تذكرة الفقهاء الجزء ٤

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235532 / تحميل: 7504
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٤-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تذكرة الفقهاء الجزء الرابع

العلامة الحلي

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

المقصد الثالث : في باقي الصلوات‌

وفيه فصول :

الأول : في الجمعة‌

وفيه مطالب‌

٦

٧

الأول : الشرائط‌

مسألة ٣٧٢ : الجمعة واجبة بالنص والإجماع.

قال الله تعالى( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (١) والأمر للوجوب ، والنهي للتحريم ، وإنما يجب السعي ويحرم البيع لأجل الواجب ، وتوبيخهم بتركه قائما إنما يكون لو وجب ، وليس المراد من السعي الإسراع بل الذهاب إليها.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته : ( اعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا ، في يومي هذا ، في شهري هذا ، من عامي هذا ، فمن تركها في حياتي ، أو بعد موتي وله إمام عادل استخفافاً بها أو جحوداً لها فلا جمع الله له شمله ، ولا بارك له في أمره ، ألا ولا صلاة له ، ألا ولا زكاة له ، ألا ولا حج له ، ألا ولا صوم له ، ألا ولا برّ له حتى يتوب ، فإن تاب تاب الله عليه )(٢) .

____________________

(١) الجمعة : ٩.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ / ١٠٨١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧١ ، الترغيب والترهيب ١ : ٥١٠ - ٥١١ / ٩ ، مجمع الزوائد ٢ : ١٦٩ ، مسند أبي يعلى ٣ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١٨٥٦ ، وانظر رسالة صلاة الجمعة للشهيد الثاني : ٦١.

٨

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة وهي الجمعة ، ووضعها عن تسعة »(١) الحديث.

وأجمع المسلمون كافة على وجوب الجمعة.

مسألة ٣٧٣ : ووجوبها على الأعيان بالإجماع‌ ، إلّا ما حكي عن الشافعي أنها فرض كفاية(٢) ونُسبت الحكاية إلى الغلط ، لأن الأمر عام ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الجمعة حق واجب على كل مسلم ، إلّا أربعة : عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبيّ ، أو مريض )(٣) .

إذا عرفت هذا فيشترط للجمعة أمور ستة زائدة على الشرائط اليومية :

أ : الوقت. ب : السلطان. ج : العدد. د : الخطبتان. ه‍ : الجماعة. و: الوحدة.

فهنا مباحث :

الأول : الوقت‌

مسألة ٣٧٤ : أول وقت الجمعة زوال الشمس يوم الجمعة‌ عند علمائنا - إلّا المرتضى فإنه قال : يجوز أن يصلّي الفرض عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصة(٤) - وبما اخترناه قال الشافعي ، ومالك ، وأصحاب الرأي(٥) ، لأن أنس‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٩ / ٦ ، التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٧ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧ ، أمالي الصدوق : ٣١٩ / ١٧ ، الخصال : ٥٣٣ / ١١.

(٢) المجموع ٤ : ٤٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨٤ ، الميزان ١ : ١٨٥‌

(٣) سنن أبي داود ١ : ٢٨٠ / ١٠٦٧ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧٢ ، الجامع الصغير للسيوطي ١ : ٥٦١ / ٣٦٣٠.

(٤) حكاه الشيخ في الخلاف ١ : ٦٢٠ ، المسألة ٣٩٠ ، وقال ابن إدريس في السرائر : ٦٤ : لم أجد للسيد المرتضى تصنيفاً ولا مسطوراً بما حكاه شيخنا عنه ، بل بخلافه ولعلّ شيخنا أبا جعفر سمعه من المرتضى في الدرس وعرفه منه مشافهةً دون المسطور.

(٥) المجموع ٤ : ٥١١ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٧.

٩

ابن مالك قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي الجمعة إذا زالت الشمس(١) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول »(٢) الحديث.

ولأنها بدل عن عبادة ، فلا تجب قبل وقتها كالتيمم. ولأن آخر وقتهما واحد فكذا الأول.

وقال أحمد بن حنبل : يجوز فعل الجمعة قبل زوال الشمس(٣) . فمن أصحابه من قال : أول وقتها وقت صلاة العيد. ومنهم من قال : تجوز في الساعة السادسة(٤) .

لأنّ [ وكيعاً روى عن عبد الله السلمي ](٥) قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار(٦) .

ولا حجة فيه ، مع مخالفته لفعل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

مسألة ٣٧٥ : آخر وقت الجمعة هو آخر وقت الظهر‌ عند الأكثر ، إلّا أن عندنا آخر وقت الظهر للإِجزاء الغروب ، وآخر وقت الفضيلة إذا صار ظلّ‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٨ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٧٧ / ٥٠٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٤ / ١٠٨٤ ، مسند أحمد ٣ : ١٥٠ ، سنن البيهقي ٣ : ١٩٠‌

(٢) التهذيب ٣ : ١٢ / ٤٢‌

(٣) المغني ٢ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٣ ، المجموع ٤ : ٥١١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٧‌

(٤) المغني ٢ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٣ ، المجموع ٤ : ٥١١‌

(٥) ورد في نسختي « م » و « ش » : وكيع الأسلمي. وصحّح الى ما تراه ، وما بين المعقوفتين أثبتناه من مصادر الحديث والتراجم في الهامش التالي.

(٦) سنن الدار قطني ٢ : ١٧ / ١ ، وانظر أيضاً : تهذيب التهذيب ١١ : ١٠٩ رقم ٢١١ ، وأُسد الغابة ٣ : ١٨٢ ، والإصابة ٢ : ٣٢٣ رقم ٤٧٣٩.

١٠

كل شي‌ء مثله ، والمراد هنا هذا الأخير فلا تجوز الجمعة بعده. وكذا يقول الشافعي(١) .

وأبو حنيفة جعل آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شي‌ء مثليه(٢) ، فتجوز الجمعة عنده إلى ذلك.

والوجه الأول ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يصلّي دائماً بعد الزوال بلا فصل ، فلو جاز التأخير عمّا حدّدناه ، لأخّرها في بعض الأوقات.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ أبا الصلاح منّا قال : إذا مضى مقدار الأذان والخطبة وركعتي الجمعة فقد فاتت ، ولزم أداؤها ظهراً(٣) .

ويدفعه قول الباقرعليه‌السلام : « وقت الجمعة إذا زالت الشمس وبعده بساعة »(٤) .

واحتجاجه : بقول الباقرعليه‌السلام : « إنّ من الأمور أموراً مضيّقة ، وأموراً موسّعة ، وإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق ، إنّما لها وقت واحد حين تزول الشمس ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام »(٥) متأول بالمبالغة في استحباب التقديم.

مسألة ٣٧٦ : بقاء الوقت ليس شرطاً‌ ، فلو انعقدت الجمعة وتلبّس بالصلاة - ولو بالتكبير - فخرج الوقت قبل إكمالها أتمها جمعةً ، إماماً كان أو مأموماً - وبه قال أحمد ومالك(٦) - لأنه دخل فيها في وقتها فوجب إتمامها كسائر الصلوات. ولأن الوجوب يتحقق باستكمال الشرائط فلا يسقط مع التلبس‌

____________________

(١) المجموع ٣ : ٢١ ، فتح العزيز ٣ : ٧ - ٨.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٢ ، المجموع ٣ : ٢١.

(٣) الكافي في الفقه : ١٥٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢٢٣ نقلاً بالمعنى.

(٥) التهذيب ٣ : ١٣ / ٤٦.

(٦) المغني ٢ : ١٦٣ ، المجموع ٤ : ٥١٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨٨.

١١

بفوات البعض كالجماعة.

وقال الشافعي : تفوت الجمعة ، حتى لو وقعت تسليمة الإِمام في وقت العصر فاتت الجمعة ، لكنه يُتمها ظهراً ، لأن ما كان شرطاً في ابتداء الجمعة كان شرطا في جميعها كسائر الشرائط(١) . وينتقض بالجماعة.

وقال أبو حنيفة : لا يبنى عليها ، ويستأنف الظهر ، لأنهما صلاتان مختلفتان فلا تبنى إحداهما على الْاُخرى(٢) . ويرد على الشافعي لا علينا.

وقال بعض الجمهور : إن أدرك ركعة في الوقت أدرك الجمعة ، وإلّا فلا(٣) . ولا بأس به.

فروع :

أ : لو شك في خروج الوقت أتمها جمعةً إجماعاً ، لأن الأصل بقاء الوقت.

ب : لو أدرك المسبوق ركعة مع الإِمام صحت له الجمعة‌ إن كانت المدركة في الوقت ثم يقوم لتدارك الثانية ، فلو خرج الوقت قبل إكمالها صحت عندنا ، لما تقدم(٤) .

وللشافعية وجهان : الفوات كغيره ، والإِدراك ، لأن جمعتهم صحيحة فيتبعهم فيها كما يتبعهم في الوقت والقدوة(٥) .

ج : لو تشاغلوا عن الصلاة حتى ضاق الوقت فإن علم الإِمام أن الوقت يتسع لخطبتين خفيفتين وركعتين كذلك وجبت الجمعة ، وإلّا جاز أن يصلّوها‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٥١٠ و ٥١٣ ، الوجيز ١ : ٦١ ، المغني ٢ : ١٦٤.

(٢) المجموع ٤ : ٥١٣ ، المغني ٢ : ١٦٤‌

(٣) المغني ٢ : ١٦٣.

(٤) تقدّم في أول المسألة.

(٥) المجموع ٤ : ٥١٠ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٩٠.

١٢

ظهراً قبل خروج وقت الجمعة ، وبه قال الشافعي(١) . ولا تكفي الركعة الواحدة هنا ، خلافاً لأحمد(٢) .

د : يُستحب تعجيل الجمعة‌ كغيرها من الصلوات.

مسألة ٣٧٧ : الفرض في الوقت هو الجمعة‌ ، وهي صلاة قائمة بنفسها ليست ظُهرا مقصورة - وهو أحد قولي الشافعي(٣) - فليس له إسقاط الجمعة بالظهر ، لأنه مأمور بالجمعة ، فيكون منهيا عن الظهر ، فلا يكون المنهي عنه فرضاً.

وقالعليه‌السلام : ( كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة )(٤) وهو يدل على الوجوب على التعيين.

وقال أبو حنيفة : فرض الوقت الظهر ، ويسقط بالجمعة ، وهي ظهر مقصورة(٥) ، لقولهعليه‌السلام : ( أول وقت الظهر حين تزول الشمس )(٦) وهو عام فيتناول يوم الجمعة كغيره.

ونحن نقول بموجبه ، ولا دلالة فيه على أن الفرض الظهر.

وقال محمد بن الحسن الشيباني : الفرض الجمعة ، وله إسقاطه بالظهر.

وهو قول للشافعي(٧) .

إذا عرفت هذا فإذا فاتت الجمعة صلّى أربعاً ظهراً بنية الأداء إن كان وقت الظهر باقياً ، وإن خرج الوقت صلّى أربعاً بنية قضاء الظهر لا الجمعة ، لأن مع‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٥٠٩ - ٥١٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨٧ - ٤٨٨.

(٢) المغني ٢ : ١٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٩.

(٣) المجموع ٤ : ٥٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧.

(٤) أورده في المعتبر : ٢٠١‌

(٥) بدائع الصنائع ١ : ٢٥٦ ، الاختيار ١ : ١٠٩ ، تحفة الفقهاء ١ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٧.

(٦) سنن الدار قطني ١ : ٢٦٢ / ٢٢.

(٧) الاختيار ١ : ١٠٩ ، تحفة الفقهاء ١ : ١٥٩ ، المجموع ٤ : ٥٣١.

١٣

الفوات تسقط الجمعة وتجب الظهر أداءً لسعة وقت الظهر ، وإمكان فوات الجمعة مع بقائه ، فيكون الفائت بعد فوات الجمعة هو الظهر ، لانتقال الوجوب إليه.

ولو فاتته الجمعة بعد انعقادها بأن زوحم وخرج الوقت قبل إدراك ركعة مع الإِمام ، استأنف الظهر ، لتغاير الفرضين.

ومن جعلها ظهراً مقصورة جوّز نقل النية إلى الظهر كالمسافر إذا نوى الإِقامة في الأثناء فإنه يُتم أربعا.

مسألة ٣٧٨ : لو صلّى المكلّف بها الظهر قبل أن يصلّي الإِمام الجمعة ، لم تصح صلاته‌ ، ويلزمه السعي إلى الجمعة ، فإن صلّاها سقط عنه الفرض ، وإن لم يُصلّها حتى فاتت وجب عليه إعادة الظهر ، لما تقدّم(١) من أنهما فرضان متغايران ، فلا يجزي أحدهما عن الآخر عند علمائنا أجمع ، وبه قال مالك وأحمد والثوري في الجديد ، وإسحاق(٢) .

وقال أبو حنيفة : تصح ظهره قبل فوات الجمعة ، ويلزمه السعي إلى الجمعة ، فإذا سعى بطلت ، وإن لم يسع أجزأته(٣) .

وقال أبو يوسف ، ومحمد : تصح(٤) .

وقال الشافعي في القديم : تصح الظهر ، ويجب عليه السعي ، فإن صلّى الجمعة احتسب الله تعالى له بأيتهما شاء أو آجر كلتيهما ، وإن فاتته‌

____________________

(١) تقدّم في المسألة ٣٧٧.

(٢) المغني ٢ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٦ ، المجموع ٤ : ٤٩٦ - ٤٩٧ ، فتح العزيز ٤ : ٦١٢ و ٦١٣ ، القوانين الفقهية : ٧٩.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٣ ، اللباب ١ : ١١٢ ، المجموع ٤ : ٤٩٧ ، المغني ٢ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٦ و ١٥٧.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٥٧ ، المجموع ٤ : ٤٩٧.

١٤

الجمعة أجزأته الظهر التي صلّاها(١) .

وليس بجيّد ، لأن الظهر الواقعة إن كانت صحيحةً أسقطت الفرض ، إذ لا تجبان عليه في وقت واحد إجماعاً ، وإلّا أعادها.

ولأنه يأثم بترك الجمعة وإن صلّى الظهر ، ولا يأثم بفعل الجمعة وترك الظهر إجماعاً ، والواجب هو الذي يأثم بتركه دون ما لا يأثم به.

فروع :

أ : فوات الجمعة برفع الإِمام رأسه من ركوع الثانية. وسيأتي في الجماعة.

ب : لو صلّى الظهر ثم شك هل صلّى قبل صلاة الإِمام أو بعدها ، لزمه الإِعادة‌ ، لأن الأصل البقاء‌

ج : لو صلّى الظهر مع صلاة الإِمام الجمعة لم تصح‌ - إن كان يمكنه إدراكها - ظهره لأنه يمكنه الجمعة ، أمّا لو صلّاها قبل فراغ الإِمام من الجمعة - إذا فاته إدراكها - فإنه يجوز - وبه قال بعض الشافعيّة(٢) - لأن الجمعة فاتت فتجب الظهر ، إذ لا يمكن سقوط الصلاتين.

وظاهر كلام الشافعي أنه لا يجوز أن يصلّيها إلّا بعد فراغ الإِمام(٣) .

مسألة ٣٧٩ : من لا تجب عليه الجمعة كالمسافر والعبد ، له أن يصلّي الظهر قبل صلاة الإِمام‌ ومعه وبعده - وإن جاز أن يصلّي جمعة - في قول أكثر العلماء(٤) ، لأنه لم يخاطب بالجمعة ، فتصح منه الظهر ، كالبعيد من موضع الجمعة.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، المجموع ٤ : ٤٩٦ و ٤٩٧ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، فتح العزيز ٤ : ٦١٢ و ٦١٣.

(٢) حلية العلماء ٢ : ٢٢٨.

(٣) حلية العلماء ٢ : ٢٢٨.

(٤) المغني ٢ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٩‌

١٥

وقال بعض الجمهور : لا تصح صلاته قبل الإِمام ، لأنه لا يتيقن بقاء العذر ، فلم تصح صلاته ، كغير المعذور(١) .

والظاهر البقاء والاستمرار كالمريض يصلّي جالساً.

فروع :

أ : لا يستحب للمعذور تأخير الظهر حتى يفرغ الإِمام‌ ، لأن فرضه الظهر فيستحب تقديمها.

ب : أصحاب الأعذار المكلَّفون إذا حضروا الجامع ، وجبت عليهم الجمعة ، وسقط عنهم فرض الوقت ، لأنها سقطت عنهم لعذر تخفيفا عنهم ، ووجبت على أهل الكمال ، لانتفاء المشقة في حقهم ، فإذا حضروا الجامع سقطت المشقة المبيحة للترك.

ج : لو صلّوا الظهر في منازلهم ثم سعوا إلى الجمعة ، لم تبطل ظهرهم‌ سواء زال عذرهم أوّلا - وبه قال أحمد والشافعي(٢) - لأنها صلاة صحيحة أسقطت الفرض فلا تبطل بعده.

وقال أبو حنيفة : تبطل ظهرهم بالسعي إلى الجمعة كغير المعذور(٣) والفرق ظاهر.

وقال أبو يوسف ومحمد : تبطل إذا أحرموا بالجمعة(٤) .

د : لا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهلها أن يصلّي الظهر‌

____________________

(١) المغني ٢ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٩ ، الإِنصاف ٢ : ٣٧٢.

(٢) المغني ٢ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٩ ، كشاف القناع ٢ : ٢٥ ، المجموع ٤ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٧.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٢ و ٣٣ ، اللباب ١ : ١١٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٥٧ ، المغني ٢ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٧.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٣ ، اللباب ١ : ١١٢.

١٦

جماعة - وبه قال أحمد والأعمش والشافعي وإسحاق(١) - لعموم قولهعليه‌السلام : ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة )(٢) .

وصلّى ابن مسعود بعلقمة والأسود لمـّا فاتته الجمعة(٣) .

وقال أبو حنيفة ومالك : يكره - وهو قول الحسن وأبي قلابة - لأنه لم ينقل في زمن النبيعليه‌السلام من صلّى جماعة من المعذورين(٤) .

وهو ممنوع ، لما تقدّم.

إذا ثبت هذا فالأقرب استحباب إعادتها جماعة في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وغيره من المساجد ، لعموم استحباب طلب الجماعة.

ولا تكره أيضاً في المسجد الذي أُقيمت الجمعة فيه.

وكره أحمد ذلك كله(٥) ، وليس بجيّد.

نعم لو نسب إلى الرغبة عن الجمعة ، أو أنه لا يرى الصلاة خلف الإِمام ، أو خيف فتنة ، ولحوق ضرر به وبغيره كره ذلك.

ه- : الأقرب لمن صلّى الظهر من أصحاب الأعذار السعي إلى الجمعة‌ استحباباً ، طلباً لفضيلة الجماعة ، لأنها تنوب مناب الظهر فأشبهت المنوب ، والأول هو الفرض.

وقال أبو إسحاق : قال الشافعي في القديم : يحتسب الله تعالى له بأيتهما شاء(٦) ، لأنه كان في الابتداء مخيراً بين الظهر والجمعة ، فإذا فعلها‌

____________________

(١) المغني ٢ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٠ ، الإِنصاف ٢ : ٣٧٣ ، كشاف القناع ٢ : ٢٥ ، المجموع ٤ : ٤٩٣ - ٤٩٤.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ ، سنن الترمذي ١ : ٤٢٠ - ٤٢١ / ٢١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٠.

(٣) المغني ٢ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦١.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٥ - ٣٦ ، اللباب ١ : ١١٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٧٠ ، بلغة السالك ١ : ١٨٢ ، المغني ٢ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٠ ، المجموع ٤ : ٤٩٤.

(٥) المغني ٢ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦١.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، المجموع ٤ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٧.

١٧

لم يتعين واحد منهما.

وهو غلط ، لسقوط فرضه مما فعله أولاً ، فإذا فعل الجمعة كان متطوعاً بها ، وما ذكره إنّما يتحقق قبل الفعل.

مسألة ٣٨٠ : لا يجوز إنشاء السفر لمن وجبت عليه الجمعة ، واستكمال الشرائط(١) ، بعد الزوال قبل أن يصلّيها عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد(٢) - لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من سافر من دار إقامة(٣) يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ، لا يصحب في سفره ، ولا يعان على حاجته )(٤) ، والوعيد لا يلحق المباح.

ولأن ذمته مشتغلة فلا يجوز له الاشتغال بما يمنع عنها كاللهو والتجارة.

وقال أبو حنيفة والأوزاعي : يجوز(٥) ، لقول عمر : الجمعة لا تحبس عن سفر(٦) ، ولأنّ الصلاة تجب بآخر الوقت ، ولأنّ كلّ صلاة يجوز السفر بعدها يجوز قبلها كسائر الصلوات.

والفرق أنّ السفر يُسقط الجمعة دون غيرها ، وقول عمر ليس حجة خصوصاً مع مخالفته(٧) القرآن ، وقد بيَّنا وجوب الصلاة بأول الوقت.

فروع :

أ : لا يجوز السفر بعد الزوال لأجل الجهاد‌ إلّا مع الضرورة.

____________________

(١) كذا ، والمناسب للعبارة : واستكملت الشرائط فيه.

(٢) المجموع ٤ : ٤٩٩ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٨ ، الميزان ١ : ١٨٧ ، بلغة السالك ١ : ١٨٣ ، المنتقى للباجي ١ : ١٩٩ ، المغني ٢ : ٢١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦١.

(٣) في « م » : إقامته.

(٤) كنز العمال ٦ : ٧١٥ / ١٧٥٤٠.

(٥) المجموع ٤ : ٤٩٩ ، المغني ٢ : ٢١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦١‌

(٦) سنن البيهقي ٣ : ١٨٧ ، وانظر : الاُم ١ : ١٨٩ ، والمغني ٢ : ٢١٧ ، والشرح الكبير ٢ : ١٦١.

(٧) في « م » والطبعة الحجرية : مخالفة.

١٨

ونقل عن أحمد الجواز(١) ، لأنّهعليه‌السلام لمـّا وجّه زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة في جيش مؤتة فتخلّف عبد الله ، فرآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( ما خلّفك؟ ) فقال : الجمعة ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ) فراح منطلقاً(٢) .

والذي نقله أصحابه إنّ ذلك كان قبل الزوال(٣) .

ب : يجوز السفر بعد الزوال لأصحاب الأعذار المتجددة‌ بعد الوجوب ، كمريد الصحبة إذا خاف فوتها مع ضرورته إليها ، لأنها تسقط الوجوب ، وبالجملة كلّ ما يخاف معه على نفسه أو ماله فهو عذر ، وكذا لو ضلّ له ولد أو رقيق أو حيوان.

ج : يجوز السفر قبل الزوال بعد الفجر‌ ، لكنّه مكروه عند علمائنا - وبه قال مالك وأحمد - والحسن وابن سيرين - في رواية ، والشافعي في القديم ، وأصحاب الرأي(٤) - لحديث عبد الله بن رواحة(٥) . ولأنّ ذمته خالية من وجوب فلا يمنعه إمكان وجوبها.

وقال الشافعي في الجديد : لا يجوز - وبه قال ابن عمر وأحمد - إلّا في الجهاد ، لأنّه وقت الرواح إلى الجمعة ، وقد يجب فيه السعي على من بعد طريقه ، فلا يجوز له ترك الجمعة بالسفر فيه كما بعد الزوال(٦) .

____________________

(١) الشرح الكبير ٢ : ١٦٢.

(٢) مسند أحمد ١ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٨٧ ، وانظر : المغني ٢ : ٢١٨.

(٣) المغني ٢ : ٢١٨.

(٤) المغني ٢ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٢ ، المجموع ٤ : ٤٩٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٨ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، الميزان ١ : ١٨٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٨ ، المنتقى للباجي ١ : ١٩٩.

(٥) مسند أحمد ١ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٨٧.

(٦) المجموع ٤ : ٤٩٩ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، الميزان ١ : ١٨٧ ، =

١٩

والفرق شغل الذمة في الأول دون الثاني ، والسعي يجب فيه على من تجب عليه وهو بسفره خرج عن ذلك.

واستثناء الشافعي الجهاد ، لحديث ابن رواحة.

د : لا يكره السفر ليلة الجمعة‌ إجماعاً.

البحث الثاني : السلطان‌

مسألة ٣٨١ : يُشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو حنيفة(١) - للإِجماع على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعيّن لإِمامة الجماعة - وكذا الخلفاء بعده - كما يعيّن للقضاء.

وكما لا يصح أن ينصب الإِنسان نفسه قاضياً من دون إذن الإِمام كذا إمامة الجمعة.

ولرواية محمد بن مسلم قال : « لا تجب الجمعة على أقل من سبعة : الإِمام ، وقاضيه ، ومُدّعٍ حقاً ، ومدّعى عليه ، وشاهدان ، ومن يضرب الحدود بين يدي الإِمام »(٢) .

ولأنّه إجماع أهل الأعصار ، فإنه لا يقيم الجمعة في كلّ عصر إلّا الأئمة.

وقال الشافعي ومالك وأحمد : ليس السلطان شرطاً ولا إذنه(٣) ، لأنّ علياً‌

____________________

= ، المغني ٢ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٨.

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٣ و ٢٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٥٩ ، ٢٦١ ، اللباب ١ : ١١٠ ، المجموع ٤ : ٥٨٣ ، المغني ٢ : ١٧٣ - ١٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٨ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٩ ، الميزان ١ : ١٨٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢٢٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ / ١٦٠٨.

(٣) الاُم ١ : ١٩٢ ، المجموع ٤ : ٥٠٩ و ٥٨٣ ، مختصر المزني : ٢٨ ، الوجيز ١ : ٦٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ١٦٠ ، المغني ٢ : ١٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٨.

٢٠

عليه‌السلام صلّى بالناس الجمعة وعثمان محصور(١) ، ولم ينكر أحد.

ولأنها عبادة بدنية فلا تفتقر إقامتها إلى السلطان كالحج.

وفعل عليعليه‌السلام حجة لنا ، لأنّهعليه‌السلام الإِمام عندنا ، ولأنّ عثمان بمنع المسلمين له عن التصرف خرج عن الإِمامة ، إذ الإِمامة عندهم تثبت بالاختيار من أهل الحلّ والعقد فتزول لزوال سببها.

والفرق في الحج عدم احتياجه إلى رئيس يتقدّم عليهم فيها ، بخلاف الجمعة المفتقرة إلى إمام يتقدّمهم.

مسألة ٣٨٢ : أجمع علماؤنا كافة على اشتراط عدالة السلطان‌ وهو الإِمام المعصوم ، أو من يأمره بذلك - خلافاً للجمهور كافة(٢) لأن الاجتماع مظنة التنازع ، والحكمة تقتضي انتفاء ذلك ، ولا يحصل إلّا بالسلطان ، ومع فسقه لا يزول ، لأنّه تابع في أفعاله لقوته الشهوية لا مقتضى الشرع ومواقع المصلحة ، وليس محلاً للأمانة فلا يكون أهلاً للاستنابة.

احتجّوا بقولهعليه‌السلام : ( فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل ، أو جائر فلا جمع الله شمله )(٣) .

ولأن السلطان يسوّي بين الناس في إيقاعها فلا يفوت بعضاً.

ونمنع الحديث أوّلاً ، ودلالته على المطلوب ، لأنه وعيد على من تركها مستخفاً بها ، ولا شك في أنه مستحق للوعيد سواء كان الإِمام عادلاً أو جائراً ، بل يستحب الاجتماع فيها وعقدها وإن كان السلطان جائراً.

____________________

(١) اُنظر سنن البيهقي ٣ : ١٢٤ ، والمغني ٢ : ١٧٤.

(٢) المجموع ٤ : ٢٥٣ ، المغني ٢ : ١٤٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٥ ، بدائع الصنائع ، ٢٦١.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ / ١٠٨١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧١ ، مجمع الزوائد ٢ : ١٦٩ نقلاً عن الطبراني في الأوسط ، مسند أبي يعلى ٣ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١٨٥٦ ، الترغيب والترهيب ١ : ٥١٠ - ٥١١ / ٩.

٢١

ونمنع من تسوية السلطان الفاسق لجواز أن يغلبه هواه على تقديم أو تأخير.

مسألة ٣٨٣ : يشترط إمّا السلطان المعصوم ، أو استنابته لمن يرتضيه‌ ، ويشترط في النائب أمور :

الأول : البلوغ. فلا تصح إمامة الصبي - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد(١) - لعدم التكليف في حقه ، فإن لم يكن مميزاً لم يعتد بفعله ، وإلا عرف ترك المؤاخذة على فعله ، فلا يؤمن ترك واجب أو فعل محرَّم في صلاته.

ولأن العدالة شرط وهي منوطة بالتكليف.

وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : تصح كغيرها من الفرائض(٢) .

ونمنع الأصل ، ونفرق باختصاص الجمعة بشرائط زائدة

الثاني : العقل. فإن المجنون لا اعتبار بفعله ، ومن يعتوره لا يكون إماماً ، ولا في وقت إفاقته ، لجواز عروضه له حينئذٍ. ولأنه لا يؤمن احتلامه في نوبته وهو لا يعلم. ولنقصه عن المراتب الجليلة.

الثالث : الذكورة. فإن المرأة لا تؤم الرجال ولا الخناثى ، وكذا الخنثى.

الرابع : الحرية. وفي اشتراطها للشيخ قولان :

أحدهما : ذلك(٣) - وبه قال أحمد ومالك(٤) - لأن الجمعة لا تجب‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ١ : ٢٦٢ ، بلغة السالك ١ : ١٥٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٧ ، المنتقى للباجي ١ : ١٩٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٤٤ ، المغني ٢ : ٥٥ ، الإِنصاف ٢ : ٢٦٦ ، كشاف القناع ١ : ٤٧٩.

(٢) الاُم : ١ : ١٩٢ ، المجموع ٤ : ٢٤٩ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٣.

(٣) النهاية : ١٠٥.

(٤) المغني ٢ : ١٩٦ ، المحرّر في الفقه ١ : ١٤٢ ، بلغة السالك ١ : ١٥٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٧ ، المنتقى للباجي ١ : ١٩٧.

٢٢

عليه ، فلا يكون إماماً فيها ، كالصبي والمرأة.

والثاني : العدم(١) - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٢) - لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إسمعوا وأطيعوا ولو أُمّر عليكم عبد حبشي أجدع ما أقام فيكم الصلاة )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول أحدهماعليهما‌السلام - وقد سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة - : « لا بأس به »(٤) .

ولأنه ذكر يؤدّي فرض الجمعة ، فجاز أن يكون إماما فيها كالحرّ. وهو عندي أقوى.

مسألة ٣٨٤ : العدالة شرط عند علمائنا كافة‌ ، فلو أمّ الفاسق لم تنعقد وأُعيدت ظهراً - خلافاً للجمهور(٥) كافّة - لأنّ الائتمام ركون إلى الفاسق وهو ظالم ، فيكون منهياً عنه ، لقوله تعالى( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٦) .

وقول جابر : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( لا تؤمّنّ امرأة رجلاً ، ولا فاجر مؤمناً إلّا أن يقهره سلطان ، أو يخاف سيفه ، أو سوطه )(٧) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه سعد بن إسماعيل ، عن أبيه قال : قلت للرضاعليه‌السلام : رجل يقارف(٨) الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أُصلّي‌

____________________

(١) الخلاف ١ : ٦٢٧ ، المسألة ٣٩٨.

(٢) الاُم ١ : ١٩٢ ، المجموع ٤ : ٢٥٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦١ و ٢٦٦ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٦ ، اللباب ١ : ١١٢.

(٣) سنن البيهقي ٣ : ٨٨ ، الخراج للقاضي أبي يوسف : ٩ بتفاوت واختصار ، وأورده نصّاً في فتح العزيز ٤ : ٣٢٨ ، وتلخيص الحبير ٤ : ٣٢٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٩ / ٩٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ / ١٦٢٨.

(٥) المجموع ٤ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٠ و ٣٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المغني ٢ : ١٤٩ ، اللباب ١ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٦.

(٦) هود : ١١٣.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ / ١٠٨١.

(٨) قارف الذنب : داناه ولاصقه. لسان العرب ٩ : ٢٨٠ « قرف ».

٢٣

خلفه؟ قال : « لا »(١) .

وقال أبو عبد الله البرقي : كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام : أتجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدّك صلوات الله عليهما؟ فأجاب : « لا تصلّ وراءه »(٢) .

ولانتفاء الزاجر له عن ترك شرط أو فعل منافٍ فلا تصح ، كالصبي والكافر.

احتجّوا : بعموم قوله تعالى( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (٣) .

وبقولهعليه‌السلام : ( صلّوا خلف من قال : لا إله إلّا الله )(٤) .

وبأن الحسن والحسينعليهما‌السلام صلّيا مع مروان(٥) .

والآية تدلّ على السعي لا على حال الإِمام. والعام قد يخصّص ، وأحاديثنا أخصّ فتقدّم.

وفعل الإِمامينعليهما‌السلام لقهرهما ، كما تضمّنه حديث جابر(٦) .

ولأنه حكاية حال فيمكن أنّ صلاتهما بعد فعلها في منازلهما ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر : ( كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخّرون الصلاة عن وقتها؟ ) قلت : فما تأمرني؟ قال : ( صلّ الصلاة لوقتها ، فإن أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة )(٧) .

____________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٩ / ١١١٦ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٠ و ٢٧٧ / ٨٠٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١١٣ ، التهذيب ٣ : ٢٨ / ٩٨.

(٣) الجمعة : ٩.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ٥٦ / ٣ ، بلوغ المرام : ٨٥ / ٤٥٠.

(٥) الجعفريات : ٥٢ ، نوادر الراوندي : ٣٠ وانظر سنن البيهقي ٣ : ١٢٢.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ / ١٠٨١.

(٧) صحيح مسلم ١ : ٤٤٨ / ٦٤٨ ، سنن ابي داود ١ : ١١٧ / ٤٣١ ، سنن الترمذي ١ : ٣٣٢ - ٣٣٣ / ١٧٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٤ ، مسند احمد ٥ : ١٥٩ ، سنن النسائي ٢ : ٧٥ ، المعجم الصغير للطبراني ١ : ٢١٨.

٢٤

فروع :

أ : عن أحمد رواية أنه يصلّي خلف الفاسق جمعةً ثم يعيدها(١) .

وهو غلط ، لأنّها إن كانت مأموراً بها خرج عن العهدة بفعلها فلا إعادة ، وإلّا فلا تصح الصلاة خلفه.

ب : لو كان السلطان جائراً ثم نصب عدلاً استحب الاجتماع وانعقدت جمعة على الأقوى‌ - وسيأتي - ولا تجب ، لفوات الشرط وهو الإمام أو من نصبه.

وأطبق الجمهور على الوجوب.

ج : لو خفي فسقه ثم ظهر بعد الصلاة أجزأ‌ ، لأنّه مأمور بها فتقع مجزئةً.

د : لا تصح الصلاة خلف الكافر بالإِجماع‌ ، فلو ظهر كفره صحّت الصلاة ، للامتثال ، سواء كان الكفر ممّا لا يخفى كالتهوّد والتنصّر ، أو يخفى كالزندقة ، وبه قال المزني(٢) .

وعند الشافعي تجب الإِعادة في الأول ، لتفريطه(٣) .

ه- : لو شك في إسلامه لم تنعقد الجمعة‌ ، لأنّ ظهور العدالة شرط ، وهو منتف مع الشك.

وقال بعض الجمهور : تصحّ ، عملاً بالظاهر من أنه لا يتقدّم للإِمامة إلّا مسلم(٤) .

و : الاختلاف في فروع الفقه - مع اعتقاد الحق - لا يمنع الإِمامة‌ ، للإِجماع على تعديل بعضهم بعضاً وإن اختلفوا في المسائل الاجتهادية.

____________________

(١) المغني ٢ : ١٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠٦.

(٢) المغني ٢ : ٣٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٦.

(٤) المغني ٢ : ٢٨ و ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٤.

٢٥

ز : إذا اعتقد المجتهد شيئاً من الفروع وفعل ضدّه - مع بقاء اعتقاده - قدح في عدالته ، وكذا المقلّد إذا أفتاه العالم ، أمّا لو عدل من عالم إلى أعلم أو مساو ، لم يقدح في العدالة.

مسألة ٣٨٥ : الإِيمان شرط في الإِمام في الجمعة وغيرها‌ إجماعاً عندنا ، لأنّ غيره فاسق ، وقد بيّنا اشتراط العدالة.

وقال أحمد : تجب سواء كان من يقيمها سنّياً ، أو مبتدعاً ، أو عدلاً ، أو فاسقاً. وسئل عن الصلاة خلف المعتزلة يوم الجمعة ، فقال : أما الجمعة فينبغي شهودها ، وإن كان الذي يصلّي منهم أعاد وإلّا فلا(١) .

وقال الشافعي : إذا صلّى خلف مبتدع - وهو كلّ من زاد في الدين ما ليس منه ، سواء كان قربة أو معصية - فإن كانت بدعته بزيادة طاعة تخالف(٢) المشروع - كما لو صلّى العيد في غير وقته - صحّت خلفه ، وإن كانت معصية - كالطعن في الصحابة ، أو خلل في معتقده - فإن أوجبت تكفيراً ، لم تصحّ خلفه ، وإلّا صحّت(٣) .

وعندنا أنه لا تجوز خلف المبتدع سواء أوجبت كفراً ، أو لا ، لأنّها توجب فسقاً ، لقولهعليه‌السلام : ( كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار )(٤) .

مسألة ٣٨٦ : يشترط في الإِمام طهارة المولد‌ عند علمائنا ، فلا تصحّ إمامة ولد الزنا ، لأنّها من المناصب الجليلة ، فلا تليق بحاله ، لنقصه. ولعدم انقياد القلوب إلى متابعته. ولأنّها رئاسة دينية فلا ينالها مثله ، لتكوّنه من المعصية الكبيرة.

____________________

(١) المغني ٢ : ١٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠٥.

(٢) في نسخة « م » : بخلاف.

(٣) اُنظر : المجموع ٤ : ٢٥٣ ، وفتح العزيز ٤ : ٣٣١.

(٤) سنن النسائي ٣ : ١٨٩.

٢٦

وبعض علمائنا حكم بكفره(١) . وليس بمعتمد.

ولأنّ رجلاً لا يعرف أبوه أمّ قوماً بالعقيق فنهاه عمر بن عبد العزيز(٢) ، ولم ينكر عليه أحد.

وقال الشافعي : تكره إمامته(٣) ، لحديث عمر بن عبد العزيز.

وقال أحمد : لا تكره(٤) .

مسألة ٣٨٧ : اشترط أكثر علمائنا كون الإِمام سليماً من الجذام والبرص والعمى(٥) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي »(٦) .

والأعمى لا يتمكن من الاحتراز عن النجاسات غالباً. ولأنه ناقص فلا يصلح لهذا المنصب الجليل.

وقال بعض أصحابنا المتأخرين : يجوز(٧) .

واختلفت الشافعية في أنّ البصير أولى ، أو يتساويان على قولين(٨) .

مسألة ٣٨٨ : إذا حضر إمام الأصل لم يؤمّ غيره إلّا مع العذر‌ إجماعاً ، لأنّ الإِمامة متوقّفة على إذنه ، فليس لغيره التقدّم عليه ، وكذا نائب الإِمام ، لأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يحضر موضعاً إلّا أمّ بالناس ، وكذا خلفاؤه ،

____________________

(١) هو ابن إدريس في السرائر : ١٨٣ و ٢٤١ و ٢٨٧.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢١٦ - ٢١٧.

(٣) الاُم ١ : ١٦٦ ، المجموع ٤ : ٢٨٨ ، المغني ٢ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ، عمدة القارئ ٥ : ٢٢٦.

(٤) المغني ٢ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ، الإِنصاف ٢ : ٢٧٤ ، كشاف القناع ١ : ٤٨٤.

(٥) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٥٥ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٨٠ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٠٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦ / ٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٦.

(٧) كما ذكره المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ٩٧.

(٨) المجموع ٤ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٦ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٨ - ٣٢٩.

٢٧

والسرايا الذين بعثهم كان يصلّي بهم الأمير عليهم.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « قال عليعليه‌السلام : إذا قدم الخليفة مصراً من الأمصار جمّع بالناس ليس ذلك لأحدٍ غيره »(١) .

ومع العذر يجوز أن يصلّي غيره ، ويشترط إذنه ، لما تقدّم.

مسألة ٣٨٩ : وهل للفقهاء المؤمنين حال الغيبة والتمكن من الاجتماع والخطبتين صلاة الجمعة؟

أطبق علماؤنا على عدم الوجوب ، لانتفاء الشرط ، وهو ظهور الإِذن من الإِمامعليه‌السلام .

واختلفوا في استحباب إقامة الجمعة ، فالمشهور ذلك ، لقول زرارة : حثّنا الصادقعليه‌السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك؟ فقال : « لا ، إنّما عنيت عندكم »(٢) .

وقال الباقرعليه‌السلام لعبد الملك : « مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله » قلت : كيف اصنع؟ قال : « صلّوا جماعة » يعني صلاة الجمعة(٣) .

وقال الفضل بن عبد الملك : سمعت الصادقعليه‌السلام يقول : « إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات ، فإن كان لهم من يخطب جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر ، وإنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين »(٤) .

وقال سلّار وابن إدريس : لا تجوز ، لأصالة الأربع ، فلا تسقط إلّا بدليل(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣ / ٨١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣٨ - ٢٣٩ / ٦٣٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٤.

(٥) المراسم : ٢٦١ ، السرائر : ٦٦.

٢٨

والأخبار السابقة متأولة ، لأنّ قول الصادقعليه‌السلام لزرارة ، وقول الباقرعليه‌السلام لعبد الملك إذنٌ لهما فيها ، فيكون الشرط قد حصل.

وقول الصادقعليه‌السلام : « فإن كان لهم من يخطب » محمول على الإمام أو نائبه.

ولأنّ شرط الوجوب الإِمام أو نائبه إجماعاً ، فكذا هو شرط في الجواز.

مسألة ٣٩٠ : يجوز أن يكون الإِمام مسافراً - وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي(١) - لأنّه رجل تصح منه الجمعة ، فجاز أن يكون إماماً كالحاضر.

وقال أحمد بن حنبل : لا يجوز ، لأنّه ليس من أهل فرض الجمعة ، فلا يجوز أن يكون إماماً كالمرأة(٢) .

والفرق ظاهر ، فإنّ المرأة لا تصح أن تكون إماما للرجل في حال من الأحوال ، والمسافر لو نوى الإِقامة صحّ أن يكون إماماً إجماعاً.

مسألة ٣٩١ : لو أحدث الإِمام في صلاة الجمعة أو غيرها ، أو خرج بسبب آخر ، جاز أن يستخلف غيره‌ ليتمّ بهم الصلاة ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والثوري والشافعي في الجديد ، وأحمد وإسحاق وأبو ثور(٣) - لأن أبا بكر كان يصلّي بالناس في مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَنْ يصلّي بالناس؟ ) فقيل :

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٥ ، اللباب ١ : ١١٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٤ ، المدونة الكبرى ١ : ١٥٨ ، المنتقى للباجي ١ : ١٩٦ ، المغني ٢ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٥ ، المحلّى ٥ : ٥١ ، المجموع ٤ : ٢٤٨ و ٢٥٠ ، الوجيز ١ : ٦٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٤٠ ، السراج الوهاج : ٨٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٤.

(٢) المغني ٢ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٥ ، المجموع ٤ : ٢٥٠ ، فتح العزيز ٤ : ٥٤١ ، الإِنصاف ٢ : ٣٦٨.

(٣) بلغة السالك ١ : ١٦٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٦٦ ، الام ١ : ٢٠٧ ، المجموع ٤ : ٢٤٢ و ٢٤٥ و ٥٧٨ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٤ - ٥٥٥ و ٥٥٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٨ ، المغني ١ : ٧٧٩.

٢٩

أبو بكر ، فخرج يتهادى بين اثنين ، فدخل المسجد وأبو بكر يصلّي بالناس ، فمنعه من إتمام الإِمامة بهم ، وتقدّم فصلّى بهم وتأخّر أبو بكر(١) . فصارت الصلاة بإمامين على التعاقب.

ومن طريق الخاصة : قول عليعليه‌السلام : « من وجد أذى فليأخذ بيد رجل فليقدّمه »(٢) يعني إذا كان إماماً.

ولأن صلاة المأموم لا تبطل ببطلان صلاة الإِمام ، فإذا قدّم من يصلح للإِمامة كان كما لو أتمّها ، ولا ينفك المأموم من الجماعة والعمل بالفضيلة فيها.

وقال الشافعي في القديم : لا يجوز الاستخلاف(٣) ، لما رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه صلّى بأصحابه ، فلمـّا أحرم بالصلاة ذكر أنه جنب ، فقال لأصحابه : ( كما أنتم ) ومضى ورجع ورأسه يقطر ماءً ، ولم يستخلف(٤) . فلو كان سائغاً لفعله.

وهذا عندنا ممتنع ، لما بيّنا غير مرة من استحالة السهو على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وللشافعي قول آخر : جوازه في غير الجمعة لا فيها(٥) .

فروع :

أ : لا فرق في جواز الاستخلاف بين ما إذا أحدث الإِمام بعد الخطبتين قبل التحريم وبعدها‌ ، فإذا استخلف صلّى بهم من غير خطبة ، لخروج العُهدة عنها بفعلها أوّلاً.

____________________

(١) مسند أحمد ١ : ٢٠٩ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٧ / ٩٤٠ بتفاوت.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٦ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٥ / ١٣٣١ ، الاستبصار ١ : ٤٠٤ / ١٩٤٠.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤ ، المجموع ٤ : ٥٧٨ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٨ ، السراج الوهاج : ٩٠.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ٦٠ - ٦١ / ٢٣٣ - ٢٣٥ - سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٥ / ١٢٢٠ ، مسند أحمد ١ : ٨٨ و ٩٩ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ١١٤ / ٣٤١.

(٥) اُنظر : فتح العزيز ٤ : ٥٥٥.

٣٠

وقال الشافعي : على تقدير جوازه يجوز ، وعلى تقدير عدمه لا يجوز أن يصلّي غيره بهم الجمعة ، لأنّ الخطبتين تقوم مقام ركعتين فيخطب بهم غيره ويصلّي ، فإن لم يتّسع الوقت ، صلّى بهم الظهر أربعاً(١) .

ب : لو أحدث بعد التحريم استخلف عندنا‌ ، وأتمّوها جمعةً قطعاً ، وبه قال الشافعي على تقدير الجواز ، وعلى تقدير العدم لا يجوز ، فيصلّي المأمومون فرادى ركعتين.

وعنه آخر : إن كان بعد أن صلّى ركعة أتموها جمعةً ركعتين ، وإن كان أقل من ركعة صلّوا ظهراً أربعاً(٢) .

ج : يجب أن يستخلف مَنْ هو بشرائط الإِمامة ، فلو استخلف امرأة لإِمامة الرجال فهو لغو ، فلا تبطل صلاتهم إذا لم يقتدوا بها ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : تبطل الصلاة بالاستخلاف صلاتهم وصلاتها(٤) .

د : لا يشترط في المستخلَف كونه قد سمع الخطبة ، أو أحرم مع الإِمام‌ ، سواء أحدث الإِمام في الركعة الْأولى أو الثانية قبل الركوع ، للأصل.

ولقول معاوية بن عمّار : سألت الصادقعليه‌السلام ، عن رجل يأتي المسجد وهُمْ في الصلاة وقد سبقه الإِمام بركعة أو أكثر ، فينفتل الإِمام فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم إليه فيقدّمه ، فقال : « يُتمّ القوم الصلاة ، ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهّد أومأ بيده إليهم عن اليمين والشمال ، وكان الذي أومأ إليهم بيده التسليم وانقضاء صلاتهم ، وأتمّ هو ما كان فاته إن بقي عليه »(٥) .

____________________

(١) فتح العزيز ٤ : ٥٦١ - ٥٦٢.

(٢) المجموع ٤ : ٥٧٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤.

(٣) المجموع ٤ : ٢٤٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٥.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٢ / ٧ ، التهذيب ٣ : ٤١ / ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤٣٣ / ١٦٧٢ ، الفقيه ١ : =

٣١

وقال الشافعي : إن استخلف بعد الخطبة قبل أن يحرم بالصلاة ، جاز أن يستخلف مَنْ حضرها وسمعها ، لأنّه ثبت له حكمها بسماعه إيّاها ، ولهذا لو بدر أربعون ممّن سمع الخطبة فعقدوها ، صحّت ، ولو صلّى أربعون ممّن لم يسمعها ، لم تنعقد بهم ، ولا يجوز أن يستخلف مَنْ لم يسمعها.

وإن أحدث بعد التحريم ، فإن كان في الركعة الْاُولى جاز أن يستخلف مَنْ أحرم معه قبل حدثه ، سواء كان دخل معه قبل الركوع أو بعده - وإن لم يكن سمع الخطبة - لأنّه بدخوله معه في الصلاة ثبت له حكمها.

ولا يجوز أن يستخلف من لم يدخل معه ، لأنه يكون مبتدئاً للجمعة ، ولا يجوز عقد جمعة بعد جمعة ، بخلاف المسبوق ، لأنه متبع لا مبتدئ.

وإن أحدث في الثانية ، جاز أن يستخلف مَنْ دخل معه قبل الركوع أو فيه ، ويُتمّون معه الجمعة.

وهل يتمّ هو الجمعة أو الظهر؟ قال أكثر أصحابه : بالأول. وهو جيّد عندنا ، لأنه أدرك الجمعة بإدراكه راكعاً.

وإن استخلف مَنْ دخل معه بعد الركوع ، قال أكثر أصحابه : لا يجوز ، لأنّ فرضه الظهر ، فلا يجوز أن يكون إماماً في الجمعة.

وقال بعضهم : يجوز ، كالمسبوق والمسافر يأتمّ بالمقيم(١) .

وعندي في ذلك تردّد ، وكذا التردّد لو استناب من يبتدئ بالظهر.

ه - : لو أحدث في الْاُولى فاستخلف مَنْ قد أحرم معه صحّ ، ثم صلّى المستخلف لهم الثانية ، فلمـّا قام أحدث واستخلف مَنْ أدرك الركعة الثانية صلّى المستخلف الثاني ركعة ، وأشار إليهم أن يسلّم بهم أحدهم ، وقام هو فأتمّها جمعة ، لأنه أدرك ركعة من جمعة صحيحة.

____________________

= ٢٥٨ / ١١٧١.

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤ ، المجموع ٤ : ٥٧٩ - ٥٨٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤٩.

٣٢

وقال الشافعي : يتمّها ظهراً ، لأنّ للمأمومين اتّباعه ، فلا يمكن بناء حكمه على حكمهم ، ولا يمكن أن يبني حكمه على حكم الإِمام الأول ، لأنّه ما تمّت له الجمعة ، فلا وجه لإِتيان حكم الجمعة في حقّه. وهو ممنوع.

ثم قال : لو جاء مسبوق آخر واقتدى بهذا المسبوق ، وقلنا : إنّ المحسوب له ركعة من الظهر ، فيحسب للمقتدي به ركعة من الجمعة ، لأنّه في حق المأمومين يتنزّل منزلة إمامه(١) .

و : لو لم يستنب الإِمام أو مات أو اُغمي عليه ، فإن كان بعد ركعة استناب المأمومون وقدّموا مَنْ يتمّ بهم الصلاة ، وللواحد منهم أن يتقدّم ، بل هو أولى ، لأنّ الإِمام قد خرج والمأمومون في الصلاة. وبه قال الشافعي(٢) .

وفيه إشكال ينشأ من اشتراط الإِمام أو إذنه عندنا ، ومن كونها جمعةً انعقدت صحيحةً ، فيجب إكمالها.

والإِذن شرط في الابتداء لا في الإِكمال. فإن قلنا بالأول احتمل أن يتمّوها جمعةً فرادى كما لو ماتوا إلّا واحداً ، وأن يتمّوها ظهراً ، لعدم الشرط وهو الجماعة مع التعدّد.

وإن كان في الْأولى قبل الركوع ، احتمل إتمامها ظهراً ، إذ لم يدرك أحد منهم ركعة ، فلم يدركوا الصلاة ، وجمعة ، لانعقادها صحيحة ، فتكمل كما لو بقي الإِمام. وكلا الوجهين للشافعي(٣) .

ز : لا فرق في جواز الاستخلاف بين أن يُحدث الإِمام عمداً أو سهواً - وبه قال الشافعي(٤) - لما بيّنّا من أنّ بطلان صلاة الإِمام لا يقتضي بطلان صلاة المأموم.

____________________

(١) اُنظر المجموع ٤ : ٥٨١ - ٥٨٢ ، وفتح العزيز ٤ : ٥٥٩ و ٥٦٠.

(٢) المجموع ٤ : ٥٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦١.

(٣) المجموع ٤ : ٥٧٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤.

(٤) المجموع ٤ : ٥٧٨ ، الوجيز ١ : ٦٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٧.

٣٣

وقال أبو حنيفة : إن تعمّد بطلت صلاتهم كلّهم(١) .

ح : الأقرب وجوب اتّحاد الإِمام والخطيب إلّا لعذر‌ ، كالحدث وشبهه ، لأنّ العادة قاضية بأنّ المتولّي لهما واحد من زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الآن.

ويحتمل عدمه ، لجواز تعدّد الأئمة في صلب الصلاة في المحدث فجاز في غيره.

ط : لو استناب لم يجب على المأمومين استئناف نية القدوة ، لأنّه خليفة الأول ، والغرض من الاستخلاف تنزيل الخليفة منزلة الأول وإدامة الجماعة.

وهو أحد وجهي الشافعية(٢) .

وفيه إشكال ينشأ من وجوب تعين الإِمام فيجب استئناف نية القدوة.

وفي الآخر : يشترط ، لأنّهم انفردوا بخروج الإِمام من الصلاة(٣) .

وكذا لو لم يستنب الإِمام وقدّم المأمومون إماماً.

ي : لو مات الإِمام فاستناب المأمومون ، لم تبطل صلاة المتلبّس‌ وأتمّ جمعةً ، أمّا غيره فيصلّي الظهر ، ويحتمل الدخول معهم ، لأنّها جمعة مشروعة.

البحث الثالث : العدد‌

مسألة ٣٩٢ : العدد شرط بإجماع العلماء كافة‌ ، لأنّ تسميتها جمعة من الاجتماع المستلزم للتكثير ، ولأنّ الإمام شرط ولا يتحقّق مسمّاه إلاّ بالمأموم.

____________________

(١) بدائع الصنائع ١ : ٢٢٦ ، فتح العزيز ٤ : ٥٥٧.

(٢) المجموع ٤ : ٥٨٢ ، الوجيز ١ : ٦٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٠.

(٣) المجموع ٤ : ٥٨٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥٦٠.

٣٤

واختلفوا في أقلّ عدد تجب معه الجمعة ، فقال بعض علمائنا : أقلّه خمسة نفر الإِمام أحدهم ، لأنَّ الخطاب متوجّه بصيغة الجمع ، وأقلّ عدد يحتمله حقيقة الثلاثة ، وإنّما أوجب عند النداء الحاصل من الغير فيثبت رابع ، وإنّما يجب السعي عند النداء مع حصول الشرائط التي من جملتها الإِمام فيجب الخامس(١) .

ولأنّها إنّما تجب على المقيمين ، والاستيطان مع الاجتماع مظنَّة التنازع ، فلا بُدّ من حاكم يفصل بين المتنازعين فوجب الثالث.

ثم لمـّا كانت الحوادث والعوائق تعتور الإِنسان وجب أن يكون للحاكم نائب يقوم مقامه لو عرض له حادث يمنعه عن فصل المتنازعين فوجب الرابع.

ثم لمـّا كان الاجتماع مظنة التنازع المفضي إلى الافتراء احتيج إلى من يستوفي الحدود بإذن الحاكم مباشرة فوجب الخامس.

فثبت أنّ الْاُمور الضرورية لا بدَّ فيها من حصول خمسة نفر.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط : الإِمام وأربعة »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا ، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة »(٣) .

وقال الشيخ : سبعة نفر ، أحدهم : الإِمام(٤) ، لافتقار الاستيطان إلى متنازعين وشاهدين ، وحاكم ، ونائبه ، ومستوفي الحدود.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « تجب الجمعة على سبعة ولا تجب على‌

____________________

(١) هو المحقق في المعتبر : ٢٠٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ / ٦٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ / ١٦١٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ / ١٦١٠.

(٤) الخلاف ١ : ٥٩٨ المسألة ٣٥٩ ، النهاية : ١٠٣ ، المبسوط للطوسي ١ : ١٤٣.

٣٥

أقلّ منهم »(١) .

وحمل ما تقدّم من الروايتين على استحبابها للخمسة(٢) .

ولا ضرورة إلى الشاهدين ، والرواية ليست ناصّةً على المطلوب ، لأنّ أقلّ من السبعة قد يكون أقلّ من الخمسة ، فيحمل عليه جمعاً بين الأدلّة ، ولأنّ روايتنا أكثر رواةً وأقرب إلى مطابقة القرآن ، ولأنّ الخيار مع الخمسة يستلزم الوجوب ، لقوله تعالى( فَاسْعَوْا ) (٣) .

وقال الشافعي : لا تنعقد بأقلّ من أربعين رجلاً على الشرائط الآتية ، وهل الإِمام أحدهم؟ وجهان - وبه قال عمر بن عبد العزيز ومالك وأحمد - لقول جابر بن عبد الله : مضت السنّة أنّ في كلّ أربعين فما فوقها جمعةً(٤) . وقول الصحابي : مضت السنّة ، كقوله : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) .

وتعليق الحكم على العدد لا يقتضي نفيه عمّا هو أقلّ أو أكثر.

ونمنع مساواة ( مضت السنّة ) لقوله : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقال أحمد في رواية : لا تنعقد إلّا بخمسين ، لقولهعليه‌السلام : ( تجب الجمعة على خمسين رجلاً)(٦) .

ودلالة المفهوم ضعيفة.

____________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢٢٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ / ١٦٠٨.

(٢) الاستبصار ١ : ٤١٩ ذيل الحديث ١٦٠٩.

(٣) الجمعة : ٩.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ٣ - ٤ / ١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧٧.

(٥) المغني ٢ : ١٧٢ و ١٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٤ و ١٧٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، المجموع ٤ : ٥٠٢ و ٥٠٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠.

(٦) المغني ٢ : ١٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٤ ، وراجع سنن الدار قطني ٢ : ٤ / ٢ و ٣.

٣٦

وقال أبو حنيفة والثوري ومحمد : تنعقد بأربعة ، أحدهم : الإِمام ، لأنّ الأربعة عدد يزيد على أقلّ الجمع المطلق ، فجاز عقد الجمعة به كالأربعين(١) .

ونمنع العلّية.

وقال الأوزاعي وأبو يوسف : تنعقد بثلاثة ، لعموم الأمر(٢) .

وقد بيّنّا خصوصه.

وقال ربيعة : تنعقد باثني عشر رجلاً ، لأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كتب إلى مصعب بن عمير قبل الهجرة ، وكان مصعب بالمدينة ، فأمره أن يصلّي الجمعة بعد الزوال ركعتين ، وأن يخطب قبلها ، فجمّع مصعب في بيت سعد ابن خيثمة باثني عشر رجلاً(٣) .

وهو حجّة على الشافعي لا علينا.

وقال الحسن بن صالح بن حيّ : تنعقد باثنين ، لأنّ كلّ عدد انعقدت به الجماعة انعقدت به الجمعة كالأربعين(٤) .

وهو غلط ، لأنّ الأمر بصيغة الجمع فلا يتناول الاثنين.

مسألة ٣٩٣ : يُشترط في العدد اُمور :

الأول : أن يكونوا ذكوراً إجماعاً ، فلا تنعقد بالنساء ، ولا بالرجال إذا تكمّل العدد بامرأة ، ولا خنثى مشكل ، وتنعقد بالخنثى الملحق بالرجال.

الثاني : يُشترط : أن يكونوا مكلَّفين ، فلا تنعقد بالصبي وإن كان مميزاً ،

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٣ ، المجموع ٤ : ٥٠٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٠ ، المغني ٢ : ١٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٣ ، المجموع ٤ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠ ، المغني ٢ : ١٧٢.

(٣) المجموع ٤ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠ ، المغني ٢ : ١٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٥.

(٤) المجموع ٤ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠.

٣٧

ولا بالمجنون وإن كان يعتوره ، إلّا أن يكون حال الإِقامة مُفيقاً.

الثالث : هل يُشترط الحرية؟ للشيخ قولان :

الاشتراط ، فلا تنعقد بالعبد قنّاً كان أو مُدبّراً أو مكاتباً أو اُمّ ولد - وهو قول الشافعي وأحمد(١) لأن الجمعة إنّما تصح منه تبعاً لغيره ، فلو انعقدت به صار التبع متبوعاً ، ولأنه لو انعقدت به ، لانعقدت بجماعتهم منفردين كالأحرار(٢) .

والثاني : عدمه - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لأنّه رجل تصح منه الجمعة فانعقدت به كالحر(٤) .

الرابع : وهل يشترط الحضر؟ قولان للشيخ : الاشتراط(٥) - وبه قال الشافعي(٦) - فلا تنعقد بالمسافر ، لما تقدّم في العبد. وعدمه(٧) - وبه قال أبو حنيفة(٨) - لما تقدّم.

الخامس : لا يشترط الصحة ، ولا زوال الموانع من المطر والخوف ، فلو حضر المريض أو المحبوس بعذر المطر أو الخوف وجبت عليهم ، وانعقدت‌

____________________

(١) الاُم ١ : ١٩١ ، مختصر المزني : ٢٦ ، المجموع ٤ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢ ، السراج الوهاج : ٨٦ ، المغني ٢ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٥.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٣.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٥ ، شرح العناية ٢ : ٣١ ، اللباب ١ : ١١٢ ، المغني ٢ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٥.

(٤) الخلاف ١ : ٦١٠ مسألة ٣٧٥.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٣.

(٦) الاُم ١ : ١٩١ ، مختصر المزني : ٢٦ ، المجموع ٤ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، السراج الوهاج : ٨٦ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٥.

(٧) الخلاف ١ : ٦١٠ مسألة ٣٧٥.

(٨) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٥ ، اللباب ١ : ١١٢ ، المغني ٢ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٥.

٣٨

به إجماعاً - إلّا في قول بعيد للشافعي : إنّها لا تنعقد بالمريض كالمسافر(١) - لأنّ سقوطها عنهم لمشقّة السعي ، فإذا تكلّفوه ، زالت المشقة ، فزال مانع الوجوب والانعقاد به ، فيثبتان.

السادس : لا يشترط مغايرة الإِمام للعدد ، وقد تقدّم(٢) . وللشافعي قولان(٣) .

السابع : يشترط الإِسلام ، لعدم انعقادها بالكافر إجماعاً ، ولا تشترط العدالة ، فتنعقد بالفاسق إجماعاً.

الثامن : يشترط عدم العلم بحدث أحدهم ، فلو أحدث أحدهم مع العلم به والعدد يتمّ به ، لم تنعقد به ما لم يتطهّر ، ولو لم يعلم صحّت الجمعة للمتطهّرين.

وكذا لو ظهر حدث أحدهم وكان جاهلاً به ، كما لو وجد بعد الجمعة جنابة على ثوبه المختص به ، فإنّ الجمعة قد صحّت لغيره ، ويقضي هو الظهر.

مسألة ٣٩٤ : قال الشيخ : أقسام الناس في الجمعة خمسة :

من تجب عليه وتنعقد به وهو : الذكر ، الحُرّ ، البالغ ، العاقل ، الصحيح ، السليم من العمى والعرج والشيخوخة التي لا حراك معها ، الحاضر أو من هو بحكمه.

ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به وهو : الصبي والمجنون والعبد والمسافر والمرأة. لكن يجوز لهم فعلها ، إلّا المجنون.

____________________

(١) المجموع ٤ : ٥٠٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٥ - ٥١٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٣ ، السراج الوهاج : ٨٦.

(٢) تقدم في أول البحث الثالث.

(٣) المجموع ٤ : ٥٠٢ - ٥٠٣ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٣ ، السراج الوهاج : ٨٦.

٣٩

ومن تنعقد به ولا تجب عليه وهو : المريض والأعمى والأعرج ومن كان على رأس أكثر من فرسخين.

ومن تجب عليه ولا تنعقد به وهو : الكافر ، لأنّه مخاطب بالفروع عندنا.

ومختلف فيه وهو : من كان مقيماً في بلد من طلّاب العلم والتجّار ولمـّا يستوطنه ، بل متى قضى وطره خرج ، فإنّها تجب عليه وتنعقد به عندنا ، وعندهم خلاف(١) .

مسألة ٣٩٥ : لا يشترط بقاء العدد مدة الصلاة‌ ، فلو انعقدت بهم ثم انفضّوا أو ماتوا - إلّا الإِمام بعد الإِحرام - لم تبطل الجمعة ، بل يتمّها جمعةً ركعتين.

وحكى المزني عن الشافعي خمسة أقوال :

أحدها : هذا - وبه قال أبو يوسف ومحمّد(٢) - لأنّها انعقدت فوجب الإِتمام ، لتحقّق شرط الوجوب. واشتراط الاستدامة منفي(٣) بالأصل ، ولا يلزم من اشتراط الابتداء بشي‌ء اشتراط استدامته به ، كعدم الماء في حق المتيمم.

الثاني - وهو الأصح عندهم - : أنّ العدد شرط في الاستدامة ، كما في الابتداء ، فلو نقص واحد قبل التسليم بطلت جمعةً ويتمّها ظهراً - وبه قال أحمد(٤) - لأنه شرط في الجمعة يختص بها، يُعتبر في ابتدائها فيعتبر في استدامتها كالوقت.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٣ - ١٤٤.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣١.

(٣) في « ش » والطبعة الحجرية : ينتفى.

(٤) المغني ٢ : ١٧٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٤ : ٥٢٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣١.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473