تذكرة الفقهاء الجزء ٤

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235542 / تحميل: 7505
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٤-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ذلك.

رواه الزرندي وقال: نقل الشيخ العالم صدر الدين إبراهيم بن محمّد بن المؤيد رحمه الله تعالى في كتابه فضل أهل البيت ».

٥ - « على ولي الله » مكتوب على باب الجنة بالذهب

و في حديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رأيت على باب الجنة مكتوباً بالذهب: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي ولي الله ».

و قد جاء هذا في رواية السيد الشهاب الدين احمد حيث قال في « اسماء امير المؤمنين » ما نصه:

« ومنها ولي الله. عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده على بن أبى طالبرضي‌الله‌عنه وعنهم أجمعين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آبائه وبارك وسلم: لما اسرى بى إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً بالذهب لا اله إلّا الله محمد رسول الله علي ولي الله.

الحديث بتمامه سيأتي في بابه. رواه الحافظ أبو موسى بأسناده »(١) .

٦ - « علي حبيب الله » مكتوب على باب الجنة

و رووا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه رأى على باب الجنة مكتوباً. لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي حبيب الله. الحديث.

وقد جاء ذلك في رواية جماعة. منهم:

١ - الخوارزمي بسنده عن ابن عباس قال:

____________________

(١). توضيح الدلائل - مخطوط.

٢٤١

« قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمـّا عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي حبيب الله الحسن والحسين صفوة الله فاطمة أمة الله علي مبغضيهم لعنة الله»(١) .

٢ - البدخشاني عن الخطيب والحافظ الرسعني عن ابن عباس عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

٣ - السيد شهاب الدين أحمد في ( أسماء أمير المؤمنين ) قال:

« منها حبيب الله. عن ابن عباس حبيب الله.

الحديث بتمامه سيأتي في بابه، رواه الصالحاني في بابه باسناده »(٣) .

٧ - « على مقيم الحجة » مكتوب على العرش

و جاء « مكتوب على العرش: لا إله إلّا الله محمّد نبي الرحمة علي مقيم الحجة »

وفي رواية:

١ - الخوارزمي بسنده عن عبد الله بن مسعود قال:

« قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمـّا أن خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم فقال الحمد لله، فأوحى الله تعالى: حمدني عبدي، وعزّتي وجلالي لو لا عبدان أريد أن أخلقهما في الدار الدنيا ما خلقتك، قال: إلهي ويكونان مني؟ قال نعم: يا آدم إرفع رأسك وانظر، فرفع رأسه فإذا مكتوب على العرش: لا إله إلّا الله محمّد نبي الرحمة علي مقيم الحجة، من عرف حق علي زكي وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب، أقسمت بعزتي أن أدخل الجنة من أطاعه وإنْ عصاني،

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين: ٢١٤.

(٢). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٣). توضيح الدلائل - مخطوط.

٢٤٢

وأقسمت بعزتي أن أدخل النار من عصاه وإنْ أطاعني »(١) .

٢ - شهاب الدين أحمد في أسمائهعليه‌السلام : « ومنها مقيم الحجة » عن الصالحاني عن الخوارزمي(٢) .

٣ - القندوزي البلخي عن الخوارزمي كذلك(٣) .

٨ - « علي ولي الله » مكتوب على جناح جبرائيل

و في حديث أنه مكتوب على أحد جناحي جبرئيل: « لا إله إلّا الله علي الوصي » وعلى الآخر: « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله » فقد جاء اسم عليعليه‌السلام موصوفاً بالوصاية بعد اسم الله تعالى، وقد ورد هذا في رواية:

١ - الخوارزمي حيث قال: « أخبرني شهردار هذا إجازة قال: أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني هذا كتابه، قال: حدّثنا أبو طاهر الحسين بن علي بن سلمة، قال: حدثنا أبو الفرج الصامت بن صهيب بن عباد قال: حدثني أبي عن جعفر بن محمّد عن أبيه، عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبرئيل وقد نشر جناحيه فإذا مكتوب على أحد جناحيه: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، ومكتوب على الآخر: لا إله إلّا الله علي الوصي »(٤) .

٢ - السيد شهاب أحمد في أسماء عليعليه‌السلام قائلاً: « ومنها: وصي الله وخليفة الله. عن الامام جعفر الصادق عن أبيه الامام عن جده الامام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم رواه الصالحاني بإسناده أيضاً »(٥) .

____________________

(١). المناقب للخوارزمي: ٢٢٧.

(٢). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٣). ينابيع المودة: ١١.

(٤). المناقب: ٩٠.

(٥). توضيح الدلائل - مخطوط.

٢٤٣

٩ - « علي بن أبي طالب مقيم الحجة » مكتوب بين كفّي صرصائيل

و في حديث آخر أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى: « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي مقيم الحجة » مكتوباً بين كفي صرصائيل.

وقد ورد هذا في رواية:

الخوارزمي بسنده عن الامام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه

و هذا نص عبارته: « أنبأني أبو العلاء الحافظ الهمداني هذا والامام الأجل نجم الدين أبو منصور محمّد بن الحسين بن محمّد البغدادي، قالا: أنبأنا الشريف الامام الأجل نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمّد بن علي الزينبي، عن الامام محمّد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان، قال: حدّثنا المعافا بن زكريا عن الحسن بن علي العاصمي [ الهاشمي ] عن صهيب عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه [عليهم‌السلام ] قال: بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة فهبط عليه ملك له عشرون رأساً، في كل رأس ألف لسان، يسبّح الله ويقدّمه بلغة لا تشبه الأخرى، راحته أوسع من سبع سماوات وسبع أرضين، فحسب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه جبرئيل فقال: جبرئيل لم تأتني في هذه الصورة قط، قال: ما أنا جبرئيل، أنا صرصائيل بعثني الله إليك لتزوّج النور من النور، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من؟ وإلى من؟ قال: ابنتك فاطمة من علي بن أبي طالب.

فزوّج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة من علي بشهادة جبرئيل وميكائيل وصرصائيل.

قال: فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا بين كفي صرصائيل مكتوب: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي بن أبي طالب مقيم الحجة. فقال النبي: يا

٢٤٤

صرصائيل منذ كم [ كتب ] هذا بين كفيك؟ قال: من قبل أن يخلق الله الدنيا باثني عشر ألف سنة »(١) .

١٠ - « أيّد الله محمّداً بعلي » مكتوب على جبهة ملك:

و جاء في حديث أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى ملكاً مكتوب على جبهته « أيد الله محمّداً بعلي ».

و قد جاء هذا في رواية:

الخوارزمي بسنده عن محمّد بن الحنيفة قال:

« قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمـّا عرج بي الى السماء رأيت في السماء الرابعة [ أ ] والسادسة ملكاً نصفه من النار ونصفه من ثلج في جبهته مكتوب: أيّد الله محمّداً بعلي، فبقيت متعجباً، فقال لي الملك: لم تتعجب؟ كتب الله في جبهتي ما ترى قبل الدنيا بألفي عام »(٢) .

١١ - « علي ولي الله » مكتوب على لواء الحمد:

روى ذلك السيد علي الهمداني عن عبد الله بن سلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في حديث سأله عن لواء الحمد(٣) .

١٢ - « آل محمّد خير البرية » مكتوب على لواء النور:

روى ذلك أبو نعيم الحافظ عن جابر بن عبد الله قال:

« بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً في مسجد المدينة فذكر بعض

____________________

(١). المناقب ٢٤٥ وفيه بدل الكف: الكتف.

(٢). المصدر نفسه ٢١٨.

(٣). مودة القربى - ينابيع المودة: ٢٥٢.

٢٤٥

أصحابنا الجنة، قال دجانة: يا رسول الله سمعتك تقول الجنة محرم على النبيين وسائر الأمم حتى أدخلها، فقال له: أما علمت أن لله لواء من نور وعموداً من زبرجد خلقهما قبل أن يخلق السماوات بألفي سنة مكتوب على رداء ذلك اللواء: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله آل محمّد خير البرية، صاحب اللواء أمام القوم فقال علي: الحمد لله الذي هدانا بك واكرمنا وشرّفنا. فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما علمت أن من أحبّنا وامتحن أسكنه الله معنا، وتلا هذه الآية( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) (١) .

١٣ - « محمّد رسول الله نصرته بعلي » مكتوب على درةٍ أو ورقةٍ خضراء

و جاء في حديث: أن « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله نصرته بعلي » مكتوب على درةٍ او ورقة خضراء موجودة في لوزة خضراء أحضرت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد روى هذا الحديث جماعة منهم:

١ - محب الدين الطبري وقد تقدّم حديثه.

٢ - ابن المغازلي رواه بسنده عن سعيد بن جبير قال: « جاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جوعاً شديداً، فأتى الكعبة فأخذ بأستارها وقال: أللهم لا تجع محمّداً أكثر مما أجعته. قال: فهبط جبرئيل ومعه لوزة فقال: إن الله تبارك وتعالى يقرأ عليك السلام ويقول لك: فكّ عنها فإذا فيها ورقة خضراء مكتوب فيها:صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محمّد رسول الله أيّدته بعلي ونصرته به. فما أنصف الله من اتّهمه في قضائه واستبطأه في رزقه ».

٣ - القندوزي عن ابن المغازلي عن ابن عباس.

٤ - الصفوري عن ابن عباس قال: « كنا عند رسول الله صلّى الله عليه

____________________

(١). منقبة المطهرين - مخطوط.

٢٤٦

وسلّم وإذا بطائر في فمه لوزة خضراء، فألقاها فأخذها النبي، فوجد فيها درة خضراء مكتوب عليها بالصفرة: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله نصرته بعلي ».

١٤ - تقدّم النبوة دليل الأفضلية وهو فرع تقدّم النور الذي منه علي أيضا ً

إن تقدّم نبوة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل على أفضليته، ومن المعلوم أن ذلك فرع تقدّم نوره، فهذا يدل على ذلك بالأولوية.

وبما أن علياًعليه‌السلام قد خلق من نفس النور الذي خلق منه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه كذلك يكون أفضل من جميع المخلوقين عدا الرسول، وعلى هذا، فلا وجه لتقدّم أحد عليه نبياً كان أو صحابياً

من أحاديث تقدّم نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وأمّا شواهد تقدّم نبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من الأحاديث وأقوال العلماء - فكثيرة جداً، نذكر هنا بعضها:

(١) البخاري بسنده: « عن عرباض بن سارية صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: سمعت رسول الله يقول: إني عبد الله وخاتم النبيين وإنّ آدم لمنجدل في طينه وسأخبركم عن ذلك، أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بن مريم ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات الأنبياء يرين، وإن أم رسول الله رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام »(١) .

(٢) الترمذي بسنده عن أبي هريرة قال: « قالوا: يا رسول الله متى وجبت

____________________

(١). التاريخ الصغير: ١ / ١٣.

٢٤٧

لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد.

هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة، لا نعرفه إلّا من هذا الوجه »(١) .

(٣) أبو نعيم حيث قال: « ذكر ما روي في تقدّم نبوته قبل تمام خلقة آدم ».

فرواه بألفاظ وأسانيد مختلفة عن أبي هريرة وميسرة وابن سارية(٢) .

(٤) الكازروني بسنده عن عبد الله بن شفيق(٣) .

(٥) السيوطي حيث قال: « باب خصوصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكونه أول النبيين في الخلق، وتقدم نبوته، وأخذ الميثاق ».

فرواه عن ابن أبي حاتم وأبي نعيم عن أبي هريرة.

وعن أبي سهل القطان، عن سهل بن صالح الهمداني، عن أبي جعفر محمّد بن عليعليهما‌السلام .

وعن أحمد والبخاري والحاكم والطبراني وأبي نعيم عن ميسرة.

وعن أحمد والحاكم والبيهقي عن العرباض بن سارية.

وعن الحاكم والبيهقي وأبي نعيم عن أبي هريرة.

وعن البزار والطبراني وأبي نعيم من طريق الشعبي عن ابن عباس.

وعن أبي نعيم عن عمر.

وعن ابن سعد عن ابن أبي الجدعاء.

ثم إن السيوطي نقل عن تقي الدين السبكي كلاماً في معنى هذه الأحاديث هذا نصه: « فائدة: قال الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه التعظيم والمنة في( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) :

في هذه الآية من التنويه بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعظيم قدره العلي ما

____________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٥٨٥.

(٢). دلائل النبوة: ١ / ٥٤.

(٣). المنتقى من سيرة المصطفى - مخطوط.

٢٤٨

لا يخفى، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلاً إليهم، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة، وتكون الأنبياء وأممهم كلّهم من أمته، ويكونقوله « بعثت إلى الناس كافة » لا يختص به الناس من زمانه إلى القيامة، بل يتناول من قبلهم أيضاً.

ويتبين بذلك المعنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كنت نبيّاً وآدم بين الروح والجسد » وأن من فسّره بعلم الله بأنه سيصير نبيّاً لم يصل إلى هذا المعنى، لأن علم الله محيط بجميع الأشياء، ووصف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت، ولهذا رأى آدم اسمه مكتوباً على العرش محمّد رسول الله، فلا بدّ أن يكون ذلك معنى ثابتاً في ذلك الوقت، ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير في المستقبل لم يكن له خصوصية بأنه نبي وآدم بين الروح والجسد، لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت وقبله، فلا بد من خصوصيّة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجلها أخبر بهذا الخبر إعلاماً لأمته ليعرفوا قدره عند الله تعالى، فيحصل لهم الخير بذلك.

وقال: فإنْ قلت: أريد أن أفهم ذلك القدر الزائد، فإن النبوة وصف لا بدّ أن يكون الموصوف به موجودا، وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة أيضا، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله وإن صح ذلك فغيره كذلك.

قلت: قد جاء إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الاشارة بقوله: كنت نبياً إلى روحه الشريفة وإلى حقيقته، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعلمها خالقها ومن أمده بنور إلهي، ثم إنّ تلك الحقائق يؤتى الله كلّ حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي شاء، فحقيقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف، بأن يكون خلقها متهيئة لذلك، وأفاضه عليها من ذلك الوقت، فصار نبيا وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة من ذلك الوقت وإنْ تأخّر جسده الشريف المتصف بها، واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة

٢٤٩

المفاضة عليه من الحضرة الالهية، وإنما يتأخر البعث والتبليغ وكل ما له من جهة الله، ومن تأهل ذاته الشريفة وحقيقته معجل لا تأخير فيه.

وكذلك استنباؤه وإيتاؤه الكتاب والحكم والنبوة، وإنما المتأخّر تكوّنه وتنقله إلى أن ظهرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره من أهل الكرامة، وقد تكون إفاضة الله تلك الكرامة عليه بعد وجوده بمدة كما يشاء سبحانه، ولا شك أن كلما يقع فالله عالم به من الأزل ونحن نعلم علمه بذلك بالأدلة العقلية والشرعية، ويعلم الناس منها ما يصل اليهم عند ظهوره كعلمهم نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين نزل عليه القرآن في أول ما جاءه جبرئيل، وهو فعل من أفعاله تعالى من جملة معلوماته، ومن آثار قدرته وإرادته واختياره في محل خاص يتّصف بها، فهاتان مرتبتان الأولى معلومة بالبرهان والثانية ظاهرة للعيان، وبين المرتبتين وسائط من أفعاله تعالى تحدث على حسب اختياره، منها ما يظهر لهم بعد ذلك، ومنها ما يحصل به كمال لذلك المحل وإنْ لم يظهر لأحدٍ من المخلوقين، وذلك ينقسم إلى كمال يقارن ذلك الحمل من حين خلقه وإلى كمال يحصل له بعد ذلك، ولا يصل علم ذلك إلينا إلّا بالخبر الصادق والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير الخلق، فلا كمال لمخلوق أعظم من كماله ولا محل أشرف من محله.

فعرفنا بالخبر الصحيح حصول ذلك الكمال من قبل خلق آدم لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ربه سبحانه وأنه أعطاه النبوة من ذلك الوقت، ثم أخذ له المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المقدّم عليهم، وأنه نبيهم ورسولهم، وفي أخذ المواثيق - وهي في معنى الاستخلاف، ولذلك دخلت لام القسم في( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) لطيفة أخرى وهي كأنها إيمان للبيعة التي تؤخذ للخلفاء، ولعل إيمان الخلفاء أخذت من هنا، فانظر هذا التعظيم العظيم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ربه سبحانه وتعالى.

فإذا عرف ذلك فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو نبي الأنبياء، ولهذا أظهر في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه، وفي الدنيا كذلك ليلة الإِسراء صلّى بها، ولو اتفق

٢٥٠

مجيؤه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإِيمان به ونصرته، وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم ورسالته إليهم معنى حاصل له، وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه، فتأخر ذلك لأمر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم اتصافه بما تقتضيه، وفرق بين توقف الفعل على قبول المحل وتوقفه على أهلية الفاعل، فههنا لا توقف من جهة الفاعل ولا من جهة ذات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشريفة، وإنما من جهة وجود العصر المشتمل عليه، فلو وجد في عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك.

ولهذا يأتي عيسى في آخر الزمان على شريعته وهو نبي كريم على حاله، لا كما يظن بعض الناس أنه يأتي واحداً من هذه الأمة، نعم هو واحد من هذه الأمة لما قلناه من اتباعه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما يحكم بشريعة نبينا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن والسنة، وكلّ ما فيها من أمر أو نهي فهو متعلق به كما يتعلق بسائر الأمة، وهو نبي كريم على حاله لم ينقص منه شيء، وكذلك لو بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمانه أو في زمن موسى وإبراهيم ونوح وآدم كانوا مستمرين على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي عليهم ورسول إلى جميعهم.

فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم ومتفق مع شرائعهم في الأصول، لأنها لا تختلف، وتقدّم شريعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما عساه يقع الاختلاف فيه من الفروع إما على سبيل لتخصيص وإما على سبيل النسخ أولا نسخ ولا تخصيص، بل تكون شريعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الأوقات بالنسبة إلى أولئك الأمم ما جاءت به أنبياءهم، وفي هذا الوقت بالنسبة إلى هذه الأمة هذه الشريعة، والأحكام تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات.

وبهذا بان لنا معنى حديثين كان خفياً عنا، أحدهما: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بعثت إلى الناس كافة، كنّا نظن أنه من زمانه إلى يوم القيامة، فبان أنه جميع الناس أوّلهم وآخرهم. والثاني: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت نبياً وآدم

٢٥١

بين الروح والجسد، كنا نظن أنه بالعلم، فبان أنه زائد على ذلك على ما شرحناه، وإنما يفترق الحال بين ما بعد وجود جسدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبلوغه الأربعين، وما قبل ذلك بالنسبة إلى المبعوث إليهم وتأهلهم لسماع كلامه، لا بالنسبة إليه ولا إليهم لو تأهلوا قبل ذلك، وتعليق الأحكام على الشروط قد يكون بحسب المحل القابل وقد يكون بحسب الفاعل المتصرف، فههنا التعليق إنما هو بحسب المحل القابل المبعوث اليهم وقبولهم سماع الخطاب من الجسد الشريف الذي يخاطبهم بلسانه، وهذا كما يوكل الأب رجلاً في تزويج ابنته إذا وجدت كفواً، فالتوكيل صحيح وذلك الرجل أهل للوكالة ووكالته ثابتة، وقد يحصل توقف التصرف على وجود كفو ولا يوجد إلّا بعد مدة، وذلك لا يقدح في صحة الوكالة وأهلية الوكيل انتهى كلام السبكي بلفظه »(١) .

(٦) القسطلاني عن أحمد والبيهقي والحاكم - وقال: صحيح الإِسناد - عن العرباض بن سارية.

وعن البخاري وأحمد وأبي نعيم - وصحّحه الحاكم - عن ميسرة.

وعن الترمذي عن أبي هريرة.

ثم أورد كلام السبكي(٢) .

(٧) الدياربكري عن أحمد ومسلم والترمذي والحاكم والبيهقي وأبي نعيم والبخاري في تاريخه(٣) .

٨ - الحلبي عن ( وفاء الوفا ) عن ميسرة(٤) .

٩ - القندوزي عن الترمذي عن أبي هريرة، وعن المشكاة عن العرباض ابن سارية(٥) .

____________________

(١). الخصائص الكبرى ١ / ٣ - ٥.

(٢). المواهب اللدنية ١ / ٥ - ٨.

(٣). تاريخ الخميس ١ / ٢٠.

(٤). انسان العيون ١ / ٣٥٥.

(٥). ينابيع المودة: ١٠.

٢٥٢

١٠ - الجمال المحدّث (١) .

١١ - ابن حجر مصحّحاً إياه(٢) .

١٢ - وقال الاسكندري ما نصّه:

« وأما تفضيله على آدمعليه‌السلام ، فمن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت نبياً وآدم بين الماء والطين، وآدم فمن دونه من الأنبياء يوم القيامة تحت لوائي.

ولقوله: إني أوّل شافع، وإني أوّل مشفع، وإني أوّل من تنشق الأرض عنه »(٣) .

١٣ - وقال محمّد بن يوسف الشامي :

« ويستدل بخبر الشعبي وغيره - مما تقدم في الباب السابق - على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولد نبيا، فإن نبوته وجبت له حين أخذ منه الميثاق حيث استخرج من صلب آدم، فكان نبياً من حينئذ، لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه نبياً، كمن يولى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل، فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته وإن كان تصرفه يتأخر إلى حين مجيء الوقت، والأحاديث السابقة في باب تقدم نبوته صريحة في ذلك ».

ثم نقل حاصل كلام السبكي(٤) .

١٤ - وقال العيدروس:

« إعلم أن الله سبحانه وتعالى لما أراد إيجاد خلقه أبرز في الحقيقة المحمدية من أنواره الصمدية في حضرته الأحمدية، ثم سلخ منها العوالم كلها علوها وسفلها على ما اقتضاه كمال حكمته وسبق في إرادته وعلمه.

ثم أعلمه تعالى بكماله ونبوته وبشره بعموم دعوته ورسالته، وبأنه نبي

____________________

(١). روضة الاحباب في سيرة النبي والاصحاب.

(٢). المنح المكية في شرح الهمزية.

(٣). لطائف المنن ٤٧ - ٤٨.

(٤). السيرة الشامية.

٢٥٣

الأنبياء وواسطة جميع الأصفياء، وأبوه آدم بين الروح والجسد »(١) .

١٥ - أخذ ميثاق نبوة محمّد دليل أفضليّة وهو دليل أفضلية علي

لقد تفرّع على تقدّم نبوة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ ميثاق نبوته من الأنبياء، وهذا يدل على أفضليتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد علم من الوجه السابق أن تقدّم نبوته متفرع على تقدم خلقه، فمتى دل فرع الفرع على الأفضلية دل الأصل عليها بالأولوية القطعية.

ونور عليعليه‌السلام متحد مع نورهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أيضاً مخلوق قبل آدم، فللامامعليه‌السلام فضيلة عظيمة كان أخذ الميثاق فرع فرعها، فلا ريب إذاً في أفضليته من جميع الأنبياء والمرسلينعليهم‌السلام ، فهو المتعين للخلافة عن الرسول لا غيره.

من أحاديث أخذ ميثاقه متفرعاً على تقدّم خلقه (ص):

وأما كون أخذ الميثاق متفرعاً على تقدم خلقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو المستفاد من الأحاديث العديدة:

١ - قالأبو نعيم : « ثم قدّمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الذكر على من تقدمه في البعث فقال:( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ) إلى قوله( وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً ) وقال:( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) .

وذلك ما حدّثناه: أبو محمّد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب، ثنا جعفر بن عاصم، ثنا هاشم بن عمار، ثنا بقية حدّثني سعيد بن بشير، نا قتادة عن الحسن

____________________

(١). النور السافر في أعيان القرن العاشر - مقدمة الكتاب.

٢٥٤

عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله:( أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ) قال: كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث » ثم ذكر بثلاثة طرق أخرى عن أبي هريرة مثله(١) .

٢ - وقالالسبكي فيما نقل عنه السيوطي: « فعرفنا بالخبر الصحيح » وقد تقدّم.

٣ - ونص على ذلك الشيخ عبد الحق الدهلوي قائلاً:

« وجاء في الروايات »(٢) .

من أحاديث أفضليته من الأنبياء بسبب أخذ الميثاق منهم

وأما دلالة أخذ الميثاق على أفضليته منهمعليهم‌السلام فمن الواضحات، ومن الأحاديث والأقوال الصريحة في الدلالة على ذلك:

١ - قالأبو نعيم: « ومن فضائلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخذ الله الميثاق على جميع أنبيائه إن جاءهم رسول آمنوا به ونصروه، فلم يكن ليدرك أحد منهم الرسول إلّا وجب عليه الايمان به والنصر لأخذه الميثاق منهم، فجعلهم كلهم أتباعاً له يلزمهم الانقياد والطاعة لو أدركوه.

وذلك مما حدّثناه محمّد بن أحمد بن الحسن عن جابر عن عمر بن الخطاب قال: أتيت النبي ومعي كتاب أصبته من بعض أهل الكتب، فقال:

والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً اليوم ما وسعه إلّا أن يتبعني »(٣) .

٢ - وقالالقاضي عياض : « السابع في ما أخبر الله به في كتابه العزيز من عظيم قدره وشريف منزلته على الأنبياء وخطورة رتبته، قوله تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ) إلى قوله:( مِنَ الشَّاهِدِينَ ) .

____________________

(١). دلائل النبوة: ١ / ٤٤.

(٢). مدارج النبوة ٢ / ٣.

(٣). دلائل النبوة: ١ / ٥٠.

٢٥٥

قال أبو الحسن القابسي: إختص الله نبينا محمّداً بفضل لم يؤته أحداً غيره أبانه به، وهو ما ذكره في هذه الآية. قال المفسرون: أخذ الله الميثاق بالوحي ولم يبعث نبياً إلّا ذكر له محمّداً ونعته وأخذ على ذلك الميثاق منه إنْ أدركه ليومننّ به.

وقيل: أن يبينه لقومه ويأخذ ميثاقهم أن يبينوه لمن بعدهم

قال علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : لم يبعث الله نبياً من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمّد عليه الصلاة والسّلام لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأخذ العهد بذلك على قومه.

ونحوه عن السدي وقتادة في آي تضمنت فضله من غير وجه واحد. قال الله تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) الآية، وقال:( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ ) إلى قوله( وَكِيلاً ) .

و روى عن عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه في كلام بكى به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أوّلهم فقال:( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) الآية بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودّون أن يكونوا أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون يقولون( يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ) قال قتادة: إن النبي قال: كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث، فلذلك وقع ذكره مقدماً هنا قبل نوح وغيره.

قال السمرقندي: في هذا تفضيل نبيناعليه‌السلام ، لتخصيصه بالذكر قبلهم وهو آخرهم.

قال بعضهم: ومن فضله أن الله تعالى خاطب الأنبياء بأسمائهم، وخاطبه بالنبوة والرسالة في كتابه فقال يا أيها النبي، ويا أيها الرسول.

وحكى السمرقندي عن الكلبي - في قوله تعالى:( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ) إن الهاء عائدة على محمّد، أي من شيعة محمّد لإِبراهيم، أي: علي دينه ومنهاجه، واختاره الفراء وحكاه عنه مكي، وقيل: المراد نوح عليه الصلاة

٢٥٦

والسلام »(١) .

٣ - وللقسطلاني في المقصد السادس من كتابه بحث طويل خصّه بالموضوع هذا أوله:

« النوع الثاني في أخذ الله تعالى له الميثاق على النبيين فضلاً ومنّة ليومننّ به إن أدركوه ولينصرّنّه» نقل فيه الآيات والأحاديث(٢) .

٤ - وقالالقسطلاني ما ملخصه:

« روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: لم يبعث الله تعالى: نبيّاً من آدم فمن بعده إلّا أخذ عليه العهد في محمّد، لئن بعث وهو حي ليؤمننّ به ولينصرنّه ويأخذ العهد بذلك على قومه. وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. ذكرهما العماد ابن كثير في تفسيره.

قال الشيخ تقي الدين السبكي: فإذا عرف هذا فالنبي نبي الأنبياء، وبهذا ظهر في الآخرة أن جميع الانبياء تحت لوائه، وفي الدنيا كذلك ليلة المعراج صلّى بهم، ولو اتفق مجيؤه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم وجب عليهم وعلى أممهم الايمان به ونصرته، وبذلك أخذ الميثاق عليهم »(٣) .

٥ - وبمثل هذا قال ابن حجر والشيخ سليمان في شرحيهما على الهمزيّة بشرح قول البوصيري:

« ما مضت فترة من الرسل إلّا

بشّرت قومها بك الأنبياء »

٦ - والشيخ القندوزي في ( ينابيع المودة ) حيث نقل حديث عليعليه‌السلام وغيره(٤) .

____________________

(١). الشفا ٣٥ - ٣٨.

(٢). المواهب اللدنية ٢ / ٥١.

(٣). المصدر نفسه ١ / ٨.

(٤). ينابيع المودة: ١٧.

٢٥٧

أحاديث في ولاية علي وميثاق إمامته

لقد علم من كلمات أكابر أهل السنة ومشاهير أئمتهم وحفاظهم: أن أخذ ميثاق نبوّة سيد الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع الانبياء والمرسلين من أوضح البراهين وأتّمها على أفضليّته منهم وتقدّمه عليهم.

ولمـّا كان هذا المعنى متفرعاً على تقدّمه في الخلق عليهم، وكان التقدم في الخلق ثابتاً لعليعليه‌السلام ، كان هو أيضاً أفضل الخلائق بعد خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو الامام والخليفة من بعده ولا يجوز تقدم أحد عليه.

بل لقد وردت أحاديث كثيرة في كتبهم صريحة في: أنه قد أخذ من الأنبياء وغيرهم ميثاق ولاية علي وإمامته، كما أخذ منهم ميثاق نبوة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون جميع ما ذكره كبار العلماء من الفضل لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ضوء أحاديث الميثاق وغيرها ثابتاً لعليعليه‌السلام وهذا ما يقطع ألسنة المكابرين، ويضيق الخناق على المعاندين، والحمد لله رب العالمين. ولنذكر بعض تلك الأحاديث في هذا المقام:

١ - حديث بعث الأنبياء على ولاية علي

فمن تلك الأحاديث الشريفة: حديث بعث الأنبياء على ولاية سيدنا عليعليه‌السلام ، وقد رواه جماعة من أعلام أهل السنة، ومنهم:

١ - الحاكم النيسابوري.

٢ - أبو إسحاق الثعلبي.

٣ - أبو نعيم الاصفهاني.

٤ - الخطيب الخوارزمي.

٢٥٨

٥ - عبد الرزاق الرسعني.

٦ - السيد علي الهمداني.

٧ - السيد شهاب الدين أحمد.

٨ - شمس الدين الجيلاني.

٩ - عبد الوهاب بن محمد رفيع الدين أحمد.

١٠ - ميرزا محمّد البدخشاني.

رواية الحاكم

رواه بسنده عن عبد الله بن مسعود حيث قال: « حدّثني محمّد بن المظفر الحافظ، نا عبد الله بن محمّد بن غزوان، نا علي بن جابر، نا محمّد بن خالد بن عبد الله، نا محمّد بن فضيل، نا محمّد بن سوقة عن ابراهيم عن الاسود عن عبد الله قال:

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني ملك فقال يا محمّد: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا، قال: قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.

قال الحاكم: تفرّد به علي بن جابر عن محمّد بن خالد عن محمّد بن فضيل، ولم نكتب إلّا عن ابن مظفر، وهو عندنا حافظ ثقة مأمون »(١) .

رواية الثعلبي

ورواه الثّعلبي قائلاً: « أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن الحسين

____________________

(١). معرفة علوم الحديث: ٩٦.

٢٥٩

الدينوري، حدّثنا أبو الفتح محمّد بن الحسين الأزدي الموصلي، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن غزوان البغدادي، حدّثنا علي بن جابر، حدّثنا محمّد بن خالد ومحمّد بن إسماعيل قال: حدّثنا محمّد بن فضيل، عن محمّد بن سوقة، عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود » مثله(١) .

رواية الخوارزمي

رواه عن شهردار الديلمي عن الحاكم عن عبد الله بن مسعود(٢) .

رواية شهاب الدين أحمد

رواه « عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): لمـّا أُسري بي ليلة المعراج فاجتمع عليّ الأنبياء في السماء فأوحى الله إليّ: سلهم يا محمّد بما ذا بعثتم؟ قالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلّا الله وعلى الإِقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب.

أورده الشيخ المرتضى العارف الرباني السيد شرف الدين علي الهمداني في بعض تصانيفه وقال: رواه الحافظ أبو نعيم »(٣) .

رواية عبد الوهاب بن محمّد

رواه عن أبي نعيم الاصبهاني عن أبي هريرة مثله(٤) .

____________________

(١). الكشف والبيان - مخطوط، بتفسير قوله تعالى في سورة زخرف( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) .

(٢). المناقب ٢٢٠ - ٢٢١.

(٣). توضيح الدلائل - مخطوط. ومنه علم رواية أبي نعيم والهمداني.

(٤). تفسير أنورى ومنه علم رواية أبي نعيم.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

أما لو لم يكن فاسقاً ، ففي إمامته إشكال ينشأ : من نقصه ، وعلوّ منصب الإِمامة.

وعاقّ أبويه لا يصح أن يكون إماماً ، لأنّه مرتكب للكبيرة ، ولو صدر منه كلام سائغ يُؤثِر الغضب اليسير لم يؤثّر في الفسوق ، لأنّ عمر بن يزيد سأل الصادقعليه‌السلام ، عن إمام لا بأس به في جميع أمره عارف ، غير أنّه يُسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه؟ قال : « لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّاً قاطعاً »(١) .

مسألة ٥٧٦ : تجوز إمامة العبد مع الشرائط لمواليه وغيرهم‌ عند أكثر العلماء(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إسمعوا وأطيعوا ولو اُمِّر عليكم عبد حبشي أجدع(٣) ، ما أقام فيكم الصلاة )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « لا بأس » وقد سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآناً(٥) .

ولأنّه يؤذّن للرجال فكان من أهل الإِمامة كالحرّ. ولأنّ الرقّ حق يثبت عليه ، فلم يمنع صحة إمامته ، كالدَّين.

وكره أبو مجلز إمامة العبد(٦) . ونقله الشيخ عن أبي حنيفة(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠ / ١٠٦ ، الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١١٤.

(٢) المغني ٢ : ٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨ ، المجموع ٤ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧.

(٣) الجدع : القطع في الأنف والأُذن والشفة واليد ونحوها. الصحاح ٣ : ١١٩٣ ، القاموس المحيط ٣ : ١١ ، لسان العرب ٨ : ٤١ « جدع ».

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٧٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٤٨ / ٢٤٠ ، مسند أحمد ٦ : ٤٠٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٨٨ بتفاوت.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٩ / ٩٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ / ١٦٢٨.

(٦) المجموع ٤ : ٢٩٠ ، المغني ٢ : ٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢١٨ ، وعمدة القاري ٥ : ٢٢٥.

(٧) الخلاف ١ : ٥٤٧ ، المسألة ٢٨٦.

٣٠١

وقال مالك : لا يؤمّ في جمعة ولا عيد(١) .

وحكي عن الأوزاعي : أربعة لا يؤمّون الناس ، فذكر العبد إلّا أن يؤمّ أهله(٢) .

وللشيخ قول في التهذيب : إنّ الأحوط أن لا يؤمّ العبد إلّا أهله ، لقول عليعليه‌السلام : « لا يؤمّ العبد إلّا أهله »(٣) .

وفي السند ضعف ، فالمعتمد الأول. نعم الحرّ أولى منه ، لأنّه أكمل.

وحكم المعتق بعضه ، والمكاتب والمدبَّر واُمّ الولد حكم الرقّ.

مسألة ٥٧٧ : يكره أن يأتمّ الحاضر بالمسافر وبالعكس ، ولا تفسد به الصلاة - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّ الأصل يقتضي الجواز. واشتمال الائتمام لكلٍّ منهما بصاحبه على المفارقة يقتضي الكراهة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا يؤمّ الحضري المسافر ، ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلى بشي‌ء من ذلك فأمّ قوماً حاضرين فإذا أتمّ الركعتين سلّم ، ثم أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم ، وإذا صلّى المسافر خلف المقيم(٥) فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم ، وإن صلّى معهم الظهر ، فليجعل الأوّلتين الظهر ، والأخيرتين العصر »(٦) .

وقال الشافعي : يجوز للمسافر أن يقتدي بالمقيم ، لأنّه يلزمه التمام إذا‌

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٨٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٦ ، التفريع ١ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨.

(٢) حلية العلماء ٢ : ١٧٩ ، عمدة القاري ٥ : ٢٢٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩ والحديث ١٠٢ ، ورواه أيضاً في الاستبصار ١ : ٤٢٣ / ١٦٣١.

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٦ ، المسألة ٣١١.

(٥) في المصدر : خلف قوم حضور.

(٦) التهذيب ٣ : ١٦٤ / ٣٥٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٣.

٣٠٢

صلّى خلفه ، ويكره أن يصلّي المقيم خلف المسافر(١) .

ويمنع جواز التمام ، لأنّ القصر عندنا عزيمة على ما يأتي(٢) .

ولو أتمّ المسافر الإمام الصلاة ، لم يجز عندنا ، خلافاً للجمهور(٣) .

وقال أحمد في رواية : لو أتمّ الإِمام ، لم تجز صلاة المأموم ، لأنّ الزيادة نفل أمّ بها مفترضين(٤) .

والأصل عندنا باطل. نعم لو كان المسافر في أحد الأماكن التي يستحب فيها التمام فأتمّ ، صحّت صلاته وصلاة المأمومين خلفه ، لأنّ المأتي بها فرض بكمالها على ما يأتي.

إذا عرفت هذا ، فإنّما يكره ائتمام أحدهما بصاحبه ، لمكان المفارقة ، فلو لم تحصل ، زالت الكراهة ، كما في المغرب والغداة.

مسألة ٥٧٨ : يكره أن يأتمّ المتوضّئ بالمتيمّم‌ ، فإن فعل صحّ بلا خلاف نعلمه ، إلّا من محمّد بن الحسن ، فإنّه منعه استحباباً(٥) ، لأنّ عمرو ابن العاص صلّى بأصحابه متيمّماً ، وبلغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم ينكره(٦) .

وأمّ ابن عباس أصحابه متيمّماً وفيهم عمّار بن ياسر في نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم ينكروه(٧) .

ولأنّه متطهّر طهارة صحيحة ، فأشبه المتوضّئ.

____________________

(١) حكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٦١ ، المسألة ٣١١ ، وانظر : الاُم ١ : ١٦٣.

(٢) يأتي في المسألة ٦١٢.

(٣) المغني ٢ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣ ، المجموع ٤ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.

(٤) المغني ٢ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١١١ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، عمدة القاري ٤ : ٢٤.

(٦) سنن أبي داود ١ : ٩٢ / ٣٣٤ ، ونقله أيضاً ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٢.

(٧) نقله ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٢ ، وانظر : صحيح البخاري ١ : ٩٣.

٣٠٣

وأمّا الكراهة : فلنقص طهارته.

ولقول عليعليه‌السلام : « لا يؤمّ المقيّد المطلقين ، ولا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء ، ولا صاحب التيمّم المتوضّئين »(١) .

وإنّما قلنا بالكراهة ، لضعف السند.

فروع :

أ : يجوز للطاهر أن تأتم بالمستحاضة ، لأنّها متطهّرة ، فأشبهت المتيمّم.

وللشافعي وجهان(٢) .

ومنع أبو حنيفة وأحمد ؛ لأنّها تصلّي مع خروج الحدث من غير طهارة(٣) .

وهو ممنوع ، وأجمعوا على أنّه يجوز للغاسل رِجْليه أن يأتمّ بمن مسح على خُفّيه(٤) .

ب : يصحّ ائتمام الصحيح بصاحب السلس ، لأنّه متطهّر ، والحدث الموجود غير مانع كالمتيمّم ، خلافاً لأحمد(٥) .

ج : يجوز ائتمام الطاهر بمن على بدنه أو ثوبه نجاسة ، لأنّه كالمتيمّم ، خلافاً لبعض الجمهور(٦) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ / ٩٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.

(٣) اللباب ١ : ٨٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٤ ، ونقله أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٤٥ ، المسألة ٢٨٣.

(٥) المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠.

(٦) المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠ - ٤١.

٣٠٤

وللشافعي في ائتمام الطاهر بالمجروح وجهان(١) .

د : لا يجوز للمتوضّئ ولا للمتيمّم الائتمام بعادم الماء والتراب ، سواء أوجبنا عليه الصلاة أو لا ، لأنّه غير متطهّر مطلقاً.

ه- : قال الشيخ : يجوز للمكتسي أن يأتمّ بالعريان ، وبه قال الشافعي ، خلافاً لأبي حنيفة(٢) .

وعندي فيه إشكال ، لأنّ العاري إمّا أن يصلّي قاعداً ، فلا يجوز الائتمام به ، أو قائماً مومئاً ، فلا يصح الائتمام به ، لإِخلاله بالركوع والسجود.

نعم لو كان المكتسي يصلّي بالإيماء لمرض ، جاز أن يأتمّ بالعريان حينئذ.

وكذلك لا يجوز للقادر على الاستقبال الائتمام بالعاجز عنه. ويصح لكلٍّ من هؤلاء الائتمام بمثله.

و : لو صلّت الحرّة خلف أمة مكشوفة الرأس ، صحّت صلاتها‌ ، لعدم وجوب سترة عليها. فإذا اُعتقت في الأثناء ، فإن كانت السترة قريباً منها ، أخذتها ، وأتمّت الصلاة إن لم يحصل عمل كثير ، وإن حصل أو احتاجت إلى الاستدبار ، استأنفت ، وتنوي المأمومة المفارقة. وكذا العريان يجد السترة في الأثناء ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : العريان إذا وجد السترة ، بطلت صلاته واستأنفها(٤) .

مسألة ٥٧٩ : يكره أن يؤمّ قوماً وهم له كارهون ، لقولهعليه‌السلام : ( ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٢٦٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.

(٢) الخلاف ١ : ٥٤٥ ، المسألة ٢٨٣ ، وانظر : المجموع ٣ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٩٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، اللباب ١ : ٨٢.

(٣) المجموع ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٢ و ١٠٣.

(٤) اللباب ١ : ٨٦ - ٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦٠.

٣٠٥

باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمام أمّ قوماً وهم له كارهون )(١) .

وقال عليعليه‌السلام ، لرجل أمّ قوماً وهم له كارهون : « إنّك لخروط(٢) »(٣) .

والأقرب : أنه إن كان ذا دين فكرهه القوم لذلك ، لم تكره إمامته ، والإِثم على مَنْ كرهه ، وإلّا كرهت.

المطلب الرابع : في ترجيح الأئمّة‌

مسألة ٥٨٠ : إذا حضر إمام الأصل ، لم يجز لأحد التقدّم عليه ، وتعيّن هو للإِمامة ، لأنّ له الرئاسةَ العامة ، وقال الله تعالى( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٤) وقال تعالى( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٥) وهو خليفته ، فتكون له هذه المرتبة(٦) .

أمّا مع العذر فإنّه يجوز أن يستنيب مَنْ شاء ، أو يختار المأمومون من هو بالشرائط.

إذا ثبت هذا ، فغير إمام الأصل تحصل فيه الأولويّة باُمور :

أ : القراءة.

ب : الفقه.

ج : السنّ.

د : الأقدم هجرةً.

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٤٠٧ و ٤٠٨ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٣ / ٣٦٠.

(٢) الخروط : الذي يتهوّر في الاُمور ويركب رأسه في كلّ ما يريد جهلاً وقلّة معرفة. النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٣ « خرط».

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٤٠٧ ، كنز العمال ٨ : ٢٧٣ / ٢٢٨٨٩.

(٤) النساء : ٥٩.

(٥) الحجرات : ١.

(٦) في نسخة « ش » : المنزلة.

٣٠٦

ه- : الأصبح وجهاً ، وعند الشافعي عوضه : الأشرف نسباً(١) .

و: صاحب المنزل والمسجد.

وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

مسألة ٥٨١ : إذا تعدّدت الأئمّة ، قدّم مَنْ يختاره المأمومون‌ - لما تقدّم - إذا كان بصفات الإِمام. ولو اختلف المأمومون ، قدّم اختيار الأكثر. فإن تساووا ، فلعلمائنا قولان :

أحدهما : أنّه يقدّم الأقرأ(٢) - وبه قال ابن سيرين والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة ، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سِنّاً )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن»(٥) .

ولأنّ القراءة ركن في الصلاة ، فكان القادر عليها أولى ، كالقادر على القيام مع العاجز عنه.

وقال بعض علمائنا : يقدّم الأفقه على الأقرأ(٦) - وبه قال عطاء ومالك‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٩.

(٢) وهو اختيار المحقق في المعتبر : ٢٤٤ ونقله أيضاً عن أكثر الأصحاب.

(٣) المغني ٢ : ١٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ / ٦٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣١٣ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ / ٢٣٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ / ٥٨٤ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

(٦) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٣ : ٤٧٨ ما نصّه : والمخالف إنّما هو من لا نعرفه من علمائنا ويكفيك أنّ الشهيد لم يعرفه حيث قال : ونقل عن بعض الأصحاب وإنّما عرف الخلاف من بعض متأخري المتأخرين.

٣٠٧

والأوزاعي والشافعي وأبو ثور(١) - إذا كان يقرأ ما يحتاج إليه في الصلاة صحيحاً ، لأنّ القراءة التي يحتاج إليها في الصلاة محصورة وهو يحفظها ، وما يحتاج إليه من الفقه غير محصور ، فإنه قد ينوبه في الصلاة أمر يحتاج إلى الفقه في معرفته فكان أولى كالإِمامة الكبرى والحُكْم.

ثم تأوّلوا الخبر : بأنّ الصحابة كانوا إذا تعلّموا القرآن تعلّموا معه أحكامه.

قال ابن مسعود : كنّا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها ، فكان أقرؤهم لكتاب الله أفقههم(٢) .

والاعتراض : اللفظ عام ، فالعبرة به لا بخصوص السبب ، وتتمّة الحديث تنافيه ، وهو : قولهعليه‌السلام : ( فإن استووا فأعلمهم بالسنّة ).

إذا ثبت هذا فإنّ أحد القارئين يترجّح على الآخر بكثرة القرآن ، فإن تساويا في قدر ما يحفظ كلٌّ منهما وكان أحدهما أجود قراءةً وإعراباً ، فهو أولى ، لأنّه أقرأ ، وإن كان أحدهما أكثر حفظاً ، والآخر أجود قراءةً ، فهو أولى ، والوجه أن المراد من قولهعليه‌السلام : ( أقرؤهم ) : أجودهم قراءةً.

مسألة ٥٨٢ : إذا تساووا في القراءة ، قدّم الأفقه عند أكثر علمائنا(٣) - وهو قول الجمهور(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة )(٥) .

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٨٣ ، الشرح الصغير ١ : ١٦٣ ، المجموع ٤ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧ ، المغني ٢ : ١٦ - ١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ١٨.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٥٧ ، والمحقق في المعتبر : ٢٤٤ ونقله أيضاً عن الشيخ المفيد.

(٤) المغني ٢ : ١٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧.

(٥) أوعزنا إلى مصادره في المسألة السابقة (٥٨١).

٣٠٨

ولأنّ الفقه يحتاج إليه في الصلاة في جميع أفعالها للإِتيان بواجباتها وسننها ، وجبرها إن عرض ما يحوج إليه ، والعلم بالسنّة أهمّ من السنّ ، للاحتياج إليه في تدبير الصلاة ، بخلاف السنّ.

وقال المرتضى : يقدّم الأسنّ ثم الأعلم بالسنّة(١) ، لما رواه مالك بن الحويرث وصاحبه قال : ( يؤمّكما أكبركما )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : يؤمّ القوم أقرؤهم للقرآن ، فإن تساووا ، فأقدمهم هجرةً ، فإن تساووا ، فأسنّهم ، فإن كانوا سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة »(٣) .

ولا حجّة في الأول ، لإِمكان علمهعليه‌السلام بتساويهما إلّا في السنّ.

والثاني يدلّ على الجواز ، ونحن نقول به ، والخلاف في الأولويّة.

إذا ثبت هذا ، فإن اجتمع فقيهان قارئان ، وأحدهما أقرأ والآخر أفقه ، قدّم الأقرأ على الأول ، للحديث ، والأفقه على الثاني ، لتميّزه بما لا يستغنى عنه في الصلاة.

فإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة والآخر أعرف بما سواها ، فالأعلم بأحكام الصلاة أولى ، لأنّ علمه يؤثّر في تكميل الصلاة ، بخلاف الآخر.

مسألة ٥٨٣ : إذا تساووا في الفقه ، قدّم أقدمهم هجرةً ، والمراد به : سبق الإِسلام ، أو مَنْ كان أسبق هجرةً من دار الحرب إلى دار الإِسلام ، أو يكون من أولاد مَنْ تقدّمت هجرته ، فيقدّم بذلك ، سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده.

____________________

(١) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٤٤.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٦٦ / ٢٩٣ ، سنن النسائي ٢ : ٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٦١ / ٥٨٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

٣٠٩

وقولهعليه‌السلام : ( لا هجرة بعد الفتح )(١) أراد أنه لا تجب ، لقوة الإِسلام ، والتمكّن من إظهار شعائره في بلد الشرك ، لأنّ الهجرة قربة وطاعة ، فقدّم السابق إليها ، لسبقه إلى الطاعة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : يؤمّ القوم أقرؤهم ، فإن كانوا في القراءة سواء ، فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّاً »(٢) .

وللشيخ قول : إنّه يقدّم بعد التساوي في الفقه : الأشرف ، فإن تساويا في الشرف ، قدّم الأقدم هجرةً(٣) - وبه قال الشافعي في القديم(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( الأئمّة من قريش )(٥) .

والمراد : الإِمامة الكبرى ، فلا تعتبر في الصغرى كالشجاعة.

مسألة ٥٨٤ : فإن تساووا في الهجرة إمّا لهجرتهما معاً أو لعدمها فيهما ، قدّم الأسنّ ، لحديث الصادقعليه‌السلام (٦) .

ولأنّ الأسنّ أحقّ بالتوقير والإعظام والتقدّم ، فكان له مزية في استحقاق التقدّم في الإِمامة.

____________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١٨ ، سنن الترمذي ٤ : ١٤٨ / ١٥٩٠ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٦ و ٢ : ٢١٥ و ٣ : ٢٢ و ٤٦٨ و ٥ : ١٨٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٣٩ ، متن عمدة الأحكام : ١٠١ - ١٠٢ / ٢٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٧.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.

(٥) مسند أحمد ٣ : ١٢٩ و ١٨٣ و ٤ : ٤٢١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

٣١٠

وهذا قول أكثر العلماء ، وهو قول الشافعي في القديم(١) ، لقولهعليه‌السلام : ( فإن استووا في الهجرة ، فأقدمهم سنّاً )(٢) .

وقال في الجديد : إذا تساووا في الفقه والشرف ، قدّم الأسنّ ، فإن تساووا ، قدّم الأقدم هجرةً(٣) ، لقولهعليه‌السلام ، لمالك بن الحويرث : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم )(٤) .

وقد بيّنا أنّه حكاية حال.

مسألة ٥٨٥ : إذا تساووا في ذلك ، قال الشيخان : يقدّم الأصبح وجهاً(٥) . ورواه المرتضى رواية(٦) .

ونقله بعض الشافعية عن بعض المتقدّمين ، ثم اختلف الشافعية في تفسيره ، فقال بعضهم : أراد أحسنهم صورة ، لأنّ ذلك فضيلة كالنسب.

وقال آخرون : إنّما أراد بذلك أحسنهم ذكراً بين الناس(٧) . والأخير أحسن.

إذا ثبت هذا ، فإن تساووا في ذلك كلّه ، قدّم أشرفهم ، أي : أعلاهم نسباً ، وأفضلهم في نفسه ، وأعلاهم قدراً ، فإن استووا في هذه الخصال ، قدّم أتقاهم وأورعهم ، لأنه أشرف في الدين وأفضل وأقرب إلى الإِجابة ، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَنْ أمَّ قوماً وفيهم مَنْ هو أعلم منه لم يزل أمرهم‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٠ ، معالم السنن للخطابي ١ : ٣٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.

(٢) سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ / ٢٣٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ / ٥٨٢.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٧٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ / ٦٧٤.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٧ ، وحكاه عنهما أيضاً المحقق في المعتبر : ٢٤٤.

(٦) جمل العلم والعمل ضمن رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٤٠ ، ونقله عن مصباحه المحقق في المعتبر : ٢٤٤.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٦ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨.

٣١١

إلى السفال إلى يوم القيامة )(١) .

والأقوى عندي تقديم هذا على الأشرف ، لأنّ شرف الدين خير من شرف الدنيا.

فإن استووا في ذلك كلّه ، فالأقرب القرعة - وبه قال أحمد(٢) - لأنّ سعد ابن أبي وقاص أقرع بينهم في الأذان(٣) ، فالإِمامة أولى.

ولأنّهم تساووا في الاستحقاق ، وتعذّر الجمع ، فأقرع بينهم ، كسائر الحقوق.

وهذا كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ولا إيجاب ، فلو قدّم المفضول جاز ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٥٨٦ : صاحب المنزل أولى بالإِمامة فيه‌ من غيره وإن كان فيهم مَنْ هو أقرأ منه وأفقه ، إذا كان ممّن يمكنه إمامتهم وتصح صلاتهم وراءه ، ولا نعلم فيه خلافاً بين العلماء ، لقولهعليه‌السلام : ( لا يؤمّن الرجل في بيته ولا في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلّا بإذنه )(٤) .

والمراد بالتكرمة : الفراش. وقيل : المائدة.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله ولا في سلطانه»(٥) .

____________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٢ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٤ ، عقاب الأعمال : ٢٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٦ / ١٩٤.

(٢) المغني ٢ : ٢١ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠ ، الانصاف ٢ : ٢٤٧.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥٩ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٨ و ٤٢٩ ، ارشاد الساري ٢ : ٩ ، عمدة القاري ٥ : ١٢٤ ، المغني ١ : ٤٧٨.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ / ٦٧٣ ، سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ / ٢٣٥ و ٥ : ٩٩ / ٢٧٧٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ / ٥٨٢ ، سنن النسائي ٢ : ٧٧ ، سنن البيهقي ٣ : ١١٩ و ١٢٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ - ٣٢ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

٣١٢

ولو كان في البيت سلطان الحق أو نائبه ، فهو أولى ، لأنّه حاكم على صاحب البيت وغيره ، وأمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عتبان(١) بن مالك وأنساً في بيوتهما(٢) .

مسألة ٥٨٧ : إمام المسجد الراتب أولى من غيره‌ ، لأنّه في معنى صاحب البيت والسلطان.

ولقولهعليه‌السلام : ( مَنْ زار قوماً فلا يؤمّهم )(٣) وهو عام في المسجد كالمنزل.

ولأنّ تقديم غيره يورث وحشةً.

والوالي من قبل العادل أحقّ ، لأنّه أولى من صاحب البيت مع أنّه مالك له ، فمن إمام المسجد أولى.

والولي وإن كان أحقّ من الوالي في الصلاة على الميّت فليس أولى هنا ، لأنّ الصلاة على الميّت تستحقّ بالقرابة ، والسلطان لا يشارك في ذلك ، وهنا يستحقّ بضرب من الولاية على الدار والمسجد ، والسلطان أقوى ولايةً وأعم.

ولأنّ الصلاة على الميّت يقصد بها الدعاء والشفقة والحنوّ ، وهو مختص بالقرابة.

فروع :

أ : لو أذن السلطان لغيره ، جاز وكان أولى من غيره‌ ، وكذا صاحب المنزل لو أذن لبعض الحاضرين.

____________________

(١) في النسخة الحجرية والنسختين الخطيتين « ش ، م » المعتمدتين في التحقيق : غسّان. وما أثبتناه هو الصحيح. اُنظر : اُسد الغابة ٣ : ٣٥٩ ، وتهذيب التهذيب ٧ : ٨٦ ، وانظر أيضاً المصادر الحديثية التالية.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٥٥ ( باب الرخصة في التخلّف عن الجماعة بعذر ) و ٤٥٧ / ٦٥٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٧٠ و ١٧٥ ، سنن النسائي ٢ : ٨٠ و ٨٦ ، موطإ مالك ١ : ١٧٢ / ٨٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٦ / ٦١٢ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٦.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٦٣ / ٥٩٦ ، سنن الترمذي ٢ : ١٨٧ / ٣٥٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٦.

٣١٣

ب : لو دخل السلطان بلداً فيه خليفة فهو أولى من خليفته ، لعموم ولايته.

ج : لو اجتمع العبد وسيّده في بيت العبد ، فالسيد أولى ، لأنّه صاحب البيت. ولو اجتمع العبد وغير سيّده ، فالعبد أولى.

د : لو اجتمع المالك والمستأجر في الدار المؤجرة ، فالمستأجر أولى ، لأنّه أحقّ بالمنفعة والاستيلاء.

ه- : لو كان المستحقّ ممّن لا تصح الصلاة خلفه فقدّم غيره ممّن تصح الصلاة خلفه ، فالأقرب : أنّه أولى.

و : كلّ موضع حضره الإِمام الأعظم أو النائب من جهته ، فهو أولى‌ بالصلاة من غيره ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة ما حضروا موضعاً إلّا وأمّوا بالناس.

ز : لو اجتمع المـُكاتب والسيّد في دار المكاتب ، فالمكاتب أولى ، لأنّ يد السيّد قاصرة عن أملاك المكاتب.

ح : لو اجتمع المستعير والمالك ، فالأقرب : تقديم المالك ، لأنّ تسلّط المستعير ليس بتامٍ من حيث إنّ للمالك أن يعزله متى شاء.

ط : لو حضر جماعة المسجد ، استحب أن يراسل إمامه الراتب حتى يحضر أو يستنيب. ولو كان الموضع بعيداً وخافوا فوت أول الوقت ( وأمِنوا الفتنة )(١) صلّوا جماعة.

ي : الخصال المكتسبة ، كالعلم والقراءة والورع أولى من غير المكتسبة‌ كالسنّ وحسن الوجه.

والأورع أولى من الأعلم ، لأنّ الإِمامة سفارة بين الله تعالى وبين خلقه ، وإنّما يقدّم للسفارة مَنْ له منزلة عند من ترفع الحاجة إليه ، والمنزلة عند الله‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ش » : واتّفق الفقيه.

٣١٤

تعالى للأتقياء ، قال الله تعالى( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١) .

المطلب الخامس : في الأحكام‌

مسألة ٥٨٨ : لو كان الإِمام ممّن لا يقتدى به ، لم يجز الائتمام به. فإن احتاج إلى الصلاة خلفه ، جاز أن يتابعه في الأفعال ، لكن لا ينوي الاقتداء به ، ويقرأ مع نفسه وإن كانت الصلاة جهرية ، للضرورة ، وتجزئه صلاته ، وهو قول أحمد في إحدى الروايتين. وفي الْاُخرى : يعيد(٢) .

وهو غلط ، لأنّه أتى بأفعال الصلاة وشروطها على الكمال ، فلا تفسد بموافقة غيره في الأفعال ، كما لو لم يقصد الموافقة.

مسألة ٥٨٩ : لو كان الإِمام كافراً ، فإن علم المأموم بكفره قبل الصلاة ، أعاد‌ إجماعاً ، لأنّه ائتمّ بمن لا يصح الائتمام به.

وإن علمه في الأثناء ، عدل إلى الانفراد واجباً ، فإن لم يفعل واستمرّ ، وجبت الإِعادة.

وإن علم بعد الفراغ ، صحّت صلاته عند أكثر علمائنا(٣) - وبه قال أبو ثور والمزني(٤) - لأنّه فَعَل المأمور به ، فيخرج عن العهدة.

والثانية ظاهرة ، وأما الْاُولى : فلأنّه مأمور بالصلاة خلف مَنْ يظنّ إسلامه ، لا مَنْ يعلمه كذلك ، لامتناع الاطّلاع على الباطن ، فيكتفي بإصلاح الظاهر.

____________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٣٠.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٥٠ ، المسألة ٢٩٢ ، وابن إدريس في السرائر : ٦١ ، والمحقق في المعتبر : ٢٤٢.

(٤) المغني ٢ : ٣٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧.

٣١٥

ولأنّ الصادقعليه‌السلام ، سئل عن قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل ، فلمـّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي ، قال : « لا يعيدون »(١) .

وقال المرتضى : تجب الإِعادة(٢) - وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٣) - لأنّه ائتمّ بمن ليس من أهل الصلاة ، فلا تصح صلاته ، كما لو أئتمّ بمجنون.

وينتقض : بالمحدث ، فإنه لو أئتمّ به ، صحّت صلاته إجماعاً.

إذا ثَبت هذا ، فلا فرق بين أن يكون الكفر ممّا يستسرّ به عادة ، كالزندقة أو لا ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : الفرق ، فأوجب الإِعادة فيما لا يخفى ، كالتهوّد والتنصّر ، دون ما يخفى ، لمشقّة الوقوف عليه(٤) .

مسألة ٥٩٠ : صلاة الكافر لا تكون إسلاماً منه ما لم تسمع منه الشهادتان‌ ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإِسلام ، وسواء صلّى جماعة أو فرادى ، وسواء صلّى في المسجد أو لا - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ الصلاة من فروع الإِسلام ، فلا يصير مسلماً بفعلها ، كالحج والصوم والاعتكاف.

ولقولهعليه‌السلام : ( اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلّا الله ، فإذا قالوها ، عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها )(٦) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٨ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٤٠ / ١٤١.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٢.

(٣) الاُم ١ : ١٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، الوجيز ١ : ٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٦ ، مختصر المزني : ٢٣ ، المغني ٢ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣ ، الانصاف ٢ : ٢٥٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٢.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٣١ ، صحيح مسلم ١ : ٥٣ / ٣٥ ، سنن النسائي ٧ : ٧٩ ، سنن أبي =

٣١٦

وقال بعض الشافعية : إن صلّى في دار الإِسلام ، فليس بمسلم ، لأنّه قد يقصد الاستتار بالصلاة وإخفاء دينه ، وإن صلّى في دار الحرب ، فهو مسلم ، لأنّه لا تهمة في حقّه. وهو قول للشافعي(١) أيضاً.

أمّا إذا أظهر التشهّد ، فالوجه : أنّه إسلام ، لأنّ الشهادة صريح في الإِسلام ، وبه قال الشافعي ، وله وجه آخر : أنّه لا يحكم بإسلامه ، لاحتمال أن يكون ذلك على سبيل الحكاية(٢) . وليس بصحيح.

وقال أبو حنيفة : إن صلّى إماماً أو مأموماً في أيّ موضع كان ، فهو إسلام بحيث لو رجع بعد الصلاة وقال : لم أسلم ، كان مرتدّاً ، سواء سمع منه التشهّد أو لا ، وكذا إن صلّى منفرداً في المسجد ، وإن أذّن حيث يؤذّن المسلمون ، كان إسلاماً منه ، وإن حجّ وطاف ، كان إسلاماً منه ، وإن صلّى منفرداً في غير المسجد ، لم يكن إسلاماً(٣) .

وقال مالك وأحمد : يحكم بإسلامه بالصلاة بكلّ حال ، فإن أقام بعد ذلك على الإسلام ، وإلاّ فهو مرتدّ ، وإن مات قبل ظهور ما ينافي الإسلام ، فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكفّار ، لأنّها عبادة يختص بها المسلمون ، فإذا فعلها الكافر ، كان إسلاماً منه ، كالشهادتين(٤) .

والفرق : أنّ الشهادتين صريح في الإِسلام.

وقال محمد بن الحسن : إذا صلى في المسجد منفرداً أو في جماعة ،

____________________

= داود ٣ : ٤٤ / ٢٦٤٠ ، سنن الترمذي ٥ : ٣ / ٢٦٠٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٣٢ / ٧ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٥٢٢.

(١) المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣ ، المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٧.

(٢) المجموع ٤ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣.

(٣) المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٧ ، المجموع ٤ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٢ و ٣١٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.

(٤) المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٦ - ٣٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.

٣١٧

حكم بإسلامه ، وإن صلّى منفرداً في بيته ، لم يحكم بإسلامه(١) .

والبحث في ظهور فسق الإِمام كالبحث في ظهور كفره ، فقال المرتضى : يعيد(٢) ، وبه قال أحمد(٣) .

وقال الشيخ : لا يعيد إذا كان ظاهر العدالة ، لأنّها صلاة مشروعة في ظاهر الحكم ، فتكون مجزئةً(٤) .

ولو علم بعض المأمومين فسقه دون بعض ، صحّت صلاة الجاهل خاصة وإن كان مستور الحال ، مقبول الشهادة عند الحاكم.

فروع :

أ : الكافر إذا أمَّ المسلمين ، عزّر‌ ، لأنّه غشّهم.

ب : لو صلّى خلف مَنْ أسلم من الكفّار ، فلمـّا فرغ من صلاته قال : لم أكن أسلمت ، وإنّما تظاهرت بالإِسلام ، لم يلزمه قبول قوله‌ ، لكفره ، ولا إعادة عليه.

ج : إذا كان يُعرف لرجل إسلام وارتداد ، فصلّى رجل خلفه ولم يعلم في أيّ الحالَين صلّى خلفه ، لم يُعد‌ ، لأنّ الشك بعد عمل الصلاة لا يؤثر فيها.

مسألة ٥٩١ : لو كان الإِمام جنباً أو مُحدثاً ، لم تصح صلاته ، سواء علم بحدثه ، أو لا ، وتصح صلاة مَنْ خلفه إذا لم يعلم بحدثه - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر ، وعثمان ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، ومن التابعين : الحسن البصري والنخعي وسعيد بن جبير ، وبه قال الشافعي‌

____________________

(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٥١ ، المسألة ٢٩٢.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٣.

(٣) المغني ٢ : ٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤ - ٢٥ ، الانصاف ٢ : ٢٥٣.

(٤) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٣.

٣١٨

والأوزاعي والثوري وأحمد وأبو ثور(١) - لأنّ أبا بكرة قال : دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في صلاة الفجر ، فأومأ إليهم أن مكانكم ، ثم ذهب وجاء ورأسه يقطر ، فصلّى بهم(٢) .

وهو يدلّ على أنّهم أحرموا معه ، لأنّه أومأ إليهم ولم يكلّمهم ، لأنّ كلام المصلّي مكروه ، وهذا وإن كان باطلاً عندنا ، لكنّه ذُكر للإِلزام.

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام ، وقد سأله محمد بن مسلم عن الرجل يؤمّ القوم وهو على غير طهر ، فلا يعلم حتى تنقضي صلاته؟ قال : « يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنّه على غير طهر »(٣) .

ولأنّ المأموم لم يفرط بالائتمام به ، فلم تبطل صلاته ، كما لو سبق الإِمام الحدث.

وقال الشعبي وابن سيرين وحمّاد وأصحاب الرأي : تبطل صلاة المأمومين أيضاً(٤) .

وقال مالك : إن كان الإِمام غير عالم بحدث نفسه ، صحّت صلاة المأمومين ، وإن كان عالماً ، لم تصح(٥) .

وقال عطاء : إن كان حدثه جنابةً ، بطلت ، وإن كان غير ذلك ، أعادوا‌

____________________

(١) الاُم ١ : ١٦٧ - ١٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٧١ ، المغني ١ : ٧٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥ و ٥٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦.

(٢) سنن أبي داود ١ : ٦٠ / ٢٣٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٩٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٩ / ١٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ / ١٦٦٨.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ١٨٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٧ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥ ، المغني ١ : ٧٧٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.

(٥) المدونة الكبرى ١ : ٣٣ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٦ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.

٣١٩

في الوقت(١) .

واحتجّوا : بأنّ المأموم اقتدى بمن لا صلاة له ، فتبطل صلاته ، كما لو كان الإِمام كافراً أو امرأة.

وقال مالك : إذا علم الإِمام بحدثه فصلّى فسِق ، ولا تصح الصلاة خلف الفاسق(٢) .

والأصل ممنوع ، فإنّا نحكم بصحة الصلاة مع الجهل.

والفرق مع تسليم الأصل ؛ لأنّه منسوب إلى التفريط بالائتمام بالمرأة والكافر ، إذ لا يجوز أن يكونا إمامين له بحال ، والجنب والمحدث يجوز أن يكونا إمامين بالتيمّم.

مسألة ٥٩٢ : لو أحدث الإِمام ، فعلم المأمومون بحدثه ، وجب عليهم مفارقته‌ ، فينوون الانفراد ، فإن تابعوه ، بطلت صلاتهم.

فإن كان حدثه قبل إكمال ركعة قبل القراءة أو بعدها ، فإن كان موضع طهارته قريباً ، أومأ إليهم ومضى وتوضّأ وعاد إلى الصلاة.

وهل ينوون الاقتداء؟ إشكال ينشأ : من جواز نقل نية الانفراد إلى الائتمام.

وقال الشافعي : ينوون الاقتداء(٣) ، فانعقدت الصلاة في الابتداء جماعة بغير إمام ثم صارت جماعة بإمام.

وإن كان بعيداً ، قال الشافعي في القديم : يصلّون لأنفسهم. فمن أصحابه مَنْ علّل : بأنّه قاله قبل أن يجوّز الاستخلاف ، لأنّه في القديم لم يجوّز الاستخلاف. ومنهم مَنْ علّل : بأنّهم يصلّون فرادى ليخرجوا من‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.

(٢) المجموع ٤ : ٢٦٠.

(٣) انظر : المجموع ٤ : ٢٦٢.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473