ : ١٣٨ / ٣١١.

(٧) سنن الدار قطني ٢ : ٤٤ / ٤ - ٥ و ٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٧٩.

(٨) المغني ٢ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦٢ ، المجموع ٥ : ٤١ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦١.

(٩) البقرة : ١٨٥.

(١٠) حكاه عن ابن الجنيد في ظاهر كلامه ، المحقِّق في المعتبر : ٢١٢.

(١١) البقرة : ١٨٥‌

١٤٩

ولأنّه تكبير شرّع يوم عيد ، فلا يكون واجباً ، كالتكبير في الأضحى.

وقال أبو حنيفة : لا يكبّر في الفطر - وقال النخعي : إنّما يفعل ذلك الحوّاكون(١) - لأنّ ابن عباس سمع التكبير يوم الفطر ، فقال : ما شأن الناس؟

فقلت : يكبّرون. فقال : أمجانين الناس؟!(٢) .

ولا حجة فيه ، لمعارضته فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفعل عليعليه‌السلام ، وباقي الصحابة.

على أنّ ابن عباس كان يقول : يكبّرون مع الإِمام ولا يكبّرون منفردين(٣) . وهو خلاف ما قالوه.

مسألة ٤٥٧ : وهو عقيب أربع صلوات : اُولاهنّ مغرب ليلة الفطر وآخرهنّ صلاة العيد.

وقال الشافعي : أوّله إذا غربت الشمس من آخر يوم من شهر رمضان(٤) .

وبه قال سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام ، هؤلاء من الفقهاء السبعة ، وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن وزيد بن أسلم(٥) . فيندرج فيه ما تقدّم من الصلوات الأربع.

لأنّ التكبير في الأضحى عقيب الصلوات ، فيكون الفطر كذلك. ولأنّ التكبير عقيب الفرائض يحصل معه الامتثال ، فيكون الزائد منفيا بالأصل.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن التكبير أين هو؟ : « في ليلة‌

____________________

(١) حلية العلماء ٢ : ٢٦١ ، المغني ٢ : ٢٣١.

(٢) بدائع الصنائع ١ : ٢٧٩ ، المجموع ٥ : ٤١ ، فتح العزيز ٥ : ١٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦١ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٣١.

(٣) المغني ٢ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣٢ ، المجموع ٥ : ٤١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢١.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ١٢٨ ، المجموع ٥ : ٣٢ و ٤١ ، فتح العزيز ٥ : ١٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٢.

(٥) المجموع ٥ : ٤١ ، ونسبه إليهم ، الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٥٢ ، المسألة ٤٢٥.

١٥٠

الفطر في المغرب والعشاء والفجر وصلاة العيد »(١) .

ولأنّ الغروب سبب لصلاة المغرب ، فينبغي تقديمها ، فيبقى التكبير عقيبها.

ولأنّ الغروب زمان بين إكمال العدّة وبين صلاة العيد بالنهار.

وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه ، وأحمد : التكبير يوم الفطر دون ليلته ، لما رووه عن عليعليه‌السلام (٢) . وهو ممنوع.

وقال أبو ثور وأبو إسحاق من الشافعية : يكبّر إذا غدا إلى المصلّى(٣) .

وأمّا آخره فصلاة العيد كما تقدّم ، فإنّه يكبّر عقيبها كما قلناه على الأشهر.

وزاد ابن بابويه : عقيب ظهر العيد وعصره أيضا(٤) .

وللشافعي أربعة أقوال : أحدها : آخره خروج الإِمام إلى الصلاة. نقله المزني.

وثانيها رواية البويطي : آخره افتتاح الإمام الصلاة.

وثالثها قال في القديم : حتى ينصرف الإِمام من الصلاة.

الرابع رواية أبي حامد : حتى ينصرف الإِمام من الصلاة والخطبتين(٥) .

ثم قسّم الشافعي التكبير إلى مطلق في جميع الأحوال وهو مستحب ،

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٦٦ - ١٦٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٠٨ / ٤٦٤ ، التهذيب ٣ : ١٣٨ / ٣١١.

(٢) نسبه إليهم ، الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٥٢ - ٦٥٣ ، المسألة ٤٢٥ ، وراجع : المدونة الكبرى ١ : ١٦٧ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٢١ ، والمجموع ٥ : ٤١ ، وفتح العزيز ٥ : ١٤ ، وحلية العلماء ٢ : ٢٦٢.

(٣) المجموع ٥ : ٤١ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢١ ، وفيها : أبو ثور وإسحاق.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٧ ، وانظر الفقيه ٢ : ١٠٨ - ١٠٩ / ٤٦٤.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٨ ، المجموع ٥ : ٣٢ ، فتح العزيز ٥ : ١٤ - ١٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٢ - ٢٦٣.

١٥١

وإلى مقيّد مختص بأدبار الصلوات.

وفي استحبابه وجهان : الاستحباب ، لأنّ كلّ زمان استحبّ فيه التكبير المرسل استحبّ فيه التكبير المختص بأدبار الصلوات كالأضحى. وعدمه ، لأنّه لم يُرْوَ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه فعله. وقد بيّنّا أنّه مستحبّ.

وعلى تقدير الاستحباب قال : إنّه يستحبّ في ثلاث صلوات خاصة : المغرب والعشاء ليلة الفطر ، وصبح الفطر(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحبّ رفع الصوت به ، لأنّ فيه إظهاراً لشعائر الإِسلام ، وتذكيراً للغير.

مسألة ٤٥٨ : يكبّر في الأضحى بمنى عقيب خمس عشرة صلاة ، أوّلها : ظهر النحر ، وآخرها : صبح الثالث من أيام التشريق عند علمائنا أجمع - وهو أحد أقوال الشافعي ، وبه قال عثمان وزيد بن ثابت وابن عمر ، وأبو سعيد الخدري وابن عباس ومالك(٢) - لقوله تعالى( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) (٣) وهي أيام التشريق ، وليس فيها ذكر مأمور به سوى التكبير ، وعرفة ليس منها.

ولأنّ علياًعليه‌السلام بدأ بالتكبير(٤) كما قلناه.

ولأنّ الناس تبع للحاج ، والحاج يقطعون التلبية مع أوّل حصاة ، ويكبّرون مع الرمي ، وإنّما يرمون يوم النحر ، فأوّل صلاة بعد ذلك الظهر ، وآخر صلاة يصلّون بمنى فجر الثالث من أيام التشريق.

وقول الصادقعليه‌السلام : « التكبير في أيام التشريق عقيب صلاة‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٨ ، المجموع ٥ : ٣٢ ، فتح العزيز ٥ : ١٧.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣ و ٣٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٨ ، الوجيز ١ : ٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧ - ٥٨ ، فتح الوهاب ١ : ٨٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٣ ، المغني ٢ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦٥ ، المدونة الكبرى ١ : ١٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٨.

(٣) البقرة : ٢٠٣.

(٤) نقله المحقّق في المعتبر : ٢١٣ ، والصدوق في الفقيه ١ : ٣٢٨.

١٥٢

الظهر يوم النحر ، ثم يكبّر عقيب كلّ فريضة إلى صبح الثالث من أيام التشريق »(١) .

والقول الثاني للشافعي : عقيب المغرب ليلة النحر إلى صبح الثالث(٢) من أيام التشريق ، وذلك ثماني عشرة صلاة ، لأنّ التكبير في الفطر عقيب المغرب ، فكذا الأضحى(٣) .

والثالث : بعد الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق ثلاث وعشرون صلاة(٤) .

ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام ، وعن عمر ، وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور ومحمد وابن المنذر(٥) ، لأنّ جابر بن عبد الله قال : صلّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الصبح يوم عرفة ، ثم أقبل علينا ، فقال : ( الله أكبر الله أكبر ) ومدّ التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق(٦) .

وقال الأوزاعي : يكبّر من يوم النحر إلى الظهر من اليوم الثالث. وبه قال المزني ويحيى بن سعيد الأنصاري(٧) .

وقال داود : يكبّر من الظهر من يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق(٨) .

____________________

(١) أورده نصّاً ، المحقق في المعتبر : ٢١٣ وفي الكافي ٤ : ٥١٦ / ١ ، والتهذيب ٥ : ٢٦٩ / ٩٢٠ نحوه.

(٢) ورد في « ش ، م » والطبعة الحجرية : الثاني. وما أثبتناه هو الصحيح ، للسياق وكما في المصادر.

(٣ و ٤ ) المهذّب للشيرازي ١ : ١٢٨ ، المجموع ٥ : ٣٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٤ ، المغني ٢ : ٢٤٦ - ٢٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤٦ - ٢٦٥.

(٥) المغني ٢ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦٤ - ٢٦٥ ، المجموع ٥ : ٤٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٤.

(٦) سنن الدار قطني ٢ : ٥٠ / ٢٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦٥.

(٧) حلية العلماء ٢ : ٢٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٠.

(٨) حلية العلماء ٢ : ٢٦٤ ، نيل الأوطار ٣ : ٣٨٨.

١٥٣

وقال أبو حنيفة : يكبّر عقيب الصبح من يوم عرفة إلى العصر من يوم النحر ثمان صلوات. وهو مروي عن ابن مسعود ، لقوله تعالى( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ ) (١) قالوا : والمعلومات هي العشر. وأجمعنا على أنّ فيما قبل عرفة لا يكبّر ، فيجب أن يكبّر يوم عرفة ويوم النحر(٢) .

وهو ممنوع ، فإنّ المراد بذلك التكبير على الهدي في أيام العشر ، أو الذكر على الْاُضحية.

مسألة ٤٥٩ : ويكبّر في الأضحى مَنْ كان بغير منى عقيب عشر صلوات‌ ، أوّلها : ظهر النحر ، وآخرها : صبح الثاني من أيام التشريق - ولم يفرّق أحد من الجمهور بين من كان بمنى وغيرها - لقول الصادقعليه‌السلام : « التكبير في الأمصار عقيب عشر صلوات ، فإذا نفر الحاج النفر الأوّل ، أمسك أهل الأمصار ، ومَنْ أقام بمنى فصلّى الظهر والعصر فليكبّر »(٣) .

ولأنّ الناس في التكبير تبع الحاج ، ومع النفر الأول يسقط التكبير ، فيسقط عمّن ليس بمنى.

وفي وجوب هذا التكبير لعلمائنا قولان(٤) ، أقواهما : الاستحباب ، لأصالة البراءة.

مسألة ٤٦٠ : اختلف علماؤنا في كيفيته ، فقال الشيخ في المبسوط : يكبّر مرّتين ، ثم يقول : لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، الله أكبر على ما هدانا ، ولله الحمد ، والحمد لله على ما هدانا ، وله الشكر على ما أولانا.

____________________

(١) الحج : ٢٨.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٧ ، شرح فتح القدير ٢ : ٤٨ - ٤٩ ، شرح العناية ٢ : ٤٨ ، عمدة القاري ٦ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٤ ، المغني ٢ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦٥.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٦ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦٩ / ٩٢٠.

(٤) من القائلين بوجوبه : السيد المرتضى كما في الانتصار : ٥٧ وحكاه أيضاً عن ابن الجنيد ، الشهيد في الذكرى : ٢٤١.

١٥٤

ويزيد في الأضحى : « ورزقنا من بهيمة الأنعام »(١) .

وفي الخلاف : يكبّر مرّتين ثم يقول : لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد وهو إحدى الروايتين عن عليعليه‌السلام ، وبه قال ابن مسعود والثوري وأبو حنيفة وأحمد(٢) - لأنّ التكبير إذا توالى ، كان شفعاً ، كالأذان وتكبير الجنازة.

ولأنّ جابراً قال : لمـّا صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صبح عرفة أقبل على أصحابه ، فقال : ( على مكانكم ) ثم قال : ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلّا الله والله أكبر ولله الحمد )(٣) (٤) .

وقال ابن بابويه : كان عليعليه‌السلام يبدأ بالتكبير في الأضحى إذا صلّى الظهر يوم النحر ، ويقطع عند الغداة من أيام التشريق ، يقول في دبر كلّ صلاة : « الله أكبر الله أكبر لا إله إلّا الله والله أكبر ولله الحمد »(٥) .

وقال البزنطي : يكبّر في الأضحى ثلاثاً(٦) . وبه قال الشافعي ومالك ، لأنّ جابراً صلّى في أيام التشريق فقال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، ثلاثاً.

ولا يقوله إلّا توقيفاً.

ولأنّ التكبير إذا كان بشعار العيد كان وتراً كتكبير الصلاة(٧) .

والقول عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أولى من الفعل.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٧١.

(٢) المغني ٢ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٠ ، المجموع ٥ : ٤٠.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ٥٠ - ٢٩.

(٤) الخلاف ١ : ٦٦٩ - ٦٧٠ ، المسألة ٤٤٣.

(٥) الفقيه ١ : ٣٢٨ ذيل رقم ١٤٨٧ ، وحكاه عنه أيضاً المحقق في المعتبر : ٢١٣.

(٦) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٢١٣.

(٧) الْاُم ١ : ٢٤١ ، المجموع ٥ : ٣٩ و ٤٠ ، فتح العزيز ٥ : ١١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ١٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢١ ، المغني ٢ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٠ ، وراجع : صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥.

١٥٥

قال الشافعي : وما زاد فحسن ، فإن زاد زيادةً فليقل بعد التكبيرات الثلاث : الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً ، لا إله إلّا الله لا نعبد إلّا إيّاه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قاله على الصفا في حجة الوداع(١) .

وما قلناه أولى ، للنقل عن أهل البيتعليهم‌السلام وهم أعرف.

قال الباقرعليه‌السلام : « يقول في أيام التشريق : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، الله أكبر على ما هدانا ، والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام »(٢) .

تذنيب : لو أدرك الإِمام في بعض الصلاة ، أتمّ بعد تسليم الإِمام‌ ولا يتابعه في التكبير ، لأنّ الإِمام يكبّر بعد خروجه ، فإذا أتمّ المأموم صلاته كبّر عقيبها.

مسألة ٤٦١ : يكبّر خلف الفرائض المذكورة كلّها عند علمائنا ، دون النوافل ، إلّا على رواية(٣) - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في أحد القولين(٤) - لأنّ الباقر والصادقعليهما‌السلام قالا : « التكبير بمنى في دبر خمس عشرة صلاة ، وفي سائر الأمصار عقيب عشر صلوات»(٥) وجعلا آخرها‌

____________________

(١) الاُم ١ : ٢٤١ ، المجموع ٥ : ٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ١١ - ١٢ ، وراجع : صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥.

(٢) الكافي ٤ : ٥١٦ / ٢.

(٣) اُنظر : التهذيب ٣ : ٢٨٩ / ٨٦٩.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٤٤ ، الحجة على أهل المدينة ١ : ٣١٠ ، المدونة الكبرى ١ : ١٧٢ ، القوانين الفقهية : ٨٤ ، المغني ٢ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦٦ - ٢٦٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٤.

(٥) الكافي ٤ : ٥١٦ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦٩ / ٩٢١ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٩ / ١٠٦٩ ، علل الشرائع : ٤٤٧ باب ١٩٩ ، الخصال ٢ : ٥ / ٤ ، وأورد نحوه عن الإِمام الصادقعليه‌السلام ، الكليني في الكافي ١ : ٥١٦ / ١.

١٥٦

صبح الثالث أو الثاني. ولأنّها نوافل فلا يكبّر(١) عقيبها كنوافل يوم عرفة.

وقال الشافعي : يكبّر عقيب النوافل أيضاً ، لأنّها صلاة مفعولة يوم النحر ، فكان التكبير مستحباً عقيبها كالفرائض(٢) .

وبه رواية عندنا عن عليعليه‌السلام أنّه قال : « على الرجال والنساء أن يكبّروا أيام التشريق في دبر الصلوات وعلى مَنْ صلّى وحده ومَنْ صلّى تطوّعاً »(٣) .

مسألة ٤٦٢ : والتكبير مستحبّ للمنفرد‌ كالجامع ، ولمن صلّى في سفر أو حضر ، في بلد كان أو في قرية ، صغيراً كان المصلّي أو كبيراً ، رجلاً كان أو امرأة عند علمائنا - وبه قال مالك والأوزاعي وقتادة والشعبي والشافعي(٤) - لعموم الأخبار.

وقول عليعليه‌السلام : « وعلى مَنْ صلّى وحده »(٥) .

ولأنّ كلّ ذكر يستحب للمسبوق يستحبّ للمنفرد كالتسليمة الثانية. ولأنّ المنفرد يؤذّن ويقيم كالجماعة.

وقال أبو حنيفة : المنفرد يكبّر(٦) ، لأنّ عمر لم يكبّر لمـّا صلّى وحده أيام التشريق(٧) . ولقول ابن مسعود : ليس على الواحد والاثنين أيام التشريق‌

____________________

(١) في « ش » : فلا تكبير.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المجموع ٥ : ٣٦ و ٣٩ ، رحمة الاُمّة ١ : ٩٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٦ ، السراج الوهاج : ٩٧ ، ومختصر المزني : ٣٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٨٩ / ٨٦٩.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ١٧١ ، المجموع ٥ : ٤٠ ، رحمة الاُمة ١ : ٩٠.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٨٩ / ٨٦٩.

(٦) المبسوط للسرخسي ٢ : ٤٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٧ ، بدائع الصنائع ١ : ١٩٧ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٩٣ ، المجموع ٥ : ٤٠ ، المغني ٢ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦٦.

(٧) نسبه إلى بن عمر ، ابن قدامة في المغني ٢ : ٢٤٧.

١٥٧

تكبير(١) . وقولهما ليس حجّةً.

فروع :

أ : إذا فاتته صلاة من هذه الصلوات فقضاها ، كبّر لها‌ وإن فاتت أيام التشريق ، لقولهمعليهم‌السلام : « مَنْ فاتته صلاة فليقضها كما فاتته »(٢) وقد فاتته صلاة يكبّر عقيبها فقضاؤها كذلك.

وقال الشافعي : لا يكبّر ، لأنّ التكبير من سنّة الوقت وقد فات(٣) .

ب : لو صلّى خلف إمام ، تابعه في التكبير‌ ، فإن ترك الإِمام التكبير ، كبّر هو.

ج : لو نسي التكبير ، كبّر حيث ذكر‌ - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّه من هيئات أيام التشريق ، ولهذا لا يأتي به عقيب غيرها.

وقال أبو حنيفة : إذا سلّم ونسي التكبير ، فإن تحدّث قبل التكبير ، أو خرج من المسجد ، أو أحدث عامداً ، لم يكبّر ، وإن ذكر قبل أن يحدّث ، كبّر. ولو ذكر قبل أن يخرج من المسجد ، عاد إلى مكانه وجلس فيه كما يجلس للتشهد ، وكبّر فيه ، وإن لم يكبّر حتى سبقه الحدث ، كبّر ، لأنّه تابع للصلاة فسقط بتركه كسجود السهو(٥) .

د : لا يستحب التكبير في غير أدبار الصلوات المعيّنة‌ ، للتنصيص عليها.

وقال الشافعي : يستحبّ أن يفعل في المنازل والمساجد والطرق من غير‌

____________________

(١) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٤٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٦٦ ، والنووي في المجموع ٥ : ٤٠.

(٢) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٧٢ ذيل المسألة ٤٤٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المجموع ٥ : ٣١ و ٣٦.

(٤) المجموع ٥ : ٣٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٥ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٥.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ٤٥ ، بدائع الصنائع ١ : ١٩٦ ، شرح فتح القدير ٢ : ٥٠ ، البحر الرائق ٢ : ١٦٥.

١٥٨

قيد بوقت أو حال(١) .

ه- : يستحب إحياء ليلتي العيدين بفعل الطاعات ، لقولهعليه‌السلام : ( مَنْ أحيى ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب )(٢) .

وما يضاف إلى القلب فإنّه أعظم وقعاً ، لقوله تعالى( فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (٣) وموت القلب : الكفر في الدنيا ، والفزع في الآخرة.

مسألة ٤٦٣ : يكره التنفّل في العيدين قبل صلاة العيد ، وبعدها‌ إلى الزوال للإمام والمأموم - وبه قال عليعليه‌السلام ، والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة(٤) - لأنّ ابن عباس روى أنّ النبيعليه‌السلام خرج يوم الفطر ، فصلّى ركعتين لم يتنفّل قبلهما ولا بعدهما(٥) .

ورأى عليعليه‌السلام قوماً يصلّون قبل العيد ، فقال : « ما كان يفعل ذلك على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٦) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام في صلاة العيدين : « ليس قبلهما ولا بعدهما صلاة»(٧) .

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ١٣ ، المجموع ٥ : ٣٢.

(٢) كنز العمال ٨ : ٥٤٨ / ٢٤١٠٧ ، مجمع الزوائد ٢ : ١٩٨ نقلا عن الطبراني في الكبير والأوسط ، ثواب الأعمال للصدوق : ١٠١ - ١٠٢ / ١ و ٢ بتفاوت يسير.

(٣) البقرة : ٢٨٣.

(٤) شرح فتح القدير ٢ : ٤٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٥ ، شرح العناية ٢ : ٤٢ ، المجموع ٥ : ١٣ ، المغني ٢ : ٢٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٥٨.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٣٠ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٠٦ / ٨٨٤ ، سنن النسائي ٣ : ١٩٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤١٠ / ١٢٩١ ، سنن الترمذي ٢ : ٤١٧ / ٥٣٧ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠١ / ١١٥٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٩٥ و ٣٠٢.

(٦) نقله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٥٨ ، وانظر : كنز العمال ٨ : ٦٤٢ / ٢٤٥٢٩.

(٧) الكافي ٣ : ٤٥٩ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٢٩ / ٢٧٦ ، الاستبصار ١ : ٤٤٣ - ٤٤٤ / ١٧١٢ ، وثواب الأعمال : ١٠٣ - ١٠٤ / ٧.

١٥٩

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء »(١) .

وقال الشافعي : يكره للإِمام قبل الصلاة وبعدها ، لئلّا يتشاغل بغير الخطبة والصلاة ، وأمّا المأموم فيجوز أن يصلّي قبلها وبعدها ، لعدم المعنى فيه(٢) . وبه قال الحسن البصري ، وهو مروي عن أنس وأبي هريرة وسهل بن سعد الساعدي ورافع بن خديج(٣) .

وعن مالك إذا صلّى العيد في المسجد روايتان : إحداهما : يجوز التنفّل - ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام ، وابن عمر(٤) - وإن صلّى في غير المسجد ، لم يتنفّل قبلها ولا بعدها(٥) .

وقال أحمد : إنّما يكره التنفّل في موضع الصلاة ، فأمّا في غيره فلا بأس به. وكذا لو خرج منه ثم عاد إليه بعد الصلاة فلا بأس بالتطوّع فيه(٦) .

والعموم ينافيه.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ أصحابنا استحبّوا صلاة ركعتين في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لمن كان بالمدينة قبل خروجه إلى العيد ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ركعتان من السنّة ليس تصلّيان في موضع إلّا بالمدينة تصلّى في مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في العيد قبل أن يخرج إلى المصلّى ، ليس ذلك إلّا بالمدينة ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) ثواب الأعمال : ١٠٣ / ٤ و ٦ ، الكافي ٣ : ٤٦٠ / ٣ ، التهذيب ٣ : ١٢٨ / ٢٧١ ، الاستبصار ١ : ٤٤٦ / ١٧٢٢ و ١٧٢٣ ، وفي الكافي والمورد الثاني من الاستبصار : مضمراً.

(٢) المجموع ٥ : ١٢ و ١٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥٥ ، مختصر المزني : ٣١ ، المغني ٢ : ٢٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٥٩.

(٣) المجموع ٥ : ١٣.

(٤) المغني ٢ : ٢٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٥٨ ، المجموع ٥ : ١٣.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٤٤ ، المغني ٢ : ٢٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٥٨ ، المدونة الكبرى ١ : ١٧٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٠.

(٦) المغني ٢ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦٠.

١٦٠

فعله »(١) .

ولو اُقيمت صلاة العيد في المسجد لعذر ، استحبّت صلاة التحية فيه ايضاً وإن كان الإِمام يخطب ، ولا يصلّي العيد ، لأنّه إنّما يسنّ له الاشتغال مع الإِمام بما أدرك لا قضاء ما فاته ، وإنّما يصلّي تحية المسجد ، لأنّه موضع ذلك وليس بموضع صلاة العيد ، وبه قال بعض الشافعية.

وقال بعضهم : يصلّي العيد ، لأنها أولى من تحية المسجد ويغني عنها ، كما لو دخل المسجد وصلّى الفريضة أغنى ذلك عن تحية المسجد(٢) .

ولو اُقيمت في المصلّى ، اشتغل بسماع الخطبة لا بالصلاة ، لأنّ المصلّي لا تحية له حيث لم يكن مسجداً ، ولا يشتغل بقضاء العيد ، لقول الصادقعليه‌السلام : « تجلس حتى يفرغ من خطبته ، ثم تقوم فتصلّي »(٣) .

ولأن الخطبة من تمامها ، فينبغي أن يشتغل بما أدرك.

مسألة ٤٦٤ : لو فاتت لم تقض ، سواء كانت فرضاً أو نفلاً ، عمداً كان الفوات أو نسياناً‌ ، عند أكثر علمائنا(٤) - وبه قال مالك وأبو ثور وداود والمزني(٥) - لأنّها صلاة شرّع لها الاجتماع والخطبة ، فلا تقضى بعد فوات وقتها كالجمعة.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « من لم يصلّ مع الإِمام في جماعة فلا صلاة‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦١ / ١١ ، الفقيه ١ : ٣٢٢ / ١٤٧٥ ، التهذيب ٣ : ١٣٨ / ٣٠٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٧ ، المجموع ٥ : ٢٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٥٩.

(٣) التهذيب ٣ : ١٣٦ / ٣٠١.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٦٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١١١ ، والمحقق في المعتبر : ٢١٠.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٢١٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٨ ، التفريع ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٥ : ٢٩ ، الميزان للشعراني ١ : ١٩٥ ، رحمة الاُمّة : ٧٨ ، عمدة القاري ٦ : ٣٠٧ ، والذي عثرنا عليه من مذهب أبي ثور أنّه إذا فاتت يصلّي ركعتين. انظر : عمدة القارئ ٦ : ٣٠٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٩ ، المغني ٢ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٢٩.

١٦١

له ، ولا قضاء عليه ».(١)

ولأنّ القضاء منفي بالأصل ولم يوجد المعارض.

وقال أحمد : إنّها تقضى ركعتان - وللشافعي كالقولين ، وكذا عن أبي حنيفة روايتان(٢) - لأنّ ركباً جاؤا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشهدوا أنّهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يفطروا ، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلّاهم(٣) . ولأنّها صلاة أصل مؤقتة ، فلا تسقط بفوات الوقت كالفرائض(٤) .

ولا حجة في الحديث ، لاحتمال عدم الوثوق بهم ، فلزمهم الإِفطار تدييناً لهم بما عرفوه ، ولم يثبت بشهادتهم الهلال ، والمضيّ إلى العيد تبعاً لعمل الناس ، والقضاء في الفرائض بالنص.

واختلفت الشافعية ، فقال بعضهم : لا تقضى أبداً. وقال بعضهم : تقضى أبداً. وقال بعضهم : لا تقضى إلّا في الحادي والثلاثين. وقال بعضهم : تقضى في شهر العيد كلّه(٥) .

فروع :

أ : قال الشيخ : إن شاء صلّى أربعاً ، وإن شاء اثنتين من غير أن يقصد القضاء(٦) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعاً »(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٣ : ١٢٨ / ٢٧٣ ، الاستبصار ١ : ٤٤٤ / ١٧١٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٨ ، المجموع ٥ : ٢٧ و ٢٩ ، الوجيز ١ : ٧٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٠.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٣٠٠ / ١١٥٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٨٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣١٦.

(٤) المغني ٢ : ٢٤٤ - ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٢٥.

(٥) المجموع ٥ : ٢٨ - ٢٩ ، الوجيز ١ : ٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٦٢.

(٦) التهذيب ٣ : ١٣٤ ، ذيل الحديث ٢٩٢.

(٧) التهذيب ٣ : ١٣٥ / ٢٩٥ ، الاستبصار ١ : ٤٤٦ / ١٧٢٥.

١٦٢

والسند ضعيف. وبقول الشيخ قال أحمد والثوري(١) .

ب : لو أدرك الإِمام في التشهّد ، جلس معه ، فإذا سلّم الإِمام قام فصلّى ركعتين - إن قلنا بالقضاء - يأتي فيهما بالتكبير.

ج : لو أدركه في ركوع الثانية ، وجبت المتابعة‌ ، لأنّه مدرك للفرض حينئذٍ ، فيركع ، فإذا سلّم الإِمام ، قام فأتمّ الصلاة وقد فاته تكبير الْاُولى ، وفي قضائه ما تقدّم.

ولو أدركه رافعاً من ركوعها ، فاتته الصلاة.

ولو أدركه في أثناء التكبير ، تابعه في الباقي ، فإن تمكّن بعد ذلك من التكبير ولاءً قضاءً عمّا فات ، فعل ، وإلّا سقط.

د : يحرم السفر بعد طلوع الشمس على المكلّف بها‌ حتى يصلّي العيد ، لتوجّه الأمر حينئذٍ ، فيحرم عليه الإِخلال به ، ويكره بعد الفجر قبل طلوع الشمس ، لقرب وقت العبادة ، فلا ينبغي الإِخلال بها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد ، فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد »(٢) .

ولا بأس به قبل الفجر إجماعاً.

مسألة ٤٦٥ : إذا أصبح صائماً يوم الثلاثين فشهد شاهدان أنّ الهلال كان بالأمس‌ وأنّ اليوم يوم عيد فعُدِّلا قبل الزوال ، أو شهدا ليلة الثلاثين وعُدِّلا يوم الثلاثين قبل الزوال ، خرج الإِمام وصلّى بالناس العيد ، صغيراً كان البلد أو كبيراً ، إجماعاً ، لأنّ الوقت باقٍ إلى زوال الشمس.

ولو شهدا يوم الحادي والثلاثين أنّ الهلال كان ليلة الثلاثين ، أو شهدا بعد غروب الشمس ليلة الحادي والثلاثين أنّ الهلال كان ليلة الثلاثين وعُدِّلا ،

____________________

(١) المغني ٢ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦١ ، العدة شرح العمدة : ١١٣ ، رحمة الاُمة ١ : ٨٧ - ٨٨.

(٢) الفقيه ١ : ٣٢٣ / ١٤٨٠ ، التهذيب ٣ : ٢٨٦ / ٨٥٣.

١٦٣

فقد فات العيد ، وفات وقت صلاته ، ولا قضاء عندنا ، وبه قال أبو حنيفة.

وقال الشافعي : يصلّي بالناس يوم الحادي والثلاثين قبل الزوال ، وتكون الصلاة أداءً لا قضاءً. وبه قال الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق.

لقولهعليه‌السلام : ( فطركم يوم تفطرون ، وأضحاكم يوم تضحّون ، وعرفتكم يوم تعرفون )(١) .

وهو محمول على ما إذا لم يثبت.

وإن شهدا قبل الزوال يوم الثلاثين أنّ الهلال كان البارحة وعُدِّلا بعد الزوال ، أو شهدا بعد الزوال وعُدِّلا بعده ، فلا قضاء في ذلك ، لفوات وقت الصلاة - وهو أحد قولي الشافعي ، وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة ، وبه قال مالك والمزني وأبو ثور وداود - لأنّها لو قضيت في غد يومها لقضيت في يومها بل كان أولى.

والقول الثاني للشافعي : إنّها تقضى ، وبه قال أحمد ، لما تقدّم في حديث الركب(٢) .

ثم قال - على تقدير القضاء - : إن كان البلد صغيرا يمكن اجتماع الناس في بقية اليوم ، جمع الناس ، وإن لم يمكن ذلك لكبر البلد قضى من الغد.

وعند أصحاب أبي حنيفة وأحمد أنّها تقضى من الغد مطلقاً. وقد تقدّم.

فإن شهد يوم الثلاثين قبل الزوال وعُدِّلا يوم الحادي والثلاثين أو ليلته ، أو شهدا بعد الزوال وعُدِّلا يوم الحادي والثلاثين أو ليلته ، فلا قضاء عندنا - وهو أحد قولي الشافعي - لما تقدّم.

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ١٧٦ ، والاُم ١ : ٢٣٠ ، وكنز العمال ٨ : ٤٨٨ / ٢٣٧٦١ ، والجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٢١٨ / ٥٨٩١.

(٢) تقدّم في المسألة ٤٦٤.

١٦٤

وفي الثاني : تقضى ، لأنّ الاعتبار بالشهادة إذا عُدِّلا بحال إقامتها لا بحال التعديل ، فإذا عُدِّلا يوم الحادي والثلاثين وكانت الشهادة يوم الثلاثين حكمنا بأنّ الفطر كان حين الشهادة فيكون فطرهم بالأمس ، ويكون فعلها قضاءً(١) .

مسألة ٤٦٦ : ويستحب إذا مشى في طريق أن يرجع في غيرها‌ - وبه قال مالك والشافعي وأحمد(٢) - لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَله(٣) ، إمّا قصداً لسلوك الأبعد في الذهاب ليكثر ثوابه بكثرة خطواته إلى الصلاة ، ويعود في الأقرب ، لأنّه أسهل وهو راجع إلى منزله ، أو ليشهد له الطريقان ، أو ليساوي بين أهل الطريقين من الضعفاء في التبرّك بمروره وسرورهم برؤيته ، وينتفعون بمسألته ، أو ليتصدّق على أهل الطريقين من الضعفاء ، أو ليتبرّك الطريقان بوطئه عليهما ، فينبغي الاقتداء به ، لاحتمال بقاء المعنى الذي فعله من أجله.

ولأنّه قد يفعل الشي‌ء لمعنى ويبقى في حقّ غيره سنّة مع زوال المعنى كالرمل(٤) والاضطباع(٥) في طواف القدوم ، فعله هو وأصحابه(٦) لإِظهار الجَلَد‌

____________________

(١) راجع بشأن الفروع المذكورة من قوله : ولو شهدا يوم الحادي والثلاثين ، إلى آخره : الخلاف ١ : ٦٧٢ - ٦٧٣ ، المسألة ٤٤٧.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ١٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٦ ، المجموع ٥ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦ ، المغني ٢ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٢٤ / ٥٤١ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٠ / ١١٥٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤١٢ / ١٢٩٨ - ١٣٠١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٩٦.

(٤) الرمل ، بالتحريك : إسراع المشي مع تقارب الخُطا. اُنظر : النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٦٥ ، مجمع البحرين ٥ : ٣٨٥ « رمل ».

(٥) الاضطباع : هو أن يأخذ الازار فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر من جهتي صدره وظهره. النهاية لابن الأثير ٣ : ٧٣ « ضبع ».

(٦) راجع : سنن أبي داود ٢ : ١٧٧ / ١٨٨٣ و ١٨٨٤ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٩٨٣ - ٩٨٤ / ٢٩٥٠ و ٢٩٥١ و ٢٩٥٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٩.

١٦٥

للكفّار وبقي سنّة بعد زوالهم ، ولهذا قال عمر : فيم الرمل الآن؟ ولِمَ نُبدي مناكبنا وقد نفى الله المشركين؟(١) .

مسألة ٤٦٧ : يكره الخروج بالسلاح إلى صلاة العيدين ، لمنافاته الخضوع والاستكانة إلّا أن يخاف العدوّ فيجوز. ولقول الباقرعليه‌السلام : « نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يُخرج السلاح في العيدين إلّا أن يكون عدوّ ظاهر »(٢) .

مسألة ٤٦٨ : يستحب التعريف عشية عرفة‌ بالأمصار في المساجد ، لما فيه من الاجتماع لذكر الله تعالى. وفعله ابن عباس بالبصرة(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيّب ، وليصلّ وحده كما يصلّى في الجماعة ، وفي يوم عرفة يجتمعون بغير إمام في الأمصار يدعون الله عزّ وجلّ »(٤) .

مسألة ٤٦٩ : يحرم على الرجال التزين يوم العيد وغيره بلبس الحرير المحض‌ - وقد تقدّم(٥) - والقز من الحرير.

وفيه وجه للشافعية ، لأنّه ليس من ثياب الزينة(٦) .

والمركّب من الإِبريسم وغيره سائغ إن تساويا ، أو كان الإِبريسم أكثر ما لم يخرج بالاسم إليه.

وللشافعي قولان : أحدهما : إن كان الإِبريسم أكثر كالخز سداه إبريسم‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣٦ ، وفي سنن أبي داود ٢ : ١٧٨ / ١٨٨٧ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٩٨٤ / ٢٩٥٢ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٩ نحوه.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٠ / ٦ ، التهذيب ٣ : ١٣٧ / ٣٠٥.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٥٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٧١.

(٤) التهذيب ٣ : ١٣٦ / ٢٩٧ و ٢٩٨.

(٥) تقدم في ج ٢ ص ٤٧٠ ، المسألة ١٢٤.

(٦) فتح العزيز ٥ : ٢٩.

١٦٦

ولحمته صوف لم يحرم ، وإن انعكس حرم ، وإن تساويا فوجهان : أصحّهما : أنّه لا يحرم. والثاني : أنّه لا ينظر إلى القلّة والكثرة ، بل إلى الظهور ، فإن ظهر حرم وإن كان أقل ، وإلّا حلّ وإن كان أكثر(١) .

ولا بأس بافتراشه - خلافاً للشافعي(٢) - للرجال والنساء ، وعنده في النساء وجهان(٣) .

ويجوز للمسافر لخوف القمّل والحكة ، وكذا للحكة في الحضر.

وللشافعية فيه وجهان(٤) .

* * *

____________________

(١) الوجيز ١ : ٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٢٩ ، كفاية الأخيار ١ : ١٠٠.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٩.

(٣) المجموع ٣ : ١٨٠ ، الوجيز ١ : ٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤ - ٣٥ ، كفاية الأخيار ١ : ١٠٠.

(٤) الوجيز ١ : ٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧.

١٦٧

الفصل الثالث : صلاة الكسوف

وفيه مطلبان :

الأول : الماهية‌

مسألة ٤٧٠ : هذه الصلاة فرض على الأعيان عند علمائنا أجمع ، لقوله تعالى( لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ ) الآية(١) ، ذكر الله تعالى جميع الآيات ، وخصّ هاتين بالسجود عند ذكرهما ، فاختصّا بتلك العبادة.

وقال ابن عباس : خسفت الشمس على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يصلّي والناس معه ، ثم قال : ( أيّها الناس : إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله سبحانه ، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك ، فأفزعوا إلى ذكر الله تعالى )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « هي فريضة »(٣) .

وقول الكاظمعليه‌السلام : « إنّه لما قبض إبراهيم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، جرت ثلاث سُنن : أمّا واحدة ، فإنّه لمـّا مات انكسفت الشمس لفقد ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيّها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان‌

____________________

(١) فصّلت : ٣٧.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٨ ، اختلاف الحديث ١٣٥ و ١٤٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٤ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٩٣ / ٨٨٦.

١٦٨

من آيات الله ، يجريان بأمره ، مطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا ، ثم نزل فصلّى بالناس صلاة الكسوف »(١) .

والأمر للوجوب ، وقد حصل من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قولاً وفعلاً.

وقال الجمهور كافّة : بالاستحباب(٢) ، للأصل.

وما ذكرناه يقتضي العدول عنه.

مسألة ٤٧١ : وهي ركعتان تشتمل كلّ ركعة على خمس ركوعات ، وسجدتين‌ عند علمائنا أجمع ، لقول أبي بن كعب : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ركع خمس ركوعات ، ثم سجد سجدتين ، وفعل في الثانية مثل ذلك(٣) .

ومثله روى جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

وصلّى عليّعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ذلك(٥) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « هي عشر ركعات بأربع سجدات »(٦) .

وقال أبو حنيفة وإبراهيم النخعي والثوري : إنّها ركعتان كالفجر ، فإن زاد ركوعا بطلت صلاته ، لأنّ قبيصة روى : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٨ / ٧ و ٤٦٣ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٤ / ٣٢٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المجموع ٥ : ٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٦٩ ، الوجيز ١ : ٧١ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٠ ، الشرح الصغير ١ : ١٨٩ ، المدونة الكبرى ١ : ١٦٤ ، المغني ٢ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٣.

(٣) سنن البيهقي ٣ : ٣٢٩.

(٤) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٦٨ ، مجمع الزوائد ٢ : ٢٠٧ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٩.

(٦) الكافي ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٥.

١٦٩

قال : ( إذا رأيتموها فصلّوا كأحدث صلاة صلّيتموها من المكتوبة )(١) (٢) .

ولا حجّة فيه ، لأنّه مرسل. ولاحتمال أنّه صلّى ركعتين في كلّ ركعة خمس ركوعات. ولأنّ أخبارنا أولى ، لاشتمالها على الزيادة مع عدم لفظ يدلّ على المنافاة.

وقال الشافعي : يصلّي ركعتين في كلّ ركعة ركوعان وسجدتان وقيامان وقراءتان - وبه قال مالك وأحمد وإسحاق ، وروي عن ابن عباس وعثمان - لأنّ ابن عباس وعائشة وصفا صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : في كلّ ركعة ركوعان وسجدتان وقيامان(٣) (٤) .

وأحاديثنا أولى ، لاشتمالها على الزيادة. ولأنّ اُبيّاً أسنّ من ابن عباس وعائشة ، وأعرف بأفعال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لعدم مخالطة عائشة الرجال ، وصغر ابن عباس ، خصوصاً مع فعل عليعليه‌السلام ، وأهل بيته ، كما قلناه.

وقال إسحاق وابن المنذر : إنّه يصلّي ست ركعات وأربع سجدات. وهو مروي عن ابن عباس وعائشة. ورواه الجمهور عن عليّعليه‌السلام . وجوّزه أحمد(٥) .

مسألة ٤٧٢ : وكيفيتها عند علمائنا‌ أن يكبّر للافتتاح اوّلاً ثمّ يقرأ الحمد‌

____________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٣٠٨ - ٣٠٩ / ١١٨٥ ، سنن النسائي ٣ : ١٤٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٣٤.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٦ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٠ ، المجموع ٥ : ٦٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٠ ،

(٣) سنن أبي داود ١ : ٣٠٧ / ١١٨٠ و ١١٨١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠١ / ١٢٦٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٧.

(٤) الاُم ١ : ٢٤٥ ، المجموع ٥ : ٤٧ و ٦٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٧ - ٢٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٠ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٩ ، التفريع ١ : ٢٣٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٧٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٧ - ٣٢٨ ، المغني ٢ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨١ و ٢٨٢.

١٧٠

وسورة أيّها شاء أو بعضها ، ثم يركع فيذكر الله تعالى ، ثم ينتصب ، فإن كان قد قرأ أوّلاً السورة كملاً ، قرأ الحمد ثانياً ، وسورةً أو بعضها ، ثم يركع فيذكر الله تعالى ، ثم ينتصب ، فإن كان قد أتمّ السورة ، قرأ الحمد وسورة أو بعضها ، وهكذا خمس مرّات ، ثم يسجد سجدتين إذا انتصب من الركوع الخامس بغير قراءة ، ثم يقوم فيعتمد ما فعله أوّلاً خمس مرّات ، ثم يسجد مرّتين ، ثم يتشهد ويُسلّم

وكلّ قيام لم يكمل فيه السورة إذا انتصب من الركوع بعده تمّم السورة أو بعضها من غير أن يقرأ الحمد.

لقول أحدهماعليهما‌السلام : « تبدأ فتكبّر لافتتاح الصلاة ، ثم تقرأ اُمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ اُمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع الثالثة ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ اُمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع الرابعة ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ اُمّ الكتاب وسورة ، ثم تركع الخامسة ، فإذا رفعت رأسك قلت : سمع الله لمن حمده ، ثم تخرّ ساجداً فتسجد سجدتين ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الْاُولى » قال : قلت : وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرّقها بينها؟ قال : « أجزأه اُمّ الكتاب في أول مرّة ، وإن قرأ خمس سور ، فمع كلّ سورة اُمّ الكتاب »(١) .

فروع :

أ : لو قرأ في القيام الأول الحمد وبعض السورة‌ هل يتعيّن عليه في الثاني الابتداء من الموضع الذي انتهى إليه ، أم يجوز له أن يقرأ من أيّ موضع اتفق؟

الأحوط : الأول.

ب : لو قرأ بعض السورة في الأول هل يجوز له العدول إلى سورة أُخرى؟ ظاهر كلامه في المبسوط(٢) ذلك ، فيتعيّن أن يقرأ الحمد أوّلاً على‌

____________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٥ / ٣٣٣.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٧٣.

١٧١

إشكال.

ج : لو قرأ بعض السورة في الأول وسوّغنا العدول ، أو الابتداء بأيّ موضع شاء ، جاز له أن يبتدئ من أول السورة التي قطعها.

وهل تتعيّن حينئذٍ الفاتحة؟ إشكال ينشأ : من إجزاء بعضها بغير الحمد فالكلّ أولى ، ومن وجوب قراءة الحمد مع الابتداء بأول السورة.

د : الأقرب : وجوب كمال السورة في الخمس‌ لصيرورتها حينئذٍ بمنزلة ركعة فيجب فيها الحمد وسورة.

وهل يجوز تفريق سورتين أو ثلاث؟ إشكال ينشأ : من تجويز قراءة خمس وسورة فجاز الوسط ، ومن كونها بمنزلة ركعة فلا تجوز الزيادة أو خمس فيجب الخمس. والأقرب : الجواز.

ه - : الأقرب : جواز أن يقرأ في الخمس سورة‌ وبعض اُخرى ، فإذا قام إلى الثانية ، ابتدأ بالحمد وجوباً ، لأنّه قيام عن سجود ، فوجب فيه الفاتحة ، ثم يبتدئ بسورة من أولها ، ثم إمّا أن يكملها أو يقرأ بعضها.

ويحتمل أن يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه أوّلاً من غير أن يقرأ الحمد ، لكن يجب أن يقرأ الحمد في الركعة الثانية بحيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرّة في الركعتين معاً.

و : الأقرب : أنّه ليس له إذا قرأ في قيام بعض السورة أن يقرأ في القيام الذي بعده بعضاً من سورة اُخرى‌ ، بل إمّا أن يكملها ، أو يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه بعضها.

ز : يستحب له بعد تكبيرة الافتتاح أن يدعو بالتوجّه‌ كغيرها من الفرائض.

مسألة ٤٧٣ : يستحب أن يقرأ السور الطوال مع السعة ، مثل : الكهف والأنبياء ، لقول زرارة ومحمد بن مسلم : كان الباقرعليه‌السلام

١٧٢

يستحب أن يقرأ فيها بالكهف والحجر ، إلّا أن يكون إماماً يشقّ على مَنْ خلفه(١) .

وفي رواية أبي بصير : « مثل يس والنور »(٢) .

وقال الشافعي : يقرأ في الْاُولى سورة البقرة أو بقدر آيها ، وكذا في القيام الثاني ، ثم يسجد ، ثم يقوم فيقرأ بعد الحمد مائة وخمسين آية من البقرة ، وفي القيام الثاني بقدر مائة آية من البقرة ، ولو ضاق الوقت لم تجز الإِطالة(٣) .

مسألة ٤٧٤ : يستحب الإِطالة بقدر الكسوف ، وبه قال الفقهاء - خلافاً لأبي حنيفة(٤) - لأنّ عائشة قالت : خسفت الشمس في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في المسجد بالناس ، وقرأ قراءة طويلة ، وركع ركوعاً طويلاً(٥) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « كسفت الشمس في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصلّى بالناس ركعتين ، وطوّل حتى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام »(٦) .

ولأنّ الغاية استدفاع المخوف وطلب ردّ النور ، فينبغي الاستمرار باستمراره.

مسألة ٤٧٥ : ويستحب إطالة الركوع والسجود.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٤ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٤ / ٨٩٠.

(٣) الام ١ : ٢٤٥ ، المجموع ٥ : ٤٨ ، مختصر المزني : ٣٢ ، الوجيز ١ : ٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٧٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٢.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٤ و ٧٥ ، اللباب ١ : ١١٩ - ١٢٠.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٦١٨ - ٦١٩ / ٩٠١ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٧ - ١١٨٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٤٩ / ٥٦١ ، سنن النسائي ٣ : ١٣٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠١ / ١٢٦٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ / ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢١.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩٣ / ٨٨٥.

١٧٣

أمّا إطالة الركوع : فقال علماؤنا : يستحب أن يكون بقدر قراءته ، لأنّ عبد الله بن عمر قال في صفة صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قام قياماً طويلاً ، وركع ركوعاً طويلاً(١) . وظاهره المساواة في نظيره.

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « وتطيل القنوت على قدر القراءة والركوع والسجود ، فإن تجلّى قبل أن تفرغ أتمَّ ما بقي »(٢) .

وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور(٣) .

وفي الآخر : يركع فيسبّح في الأول بقدر مائة آية من سورة البقرة ، وفي الركوع الثاني بقدر ثلثي الركوع الأول ، وفي الركوع الثالث - الذي هو أول ركوع الثانية - بقدر سبعين من سورة البقرة ، وفي الرابع - وهو ثاني الثانية - بقدر خمسين آية من سورة البقرة ، لرواية ابن عباس(٤) (٥) .

وقال أبو حنيفة : يركع مثل ركوع الفجر(٦) .

وأمّا إطالة السجود : فاستحبّه علماؤنا - وبه قال أحمد والشافعي في أحد القولين(٧) - لقول ابن عمر في صفة صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في الكسوف : ثم سجد فلم يكد يرفع(٨) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « تطيل الركوع‌

____________________

(١) سنن ابي داود ١ : ٣١٠ / ١١٩٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٥.

(٣) المجموع ٥ : ٤٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٩ ، التفريع ١ : ٢٣٦ ، الشرح الصغير ١ : ١٩٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٤٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٦ / ٩٠٧ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢١.

(٥) الاُم ١ : ٢٤٥ ، مختصر المزني : ٣٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٥ : ٧٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٨ - ٣١٩.

(٦) المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨ ، المجموع ٥ : ٦٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٨ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٦.

(٧) المجموع ٥ : ٤٩ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥ ، كشاف القناع ٢ : ٦٣.

(٨) سنن أبي داود ١ : ٣١٠ / ١١٩٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٤.

١٧٤

والسجود »(١) .

وقال الشافعي في الآخر : لا يستحب إطالة السجود ، لأنّه لم ينقل(٢) .

وهو ممنوع.

مسألة ٤٧٦ : يستحب له أن يكبّر كلّما انتصب من الركوع ، إلّا في الخامس والعاشر ، فإنّه يقول فيهما : سمع الله لمن حمده ، عند علمائنا ، لأنّ التكبير أعظم وأتمّ في الإِجلال فكان أولى.

ولأنّ الركوعات وإن تكرّرت فهي تجري مجرى ركعة واحدة ، فيكون « سمع الله » في آخرها كغيرها من الفرائض.

وقول الصادقعليه‌السلام : « تركع وتكبّر وترفع رأسك بالتكبير ، إلّا في الخامسة والعاشرة ، تقول : سمع الله لمن حمده »(٣) .

وقال الجمهور : تقول في كلّ رفع : سمع الله لمن حمده ربّنا ولك الحمد ، لأنّه قيام عن الركوع ، فاستحبّ هذا القول كغيرها من الفرائض(٤) .

والفرق ما تقدّم.

مسألة ٤٧٧ : يستحب أن يقنت خمس مرّات : في القيام الثاني من الركوعات ، والرابع والسادس والثامن والعاشر‌ - خلافاً للجمهور ، فإنّهم أنكروا القنوت(٥) - لقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « والقنوت في الركعة الثانية قبل الركوع ، ثم في الرابعة والسادسة والثامنة والعاشرة »(٦) .

ولأن القنوت مظنّة إجابة الدعاء ، فشرّع للحاجة ، كما قنت النبي صلّى‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٤ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٥.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المجموع ٥ : ٤٩ ، الوجيز ١ : ٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٧٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٤ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٥ وفيهما عن الإمام الباقرعليه‌السلام .

(٤) المجموع ٥ : ٥٢ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥.

(٥) كما في المعتبر للمحقق الحلّي : ٢١٨.

(٦) التهذيب ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ / ٣٣٣.

١٧٥

الله عليه وآله ، على المشركين(١) .

مسألة ٤٧٨ : يستحب إيقاعها تحت السماء ، لأنّه في موضع سؤال وطلب حاجة ردّ النور ، فاستحبت تحت السماء ، كغيرها من صلوات الحوائج.

ولأنّه مقام خضوع واستكانة واستعطاف ، فشرّع فيها البروز تحت السماء ، كالاستسقاء.

وقول الباقرعليه‌السلام : « وإن استطعت أن تكون صلاتك بارزاً لا يجنّك(٢) بيت فافعل »(٣) .

وقال الشافعي : يكون في المساجد ، وأطلق ، وكذا أحمد(٤) ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّاها في المسجد(٥) .

ولأنّ وقته ضيّق ، فلو خرج إلى المصلّى احتمل الانجلاء قبل فعلها.

ولا يلزم من صلاتهعليه‌السلام في المسجد منافاة ما قلناه ، لأنّ مسجدهعليه‌السلام كان بارزاً.

ولا نقول بالخروج إلى المصلّى مع ضيق الوقت ، بل أين صُلّيت تصلّى تحت السماء.

مسألة ٤٧٩ : يستحب الجهر بالقراءة في الكسوفين عند علمائنا‌ - وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد وإسحاق(٦) - لأنّ عائشة قالت : خسفت الشمس‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٣٢ ، صحيح مسلم ١ : ٤٦٨ / ٦٧٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٦٨ / ١٤٤٢ و ١٤٤٣ ، سنن النسائي ٢ : ٢٠٠ ، مسند أحمد ٣ : ١٩٦.

(٢) جنّ : ستر. القاموس المحيط ٤ : ٢١٠ « جنن ».

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ - ١٥٧ / ٣٣٥.

(٤) المجموع ٥ : ٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٤.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٩ - ٣ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٧ / ١١٨٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤١ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ / ٣.

(٦) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥ ، المجموع ٥ : ٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٢ ، المبسوط =

١٧٦

على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصلّى ، وجهر في صلاته بالقراءة(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الشيخ في الخلاف : روي عن عليعليه‌السلام أنه صلّى لكسوف الشمس ، فجهر فيها بالقراءة(٢) .

قال الشيخ : وعليه إجماع الفرقة(٣) .

وقال الشافعي : يسرّ في خسوف الشمس ، ويجهر في خسوف القمر - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - لأنّ سمرة بن جندب قال : خسفت الشمس فصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام أطول قيامه في صلاة قطّ ، ولم أسمع له حسّاً(٥) .

ولأنّها صلاة نهار فلم يجهر فيها كالظهر(٦) .

وهذا القول عندي لا بأس به ، لقول الباقرعليه‌السلام ، في حديث صحيح : « ولا تجهر بالقراءة»(٧) وهو أصحّ حديث بلغنا في هذا الباب.

____________________

= للسرخسي ٢ : ٧٦ ، اللباب ١ : ١١٩ ، سبل السلام ٢ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٨.

(١) صحيح البخاري ٢ : ٤٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٠ / ٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٥٢ / ٥٦٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٤٨ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ / ٥.

(٢) الخلاف ١ : ٦٨١ المسألة ٤٥٥ وانظر : سنن البيهقي ٣ : ٣٣٦.

(٣) الخلاف ١ : ٦٨١ المسألة ٤٥٥.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨ ، الاختيار ١ : ٩١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٧٩ ، التفريع ١ : ٢٣٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٢ ، فتح العزيز ٥ : ٧٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٨.

(٥) سنن أبي داود ١ : ٣٠٨ / ١١٨٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٢ / ١٢٦٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٣٥.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المجموع ٥ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٨ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٥ - ٢٧٦.

(٧) لم نعثر على هذه الرواية بهذا اللفظ ، بل الموجود في الكافي ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ / ٢ ، والتهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٥ : رواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام : « وتجهر

١٧٧

وعلى كلّ تقدير ، فإنّ الخلاف في الاستحباب لا الوجوب ، فلو جهر في الكسوف وخافت في خسوف القمر ، جاز إجماعاً.

المطلب الثاني : في الموجب واللواحق‌

مسألة ٤٨٠ : كسوف الشمس سبب لهذه الصلاة‌ إجماعاً ، وجوباً عندنا ، واستحباباً عند الجمهور.

وكذا خسوف القمر عند علمائنا أجمع - وبه قال عطاء والحسن والنخعي والشافعي وأحمد وإسحاق(١) - لقولهعليه‌السلام : ( إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلّوا )(٢) فأمر بالصلاة لهما أمرا واحدا.

ومن طريق الخاصة : قول الكاظمعليه‌السلام : « فصعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيّها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره ، مطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا انكسفا أو واحدة منهما فصلّوا ، ثم نزل فصلّى بالناس صلاة الكسوف »(٣) .

____________________

= بالقراءة ».

وقد اختلف كلام المصنف -رحمه‌الله - في هذه المسألة وكيفيّة استدلاله بهذه الرواية : ففي هذا الكتاب خالف ما ذهب إليه علماؤنا ، ورجّح قول الشافعي بالسرّ في كسوف الشمس مستدلّاً برواية الإِمام الباقرعليه‌السلام وبلفظ « ولا تجهر بالقراءة ».

وفي المنتهى ١ : ٣٥١ أيّد ما ذهب إليه علماؤنا ، واستدلّ أيضا بقول الباقرعليه‌السلام ، لكنّه أورده بلفظ « وتجهر بالقراءة ».

(١) المجموع ٥ : ٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٦٩ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٣.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٣٠ - ٩١٤ و ٩١٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٥ / ١١ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٠.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠٨ / ٧ و ٤٦٣ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٤ / ٣٢٩.

١٧٨

ولأنّه أحد الكسوفين ، وهو من الاُمور المخوفة ، ويطلب فيه ردّ النور ، فشرّعت الصلاة له كالشمس.

وقال مالك : ليس لكسوف القمر سنّة(١) .

مسألة ٤٨١ : وتجب هذه الصلاة عند الزلزلة عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال أبو ثور وإسحاق وأبو حنيفة لا وجوباً بل استحباباً كالكسوفين(٢) - لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلّوا )(٣) .

ولأنّهعليه‌السلام علّل الكسوف : بأنه آية من آيات الله يخوّف بها عباده(٤) .

وصلّى ابن عباس للزلزلة بالبصرة(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام ، والصادقعليه‌السلام : « إنّ صلاة كسوف الشمس والقمر ، والرجفة والزلزلة عشر ركعات ، وأربع سجدات »(٦) .

ولأنّ المقتضي - وهو الخوف - موجود هنا ، فثبت معلوله.

وقال مالك والشافعي : لا يصلّى لغير الكسوفين ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يفعله(٧) .

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ١٦٤.

(٢) بدائع الصنائع ١ : ٢٨٢ ، الحجة على أهل المدينة ١ : ٣٢٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٢.

(٣ و ٤ ) صحيح البخاري ٢ : ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٨ - ٦٢٩ / ٩١٢ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٤.

(٥) مصنف عبد الرزاق ٣ : ١٠١ -/ ٤٩٢٩ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٧٢ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٣.

(٦) التهذيب ٣ : ١٥٥ / ٣٣٣.

(٧) بلغة السالك ١ : ١٩٠ ، القوانين الفقهية : ٨٥ ، الوجيز ١ : ٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٨٤ - ٨٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٠ ، المغني ٢ : ٢٨٢ - ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٣.

١٧٩

وهو ممنوع بما تقدّم‌

مسألة ٤٨٢ : وتجب هذه الصلاة لأخاويف السماء‌ ، كالظلمة العارضة والحمرة الشديدة والرياح العظيمة والصيحة - وبه قال أبو حنيفة استحباباً(١) - لعموم قولهعليه‌السلام : ( إنّ هذه الآيات )(٢) . ولأنّه علّل الكسوف : بأنّه آية(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتى يسكن »(٤) .

ولأنّه أمر مخوف ، فشرّع فيه الصلاة ، كالكسوف.

وقال باقي الجمهور : لا يصلّى لها شي‌ء ، لعدم النقل(٥) . وقد بيّناه.

مسألة ٤٨٣ : وقت صلاة الكسوفين من حين الابتداء في الكسف إلى ابتداء الانجلاء‌ عند علمائنا ، لزوال الحذر.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا انجلى منه شي‌ء فقد انجلى »(٦) .

وقال أبو حنيفة والشافعي واحمد : إلى أن ينجلي بكماله(٧) ، لقولهعليه‌السلام : ( فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ، والصلاة حتى‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٢ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٢.

(٢ و٣ ) صحيح البخاري ٢ : ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٨ - ٦٢٩ / ٩١٢ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٨ - ٦٢٩ - ٩١٢ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٤ / ٣ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ / ١٥٢٩ ، التهذيب ٣ : ١٥٥ / ٣٣٠.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٣ ، بلغة السالك ١ : ١٩٠ ، الميزان للشعراني ١ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٠ ، الوجيز ١ : ٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٨٤ - ٨٥.

(٦) الفقيه ١ : ٣٤٧ / ١٥٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ / ٨٧٧.

(٧) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٧٩ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٩ ، المغني ٢ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٩ ، وانظر : المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٢ ، وعمدة القارئ ٧ : ٧٩.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473